مركز عمران للدراسات الاستراتيجية - Omran Center
Omran Center

Omran Center

ملخص تنفيذي

أجرى مركز عمران بالتعاون مع مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية استطلاع لرأي المجالس المحلية في مناطق سيطرة فصائل المعارضة، شمل 170 مجلس بين مقيم ومهجر من أصل 470، وذلك في المحافظات السورية التالية: ريف دمشق، درعا، القنيطرة، حلب، إدلب، حمص، حماة، خلال شهر أيلول من عام 2017.

تناول الاستطلاع المالية المحلية للمجالس وأدائها في هذا الصدد، وذلك من خلال استعراض آلياتها في إعداد الموازنة المحلية ومصادر تمويلها واتجاهات الانفاق المحلي فيها، كذلك التطرق إلى منظومة الرقابة المالية القائمة لدى المجالس، كما تناول الاستطلاع توصيف المجالس من حيث آليات تشكيلها وخصائص قياداتها وطبيعة دورها، وقد خلصت نتائج استطلاع رأي المجالس إلى عدد من النتائج، كان أبرزها:

  • ارتفاع نسبة الاعتماد على الانتخابات كآلية لتشكيل المجالس من 38% بحسب دراسة سابقة لمركز عمران، لتصل إلى 44% في الدراسة الراهنة.
  • اعتماد ما يقارب نصف عينة المجالس على لوائح إدارية خاصة بها، مقابل تبني ما يزيد عن ثلثها بقليل للوائح الحكومة المؤقتة.
  • انتماء جزء معتبر من رؤساء المجالس المحلية إلى فئة الشباب من حملة الشهادات الجامعية.
  • انخفاض نسبة المجالس المعرفة لدورها على أنه خدمي من 57% بحسب دراسة سابقة لمركز عمران، إلى 49% في الدراسة الراهنة، في حين تشير مقارنة النتائج الراهنة مع سابقتها إلى تزايد وعي المجالس بدورها السياسي.
  • تعزز الدور المركزي للمجالس في توفير الخدمات المحلية، حيث ارتفعت وبشكل ملحوظ نسبة المجالس ذات الدور الوحيد ضمن وحدتها الإدارية في توفير الخدمات من 50% بحسب دراسة سابقة لمركز عمران، لتصل إلى 69% في الدراسة الراهنة.
  • يحتل قطاعي البنية التحتية والتعليم معاً المرتبة الأولى في سلم أولويات عمل المجالس المحلية، فيما يحوز الدفاع المدني على أدنى هذه المراتب.
  • يغلب على خدمات المجالس المحلية تغطيتها للحيز الجغرافي الذي يقع ضمن نطاقها الإداري، كما لوحظ تخديم عدد من المجالس لمناطق تقع خارج نطاقها الإداري؛
  • يتقدم كل من المكتب المالي والتنفيذي على غيرهم كجهات مسؤولة عن إعداد مشروع الموازنة المحلية للمجالس؛
  • ضعف دور الهيئة العامة المشكلة للمجالس في المصادقة على مشروع الموازنة، كذلك الأمر بالنسبة لمجالس المحافظات؛
  • تنامي اعتماد المجالس على الضرائب والرسوم المحلية كمصدر لإيراداتها المالية، حيث جاءت بالترتيب الأول في الدراسة الراهنة مقابل حلولها بالمرتبة الثانية في دراسة سابقة لمركز عمران.
  • أكدت غالبية العينة على أحقية المجالس بالتصرف بالإيرادات المالية المحلية دون إرسالها للحكومة المركزية، كما أكدت على حصر صلاحيات الإنفاق المحلي بها دون السماح للمركز بالتدخل.
  • تركز المجالس المحلية في إنفاقها المحلي على دعم القطاعات الحيوية كإصلاح وترميم البنية التحتية وتوفير خدمات المياه والكهرباء.
  • يعتمد ما يزيد عن ثلثي العينة بقليل على أنظمة مالية مكتوبة، تبين أن غالبيتها لوائح خاصة بالمجالس.
  • ضعف الدور الرقابي لمجالس المحافظات على أعمال المجالس المحلية الفرعية، وكذلك غياب أي دور للحكومة المؤقتة في ذلك.

المقدمة

تعمل وحدات الإدارة المحلية على رسم سياساتها الاقتصادية والاجتماعية والتنموية المتوافقة مع مصالح ومطالب مجتمعاتها المحلية، ولكي تتمكن تلك الوحدات من ممارسة وظائفها وتحقيق أهداف سياساتها المعتمدة، فإنها تحتاج إلى إدارة مواردها المالية بكفاءة تجنباً للهدر واتقاءً للعجز المالي الذي يؤثر سلباً على وظائفها وحتى استمراريتها. انطلاقاً مما سبق يحظى التمويل المحلي بأهمية متزايدة في دراسات الإدارة المحلية، سيما مع تنامي توجه الحكومات المركزية لمنح الوحدات المحلية صلاحيات أوسع في إدارة شؤونها، إضافةً إلى تقليص تمويل تلك الحكومات للوحدات المحلية في ظل سياسات التقشف التي تتبعها، وهو ما يوجب على وحدات الإدارة المحلية العمل على تنمية مصادرها الذاتية وتعزيز أدائها المالي سعياً منها للقيام بأدوارها وضمان استقلالها المالي.

في الحالة السورية، يكتسب موضوع المالية المحلية أهمية إضافية في ظل تشكل وحدات محلية مستقلة عن المركز بحكم الأمر الواقع، تقوم بإدارة مناطقها وتوفير خدماتها للسكان المحليين بما تيسر لها من الأدوات والتمويل، وفي ظل ما تعانيه المجالس المحلية في مناطق سيطرة فصائل المعارضة من عجز مالي مزمن، وأمام ما تواجهه راهناً من تحديات توفير الخدمات سيما خلال مرحلة خفض التصعيد، وما ينتظرها من استحقاقات كبيرة تتصل بدورها المركزي في إنعاش الاقتصاديات المدمرة لمجتمعاتها المحلية، وكذلك دورها المتوقع ضمن عملية إعادة الإعمار مستقبلاً، يغدو من الأهمية بمكان تسليط الضوء على الأداء المالي للمجالس المحلية بما يتضمنه من تحليل موازناتها ومصادر تمويلها واتجاهات إنفاقها المحلي، كذلك التطرق لمنظومة الرقابة المالية القائمة لديها، لمعرفة أوجه الخلل والقصور في أدائها المالي ثم الخلوص إلى توصيات عامة، من شأنها تعزيز استقلالية مالية المجالس باعتبارها أحد أهم مقوماتها الأساسية، إضافةً إلى تعزيز قدرتها على أداء وظائفها الخدمية والتنموية، واشتقاق مبادئ عامة لتأطير علاقة المجالس المالية مع المركز فيما يتعلق بتقاسم الموارد وصلاحيات الإنفاق المحلي خاصة في مرحلة إعادة الإعمار.

نظرة على المجالس المحلية: آليات التشكيل وخصائص القيادات

يتوزع ما يقارب من 470 مجلس محلي على مناطق سيطرة المعارضة ([1])، منها 393 مجلس مقيم في حين تمثل المتبقية مجالس المناطق المهجرة بفعل اتفاقيات التهجير والإخلاء، ويذكر في هذا الصدد تقدم محافظة إدلب على غيرها من المحافظات بعدد مجالسها والتي بلغت 156 بحسب مجلسها، في حين جاءت محافظة دمشق بالمرتبة الأخيرة بــما مجموعه 5 مجالس بين قائمة ومهجرة.

تتنوع آليات تشكيل المجالس المحلية ما بين انتخاب وتوافق إلى تعيين ومبادرة فردية، وقد أظهرت النتائج تُشكل ما يزيد عن نصف المجالس المستطلعة بقليل 52% من خلال التوافق، مقارنة بـــ 44% ممن أشاروا إلى اعتمادهم آلية الانتخاب في تشكيلها. وقد أظهرت النتائج قلة الاعتماد على آليتي التعيين والمبادرة الفردية في التشكيل حيث بلغتا مجتمعتين ما نسبته %4 من إجمالي إجابات العينة.

 

وعلى الرغم من تنامي اعتماد القائمين على إدارة المجالس على الانتخابات كآلية لتشكيل المجالس وبروز تجارب رائدة في هذا الصدد، تبرز عدة عوائق تحول دون إجراء المجالس لانتخابات محلية، وقد رتبتها عينة الاستطلاع بحسب أهميتها وفق الآتي: الانقسامات المجتمعية، غياب إطار تنظيمي، قلة الوعي العام بأهمية الانتخابات، عوائق أمنية، معارضة القوى العسكرية.

بمقارنة نتائج الدراسة الحالية مع نتائج سابقة خُلص إليها مركز عمران في دراسته المعنونة بــ "قراءة في الدور السياسي للمجالس المحلية"، فإنه يلحظ ارتفاع نسبة الاعتماد على الانتخابات كآلية للتشكيل من 38% في الدراسة السابقة لتصل إلى 44% في الدراسة الراهنة، وهو ما تدلل عليه الوقائع الميدانية من حيث تنظيم عدد من المجالس لانتخابات محلية يلحظ تطورها من حيث آليات التمثيل وطرق التنظيم ونوع وحجم المشاركة ومن الأمثلة على ذلك: انتخابات المجالس في كل من إدلب (كانون الأول 2017) وسراقب (تموز 2017) وعدد من مجالس الغوطة الشرقية كدوما (تشرين الأول 2017) على سبيل المثال لا الحضر.

يمكن تفسير ميل القائمين على المجالس بالاعتماد على الانتخابات كآلية للتشكيل، برغبتهم في تعزيز الشرعية المحلية للمجالس أمام ما تواجهه من مخاطر واستحقاقات تفرضها المقاربة الروسية في سورية من جهة وتوجهات القوى المناوئة لها كالحركات الجهادية من جهة أخرى، إضافةً إلى مراكمتها لخبرات تنظيمية في مجال الانتخابات المحلية وتبادلها مع مجالس أخرى بدعم من منظمات المجتمع المدني، علاوةً على تزايد شريحة القوى المنخرطة في تشكيل المجالس وعدم قدرة التوافقات على تنظيم مشاركتهم في تشكيل المجالس، وتوافقها كقوى على اللجوء للانتخابات كآلية لحسم تنافسها وتمثيلها في المجالس.

 

لا تعتمد المجالس المحلية في مناطق المعارضة لوائح موحدة من حيث محتواها ومصدرها. حيث أظهرت النتائج اعتماد 44% من عينة الاستطلاع عل لوائح إدارية خاصة بها، مقابل 37% تعتمد تلك الصادرة عن الحكومة المؤقتة، في حين توزعت النسبة المتبقية من عينة الاستطلاع بين 17% لا تعتمد لوائح إدارية ناظمة لعملها، وما نسبته 2% تتبنى لوائح إدارية أخرى لم تحدد مرجعيتها.

تظهر النتائج السابقة ضعف المنظومة الإدارية التي تنتمي إليها المجالس المحلية وحالة اللامركزية العالية في مناطق سيطرة المعارضة، وهو ما يظهر بتبني عدد من مجالسها للوائح إدارية خاصة بها أو صادرة عن مرجعيات أخرى، إضافة إلى عدم اعتماد مجالس أخرى لأي لوائح إدارية ناظمة لعملها، ومن شأن ما سبق أن يعزز مخاطر عدم استقرار منظومة المجالس المحلية واستمرارها، وأن يضعف أيضاً من حضورها في ترتيبات المرحلة الراهنة وكذلك الانتقالية.

يحتل الشباب مواقع القيادة في المجالس المحلية، حيث بلغ عدد من هم دون 47 عاماً 92 رئيس مجلس محلي، مقابل 30 فقط ممن هم فوق 47 عاماً. كما تشير النتائج إلى حيازة نصف رؤساء المجالس شهادات جامعية، وثلثهم يحملون شهادة ثانوية، وتقريباً سدسهم على شهادات معاهد متوسطة، بينما جاء حملة الشهادات العليا في المرتبة الرابعة بما نسبته 5% من مجموع رؤساء المجالس.

 

 

 

توفر نتائج هذه الدراسة مؤشرات عامة وأولية حول الخصائص العمرية والمستوى التعليمي لقيادات المجالس المحلية، من حيث انتماء جزء معتبر منها لفئة الشباب من حملة الشهادات الجامعية، وهو ما يمكن تفسيره بتواجد شروط محددة من حيث العمر والمستوى التعليمي، منصوص عليها في الأنظمة الداخلية للمجالس لشغل منصب رئاسة المجلس. بالمقابل يمكن تفسير تواجد رؤساء للمجالس المحلية من حملة شهادة البكالوريا فما دون بتساهل الأنظمة الداخلية لهذه المجالس تجاه شرط الشهادة الجامعية نظراً لافتقاد مناطقها --غالباً ما تكون في أرياف المحافظات--لحملة الشهادات الجامعية أو تفضيلهم العمل في منظمات المجتمع المدني لما توفره لهم من استقرار مادي. كما قد يمكن تفسيره كذلك بافتقاد هذه المجالس لأنظمة داخلية ناظمة لعملها وتشكيلها.

أدوار المجالس المحلية: تنامي الوعي السياسي ومحورية الدور الخدمي

تؤدي المجالس المحلية أدوار متنوعة الأبعاد، حيث تتيح للسكان المحليين فرصة المشاركة في صنع السياسات المحلية من خلال ممثليهم، كما تقوم بإدارة شؤون مجتمعاتها المحلية وتوفير الخدمات لهم، إضافة إلى دورها في تطوير اقتصاديات مجتمعاتها المحلية وتحقيق التنمية لسكانها.

فيما يتعلق بنظرة القائمين على المجالس المحلية في مناطق سيطرة المعارضة لطبيعة دور مجالسهم، أظهرت نتائج الاستطلاع توصيف 49% من العينة لدور مجالسهم بأنه خدمي يقوم على تقديم الخدمات المحلية للسكان في مجالات الإغاثة والبنية التحتية والصحة والتعليم، بينما أجاب 36% بأنه دور متعدد الأبعاد يشتمل على السياسي والخدمي والتنموي، في حين توزعت النسبة المتبقية من العينة بين 11% وصفت دورها مجالس بالتنموي فقط، و4% تنظر لدورها على أنه سياسي بحت.

 

بمقارنة نتائج الدراسة الحالية مع نتائج دراسة سابقة لمركز عمران بعنوان "قراءة في الدور السياسي للمجالس المحلية"، فإنه يلحظ تعدد الأدوار التي تقوم بها المجالس وتنامي تعريفها لدورها خارج الإطار الخدمي ليشتمل على أدوار تنموية وسياسية، حيث انخفضت بشكل ملحوظ نسبة المجالس المعرفة لدورها على أنه خدمي فقط من 57% في الدراسة السابقة، إلى 49% في الدراسة الراهنة، بينما ارتفعت بشكل طفيف نسبة المجالس التي تعرف دورها على أنه سياسي من 1% في الدراسة السابقة لتصل إلى 4% في الدراسة الراهنة.

من المهم تناول الدور الخدمي للمجالس من حيث طبيعته ونطاق الخدمات والأولويات في هذا المجال، والتحديات التي تواجه المجالس في توفير خدماتها للسكان، سيما مع تزايد الأعباء الخدمية على المجالس في ظل ما ينتظرها من استحقاقات ناجمة عن اتفاقيات وقف التصعيد من حيث عودة اللاجئين والنازحين وتوفير الخدمات وترميم البنية التحتية.

يتراوح الدور الإداري والخدمي للمجالس بين المركزي والثانوي، فأغلبها يقوم بتأدية هذا الدور بمفرده بما يتوفر له من إمكانيات وموارد (69%) أو أن تؤديه بالتشارك مع هيئات أخرى توافقاً أو تنافساً (21%)، بينما كان 10% فقط منهم يقوم بالتنسيق لتقديم الخدمات.

تشير النتائج أيضاً إلى زيادة طفيفة (1إلى 4%)في وعي القائمين على المجالس بأهمية الدور السياسي لمجالسهم، سيما مع امتلاكها لمقومات الفاعلية السياسية المستندة على شرعيتها المحلية، ودورها الوظيفي في توفير الخدمات، إضافةً إلى إقرار القوى الفاعلة في الملف السوري بدورها في إنجاز ترتيبات المرحلة الراهنة (وقف التصعيد) وفي المرحلة الانتقالية (الحل السياسي وإعادة الإعمار)، وسعيها كقوى لفتح قنوات لتعزيز تمثيل المجالس في العملية السياسية على المستويين المحلي (استانة) والوطني (جنيف).

 

تعمل المجالس على توفير خدماتها وفق سلم أولويات مجتمعاتها، فقد أظهر ترتيب عينة استطلاع المجالس لأولوياتها الخدمية حلول قطاعي البنية التحتية والتعليم معاً في المرتبة الأولى، بينما احتل قطاع الصحة المرتبة الثانية، تليها الإغاثة ثالثاً، في حين شغل الدفاع المدني المرتبة الأخيرة في سلم أولويات المجالس. 

أما عن نطاق خدمات المجالس فيغلب عليها تغطيتها للنطاق الجغرافي الذي يقع ضمن نطاقها الإداري، حيث أجاب 63 % من عينة الاستطلاع عن وصول خدمات مجالسهم إلى كافة مناطق القطاع الإداري الذي يتولون إدارته، بينما أجاب 20% عن وصول خدمات مجالسهم إلى غالبية المنطقة الجغرافية التي تتبع لهم إدارياً وليس كلها، وقد أفاد 5% بأن خدماتهم مقتصرة على أجزاء من النطاق الجغرافي لوحدتهم الإدارية. بالمقابل كشفت نتائج الاستطلاع عن قيام 12%من العينة بتخديم مناطق تقع خارج نطاقها الإداري.

وتواجه المجالس المحلية عدة تحديات تؤثر سلباً على قدرتها في توفير الخدمات، جاءت وفق الترتيب الآتي بحسب ما أظهرته نتائج الاستبيان: 1) قلة الموارد المالية، 2) قلة الكوادر، 3) صعوبات أمنية، 4) تدخل فصائل المعارضة المسلحة في عمل المجالس، 5) مشاكل إدارية.

 

بمقارنة نتائج الدراسة الحالية مع نتائج سابقة خُلصت إليها دراسة سابقة لمركز عمران بعنوان "الدور الإداري والخدمي للمجالس المحلية في المرحلة الحالية والانتقالية"، فإنه يلحظ تعزز الدور المركزي للمجالس في توفير الخدمات المحلية، حيث ارتفعت وبشكل ملحوظ نسبة المجالس ذات الدور الوحيد في توفير الخدمات من 50% لتصل إلى 69%، وهو ما يمكن تفسيره بمراكمة المجالس لخبرات تخصصية في إدارة الشأن الخدمي فضلاً عن استمرارها في استقطاب التكنوقراط للعمل معها، كذلك تراجع عدد الهيئات المدنية المنافسة للمجالس في مجال توفير الخدمات في ظل ضعف التمويل وحصره من قبل عدد من الجهات المانحة بالمجالس المحلية.

يظهر سلم أولويات خدمات المجالس المحلية استمرار تركيزها على قطاعي البنية التحتية والتعليم، تأكيداً منها على ضرورة معالجة ملف البنية التحتية لدوره في تحقيق الاستقرار للمجتمعات المحلية، فضلاً عن سعيها لتعزيز حضورها في المرحلتين الراهنة (خفض التصعيد) واللاحقة (الحل السياسي وإعادة الإعمار) من خلال هذا الملف. أما فيما يتعلق بقطاع التعليم، تدرك المجالس ضرورة الانخراط فيه سواءً بزيادة إشرافها على هذا الملف أو بإدارته من قبلها، سيما في ظل بروز مؤشرات سلبية عن واقع التعليم في مناطق عمل المجالس.

ومما يثير الانتباه ما أظهرته نتائج الاستطلاع من حيث تخديم عدد من المجالس المحلية لمناطق تقع خارج نطاقها الإداري، وهو ما قد يفسر بعدة عوامل منها: 1) إعادة هذه المجالس النظر في حدودها الإدارية، 2) حيازة هذه المجالس لبنية مؤسساتية ذات موارد كافية قادرة على تخديم مناطق خارج حدودها الإدارية، 3) عدم حيازة هذه المناطق على مجالس محلية مما يضطرها للاعتماد على المجالس المجاورة لها لتأمين خدماتها.

ومن الطبيعي أن تواجه المجالس تحديات عدة تستهدف دورها الخدمي، ولم تظهر نتائج الاستطلاع الراهنة تحولاً جذرياً في قائمة التحديات التي تواجه المجالس مقارنة بنتائج الدراسة السابقة بعنوان "الدور الإداري والخدمي للمجالس المحلية في المرحلة الحالية والانتقالية" وذلك باستمرار معاناتها من ضعف التمويل والذي يمكن رده إلى أسباب عدة منها: 1) انخفاض كفاءة الأداء المالي للمجالس، 2) فقدان المجالس عدداً من مصادرها الذاتية نتيجة تدميرها أو السيطرة عليها من قبل الفصائل العسكرية.

موازنة المجالس المحلية: آلية الإعداد ومصادر التمويل والإنفاق المحلي

تكتسب دراسة المالية المحلية أهمية لدى كل من الحكومة المركزية وصناع القرار والسكان على المستوى المحلي، لما لها من دور في وضع السياسات واتخاذ القرارات، وتحديد طبيعة المشهد الاقتصادي والوضع المالي للمحليات واحتياجاتها، الأمر الذي يساعد صناع القرار على إدارة الموارد بعقلانية لتحقيق الأهداف الموضوعة. وفي هذا الصدد يمكن تعريف الموازنة المحلية بأنها: الخطة المالية التقديرية لإيرادات الوحدات المحلية ونفقاتها سنوياً، والتي يتم من خلالها تحقيق الأهداف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المعتمدة من قبل تلك الوحدات.

يكتسب موضوع المالية المحلية أهمية لدى المجالس المحلية في مناطق سيطرة فصائل المعارضة نظراً لما تعانيه من عجز مالي مزمن يتهدد دورها واستمراريتها واستقلاليتها.  انطلاقاً مما سبق سيتم التطرق لموازنة المجالس المحلية من حيث آلية إعدادها والهيئات المكلفة بذلك، ومصادر إيراداتها واتجاهات إنفاقها بغية معرفة مكامن الخلل بما يساعد على تصويبها.

