مركز عمران للدراسات الاستراتيجية - Displaying items by tag: مكافحة الإرهاب

رأى مدير وحدة المعلومات في "مركز عمران للدراسات الاستراتيجية"، نوار شعبان، خلال تصريحيه لموقع السورية نت، أن الرسائل السياسية التي أرد الأسد إيصالها في المقابلات الإعلامية الأخيرة، هي أنه "كرئيس يسعى لمقابلة أي إعلام أجنبي، وبمجرد قيام هذا الإعلام بمقابلته بغض النظر عن أنه روسي أو فرنسي أو غيره، فإن ما ينشره هذا الإعلام عن الأسد، يقدم له شرعية يكون هو بحاجة إليها، وهي الشرعية الإعلامية أو حتى شرعيته كرئيس، وبمجرد عمل هذه المنصة مقابلة معه، فإنها تقدم له اعتماد وتعتبره كرئيس، وهذا ما افتقده في السنوات السابقة عبر رَفضِهِ كرئيس، باستثناء الإعلام الإيراني والروسي الناطق بالأجنبية".

وقال شعبان لـ"السورية.نت"، إن رأس النظام "بالتالي يستفيد من تلك المقابلات، في توجيه رسائل أنه كدولة وله دور في مكافحة الإرهاب، ومقارنته بالدور التركي عبر ضرب مثال أن تركيا كدولة ورجب طيب أردوغان كرئيس يستخدم الإرهاب لابتزاز أوروبا، أي أن بشار الأسد يتعامل مع ملف الإرهاب بالقوانين، ولا يمكن أن يستخدمه ضد أوروبا من باب الإرهابيين الأجانب، وبالتالي حينما طُرِحَ عليه سؤال حول ماذا سيفعل في حال أجرى مصالحة مع الأكراد وماذا سيفعل بالمقاتلين الدواعش، قال أنه سيحاسبهم حسب القانون السوري لمكافحة الإرهاب، ولن ابتز بهم الدول الأوربية".

واعتبر شعبان، أن "إحدى الرسائل كانت واضحة عبر محاولة التقرب من الجانب الأوروبي، ويوجد بحث في الإعلام السوري والروسي الموالي للأسد، على إعادة تقديم الأسد من بوابة مكافحة الإرهاب، وهذا لا اعتقد أنه سينجح، لكنه محاولة من محاولات النظام، وأهم نقطة حصل عليه هو اكتساب ما فقده اعلامياً خلال السنوات الماضية، وبمجرد ظهوره على الإعلام الأجنبي يعتبر نصراً له بغض النظر عن طبيعة الكلام الذي أدلى به لتلك الوسائل الإعلامية".

المصدر السورية نت: http://bit.ly/34Lv4ts

 

على الرغم مما حمله حدث استقالة رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، من مؤشراتٍ مُغريةٍ للتحليل على المستوى السياسي لمستقبل لبنان الذي تنفس أهله الصعداء في الأيام الماضية، أو على مستوى المنطقة التي تنتظر كل يوم أزماتٍ جديدةٍ كدول ملعبٍ تحمل إليها دول اللاعب صراعاتها ومبارياتها؛ إلا أن أبرز ما يلفت في تفاعلات هذا الحدث من بدايته المريبة إلى نهايته النسبية؛ هي عودة الحريري إلى لبنان، وتحديداً ذاك الاستقبال الحاشد له في بيت الوسط ببيروت ومن ثم من قبل أنصاره من تيار المستقبل.

وبغض النظر أن لهذا التحشيد سياقه وهدفه السياسي والحزبي على الصعيدين المحلي والإقليمي، إلا أن المثير للاهتمام هو ذاك التمسك الذي يبديه الناس في الأزمات التي تهدد استقرارهم وتنذر بما هو أسوأ، إذ يبدو أن السلوك العام للجماعة ينتقل في الأزمات إلى مستوى التعبير عن الحاجة لقيادة يلتفون حولها بشكل قد يصل للمبالغة، علماً أنهم قد يكونوا غير مقتنعين بالقائد الذي يمثلها!

بمعنى أن المكون السُني اللبناني بعقله الجمعي يدرك تماماً كغيره من مكونات لبنان؛ أن سعد الابن لم يرث من قامة والده السياسية ما يستحق الذكر، فلم يمثلْ الشابُ رجل دولة حقيقي أو سياسي مُحنَّك أو زعيم طائفي أو رجل علاقات إقليمية ودولية أو حتى عميداً لأسرة الحريري، وعلى الرغم من إدراكهم هذا؛ إلا أنهم يلتفون اليوم حول "سعد الشاب" ويتمسكون به.

 وهنا قد نفهم أن الأزمات والتهديد الحقيقي لأي جماعة قد يدفعها للالتفاف حول قيادتها رغم عدم قناعتها بها، أي أن الجماهير تُعبر عن شعورها برفض واقعٍ أسوأ كالعودة إلى حالة عدم الاستقرار وذكريات الحرب التي يعرفها لبنان جيداً، فتعبرُ كجماعة مدركة لمصالحها عن رفضها وخوفها من العودة لتلك الحالة أكثر من تمسكها بالشخص ذاته، والذي تخدمه الأزمة لتقدمه "كمُخلِّص".

 أي أن سلوك الجماعة هنا يبدو تعبيراً عن رفض الأسوأ أكثر من كونه تمسكاً بشخص.  وإن صحت المقاربة للتوضيح؛ فقد فُسِّرَّ الخروج الجماهيري للمصريين إلى الشوارع بمظاهرات 9و10 يونيو 1967 للمطالبة بعودة جمال عبد الناصر إلى الرئاسة والعدول عن استقالته، وبقدر ما كان ناصر عليه من كاريزما القائد، إلا أن هذا التحرك الجماهيري ضمن ذاك الموقف عبَّر في عمقه عن رفض المصريين لهزيمة الـ 67 أكثر من تمسكهم بناصر، والذي كان يمثل بقاؤه أيضاً بالنسبة لهم أداة لرفض الهزيمة، أي أنهم عبروا بشكل جماعي عن رفض الهزيمة أمام إسرائيل وانعكاسها داخلياً بشكل يدفع زعيمهم للاستقالة.

