التقارير

بينما الحذر السياسي والعسكري يسيطر على الموقف في سورية بانتظار تبلور قرارات يتمخض عنها بدايات حل سياسي، وفي ظل تفاوت الآراء والمواقف حول ماهية وجوهر هذا الحل مع سعي الجانب الروسي بلورة حل سياسي وفق شروطه الجيوسياسية. تتابع الفعاليات الإعلامية والبحثية اهتمامها بالمشهد السوري وتداعياته الإقليمية والدولية، إذ ركزت خلال الشهر المنصرم العلاقات الروسية الإيرانية أوجه التوافق أوجه الخلاف والعلاقات الروسية التركية وما آلت اليه، بالإضافة لدواعي ودوافع التقارب الإيراني التركي، كما تركز الاهتمام على المشهد العسكري ومآلاته بعد انتهاء الجولة السادسة من محادثات الأستانة، كما اهتمت تلك الفعاليات على تفاعلات المشهد الكردي سواء "استفتاء استقلال" إقليم كردستان العراق أو تسليط الضوء على القوات الكردية وتبيان طبيعة مشروعها ومدى خطورته على الدولة السورية، وهذا ما سيقف هذا التقرير عند تلك القضايا مبيناً وجهة نظر المحللين والباحثين الروس حيالها بالإضافة إلى استعراض بعض قضايا الشأن الداخلي الروسي.

طبيعة العلاقات بين الضامنين الثلاث

فيما يتعلق بطبيعة العلاقة الإيرانية الروسية في سورية، فقد حاورت صحيفة "سفابودنايا بريس" بتاريخ 2/8/2017، رئيس مركز البحوث الإسلامية في معهد التطوير المبتكر الخبير "كيريللا سيمينوف" وتحت عنوان "الحلفاء في سورية يتباعدون... إيران تحاول أن تجر روسيا للحرب دون أن تنجح" حلل فيه الخبير طبيعة العلاقات بين الضامنين الثلاث وفق اتفاق موسكو ومدى اتساقها مع التصريحات الروسية الرسمية، وأهم النقاط التي تضمنتها هذا المحاورة([1]):

  • إن التصريحات الروسية لا تعكس حقيقة ما يجري على الأرض، فالتوافق الروسي الإيراني إنما هو على المواقف التكتيكية فهناك خلاف أكيد على المواقف الاستراتيجية.
  • إن مشاركة طهران لمحادثات الأستانة ما هي إلا تظاهرٌ بالدعم للمفاوضات بينما فعلياً هي تدفع باتجاه تسخين مناطق جديدة بعيد تسكين لمناطق معينة كما حصل مؤخرا" في البادية السورية.
  • تتعمد طهران إثارة الخلافات الأميركية الروسية. وبدا ذلك جلياً عندما تم الاتفاق مع أميركا على منطقة تخفيض التوتر في الجنوب وتضمين الاتفاق إبعاد الميليشيات الشيعية 40 كم عن الحدود الأردنية الإسرائيلية، وكذلك في المفاوضات مع جيش الإسلام في مصر برعاية روسية وبدء التنفيذ على الأرض، إذ شعرت إيران وكأنها المستهدفة من وراء ذلك ففي دمشق تتمركز كثير من ميليشياتها وكذلك الحرس الثوري، تعتبر دمشق من مناطق نفوذها.
  • إن انتشار الشرطة العسكرية الروسية في شرق حلب وتعاونها مع الأهالي لا يروق لإيران التي لا تترك فرصة لهيمنة ميليشياتها التي تحمل العقيدة الخمينية.
  • إن أهداف إيران في سورية ومحاولتها تشييع أبناء المنطقة لا تساعد على إحلال السلام في منطقة تقطنها غالبية سنية.
  • لكي تستطيع موسكو دفع مبادراتها لإنهاء الحرب الأهلية في سورية فلا بد لها من اتباع سياسة متوازنة بعيدة عن رغبات إيران وكذلك نظام بشار الأسد والمساهمة في بدء العملية السياسية.
  • إن موسكو التي أخذت على عاتقها تحقيق السلام في سورية تسعى لعدم تحويلها لمستعمرة إيرانية تعمل طهران من خلالها إلى تشييع سكانها وإذكاء النعرات الدينية والطائفية، والتحكم بما بقي من الجيش السوري والانخراط بالتشكيلات التي انشأها الروس كالفيلق الخامس وإدخال فيه ميليشيا تابعة لها كحزب الله.
  • لم تظهر الخلافات الإيرانية الروسية للعلن، رغم تعطيل طهران النظام السوري لمفاوضات أستانا رغبة منهما في إبرام صفقات إفرادية أو كسب المزيد من الأراضي من خلال الادعاء بمحاربة الجماعات المتطرفة فيما يلوم العالم روسيا لعدم مقدرتها على ضبط حلفائها. وفي هذا السياق نوه الخبير إلى أنه لا بد لتركيا وروسيا من اتخاذ الإجراءات السريعة لضبط الوضع في إدلب حيث تتواجد مجموعات متطرفة وإلا ستكون ذريعة للنظام وإيران بشن هجوم عل إدلب بذريعة القضاء على المتطرفين هناك.
  • إن إيران لا ترى إلا الحل العسكري وتحقيق الانتصار على المعارضة وتطلب من موسكو تقديم الدعم، بينما تسعى موسكو إلى التوصل إلى حل سياسي سلمي للصراع سيؤدي فشله إلى وقوع ضحايا جديدة.

أما فيما يرتبط بالعلاقات الروسية التركية وما آلت اليه، تحت عنوان "هل يمكن لتركيا بيع روسيا ثانية؟ "ذكرت صحيفة "سفابودنايا برس" بقلم "زاور كاراييف" 20/8/2017 أنه << في الآونة الأخيرة وبعد تحول العالم من القطبية الواحدة الأميركية إلى متعدد القطبيات، بدأت تتغير المعطيات، فعلى سبيل المثال تركيا التي لعبت دورا" هاما" في القضية السورية بتعاونها مع روسيا وإيران ولعبت هذا الدور من خارج التحالف الدولي بعد حادث اسقاط الطائرة الروسية وتسوية الوضع وحقق هذا التعاون نوعاً من الاستقرار، وقادت تركيا بعدها عملية درع الفرات غير ملتفةً للانتقادات الغربية لها وحققت أهدافها بمنع اتحاد حزب العمال الكردستاني مع باقي الميليشيات الكردية وهو الأهم بالنسبة لتركيا>>.