تقوم المجالس المحلية بإعداد موازناتها المالية بناء على عوامل عدة، وقد أظهرت نتائج الاستطلاع اعتماد 50 % من عينة الاستطلاع على الموارد المالية المتوفرة في إعداد موازناتها، بينما يعتمد 15% من عينة المجالس على خبراتها السابقة، وبفارق قليل تصوغ 14% من عينة المجالس سياساتها المالية بناء على النفقات المتوقعة، كذلك أظهرت النتائج اعتماد 12% على تقديرات المسؤول المالي في إعداد موازناتها، في حين يقدر 9% موازنته بناء على الدعم المتوقع من المانحين.

 

تتوزع مسؤولية إعداد مشروع الموازنة على عدد من الجهات، وقد أظهرت نتائج الاستطلاع التقدم النسبي للمكتب المالي على غيره من الجهات في إعداد الموازنة وهو ما أفاد به 37% من العينة، بينما حدد 31% المكتب التنفيذي كجهة مسؤولة عن صياغة السياسة المالية للمجلس، في حين توزعت النسبقة المتبقية من العينة بين 22% تعتبر إعداد الموازنة من صلاحية المجلس بمكاتبه وإداراته، وما نسبته 10% تعتبره اختصاصاً حصرياً لرئيس المجلس.

 

ولا يعتبر مشروع الموازنة نافذاً إلا إذا تمت المصادقة عليه من قبل هيئة محددة وفق الأصول والإجراءات المتبعة والتشريعات النافذة، وقد أظهرت نتائج الاستطلاع ضعف دور الهيئة العامة المشكلة للمجلس في المصادقة على مشروع الموازنة وهو ما أفاد به فقط 6% من العينة، كذلك الأمر بالنسبة لمجالس المحافظات بما نسبته 8%، بينما جاءت النتائج متطابقة من حيث صلاحيات كل من المجلس المحلي بمكاتبه وإداراته وكذلك رئيسه في التصديق على مشروع الموازنة بما نسبته 33% لكل منهما، في حين حدد 19% المكتب التنفيذي كجهة مخولة بالتصديق على الموازنة. وما يثير الاهتمام في النتائج  محدودية دور الفصائل العسكرية كجهات مرجعية في التصديق على موازنة المجالس وهو ما أفاد به 1% فقط من العينة.

 

تظهر النتائج السابقة افتقاد المجالس المحلية لنظام مالي وتشريعات قانونية ولوائح إجرائية موحدة ناظمة لعملية إعداد الموازنة واعتمادها، وقد أظهرت النتائج تنوع خبرات عينة المجالس في إعداد موازناتها، مع ميل نصفها لاعتماد الواقعية في صياغة سياساتها المالية المحلية بناءً على الموارد المالية المتاحة، وهو ما يمكن تفسيره بــ:1) الخبرات المالية التي راكمتها المجالس في إعداد الموازنات، 2) رغبتها في تجنب العجز المالي الذي يستهدف دورها واستقلاليتها، 3) تجنب التداعيات السلبية لرفع سقف توقعات السكان المحليين، والناجمة عن تبني موازنات غير ممكنة التطبيق.  كذلك يعزز تعدد الجهات المسؤولة عن إعداد الموازنة والمصادقة عليها من الاستنتاج القائل بضعف اعتماد المجالس على نظام داخلي ومالي موحد، وهو ما يؤدي إلى تعدد الأدوار وتنازع الصلاحيات في إعداد الموازنات، كما يؤثر سلباً على الشفافية المالية للمجالس.

تتألف الموازنة بشكل عام من قسمين رئيسين هما الإيرادات والنفقات، وفيما يتعلق بمصادر تمويل المجالس المحلية لموازناتها، أظهرت النتائج تنوع المصادر المالية التي تعتمدها المجالس في تمويل إنفاقها المحلي، بحيث تشمل موارد ذاتية وأخرى خارجية رتبتها عينة الاستطلاع من حيث وفرتها وفق الآتي:

  1. الضرائب والرسوم المحلية التي تتقاضاها المجالس من المكلفين مالياً؛
  2. الدعم الخارجي الذي توفره بالدرجة الأولى المنظمات بما فيها الحكومية وغير الحكومية الإقليمية منها والدولية؛
  3. الإيرادات المالية المتأتية عن استثمار الأملاك العامة التي تديرها المجالس ضمن نطاقها الإداري؛
  4. الإيرادات المالية الناجمة عن المشاريع التنموية المملوكة أو المدارة من قبل المجالس المحلية؛
  5. الإيرادات المالية الناجمة عن الهبات والتبرعات التي يقدمها الأفراد بشكل مباشر وغير مباشر؛
  6. الدعم الذي توفره مؤسسات المعارضة الرسمية كالائتلاف الوطني والحكومة السورية المؤقتة؛
  7. الدعم المالي أو العيني الذي تقدمه الفصائل العسكرية للمجالس المحلية ضمن مناطق تواجدها.

 

وتعتمد المجالس على عدة آليات لتحصيل الضرائب والرسوم من المكلفين مالياً، وقد أظهرت عينة الاستطلاع ترتيب تلك الأدوات وفق الآتي: تعيين جباه محليين، تحصيل الرسوم والضرائب من خلال فرضها على الخدمات (كالخبز، سلال الإغاثة) التي يوفرها المجلس للسكان، تفويض المجلس مهام الجباية لهيئات محلية (كالشرطة المحلية أو الفصائل أو منظمات المجتمع المدني).

على الرغم من تنامي اعتماد المجالس على الجباية المحلية لتعزيز مواردها ورفع سوية خدماتها من حيث جودتها وتوفيرها، إلا أنها تواجه تحديات عدة تعترض جهودها في هذا الأمر، وقد رتبتها عينة الاستطلاع بحسب أهميتها وفق الآتي:

  1. انخفاض مستوى دخل السكان؛
  2. عدم تعاون السكان المحليين مع المجالس؛
  3. غياب ذراع تنفيذية للمجالس لجمع الجباية؛
  4. غياب آلية تنظيمية وقانونية لجمع للجباية؛
  5. عدم تعاون القوى العسكرية المحلية؛
  6. غياب نظام مالي للجباية؛
  7. ضعف الشفافية المالية للمجالس.

يعتبر تقاسم الموارد بين الحكومة المركزية والمجالس المحلية إحدى أبرز القضايا الإشكالية المتوقعة بين الطرفين مستقبلاً خاصة في مرحلة إعادة الإعمار ولا سيما في المناطق الغنية بالموارد المحلية، وفي سؤال عن رأي المجالس المحلية تجاه هذا الموضوع، أكد ما نسبته 85% من عينة الاستطلاع على أحقية المجالس بالتصرف بالإيرادات المحلية دون إرسالها للحكومة المركزية، بينما أيد 10% من العينة فكرة تقاسم الإيرادات بين المركز والمجالس المحلية وفق صيغة متفق عليها، في حين كان التأييد لحق استئثار المركز بالإيرادات المالية المحلية ضعيفاً جداً حيث لما يتجاوز نسبة 1%، أما النسبة المتبقية من العينة والتي بلغت 4% فقد فضلت عدم الإفصاح عن رأيها تجاه هذا الموضوع.

 

تقوم المجالس المحلية بإنفاق مواردها المالية لتمويل نشاطاتها وتلبية متطلباتها وتنفيذ سياساتها، وقد رتبت عينة استطلاع المجالس مصاريفها بحسب الأكثر انفاقاً وفق الآتي:

  1. دعم القطاعات الحيوية بما في ذلك الإنفاق على مشاريع البنية التحتية كالمياه والكهرباء والصرف الصحي؛
  2. نفقات المواصلات وشراء المحروقات للآليات ولتشغيل مولدات الكهرباء وشبكات ضخ المياه؛
  3. نفقات صيانة الآليات والمعدات، إضافة إلى رواتب وأجور العاملين في المجالس؛
  4. النفقات الإدارية كالإيجارات وفواتير الاتصالات والمياه والكهرباء الخاصة بالمجالس ومكاتبها؛
  5. نفقات شراء الآليات الخدمية والمعدات والتجهيزات المكتبية؛
  6. نفقات تأسيس مشاريع تنموية.

وكما يمثل تقاسم الموارد بين المركز والمجالس إحدى النقاط الخلافية بين الطرفين، كذلك تعتبر صلاحيات الإنفاق المحلي من الملفات الإشكالية لارتباطها الوثيق بتقاسم الموارد وبتوزع الصلاحيات المالية بين المركز والمجالس، وقد أظهرت النتائج تأييد 84% من العينة حصر صلاحيات الإنفاق المحلي بالمجالس دون تدخل الحكومة المركزية، بينما أيد 13% فكرة تقاسم الصلاحيات بين المركز والمجالس، في حين أعرب ما نسبته 2% عن تأييدهم لحصر صلاحيات الانفاق المحلي بالمركز فقط،  أما النسبة المتبقية من العينة والتي تشكل 1% فقد فضلت عدم الإفصاح عن رأيها تجاه هذا الموضوع.

 

ومن الطبيعي أن تتأثر الإيرادات والنفقات المحلية بالبيئة الاقتصادية لمناطق المجالس، ويلاحظ من نتائج الاستطلاع تنوع النشاط الاقتصادي لمناطق عمل المجالس، حيث يأتي في مقدمتها النشاط الزراعي، يليه الخدمي فالتجاري وأخيراً الصناعي.

 

بمقارنة نتائج الدراسة الحالية مع نتائج أخرى خُلصت إليها دراسة سابقة لمركز عمران بعنوان "الدور الإداري والخدمي للمجالس المحلية في المرحلة الحالية والانتقالية"، فإنه يلحظ تنامي اعتماد المجالس على الضرائب والرسوم المحلية كمصدر لإيراداتها المالية، حيث جاءت بالترتيب الأول في الدراسة الراهنة مقابل حلولها بالمرتبة الثانية في الدراسة السابقة وهو ما يمكن تفسيره بعدة أسباب منها: 1) رغبة المجالس في تعزيز الاعتماد على مواردها الذاتية خاصة مع تراجع مصادر الدعم الخارجي، 2) تعزيز المجالس لشرعيتها المحلية ودورها الخدمي بما يخولها فرض الضرائب والرسوم وجمعها.

الرغم ما حققته المجالس من تقدم ملحوظ فيما يتعلق باحتساب الضرائب وآليات جبايتها، فإن نتائجها ما تزال دون المستوى المأمول منها، ويعود السبب في ضعف الجباية المحلية بشكل رئيسي إلى عاملين هما:

  1. انخفاض القدرة الاقتصادية للسكان المحليين نتيجة ارتفاع مستويات البطالة واعتماد السكان المحليين على المساعدات كمصدر رئيسي لتوفير احتياجاتهم؛
  2. عدم تعاون السكان المحليين مع جهود المجالس في الجباية، وهو ما يمكن تفسيره بعدة عوامل منها: عدم قناعة جزء من المكلفين مالياً بدفع ما عليهم من التزامات في ظل شكوكهم حول شفافية المجالس واعتراضهم على الخدمات المقدمة لهم من حيث جودتها واستقرارها، تجنب المكلفين مالياً دفع الرسوم والضرائب للمجالس في ظل إدارة الخدمات بشكل جزئي أو كامل من قبل هيئات مدنية وعسكرية، الطواعية في دفع الالتزامات المالية وغياب إجراءات ملزمة بحق المتخلفين عن الدفع، ضعف حس المسؤولية والالتزام لدى قسم كبير من المكلفين مالياً.

يعبر تأييد غالبية المجالس لحقها بالاستئثار بالموارد المحلية دون إرسالها للمركز مستقبلاً، عن عدم ثقتها بالمركز نتيجة سياساته التنموية والاقتصادية التمييزية في وقت سابق، والقائمة على اعتبارات الولاء وترجيح مراكز المدن على أطرافها، وقد أفرزت هذه السياسات مشاكل تنموية وأزمات اقتصادية ساهمت في تأجيج الحراك الاحتجاجي مطلع 2011 خاصة في المناطق المهمشة اقتصادياً وتنموياً. كما تتعزز مخاوف المجالس من استئثار المركز بمنافع عملية إعادة الإعمار واستخدامها كورقة ضغط عليها، الأمر الذي يفسر تأكيد غالبيتها على ضرورة تمتعها بصلاحيات الانفاق المحلي بشكل مستقل عن المركز، باعتباره ضمانة لاستقلالها وبما يمكنها من تلبية متطلبات مجتمعاتها التنموية والخدمية.

وتفسر طبيعة الانفاق المحلي للمجالس أحد أسباب عجزها المالي، حيث تركز المجالس بالدرجة الأولى على دعم القطاعات الحيوية وإعادة تأهيل البنية التحتية، الأمر الذي يستنزف مواردها المحدودة نظراً لحجم الدمار الذي يتطلب قدرات مالية كبيرة لا تتوافر حتى لدى المركز.

الرقابة المالية في المجالس المحلية: تعدد الآليات وضعف الأداء

شهدت الرقابة المالية على مستوى الدول وهيئاتها تطوراً ملحوظاً فيما يتعلق بالتشريعات القانونية والأدوات الإجرائية الناظمة لها، وذلك بهدف مراقبة التصرف بالمال العام ومعالجة حالات الفساد التي قد تنشأ، ويمكن تعريف الرقابة المالية بأنها: عملية الإشراف والتحقق التي تمارسها سلطة مخولة قانوناً على عملية التصرف بالمال العام، بهدف التأكد من الالتزام بالتشريعات والقوانين والأنظمة المعمول بها، وسلامة الأداء وتصويب مكامن القصور ومعالجة حالات الفساد.  

يكتسب موضوع الرقابة المالية أهمية لدى المجالس المحلية سيما في ظل ما تتهم به من سوء إدارة المال المحلي هدراً أو فساداً، وتبعاً لما سبق سيتم التطرق لمنظومة الرقابة المالية القائمة لدى المجالس من حيث الأنظمة والآليات المعمول بها، والجهات المسؤولة عن ممارستها.

تدير المجالس المحلية ماليتها المحلية وفق نظام مالي ومحاسبي، وقد أظهرت النتائج تبني ما يزيد عن ثلثي العينة بقليل لنظام مالي ومحاسبي متوافر بشكل مكتوب، بينما أجاب ربع العينة تقريباً بعدم امتلاكها لأنظمة مالية مكتوبة، في حين لم تتخطى نسبة المجالس التي لا تعتمد أي أنظمة مالية عتبة 10%.

 

ومما يلحظ في هذا الصدد اعتماد ما يزيد عن ثلاث أرباع العينة بقليل على لوائح مالية خاصة بها، بينما لم تتجاوز نسبة المجالس التي تعتمد على الأنظمة المالية الصادرة عن مجالس المحافظات أو الحكومة المؤقتة مجتمعين حاجز 19%.

 

تثار التساؤلات حول مدى امتلاك المجالس المحلية لكفاءات مالية تخصصية قادرة على إدارة ماليتها المحلية، وفي هذ الصدد أجاب 38% من العينة عن حيازة مسؤولها المالي على شهادة تخصصية في الاقتصاد والعلوم المالية، سواءً أكانت شهادة جامعية بنسبة 26% أو شهادة معهد مصرفي بنسبة 12%. بالمقابل أفاد ما نسبته 40% من العينة عن امتلاك مسؤولها المالي لشهادة غير تخصصية، سواءً أكانت شهادة جامعية بنسبة 28% أو شهادة معهد متوسط بنسبة 12%، كما كشفت النتائج عن حيازة ما نسبته 22% من مسؤولي المكاتب المالية للمجالس على شهادة بكالوريا فقط.

 

توثق الغالبية العظمى من المجالس أنشطتها، حيث يعتبر التوثيق المالي لأنشطة المجالس من عوامل نجاحها، بما يعزز من ثقة السكان المحليين والجهات الداعمة بها، وقد بينت النتائج تعدد أدوات التوثيق المالي للمجالس، حيث رتبتها العينة وفق الآتي: الإيصالات والفواتير، دفتر حسابات مالي، برنامج محاسبة على الكمبيوتر وتقارير مالية، بينما لم تتجاوز نسبة المجالس التي لا توثق مصاريفها المالية عتبة 8%.

 

تتمتع أغلب المجالس بآليات رقابة تتنوع بين تلك داخلية وأخرى خارجية. أما عن الجهات المكلفة بالرقابة على شؤون المجالس ومتابعة أعمالها، فقد أظهرت النتائج تعدد الجهات الرقابية على المجالس حيث تعتمد 57% من عينة الاستطلاع على الرقابة الداخلية، مقابل تبني 25% للرقابة الشعبية، في حين أفاد 7% برقابة مجالس المحافظات على مجالسها. ومما يلحظ في هذا الصدد امتلاك بعض الفصائل لصلاحيات الرقابة على أعمال المجالس وهو ما عبر عنه 4% من العينة، في حين أجاب 2% عن صلاحية القضاء المحلي مراقبة المجالس، في حين لم تتجاوز نسبة المجالس التي لا تخضع لأي رقابة حاجز 5%.

 

تشير النتائج ذات الصلة بنظام الرقابة المالية للمجالس المحلية بتعدد الآليات وضعف الأداء، حيث يعتمد ما يزيد عن ثلثي العينة بقليل على أنظمة مالية مكتوبة، غالباً ما تكون من إعدادها وهو ما أفاد به ما يزيد عن ثلاثة أرباع العينة بقليل. وعند مقارنة النتائج السابقة مع تلك المتصلة باختصاص المسؤول عن المكتب المالي، يتضح جلياً أحد الأسباب المفسرة لضعف الأداء المالي للمجالس وذلك من حيث اعتماد ما نسبته 40% فقط على مسؤولين ماليين من حملة الشهادات التخصصية بمجال الاقتصاد والعلوم المالية. ومن العوامل المفسرة أيضاً لضعف الأداء المالي للمجالس افتقادها إلى جهة مرجعية تتولى مسؤولية الرقابة على أعمالها، حيث تظهر النتائج اعتماد المجالس بالدرجة الأولى على لجانها الداخلية للرقابة، في حين تكشف النتائج عن ضعف دور مجالس المحافظات وانعدام دور الحكومة المؤقتة في ممارسة الرقابة على أعمال المجالس.

الخاتمة

تكتسب دراسة مالية الوحدات المحلية أهمية في ظل حاجة تلك الوحدات إلى تنظيم شؤونها المالية راهناً بما يساعدها على وضع السياسات المحلية واتخاذ القرارات وإدارة مواردها بعقلانية لتحقيق الأهداف المتوخاة، كما تكتسب هذه الدراسات أهمية من حيث إثارتها لقضايا إشكالية من قبيل تقاسم الموارد وتوزيع صلاحيات الانفاق المحلي بين المركز والوحدات المحلية سيما في مرحلة إعادة الإعمار.

ويكتسب موضوع المالية المحلية أهمية لدى المجالس المحلية في مناطق سيطرة فصائل المعارضة، نظراً لما تعانيه من عجز مالي مزمن يتهدد دورها واستمراريتها وحتى استقلاليتها، ويعود هذا العجز المالي بأحد أسبابه إلى انخفاض تمويل الجهات المانحة لأسباب تتصل باعتبارات ميدانية أو سياسية أو اقتصادية، كما يمكن تفسير ذلك العجز بأسباب أخرى تتعلق بإدارة المجالس المحلية لماليتها المحلية وطبيعة إيراداتها ونفقاتها، حيث تفتقد المجالس إلى نظام مالي وتشريعات قانونية ولوائح إجرائية موحدة ناظمة لعملية إعداد الموازنة والمصادقة عليها، كما تفتقر مكاتبها المالية إلى الكفاءات التخصصية في مجال الاقتصاد والعلوم المالية.

وفي حين يشكل اعتماد المجالس على الضرائب والرسوم كمصدر رئيسي لإيراداتها المالية نقطة تحول في تفكير المجالس لجهة التقليل من اعتمادها على المانحين لصالح الاعتماد أكثر على مواردها الذاتية، فإن النتائج المتحققة عن الجباية لا ترقى للمستوى للمأمول لأسباب تتصل بضعف الوضع الاقتصادي للمكلفين مالياً وعدم تجاوبهم مع جهود المجالس في الجباية لأسباب عدة، وإلى جانب ما سبق يفسر طبيعة الانفاق المحلي للمجالس عجزها المالي، حيث تقوم المجالس باستنزاف مواردها في دعم قطاعات حيوية تحتاج إلى موارد كبيرة لا تتوافر حتى لدى المركز. كما يفاقم ضعف منظومة الرقابة المالية للمجالس من عمليات الهدر، ويعزز من فرص تشكل حالات فساد مالي داخلها.

وفي ظل ما سبق تجد المجالس المحلية نفسها أمام استحقاق تعزيز إدارتها المالية بما يمكنها من معالجة عجزها المالي وتقليل اعتمادها على المانحين لتأدية وظائفها ومراكمة الخبرات الكفيلة بجعلها شريكاً موثوقاً في عملية إعادة الإعمار، ولكي تتمكن المجالس المحلية من تحقيق ما سبق فإنها بحاجة إلى دورات تدريب مكثفة في مجال الإدارة المالية، كما أنها بحاجة إلى توحيد أنظمتها المالية وتعزيز دور مجالس المحافظات والحكومة المؤقتة في الرقابة على أعمالها إلى جانب الرقابة الشعبية.

للمزيد حول منهجية البحث وملحق الورقة انقر هنا


[1] توصل الباحث إلى هذا الرقم من خلا ل التواصل مع مجالس المحافظات التابعة للمعارضة السورية.

توطئة

يركز هذا التقرير الذي يغطي مساحة زمنية تمتد لشهرين (تشرين الأول والثاني من عام 2017) على أهم القضايا المطروحة في الوسط الإعلامي والبحثي الروسي، والتي يمكن تقسيمها لعنوانين رئيسيين، الأول: التسويق الإعلامي لفكرة "نجاح روسيا" في إنهاء الصراع في سورية، وما تتطلبه من الدفع باتجاه تعزيز خطوات الحل وفق المخيال الروسي، وتم تناول هذا العنوان في هذا الوسط عبر استعراضهم لما أسموه "إنجازات حميميم"، ومن خلال "الاتهام السياسي" للمحاولات القانونية التي تثبت تورط، وتبيان الدلالات الكامنة وراء استدعاء الأسد وتوضيحات دفعه باتجاه الانخراط بالتسوية السياسية في سوتشي، بالإضافة إلى أنه تم التركيز على ما تبقى من مهددات لتخفيض التصعيد في سورية عبر استعراض هذا الوسط لتجاوزات و"عنصرية" قوات سورية الديمقراطية في دلالة على وضعها كهدف عسكري محتمل للنظام في حال لم تجدي المفاوضات التي تراعها حميميم بين الإدارة الذاتية والنظام.  وتتابع تلك الصحافة تحت هذا المحور في متابعة شؤون إعادة الإعمار في سورية عبر تأكيدها على محددات هذه العملية والمستنبطة من خطب وكلمات بوتين، معتبرة أن هذا الملف تحدياً حكومياً وغير مرتبط بالعملية السياسية، والبدء بتسويق نموذج غروزني كنموذج تدعي موسكو نجاعته.