وعلى الرغم من أن شخصية ناصر ببعدها القومي وعمقها المحلي وجانبها الزعامي لا يصح مقارنتها بسعد الحريري، ليس تقليلاً من شأن سعد ولا تعظيماً لشأن ناصر، وإنما هو الواقع. ولكن يمكن أن نفهم من تلك المقاربة بشكل عام بعضاً من سلوك الجماعات في الأزمات والمهددات الحقيقية، وكيف تعيد الأزمة كمتغير ضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم من مدخل الحاجة، أي أن الجماعة في الأزمات قد تعبر عن حاجتها للالتفاف خلف قيادة، أو حتى خلقها بمن ليسوا أهلاً لها، في سبيل حماية مصالحها أو درء تهديدٍ ما عنها أو حتى تحقيق هدفٍ معين.

بالمقابل، ففي الأزمات المهددة لمصالح الجماعة ليس بالضرورة أن يكون القائد مُخلِّصاً بالمطلق، وإنما قد تتحول القيادة إلى وسيلة لابتزاز الجماعة؛ فالأزماتُ كظرفٍ سياسيٍ تبدو من أكثر المداخل التي تلجأ الأنظمة السياسية إلى استغلالها في سبيل إعادة ضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم من مدخل الحاجة. فمن يمثل تلك القيادة يدرك تلك الحاجة تماماً، فيعمل على استثمار الأزمات وحاجة الناس في تعزيز قيادته، وقد يحرص على استمرار الأزمة التي تستمر بها مخاوف الجماعة وبالتالي التفافها حول قيادته أكثر، بل وقد يسعى في سبيل ذلك إلى تصنيع أزمات معينة.

وغالباً ما تكون تلك الأزمات مُصنعة باتجاهٍ يهدد أمن الجماعة، لذلك قد تُقدّم الجماعة تنازلاتٍ عدة لحفظ أمنها، ومن تلك التنازلات حقوقها وحرياتها التي لا تبدو أولوية قياساً بأمنها و"تهديد وجودها"، لتولد من هنا معادلة الأنظمة السياسية الديكتاتورية وعقدها الاجتماعي المتمثل بـــ "الأمن مقابل الحريات"، والذي يعيد ضبط العلاقة بين المطالب الشعبية بالإصلاح السياسي والاقتصادي وبين استجابة النظام الحاكم لها.

وضمن هذا السياق نستطيع أن نفهم كيف اعتاشت قيادات سياسية عربية تاريخياً على الأزمات لترسيخ حكمها وأنظمتها الديكتاتورية، فمن حافظ الأسد الذي اعتاش ونظامه على القضية الفلسطينية واستغلالها كإحدى الأزمات الناظمة لسلطته الأمنية مع شعبه عموماً، ومن ثم تهويل واستغلال أزمات داخلية (الإخوان المسلمين) لترهيب الأقليات وربط مصالحهم به، وبالتالي ضمان تغول أكبر للأجهزة الأمنية وقانون الطوارئ ومصادرة الحريات. ومع اندلاع الثورة السورية استمر الأسد الابن بذات العقلية لضمان ولاء فئات محددة من المجتمع السوري، فكان أن لجأ إلى إخراج الجهاديين من السجون كأداة ساهمت مع العديد من العوامل في تصنيع "الإرهاب" كأزمة أعادت ضبط اصطفاف بعض الفئات حوله وتحديداً الأقليات، و"شرعنت" له سياقاً وأدوات قمعية للتعامل مع مطالب الحراك الشعبي على الطرف الآخر، فاستطاعت تلك الأزمة قلب أولويات المعادلة السورية من رحيل النظام إلى مكافحة "الإرهاب".

وكمثالٍ لا يقل وضوحاً عن استثمار الأزمات في ترسيخ السلطة، يتجلى نهج القيادة المصرية المتمثلة بعبد الفتاح السيسي، فصبرُ المصريين على السيسي رغم الكوارث التي تعيشها الدولة المصرية في عهده؛ بدءاً بشخصيته التي لا تليق بحجم مصر وصولاً إلى التدهور الاقتصادي والسياسي والحقوقي وحتى السيادي، ذلك الصبر لا يبدو حباً بالسيسي بقدر ما يظهر كتعبيرٍ عن رفض لواقعٍ "أسوأ" استطاع نظام السيسي تسويقه كبديل لحكمه، فحصر أغلب المصريين في ثنائية "أنا أو الإرهاب"، "أنا أو النموذج السوري"، إذ يبدو أن السيسي استطاع إلى الآن ابتزاز المصريين واستغلال حاجتهم للأمن في الأزمات، بل وأجبرهم على التنازل عن حريات عدة في سبيل "ضمان أمنهم".

ولا يبدو السيسي المثال الأخير لقادة الأزمات، خاصة بعد الربيع العربي، فهناك على الحدود الغربية لمصر حيث ليبيا؛ برز أيضاً المشير خليفة حفتر، الرجل الذي جاء على ظهر الأزمات الليبية وقُدم كبديلٍ عن فوضى السلاح والجماعات الإسلامية و"الإرهاب". وكذلك الرجل الثمانيني، الباجي قايد السبسي، والذي استغل أيضاً الأزمة السياسية التي وقعت فيها تونس إثر حكم حركة النهضة وموجة "رهاب الإخوان" كأزمة بعد الربيع العربي. ليعود كقائد لبلدٍ خارجٍ من ثورة على نظام كان السبسي أحد أعمدته.