 وبهدف استطلاع العلاقة التركية الروسية أجرت الصحيفة حوارا" مع الخبير التركي "كيرام يلدريم" الذي ذكر أن تركيا تفضل الآن العمل مع روسيا وإيران في إشارة واضحة لأميركا بأنها تستطيع الابتعاد عنها، لأنه وفقاً للخبير فالأمريكان يبدو من تصرفاتهم قادرين على العرقلة والتعطيل أكثر من فعل شيء على الأرض من أجل السلام على الأقل في هذا الوقت وبالتالي فهذه العلاقة تحوي رسائل "ابتزاز" لأميركا. واستطرد الخبير قائلاً: "لا شك فإن أميركا وحلفائها يحققون انتصارات سريعة على التنظيم والواقع أظهر أن تنظيم الدولة ما هم إلا مجموعات لا تجيد القتال بقدر اجادتهم للقتل فهم غير مقاتلين وليسوا مسلمين، وأردوغان يعي الموقف الأميركي هذا، لذلك فانه يحضر للعمل ضد حزب العمال الكردستاني مستقبلا" -الخطر الأكبر على تركيا-وهو يعلم جيداً أن أميركا لن تدير ظهرها لتركيا، عندما يصبح الخيار تركيا أو الأكراد، فستختار تركيا بالتأكيد"([2]).

بالمقابل وفيما يتعلق بالتقارب الإيراني التركي بين موقع "بلاكستونبيت الإلكتروني" أن زيارة محمد باقري -رئيس للأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية-الذي زار تركيا منذ الثورة الإسلامية عام 1979سيجعلها دون شك زيارة فريدة ومهمة. وبالإضافة إلى ذلك، هناك عدد من الجوانب التي تعزز الطابع التاريخي لهذه الزيارة. والتي نتج عنها مجموعة من المواقف الجديدة والهامة لتطوير العلاقة بين البلدين وتتلخص هذه المواقف بوقوف البلدين ضد تقسيم العراق في إشارة للاستفتاء إقليم كردستان العراق في 25/9/2017، وركزت الصحيفة على تصريح رئيس مجلس الامن القومي التركي السابق "كيلينتش" الذي اعتبر أن الزيارة ضربة لحلف الأطلسي كما أنها تُعد معلماً هاماً في السياسة المحلية التركية والدبلوماسية الإقليمية في إيران. وإذا عملت تركيا وإيران معاً، فإنه يمكن فتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة وتجري هذه الزيارة في ظل التغيرات الجذرية التي تشهدها تركيا من تقربها من الصين وروسيا وابتعادها عن الرياض وأبو ظبي وواشنطن وبروكسل كما نوقش الوضع السوري أيضا" وخاصة في إدلب حيث ناقش رؤساء الأركان في الدول الثلاث الاتراك والروس والإيرانيون آخر التطورات في سورية وخاصة تلك المعلومات([3])، كما ركزت صحيفة بارتس توداي الروسية على إشادة باقري بالزيارة ونتائجها لا سيما تطابق في وجهات النظر حول محاربة الإرهاب وخاصة تنظيم الدولة وكذلك الأوضاع في العراق والوقوف ضد الآثار السلبية لتواجد قوة عظمى في المنطقة([4]).

من جهة أخرى فقد تزايدت التحاليل المتعلقة بصفقة منظومة الدفاع الجوي الروسية S-400 وآثارها على تركيا، فقد ركزت الفعاليات الإعلامية الروسية على ردة الفعل الأمريكي مستعرضة رسالة النائب الأميركي بين كاردين الموجهة إلى الرئيس ترامب يطالب فيها بفرض عقوبات على تركيا بسبب شرائها منظومة الدفاع الجوي s 400 ويطالب بتطبيق قانون العقوبات عليها باعتبار أن تركيا تشجع الصناعات العسكرية الروسية، وقد أوضح السيناتور أنه في هذا الوقت الحرج الذي تحتاج فيه أميركا لجمع حلفائها تعمد تركيا إلى التحالف مع روسيا وأضاف بأن نص قانون العقوبات يقضي بالتطبيق التلقائي للعقوبات ضد أنقرة لدعمها التصنيع العسكري الروسي، ويتوقع ايغور غاكشوف في صحيفة روسيا اليوم أنه في حال تطبيق مثل هذه العقوبات سيؤدي إلى نقل القواعد العسكرية الأميركية إلى دول أخرى . ويذكر ايغور أنه وفي نفس السياق وفي أيلول تم فتح تحقيق أميركي ضد وزير الاقتصاد التركي السابق ظفر كاجلايان المتهم بإجراء اتفاقات سرية مع إيران مخالفاً قانون العقوبات ضدها وهكذا تشمل تركيا قانوني عقوبات. بينما في أنقرة ترتفع أصوات حول العلاقة مع أميركا حيث أعرب أردوغان عن سروره بتطوير التقنية الخاصة بالعربات العسكرية التي لم يتمكن تركيا من الحصول عليها من أميركا، كما تعتبر تركيا قضية الوزير التركي موجهة ضدها وإن كان وزيراً سابقاً وتابع أردوغان لقد جن الناتو من شرائنا المنظومة من روسيا وخاطبهم ماذا تريدون أن نفعل هل ننتظركم يجب أن نهتم بأنفسنا؟

