مقالات

مرة أخرى، وكالعادة بالتزامن مع استراتيجيات النظام العسكرية الرامية لإجبار معادلات السياسة والعسكرة لصالحه وحلفائه، طرح المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا لمجموعات صنع القرار المحلي والإقليمي والدولي ملخصاً تنفيذياً حول العملية السياسية في سورية بيّن فيه رؤيته لمجموعة من الأساسيات الناظمة للعملية التفاوضية والمرحلة الانتقالية وصولاً لما سماه المبعوث الدولي "بالمرحلة جديدة في سورية تتمتع فيها بالسلام".

 يترافق هذا الطرح مع تنامي العناصر المدللة على تأزم المشهد السياسي لاسيما مع ظهور عناصر جديدة في معادلات السياسة الدولية والإقليمية بدءً من تعثر "مسيرة الثقة" بين الفاعلين الأمريكي والروسي فيما يتعلق باتفاقات تعنى "بمحاربة الإرهاب ودفع العملية السياسية"، ومروراً بظهور مؤشرات أولية لتغييرات محتملة في خارطة التحالفات لصالح ربط الدول الإقليمية بالبوصلة الروسية التي باتت الأكثر تأثيراً على مسارات الملف السوري بحكم "فتاوى" إدارة أوباما العبثية، ولهاث موسكو نحو تسجيل أكبر قدر ممكن من النقاط قبيل الانتخابات الأمريكية المقبلة والتي ستبقى آثار هذه الإدارة واضحة على سلوكيات أي قيادة جديدة، ووصولاً نحو تكريس قواعد المراوغة في حقول التفاوض بغية كسب الوقت والاستعراض الدبلوماسي والتشويه قدر المستطاع لأولويات ومحددات هذه العملية. كما يتزامن هذا الطرح مع بدء تبلور مفهومين جديدين في معادلات الصراع العسكري سواء على مستوى الاتجاه نحو تكريس مناطق سيطرة عسكرية مصمتة بقسمها الأكبر ومضبوطة "دولياً" بقسمها الأخر... لذا فإن الفرضيات العامة التي انطلقت منها مسارات الدفع نحو الحل السياسي في سورية لم تعد كما هي وهو أمرٌ لم يلحظه دي ميستورا برؤيته الجديدة  التي "باعتقادي" أنها متسق مع مهام ووظيفة أي مبعوث أكثر مما هي متسقة مع تعريف الملف السوري وعناصر تأزمه وأسباب ديمومة أي حل لقضية جذرها الأساسي اجتماعي، مما جعل هذا الملخص مليءٌ بالإشكالات والاختلالات الهيكلية والبنيوية.

مفاهيم عائمة

لم يخرج هذا الملخص عن سابقيه من مخرجات المبعوث الدولي الذي لايزال ينتهج لغة قابلة للتأويل والتفسير المزدوج من جهة واحتمال لتكريس مفاهيم غير متسقة مع الضرورة السياسية في الملف السوري، الأمر الذي يؤكد استمرار تعامل الأمم المتحدة مع القضايا والإشكالات الرئيسية في الملف السوري وفق سياسة الوسطية التي تبرر القتل والإجرام منتهجةً خطط الدفع إلى الأمام ونذكر أهمها:

  1. أطراف الاتفاق: وهو ما يشير إلى أن سياسة تمييع صف المعارضة لا تزال مستمرة، الأمر الذي سنعكس على مخرجات الاتفاق وقواعد صنع القرار.
  2. المقاتلين الأجانب وذكرها في سياقات المجموعات الإرهابية مع غياب الذكر الصريح للميليشيات الأجنبية المساندة للنظام.
  3. العدالة الانتقالية، والمساءلة، هما أساس وشرط الانتقال، أرجئهم الملخص إلى لجنة مستقلة تعينها هيئة الحكم الانتقالية وتقدمها وفق "مسودة مقترحات".
  4. دستورية المخرج: رغم اعتبار أن الاتفاق المؤقت يتمتع بصفة دستورية إلا أنها محددة بأمور لا تطال الدستور الراهن وأرجعها للمرحلة الانتقالية لما وصفها بمراجعات دستورية تؤكد مؤشرات اعتماد دستور 2012 الذي يعد وصفةً متكاملة لشرعنة الاستبداد والتي لا يمكن وفقاً لهذا الدستور من تغييرها دون موافقة الرئيس.
  5. معضلة الرئيس: والذي يمنحه هذا الملخص صلاحيات بروتوكولية تضاف فعلياً إلى مواقع ثابتة لنظامه في أهم مؤسسات الانتقال (هيئة الحكم، المجلس العسكري المشترك، المحكمة الدستورية العليا)، وهي آليات سيستغلها النظام بحكم استحواذه على وظائف الدولة وبناها في إعادة شرعنته خلال كامل المرحلة الانتقالية وما بعدها.