أما العنوان الثاني فهو مرتبط بطبيعة العلاقات الأمريكية الروسية وحدود الاختلاف والتلاقي، إذ استحوذت القضايا والمتابعات الأمريكية الحيز الأكبر من مساحات العمل ضمن الفعاليات البحثية والإعلامية الروسية، وشكل تحليل السياسة الروسية الإقليمية والدولية الجزء الأوسع من الاهتمام الإعلامي والبحثي، تلك السياسة التي ترمي إلى تخفيف العقوبات الأمريكية والأوروبية وتذليل صعوبات الحسم في الأزمة الأوكرانية، وخلق مسارات بديلة تحسن التموضع الاقتصادي والسياسي الروسي، وفي هذا التقرير أيضاً تتابع الصحافة الروسية تحليل اللقاء الذي جمع ترامب وبوتين في قمة فيتنام وما تضمنته من "استفزازات"، وعرجت العديد من المواقع على ما اسمته تناقضات الإدارة الأمريكية و"أخطائها الكارثية" في دلالة واضحة على عدم توفر منصة التوافق البينية خاصة بعد أن امتدحت هذه الفعاليات وصول ترامب لسدة الحكم، كما أفردت بعض من هذا الصحافة لتسلط الضوء على الرؤية الروسية للنظام العالمي كما تراه إدارة بوتين التي استخدمت الملف السوري لتدعيم هذا التدليل.

تسوية روسية: خشية الورطة أم معطيات الانتصار 

يمكن تقسيم المتابعة الإعلامية والبحثية للشأن السوري خلال مدة الرصد إلى عدة مواضيع اتسمت بتوسيع دائرة الاهتمام في كافة أبعاد المشهد السوري ومآلاته المحتملة، والتي اتفقت معظمها على التدليل على طبيعة التوجه الروسي الذي بدأ بتكوين مسارات مخرجه السياسي من الملف السوري وفقاً لمقاربة قائمة على إعادة تعريف المرجعية الناظمة للعملية السياسية عبر الاستثمار للـ"الإنجازات" العسكرية، والتوظيف السياسي لمسار الأستانة من خلال إعلان مؤتمر سوتشي للحوار السوري.

"إنجازات" حميميم و"تلهف" لإعلان النصر السياسي

لا تزال النشرة الصادرة عن مركز حميميم تركز على ذات المفردات الواردة في التقارير الماضية، محاولة تصدير الإعمال المنجزة دون ذكر المعايير المتبعة في هذه النشرة، إذ يهدف القائمون عليها على تبيان فقط أن هناك "انخراط عملياتي مستمر"، وتكاد تكون معظم التقارير هي نسخ محدثة، انظر الجدول أدناه([1]):

وركز الوسط الإعلامي الروسي على المعارك الدائرة جنوب شرق مدينة دير الزور منوهاً إلى استطاعة قوات "تنظيم الدولة" إيقاف تقدم قوات النظام، وإلى طبيعة "المقاومة العنيفة" في منطقة السبخة في المدينة، كما تم تغطية هجوم الجيش الحر في محافظة حماه تدل اتجاهاته على أنه نحو المحردوة والسقيلبية والزلاقيات([3]).كما اهتمت الوسائل الإعلامية الروسية بالمشهد العسكري في سورية بعد إعادة السيطرة مدينة "البوكمال"، إذ ركزت على أن الحرب التقليدية للصراع السوري قد انتهت، إلا أنه "ستنشط الخلايا النائمة الكفيلة بعودة الحرب بزخم أقوى"، وفي هذا السياق تناول المحلل السياسي فلاديمير موخين مقالاً في صحيفة نيزافيسيمايا، أكد فيه أن تحرير البوكمال لا يعني انتهاء الحرب ولكن من الممكن القول ونتيجة لاستمرار الاشتباكات المتفرقة في أنحاء سورية مع تنظيم الدولة والمجموعات الأخرى أن عودة الحرب الأهلية قائمة وبزخم أقوى، وذلك لمجموعة من الأسباب  صنف أهمها بعدم بدأ عملية "سلام حقيقية" وعدم سحب موسكو لقواتها من سورية وأنه لا يوجد لدى المجتمع الدولي تصور واقعي لعملية السلام في سورية، كما أنه – وعلى لسان الخبير- تعد مناطق خفض التصعيد محدودة وفي معظمها غير فعالة، ولم ينسى الخبير أن يضيف إلى ذلك أن أهداف الدول الراعية بما فيها الولايات المتحدة الأميركية هي أهداف جيوسياسية متباينة وعلى خلاف مع موسكو ودمشق([4]).

إن الثابت الغائب عن حساب تلك الفعاليات هو الملف القانوني لنظام الأسد والذي اكتملت معظم أركان تثبيت الإدانة، لذا فقد تعاطت مع هذا الملف بنظرة سياسية مشككة، فحول تطورات الهجوم الكيميائي على خان شيخون ونتائج تقرير الأمم المتحدة الذي حدد مسؤولية الحكومة السورية عن الهجوم المنفذ في 4/4/2017 بغاز السارين، فيؤكد التعاطي الروسي الرسمي والإعلامي أن أدوات موسكو لدعم النظام ستبقى تشمل كافة الميادين لتغدو تلك الأدوات مثلثاً يصعب تفكيكه، فالتلازم بين الأدوات العسكرية والسياسية والدبلوماسية تلازم عضوي، ولا يخلف أي هوامش للمناورة الإقليمية والدولية، وقد شككت الصحف الروسية في صحة تلك المعلومات (متسقة مع الادعاء الروسي الرسمي في ذلك)، مشيرة إلى اعتراف الولايات المتحدة باستخدام تنظيم الدولة للأسلحة الكيميائية، في دلالة منها على احتمالية عدم قيام النظام بتلك الهجمات، وفي ذات السياق المدلل على نكران الاتهام وتمهيداً للوقوف ضد قرار أممي يحمل النظام المسؤولية، أوردت الصحف الروسية ما ذكره الكاتب سيمور هيرش الذي يشكك في مصداقية الاتهامات الأميركية، مبديةً مدى تطابقه مع النظرة الروسية([5]). ويذكر أن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان قد حددت في تقرير خاص نشر على الموقع الشبكي للمنظمة مسؤولية "القوات الجوية السورية"عن استخدام الأسلحة الكيميائية في مدينة خان شيخون السورية إلى القوات الحكومية([6]). ولكن موسكو اعتبرت أن هذا التقرير يزور الحقائق([7]).

الثابت هنا أن الآلة العسكرية وإن حاولت أن تفرض شروطها على القضية، فإن العامل السياسي والاجتماعي سيبقى يفرض نفسه لتأجيج الصراع وعدم استقرار المنطقة، فأدوات المقاومة المحلية لاتزال متعددة ومتجددة، وطالما يتم التعاطي من مداخل أمنية إقليمية ودولية مع تغييب البعد الأمني والسياسي الوطني، فإن اهتزاز الاستقرار المزعوم هو السمة المتوقعة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن إعادة سيطرة النظام العسكرية على كامل الجغرافية السورية خاصة إذا ما قورنت بانسحاب تدعي موسكو بالقيام به، فإن هذه العودة أقرب لأن تكون حالة متخيلة وذلك لسببين رئيسين، الأول: اهتراء البنية العسكرية للنظام، والثاني مرتبط بالتواجد الإيراني الميليشياوي كونه أحد مصادر تأجيج الصراع ولا يتصالح وكذلك النظام( إلا مع الحلول الصفرية). وعليه يمكن الاستنتاج أن كل ما حاولت الآلة العسكرية من صياغته في المشهد العسكري واستثماراته في الميادين السياسية فإنه معرض للانتكاس وبالتالي استمرار فرضية التورط الروسي.

من جهة أخرى، منذ انتقال فعالية القوات الروسية شرق النهر وملامح المزاحمة والحرب الباردة مع الولايات المتحدة باتت أكثر وضوحاً، وتشكل قوات الحماية الشعبية (الكردية) أهم محطات المزاحمة، فمن جهة تريد موسكو تثبيت إطار عودتها السياسية لمظلة الأسد عبر "رعايتها" لمفاوضات ونقاشات مع النظام في حميميم، ومن جهة أخرى أساسية فهي تتعامل مع هذه القوات باعتبارها جسماً وظيفياً وورقة أمريكية تستوجب التعاطي معها "عسكرياً" عبر الانتقال إلى تصديرها "كقوة مارقة يستوجب أن تتعامل معها الحكومة بحزم"، فتحت  عنوان "السلطات السورية لها الحق في شن عمليات عسكرية ضد قوات الحماية الذاتية في شمال البلاد" أوردت الكاتبة انجيليكا ستانيلوفا مقالا في صحيفة بليت اكسبورت تحدثت فيه عن إشكالات هذه القوات مستعرضة عملياتها المتعلقة بالتعبئة القسرية بين المدنيين في الأراضي الواقعة تحت سيطرتها. والاعتقالات التي رافقتها([8]). كما تم التركيز على نقض خطاب حزب الاتحاد الديمقراطي وعدم أحقية مشروعهم السياسي إذ ذكرت: (إن الأكراد الذين كانوا يمثلون قبل الحرب 9% من السكان يسيطرون الآن على تلث الأراضي السورية عدا عن تواجد أميركي بالقواعد والمقاتلين الذين فاق عددهم 4 آلاف جندي وحوالي 70 منشأة عسكرية مختلفة، وأن غالبية السكان عرب وهم غير راضين عن سيطرة الأكراد على المناصب القيادية في هذه المناطق عدا عن مصادرة ممتلكات السكان العرب والطرد من المنازل والتطهير العرقي مما ينذر بحرب بين الأكراد والعرب في الشمال السوري).

وبذات السياق يعلق الجنرال الروسي يوري نيكاتشيف على ذلك: (أنه بعد القضاء على "المجموعات الإرهابية" لابد لموسكو التي آمن الجميع بما فيهم الخصوم بقدرتها من خلال تواجدها وسمعتها في سورية على قيادة خطة سلام بمشاركة جميع الأطراف الفاعلة). كما علق على ذلك الخبير والمحلل السياسي في معهد الدراسات العربية والإسلامية التابع لجامعة العلوم الروسية بوريس دولغوف بأن ذلك يتم بالتنسيق مع قوات التحالف، مضيفاً: "بلا شك أن ذلك سيؤدي إلى زيادة التوتر ووجود صراع جديد بين الجيش السوري والقوات الكردية  وأن تواجد القوات الكردية في المناطق العربية غير قانوني  ويثير موجة من الإستياء والاحتجاج بين السكان العرب عدا عن ذلك يعمد الأكراد إلى العناصر الكردية في الإدارة المحلية لهذه المناطق مما يزيد في فرص الصراع بين  القوات السورية والأكراد"، وفي الوقت نفسه، لم يستبعد الخبير احتدام الوضع في سورية ليكون وفقا للسيناريو العراقي، عندما حصل القتال بين الجيش العراقي ووحدات البشمركة الكردية من محافظة كركوك([9]).

ويجدر بالذكر هنا أن الصحافة الروسية قد غطت خبر الاتصال الهاتفي ما بين أردوغان وترامب والذي تم فيه طرح فكرة إيقاف المساعدات العسكرية للـ PYD والالتزام بالشراكة الاستراتيجية مع تركيا لتعزيز الاستقرار الإقليمي، وعلقت الصحيفة بأنه "هذا الغباء" كان من المفروض إيقافه منذ زمن وهذا إن دل على شيء فيدل عن فشل السياسة الأميركية([10]).

وفي مقابلة أجراها راديو سبوتنيك الروسي مع صالح مسلم الممثل السابق للحزب الديمقراطي الكردي وبحضور الهام أحمد تحدث فيه عن المصالح الروسية والأميركية في سورية ومعقبا" على تصريحات وليد المعلم حول إمكانية منح الأكراد الحكم الذاتي حيث قال: "إن المصالح الروسية في سورية واضحة أما المصالح الأميركية فهي غامضة وغير معروفة ، مضيفا" أن التدخل الروسي في سورية أحدث فارقاً كبيراً في ميزان القوى ، وأن لنا علاقات مع روسيا قبل التدخل الروسي في سورية ، ونأمل من روسيا أن تلعب دوراً أساسياً في حل القضية السورية بطريقة ديمقراطية ، كما أضاف بأن العلاقات الروسية الكردية تقوم على الاحترام المتبادل ، مشيداً بمحاولة روسيا إشراك ممثلين أكراد في محادثات جنيف، مذكراً  برؤية روسيا إن القضية السورية لا يمكن حلها دون إشراك الأكراد، ومطالباً بتحقيق ذلك على الواقع حيث لم يشارك لا من العرب ولا الأكراد الذين يسكنون شمال سورية في المحادثات التي تخص سورية، وتابع منتقداً تصريحات وليد المعلم بإمكانية منح الأكراد الحكم الذاتي موضحا" ذلك بأنه غير كاف والأفضل مناقشة الموضوع في ظل مشروع فيدرالية ديمقراطية حسب قوله، وأضاف أن الأقليات في سورية العلويون والآشوريون وغيرهم غير راغبون في إقامة دولة تستند على الشريعة الإسلامية وناشد روسيا متابعة الجهود لضم الأكراد لمحادثات جنيف وأستانا([11]).

" التسوية" السياسية و "شرعنة" سوتشي

لعل موسكو ماضية باتجاه تخفيض تكلفة تدخلها السياسي عبر الدفع قدماً باتجاه مؤتمر سوتشي واعتباره نقطة أساس لتسوية سياسية تنهي الأزمة في سورية، وربما المتغير هنا مرتبط بما أفرزه استدعاء الأسد الذي أجمعت وسائل الإعلام الروسية على أن أنه استدعاء مفاجئ، ويحتوي رسائل أبعد من شكر بوتين على المساعدة العسكرية التي قدمتها موسكو لدعم الأسد، وقد قامت المحطة التلفزيونية 1HD بإعداد برنامج لتناول هذا الاستدعاء ومدلولاته، وقد شمل هذا البرنامج الأفكار التالية([12]):

  1. وجهة النظر الروسية الرسمية: استمرار دعم موسكو لبشار الأسد على خلاف ما روجت له بعض وسائل الإعلام من أن موسكو ستتخلى عن الأسد لقاء مصالحها وأضافت بأن بوتين قام بإعلام رؤساء كل من السعودية والأردن ومصر وتركيا منوهة أن تركيا والسعودية وقطر قد عملوا لإسقاط الأسد إلا أنهم أعادوا النظر في مواقفهم بعد التدخل الروسي الإيجابي في سورية.
  2. وجهة النظر الإسرائيلية: عبر السفير الإسرائيلي في موسكو الذي أكد أن حضور بشار الأسد شخصياً إلى موسكو يعني أن الحل السياسي للأزمة السورية قد بدأ يأخذ المسار الجدي، وأضاف أنه لابد أثناء الزيارة من مناقشة مستقبل الأسد بالذات وإلى أي حد يمكن أن يشارك الأسد في العملية السلمية.
  3. وجهة النظر الروسية غير الرسمية، عبر مدير المعهد الألماني الروسي ألكسندر راب الذي قال على الرغم من رمزية الزيارة إلا أنها ستدخل دمشق بشكل جدي في "محادثات السلام" كما أنها الغت العزلة السياسية لبشار الأسد المفروضة عليه بسبب الحرب. أما مدير المعهد الروسي الأوروبي بيتر دوكيفيتش فقال إن زيارة الأسد لروسيا مهمة لبحث أمور جوهرية تتعلق بنظام الحكم الفيدرالي المتوقع ومستقبل الحكومة السورية وحدود هذه الدولة وإلى أي حد يمكن للأسد أن يتماشى مع هذه الطروحات ويعتقد الخبير فيما إذا تمت الإجابة على هذه الأسئلة فستكون الازمة السورية قابلة للحل.

تصدر موسكو طرحها السياسي المتمثل في سوتشي كنقطة أساس لحل الأزمة السورية من جهة، ومن جهة أخرى كعنوان لمشاورات موازية من شأنها هيكلة جديدة للشرق الأوسط، إذ تم عقد اجتماع لقادة روسيا وتركيا وإيران لمناقشة مستقبل سورية. وتم وصف القمة الثلاثية في سوتشي بمؤتمر يالطا التاريخي، ويشير محاورو صحيفة "غازيتا. رو" إلى أنه بالإضافة إلى القضايا السياسية، تم التطرق أيضا إلى العوامل العسكرية ووجود الأكراد في شرق سورية، وعمل مناطق التصعيد، وفى الوقت نفسه، ووفقاً لوسائل الإعلام الغربية فإن الاجتماع هو بمثابة "التكريم" لنشاط فلاديمير بوتين، وقد أشارت الصحيفة إلى عدم مشاركة الجانب الأميركي نظراً لموقفه المتشدد من إيران، إلا أنها أكدت على العمل المشترك لاستقرار الوضع في سورية بعد هزيمة تنظيم الدولة.

وفي هذا الصدد قالت ايلينا سوبولينا الباحثة في معهد الدراسات الاستراتيجية: "أن انعقاد المؤتمر ولقاء بوتين والأسد يعني انتهاء المرحلة الأساسية من الصراع في سورية"، وأضافت الباحثة بأن كل شيء يسير حتى الآن بشكل إيجابي ولكن هذا لا يعني أن الأمور ستسير بسهولة بدون مطبات أم منزلقات سواء على المسار السياسي والعسكري، ومن القضايا الشائكة – برأيها- هي تواجد الأكراد في الشمال السوري وهي قضية قد تحتاج لمفاوضات جديدة لحلها، كما أكد الخبير في شؤون الشرق الأوسط يوري مافاشيف على ضرورة استمرار التعاون التركي الروسي في مناطق خفض التصعيد لمنع تطور أي نشاط "إرهابي محتمل" ويعتقد أن هناك تنسيق روسي تركي لضبط الأوضاع على حدود إدلب وداخلها من قبلهما، وتابع الخبير قوله لا شك أن التفاهمات الممكنة من قبل موسكو وتركيا وطهران هي دائماً موضع شك "إذا لم تلاقي" موافقة من جانب النظام، ولم تقبل أميركا بشروط اللعبة([13]).

وحول العقبات التي تقف أمام الحل السياسي، فقد تحدث الباحث الروسي فلاديمير فيتين من مركز الدراسات الاستراتيجية حول الجهود الروسية لحل الازمة السورية والعقبات التي تقف في هذا الطريق، كمنطقة التصعيد في ادلب الموجودة تحت سيطرة جبهة تحرير الشام، ومصير الأسد غير المرغوب فيه من الدول الغربية وبعض الدول الرئيسية العربية، والمسألة الكردية مع عدم التغاضي عن مشاركتهم في القضاء على تنظيم الدولة، وتأمين المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة وإيصالها الى مستحقيها، ووضع القوات الأخرى المتواجدة على الأرض السورية([14]).

وفي سياق متصل بخيارات "التسوية" للصراع السوري كتب الخبير العسكري ميخائيل خودارينكو في صحيفة غازيتا الروسية حول خيارات تسوية القضية السورية متوقعا" النموذج الأفغاني للحل، من خلال دعم المعارضة وتزويدها بالسلاح والعتاد النوعي وحتى الدعم المباشر للوصول إلى هزيمة روسيا، وبالتالي سقوط نظام بشار الأسد وتشكيل حكومة موالية لواشنطن بالكامل، وتابع الخبير متحدثاً عن هذا السيناريو:" إن أميركا على ما يبدو قطعت الاتصالات الثنائية مع الجانب الروسي بخصوص سورية إذ لم يعد شيء يتم النقاش فيه ويمثل ذلك مأساة للشعب السوري، فهدف الولايات المتحدة الإطاحة ببشار الأسد وتفكيك نظامه ولن تتخلى عنه وستتحالف مع الشيطان في سبيل تحقيقه، وهذا ما ألمح إليه "ارنست" المتحدث باسم الخارجية الأميركية وتعرفه روسيا ذلك جيداً"، كما أن أحد "الأهداف الرئيسية لأميركا هزيمة روسيا في سورية والتي ستكون مقدمة لسقوط بشار الأسد وتشكيل حكومة في دمشق تسيطر عليها أميركا بالكامل".

وكمحاولة لترسيخ خطاب الحرب الباردة في سورية، أشارت الفعاليات الصحفية الروسية إلى تقليص التعاون الأميركي الروسي في سورية إلا في بعض الحالات كاتفاقية الطيران بهدف عدم الوصول إلى حوادث تؤدي لصدام مباشر والذي لا ترغب فيه كلا الدولتين النوويتين. أما عن الولايات المتحدة فتستطيع تحقيق أهدافها بطرق سياسية واقتصادية وعسكرية وقد تكون العقوبات الأميركية الاقتصادية على روسيا إحداها، وفيما يتعلق بالأدوات العسكرية فستسعى أميركا تحقيق ذلك من خلال طرف ثالث وهذا ما حصل إبان الحرب في أفغانستان، وحسب رأي الخبير فإن تسليح المعارضة السورية وتشكيلها وتوفير المساعدات المالية والعسكرية الكبيرة بما فيها مضادات الطيران والدروع والتي ستحد من نشاط الطيران الروسي والسوري وكذلك تحركات القوات البرية على الأرض. وقد أضاف الخبير أن انقطاع الاتصالات بي الدولتين سيستغله المتطرفين لشن هجمات على المصالح الروسية حتى في روسيا نفسها([15]).