وقد أشار نائب رئيس مركز التقنيات اليكسي ماركا ركين إلى خيبة أمل أردوغان من السياسة الأميركية حيث كانت التوقعات أعلى من ذلك بكثير إذ كانت تربط تركيا بمستشار الأمن القومي مايكل فيلين علاقة متميزة، وتوقع أردوغان أن يكون له دور في تغيير السياسة الأميركية بما يخص الأكراد ولكن لا شيء حدث من هذا القبيل إضافة لترك فيلين لموقعه في البيت الأبيض، ويذكر ماركا انه تاريخياً يرتبط الجيش التركي ارتباطاً وثيقاً بالولايات المتحدة وبالناتو إلا أن فشل الانقلاب عام 2016 أعطى أردوغان حرية المناورة السياسية وأصبح تأثير جنرالات الجيش أقل، لذلك عمد إلى طلب الدعم التقني من روسيا. وعلق الخبير "فياتشسلاف شليكوف" بوصف العلاقة التركية الحالية بالناتو بأنها تمرد والأكثر جرأة هو شراء منظومة الدفاع الجوي وفاجأت الجميع. كما علق المستشرق "سيمون بغداساروف" قائلا": بالعودة إلى تصريحات أردوغان حول اميركا والناتو لا نعتقد انها ستذهب بعيدا ويمكن اعتبارها في سياق الابتزاز والتسخين إرضاء لأولئك الراغبين من الخروج من حلف الأطلسي وهم موجودون بكثرة حاليا "([5]).

تطورات المشهد السياسي والعسكري في سورية

تركز الاهتمام الإعلامي والبحثي الروسي فيما يتعلق بالمشهد السياسي والعسكري على ثلاثة قضايا رئيسية الأولى سياسية وترتبط بمحادثات الأستانة وآثارها على الملف السوري من جهة وعلى تموضع موسكو السياسي من جهة ثانية، والثانية عسكرية متصلة بمعارك دحر الإرهاب في دير الزور، والثالثة عسكرية أمنية فرضها هجوم بعض الفصائل المسلحة على جبهات النظام في ريف حماه الشمالي وما تضمنته من غايات أمنية.

محادثات الآستانة والتسيّد الروسي

في مقالته "ماذا فعلت روسيا في سورية بحيث لم تعد أميركا دولة عظمى" المنشورة في صحيفة كمسامولسكايا الروسية بتاريخ 16/9/2017 والتي استعرض من خلالها هذه النتيجة كمحصلة لاتفاقات الأستانة، ذكر الكاتب "ألكسندر بوبكو" أن العالم بدأ يعرف ان سياسة روسيا في الشرق الأوسط أكثر فعالية من سياسة واشنطن في العراق وأفغانستان. واستدل على تلك النتيجة من خلال استعراضه لـ “اعترافات" العديد من الصحافة الغربية ومنها صحيفة لو فيغاور الفرنسية بنجاعة العمليات العسكرية الروسية بالمقارنة مع الأميركية في أفغانستان والعراق وهذا ما أكده "ايغور كورتشينكو" -المحرر الرئيس في مجلة الدفاع الوطني عضو المجلس الاجتماعي في وزارة الدفاع الروسية-وقد فند الكاتب النتائج المتحصلة من محادثات أستانة الآتي([6]):

  • اعتبارها أكثر واقعية وفاعلية من محادثات جنيف إذ استطاعت فصل المعارضة المعتدلة عن المتطرفين، ودمج المقاتلين في العملية السياسية على أساس القرارات الدولية، وتحول القادة الميدانيين من مقاتلين في البزة العسكرية إلى مفاوضين باللباس المدني.
  • انتاج مناطق خفض التصعيد التي يمكن للحياة الطبيعية العودة إليها، وأصبح الجو مهيأً لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وانتهاء الحرب.
  • اعتراف وسائل إعلامية دولية بكون محطة استانا كانت اختراق خطير للدول الراعية لعملية السلام.
  • الغياب (ولأول مرة) الحديث عن دور للولايات المتحدة إذ أن وجودها كمراقب لا يليق بمكانتها الدولية، وبدورها لا تستطيع الاعتراض على القرارات كون المتفاوضين لديهم تفويض من الأمم المتحدة.
  • اعتراف أغلب المحللين السياسيين بالدور الروسي في سورية والذي كان أكثر فاعلية من التدخل الأميركي، واستطاع خلق أجواء إيجابية في اتفاق إدلب لا يمكن اخفاؤها واعتبرت استانا نقطة حاسمة في مصير سورية.

ومن جهته أوضح الكاتب "روبرت فرانتسيف" في صحيفة "فيسترو" بتاريخ 16/9/2017 أن أميركا قدمت تنازلات للصين وروسيا حتى استطاعت فرض هيمنتها على العراق وحل الجيش العراقي وحاولت دعم الثورات في أوكرانيا وجورجيا وسورية وفرضت عقوبات على كوريا الشمالية وكل ذلك يعني فقدان اميركا لمكانتها الدولية، وفيما يتعلق بالأستانة أكد الكاتب على الآتي([7]):

  • وضعت جولة الأستانة الأخيرة حدود مناطق خفض التصعيد الأربع على الخارطة ولم يبق سوى المسائل التقنية.
  • لم تعد مسألة مشاركة المعارضة المسلحة قابلة للنقاش، خاصة بعد النجاحات الأخيرة للجيش السوري وروسيا وأصبحت مشاركتها حتمية وبدون شروط مسبقة منها، والزي الميداني الذي يرتديه ممثل المعارضة ما هو إلا مظهر تهديد وهمي.
  • إن الحدود التي رسمت لمناطق خفض التصعيد هي حدود مؤقتة – وفق تصريحات ألكسندر لافيرنتييف ممثل الرئيس الروسي للمفاوضات -ولا تعني أي تقسيم لسورية في المستقبل.
  • وضوح الخطوط الفاصلة بين المعارضة المسلحة والإرهابيين ولم تعد تظهر فيها الرايات السوداء.