اختلالات في البنية

يتضمن الملخص مجموعة من الإجراءات التي لا ترتبط وظيفياً مع المرحلة المعنونة ضمنها، فعلى سبيل المثال، في مرحلة التفاوض وفي ظل غياب أية شروط منسجمة مع ضرورات التغيير، يؤكد الملخص على ضرورة التوصل لاتفاق يؤكد التعاون والدمج بين القوى المتحاربة لمحاربة المنظمات الإرهابية والتي لاتزال المعارضة السورية مهددة بأن تشمل فصائلها وقواها سواء بتفاهمات دولية، أو بآليات معالجة مجتزأة دولية تراعي الظرف الإقليمي والدولي أكثر من الشرط الوطني المحلي.

ومما يعد اختلالاً واضحاً هو وجود مجتمع مدني في السلطة كما هو وارد في الملخص، وهو أمرٌ يتعارض مع مفهوم السلطة ومفهوم المجتمع المدني. إذ ينبغي أن تضمن مرحلة التفاوض والانتقال دوراً فاعلاً للمجتمع المدني على مستويات المتابعة والمراقبة والتمكين. لا أن تمنحه السلطة الرسمية.

وفيما يتعلق المعضلة القضائية لا سيما في مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الدستورية العليا ومحكمة وقوانين الإرهاب بنيةً ووظيفة، فإنه يجب أن تكون ضمن الاتفاق المؤقت في المرحلة التفاوضية إذ أنها الجهة المسؤولة عن شرعية المخرجات ومدى اتساقها مع المبادئ العامة والأساسية المتفق عليها في مرحلة التفاوض.

اما فيما يتصل بدور الأمم المتحدة فلا يمكن حصره في الإشراف على التفاوض والمساعدة في الانتقال ورعاية الانتخابات في النهائية، بينما ينبغي أن يكون دورها في أن تكون المسؤولة عن إجراء انتخابات إضافة لوظائف الرقابة والمساءلة والمتابعة والتقييم.

تفاصيل إشكاليّة

وفي تفاصيل هذا الملخص يمكن أن نذكر مجموعة من الملاحظات التي تدلل على غاية هذه الرؤية وهي "التوصل لاتفاق شكلي" لقضية جذرها الأساسي اجتماعي سياسي لا تستقم معه سياسة الدفع وتوسيع هوامش المناورة، مثل:

  • التعامل مع الحقوق (كإطلاق سراح المعتقلين) كإجراء بناء ثقة!
  • غياب الإرادة الشعبية طيلة فترة الانتقال، وإرجائها إلى المرحلة النهائية.
  • مهمات هيئة الانتقالية واسعة لا تتناسب مع المدة الزمنية.
  • غياب آلية تحديد المسؤول عن فشل الاتفاق إشكالي، وعدم وضوح العواقب كاتخاذ اجراء تحت البند السابع
  • لا يوجد ضمانات لتطبيق كل ما سبق مع وقف عمل المتنفذين في الحكومة الحالية، أي يجب أن يسبق كل ذلك إقالة الحكومة ورؤساء الأفرع الأمنية وتعيين من بديلهم من قبل المجلس العسكري.
  • يجب تشكيل لجان مراقبة وقف إطلاق نار قبل دخول الاتفاق حيز التنفيذ، مع آليات الرقابة والمحاسبة.
  • لا يتم رفع العقوبات الاقتصادية خلال المرحلة المؤقتة وانما مع نهايتها وتسجيل التزام جميع الأطراف في بنود الاتفاق، وتقوم وكالات الأمم المتحدة بسد العجز ريثما يتم رفع العقوبات.
  • لا يوجد تعريف لمفهوم "الحوكمة الفعالة" التي اعتمدها الملخص كمعيار تستند عليه هيئة الحكم في أعادة تشكيل المجالس المحلية، وهو أمرٌ يشير لاحتمالية شمول مجالس المعارضة التي كونت خبرة وكموناً في العمل الإداري النوعي خلال سني الثورة.