إعادة الإعمار: نموذج غروزني 

مع "ترسيم" حدود ما يعرف باسم مناطق خفض التصعيد، تزايدت الدعوات الإقليمية والدولية لعدم ربط ملف إعادة الإعمار بالانتقال السياسي وذلك بحكم ظهور تغييرات في شكل وطبيعة الحل السياسي وتلاشي لحظة الانتقال لصالح تثبيت الاستقرار والتعافي، وبالإضافة إلى عدم جدوى تلك العملية مالم يكن لها إطار سياسي فإنه من الصعب جداً استعادة سورية دون مشاركة كاملة من المجتمع الدولي. ولكن من سيشارك في عملية إعادة الإعمار وما هي آليتها؟ وكيف تراه الفعاليات الإعلامية والبحثية الروسية التي تدرك تماماً أن هذه المهمة يصعب على حلفاء الأسد القيام بها؟

فقد قدر خبراء اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا) حجم الأضرار في سورية منذ بدء الحرب ب 327.5 مليار دولار منها 227 مليار خسائر الاقتصاد السوري و100مليار اضرار مادية ووفقا للتقرير فإن اكبر القطاعات المتأثرة هو قطاع الإسكان حيث دمر 30%بما يعادل 30 بليون دولار وفي خدمات الماء والكهرباء وصناعة التعدين 9% والقطاع الزراعي 7%ولا تشمل هذه التقديرات الرقة ودير الزور بسبب استمرار العمليات العسكرية  بينما دعت أميركا  لتخصيص 3 مليار دولار لاستقرار الوضع في المناطق المحررة من تنظيم الدولة  و180 مليون دولار للمساعدات  150 مليون دولار لاستقرار الوضع في الرقة

تطرق بوتين إلى محددات عملية إعادة الإعمار في كثير من خطبه إذ يرى مثل هكذا ملفات هي تحديات حكومية وليست مرتبطة بالعملية السياسية محاولاً تنفيس الأبعاد السياسية والاجتماعية لهكذا عملية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تحاول موسكو أن تعمم نموذج الأستانة (كمسار أمني وعسكري) ليصل الى السياسة كما يطرح الروس عبر (مؤتمر سوتشي) وربطهما بملف الاقتصاد والتنمية وإعادة البناء في مؤتمر يكون امتداداً لتلك المسارات، فقد ربطت إدارة بوتين تلك العملية بأمرين([16]):

  1. التنسيق على مستوى السلطة التشريعية والتنفيذية لتحديد الأولويات.
  2. عقد مؤتمرات دولية لدعم هذه العملية كما في مؤتمر مالطا.

وكان قد حذر كل من وزيري الخارجية الأميركي والبريطاني نهاية العام الماضي من تحويل مدينة حلب الى غروزني مشيرا بذلك الى عاصمة الشيشان التي دمرها الروس أثناء اقتحامها واعتبرتها الأمم المتحدة مدينة منكوبة بسبب الأضرار الجسيمة التي لحقت بها. بينما ردت روسيا مدينة غروزني اليوم هي "مدينة سلمية وحديثة ومزدهرة. وهي تشارك بقواتها في حفظ السلام في سورية في مناطق خفض التصعيد، كما تبرع الرئيس الشيشاني ب 4 مليون دولار لإعادة بناء المسجد الأموي في حلب بعد تحويله إلى منطقة عسكرية وتدمير مئذنته "، ومن ضمن "جهود" روسيا – كما تسوقه تلك الفعاليات-لإدراج إعادة الاعمار في سورية في جدول الأعمال في المحافل الدولية والإقليمية، يمكن ذكر الآتي:

  1. رسالة وزير الدفاع الروسي سيرجى شويغو إلى الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لسورية ستيفان دي مستورا، وحثه فيها على ارسال مساعدات الى سورية والمساهمة في "الانتعاش الإنساني".
  2. اعلان وزارة الدفاع أن موسكو تعتزم إرسال 4 آلاف طن من مواد البناء إلى سورية لاستعادة البنية التحتية في المناطق المحررة. وقالت الوزارة "إن الإدارة العسكرية الروسية تقوم حاليا بنقل مواد ومعدات البناء بالسكك الحديدية الى ميناء (نوفو روسيسك) حيث سيتم تسليمها الى سورية عن طريق البحر". وسيتم إرسال أكثر من 40 وحدة من معدات البناء الثقيلة، بما في ذلك الجرافات والحفارات والرافعات، فضلا عن 2،000 طن من الأنابيب المعدنية وغيرها من المواد إلى سورية لاستعادة إمدادات المياه والكهرباء والاتصالات. كما سيتم توفير مواد البناء لإعادة تأهيل المستشفيات والمدارس والمؤسسات العامة الأخرى.
  3. تضمين موسكو في اتفاقيات خفض التصعيد ادخال مواد البناء الى هذه المناطق وتسعى للسيطرة على طرق دير الزور دمشق وطريق حلب اللاذقية عن طريق تقديم الدعم للقوات المحيطة بهذين الطريقين وتسعى لدى السلطات الأردنية لفتح معبر نصيب حيث تنتظر عمان والجيش الحر وفاء دمشق بالتزاماتها المتمثلة بسحب القوات الإيرانية من الجنوب والقبول بالإدارة المحلية في هذه المناطق وكذلك فتح طريق حمص حماه بتضمينه ضمن اتفاق المصالحة، ووضعت موضع التنفيذ الطريق درعا-دمشق-بيروت.

أما عن الدور الإيراني فوضحت تلك الفعاليات أن طهران تسعى من جانبها إلى([17]):

  1. الحفاظ على توريد الغاز لمدينة حلب لتزويدها بالكهرباء.
  2. توقيع مذكرة تفاهم والمتضمنة بناء محطة طاقة بقدرة 540 ميغاواط في محافظة اللاذقية الساحلية.
  3. تشمل الاتفاقيات ترميم وتفعيل مركز التحكم الرئيسي للنظام الكهربائي السوري في دمشق. وتنص الإتفاقيات أيضا على استعادة محطة توليد كهرباء بقدرة 90 ميغاواط في دير الزور
  4. ستشارك الشركات الإيرانية في استعادة النظام الكهربائي في سورية.
  5. اهتمام إيران بتوسيع التعاون في بناء مرافق المياه والصرف الصحي في سورية.
  6. وقعت الحكومة الإيرانية والمنظمات القريبة من الحرس الثوري الإسلامي مذكرات اتفاقات (تسير ببطء) تتعلق بتشغيل شبكة اتصالات متنقلة بهدف تامين الاتصالات للقوات الموالية لها والتي تعمل مع النظام.
  7. قدمت طهران قروضا إلى دمشق بمبلغ 6،6 بليون دولار، منح بليون منها في بداية العام. وقد أنفق نصف هذا المبلغ على تمويل صادرات النفط الخام ومشتقاته.

وفيما يتعلق موقف الدول الغربية تابعت الصحف الروسية ذلك (مستفيدة من المعلومات المتواجدة) وذكرت أن الدول الأوروبية قد خلال سنوات الحرب مساعدات لسوري حوالي 12 مليار دولار الا أن الوضع الآن أصبح مختلفا ولا ترغب في الاستمرار تحت الضغط الروسي بينما ترى هذه الدول بأن المشاركة في إعادة الاعمار مرتبط ببدء عملية الانتقال السياسي وفقاً لتصريح غريت يايلي الممثل البريطاني في سورية وأنه تقديم المساعدة إلى سورية فقط عندما تبدأ عملية انتقالية شاملة حقيقية"، كما أن الاتحاد الأوروبي في نيسان الماضي أعلن عن جاهزيته لتقديم المساعدة على أساس القرار 2254 وإعلان جنيف. وعند البدء بعملية انتقال سياسي حقيقي وشامل وعندها فقط يمكن إعادة النظر في العقوبات المفروضة وتكثيف التعاون مع السلطات الانتقالية وتوفير الأموال اللازمة لدعم إعادة الإعمار كما ظهر هذا التصور في وثيقة لوزير الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي (فيدريكا موغيريني) حيث قال: يرتبط إعادة الإعمار في سورية مع بداية الانتقال السياسي([18]).

كما تطرقت صحيفة “ايزفستيا”، الروسية إلى مسألة إنعاش الاقتصاد السوري ومشكلة النازحين بعد انتهاء الحرب، حيث كتبت الصحيفة: "تعتقد موسكو أن الوقت قد حان لمناقشة مسألتي إعادة إعمار سورية وعودة ملايين النازحين إلى ديارهم"، وترى أن جنيف قد تكون أفضل ساحة لذلك، هذا ما صرّح به للصحيفة مصدر في الدوائر الدبلوماسية الروسيّة، ويقول المصدر بهذا الشأن: “لقد آن الأوان لمناقشة هاتين النقطتين في إطار مفاوضات جنيف إلى جانب المشكلات المتعلقة بمحاربة الإرهاب وتشكيل حكومة انتقالية وصياغة الدستور الجديد وإجراء الانتخابات، ويؤكد كبير الباحثين في مركز الدراسات العربية والإسلامية في معهد الاستشراف “بوريس دولغوف”، إن مسألة إعادة إعمار سورية مدرجة في جدول العمل داخل سورية منذ زمن بعيد. لأنها تأتي في المرتبة الثانية من ناحية الأهمية بعد مسألة وقف إطلاق النار، كما أن إلغاء واشنطن وبروكسل وبعض دول المنطقة للعقوبات المفروضة على سورية هو أمر مهم. إذ أنها "تضرّ بالناس البسطاء فقط([19]).

عموماً، الثابت في هذا الصدد أمران، الأول عدم قدرة موسكو على مواجهة هذا الملف سواء منفردة أو مع الحلفاء، لذا تدفع به لأن يكون جهداً دولياً وفق قواعد الحل الروسي، والأمر الثاني أن ملف إعادة الإعمار لا يزال ملفاً سياسياً خاضع للضغوط المشتركة بين المانح (الاتحاد الأوروبي) ومهندس الحل (روسيا الاتحادية).

"عطالة" ترامب و"عقيدة" بوتين

تستحوذ القضايا والمتابعات الأمريكية الحيز الأكبر من مساحات العمل ضمن الفعاليات البحثية والإعلامية الروسية، إذ ترمي السياسة الروسية الإقليمية والدولية بجزئها الأوسع  لتخفيف العقوبات الأمريكية والأوروبية وتذليل صعوبات الحسم في الأزمة الأوكرانية، وخلق مسارات بديلة تحسن التموضع الاقتصادي والسياسي الروسي، وفي هذا التقرير تتابع الصحافة الروسية هذا الاهتمام عبر تحليل اللقاء الذي جمع ترامب وبوتين في قمة فيتنام وما تضمنته من "استفزازات" على حد تعبير الصحافة، وعرجت العديد من المواقع على ما اسمته تناقضات الإدارة الأمريكية و"أخطائها الكارثية" في دلالة واضحة على عدم توفر منصة التوافق البينية بعد خاصة بعد أن امتدحت هذه الفعاليات وصول ترامب لسدة الحكم، كما تفرد جزء من هذا الصحافة لتسلط الضوء على الرؤية الروسية للنظام العالمي كما تراه إدارة بوتين التي استخدمت الملف السوري لتدعيم هذا التدليل.

سياسات أمريكا "الطائشة"

"لماذا الصمت الروسي على الوقاحة الأميركية؟" تحت هذا العنوان كتب لا تشيف سيرغي في صحيفة "تسارغراد"، وذكر أنه   على الرغم من الوقاحة الأميركية في إحباط اللقاء بين بوتين وترامب حسب تعبير الصحيفة فإن الرئيسين تبادلا تعابير المجاملة والمديح على عجل وتقول الصحيفة أن ترامب كان مضطرا" للرد وسط حاشيته ووجود رؤساء دول آخرين كما أن بوتين صرح بأنه تحدث مع بوتين بما يجب الحديث فيه بينما لاحظ الجميع أن اللقاء كان على عجل ولم يتعد المصافحة. ولكن بسكوف المتحدث باسم الكرملين وفي لقاء مع الصحفيين روى تفاصيل ما حدث بقوله: من المؤكد أن الاجتماع بين بوتين وترامب لم يتم بسبب عدم مرونة خدمة البروتوكول في الجانب الأميركي وتابع لقد حاولنا الاتفاق على اجتماع منفصل دون أن يقدم الجانب الأميركي اية خيارات بديلة.

ولكن اليكسي بوشكوف رئيس لجنة المعلومات الدبلوماسية كان أكثر صراحة حيث قال معروف في المفاهيم الديبلوماسية فإن الظروف الصعبة لعقد اجتماع تعني الاستعداد لإلغائه والإدارة الأميركية افشلت الاجتماع لأنها لا تريد أن يتم وهذا هو الواقع.

وتضيف الصحيفة أن المحادثات تمت "بطريقة بربرية" وأُحبطت بشكل فظيع، مما يؤكد رغبة البعض في الإدارة الأميركية بقيادة حرب ضد روسيا، واستغرب البعض غض بوتين الطرف عن هذه الوقاحة بحيث لم يبد أي ردة فعل إزاء "الإذلال الأميركي" وإنما صافح ترامب وأطرى عليه كما تمكن لافروف على الرغم من غضبه من التحدث مع نظيره الأميركي ([20]).

من جهة أخرى وفيما يرتبط بعقوبات أميركية جديدة ضد روسيا، ففي مؤتمر صحفي أعلنت المتحدثة باسم البيت الابيض عن جملة من العقوبات الأميركية الجديدة ضد روسيا، وقد علق الكسندر بوبايف رئيس برنامج روسيا في آسيا والمحيط الهادي في مركز كارينغي على ذلك، ومما جاء في هذا التعليق: "في العودة إلى قانون العقوبات المسمى قانون معاقبة أعداء روسيا بالعقوبات، وماذا فعل في الاقتصاد الروسي؟ فسوف نجد أن لا شيء تغير من بداية وحتى نهاية أيلول، فجميع حسابات البنوك الشخصية والعامة تسير كما كانت، ويفسر ذلك أن الجانب الروسي درس بعناية فائقة قانون العقوبات والتعليمات التنفيذية المتضمنة كيفية التنفيذ فلم يجدوا ما يستوجب القلق، لأنه لا توجد تعليمات واضحة عن كيفية التنفيذ ، ولدى التواصل مع المشرعين ومساعديهم الذين وضعوا المشروع وعن آلية تنفيذه أشاروا إلى عدم وضوح القانون وأساليب تنفيذه ، أما ما يجري وراء الأبواب المغلقة فإن القانون وضع بهذه الصيغة حرصاً على مصالح حلفاء الولايات المتحدة المتضررين من القانون، كما أنه صدر في ظل الفوضى المسيطرة على الكونغرس ومصيره كمصير كثير من المبادرات والمشاريع المقترحة، وتريث الإدارة الأميركية في كتابة المراسيم التنفيذية من أجل عدم إغضاب الكونغرس وبالتالي إحراج الحلفاء، وأن اتخاذ إجراءات قاسية ضد روسيا قد تلقى إجابة شديدة، لذلك على المسؤولين والمصرفيين الروس الانتظار طويلا" أو الذهاب لقضاء اجازاتهم وبمعنى آخر المراسيم قد لا تصدر نهائياً"([21]).

من جانبها موسكو، صرحت على لسان وزير المالية الروسي للصحفيين عن قدرة الميزانية الروسية في تسديد التزاماتها في حال تشديد العقوبات المفروضة، لأن لديها الموارد الداخلية اللازمة، وأضاف أن المستثمرين يتسائلون كيف ستتعامل روسيا مع توسيع العقوبات ولم يكن الموضوع مقلقاً للمستثمرين، كما أوضح أنه لم يناقش نظيره الأميركي في هذا الموضوع  ولا مع المستثمرين، لأن الموضوع غير مقلق لهم، ويرى وزير المالية أن تشديد العقوبات ستكون ضد الأميركان أنفسهم وضد المستثمرين اللذين يتعاملون مع الأوراق المالية الروسية بثقة ويحققون أرباح جراء ذلك لذلك يرى الكثيرون أن تشديد العقوبات هي بمثابة حرب على روسيا ([22]).

بالأساس تشكل "تقييمات الإدارة الأمريكية" الجانب الأكثر استحواذاً من اهتمامات الصحافة ومراكز البحث الروسي، ففي تعليقه على تصريحات ومخاوف رئيس لجنة العلاقات الدولية مجلس الشيوخ الاميركي الجمهوري حول "سياسات ترامب الطائشة" تجاه القضايا الدولية والتي قد تؤدي إلى صراع دولي خطير، أكد الخبير في معهد الدراسات الأوروبية الأطلسية كونستانتين بلوخين أنه يجب فهم ترامب نفسه فقد أطلق منذ فترة وما زال يطلق التصريحات ضد كوريا الشمالية ولكنه لم يفعل شيئاً، وحقيقة ترامب وفريقه أنهم يطلقون تصريحات متناقضة حول القضايا الآنية كالملف النووي الإيراني والقضية الكورية([23]).

كما أكد فلاديمير بروتر من معهد البحوث الانسانية والسياسية أنه لم يعد يخفى على أحد الأطوار الغريبة لدونالد ترامب وتصريحاته النارية فقد فاجأ الجمهور والعالم بتصريحه الأخير (الهدوء الذي يسبق العاصفة) في اجتماع لكبار المسؤولين وأسرهم، في إشارة لكارثة محتملة، وقد اجتمع بعدها مع كل من وزير الدفاع جيمس ماتيس ورئيس الأركان ومستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، أعقبه تصريحات ضد كوريا الشمالية وإيران، وهنا يؤكد بلوخين أن القيادة الأميركية ارتكبت أربعة اخطاء وهي:

  1. مقارنة انتصارها السهل على الجيش العراقي في عاصفة الصحراء بإمكانية انتصارها على الصين.
  2. تحويل روسيا من حليف أيديولوجي في التسعينات أيام القطب الواحد إلى عدو من خلال خطوات معادية لروسيا منها توسيع حلف شمال الاطلسي على حساب دول الاتحاد السوفييتي السابق، وكذلك تقطيع أوصال يوغوسلافيا، ودعم الثورات الملونة في الاتحاد السوفييتي السابق.
  3. سوء تقدير الولايات المتحدة الاميركية فبدلا" من احتواء روسيا والصين تم الذهاب إلى العراق وأفغانستان، وإضاعة 6 تريليون دولار، والأجدى إنفاقها على زيادة قدرات الجيش الأميركي، وما زلوا عالقين في المستنقع الافغاني والعراقي.
  4. أي حراك عسكري ضد كوريا الشمالية لأن في ذلك تهديد خطير للأمن والسلام في العالم وكذلك تدمير للاقتصاد العالمي وهذه الحركة المحتملة بالتالي سيضع حدا" للهيمنة الاميركية على العالم.

وفي هذا السياق لا يعتقد الخبير القيام بعمل عسكري مباشر ضد إيران وإنما سيعمد ترامب إلى تحريض حلفائه في المنطقة كالسعودية وإسرائيل ويضغط على روسيا بالتخلي عن دعم إيران، ويتابع الخبير قوله بأن شعبيته قد انخفضت لحد 40% وقد يفكر بشيء ما قبل وصولها إلى النقطة الحرجة الذي أجبرت نيكسون على الاستقالة في عام 1974 حيث وصلت إلى 27% ولذلك سيشد ترامب الأنظار إليه كبطلاً وفائزاً. وقد يدخله ذلك في ورطة مع الصين وروسيا الداعمين الفعليين لكوريا الشمالية وإيران حيث يرى المحللون الأميركيون أنه بدونهما لما كانت إيران وكوريا، وبالتالي قد تكون العاصفة ضربة لهؤلاء، ومع ذلك فيصعب التنبؤ بما سيفعله ترامب لأن هو نفسه أحجية يصعب حلها على حد تعبير الخبير.

وفيما يتعلق بملف النووي الإيراني، يعتقد خبير المعهد الدولي للبحوث الانسانية والسياسية فلاديمير بورتيرا بأن قراراً بإلغاء الاتفاق النووي قد اتخذ في البيت الأبيض، أما بخصوص كوريا الشمالية فلطالما لم يفعل ترامب شيئاً حتى الآن، فإنه لن يفعل شيء بعد ذلك. أما ما هو رد فعل إيران على إلغاء الاتفاقية؟ فقد تكمن الإجابة -وفقاً للخبير على تصريحات ترامب، ولكن فإن "مراجعة الاتفاق النووي مع إيران غباء سياسي كبير جداً"([24]).

"طموح" بوتين لنظام عالمي جديد

تناولت مراكز الدراسات الروسية النظرة الروسية لمستقبل النظام العالمي والعلاقات الدولية من خلال كلمة الرئيس بوتين في ملتقى منتدى الأعمال الدولي (فالاداي) التي حددت أفق المستقبل ولعدة سنوات، واستعرضت مقارنة كلمته مع تلك التي ألقاها في مؤتمر ميونيخ للسياسات الأمنية في عام 2007. في الواقع هنا وهناك مواضيع مشتركة، عدا المشاعر المعادية للولايات المتحدة والمعادية للغرب، إلا أن هذه الأمور المشتركة تبحث عن وسائل للتغلب على أزمة النظام العالمي الحالي وبناء نموذج عالمي أكثر عدلاً، ومن الأفكار التي تبلورت خلال العشر السنوات الماضية عدم قبول عالم بقطب واحد لا بل استحالته، وتظهر ضرورة تحسين نظام الأمن الدولي بما فيها حق روسيا الثابت القيام بسياسة خارجية ومحلية مستقلة مع الحفاظ على الأمم المتحدة كمؤسسة تكفل التنمية السلمية والمستقرة في العالم. مع الحاجة الملحة لإصلاح المنظمة الدولية.

 كما عكست كلمة بوتين واقع الأزمات العالمية وخاصة بما يتعلق بالظلم وازدواجية المعايير في حل المشاكل الدولية وضرورة إيجاد مفهوم جديد لإدارة الأزمات الدولية من خلال إعطاء بعض المفاهيم معانيها الحقيقية كالعدالة والقيم الأخلاقية وكرامة الإنسان والعدالة التي استخدمت للهيمنة الجيوسياسية، كما أوضح بوتين أن الإحساس بالظلم يدفع الناس إلى التطرف ومن هنا يصبح الكفاح ضد الظلم والتطرف من أولويات المجتمع الدولي، لذلك تعتبر كلمة بوتين نداء لكل دولة لفعل ما يمكن فعله للقضاء على الفقر والظلم، ويرى بوتين أنه من أجل إيجاد نظام إدارة عالمي جديد يجب مشاركة دول العالم بأسره دون الاقتصار على مجموعات على أن تضم ممثلي القارات المختلفة بما فيها من التقاليد الأخلاقية والثقافية والنظم السياسة والاقتصادية المختلفة([25]).