وختم روبرت مقالته قائلاً: "وما تم في أستانة في بضعة أشهر، يحتاج لبضع سنوات في الأمم المتحدة، مع الإشارة أن الخطوط التي وضعت في أستانة ليست لسورية فقط وإنما للعالم كما يتضح أيضاً أن جميع الأزمات العالمية يمكن حلها بطريق المفاوضات وليس عن طريق الهيمنة"([8]).

على الرغم من أن محادثات الآستانة قد أحدثت تبديلاً واضحاً في عناصر العملية السياسية، إذ استطاع الروس ومن خلال فكرة الضامنين أن يهندسوا أطر هذه العملية عبر اتفاقات أمنية عسكرية تفضي لخفض التصعيد، إلا أن حركية الفواعل الدولية والإقليمية ليست على تناغم متطابق مع الفاعل الروسي، سواء في الجبهة الجنوبية أو في معارك البادية وترتيبات ما قبل تحرير الرقة ودير الزور وما بعدهما أو حتى في جبهات أخرى كإدلب وريف حماه، حيث سيشكل ظهور أي متغير جديد انتكاسة واضحة لهذا المسار هذا من جهة، ومن جهة أخرى فأن الاستنزاف الحاد في بنى النظام تجعله فاقداً لعنصر المبادرة الاستراتيجية ويهدد دفاعاته العسكرية والأمنية، مما يجعل فكرة "استدامة نصره" غير قائمة، كل هذه العوامل بالإضافة إلى عوامل تتعلق بالجوهر الحقيقي للقضية السورية يجعل هذا المسار مساراً قلقاً قابلاً للتدهور على عكس ما تحاول وسائل الإعلام الروسي تأكيده.

معركة ريف حماه وهشاشة دفاعات النظام

أما فيما يتعلق بالتطورات العسكرية فقد نشرت وزارة الدفاع الروسية في 20/9/2017 تقريراً لقائد العمليات العسكرية الروسية في سورية حول الأحداث الأخيرة في منطقة إدلب، اعتمد مبادئ التهويل والتضخيم الإعلامي في الأرقام وأكد في ذات الوقت –استدلالاً- على هشاشة دفاعات قوات النظام المتمركزة في تلك المناطق وعدم استطاعتها على الحفاظ على "المكتسبات العسكرية " المتأتية من التدخل العسكري الروسي، وهو أمر يعزز من مقاربة تزمين التدخل العسكري للقوات الروسية في حال عدم نجاح خططها السياسية في تسكين الجبهات وهذا ما يعمق الكلف السياسية لتدخلها، إذ جاء في هذا البيان:

شنت بعض الفصائل الموقعة على اتفاقية وقف العمليات القتالية مع "جبهة النصرة" في 19/9/2017 هجوماً على "القوات الحكومية" على نطاق واسع في الشمال والشمال الشرقي من مدينة حماه في منطقة خفض التصعيد بإدلب، ومدعماً بمدرعات وبتمهيد ناري مدفعي كثيف، وخلال يوم تمكن "المسلحون" من اختراق دفاعات القوات الحكومية بعمق 12 كم وبجبهة 20 كم، ووفقا للتقارير فإن الهجوم تم بإيعاز من المخابرات المركزية الأميركية لعرقلة تحرير دير الزور، إذ أنه كان من مهام الهجوم أسر 29 جندياً من مفرزة الشرطة العسكرية الروسية التي تراقب وقف النار في المنطقة. وبعدها قام قائد المجموعة العملياتية في سورية بتشكيل مجموعة فك الحصار وقوامها القوات الروسية الخاصة والشرطة العسكرية التي يعمل فيها عسكريون من شمال القوقاز وبمشاركة القوات الخاصة السورية وترأس المجموعة اللواء شولياك فيكتور فاسيلييفيتش نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة، وشارك في الهجوم زوج من طائرات سو-25، ومن ارتفاعات منخفضة تم قصف "الإرهابيين" ومدرعاتهم وتم كسر الحصار.

وأشار التقرير إلى أنه: "أثناء العملية تم جرح ثلاث جنود، وتم قتل 850 "إرهابياً و11 دبابة 4 BMB، وتدمير 187 هدفاً مع 6 رشاشات و20 عربة شحن و38 مستودع ذخيرة وبالاستفادة من الضربات النارية قامت وحدات الانزال من الفيلق الخامس بالتحول إلى الهجوم المعاكس واستعادة النقاط كافة ومازالت العمليات مستمرة([9]).

كما نشرت وزارة الدفاع الروسية مجموعة من الأخبار الإعلامية والمذكرات، أهمها قيام الغواصة (فيليكي نوفوكورد) التابعة لأسطول البحر الأبيض المتوسط بإطلاق صواريخها (كاليبر) من وضعيتها تحت الماء وقصفت مراكز تجمع الإرهابيين المشاركين في محاولة أسر الجنود الروس مع العتاد المدرع غطت الصواريخ مساحة 300كم. ولقد كان للضربات المفاجئة أثر كبير في إحداث تدمير مقرات السيطرة وقواعد التدريب ومدرعات الإرهابيين([10]). كما توقعت الأركان العامة الروسية أن تقوم قوات سورية الديمقراطية، وبدعم من الولايات المتحدة، بمنع تحرير دير الزور، وقد أطلق مسلحون من هذه القوات النار على مواقع الجيش السوري عدة مرات. وبهذا الصدد أصدرت وزارة الدفاع الروسية مذكرة احتجاج "شديدة اللهجة" وأبلغتها لقيادة القوات المسلحة الأمريكية في قطر. وكما قال قائد العمليات الروسية في سورية إيغور كوناشينكو، إنه إذا تم القصف من مرة أخرى، فسيتم التعامل معها بوسائل التدمير المناسبة([11]).