ولعل استراتيجية خلق الأزمات واستغلالها لم تقتصر على قادة الأنظمة العربية في المنطقة، وإنما امتدت عدواها لتشمل غيرهم، فالبرزاني أحد الأمثلة الحية وليست الأخيرة على الهروب إلى الأمام من تأزم الوضع الداخلي سياساً واقتصادياً، من خلال تصديره أزمة أكبر تمثلت بالاستفتاء، على أمل إعادة ضبط الأوضاع الداخلية لصالحه من جديد، إلا أن البرزاني يختلف عمن سبقوه بأن أزمته أطاحت به بدلاً من تثبيته، وربما اختار الأزمة الخطأ لتصديرها.

للأنظمة العربية وقياداتها تاريخٌ طويلٌ في صناعة الأزمات لإعادة ضبط العلاقة بينها وبين الشارع؛ الأزمات التي صُممت للتغطية على أُخرى أعمق وتثبيت سلطة معينة في الحكم. إلا أن تلك الصناعة اتخذت بعد الربيع العربي مستويات خطيرة، حيث شكلت بالنسبة للأنظمة الغطاء الأهم لتبرير دخولها بحرب مفتوحة مع مجتمعاتها على المستوى المحلي، بينما تجلت خطورتها أكثر في إعادة تعويمهم رغم تلك الحرب على المستوى الإقليمي والدولي. فـ"الإرهاب" الذي صُنّعَ بصيغةٍ إسلامية؛ مثّلَ أزمةً أطالت بعمر العديد من الأنظمة التي وظفتهُ في صد الربيع العربي. واليوم ومع اتجاه تلك الأزمة إلى النهاية بعد رحلة طويلة من "المكافحة"، ها هي ثورات الربيع العربي تدور 360 درجة مع الأزمات التي صُنِّعتْ لعرقلتها، لتعود وجهاً لوجه مع الأنظمة الصانعة، فهل تلجأ الأخيرة لخلق أزمات جديدة بأدوات مختلفة، أم تكون الموجة القادمة من التحرك الشعبي هذه المرة أسرع وأوعى؟

 

التصنيف مقالات الرأي

أجرت قناة TRT العربية لقاء تلفزيونياً ضمن برنامجها "لقاءات تركيا" مع نائب المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور سنان حتاحت، وأستاذ قسم العلاقات الدولية بجامعة إستانبول التجارية أحمد يوكلايان وذلك بهدف الحديث عن دور المنظمات الدولية في مكافحة الإرهاب.

لمشاهدة الحلقة كاملة انقر لى الرابط التالي:https://youtu.be/oN6wPZ1QcYw

انطلاقاً من الاستقراءات السياسية والعسكرية التي تتدلل على سيناريوهات لا تنذر بالانفراج، يقترح هذا الملف والموجه لجميع الفعاليات السياسية المعارضة الرسمية وغير الرسمية السياسية والعسكرية والشرعية والمحلية، عدة آليات تدفع الملف السوري نحو الانفراج أكثر مهما كان السيناريو المتوقع، مستنداً على ضرورة ملء الفراغ الناجم عن تخلي وعجز نظام الأسد عن أداء بعض وظائفه المتعلقة بالدور السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة، هذه الوظائف التي إن امتلكتها قوى المعارضة السياسية والعسكرية ستشكل تحولاً واضحاً في الممارسة السياسية  وتنقلها من نطاق التأثر إلى التأثير، ومن خانة الحزب والتكتل إلى مؤسسة الدولة.  وفقاً لذلك يطرح الملف المحاور التالية:

  1. تقديم تصور عملي لعملية الانتقال يراعي الواقع العسكري والسياسي والمحلي
  2. العودة الكريمة للاجئين السوريين وإعادة توطينهم والعمل على انهاء أزمة المواطن السوري خارج الحدود.
  3. آليات مكافحة التطرف والإرهاب بما يشمل المرحلة الحالية والمرحلة اللاحقة.
  4. تحديد الأولويات الاقتصادية للمرحلة القادمة وخاصة فيما يتعلق بمشاريع إعادة الإعمار.
  5. برامج وخطط استعادة الامن المجتمعي.
  6. خطط تمكين وتطوير منظومة المجالس المحلية.
التصنيف الكتب
الإثنين, 12 تشرين1/أكتوير 2015 13:28

مؤتمر عمَّان الأمني

شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف خلال اليومي 11و12 تشرين الثاني 2015 بمؤتمر عمان الأمني الذي نظمه المعهد العربي لدراسات الأمن بالتعاون مع حكومة هولندا ومؤسسة كونراد أديناور، بهدف بحث سبل التعاون الدولي في تعزيز الأمن وتنمية الاقتصاد، وكل ما يتعلق بقضايا التحقق من البرامج النووية وحظر أسلحة الدمار الشامل.

شارك خلال المؤتمر كل من: مساعد وزير الخارجية الأميركي روز غوتمولر، والأمين العام المساعد في حلف الشمال الأطلسي زورين دوكارو، ورئيس جهاز الأمن الوطني الكويتي سمو الشيخ ثامر الصباح، ورئيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية الدكتور خالد طوقان، بالإضافة إلى كبير المفاوضين في فلسطين صائب عريقات والرئيس الأول للمجلس الانتقالي السوري الدكتور برهان غليون.