وفي المقابل، كشف الرئيس منظار روسيا لمستقبل النظام العالمي ونظام الحكم العالمي. وبالتالي ينبغي للأمم المتحدة ومبادئها الأساسية أن تظل وتبقى مركز النظام الدولي، والمهمة العالمية هي تعزيز سلطة وفعالية المنظمة. وفي الوقت نفسه، تحتاج الأمم المتحدة إلى إصلاح، ولكنها يجب أن تسلك طريقا تطوريا وأن تحظى بدعم معظم البلدان. وأشار رئيس الدولة إلى حرمة حق النقض في مجلس الأمن كآلية لتجنب اشتباك مباشر بين أقوى القوى. كما ربط الرئيس آفاق التنمية المستدامة بالتقدم العلمي والتكنولوجي الذي يكتسب أهمية سياسية عالمية في العالم. وفي هذا الصدد، أشار فلاديمير بوتين إلى ترابط التغيرات في العلاقات الدولية مع التطور العلمي والتكنولوجي. ودعا المجتمع الدولي لمحاولة معا ليس فقط لتشكيل نظام عالمي مستقر، ولكن أيضا للرد على التحديات التكنولوجية والبيئية والمناخية والإنسانية التي تواجه البشرية. كما ذكر بوتين في خطابه بأنه في عالم اليوم، المكاسب الاستراتيجية مستحيلة على حساب الآخرين". وأعطى مثالا" يحتذى حل الأزمة السورية القائم على المدخل الروسي المتمثل باحترام الشركاء وآرائهم لا على أسس مدمرة كما ارتأت بعض البلدان، وبصفة عامة، افترض رئيس الدولة أن روسيا على استعداد على الصعيد العالمي للمشاركة في إنشاء بنية جديدة لإدارة العلوم والطبيعة والفضاء ودعا جميع الأطراف المهتمة إلى التعاون في هذا الشأن. وبالإضافة إلى تحديد "نقاط النمو" الرئيسية للتهيئة الدولية للمستقبل([26]).

 طرح بوتين أيضا عدداً من المبادرات السياسية الملموسة. وعلى سبيل المثال، تقوم كتلة الشعوب السورية (كما أطلق عليها ولاقت استياء من الشعب السوري حيث اعتبرها البعض مقدمات للتقسيم) بإجراء تسوية ما بعد الصراع في البلاد. أو حول آفاق نزع السلاح النووي، التي دعا إليها الرئيس الروسي، ولكن في المستقبل البعيد، بربطها بتطوير تكنولوجيات جديدة للأسلحة غير النووية. ويعتبر وفقاً للصحافة الروسية أن هذا الخطاب هو نداء للساسة الغربيين بأن موسكو ماضية في جهودها لإقامة نظام عالمي جديد.

عموماً ومما لا شك فيه فإن شخصية وعقيدة بوتين هي المحور الرئيس لصياغة السياسات والطموحات العامة الروسية، فقد استطاع إحياء الطموح السوفياتي بحلة جديدة ويواجه كافة الصعوبات التي تعترض هذا الطموح بأدوات مصرة على حركته باتجاه المركز في النظام العالمي، ومما يؤكد ترسخ هذه العقيدة عند المواطنين الروس فقد أجرى خبراء  مختبر البحوث السياسية القادمة استطلاعاً لطلاب الجامعات حول الانتخابات الرئاسية المقبلة وشملت 6000طالب من 109 معهد وجامعة فكانت من مختلف الشرائح الدارسة منهم من يدرس على نفقة الدولة 73% وآخرين على نفقتهم الخاصة 27% والبعض بنظام المنح 32%وآخرون ممن يجمعون بين العمل والدراسة 20%وكانت نتائج الاستطلاع كما يلي : (47.1% لصالح بوتين؛ 5.8% جيرنوفسكي  وزير الدفاع سيرغي شويغ؛ 4.8% ورئيس الوزراء ميدفيدف؛ 2.4%  رئيس الحزب الشيوعي الروسي غينادي زوغانوف؛ 2.1% وأقل نتيجة حصل عليها رئيس حزب روسيا العادلة؛ 0.8% ورئيس حزب يابلاكا، اضف إلى ذلك فان 15.4% لم يعطوا اجابات محددة و12% لن يذهبوا إلى الانتخابات، واشار نائب رئيس المركز روتيسلاف توروفسكي إلى ثقة الطلاب بشخصية بوتين وثقته بنفسه وحبه لوطنه ويؤيدون سياسته الخارجية ولكن يبدون اهتماما اكثر في السياسة الداخلية وضرورة حل مشاكل البلاد الداخلية وعدم اهتمامهم بالمعارضة([27]).

الخاتمة

الثابت في هذا التقرير أن ادعاءات النصر الروسي في سورية تتناسى أن الآلة العسكرية وإن حاولت أن تفرض شروطها على القضية فإن العامل السياسي والاجتماعي سيبقى عاملاً أساس لتأجيج الصراع وعدم استقرار المنطقة، فأدوات المقاومة المحلية لاتزال متعددة ومتجددة، وطالما يتم التعاطي من مداخل أمنية إقليمية ودولية مع تغييب البعد الأمني والسياسي الوطني، فإن اهتزاز الاستقرار المزعوم هو السمة المتوقعة، هذا من جهة، من جهة أخرى فإن إعادة سيطرة النظام العسكرية على كامل الجغرافية السورية خاصة إذا ما قورنت بانسحاب تدعي موسكو بالقيام به، فإن هذه العودة أقرب لأن تكون حالة متخيلة وذلك لسببين رئيسين الأول اهتراء البنية العسكرية للنظام، والثاني مرتبط بالتواجد الإيراني الميليشياوي كونه أحد مصادر تأجيج الصراع ولا يتصالح وكذلك النظام( إلا مع الحلول الصفرية). وعليه يمكن الاستنتاج أن كل ما حاولت الآلة العسكرية من صياغته في المشهد العسكري واستثماراته في الميادين السياسية فإنه معرض للانتكاس وبالتالي استمرار فرضية التورط الروسي. وحتى فيما يتعلق بملف إعادة الإعمار فإنه عدم قدرة موسكو على مواجهة هذا الملف سواء منفردة أو مع الحلفاء، تفرض نفسها على السلوك الدبلوماسي الروسي، لذا تدفع به لأن يكون جهداً دولياً وفق قواعد الحل الروسي، محاولة تصدير كملف وتحديات حكومية ما دون السياسي إلا أنه لا يزال ملفاً سياسياً خاضع للضغوط المشتركة بين المانح (الاتحاد الأوروبي) ومهندس الحل (روسيا الاتحادية).

ورغم محاولة موسكو تصدير نموذج تدخلها في سورية "كحالة نجاح" في وجه تخبط الإدارة الامريكية التي تصفها الصحف والمراكز البحثية الروسية "بالطائشة"، أو كنموذج يعكس طبيعة السياسة الإقليمية والدولية لإدارة بوتين وفهمها للنظام العالمي، إلا أن هذه المحاولة وإن بدت في المرحلة الراهنة "واقعية"، إلا أنها دلالة على محاولة استثمار فقط وأن أي اتفاق سينتج سيوف لن يختلف عن معظم اتفاقات وتسويات المنطقة، وأن الحالة السياسية والعسكرية فيما بعد الاتفاق ستبقى هشة وغير مستدامة.


([1]) تقرير مركز المصالحة في حميميم تاريخ 26.10.2017، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/fx2gcR

([2]) تم تصفية 31 قياديا" من داعش كما أصيب الجولاني بجروح بالغة على حد تعبير مركز حميميم.

([3]) بقلم سيرغي جوكوف معارك ضارية في دير الزور ولم تتمكن القوات الحكومية من اختراق تحصينات التنظيم بالإضافة لهجوم جديد للجيش الحر في محافظة حماه، صحيفة نيو الفورم 27.10.2017، https://goo.gl/uojX1K     

([4]) فلاديمير موخين: "في سوريا تنشط الخلايا النائمة وقد تعود الحرب الاهلية بزخم أقوى"، صحيفة نيزافيسيمايا، تاريخ10/11/2017، الرابط https://goo.gl/4v9jHp

([5])  ميخائيل اوشاستوف:" ماذا وراء اتهام دمشق؟"، صحيفة لينتا. رو، تاريخ 4/7/2017، الرابط: https://goo.gl/Fy7bDJ

([6])  "استخدمت القوات الجوية السورية السارين في خان شيخون، مما أسفر عن مقتل أكثر من 80 شخصا"، معظمهم من النساء والأطفال. كما أصابت الضربة الجوية المؤسسات الطبية القريبة. وأدى هذا إلى انخفاض خطير في قدرتها على تقديم المساعدة لضحايا الهجوم الكيميائي، مما أدى إلى زيادة في عدد الضحايا المدنيين

([7])  اتهام الامم المتحدة دمشق بالهجوم الكيماوي في خان شيخون، صحيفة لينتا. رو، تاريخ 6/9/2017، الرابط: https://goo.gl/8sw9fu

([8]) انجيليكا ستانيلوفا: "السلطات السورية لها الحق في شن عمليات عسكرية ضد قوات الحماية الذاتية"، صحيفة بليت اكسبورت، تاريخ 10/11/2017، الرابط: https://goo.gl/bMnGXm

([9]) فلاديمير موخين: " مشكلة الشمال السوري الذي تسيطر عليه القوات الكردية بدعم أميركي"، صحيفة تنزافيسسمايا، تاريخ 10/11/2017، الرابط: https://goo.gl/vVQxra

([10])  بولينا دوخانوفا:"إيقاف المساعدات العسكرية للpyd"، روسيا اليوم، تاريخ 25/11/2017، الرابط: https://goo.gl/CtfErd

([11]) مقابلة راديو سبوتنيك مع صالح مسلم بحضور الهام أحمد، بتاريخ 13/10/2017، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/bxP29b

 ([12]) تقرير محطة تلفزيونية 1HDروسية حول زيارة الأسد، تاريخ 21/11/2017، الرابط: https://goo.gl/7ZtFyL  

([13]اماليا زاتاري:" مصير سوريا يحدد في سوتشي وفيها تبدأ مشاورات حول هيكلية جديدة للشرق الأوسط " صحيفة غازيتا 22/11/2017، الرابط: https://goo.gl/et6B1J

([14]) فلاديمير فيتين:" عقبات امام الحل السياسي"، مركز الدراسات الاستراتيجية 23/11/2017، الرابط: https://riss.ru/events/45663/

([15])  المرجع نفسه

([16])  ايليا غاتيكويف:" إعادة إعمار سوريا والدور الروسي"، صحيفة ايزفستيا، 25/10/2017، الرابط: https://goo.gl/qJaTvN

([17]) المرجع نفسه.

([18]) وقف الدول الغربية من إعادة الاعمار في سوريا، موقع انسومي .رو نقلاً عن الشرق الأوسط، 19/9/2017، الرابط:  https://goo.gl/vTuC4n

([19]) إنعاش الاقتصاد السوري ومشكلة النازحين بعد انتهاء الحرب، موقع الحقائق السورية 11/6/2017، الرابط: https://goo.gl/nxTZj1

([20])  لا تشيف سيرغي: "لماذا الصمت الروسي على الوقاحة الأميركية؟" صحيفة "تسارغراد، تاريخ: 14/11/2017، الرابط: https://goo.gl/MAEdbr

([21])   إلكسندر روبايف:" بعقوبات اميركية جديدة ضد روسيا"، مركز كارينغي 6/10/2017، الرابط: https://goo.gl/t2eV4J

([22]) تقريرالكسي داننيتشيف، روسيا اليوم وكالة الانباء الوطنية 14/10/2017 ، الرابط: https://goo.gl/cQetN9   

([23])  كونستانتين بلوخين:" سياسات ترامب الطائشة"، سفابودنيا بيرس/ 11/10/2017، الرابط: https://goo.gl/BBH89f

([24])  للمزيد انظر تعليق كونستانتين بلوخين من معهد الدراسات الاوربية الأطلسية، وفلاديمير بروتر من معهد البحوث، الانسانية والسياسية، سفابودنيا بريس 9/10/2017 https://goo.gl/Mf2jp2

([25])  تامارا كوزينكوفا  و يفغيني بيريوكوف: " النظرة الروسية لمستقبل النظام العالمي والعلاقات الدولية"، معهد الدراسات الاستراتيجية، 23/10/2017 ، الرابط: https://goo.gl/tRvtuY

([26]) المرجع نفسه.

([27])  انغلينا غالانينا :" جيل بوتين يحدد موقفه في الانتخابات الرئاسية القادمة "،صحيفة ايزفيستيا 13 /10/2017 ، https://goo.gl/kJd1QW

ملخص تنفيذي

  • لا تقتصر أهمية تحرير الرقة على أنه شكّلَ بداية النهاية الفعلية لتنظيم الدولة بسقوط "عاصمته"، وإنما تمتد أهميته لتشمل تحديد مصير طموحات حزب "الاتحاد الديمقراطي" (PYD) في سورية.
  • الإدانة الأمريكية لرفع صورة أوجلان في الرقة وما تلاها من تصريحات، بدت وكأنها رسائل بأن تحالف الولايات المتحدة مع قوة يشكل عمادها حزب تصنفه هي إرهابياً (العمال الكردستاني) بات يثقل كاهلها، ويؤثر بشكل أعمق على علاقاتها مع تركيا الشريك الناتوي، ما يعزز احتمالات تكرار سيناريو كركوك في الرقة وغيرها من المناطق العربية الواقعة تحت سيطرة قوات "سوريا الديمقراطية".
  • تبدو عملية إعادة إعمار الرقة أبعد ما تكون عن الواقع من قبل الدول المشاركة في التحالف الدولي المسؤول عن جزء كبير من دمار المدينة، وأقرب ما تكون لفرصة مناسبة لإرسال رسائل سياسية والضغط على أنقرة وموسكو.
  • إن استمرار سيطرة حزب "الاتحاد الديمقراطي" على المناطق العربية التي حازها بدعم التحالف الدولي تبدو أمراً صعباً، ومسألة استعادة النظام وحلفائه لها أو تسليمها لفصائل عربية قد تكون مسألة وقتٍ ورهنٌ بأمرين، هما: ترتيب أولويات النظام وحلفاؤه العسكرية أو صفقة أمريكية روسية تركية يكون الحزب ضحيتها.
  • قياساً على النموذج العراقي فمن المستبعد بعد انتهاء عمليات التحالف ضد "تنظيم الدولة" في سورية أن يكون هناك غطاء أمريكي أو أوروبي لتحقيق مشروع الـ "PYD" في سورية، أما فيما يخص الوضع الداخلي السوري فهناك أيضاً العديد من العوامل التي تحول دون استمرار سيطرته على مدينة الرقة.

مدخل

في تاريخ 16 تشرين الأول/أكتوبر الفائت أعلنت قوات "سورية الديمقراطية" تحريرها مدينة الرقة بالكامل من تنظيم الدولة، بعد ما يقارب 120 يوماً على القتال، الإعلان الذي أثار عدة هواجس وتساؤلات بما احتواه من رفع لصورة عبد الله أوجلان في ساحة الرقة الرئيسية، وما تلاها من زيارة لوزير الدولة السعودية لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان، والحديث عن إمكانية إطلاق عملية إعادة إعمار للمدينة. الأمر الذي أثار حفيظة العديد من الأطراف وعلى رأسها تركيا ذات الحساسية من حزب العمال الكردستاني والذي يشكل العمود الفقري لـ "قسد"، وأيضاً بالنسبة للنظام السوري وحلفائه اللذين أطلقوا تصريحاتٍ تشدد على عزمهم استعادة السيطرة على الرقة، مما يجعل مصير المدينة من حيث إعادة إعمارها وعودة أهلها النازحين نتيجة المعارك معلقاً بطبيعة الجهة التي ستؤول إليها إدارة المدينة في النهاية. الأمر الذي يرتبط بالتوافقات الأمريكية الروسية الراعيتان للطرفين المتصارعين على المدينة، وقدرتهما على إنتاج صيغة حكم مرضية بالنسبة لحليفهما المشترك تركيا. ويزيد من تعقيد المشهد في المدينة ارتباط مآلاتها بمستقبل مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي "PYD" في سورية بعد انحساره إلى الشمال الشرقي فقط وإحباط تركيا وروسيا احتمالات تمدده إلى الشمال الغربي وربط الكانتونات الكردية الثلاثة. وعليه تسعى هذه الورقة التحليلية إلى تفكيك المشهد السياسي والعسكري في الرقة بعد تنظيم الدولة، من خلال فهم مصالح الأطراف المتدافعة للاستئثار والسيطرة على المدينة، من فاعليين محليين وداعميهم الدوليين والإقليمين، إضافة لاستشراف مآلات إدارتها واحتمالات إطلاق عملية إعادة إعمار فيها.

أولاً: التحرير (أوجلان إلى الواجهة)

يبدو أن طرفي الصراع في الرقة(داعش، قسد) كانا الأقل خسارةً بموجب الاتفاق الذي عقداه في نهاية المطاف، والذي قضى بخروج 4000 من مقاتلي تنظيم الدولة المحليين من المدينة إلى باقي مناطق سيطرة التنظيم، وهو ما كشفه تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية([1])"BBC"، حيث بلغت تكلفة تحرير الرقة من تنظيم الدولة مقتل 1172 مدنياً على الأقل بغارات التحالف، بمن فيهم 276 طفلاً و203 نساء، ولقي 161 آخرون (بينهم 37 طفلاً و10 نساء) مصرعهم جراء انفجار ألغام أثناء محاولتهم الفرار من المدينة، علاوة على مئات المصابين بجروح متفاوتة الخطورة، في حين بلغ عدد مسلحي "داعش" الذين تمت تصفيتهم جراء عملية تحرير المدينة (1371 مقاتلاً) وهو رقم يكاد لا يزيد عن حصيلة القتلى بين المدنيين، بينما خسرت قوات "سوريا الديمقراطية" 655 من مقاتليها، حسب معطيات رسمية([2])، في حين بلغت نسبة التدمير في المدينة 80% بحسب تقديرات الأمم المتحدة وشهادات أبناء المدينة([3]).

وعلى الرغم من حجم الدمار الهائل في الرقة؛ إلا أن قوات حزب "الاتحاد الديمقراطي" العمود الفقري لـ"قسد" أقامت احتفالاً بالنصر على أنقاض دوار النعيم وسط الرقة، غطت فيه أعلامها الحزبية وصورة ضخمة لعبدالله أوجلان الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني على أعلام "سورية الديمقراطية" والفصائل العربية المنضوية تحت لوائها([4])، في إشارة واضحة بأن الرقة ستكون جزءاً من مشروع الفيدرالية التي يسعى حزب "الاتحاد الديمقراطي" لتحقيقها في سورية، بشكل يتوافق مع تصريحات قيادة "سوريا الديمقراطية" إبان انطلاق معركة تحرير المدينة، وهو الأمر الذي أثار حفيظة الأتراك، مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية لإدانة رفع صورة أوجلان في الرقة معتبرةً إياه "شخصية غير جديرة بالاحترام" وشددت على أن الرقة هي مكسب لجميع السوريين([5]الإدانة التي بدت وكأنها رسالة بأن تحالف الولايات المتحدة مع قوة يشكل عمادها حزب تصنفه هي إرهابياً (العمال الكردستاني) بات يثقل كاهلها، ويؤثر بشكل أعمق على علاقاتها مع تركيا الشريك الناتوي، الأمر الذي يعزز احتمالات تكرار سيناريو كركوك في الرقة وغيرها من المناطق العربية الواقعة تحت سيطرة قوات "سوريا الديمقراطية"، وخصوصاً بعد سقوط البوكمال آخر معاقل التنظيم في سورية.

ثانياً: إعادة الإعمار (رسائلٌ لأنقرة)

ما إن انتهت العمليات العسكرية في مدينة الرقة حتى بدء الحديث عن إمكانيةٍ لإطلاق عملية إعادة إعمارها، وهي العملية التي عُقد مؤتمر روما لبحثها في سبتمبر/ أيلول أي قبل شهر من تحرير المدينة، حيث أعلنت العديد من الدول الأوروبية استعدادها للتبرع بمبالغ مالية للمشاركة في إعادة إعمار المدينة، وكان على رأسها بريطانيا التي أعلنت عن نيتها التبرع بمبلغ 13 مليون دولار، وألمانيا 10 مليون يورو، فرنسا 15 مليون يورو، هولندا 1.5 مليون لإزالة الألغام و2 مليون من الاتحاد الأوروبي لذات السبب([6])، ثم جاءت زيارة الوزير السعودي ثامر السبهان برفقة ممثل الرئيس الأمريكي في التحالف الدولي ضد "داعش"، بريت مكغورك، إلى المدينة لتزيد من احتمالات دعم السعودية المادي لإطلاق عملية إعادة الإعمار، وهي العملية التي يبدو أنها أبعد ما تكون عن الواقع من قبل الدول المشاركة في التحالف الدولي المسؤول عن جزء كبير من دمار المدينة، وأقرب ما تكون لفرصة مناسبة لإرسال رسائل سياسية والضغط على تركيا وموسكو من جهة ثانية، وهناك عدة عوامل ترجح صوابية هذه القراءة لما يشاع حول إعادة إعمار الرقة، وأبرز تلك العوامل:

  1. طبيعة عملية إعادة الإعمار: والتي تحتاج بالدرجة الأولى إلى بيئة آمنة غير متوفرة في سورية التي لاتزال تشهد صراعاً، بالإضافة إلى أن الدول المانحة المفترضة لتمويل إعادة الإعمار (الولايات المتحدة-الاتحاد الأوروبي) هي ذاتها من ربطت مشاركتها بتلك العملية بوجود حل سياسي للأزمة السورية، وكذلك الأمر بالنسبة للسعودية التي ربطت مشاركتها بخروج المليشيات الإيرانية من سورية([7]).
  2. حجم الدمار في مدينة الرقة: والذي بلغ 80%، لا يتناسب مطلقاً مع حجم المبالغ الهزيلة التي أعلنت عنها الدول المفترضة لرعاية العملية، والتي حددت هدف تلك المبالغ بإزالة الألغام وتنفيذ مشاريع في قطاع المساعدات الغذائية والمياه والصحة ومساعدة اللاجئين فقط([8]).
  3. غياب الشريك "الحكومي": والذي يمثل الطرف الضروري لإطلاق عملية إعادة الإعمار وإبرام العقود بشكل رسمي مع الشركات المنفذة للعملية، فقوات "سوريا الديمقراطية" تُعدُ مليشيا مقاتلة لا تحمل أي صفة رسمية تخولها التعاقد، كما أن مجلسها المدني لا يبدو وأنه يحظى بقبول وإجماع من الأهالي، ناهيك عن وجود مجلس آخر لتمثيل المدينة هو مجلس محافظة الرقة الحرة، والذي يعتبر؛ "مجلس "قسد" مشكلاً من قوى الأمر الواقع العسكرية، والأعضاء العرب المشاركون في المجلس من أزلام النظام وأصحاب السوابق، والعناصر الكردية فيه هم أعضاء في حزب "الاتحاد الديمقراطي" وذراعه العسكري([9])".