معارك دير الزور وأطروحات أمريكية حول تقاسم النفوذ

 وفيما يتعلق بمعارك دير الزور فإن الصحف الروسية تتحدث عن مقترح أميركي لتقاسم مناطق النفوذ في دير الزور إذ عرضت الولايات المتحدة الامريكية حسب هذه التقارير عقد اجتماع لمناقشة مستقبل مدينة دير الزور، ووفقا لوكالة نوفوستي فقد اعد الجانب الروسي ردا" على ذلك([12]). ومن جهتها نقلت وكالة تاس الروسية تصرح الجنرال جيفري هاريجان قائد القوات الجوية الأميركية في الشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا قائلا نحن لسنا في حالة حرب مع الروس ولا مع السوريين إلا أننا في حالة حرب مع تنظيم الدولة وأضاف أن روسيا وأميركا تعتزمان مواصلة عقد اجتماعات لكبار ضباطهما لمنع وقوع حوادث مختلفة بسبب سوء الفهم أحيانا([13]).

وتعقيباً على هذه أحداث دير الزور بيّن نائب مدير معهد الدراسات الاستراتيجية ديمتري ايغورشينكو أن الهجوم على دير الزور سار بوتيرة سريعة، بحيث فقدت الولايات المتحدة المبادرة الاستراتيجية ولهذا يحاولون استعادتها بكل الوسائل ولذلك يمكن ربط الاحداث الأخيرة في دير الزور ومحافظة حماه في سلسلة واحدة، ومن هنا يمكن تفسير هدف هجوم حماه بأسر جنود روس بحيث يمكن استغلال هذه الحادثة ضد روسيا([14]).

وفي الفترة الزمنية بين 8 و12 أيلول 2017 في منطقة تواجد مسلحي تنظيم الدولة وبحسب وزارة الدفاع الروسية، لوحظ تواجد أعداد كبيرة من عربات الهمر الأميركية المدرعة التي تستخدم من قبل الجيش الأميركي، وبتدقيق بالصور يلاحظ أن القوات الخاصة الأميركية متواجدة في نقاط الاستناد المجهزة مسبقا من قبل تنظيم الدولة مع بيان انه لم يلاحظ حول هذه النقاط آثار لعمليات اقتحام أو اشتباكات أو نتائج قصف جوي لقوات التحالف الدولي. "النص مترجم من الروسية كما ورد في تقرير وزارة الدفاع الروسية"، للمزيد انظر الشكل أدناه الصادر عن وزارة الدفاع الروسي:

والجدير بالذكر فيما يرتبط بالشأن العسكري هو خبر إقالة الجنرال قائد القوى الجوية الروسية، إذ ذكرت على سبيل المثال البوابة القانونية للأخبار على أنه أمر رئاسي وقد تضمن الأمر أيضا إقالة نائب قائد أسطول البحر الأسود الأدميرال "فاليري كوديكوف" الذي عين أيضا نائبا في البرلمان الروسي وإقالة مدير الأمن الداخلي في منطقة سارا توف جنرال شرطة سيرغي أربينا. أما صحيفة كاسباروف. رو أفادت بأن قائد القوى الجوية المقال سيصبح نائبا عن منطقة "كيروفسكي" في البرلمان الروسي وتم توقيع أمره من قبل قائد منطقة "كيروفسكي" بتاريخ 19/9/2017 وسيتم انتخابه يوم الأربعاء 27/9 كرئيس لجنة الدفاع والأمن في المجلس بعد أن أصبح نائباً، أما صحيفة "ميرتيسن" وصحيفة "ارغومينتي وفاكتي" فقالت أنه سيتم تعيين قائد المجموعة العملياتية في سورية الجنرال "سيرغي سورونيكن" قائدا للقوى الجوية الروسية بدلا" من باندارييف، وفي نفس الوقت تجري إقلات بين المحافظين كما سمتها إحدى الصحف بحملة تنظيف، كما اعفي رئيس هيئة مكافحة الفساد أيضاً.

عموماً: إن تركيز الفعاليات الإعلامية على الدور الأمريكي في عمليات ريف حماه الأخيرة ومحاولتها تقليل أعباء فقدانها للمبادرة الاستراتيجية في دير الزور، يدلل على تنامي المؤشرات التالية:

  1. عدم الاستكانة الأمريكية للهندسة السياسية والعسكرية الروسية من جهة، وتطويعها في تحقيق مكتسباتها في معارك تنظيم الدولة من جهة أخرى.
  2. ارتفاع مؤشرات التعارض الأمني الأمريكي الروسي، فالاتهام الروسي الصريح للولايات المتحدة الامريكية بمحاولة أسر جنود روس إنما تعتبره "استفزاز لموسكو وكشف حقيقي عن نوايا واشنطن التعطيلية".
  3. احتمالية زيادة نوعية التدخل الروسي شرق النهر، وازياد احتمالية ضربها لحلفاء واشنطن في تلك المنطقة لاسيما قوات سورية الديمقراطية.

الشأن الكردي الإقليمي والمحلي

انصب الاهتمام الإعلامي الروسي فيما يتعلق بالشأن الكردي على قضية استفتاء كردستان العراق إذ يلمح مؤشرات الرفض العام لهذا الاستفتاء، وعلى إشكالية القوات الكردية في الشمال السوري، وفي حين يبدو الأول طبيعياً بحكم أنه تطور غاية في الأهمية في تفاعلات منطقة الشرق الأوسط، فإن الاهتمام بالثاني وتسليط الضوء على "خطورتها" فإن تطور مهم في العلاقة الروسية مع حزب الاتحاد الديمقراطي ويدلل على تنامي اتجاه العلاقة نحو التوتر والاضطراب.

استفتاء يهدد الاستقرار الهش

فيما يتعلق بالاستفتاء في كردستان العراق فقد ردّ الخبير "أيغور بوروكوف" أسباب الاستفتاء المزمع أجراؤه في كردستان العراق لأسباب داخلية، كالناحية الاقتصادية وما تسببته انخفاض أسعار النفط والنفقات على تداعيات اقتصادية لوحدات البشمركة. إضافة لنواحي سياسية عدة أهمها يتعلق بطموح البرزاني، إذ يرغب مسعود البرزاني أن يبقى في ذاكرة الاكراد كرجل قاد شعبه إلى الاستقلال.