مناورة جديدة دون ضمانات

تضمن الملخص أساسيات المرحلة التفاوضية التي "ينبغي" لها أن تفضي لمخرجين أساسيين (اتفاق مؤقت، وهيئة حكم انتقالية)، إلا أن غياب الآليات الملزمة لضرورة التوصل لتلك المخرجات  لاتزال مستمرة، حيث أرجع المبعوث القضية في حال التعثر إلى تقييماته التي سيرفعها للأمم المتحدة والتي بدورها ستقدم "توصيات" لمجلس الأمن، أي ينطلق الملخص من فرضية أنه مخرج المبعوث وليس انعكاساً لرؤية موحدة للمجتمع الدولي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن إجراءات بناء الثقة يعتريها غياب الضمانات الملزمة لهذه الإجراءات والتي بينت حركية العملية التفاوضية في المراحل السابقة وحتى على الصعد الإنسانية عدم تحقق أي بند منها، كما أن تلك الإجراءات نجدها آليات في المرحلة الانتقالية لا سيما في البنود رقم 6،9،11،15  (انظر المرفق)، مما يؤكد غياب الضمانة الحقيقة عن قضايا تعتبر شرطاً أساسياً لانطلاق المفاوضات أكثر مما هي إجراءات بناء ثقة، كما تعد تجاهلاً لضرورة التوقيف الملزم لاستراتيجيات التهجير والإحلال السكاني المتبعة من قبل النظام وحلفائه.

عموماً لا يمكن النظر إلى رؤية دي ميستورا الأخيرة هذه إلا أنها نتاج رغبة أولية (ذاتية ودولية) في تجريب جهد إضافي من شأنه تسكين الملف السوري وفق فرضيات تصوغها الوظيفة الأمنية الدولية العاجزة إلى الآن عن تحجيم الإرهاب بحكم توظيفها له من جهة ولغياب الأجندة الوطنية من جهة أخرى، هذه الصياغة التي تراعي ببوصلتها الأساسية الرؤية السياسية الروسية صاحبة الوكالة الدولية، الأمر الذي يغيب الشروط والمتطلبات الوطنية من هذه العملية برمتها وهو ما يجعلها أقرب إلى شرعنة نظام الاستبداد بادعاءات "الواقعية والشرط الأمني".

الأربعاء آب/أغسطس 23
يأتي نشر هذا الكتاب في وقت عصيب على سورية، خاصة في أعقاب الكارثة الطبيعية التي حلت بالبلاد، إضافة إلى الزلازل السياسية التي شهدها الشعب السوري منذ بداية الثورة السورية عام…
نُشرت في  الكتب 
الخميس نيسان/أبريل 29
الملخص التنفيذي مع تراجع سُلطة الدولة المركزية لصالح صعود تشكيلات دون دولتية، منها ذات طابع قومي وديني؛ برزت نماذج مختلفة من أنماط الحكم المحلي في الجغرافية السورية، والتي تأثرت بالخارطة…
نُشرت في  الكتب 
الخميس كانون1/ديسمبر 17
مقدمة تتفق جل الأدبيات المتعلقة بحقل العلاقات المدنية العسكرية بأنها خضوع القوات المسلحة لقيادة مدنية ديمقراطية، وهي عملية معقدة تتطلب إصلاحاً تشريعياً شاملاً، وإصلاحاً للقطاع الأمني بأكمله، وإجراء العدالة الانتقالية،…
نُشرت في  الكتب 
شارك الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية الأستاذ سامر الأحمد ضمن برنامج صباح سوريا الذي…
الأربعاء تشرين2/نوفمبر 29
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في فعاليات المنتدى الاقتصادي الخليجي…
الجمعة تشرين2/نوفمبر 24
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في رؤية تحليلية للحرب على…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 20
قدم الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية أيمن الدسوقي تصريحاً لجريدة عنب بلدي ضمن تقرير…
الجمعة شباط/فبراير 24