تناول المشاركون خلال المؤتمر -الاتفاق النووي الإيراني بفرصه وتحدياته وأثره على المنطقة وبحث خيارات السياسة الخارجية، والتعاون الإقليمي، ونزع السلاح وحظر الانتشار النووي، مع التركيز بوجه خاص على منطقة الشرق الأوسط. كما خصص المؤتمر خلال فترة انعقاده حيزاً للحديث عن قيام التنظيمات المسلحة بحيازة أسلحة دمار بيولوجية وكيميائية، مسلطة الضوء على التعنت الإسرائيلي في مجال عدم الانضباط باتفاقية حظر الانتشار النووي، فضلاً عن تداعيات فشل مؤتمر مراجعة اتفاقية حظر الانتشار النووي الذي عقد في نيويورك مؤخراً.

وقال مدير مركز دراسات الأمن وعضو اللجنة التنسيقية للمؤتمر، الدكتور أيمن خليل خلال كلمته أن هذا المؤتمر يعد من أهم التجمعات المتخصصة على المستوى الإقليمي التي تعقد بشكل منتظم، وتعنى بالقدرات غير التقليدية والتي تشمل القدرات النووية والبيولوجية وتهدف إلى إلقاء الضوء على المشهد الدولي للحصول على رؤية متوازنة واضحة.

في حين قدم المدير التنفيذي لمركز عمران الدكتور عمار قحف خلال اليوم الأول للمؤتمر ورقة حملت عنوان " المبادرات الدولية للحل السياسي في سورية: التحديات والفرص"  استعرض خلالها مبادرات الحل السياسي في سورية منذ 2011 والتي تباينت إجراءاتها بين  الاحتواء والتسكين الجزئي والمحلي وبين تأجيل الحسم مع عدم معالجة أسباب الأزمة الحقيقية محاولة إيجاد حلول مُرضية ولو تدريجية أو تفكيكية، متجاهلة البعد المجتمعي الأمر الذي فاقم الأزمة إنسانياً وسياسياً وعسكرياً ونقل حدودها لتشمل البعد الأوروبي ونمَّى خطاب التطرف ومهَّد لدخول عناصر عابرة للحدود من جهة، وأدى إلى تعاظم المشاريع الحزبية كازدياد سيطرة قوات الحماية الشعبية الكردية وتشكيلهم الإدارة الذاتية.

وتعود أسباب فشل المبادرات لعدة مُعطيات واقعية أهمها تلك التي تتعلق بالبُنية العسكرية السائلة، وطبيعة الفصائل المتحاربة وغاياتها وقياس قدرة التحكم بها سياسياً ومدى اقتناعها وقبولها بالحل السياسي، بالإضافة إلى طبيعة حلفاء النظام ونظرتهم البراغماتية للملف السوري وتوظيفه لتحسين تموضعات سياسية واقتصادية ضمن الخارطة الإقليمية والدولية، ناهيك عن مساهمة الفاعل الأمريكي  عبر زهده في توفير سبل ومناخات الحل لقضايا المشرق العربي والاكتفاء باحتواء مفرزاته بخلق هوامش تحرك لعدة فاعلين تضبط بوصلتها فقط وفق المهدد الأمن القومي.

واختتم الدكتور قحف كلمته بنتيجة خلصت إليها الورقة في إن عدم مراعاة المبادرات السياسية لمصالح المجتمع السوري السياسية والاقتصادية والحقوقية والأمنية والاجتماعية مجتمعية سيكون عنوانها كسب الوقت وتمييع للقضية. إن بناء التوافق بين الفاعلين السوريين واستعادة امتلاك القرار الوطني -رغم صعوباته-إلا أنه أسهل من بنائها بين الفاعلين الدوليين والإقليمين. كما أنَّ ذلك يُعد فرصة حقيقية للبدء في تنفيذ آليات وطنية لا تتعارض مع المعادلات الأمنية الإقليمية، كضبط الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب واستمرار مؤسسات الدولة المتبقية، وطرح آليات إعادة هيكلة مؤسسات الأمن والدفاع والبدء بإطلاق برامج وطنية حول إعادة الإعمار والعودة الطوعية للاجئين وإطلاق برنامج وطني للعدالة الانتقالية.

التصنيف أخبار عمران
الجمعة, 04 كانون1/ديسمبر 2015 01:55

مؤتمر الرياض.. الفرصة لفاعلية سورية

ملخص: على الرغم من أن السياق العام لمخرجات فيينا لا يبدو  وأنه سيفضي إلى حل حقيقي وجدي للأزمة السورية؛ إلا أن مؤتمر الرياض يمثل حاجة ضرورية وملحة للخروج برؤية واضحة وموحدة للمعارضة، تمكنها من التحرك بفعالية سياسية حقيقية تعطل صيغ الحل الإلزامي وتقدم البديل المقنع ضمن أي مسار محتمل للعملية السياسية، ما قد يمنح قوى المعارضة فرصة ربما تكون الأخيرة ويخضعها لامتحان هو الأصعب في تاريخ الثورة السورية، مقابل ما يلقيه من مسؤوليات حقيقية على كاهل المحور الثلاثي الداعم (قطر، السعودية، تركيا) ليعيد اختبار أدواتهم في التعاطي مع الملف السوري.