 كما تطرق الخبير إلى احتمالية منع الاستفتاء من قبل الجيش العراقي فاستبعد الفكرة كون الجيش خارج لتوه من معركة الموصل منهكاً، حيث تكبد خلالها خسائر كبيرة ولم يعد بقوته السابقة، بالإضافة إلى ذلك فلديهم عدو مشترك للجيش والأكراد وهو "جيش النقشبندية" وهم ثاني أكبر قوة في تنظيم الدولة والذي أسسه ضباط عراقيين سابقين في الجيش والأمن الذين فقدوا مصدر رزقهم بعد حل الجيش العراقي من قبل أميركا بعد دخولهم العراق على حد تحليل الخبير، ويضيف الخبير إمكانية زعزعة الاستقرار الهش في المنطقة بسبب الاستفتاء كون العراق متعدد العرقيات والطوائف حيث يتواجد الآشوريون والكلدانيون واليزيديون وهؤلاء يحتاجون إلى دولة واحدة تصون حقوقهم فماذا لو رغب كل منهم الاستقلال فسيتم تفتيت البلاد واقتتالها واراقة الدماء.

يتابع الخبير: لا شك أن هناك كثير من المؤيدين في الولايات المتحدة لإعادة رسم حدود الشرق الأوسط وهم المحافظون الجدد وهم ليسوا بعيدين عن الأفكار المتطرفة، وهم لا يؤيدون استقلال كردستان العراق لكنهم يريدون وبالقوة إقامة حكم ذاتي لهم في سورية الذين يتمتعون الآن بحكم ذاتي ضمن كنتوناتهم وهذا سؤال هام ويخص كثير من الدول. ويتساءل الخبير أنه "إذا ما اعتمد مبدأ زرع الديمقراطية في القوة كما في العراق وأفغانستان سيؤدي بالفعل إلى ظهور بؤر للإرهاب، وماذا لو تعرضت مساحات أخرى في الشرق الأوسط للتوزيع فمن الصعب التنبؤ بما سيحدث"([15]).

وفي سياق الحديث عن الاستفتاء في كردستان العراق تحدث الخبير التركي مدير معهد الطاقة والسياسة في أنقرة "فولكان اوزدمير" للوكالة الوطنية الروسية للأنباء РИА قائلا": << يتعرض الاستفتاء لمزيد من الضغوط الخارجية من جانب إيران والجامعة العربية وتركيا مضيفاً>>، وأضاف أن << المحكمة العراقية العليا اتخذت قرار بإيقاف الاستفتاء. وستعلن تركيا عن الإجراءات التي ستتخذها بعد اجتماع مجلس الأمن القومي ومجلس الوزراء في 22/9/2017>>، وحسب رأي الخبير فإن الورقة الأقوى في يد تركيا حيث تستطيع إيقاف ضخ النفط من كركوك مما يجعل أحلام اكراد العراق تذهب هباء وتعتقد تركيا بان الطرفين سيتوصلان إلى حل بتأجيل الاستفتاء، ويشرح الخبير تعاقدات حكومة كردستان مع الشركات النفطية ومنها جينيل وشركة الطاقة التركية وغيرها، لكنه شرح مستفيضا عن عقدها المبرم مع شركة(روسنفت) الروسية الموقع في حزيران عام 2017 لمد خط أنابيب عبر تركيا والذي سيبدأ العمل بالضخ المحلي في عام 2019 وللتصدير في عام 2020، ويرى الخبير ان مسعود البرزاني يسعى من وراء هذه الصفقة الحصول على دعم الروس للاستفتاء واعتقد الخبير أنه إذا ما قررت تركيا إيقاف ضخ النفط كركوك عبر أراضيها ستضطر حكومة البرزاني لتأجيل الاستفتاء([16]).

"القوات الكردية" خطر وتهديد على الدولة

برسالة واضحة، أكدت بعض الفعاليات الإعلامية الروسية على أن :"القوات الكردية في دير الزور لا تختلف كثيرا عن تنظيم الدولة وتشكل تهديداً جديداً، إذ أكد الباحث الرئيسي في مركز الأبحاث العربية والإسلامية التابع لمعهد الاستشراق "بوريس دولغوف" أن: << "قوات الحكومة السورية" وخلال فترة طويلة تعمل على تحرير مدينة دير الزور بالتعاون مع الروس، وقد بدأ الأكراد عملياتهم في المحافظة بدعم أميركي دون التنسيق مع القوات السورية وترافق ذلك مع اشتباكات لهم مع المواطنين العرب السنة، وهذا ما يذكر بعملياتهم المتعلقة بالتطهير العرقي أكثر من كونها تحرير مدينة محتلة. فعمليات الأكراد في هذه المحافظة ضد العرب السنة تعمق وتعقد الوضع في هذه المحافظة ولا بد أن يؤثر ذلك على عمليات الجيش السوري المدعوم من القوات الجوية الروسية، ولا شك ومن المنطقي أن سياسة الاكراد هذه في قتالهم تلقى مباركة من الولايات المتحدة الأميركية، ورغم أن هذه القوات لعبت دوراً ما في قتال تنظيم الدولة إلا أن أفعالها الحالية لا تختلف كثيرا عما يفعله تنظيم الدولة>>.([17])

من جهتها ذكرت المحررة "أفرورا زوريتا" في صحيفة "سفابودنايا" أن: << كل أفعال القوات الكردية في الشمال السوري توحي بإصرارهم على إقامة حكمهم الذاتي، فالقوات الكردية التي لم تنه عملها في الرقة بعد اتجهت إلى دير الزور عندما لاحظت تقدم القوات السورية باتجاه منابع النفط التي تعتبرها موردا" لدولتهم في حين أنها ضرورية لإعادة إعمار سورية المدمرة ، والملاحظ ان القوات الكردية تتعامل بوحشية ظاهرة مع السكان المحليين يشبه إلى حد بعيد تعامل إرهابيي تنظيم الدولة، عدا عن ذلك فقد عانى أكثر من 180000 من اللاجئين في الرقة من ظروف قاسية أثناء العمليات واستخدام القوات لأسلحة محرمة دولياً مثل الفسفور الأبيض وفق تصريح منظمة الصحة العالمية>>([18]).