ووفقاً للعوامل السابقة فإن إطلاق عملية إعادة إعمار للرقة في الوقت الحالي يبدو شبه مستحيلٍ، ومع إدراك الدول المعلنة لذلك يتبدى سؤالٌ؛ إذاً لماذا هذا الإعلان أساساً؟ وماهي دوافع الدول المعلنة من التلويح بهذه الورقة ضمن هذا الظرف بالذات، فبالإضافة لمسؤوليتها عن الدمار الحاصل في الرقة، تتجلى مجموعة دوافع للدول العازمة على الاشتراك في عملية إعادة الإعمار من إعلانها هذا، ولعل أبرز تلك الدوافع المشتركة بين الدول المعلنة:

  • الضغط على أنقرة: فإذا بحثنا عن القاسم المشترك الأكبر بين الدول المعلنة عن نيتها بإعادة إعمار الرقة (الاتحاد الأوربي، أمريكا، السعودية) سنجد أنها تشترك في الظرف الحالي بعلاقاتها المتوترة مع تركيا ذات الحساسية الخاصة من أي دعم يقدم لقوات "سوريا الديمقراطية" وعمادها الرئيس الـ PYD، وهنا يبدو أن إعلان عملية إعادة الإعمار لمنطقة خاضعة لسيطرة الـ PYD جاء أيضاً رسالة ضغط على أنقرة من شركائها في الناتو حول سياستها المغردة خارج سرب الناتو والمتقاربة مع موسكو، خصوصاً بعد صفقة صواريخ S400. ورسالة أُخرى من منافسيها الإقليميين حول تنسيقها مع إيران في الملفين السوري والعراقي.
  • رسالة إلى موسكو: من المشتركات أيضاً بين تلك الدول هو ضرورة وقف السعي الروسي لإطلاق عملية إعادة إعمار في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، حيث لوحَ النظام وحلفائه عن احتمالية إطلاق عملية إعادة إعمار جزئي للمناطق الخاضعة تحت سيطرتهم، مما يعني استئثار موسكو منفردة بالجزء الأكبر من العملية، لذا يبدو أن الإعلان عن عملية إعادة إعمار في الرقة وهي المحافظة الوحيدة التي تخضع لسيطرة التحالف، جاء بجزء منه رسالة هامة لموسكو في هذا الإطار. مفادها: بأن "أي عملية إعادة إعمار جزئي سيقابلها عملية أخرى، كما أن هذه العملية بالذات لابد وأن ترتبط بالحل السياسي وتوافق الفاعليين دون أن تنفرد بها أي قوى."
  • استعادة المقاتلين الأجانب: قد يرتبط سياق الإعلان عن عملية إعادة إعمار في الرقة وما سيتطلبه ذلك من تحويلات مالية تحت هذا العنوان، مقابل زيارات بعض المسؤولين الدوليين إليها، ببعدٍ أمني تمثل في حرص بعض الدول على استعادة مواطنيها من المقاتلين في "داعش" ممن بقوا في الرقة وكانوا جزءاً من الصفقة التي لم تتضح معالمها مع "سوريا الديمقراطية" لتسليمهم لدولهم، فقد تكون بعض المبالغ والزيارات هي ثمن تدفعه كل دولة لاستعادة أو "شراء" مواطنيها المقاتلين في التنظيم. والذين يمثل استعادة من تبقى منهم إجراءاً أمنياً ضرورياً لاستكمال التحقيقات معهم والكشف عن الخلايا النائمة في كل دولة أو من ساعد في تجنيدهم ضمن كل دولة، خصوصاً مع الموجة التي تخشاها أوربا من الإرهاب وتتوقعها على أراضيها بعد نهاية تنظيم الدولة في سورية والعراق. ولعل زيارة أغلب المسؤولين الدوليين إلى الرقة إثر تحريرها جاء بجزء منه ضمن هذا السياق، ومنهم نائب الرئيس الشيشاني، زياد سبسبي([10]).

ثالثاً: النظام وحلفاؤه: (قطع شعرة معاوية)

بعد نجاح تركيا في قطع الطريق على مشروع حزب "الاتحاد الديمقراطي" في وصل الكانتونات الكردية في الشمال السوري، يبدو أن الحزب تحول باتجاه توسيع سيطرته شرق الفرات كخيار بديل لفيدراليته المنشودة، والتي تشكل مدينة الرقة جائزتها الكبرى، فهي المدينة الأكبر بين المدن الواقعة تحت سيطرته، وفي إطار هذا السعي للتمدد وقضم المزيد من الأراضي العربية الغنية بالموارد في شرق سورية، لم يعد من الممكن للـ PYD"" الاستمرار في حالة التخادم مع النظام وإيران، لذا يبدو أن الحزب اختار الجانب الأمريكي كحليف وحيد، ودخل في مواجهة مباشرة مع النظام وحلفاؤه من المليشيات الإيرانية والقوات الروسية على ضفاف الفرات في دير الزور، والتي أصبح يسابق النظام فيها للسيطرة على الموارد النفطية.

بالمقابل تغيرت لهجة النظام وحليفه الإيراني المهادنة للأكراد على خلفية هذا التصعيد في دير الزور والرقة، بين تصريحات وليد المعلم حول إمكانية التفاوض مع الأكراد حول حكم ذاتي([11])، وبين تصريحات بشار الأسد الرافضة للتخلي عن السلطة المركزية ولو بشكل مؤقت([12])، كما سبق تصريحات الأسد بأيام زيارة الأمين القطري المساعد لحزب البعث، هلال هلال، لريف الرقة الجنوبي الواقع تحت سيطرة النظام؛ أطلق فيها تصريحات عن عزم النظام استعادة كامل الرقة([13]). فيما جاءت تصريحات الحليفين الإيراني والروسي أكثر شدة، حيث أعلن مستشار المرشد الإيراني، علي أكبر ولايتي، من بيروت عزم قوات النظام على التقدم إلى الرقة قريباً، كما صرحت القناة المركزية لقاعدة حميميم الروسية بأن الحل العسكري هو الخيار الوحيد للتعامل مع المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد([14]).

ويبدو أن سلوك حزب "الاتحاد الديمقراطي" ساهم في جعله إحدى نقاط التقارب الروسي التركي الإيراني في سورية، هذا بالإضافة إلى عدائه للقوى الثورية السورية وانعدام حاضنته الشعبية خارج المناطق الكردية ومنها الرقة، باعتباره يحمل مشروعاً خاصاً تجلت إحدى ملامحه برفع صورة عبد الله أوجلان في دوار النعيم بالرقة، في إشارة واضحة لهيمنة مليشيا الحزب على باقي المكونات الديكورية لقوات "سوريا الديمقراطية". الأمر الذي يجعل استمرار سيطرة حزب "الاتحاد الديمقراطي" على المناطق العربية التي حازها بدعم التحالف الدولي أمراً صعباً، ومسألة استعادة النظام وحلفائه لها قد تكون مسألة وقتٍ ورهنٌ بأمرين، هما: ترتيب أولويات النظام وحلفاؤه العسكرية، مقابل صفقة أمريكية روسية تركية يكون الحزب ضحيتها.

رابعاً: المآلات (دروس من العراق)

عند الحديث عن أي استشراف لمآلات الوضع في الرقة، لابد وأن يؤخذ بعين الاعتبار المؤشر العراقي وما حدث في كركوك وباقي المناطق العراقية المتنازع عليها بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان، وذلك لما له من أهمية كبرى في فهم آلية تفكير الولايات المتحدة الأمريكية وباقي شركائها في التحالف الدولي في تعاطيهم مع مطالب الكرد في المنطقة. ففي الحالة العراقية هناك فيدرالية كردية ناجزة تمتلك كل مقومات الانفصال وضعت كامل طاقاتها في خدمة الولايات المتحدة في "حرب الإرهاب"، وبالرغم من ذلك لم تمنحها الولايات المتحدة أي مكاسب فيما يخص مشروعها للاستفتاء على الانفصال أو على الأقل تمددها نحو المناطق غير الكردية وضمها للإقليم، وبدلاً من ذلك تركتهم بعد انتهاء حرب التنظيم لقمةً سائغةً للحشد الشعبي المدعوم من إيران،  فإذا كان هذا الحال مع حكومة الإقليم الرسمية!، فكيف ستتعاطى الولايات المتحدة مع مليشيا تتبع حزباً تصنفه هي بنفسها إرهابي كوحدات "الحماية الكردية" في سورية؟، خصوصاً في ظل ضعف تأييدها في الشارع الكردي المنقسم بينها وبين المجلس الوطني الكردي، ناهيك عن انعدام أي حاضنة لها في المناطق غير الكردية الواقعة تحت سيطرتها، واعتبارها طرفاً معادياً من قبل الأطراف الإقليمية والمحلية المنخرطة في الصراع السوري، وعلى رأسها موسكو.

 إذاً وقياساً على النموذج العراقي فمن المستبعد بعد انتهاء عمليات التحالف ضد "تنظيم الدولة" في سورية أن يكون هناك غطاء أمريكي أو أوروبي لتحقيق مشروع الـ PYD المنشود، أما فيما يخص الوضع الداخلي السوري فهناك أيضاً العديد من العوامل التي تحول دون استمرار سيطرة قوات "سوريا الديمقراطية" على مدينة الرقة، ولعل أبرزها:

  1. تراخي أمريكي: استعادة النظام وحلفاؤه لمساحات واسعة من الأراضي في سورية، وعقد اتفاقات خفض التصعيد، التي خلقت للنظام فائض قوة قد يقوم بتوجيهه لاستعادة المناطق الخاضعة لسيطرة "قسد"، وبخاصة الغنية بالموارد في ريف دير الزور ومدينة الطبقة (سد الفرات)، هذا بالإضافة لرغبة تركيا المعلنة بإبعاد قوات سوريا الديمقراطية من ريف الرقة المحاذي لحدودها (تل أبيض)، الأمر الذي يجعل "قسد" بين فكي كماشة ويضعها أمام احتمال مواجهة خاسرة تفوق إمكاناتها، خصوصاً في ظل ما تبديه الولايات المتحدة من رغبة في تجنب أي اشتباك مع موسكو أو أنقرة، والتصريحات المكررة حول إدارة الرقة من قبل أهلها، وهو ما تمت ترجمته فعلاً في سحب العناصر الكردية ضمن قوات "سوريا الديمقراطية" من المدينة إلى أطرافها ونشر قوات عربية من أهل الرقة داخلها([15])، إضافة للتصريحات الأمريكية الأخيرة التي قُدمت كضمانات لتركيا، والمتعلقة بإعادة النظر بالدعم العسكري الأمريكي للقوات الكردية في سورية([16]).
  2. نقمة شعبية: يشكل العرب الأغلبية الساحقة من سكان مدينة الرقة مع انعدام شبه كامل للأكراد فيها، لذلك من الصعب أن تكون المدينة ضمن مشروع حزب "الاتحاد الديمقراطي"، خصوصاً مع ميل الأخير لتكريد بعض المناطق العربية الواقعة تحت سيطرته إما بمحاولات التغيير الديمغرافي كما حدث في ريف الرقة (تل أبيض وسلوك)، أو عبر المناهج التعليمية التي تُدرّس اللغة الكردية وأفكار عبدالله أوجلان، كما أن قيام قوات "سوريا الديمقراطية" بنهب المنازل والمحال التجارية في الرقة بعد تحريرها، ومنع أهالي الأحياء الواقعة على أطراف المدينة (المشلب والدرعية) من العودة إلى منازلهم بعد أربعة أشهر من تحريرها أدى إلى مواجهات بين الأهالي وقوات "سوريا الديمقراطية" سقط فيها جرحى من الأهالي نتيجة إطلاق النار عليهم([17]). لذلك يبدو أن تفاعل تلك الممارسات والهواجس مع الظروف الكارثية التي يعيشها أهالي المدينة والبالغ عددهم 270 ألفاً في مخيمات بريف المدينة قد يؤدي؛ إلى تحرك شعبي على نطاق واسع ضد سيطرة "قسد" على المدينة، ما قد يوفر فرصة مهمة قد يستغلها النظام لدعم توجهه في استعادتها.
  3. أزمة إدارة: تمثل مدينة الرقة مركزاً لمحافظة الرقة، وبذلك فإن إدارتها تختلف عن المدن التي تديرها "قسد"، خصوصاً مع حجم الدمار الهائل فيها، وعدم امتلاك مجلس المدينة التابع لـ"قسد" الخبرات الكافية والمؤهلة لإدارتها أو القبول و الإجماع الشعبي، لذا فمن المتوقع أن تنشأ في مدينة الرقة أزمة إدارة تتعلق بتسيير الشؤون العامة للمحافظة بكاملها من الناحية المالية المتعلقة برواتب الموظفين والتعليم بمختلف مستوياته، حيث تحوي الرقة بعض الكليات التابعة لجامعة الفرات، وتأمين الكوادر اللازمة لإدارة مرافق المدينة عموماً، هذا بالإضافة إلى انعدام الصفة الرسمية لـ"قسد" ومجلسها المدني والتي تخولها إصدار الأوراق الرسمية أو تسجيل المواليد وغيرها من المعاملات القانونية على مستوى محافظة الرقة، إذ تبدو المدينة أكبر من إمكانات مؤسسات الإدارة الذاتية التابعة لـ"قسد"، الأمر الذي سيزيد من نقمة أهالي الرقة ويدعم ميلاً ما نحو عودة مؤسسات النظام إليها إدارياً.

لا تقتصر أهمية تحرير الرقة على أنه شكّلَ بداية النهاية الفعلية لتنظيم الدولة بسقوط "عاصمته"، وإنما تمتد أهميته لتشمل تحديد مصير طموحات حزب "الاتحاد الديمقراطي" (PYD) في سورية، فعلى الرغم من تعدد الأطراف ذات المصالح في المدينة وضبابية المستقبل حول الجهة التي ستؤول إليها إدارتها؛ إلا أن المعطيات التي تمت مناقشتها سالفاً تشير بوضوح إلى أن صورة عبد الله أوجلان لن تبقى طويلاً في ساحة المدينة.


([1]) تركيا “مصدومة” لموقف أمريكا من اتفاق على انسحاب الدولة الإسلامية من الرقة، المرصد السوري لحقوق الإنسان، 15/11/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/twQ1we

([2]) الرقة.. ركام وأنقاض وخسائر هائلة بين المدنيين جراء غارات التحالف، موقع روسيا اليوم الإلكتروني، 23/10/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/zW3QNM

([3]) حجم الدمار في الرقة يترك وقع الصاعقة على نازحين تفقدوها، موقع صحيفة الحياة، 22/10/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/yV2pGC

([4]) واشنطن تدين رفع صورة أوجلان في الرقة، موقع صحيفة عنب بلدي، 21/10/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/cSjaGa

([5]) الرقة: أزمة رفع صورة أوجلان تتفاعل بين أنقرة وواشنطن، موقع جريدة المدن، 21/10/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/9CGAC8

([6]) زحمة “تبرعات” لإعمار الرقة. الاستقرار بدأ أم بيع أوهام؟، موقع جريدة عنب بلدي، 29/10/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/2WZmqk

([7]) السعودية تشترط استبعاد إيران للمشاركة بإعادة إعمار سوريا، موقع صحيفة العرب، 13/10/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/xyyTBi

([8]) زحمة “تبرعات” لإعمار الرقة. الاستقرار بدأ أم بيع أوهام؟، مرجع سبق ذكره.

([9]) ما بعد دمار الرقة: هل من سبيل للعودة؟، موقع القدس العربي، 21/10/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/3RCuwn

([10]) نائب رئيس الشيشان يصل القامشلي، صحيفة عنب بلدي، 19/10/2017، متوافر على الرابط التالي: https://goo.gl/ecJGxs

([11]) النظام السوري مستعد لمفاوضة الأكراد على الحكم الذاتي، موقع الجزيرة نت، 27/9/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/S8zBoQ

([12]) زوار دمشق نقلا عن بشار الأسد: لا تفاوض مع الأكراد على إدارة مناطق بصورة مستقلة، ولن تكون هناك كردستان أخرى في سوريا، المرصد السوري لحقوق الإنسان، 4/11/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/dQ7jaq

([13]) هلال هلال: الرقة ستعود لسيطرتنا، موقع جريدة عنب بلدي، 21/10/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/NDzekR

([14]) تصادم النظام و"قسد" يقترب... والرقة ساحة المواجهة، موقع صحيفة العربي الجديد، 6/11/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/7f4Jr3

([15]) المرجع السابق.

([16]) واشنطن تعلن مراجعة دعمها لجماعات مسلحة في سوريا، موقع الجزيرة نت، 28/11/2017. متوافر على الرابط التالي: https://goo.gl/4HHvkv

([17])أهالي الرقة ممنوعون من العودة: دواعٍ أمنية أم مخططات سياسية؟، موقع صحيفة العربي الجديد، 28/10/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/bAMEXY

على الرغم مما حمله حدث استقالة رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، من مؤشراتٍ مُغريةٍ للتحليل على المستوى السياسي لمستقبل لبنان الذي تنفس أهله الصعداء في الأيام الماضية، أو على مستوى المنطقة التي تنتظر كل يوم أزماتٍ جديدةٍ كدول ملعبٍ تحمل إليها دول اللاعب صراعاتها ومبارياتها؛ إلا أن أبرز ما يلفت في تفاعلات هذا الحدث من بدايته المريبة إلى نهايته النسبية؛ هي عودة الحريري إلى لبنان، وتحديداً ذاك الاستقبال الحاشد له في بيت الوسط ببيروت ومن ثم من قبل أنصاره من تيار المستقبل.

وبغض النظر أن لهذا التحشيد سياقه وهدفه السياسي والحزبي على الصعيدين المحلي والإقليمي، إلا أن المثير للاهتمام هو ذاك التمسك الذي يبديه الناس في الأزمات التي تهدد استقرارهم وتنذر بما هو أسوأ، إذ يبدو أن السلوك العام للجماعة ينتقل في الأزمات إلى مستوى التعبير عن الحاجة لقيادة يلتفون حولها بشكل قد يصل للمبالغة، علماً أنهم قد يكونوا غير مقتنعين بالقائد الذي يمثلها!

بمعنى أن المكون السُني اللبناني بعقله الجمعي يدرك تماماً كغيره من مكونات لبنان؛ أن سعد الابن لم يرث من قامة والده السياسية ما يستحق الذكر، فلم يمثلْ الشابُ رجل دولة حقيقي أو سياسي مُحنَّك أو زعيم طائفي أو رجل علاقات إقليمية ودولية أو حتى عميداً لأسرة الحريري، وعلى الرغم من إدراكهم هذا؛ إلا أنهم يلتفون اليوم حول "سعد الشاب" ويتمسكون به.

 وهنا قد نفهم أن الأزمات والتهديد الحقيقي لأي جماعة قد يدفعها للالتفاف حول قيادتها رغم عدم قناعتها بها، أي أن الجماهير تُعبر عن شعورها برفض واقعٍ أسوأ كالعودة إلى حالة عدم الاستقرار وذكريات الحرب التي يعرفها لبنان جيداً، فتعبرُ كجماعة مدركة لمصالحها عن رفضها وخوفها من العودة لتلك الحالة أكثر من تمسكها بالشخص ذاته، والذي تخدمه الأزمة لتقدمه "كمُخلِّص".

 أي أن سلوك الجماعة هنا يبدو تعبيراً عن رفض الأسوأ أكثر من كونه تمسكاً بشخص.  وإن صحت المقاربة للتوضيح؛ فقد فُسِّرَّ الخروج الجماهيري للمصريين إلى الشوارع بمظاهرات 9و10 يونيو 1967 للمطالبة بعودة جمال عبد الناصر إلى الرئاسة والعدول عن استقالته، وبقدر ما كان ناصر عليه من كاريزما القائد، إلا أن هذا التحرك الجماهيري ضمن ذاك الموقف عبَّر في عمقه عن رفض المصريين لهزيمة الـ 67 أكثر من تمسكهم بناصر، والذي كان يمثل بقاؤه أيضاً بالنسبة لهم أداة لرفض الهزيمة، أي أنهم عبروا بشكل جماعي عن رفض الهزيمة أمام إسرائيل وانعكاسها داخلياً بشكل يدفع زعيمهم للاستقالة.

وعلى الرغم من أن شخصية ناصر ببعدها القومي وعمقها المحلي وجانبها الزعامي لا يصح مقارنتها بسعد الحريري، ليس تقليلاً من شأن سعد ولا تعظيماً لشأن ناصر، وإنما هو الواقع. ولكن يمكن أن نفهم من تلك المقاربة بشكل عام بعضاً من سلوك الجماعات في الأزمات والمهددات الحقيقية، وكيف تعيد الأزمة كمتغير ضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم من مدخل الحاجة، أي أن الجماعة في الأزمات قد تعبر عن حاجتها للالتفاف خلف قيادة، أو حتى خلقها بمن ليسوا أهلاً لها، في سبيل حماية مصالحها أو درء تهديدٍ ما عنها أو حتى تحقيق هدفٍ معين.

بالمقابل، ففي الأزمات المهددة لمصالح الجماعة ليس بالضرورة أن يكون القائد مُخلِّصاً بالمطلق، وإنما قد تتحول القيادة إلى وسيلة لابتزاز الجماعة؛ فالأزماتُ كظرفٍ سياسيٍ تبدو من أكثر المداخل التي تلجأ الأنظمة السياسية إلى استغلالها في سبيل إعادة ضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم من مدخل الحاجة. فمن يمثل تلك القيادة يدرك تلك الحاجة تماماً، فيعمل على استثمار الأزمات وحاجة الناس في تعزيز قيادته، وقد يحرص على استمرار الأزمة التي تستمر بها مخاوف الجماعة وبالتالي التفافها حول قيادته أكثر، بل وقد يسعى في سبيل ذلك إلى تصنيع أزمات معينة.

وغالباً ما تكون تلك الأزمات مُصنعة باتجاهٍ يهدد أمن الجماعة، لذلك قد تُقدّم الجماعة تنازلاتٍ عدة لحفظ أمنها، ومن تلك التنازلات حقوقها وحرياتها التي لا تبدو أولوية قياساً بأمنها و"تهديد وجودها"، لتولد من هنا معادلة الأنظمة السياسية الديكتاتورية وعقدها الاجتماعي المتمثل بـــ "الأمن مقابل الحريات"، والذي يعيد ضبط العلاقة بين المطالب الشعبية بالإصلاح السياسي والاقتصادي وبين استجابة النظام الحاكم لها.