حُكمت مسارات العمل السياسي والعسكري للمعارضة السورية بمجموعة من العوامل الذاتية والموضوعية، والتي أفضت إلى إجهاض أيمحاولة لتوحيد الرؤى وتنسيق الجهد، وبالتالي عدم إنتاج أي فعل سياسي جمعي جاد، ما أدّى لإيكال الفضاء السياسي والعسكري لمجموع القوى الإقليمية والدولية، مقابل انطواء أجسام المعارضة السورية على ذاتها واقتصارها على التحرك بردود الأفعال وفق هوامش سياسية ضيقة وسياقات عسكرية تخضع بغالبيتها لمبدأ "إدارة الأزمة". ففشل مجموع القوى الوطنية على مر الأعوام الخمسة الفائتة عن مراكمة أي مخزون سياسي عسكري منظم من الممكن أن يعول عليه كضامن في الاستجابة السريعة لمتغيرات الظرف السياسي الإقليمي والدولي، والذي تواجه المعارضة السورية اليوم إحدى تقلباته عبر اجتماعات فيينا الأخيرة وما رشح عنها من مخرجات ورسائل يراد لها أن تعلن المرحلة الحالية بمثابة الأخيرة قبل بدأ العملية السياسية، والتي حددت أطرها العامة وفق مدخل روسي أمريكي. وتشير القراءات الأولية للحراك الدولي أن مآلات فيينا لن تصب في صالح الجانب المعارض، والذي بات أمام اختبار ربما يكون الأصعب في تاريخ الثورة السورية، مقابل ما يلقيه من مسؤوليات إضافية على كاهل المحور الثلاثي الداعم (قطر، السعودية، تركيا) ليعيد اختبار أدواتهم في التعاطي مع الملف السوري.

وفقاً لأعلاه تقوم هذه الورقة بتحديد طبيعة الاختبار والاستحقاق القادم انطلاقاً من المناخات العامة الناشئة بعد اجتماعات فيينا، وما أفرزته من مسؤولية مشتركة لكل من المحور الثلاثي وقوى المعارضة السورية، والتي سيتم اختبارها وظيفياً في مؤتمر الرياض، بالإضافة إلى رسم السيناريوهات المتوقعة لمخرجات هذا المؤتمر وديناميات التعامل معها.

المزاج السياسي الدولي بعد فيينا

أدى دخول الفاعل الروسي بشكل مباشر على المشهد السياسي والعسكري المحلي إلى تسارع الرغبة الدولية في تأطير العملية السياسية في فيينا بما يراعي شروط هذا الفاعل، ويعزز مناخات سياسية لايزال يعتريها الكثير من الغموض في الآليات والالتفافات الواضحة على القضايا الجوهرية في الملف السوري ومحاولات تأطير العملية السياسية بصيغة الفرض وفق مزاج سياسي دولي وإن لم يكتمل بعد، إلا أن مخرجات فيينا الأولية (كبيان ووقائع) وما رشح عنها من مؤشرات ترسم ملامح الظرف السياسي القائم بما يدعم نمو هذا المزاج وفق مجموعة من المعطيات ولعل أبرزها:

  • محاولة فرض رؤية روسية مبطنة بدعم أمريكي لطبيعة وشكل الحل السياسي في سورية.
  • إعادة ترتيب خطوات الانتقال السياسي وضبطها وفقاً لأولوية مكافحة الإرهاب كمدخل أول وإطار عام للحل.
  • محاولات إعادة رسم خريطة القوى العسكرية السورية على أساس تصنيف الإرهاب والاعتدال، وبالتالي تحديد الفاعلين في تلك العملية السياسية واستثناء آخرين ودفعهم في خانة الإرهاب.
  • ترحيل إشكالية حضور الأسد خلال المرحلة الانتقالية، والتي يشير مناخ الاجتماعات إلى احتمالية تعليقها واختزالها بترشحه من عدمه.
  • انكفاء السياسة الأمريكية في تصدر وإدارة الملف السوري لصالح روسيا.
  • احتمالية دفع موسكو بتدخلها العسكري المباشر بعض الفاعلين الدوليين والإقليمين للتنسيق وفقاً لسياساتها من خلال تأمينها بعض النقاط التي تتقاطع مع استراتيجياتهم: ولعل أبرزها تلك النقاط:

أ‌.         تأمين الضامن للمرحلة الانتقالية بعد الدخول العسكري على الأرض وإخضاع النظام والإيرانيين للإرادة الروسية.

ب‌.     احتمالية تحول الروس إلى معادل قوى حقيقي ضابط للنفوذ الإيراني في سورية بشكل خاص والمنطقة بشكل عام.

ت‌.     توفير الجهد الأمريكي عبر تصدر موسكو المشهد، ما يمنح واشنطن فرصة التهرب من مسؤولياتها واستكمال سياستها في إدارةالملف السوري من الخلف.

ث‌.     التصعيد من أهمية مكافحة الإرهاب لابتزاز مجموع القوى الدولية والإقليمية للتنسيق معها وعلى رأسهم أوروبا المشوشة في حسم موقفها. وذلك عبر زيادة الفاعلية العسكرية على الأرض وتكثيف الجهد الدبلوماسي.

 

  • اتجاه الدور الأوروبي بعد تفجيرات باريس وعلى رأسه فرنسا لصالح أولوية مكافحة الإرهاب، ما قد يدفع لحرف بوصلة القارة العجوز في الملف السوري بالاستجابة لدعوات التنسيق مع الفاعل الروسي، وبالتالي احتمالية القبول بقيادة الأسد للمرحلة الانتقالية، يساهم في ذلك ما تعانيه من تفاقم أزمة اللاجئين، ناهيك أن الاتفاق قد ينسجم والرؤية الأوروبية لطبيعة الحل السياسي في سورية.
  • محاولات موسكو وطهران خلال اجتماعات فيينا إيقاع المحور الثلاثي (القطري، التركي، السعودي) في فخ سحب الشرعية عن بعض الفصائل السورية الثورية، عبر تصنيف جديد للإرهاب، ونجاح المحور ذاته في المناورة عبر الدفع المضاد وإبراز الفصائل السورية المعتدلة.
  • مراعاة موسكو بطرحها محددات النظام الأمني الإسرائيلي في المنطقة، وبالتالي كسب المزيد من الحشد الدولي من أهم الفاعلين في رسم سياسات المنطقة.
  • احتمالية تحول مخرجات فيينا إلى إلزام دولي عبر دعمها من قبل الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن.