وفي هذا السياق تحدث الخبير العسكري فلاديمير ايفيسييف نائب مدير معهد دول رابطة الدول المستقلة بقوله: على خلفية الانتصار على تنظيم الدولة سيتحول الأكراد تدريجيا" إلى القوة الوحيدة التي تشكل تهديدا" حقيقيا" وخطيرا" لسلامة سورية، مضيفاً أن << الأكراد حددوا في الخريف موعدا لسلسلة انتخابات لمستويات حكمهم الذاتي بعيداً عن دمشق>>، ويتابع الخبير قوله: يلاحظ اهتمام أميركا في الأكراد في هذه المنطقة وإقامة 13 قاعدة عسكرية لهم على الأراضي التي ستقام عليه دولتهم ويذكرنا ذلك بالسيناريو الأمريكي في العراق وإقامة كردستان العراق الذي أدى إلى تقسيم العراق، علما" أن الحكومة السورية طلبت التنسيق مع الجيش السوري في أية عمليات أو مناورات تجري على الأرض السورية على خلاف ما تقوم به القوات الكردية حاليا في دير الزور([19]).

حنين للسوفياتية بحكم الظلم والفقر

في مقالة مليئة بالسخط على الواقع المحلي الروسي افتتحت الكاتبة "مارغريتا ايفانتوفا" مقالتها في صحيفة "سفابودنايا برس" تاريخ 27/8/2017: << على الرغم من أن قسما" كبيرا" من الشعب الروسي كان يؤمن بالأفكار الليبرالية التي حملها يلتسن إلا أنه أصبح الآن أكثر حنينا" إلى الفترة السوفييتية ليس إيمانا بالأفكار الشيوعية بقدر إحساسه بالظلم الواقع عليه من حكومته التي لم تقدم له أي شيء>>، وتقوم الكاتبة بسرد بعض الأمثلة على سبيل المثال وليس الحصر:

  • المتقاعدين: فالمعاشات التقاعدية لا تسمح لهم حتى عيش الكفاف ولولا مساعدة ذويهم وبعض مدخراتهم لأصبحوا بالويل.
  • الخدمات الاجتماعية: على الرغم من وجود بعض الإصلاحات التي أدخلت في مجال التعليم والصحة فإنه بدون مال لا تستطيع الحصول عليها وبالمقارنة مع خدمات الطب والتعليم في دول أخرى حتى مع الاتحاد السوفييتي السابق فقد تدهورت كثيرا".
  • عدم وجود خطة واضحة لتنمية الإنتاج فقد تحولت روسيا من دولة صناعية كبرى إلى دولة تهتم بالصناعات الزراعية ومواد الخام في غضون ربع قرن.

وتذكر الكاتبة أن ما يميز المرحلة الحالية هو خوف المواطن من الأيام القادمة، وهذا نابع من حالة الظلم المنتشرة في بلادنا، فإطلاق النار صار عادياً في وسط موسكو، سرقة الملايين بدون حساب، حوادث السيارات التي تودي بحياة المواطنين بدون رادع، والأهم من ذلك أن فئة قليلة تجني الأرباح الطائلة من الأنشطة المصرفية وبيع المواد الخام في الخارج والعيش في النعيم في حين يرزح بقية الشعب في الفقر، وتتابع الكاتبة قولها (ساخرة): << أحيانا توجد فرص العمل ولكن بشرط ألا تمرض لأنه إذا مرضت فستحتاج لبيع كل ما تملك للمعالجة. هذا ما يجعلنا نفكر بأن شيئا خطأ حصل في البلاد حيث حفنة من البشر تعيش وتبصق على الباقي>>.

من هنا –ووفقاً للكاتبة -جاء قول إن الحياة في الحقبة السوفييتية أفضل في كل المعايير، وأن الحنين طبع انساني، إلا أنه تأصل وأخذ بعداً جديداً هذه الأيام. وتختم الكاتبة قائلة: << بالتأكيد نحن غير قادرين على إعادة الاتحاد السوفييتي إلا أننا نريد أن نعيش في وطن يشعر فيه المواطن بثقته في مستقبله، هذا الطلب يتزايد يومأ" بعد يوم طبعا" ينشد في هذا الوطن دولة العدالة والنمو المستمر. بينما الدولة منشغلة الآن بالبحث عن خطة استراتيجية لإعادة انتخاب بوتين>>. وتتساءل: <<كيف يمكن أن نثق بالعدالة عندما تقوم شركة (روسا) بإرسال عمالها إلى منجم (مير) لاستخراج الماس وهو يفتقد لأدنى ظروف الأمان، حيث غمرته المياه وفقد ثمانية من العمال دون حساب، والشركة تحقق الأرباح الطائلة هل هي هذه العدالة؟ إنها غير موجودة ولم يبق لدينا قول للمواطن إلا (انتظر وعود السماء) بعد أن أدرك الجميع أن الانتخابات لن تقدم شيئا" للوطن والمواطن طالما الحكومة باقية>>([20]).

الخاتمة

تشير الأوساط الإعلامية والبحثية الروسية إلى الآستانة كإنجاز مهم، ورغم تجمع الحلفاء في سورية على بعض الأهداف المشتركة المعلنة وكثير من الأهداف المتناقضة غير المعلنة، فقد بيّن رصد بعض وسائل الإعلام وتحليل بعض الخبراء أن هناك توافق روسي إيراني على مواقف تكتيكية متعلقة بمناطق خفض التصعيد والحفاظ على المؤسسات في سورية وتفرق بينهم قضايا استراتيجية هامة وكلا الطرفين مضطر للتعامل مع الطرف الآخر للوصول إلى أهدافه، فروسيا -وفق هذا الرصد - تحاول إقامة دولة مؤسسات علمانية والحد من النفوذ الإيراني الذي يسعى إلى بسط سيطرته على القرار السياسي السوري مع محاولة الحد من طموحها بخرق وقف اطلاق النار إلى أن تحين ساعة القرار بينما تضطر تركيا للتعامل مع كل من إيران وروسيا لتحقيق هدفها الأهم وهو منع إقامة الحكم الكردي على حدودها، وتنظر بنفس الوقت بعين الأمل لواشنطن لتغيير موقفها من تسليح الأكراد والتخلي عنهم بعد القضاء عل تنظيم الدولة تسهيلا" لهدف تركي بطرد "الأكراد" من المناطق المتواجدين فيها، ويبدو أن تركيا تعد العدة لهذه اللحظة بحشد قواتها في بعض المناطق الكردية، وما التقارب التركي الإيراني إلا ردة فعل على الخطر المشترك وهم الأكراد ولا تعتقد تلك الأوساط أن لديهم رؤى مشتركة للحل في سورية.