وضمن هذا السياق نستطيع أن نفهم كيف اعتاشت قيادات سياسية عربية تاريخياً على الأزمات لترسيخ حكمها وأنظمتها الديكتاتورية، فمن حافظ الأسد الذي اعتاش ونظامه على القضية الفلسطينية واستغلالها كإحدى الأزمات الناظمة لسلطته الأمنية مع شعبه عموماً، ومن ثم تهويل واستغلال أزمات داخلية (الإخوان المسلمين) لترهيب الأقليات وربط مصالحهم به، وبالتالي ضمان تغول أكبر للأجهزة الأمنية وقانون الطوارئ ومصادرة الحريات. ومع اندلاع الثورة السورية استمر الأسد الابن بذات العقلية لضمان ولاء فئات محددة من المجتمع السوري، فكان أن لجأ إلى إخراج الجهاديين من السجون كأداة ساهمت مع العديد من العوامل في تصنيع "الإرهاب" كأزمة أعادت ضبط اصطفاف بعض الفئات حوله وتحديداً الأقليات، و"شرعنت" له سياقاً وأدوات قمعية للتعامل مع مطالب الحراك الشعبي على الطرف الآخر، فاستطاعت تلك الأزمة قلب أولويات المعادلة السورية من رحيل النظام إلى مكافحة "الإرهاب".

وكمثالٍ لا يقل وضوحاً عن استثمار الأزمات في ترسيخ السلطة، يتجلى نهج القيادة المصرية المتمثلة بعبد الفتاح السيسي، فصبرُ المصريين على السيسي رغم الكوارث التي تعيشها الدولة المصرية في عهده؛ بدءاً بشخصيته التي لا تليق بحجم مصر وصولاً إلى التدهور الاقتصادي والسياسي والحقوقي وحتى السيادي، ذلك الصبر لا يبدو حباً بالسيسي بقدر ما يظهر كتعبيرٍ عن رفض لواقعٍ "أسوأ" استطاع نظام السيسي تسويقه كبديل لحكمه، فحصر أغلب المصريين في ثنائية "أنا أو الإرهاب"، "أنا أو النموذج السوري"، إذ يبدو أن السيسي استطاع إلى الآن ابتزاز المصريين واستغلال حاجتهم للأمن في الأزمات، بل وأجبرهم على التنازل عن حريات عدة في سبيل "ضمان أمنهم".

ولا يبدو السيسي المثال الأخير لقادة الأزمات، خاصة بعد الربيع العربي، فهناك على الحدود الغربية لمصر حيث ليبيا؛ برز أيضاً المشير خليفة حفتر، الرجل الذي جاء على ظهر الأزمات الليبية وقُدم كبديلٍ عن فوضى السلاح والجماعات الإسلامية و"الإرهاب". وكذلك الرجل الثمانيني، الباجي قايد السبسي، والذي استغل أيضاً الأزمة السياسية التي وقعت فيها تونس إثر حكم حركة النهضة وموجة "رهاب الإخوان" كأزمة بعد الربيع العربي. ليعود كقائد لبلدٍ خارجٍ من ثورة على نظام كان السبسي أحد أعمدته.

ولعل استراتيجية خلق الأزمات واستغلالها لم تقتصر على قادة الأنظمة العربية في المنطقة، وإنما امتدت عدواها لتشمل غيرهم، فالبرزاني أحد الأمثلة الحية وليست الأخيرة على الهروب إلى الأمام من تأزم الوضع الداخلي سياساً واقتصادياً، من خلال تصديره أزمة أكبر تمثلت بالاستفتاء، على أمل إعادة ضبط الأوضاع الداخلية لصالحه من جديد، إلا أن البرزاني يختلف عمن سبقوه بأن أزمته أطاحت به بدلاً من تثبيته، وربما اختار الأزمة الخطأ لتصديرها.

للأنظمة العربية وقياداتها تاريخٌ طويلٌ في صناعة الأزمات لإعادة ضبط العلاقة بينها وبين الشارع؛ الأزمات التي صُممت للتغطية على أُخرى أعمق وتثبيت سلطة معينة في الحكم. إلا أن تلك الصناعة اتخذت بعد الربيع العربي مستويات خطيرة، حيث شكلت بالنسبة للأنظمة الغطاء الأهم لتبرير دخولها بحرب مفتوحة مع مجتمعاتها على المستوى المحلي، بينما تجلت خطورتها أكثر في إعادة تعويمهم رغم تلك الحرب على المستوى الإقليمي والدولي. فـ"الإرهاب" الذي صُنّعَ بصيغةٍ إسلامية؛ مثّلَ أزمةً أطالت بعمر العديد من الأنظمة التي وظفتهُ في صد الربيع العربي. واليوم ومع اتجاه تلك الأزمة إلى النهاية بعد رحلة طويلة من "المكافحة"، ها هي ثورات الربيع العربي تدور 360 درجة مع الأزمات التي صُنِّعتْ لعرقلتها، لتعود وجهاً لوجه مع الأنظمة الصانعة، فهل تلجأ الأخيرة لخلق أزمات جديدة بأدوات مختلفة، أم تكون الموجة القادمة من التحرك الشعبي هذه المرة أسرع وأوعى؟

 

الثلاثاء, 31 تشرين1/أكتوير 2017 22:52

"اتفاق المعابر" والهواجس القديمة الجديدة

ست سنوات؛ ولا يزال البحث عن تفاعل سياسي وطني يفرض نفسه على  كل فعاليات قوى المعارضة والثورة السورية، ولم يفلح هذا البحث حتى الآن في إيجاد مقاربة تجمع كافة الفواعل ضمن مشروع وطني متسق وظيفياً وبنيوياً، ومرد ذلك؛ تظافر أمران، الأول: السياق السياسي للمشهد السوري وتطوراته والذي فرض -وفقاً لتدحرج الصراع وانتقاله لمستويات أكثر صلابة -انخراط معظم القوى ضمن علاقات وتحالفات دولية وإقليمية انتقلت تدريجياً لتستحوذ على كافة القرارات، وتضيق على تلك القوى حدودها وهوامش تحركها الوطني، والأمر الثاني كرسته حدود التنافس العسكري ونسب السيطرة واختلاف خصوصية الجبهات، التي باتت حركتها متسقةً مع مفاهيم "الضبط والتحكم" التي نجمت عن غرف الدعم  وضغط "أصدقاء الشعب السوري"، الأمر الذي جعل "الطرح والجسد المركزي المرتجى" لقوى المعارضة والثورة أمراً لا يتوافق مع تعتريه الجغرافية السياسية والعسكرية والإدارية، والتي تدار وفق منطق جيوأمني يغلب شروط "أمن الدولة المجاورة".

"فيما يتعلق باتفاق المعابر؛ يمكن تسجيل الموقف السياسي ابتداءً على أنه مؤشر أولي للاتجاه نحو لملمة التشظي ووحدة القرار واتساقه الوظيفي مع متطلبات هذه المرحلة "

ومع تراكم الإخفاقات وانحسار خيارات القوى المحلية التي كانت مزهوة في الأمس غير القريب بوضعها العسكري وعلاقاتها السياسية، يعود الحديث مرة جديدة عن تلك الفاعلية وإن كان بإطار جزئي "كمرحلة ابتدائية لتصحح وتطور مسارها لتغدو عابرة للجبهات"، ولعل ليس أخر هذه المبادرات هو اتفاق المعابر الأخير الذي وقع بتاريخ 24/10/2017، وانطلاقاً من ضرورة التقييم الموضوعي الممزوج بالطموح الوطني سنتناول هذا الاتفاق لنكتشف ما الجديد به ولنختبر تموضع غاية السعي لامتلاك القرار الوطني ضمن سياق هذه المبادرة ومراحل تطورها.

فيما يتعلق باتفاق المعابر؛ يمكن تسجيل الموقف السياسي ابتداءً على أنه مؤشر أولي للاتجاه نحو لملمة التشظي ووحدة القرار واتساقه الوظيفي مع متطلبات هذه المرحلة وما أفرزته من تهميش كامل لقوى المعارضة والثورة السورية ولا سيما على الصعد السياسية والعسكرية؛ وهو بداية مهمة لما بات يعرف ب "سيناريو ادلب"، قَدْحٌ لسياسة استرداد المدينة من أصحاب المشاريع العابرة للوطنية، وقطع لأي طريق يرتجيه نظام الاجرام ومسانديه لعودة سيطرته على المعقل الأهم للمعارضة السورية في الشمال السوري، فملء الفراغ بتوحد سياسي وعسكري يخفف من أعباء المدينة واستحقاقاتها الصعبة.

"ما يعزز أن هذا الاتفاق لا يزال يفتقد لأسباب "المنتج الاستراتيجي"

ولكن ما يجعلنا نخفف من سقف التوقع من هذا الاتفاق هواجس عدة أهمها سياق الاتفاق والذي يأتي بالتزامن مع التدخل التركي في المحافظة بموجب تفاهمات الاستانة ومتطلبات مناطق خفض التصعيد، وهو ما يعزز فرضية "البحث التركي على مناخات ضبط المشهد" ريثما تكتمل شروط فاعلية هذا التدخل المرتبطة حاليا بموافقة الولايات المتحدة  وهو ما يجعل هذا الاتفاق مرهونا بسياق سياسي لم يكتمل بعد،  ولعل كثافة الحضور التركي الرسمي يعد مؤشر بالغ الأهمية في ذلك (والي عينتاب وكلس وقائد القوات الخاصة وممثلي الاستخبارات التركية) هذا من جهة، ومن جهة أخرى ولذات الاسباب عملت قوات التدخل التركي  كمرحلة أولى على تخفيف كلفة التدخل السياسية والعسكرية، إذ عملت على خلق "ترتيب ما" مع تيار محدد من هيئة تحرير الشام (ذات نسب السيطرة الأكبر على المحافظة)، وهو ما يعزز أن هذا الاتفاق لا يزال يفتقد لأسباب "المنتج الاستراتيجي".

ومن جهة ثالثة؛ تُرشح تفاصيل هذا الاتفاق أنه أتى وفق توافق غلب منطق المحاصصة وهذا ما يمكن تلمسه في مكونات "الجيش النظامي" الثلاثية، واحتمالية عدم انصهار تلك القوى حتى في المرحلة الثانية كما يرتجيه الاتفاق، إذ أنه طالما لم ينص على إعداد نظم إدارية للعمل العسكري ستبقى العقيدة العسكرية سائلة وغير متبلورة وفي هذه الحالة لا يمكن تجاوز أثر الفصائلية وتداعياتها على هذا الجيش المتخيل. كما يظهر منطق المحاصصة من تفصيل توزيع دخل المعابر الذي ينبغي ان يتعامل كـ"مال عام" له سياسات وموازنات مبنية على دراسات وتقدير احتياجات تراعي متطلبات الإدارة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ناهيك أساساً عن أن مؤشر الاقتتال الاخير بين فصيلي السلطان مراد والجبهة الشامية بعد اتفاق حضرته الحكومة إنما ينذر بملامح عودة الخلاف وتدهور تلك التفاهمات.

وما يزيد هذه الهواجس هو مصير كافة المبادرات المشابهة، وعدم استيفائها لشروط التشكل الوطني وغاياته؛ إذ تفرض خطوات الانتقال من "الفصائلية" إلى مرحلة الضبط التنظيمي العديد من الخطوات التمهيدية الضرورية التي تسعى لعدم الوقوع بالخطأ الدائم لهكذا مبادرات والمتعلق بتركيب المبادرات على واقع سياسي معين يمتلك مؤشرات التغيير، فتفيدنا حركية قوى المعارضة وسجلها في هذا الإطار الى العديد من المبادرات التي تأتي كردات فعل أكثر مما هي استراتيجية؛ وكخيار لتحسين التموضع أكثر منه الإيمان الكامل بضرورة الانخراط بمشروع وطني جامع. حيث يفتقد هذا الاتفاق للإطار السياسي؛ والأهداف؛ والأدوار؛ والمسؤوليات؛ والتخلي التام عن فكرة الفصائلية لصالح الدفع باتجاه امتلاك زمام المبادرة وامتلاك عوامل الصلابة ومعطيات الديمومة والاستمرار.

ولكي لا يسير هذا الاتفاق باتجاه مصير المبادرات السابقة، وللاستفادة من الظرف الراهن، ومن أجل أن يستفيد  العمل الوطني من الفرص المحتملة لهذا الاتفاق ،( والتي تتمثل في أربعة اتجاهات:  امتلاك السبب الأولي لتفكيك هيئة تحرير الشام وتحقيق التمايز بين تياراتها؛ وحماية العمل المدني والحكومي وزيادة فعالياته؛ ووقف نزيف المعابر؛ وخطوة أولى باتجاه عمل منظم ببوصلة ينبغي لها مواجهة كل المشاريع العابرة للوطنية) ينبغي العمل على تحقيق مجموعة من الشروط الضامنة لتحويل هذا الاتفاق لقاعدة انطلاق أولى باتجاه تبلور مشروع وطني، أولها  توسيع قاعدة المنتمين لهذا الاتفاق وعقد العديد من المشاورات الوطنية لدعمه وتمتينه؛ وثانيها  ضرورة الانطلاق في قضية الجيش النظامي من مراعاة عدة عناصر أهمها  إيلاء مهمة القيادة للضباط المنشقين وفق تسلسل الرتب وتبعية لوزارة الدفاع، وعقيدة عسكرية موحدة، واتساق الفعل العسكري مع طبيعة القرار السياسي؛ وثالثها بناء الشرعية الداعمة لهذا الاتفاق.

ولعل الخطوة الأهم هو تطوير هيكلية وبنى الحكومة المؤقتة ووظائفها؛ وأن تتصالح بنيوياً مع فكرة المشروع والأداء السياسي فلفرض واقع محوكم ينبغي العمل وفق بوصلة واضحة المحددات السياسية، فالاكتفاء في ترسيخ بنى تحتية وشبكة طرق ومدراس ومشاريع تنموية ومراكز بريد، إن لم يقترن بأسئلة سياسية تتعلق بتموضعها ضمن الوظائف الدولتية المتشكلة كالوظائف العسكرية والإدارية والأمنية والمالية، وبالمرجعية المفترضة؛ والحدود القانونية للعلاقة مع الفواعل المحلية؛ والسياسات العامة التنموية والاستثمارية...إلخ.

ولعلي أختم بالتأكيد على أن "نبل الطرح" لا يجعلنا نسلم بالشكل المطروح، بل يدفعنا باتجاه التحفيز والدفع لأن يكون مضمون الطرح وآليات تنفيذه واقعية وموضوعية ووطنية، وإلا نكون كمن يبيع الوهم، فالواقع الحالي للجغرافية السورية يعتريه العديد من الارتكاسات التي تتطلب حسماً وانتماء وطنياً لفعالية سياسية تُعلي من الشرط الاجتماعي والسياسي للمواطن السوري والمتمثل بالانتقال السياسي لدولة العدالة والقانون؛ فعالية تحارب كل المشاريع العابرة للوطنية ولا ترتجيها؛ فعالية بناءة تراعي السبل الموضوعية لظروف التشكل وسلامته. وهو ما ينتظر أن تقوم به، أو تخطو باتجاه القوى الموقعة على اتفاق المعابر، وإلا كان عبثاً ولا يساوي ثمن الحبر الذي كتب به.

 

المصدر موقع السورية نت: https://goo.gl/q28b8o

انتشرت في الآونة الأخيرة أنباء عن نية روسيّة عقد حوار بين "المجالس المحلية" المنبثقة عن اتفاقيات "خفض التصعيد" وحكومة النظام و"الإدارة الذاتية" في قاعدة حميميم، وذلك لمناقشة قضايا الدستور والانتخابات وتشكيل حكومة وطنية وترتيبات بناء الثقة، على أن يُستَتبَع الحوار بمؤتمر وطني في دمشق، يُدعى إليه كافة الفرقاء السوريين، لإقرار "المبادئ الأساسية للتسوية السياسية" والعمل بها. وفي تأكيد على هذا التوجه، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من منتدى فاليداي بمدينة سوتشي، عن مبادرته لعقد مؤتمر لـ"شعوب سورية"، إلا أنها مبادرة ما زالت قيد التبلور، بحسب الكرملين.

الموقف الروسي تجاه "المجالس المحلية" كان قد تبدّل وتحوّل من العداء لها، إلى القبول بها. إذ تُدرِكُ روسيا الطبيعة المركبة للأزمة السورية، الناجمة عن تشابك الصراعات وتعدد الأزمات وكثرة اللاعبين وتضارب مصالحهم. وفي مسعاها للتحكم بمفاتيح الحل في سورية، تبنت موسكو استراتيجية "الخطوة-خطوة"، وترجمتها واقعاً عبر سياسات تكتيكية ابتدأتها بالتدخل العسكري في أيلول 2015. لتقوم وبعد نجاحها في تطويع المعارضة العسكرية، عقب هزيمة المعارضة في حلب الشرقية نهاية العام 2016، ببناء مسار أستانة الموازي لمسار جنيف التفاوضي، والعمل على تطويره من خلال التوصل إلى خمسة اتفاقيات لـ"خفض التصعيد". ومع تعثر مسار جنيف التفاوضي وفي ظل تقهقر تنظيم "الدولة الإسلامية" في الشرق، تجد روسيا نفسها أمام استحقاق ترتيب خروجها من سورية بعد ضمان أهدافها، وما يتطلبه ذلك من ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية لشكل سورية ونظام حكمها مستقبلاً.

ضمن هذه المقاربة، تبنت موسكو بدايةً مواقف متشددة تجاه "المجالس المحلية" متهمة إياها بتأجيج العنف وبأنها صنيعة دول الغرب والخليج، ليشهد موقفها تغيّراً عقب انتكاسة المعارضة العسكرية في حلب. وهو ما اتضح من خلال إعلان موسكو القبول بـ"مجالس محلية" في مناطق "خفض التصعيد" على أن تدار من ضامني أستانة؛ روسيا وتركيا. ويُفسّرُ هذا التحول، برغبة موسكو في تطويع "المجالس المحلية" ضمن مقاربتها للحل المعبر عنها في صيغة مقترحها للدستور، والاستفادة منها في تدعيم بنية "الدولة السورية" وشرعنة اتفاق الحل السياسي، وإنجاز الاستحقاقات الخدمية.

لم تفصح موسكو في بداية مسار أستانة عن رؤيتها الكاملة تجاه التعاطي مع ملف "المجالس المحلية"، ربما مراعاةً لطهران ودمشق، ورغبة منها في إنضاج رؤيتها حول كيفية مشاركة "المجالس" في الترتيبات القادمة، وفقاً لتطور المؤشرات العسكرية والسياسية. بالإضافة إلى رغبتها في فتح قنوات تواصل مع "المجالس" بشكل مباشر وغير مباشر. وتشهد هذه المرحلة تزايد اهتمام المراكز البحثية الروسية بملف "المجالس" واختبار قدراتها الواقعية على إدارة مناطقها، وكانت النتيجة قبول روسيا تضمين "المجالس المحلية" في اتفاقي "خفض التصعيد" في الغوطة الشرقية والجنوب السوري، على أن يعاد تشكيلها لاحقاً.

وترددت أنباء عن رغبة موسكو بعقد مؤتمر حميميم بمشاركة "المجالس المحلية" إلى جانب عدد من الفرقاء السوريين. لتتبعها مبادرة الرئيس الروسي لعقد مؤتمر "شعوب سورية"، التي ما تزال قيد التبلور، في ظل تكهنات عن مساعي روسيا لإشراك "المجالس المحلية"، في كلا الطرحين.

ولكي تضمن موسكو التحكم بـ"المجالس المحلية" المقدر تعدادها بـ480 بين مُقيم ومُهجّر، عملت على توظيف أدوات متعددة بغية التأثير عليها، وصولاً إلى تطويعها كعنصر دافع لرؤيتها لتسوية الأزمة السورية. وتشتمل هذه الأدوات توظيف موسكو الترتيبات الناشئة عن اتفاقيات التفاوض المحلي: "خفض التصعيد" و"المصالحة"، من إدخال المساعدات الغذائية ونشر حواجز ونقاط مراقبة، تشرف عليها الشرطة العسكرية الروسية، كما حدث في الغوطة الشرقية، لبناء تواصل مباشر مع "المجالس المحلية" على أن يتم إعادة تشكيلها وإلحاقها بحكومة النظام في وقت لاحق. كذلك تعمل روسيا على تسهيل مهام شخصيات محسوبة عليها لتحقيق اختراق لـ"المجالس المحلية"، عبر التقدم بطروحات لتمويلها وتوفير احتياجاتها من الخدمات وضمان أمن مناطقها. وهو العرض الذي تقدم به رئيس "الإئتلاف" الأسبق أحمد الجربا، لبعض مجالس ريف حمص الشمالي، بحسب أحد النشطاء المحليين. كما تعمل موسكو على توظيف الضغط العسكري على مناطق "المجالس" لدفعها للقبول بالطروحات الروسية، كما يُلاحظ في مناطق ريف حلب الغربي ومحافظة إدلب. ويتوقع في هذا الصدد لجوء موسكو إلى قوى إقليمية لها تأثير على "المجالس" لفتح قنوات تواصل معها.

وفيما يتعلق بموقف "المجالس المحلية" تجاه الطروحات الروسية، نفى ممثلو عدد منها، عقد أي لقاءات مباشرة مع الجانب الروسي، كما أكدوا عدم تلقيهم دعوات رسمية لحضور مؤتمري حميميم ودمشق، كما أفاد بذلك نائب رئيس مجلس محافظة درعا عماد البطين. بينما لم ينفوا إمكانية حدوث تواصل غير مباشر معها بوساطة طرف ثالث كوسيط. وفي حين ما تزال مبادرتا موسكو، قيد التبلور، في انتظار تهيئة الشروط الموضوعية واستكمال التحضيرات للإعلان عنهما، تجد "المجالس المحلية" نفسها أمام اختبار جدي في كيفية التعاطي معهما. وفي هذا الصدد يتوقع انقسام "المجالس المحلية" إلى ثلاثة تيارات، إذ ستلقى هاتين المبادرتين صدى إيجابياً لدى عدد من "المجالس" ولها في ذلك مبرراتها في تثبيت نفسها كلاعب سياسي أو رغبة منها لتلافي الضغوط الأمنية والخدمية التي تمارس عليها، أو نتيجة التأثير عليها من قبل قوى إقليمية متوافقة مع الطرح الروسي. في حين سيرفض قسم من "المجالس" المشاركة في المؤتمرين ما لم يكونا تحت رعاية دولية، ومتوافقين مع مرجعية جنيف التفاوضية. أما التيار الثالث فلن يحسم موقفه تجاه القبول أو الرفض الى حين الاطلاع على المبادرتين في شكلهما النهائي.