إن مجموع تلك النقاط والمؤشرات وفقاً للظرف السياسي الأمني الدولي والإقليمي؛ إنما ينذر بسير الحل السياسي ما بعد فيينا بصيغة ("إما" و "أو")، فإما أن تلج القوى المحلية بالعملية السياسية من المدخل الدولي الأولي المتوافق عليه لإنهاء الصراع، أو فلتستعد إلى التصنيف ضمن الضفة الأخرى وما يقابلها من اصطفاف دولي إقليمي. ما يضع المعارضة السورية بشقيها العسكري والسياسي أمام تحد صعب لتحسين تموضعها في مسار العملية السياسية المرتقبة، كفاعل في رسم ملامحها وأساس في ضبطها وليس معطى من معطياتها. لتأتي في هذا السياق الدعوة الأخيرة لمؤتمر الرياض كجهد دولي إقليمي واستجابة سريعة لضرورات المرحلة في توحيد جهود المعارضة السورية ودفعها باتجاه التوافق حول وثائق جامعة تتقاطع من خلالها الرؤى المختلفة بشكل يساهم في تسهيل استكمالها متطلبات العملية السياسية، ما قد يمنح قوى المعارضة فرصة جديدة ويخضعها لامتحان وتحد، ربما يكون الأصعب في تاريخ الثورة السورية، مقابل ما يلقيه من مسؤوليات حقيقية على كاهل المحور الثلاثي الداعم(قطر، السعودية، تركيا) ليعيد اختبار أدواتهم في التعاطي مع الملف السوري.

مؤتمر الرياض (الاختبار الوظيفي)

تتجه المؤشرات السابقة واحتمالية تطورها نحو حسم التصور الدولي والإقليمي المشوش لطبيعة وشكل المرحلة الانتقالية، والذي قد ينتج عنه عدة تصورات، ربما يمثل إحداها احتمالية نجاح السعي الروسي بإقناع المجموعة الدولية بضرورة بقاء الأسد (كبقايا مؤسسة) خلال المرحلة الانتقالية وقيادته لها، مستغلة بذلك النقاط المذكورة سابقاً مقابل تراخي المعارضة السورية في تقديم بديل وإثبات فاعلية سياسية وعسكرية، ما قد يسنح لموسكو فرصة تقديم الأسد وقواته كبديل وشريك لمكافحة الإرهاب، بعد إحداث عدة تغييرات في المؤسسة العسكرية التابعة للنظام لتتناسب وتلك الشراكة الدولية.

وإذ يمثل التصور السابق إحدى الإفرازات المحتملة للسياق السياسي الدولي؛ فإن عرقلته أو خلق بدائل يبقى مرهوناً بأداء المعارضة السورية والداعمين من مجموعة أصدقاء سورية، وحسن استثمارهم لفرصة مؤتمر الرياض وفق الظرف الإقليمي والدولي القائم وتحويل تلك الفرصة إلى فعل جمعي جاد على الأرض. فعلى الرغم مما قدمه سياق اجتماعات فيينا من محاولات لتحديد أولويات المرحلة الانتقالية بمكافحة الإرهاب؛ إلا أن تخبط القوى الإقليمية والدولية في البحث عن شريك حقيقي على الأرض في التصدي لتلك المهمة مازال واضحاً، الأمر الذي تلوح معه فرصة سانحة للمعارضة السورية في تجميع صفوفها السياسية والعسكرية على الأرض وتقديم بديل موحد ومتماسك وشريك حقيقي، يساهم في تقوية بعض المواقف الدولية والإقليمية الداعمة للثورة، والتي بدأت تتراجع نتيجة غياب البديل،

بالمقابل فإن استثمار هذه الفرصة ضمن هذا المناخ الدولي المعقد والمصالح الإقليمية المتضاربة، لا يتوقف على المعارضة السورية في توحيد جهودها فحسب، وإنما يتطلب جهداً رديفاً يبذله المحور الثلاثي الداعم. حيث أن أسباب فشل توحيد رؤى المعارضة السورية بشقيها كان محكوماً بمجموعة أسباب ذاتية وموضوعية، فإذ تتحمل المعارضة الجزء الأكبر من حالة التشظي هذه؛ إلا أن ذلك لا يعفي مجموع القوى الدولية والإقليمية من تغذية هذا الشرخ أو محاولات رأبه بطريقة فاشلة، ما يحمل الطرفين مسؤولية مشتركة وذلك لما تجاوزته الأزمة السورية من حدود الجغرافية إلى إنتاج نظام أمني إقليمي جديد في المنطقة. الأمر الذي يلقي على الطرفين مجموعة من المسؤوليات، يتفرع عنها عدة مهام لابد من ترجمتها خلال مؤتمر الرياض على مستويين:
المستوى الأول: المعارضة السورية (اختبار الأداء)

بعد حالة الاستعصاء والأفق المسدود التي وصل إليها مجموع القوى الدولية والإقليمية حيال الأزمة السورية بالأدوات الحالية؛ تبدو الخيارات الدولية مفتوحة على العديد من الاحتمالات و المناخ الدولي والإقليمي الداعم متعطشاً لأي مبادرة سورية تقدم طرحاً بديلاً عن خيار نظام الأسد، والذي لازال يسبق المعارضة بامتلاك هيكل دولة، مبتزاً عبره المجتمع الدولي وتحديداً في إطار مكافحة الإرهاب، لذلك فإن أي توافق حول رؤية سورية موحدة صادرة عن المعارضة في مؤتمر الرياض تغلب عليها صيغة العمل الدولتي، يمكن أن تكون نواة لتبلور موقف موحد للداعمين الإقليمين والدوليين حول حل للأزمة؛ لذا فإن صياغة المعارضة في مؤتمر الرياض لتصور وطني جامع متقاطع مع متطلبات المجتمع الدولي، لابد وأن يركز على الجوانب التالية:

    الجانب العسكري: خلق صيغة مشتركة للعمل العسكري الموحد، يغلب عليها الطابع المؤسساتي، من جهة وضوح سلسلة الأوامر والمسؤوليات، بحيث تقدم بديل مقنع وشريك فاعل على الأرض في ضبط الأمن، ويترتب عليها ما يلي:

أ‌. متابعة شؤون الجبهات العسكرية ضد النظام والاحتلالين الروسي والإيراني وتنظيم الدولة وفق آليات تنسيق مشتركة.