من جهة عسكرية ركزت تلك الأوساط على دلالات هجوم فصائل مسلحة على ريف حماه الشمالي كانهيار دفاعات النظام وملامح الدفع الأمريكي لهذه المعركة، ورغم قدرة الألة العسكرية الروسية على فك الحصار عن تلك المناطق، إلا إن هذا كشف عمق أزمة النظام على المستوى البنيوي والهيكلي وعدم قدرته على الحفاظ على المكتسبات وهو امر يعد انزلاق مستمر للتدخل العسكري الروسي وهو ما سيعود بتبعات سياسية بالغة على موسكو، ومن جهة أخرى فإن تسليط الضوء الروسي على خطورة "القوات الكردية" واعتبارها مهدداً امنياً اكثر من تنظيم الدولة فما هو إلا مؤشراً على تحول العلاقة في قادمات الأيام إلى أشكال أكثر تصعيدية.

 


 

([1]) انتون مادراسوف: "الحلفاء في سورية يتباعدون... إيران تحاول أن تجر روسيا للحرب دون أن تنجح"، صحيفة سفابودنايا بريس تاريخ 2/8/2017، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/bAAvYs

([2]) زاور كاراييف ، صحيفة سفابودنايا برس 20/8/ 2017، الرابط الالكتروني: http://svpressa.ru/war21/article/17951

([3]) زاور كاراييف، صحيفة الصحافة الحرة 20/8/2017، الرابط الالكتروني http://svpressa.ru/war21/article/17951

([4]) المصدر: صحيفة بارتس توداي، تاريخ 18/8/2017، الرابط الالكتروني: http://parstoday.com/ru/news/iran-i73090

([5]) ايغور غا كشوف، صحيفة روسيا اليوم تاريخ 16/9/2017، الرابط الالكتروني: https://ria.ru/world/20170916/1504884251.html

([6]) ألكسندر بويكو، صحيفة كمسامولسكايا برافدا تاريخ 16/9/2017، الرابط الالكتروني: https://www.kp.ru/daily/26732.5/3759136/

([7]) المرجع نفسه.

([8]) روبرت فرانتسيف، صحيفة فيستي رو 16/9/2017، الرابط الالكتروني: https://www.vesti.ru/doc.html?id=2933024

 

([9]) وزارة الدفاع الروسية 20/9/2017، الرابط الالكتروني: http://syria.mil.ru/news/more.htm?id=12143004@egNews

([10]) وزارة الدفاع الروسية 22/9/2017، الرابط الالكتروني: http://syria.mil.ru/news/more.htm?id=12143227@egNews

([11]) صحيفة فيستي. رو 21/9/2017، الرابط الالكتروني: http://www.vesti.ru/doc.html?id=2934737&tid=95994

([12]) صحيفة النجم الأحمر تاريخ 18/9/2017، الرابط الالكتروني: https://tvzvezda.ru/news/vstrane_i_mire/content/201709181758-zoww.htm

([13]) وكالة تاس الروسية 22/9/2017، الرابط الالكتروني: https://www.vesti.ru/doc.html?id=2935410

([14]) افرورا زورينا، صحيفة بليت اكسببيرت، تاريخ21/9/2017، الرابط الكتروني: https://goo.gl/yq6w2H

([15]) ايغور بوروكوف، معهد الدراسات الاستراتيجية، تاريخ 19/9/2017، الرابط الالكتروني https://riss.ru/events/43844

([16]) فيدور سميرنوف، روسيا اليوم (الوكالة الوطنية الروسية للأنباء)، تاريخ: 19/9/2017، الرابط الالكتروني: https://ria.ru/world/20170918/1505018569.html

([17]) مجلة بليت اكسببيرت 17/9/2017، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/pDqoHr

([18]) افرورا زورينا، صحيفة سفابودنايا بريس، تاريخ 19 /9/2017 الرابط الالكتروني: https://goo.gl/QNTGCi

([19]) مجلة بليت اكسببيرت، تاريخ 17/9/2017، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/ELqQ5W

 

([20]) مارغريتا ايفانتوفا، صحيفة سفابودنايا برس، تاريخ 27/8/2017، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/2i8fxA

مناف قومان
مدخل شهدت سورية خلال الأيام القليلة الماضية تحولاً تاريخياً تمثل بانتصار الثورة في إسقاط نظام…
السبت كانون1/ديسمبر 21
نُشرت في  أوراق بحثية 
محمد السكري
ملخص تنفيذي برزت أهمية مفهوم النقابات كمساهم في صيرورة بناء المؤسسات وعملية الدمقرطة في الدولة…
الخميس كانون1/ديسمبر 19
نُشرت في  أوراق بحثية 
مروان عبد القادر
شهدت سورية منذ بداية الثورة في عام 2011 حالة من الاضطراب السياسي والعسكري، تمثلت في…
السبت كانون1/ديسمبر 14
نُشرت في  مقالات الرأي 
فرح أبو عياده, حسن جابر
ملخص تنفيذي باستمرار الاستهداف الإسرائيلي على الأراضي السورية؛ يُفسر نأي النظام السوري عن الانخراط في…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 25
نُشرت في  أوراق بحثية