ولكي تتلافى "المجالس المحلية" المخاطر الكامنة في طروحات موسكو لتصفيتها، فإنه يتوجب عليها العمل على إيجاد مظلة لتوحيد قرارها، بما يجعل منها كتلة قوية ومؤثرة في أي طرح سياسي. وضمن ما سبق يُقتَرَحُ إعادة تفعيل "المجلس الأعلى لمجالس المحافظات"، وفي حال تعثر ذلك، قد يكون من المفيد إنشاء "إدارات محلية" مناطقية، تتولى تمثيل مجالسها سياسياً، ككتل موحدة.

المصدر جريدة المدن الإلكترونية: https://goo.gl/AS1PRi

شارك الباحث محمد العبدالله من مركز عمران في حضور ندوة تخصصية عقدها مركز الحوار السوري حول سبل عيش اللاجئين السوريين في تركيا وفي المناطق المحررة، حيث ناقش الحضور واقع العمالة السورية اللاجئة في تركيا وفي المناطق المحررة في الداخل السوري، ومدى أهمية التركيز على تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة من قبل منظمات المجتمع المدني السوري والمنظمات ذات الصلة في دعم هذا التوجه وإرساء الأسس الملائمة لنجاح رواد الأعمال السوريين في تنفيذ مشاريعهم، من خلال بناء حاضنات الأعمال لتقديم خدمات متكاملة لهذه الشريحة بغية ضمان نجاحها المستقبلي والإسهام في تنمية الاقتصاد الوطني.

ينتقل الحراك (الدبلوماسي – السياسي) الروسي للاستثمار السياسي لمسار الأستانة الذي فرض مجموعة من العناصر الجديدة على المعادلة السورية والتي تشكل مناطق خفض التصعيد -وفق مقاربات ما دون سياسية -العنصر الأكثر بروزاً. إذ يعول الروس على تغيير ملامح المرجعية الناظمة للعملية السياسية، وذلك عبر تصدير "رعايتها السياسية" لعدة خطوات سياسية خارج إطار مسار جنيف "كالدستور والحوار الوطني والإصلاحات الحكومية"، وقد شكل مؤتمر "سوتشي" الذي دعت له وزارة الخارجية "جميع الأطراف السورية" نقطة انطلاق لعملية الاستثمار تلك. وعلى الرغم من ظهور مؤشرات تدلل على احتمالية تأجيله أو عدم عقده بالأساس، إلا أن ذلك لا ينفي أهمية تفكيك الإطار العام لهذه المقاربات، وهذا ما سيعمل تقدير الموقف هذا على تحليله ومناقشة تعاطي الفعاليات الروسي حياله وتبين مآلاته  في ظل خارطة السياسات الإقليمية والدولية، ثم العمل على تصدير ملامح المقاربة الوطنية الأكثر ملائمة للتعاطي مع تلك الهندسة الروسية.

تسويقٌ روسي

تباينت أراء الفعاليات الإعلامية والبحثية الروسية حول جهودات موسكو الأخيرة في الملف السوري (كمناقشة الدستور ومؤتمر الحوار السوري في سوتشي). فقد رددت وسوقت الصحف الروسية الرسمية تصريحات المسؤولون الروس المعنيون بالملف السوري والتي عكست بمجموعها عناصر الخطاب الروسي والذي يستند على الادعاءات التالية([1]):

  1. ضرورة نقاش مشروعي الدستور وتشكيل "حكومة وحدة وطنية"؛ كخطوتي تثمير للجهد والانتصار العسكري -السياسي الروسي.
  2. تسليط الضوء على مؤتمر" الحوار السوري" كمنتج هام لآخر مراحل "الحرب" السورية ونقطة تحول في تفكير الأطراف الصلبة واقتناعها بضرورة الحل.
  3. "تقهقهر" الولايات المتحدة الأمريكية في سورية وعدم جدوى تدخلها، مقابل ما أحدثه التدخل الروسي من "إنجازات هامة".

إلا أنه وفي الأونة الأخيرة ظهرت ملامح التشكيك بجدوى المؤتمر في بعض الفعاليات البحثية الروسية، مركزة على عدة عناصر من شأنها عدم إنضاج المناخ السياسي العام بما يتفق مع الرؤية الروسية، وهي([2]):

  1. وجود معارضة تركية لانفتاح موسكو على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني والذي تبلور بدعوته لمؤتمر "سوتشي".
  2. تعويم فواعل جديدة تعمل في كنف "الحكومة السورية" ولا يعارضونها؛ في ظل رفض المعارضة "الصلبة" الانخراط في أي فعالية عائمة.
  3. عدم القدرة على مناقشة الدستور وفق المسار الروسي؛ خاصة أنه عندما يتعلق الأمر بالأطراف السورية التي لا تنجز أي خطوات بناء ثقة (كدخول المساعدة وإخراج المعتقلين وفك الحصار)؛
  4. ارتباط أهداف المبادرات الروسية بسعيها لإنقاذ الأسد؛ أكثر من ارتباطها بنجاح المحادثات وإنجاز اتفاق سياسي.

وفي ذات الإطار المتخوف من ادعاء سلاسة التشكيل الروسي لأطر الحل السياسي في سورية، توقعت صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا بتاريخ 4\11 \2017 ظهور مفاجئات وعراقيل أمريكية تحد من عمليات التشكل تلك وذلك بعد استناد تلك الصحيفة على الأنباء التي تتحدث عن فوج من القبعات الخضر الأمريكية([3])، والذي يستطيع (وفقاً للصحيفة) قلب الأحداث رأساً على عقب ويمكن أن يحدث "مفاجئات غير سارة" للغاية([4]).

كما عبر ممثلي وزارة الدفاع عن وجهة نظرهم في هذا الخصوص حيث حصروا مهمة القوات الروسية في سورية في "محاربة الإرهاب" وأن الحكومة الروسية غير معنية بمصير بشار الأسد الذي يحدده الشعب السوري لذلك كان سعي الوزارة لإقامة هذا الحوار داخل المجتمع السوري([5]).

الجدير بالذكر في هذا السياق، بدء ظهور مؤشرات أولية نوعية ضمن الرأي العام الروسي، فقد نشرت صحيفة "سفابودنيا بريسا" بتاريخ 1/11/2017 استطلاعاً للرأي العام حول موقف المواطنين الروس من "الحرب في سورية"، نفذه مركز "نيفادا" للدراسات، وتوصل إلى أن 49% يطالبون بوقف هذه الحرب و30% يرون بضرورة استمرارها والباقي لم يبد رأيه، وهذا –وفقاً للصحيفة- "فإن الشعب الروسي في بداية الحرب اندفع وراء صواريخ الكاليبر وهي تضرب معاقل الإرهابيين أما الآن وبعد إطالة أمد الحرب فقد انخفضت المصلحة العامة بها، عدا أن أهداف الحرب لم تعد واضحة"([6]).

تعكس تلك المواقف الروسية المحلية ملامح "انزياح أولي" في القراءة الروسية غير الرسمية لطبيعة الملف السوري وتعقيداته وفواعله، خاصة بعدما تكشف تأخر استراتيجية الخروج والانزلاق في معادلات المنطقة والإقليم الذي تعصفه مجموعة من المتغيرات والتطورات الحدية والتي تجعل كل منتجات هذا التدخل منتجات قلقة تفتقد عناصر الاستدامة للبناء عليها سياسياً، كما تعكس تباينات الرؤى التكتيكية بين مؤسستي الدفاع والخارجية الروسية اختلاف تقدير الجدوى السياسية، إذ ترى الأولى ضرورة أن تكون "حميميم" كإدارة وجغرافية هي المحرك الأساس للخطوات السياسية، بينما يحكم وزارة الخارجية محددات عدة من بينها هواجس "الضامنين" السياسية وإنجاز تلك الخطوات يغض النظر عن الجغرافية، ولعل هذا ما يفسر انتقال مقر مؤتمر الحوار السوري من "حميميم" في سورية إلى "سوتشي" الروسية.

عناصر مضطربة

الثابت في سياق التدخل الروسي أن موسكو لا تنفك عن الدفع السياسي باتجاه بلورة مسارات سياسية "تجد طريقاً لتضمينها في حركية العملية السياسية" وتخفف من تكلفة تدخلها وتسهل من استراتيجية الخروج، إلا أن مخرج هذا الدفع لا يزال منسجماً مع فكرة تثبيت نظام الحكم واجراء تغييرات واصلاحات شكلية ومن داخله، وبالتالي العمل وفق مبدأ خطوة بخطوة ومراعاة العوامل التالية:

  • عدم تبلور ملامح التسوية الكبرى مع الولايات المتحدة التي تبدو "غير مهتمة بالملف السوري بمعناه السياسي؛ وبالتالي لا يخرج الدفع الروسي هنا عن أنه ملء للفراغات الناشئة، وجذب للفاعل الأمريكي إلى تسوية تتحكم موسكو بأغلب مفاصلها؛
  • إدراك موسكو لثابتين يتعلقان بالنظام، الأول: عدم قابلية تحمل بنيته لأي تغيير حقيقي؛ والثاني عدم نجاعة تزمين خفض التوتر من زاوية عدم قدرة النظام على الحفاظ على المكتسبات العسكرية، وبالتالي العمل على أولوية الاستعجال في الخطوات السياسية اللازمة وانجازها شكلاً على الأقل؛
  • ضرورة أن يتوافق المخرج السياسي مع الهواجس الإيرانية بحكم العلاقة الوظيفية التي تضبط علاقات موسكو بطهران في سورية لا سيما فيما يرتبط بالشق الميداني، وبذات الوقت ينبغي له أن يحتوي عنصر جذب لأنقرة تجاه موسكو التي لا تزال تتطلع لعلاقات أمثل مع الولايات المتحدة.
  • بقاء فكرة "توحيد المعارضة" تفرض نفسها على الفواعل الإقليمية، لا سيما تلك غير المتفقة مع التوجه والسياسة الروسية، واستمرار العمل على تخفيف وزنها السياسي والتفاوضي من قبل موسكو لصالح تضمين هذه المعارضة لكل حزب وتجمع ناشئ في سورية؛ لكي يبقى السقف السياسي هشاً وغير محدد بأطر صلبة.

وعلى الرغم من رفض المعارضة في الأستانة لمشروع الدستور الذي طرحته موسكو بالجولة الأولى من الأستانة، ورفضها أيضاً للذهاب إلى مؤتمر سوتشي للحوار السوري، إلا أن هذا الرفض يتطلب أيضاً انسجاماً مع مواقف الدول الداعمة، وهو ما لا يتعارض رسمياً مع الجهودات الروسية وبالتالي فإن توافر عنصر "الضمانات" سيكون سيد الموقف في توقع سيناريو ومآلات هذا المؤتمر؛ فأنقرة الضامن الرئيس للمعارضة في المناطق الشمالية التي تحكمها محددات خاصة بأمنها القومي وبات مدخلها الرئيسي لرسم سياساتها، لا ترى ضيراً من مشاركة المعارضة باستثناء حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الذي تعده تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني المصنف وفق اللوائح التركية كحزب إرهابي، وهذا ما تنتظر أنقرة من موسكو كضمان لعدم حضور هذا الحزب، أنقرة التي لا تزال تدفع باتجاه تحسين علاقتها مع موسكو كمعادل موضوعي لأي تدهور محتمل في العلاقة مع واشنطن، ولعل أحد أهم أسباب إزالة خبر المؤتمر هي لأسباب تتعلق بإعادة دراسة قائمة التكتلات والأحزاب السياسية الكردية المدعوة، إلا أنها تنتظر ضمانات أكثر وضوحاً وحسماً لهذه النقطة.

من جهتها المملكة العربية السعودية الداعم الرئيسي للهيئة العليا للمفاوضات فقد تفاعلت بإيجابية مع نتائج مؤتمر فينيا (30/11/ 2015) والذي حاول الروس والأمريكان الاتفاق على ملامح تحسين الحركة السياسية عبر عدة نقط لعل أبرزها دفع الرياض لتيسير وتسهيل تشكيل وفد معارض موحد للمفاوضات، إلا أن سياق الحركية الروسية اللاحقة وتعميق تناغهما مع القوى التابعة لإيران في سورية وسعيها لتضمين الوفد الموحد عدة منصات "معارضة" إشكالية، ساهم في زيادة هواجس المملكة في عدم لحظ جهوداتها وهواجسها السياسية، وهذا ما يتعزز في هذه الأثناء عبر الحديث عن تحضيرات لمؤتمر الرياض 2، ويضاف إلى ذلك طبيعة المدعون لمؤتمر سوتشي لا سيما أولئك الذين تم دعوتهم من مناطق سيطرة النظام والتي تدين بمعظمها بالولاء السياسي لطهران، وهو ما لا ينسجم مع توجهات الحركة السعودية  المتصاعدة باتجاه إلى تكثيف أدوات فاعليتها في صد وتحجيم نفوذ ايران.

يشكل أعلاه ملامح التعثر لمؤتمر سوتشي وانتقاله ليكون عنواناً لخطوة روسية ستبقى متوقعة، إلا أنها باتت مرتبطة حالياً بمرحلة تفاوضات مع الأطراف الإقليمية المعنية، ومتعلقة بمدى مقاومة المجتمع الدولي لهذه الخطوة الروسية التي ستسحب تدريجياً مرجعية جنيف، هذا المجتمع الذي وإن تماهى بحكم التدخل العسكري مع المخرجات الروسية، إلا أنه يدرك أن الأمر بنهايته رهين التقارب الروسي الأمريكي، وهذا ما لم تتعزز مؤشراته العابرة للشروط الأمنية السورية المحلياتية بعد.

فرصةٌ تنتظر

مع تنامي واقعي "التغيير العسكري وتخفيض التصعيد" و" سيولة العملية التفاوضية"، فقدت المؤسسات الرسمية المعارضة السورية للعديد من أدوات تحسين التموضع كاحتكار التمثيل السياسي والفاعلية العسكرية، وباتت معظم خياراتها ذات اتجاه وحيد ويتمثل في الانخراط في أي فعالية سياسية و"التماهي" مع كافة المبادرات وفق منطق ملء الشواغر والمناورة على الهوامش، إلا أن تباعد سياسات وفدي المعارضة في (الأستانة وجنيف) جعل أي إمكانية لتثمير سياسي ما يعتريه العديد من العوامل الموضوعية المعيقة لتحويل هذا التثمير إلى معطى سياسي ذو أثر.

ومع اعلان الدعوة الروسية لمؤتمر سوتشي الذي وضع المعارضة السورية أمام تحدٍ بالغ الصعوبة، تنامى وبشكل واضح الزخم الشعبي والثوري الرافض لهكذا مسارات، وهو ما دفع المجال العام للدفع باتجاه محورين، الأول استثمار هذا الزخم لمناهضة مؤتمر "سوتشي"، والثاني: تدارس المحاولة الوطنية لتحويل ردات الفعل لفرص العودة والبناء الاستراتيجي.

وانطلاقاً من ذلك وفي ظل "الانزياح" الاقليمي والدولي باتجاه عدم معارضة الروس، والعمل على التوافق مع سياساتهم وفق مبدأ الحلول الجزئية وما دون السياسية، وفي ظل ما كرسته الجغرافية العسكرية من لجم مؤقت للصراع العسكري، فإن المطلوب وطنياً أمران، الأول: تكتيكي؛ ويتعلق بكافة الأدوات التي تظهر "اللاوزن السياسي والاجتماعي" لكافة المدعوون الذين قبلوا وأكدوا الحضور، أما الثاني فهو استراتيجي؛ ويعتمد على تحويل هذا الكمون الشعبي الثوري لفرصة يتبلور من خلالها تفاعل سياسي واجتماعي جديد، تفاعل لا يلغي الأجسام الراهنة بقدر ما يأطر سلوكها ويكسبها كافة عناصر الديمومة السياسية والفاعلية الوطنية، وذلك عبر العمل على أربعة مسارات:

  1. صياغة تلك القوى الشعبية والثورية لوثيقة مرجعية (محددات ناظمة لعمل القوى السياسية والعسكرية والمدنية)؛
  2. إعادة بناء الشرعية التمثيلية؛ وفق آلية من القاعدة لرأس الهرم، وفي كافة المجالات الإدارية والسياسية والعسكرية؛
  3. إعادة بناء الهياكل الرسمية؛ بما يجعلها رافضة لتكريس أي عطالة، وقادرة على تنفيذ السياسات والاستراتيجيات العامة؛
  4. تطوير الوظائف السياسية والاجتماعية والحقوقية والإعلامية، وزيادة التشابك ما بين منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية...إلخ.

وكخاتمة، يمكن القول أنه وعلى الرغم من تزايد مؤشرات عرقلة عملية التشكل الروسي للخطوات السياسية المستثمرة لمسار الأستانة كمسار للتفاهمات الأمنية وضبط الجغرافية العسكرية، سواء تلك المؤشرات المرتبطة بعنصر "الاستعجال" أو المتعلقة بتغليف أولوية تثبيت الأستانة بخطوات ما دون سياسية، أو حتى تلك التي تنتظر مؤشرات طمأنة للفواعل الإقليمية والدولية، ناهيك عن عدم وضوح الموقف الأمريكي وجملة المتغيرات متوقعة الظهور في المنطقة، فإن فرصة ضبط ثنائية "البنية والوظيفة" لمؤسسات المعارضة الرسمية لن تنتظر كثيراً وهو ما ينذر – في حال عدم استغلالها – بالعديدات من التداعيات والانتكاسات.


([1]) كرئيس الوفد الروسي في أستانا "ألكسندر لافرتييف" المتعلقة حول مشاركة المعارضة حيث قال:" إن وافقت المعارضة فمرحب بها وان لم توافق فلن ينتظرها أحد في المؤتمر" في دلالة على رسالة روسية مفادها المضي أماماً بخصوص عقد هذا "الحوار"، وتصريحات لافروف في مؤتمره الصحفي في 3/11/2017 بأن هذا المؤتمر "المحاولة الأولى لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 والمتضمن مساعدة الشعب السوري في إقامة حوار متعدد الأطراف".

([2]) كتصريحات الخبير والمحلل الروسي رئيس قسم الصراعات في الشرق الأوسط ومدير المجلس الروسي للشؤون الدولية ومدير معهد التنمية المبتكرة أنطون مادراسوف، للمزيد انظر أماليا زاتاي: " حوار بالإكراه يجمع السوريين في سوتشي "، صحيفة غازيتا الروسية تاريخ 4/11/2017، ترجمة وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/TBUzWu

([3])  في مؤتمر صحفي لرئيس العمليات الخاصة ضد الإرهاب في سوريا والعراق الجنرال جيمس جيرارد أن عديد القوات الأميركية في سورية 4000 مقاتل وقد انتشرت هذه الأنباء بسرعة وسط المحللين والإعلاميين، إذ أن المعروف رسميا" أن عدد القوات الأميركية هو 503 مقاتل. وفي توضيح لذلك تحدث الناطق باسم البنتاغون لصحيفة ميليتاري تايمز أن الجنرال قد أخطأ قليلا والعدد هو حوالي ال 4000 مقاتل وهم من القوات الخاصة الأميركية،

وبالمقارنة، فإن تعداد الفوج 75 وحدات خاصة يقارب 3.6 ألف مقاتل وللذكرى فإن لهذا الفوج أدوارا" متميزة في تاريخه فهو الذي تواجد في غرينادا عام 1983، وهو الذي غير الحكومة البنمية وأخذ 2000 أسيرا عدا عن 18000 قطعة سلاح مختلف وفي سجله عملية فاشلة في مقديشو، ويؤكد الروس أن فوجا" كاملاً من الوحدات الخاصة يعمل في سورية، وهذا يؤكد وجود القبعات الخضراء وليس مجرد عناصر حراسة وهي قوات من المارينز وأخصائيين من مختلف صنوف القوات الأميركية الجوية والبحرية منوهين إلى هذا الفوج هو من قام بقتل أسامة بن لادن.

([4])  فلاديمير شيرباكوف: " الولايات المتحدة تلقي في سوريا فوج وحدات خاصة وسوريا وموسكو تتوقع مفاجئات"، نيزافسيمايا غازيتا  4/11/2017 ، ترجمة وحدة المعلومات في مركز عمرا للدراسات الاستراتيجية  https://goo.gl/GgzBuq

([5]) أماليا زاتاي: " حوار بالإكراه يجمع السوريين في سوتشي "، مرجع سابق.

([6]) انتون تشابلين:" أميركا ستغادر سوريا خاسرة وروسيا تعد خطتها لتغيير النظام" صحيفة سفابودنايا بريسا، تاريخ 1/11/2017، ترجمة وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/qbkymq

 

الإثنين, 13 تشرين2/نوفمبر 2017 14:56

اكتب معنا

  
Joomla forms builder by JoomlaShine

خلال الفترة الواقعة من 20 وحتى 22 تشرين الأول/ ديسمبر 2017، شارك الباحث محمد العبدالله في المؤتمر الدولي الثاني للاجئين السوريين: اللاجئون السوريون بين الواقع والمأمول، بورقة بحثية بعنوان " واقع وآفاق تنمية سبل العيش للاجئين السوريين في تركيا: دراسة تحليلية"، حيث هدف الباحث إلى تشخيص العوامل المؤثرة على تنمية سبل العيش للاجئين السوريين في تركيا والمرتبطة بكل من الحكومة التركية ومنظمات المجتمع المدني وأرباب العمل واللاجئين أنفسهم. وبالتالي تقديم الحلول التي يمكن أن تسهم في تنمية سبل عيش اللاجئين من خلال القيام بأدوار محددة لكل من الأطراف السابقة.

استهدف المؤتمر واقع اللاجئ السوري ومشكلاته وآفاقه المستقبلية في جميع دول اللجوء، ومن أهداف المؤتمر.

  • إلقاء الضوء على أوضاع اللاجئين السوريين وقضاياهم، في التعليم والثقافة والصحة وغيرها، وتوفير ظروف معيشية أفضل لهم
  • توضيح علاقات المنظمات والدول المختلفة بشأن حقوق اللاجئين السوريين والتبعات الأمنية والحقوقية والقانونية.
  • استعراض آخر التوجهات العلمية والأكاديمية التي تناولت موضوع اللاجئين السوريين، وإيجاد حلول إيجابية لمشاكلهم وهمومهم المختلفة.
  • تمتين أواصر المحبة بين الشعوب في أزماتها ونكباتها.
  • توفير فرص وإمكانيات ومقترحات لتأهيل اللاجئين السوريين وإيجاد الحلول الدائمة لهم.