ب‌. استمرار التنسيق والجهد للوصول إلى مؤسسة عسكرية موحدة إن لم تشكل نواة لجيش سوري بديل، فإنها تمثل ضامن رئيس لأي عملية دمج وإعادة هيكلة للمؤسسة العسكرية والأمنية السورية خلال المرحلة الانتقالية.

ت‌. تفويض مجموع القوى الوطنية في إدارة التزاماتها السياسية في أي تفاوض مستقبلي.  

    الجانب السياسي: خلق صيغة عمل سياسي وطني، تجمع الفصائل السياسية السورية المعارضة وتوحد رؤاها حول طبيعة الحل في سورية وفقاً لميثاق عمل وطني، يتضمن المبادئ الأساسية لعملية التفاوض، والتي تنسجم مع تطلعات الشعب السوري. وتضطلع بالمهام التالية:

أ‌.         صياغة ثوابت العملية التفاوضية وعلى رأسها رحيل بشار الأسد.

ب‌.     تقديم رؤية سياسية واضحة للعملية الانتقالية وفق أي سيناريو محتمل.

ت‌.     تقديم مشروع واضح ومتكامل لمكافحة الإرهاب وحفظ الأمن الحدودي.

ث‌.     تشكل فريق تفاوضي من السياسيين والعسكريين يتولى تمثيلها خلال العملية التفاوضية.

ج‌.      تعيين ممثلي المعارضة في هيئة الحكم الانتقالي.

ح‌.      متابعة شؤون الجبهات والإشراف على العمل العسكري.
المستوى الثاني: المحور الثلاثي واختبار المسؤول

وإذ يتطلب إنجاح مؤتمر الرياض جهداً مكثفاً وسريعاً من المعارضة السورية؛ فإنه يتوقف بدرجة لا تقل أهمية على اتساق رؤى المحور الثلاثي (السعودي، التركي، القطري) قبل توحيد رؤى المعارضة، حيث أن إدارة الملف السوري بالتنافس بين دول هذا المحور وما نتج عنها من دعم مشاريع خاصة زادت حدة الاستقطاب في صفوف المعارضة السياسية والعسكرية، أدى إلى استعصاء الملف السوري داخلياً وخارجياً. ما يلقي عليها مهام ومسؤوليات مضاعفة على رأسها إخراج صيغ وأشكال الدعم من معادلات الضغط السياسي، وإعادة تنسيقه وتوحيده، إضافة إلى الدفع خلال المؤتمر باتجاه:

أ‌.         دعم أي رؤية سورية وطنية ناتجة عن هذا المؤتمر.

ب‌.     تفعيل أدوات الضغط التي تمتلكها في توحيد هذه الرؤية وضمان استمرارها.

ت‌.     تنشيط الجهد الدبلوماسي على المستوى الدولي في الحشد وعرقلة الجهود المضادة.

ث‌.     تكثيف جهود المملكة العربية السعودية في بلورة رؤية خليجية وعربية تدعم ما يرشح عن مؤتمر الرياض من قرارات.

ج‌.      الاستمرار في الدعم العسكري على الأرض والذي سيغير الكثير في المعادلة السياسية ما قبل بدأ العملية التفاوضية.
خلاصة

على الرغم من أن الصيغة الحالية والسياق العام لمخرجات فيينا لا يبدو وأنها ستفضي إلى حل حقيقي للأزمة السورية؛ إلا أن مؤتمر الرياض وهدفه في توحيد المعارضة يمثل حاجة ضرورية وملحة للخروج برؤية واضحة وموحدة للمعارضة تمكنها من التحرك بفعالية سياسية حقيقية، تعطل صيغ الحل الإلزامي وتقدم البديل المقنع، سواء من خلال فيينا أو غيرها من المسارات المحتملة للعملية السياسية، والتي لن تمثل في هذا الوقت بالذات إنهاء للصراع على الأرض بقدر ماهي استكمال له ولكن بأدوات سياسية، الأمر الذي يحمّل اليوم الأطراف المختلفة مسؤولية إدارة اللحظة سواء المعارضة عبر تقديمها نموذجاً قادراً على المحافظة على الحد الأدنى من مطالب الثورة السورية، أو الدول الإقليمية الداعمة و المدركة تماماً أن نجاح الثورة السورية من عدمه لم يعد متعلقاً بالسوريين بقدر ما يمثله من إنتاج نظام أمن إقليمي جديد يحدد درجة استقرار المنطقة ويلجم المشاريع الدخيلة على حساب الجغرافية العربية.

إن الواقع السياسي الحالي الموسوم بانحسار الخيارات لم يكن وليد العدم، بقدر ما هو نتيجة لعدة ثوابت ومتغيرات تراكمية، أبرزها ثابت لعنة الجغرافية المرافق لسوريا والتي تشابكت عبره المصالح الدولية والإقليمية وتعددت من خلاله المقاربات والمداخل المصلحية (سياسة، أمن، جيوبولتيك)، وما انعكست به على الملف السوري منذ تاريخ 15/3/2011. من سوء إدارة خارجية نتيجة التجاذبات وضعف إدارة داخلية من قبل المعارضة السورية، ليصل مسار الثورة السورية إلى لحظة حرجة تهدد مستقبل سورية والمنطقة العربية.

التصنيف تقدير الموقف

ملخص: في 30 سبتمبر 2015 شنَّ الطيران الروسي أولى طلعاته الجوية مستهدفاً مخازن للأسلحة والذخيرة وعربات ومدرعات في حمص وحماة وحلب؛ مستنداً إلى معلومات تم جمعها وتحديدها من قبل غرفة عمليات يديرها تحالف روسي-إيراني-عراقي-سوري في العاصمة العراقية بغداد.وجاءت عملية القصف بعد الكشف عن حشود عسكرية روسية تضمنت: تعزيز القاعدة البحرية في طرطوس بغواصة نووية ومجموعة سفن حربية، وتوسيع القاعدة الجوية في اللاذقية.

وعلى الرغم من ادعاء موسكو أن حشدها العسكري يهدف إلى قتال تنظيم الدولة المتطرف؛ إلا أن العمليات الجوية قد استهدفت مختلف فصائل المعارضة في عدة محافظات، وأكد محللون عسكريون أن دوافع موسكو المعلنة لا تتناسب مع الدفاعات الجوية المتطورة التي نصبها الروس في قاعدة "حميميم"، والتي لا يمكن أن تكون موجهة ضد تنظيم الدولة المتطرف الذي لا يملك أية مقاتلات أو منظومات دفاع صاروخي، بل إن الهدف الفعلي من نصب هذه هو إنشاء منطقة عزل جوي بالتزامن مع سحب حلف الناتو دفاعاته الصاروخية، ومبادرة واشنطن إلى سحب بطاريات صواريخ باتريوت من منطقة "أضنة" تحت ذريعة تحديث هذه البطاريات، ومن ثم سحب حاملة الطائرات الوحيدة تاركة المجال الجوي لمنطقة شرقي المتوسط بأسره للطيران الروسي.

التواطؤ الغربي لاستدراج روسيا في المأزق السوري

في 30 سبتمبر 2015 شن الطيران الروسي أولى طلعاته الجوية مستهدفاً مخازن للأسلحة والذخيرة وعربات ومدرعات في حمص وحماة وحلب؛ مستنداً إلى معلومات تم جمعها وتحديدها من قبل غرفة عمليات يديرها تحالف روسي-إيراني-عراقي-سوري في العاصمة العراقية بغداد.

وجاءت عملية القصف بعد الكشف عن حشود عسكرية روسية تضمنت: تعزيز القاعدة البحرية في طرطوس بغواصة نووية ومجموعة سفن حربية، وتوسيع القاعدة الجوية في اللاذقية، وتزويدها بنحو 48 مقاتلة من طراز (Su-24) و(Su-25) و(Su-30) وبمروحيات قتالية و35 عربة قتال مدرعة مزودة بمدفعية من طراز (BTR-82A/B)، ومدفعية عيار (152 mm)، و6 دبابات من طراز (T-90)، ونحو 800 مقاتل روسي من القوات الخاصة و500 من سلاح البحرية، وعدد غير معروف من المرتزقة الشيعة الذين تم شحنهم من العراق وباكستان وأفغانستان عبر طائرات (Ilyushin IL-76) تمهيداً للزج بهم في هجوم بري مرتقب ضد المعارضة السورية بإسناد جوي روسي.

وعلى الرغم من ادعاء موسكو أن حشدها العسكري يهدف إلى قتال تنظيم الدولة المتطرف؛ إلا أن العمليات الجوية قد استهدفت مختلف فصائل المعارضة في عدة محافظات، وأكد محللون عسكريون أن دوافع موسكو المعلنة لا تتناسب مع الدفاعات الجوية المتطورة التي نصبها الروس في قاعدة "حميميم"، مثل صواريخ أرض-جو (SA15) و(SA22)، والتي لا يمكن أن تكون موجهة ضد تنظيم الدولة المتطرف الذي لا يملك أية مقاتلات أو منظومات دفاع صاروخي، بل إن الهدف الفعلي من نصب هذه هو إنشاء منطقة عزل جوي ("A2AD" Anti-Access Area-Denial) في المنطقة بالتزامن مع سحب حلف الناتو دفاعاته الصاروخية، ومبادرة واشنطن إلى سحب بطاريات صواريخ باتريوت من منطقة "أضنة" تحت ذريعة تحديث هذه البطاريات، ومن ثم سحب حاملة الطائرات الوحيدة (USS Theodore Roosevelt carrier) تاركة المجال الجوي لمنطقة شرقي المتوسط بأسره للطيران الروسي.

وفي مقابل التراجع العسكري الغربي تحدثت المصادر عن رسو حاملة الطائرات الصينية (Liaoning-CV-16) في ميناء طرطوس، بعد أن عبرت قناة السويس في 22 سبتمبر، حيث تتوجه بكين إلى تعزيز قواتها البحرية بمقاتلات من طراز (J-15 Flying Shark) ومروحيات قتالية مزودة بصواريخ مضادة للغواصات من طراز (Z-18F) و(Z-18J) في منتصف شهر نوفمبر القادم، والتي ستتمركز في القاعدة الجوية الروسية باللاذقية بعد أن تمر بالأجواء الإيرانية والعراقية بالتنسيق مع طهران وبغداد.

وتأتي التعزيزات الصينية بعد استقبال الرئيس الأمريكي باراك أوباما الرئيس الصيني في البيت الأبيض يوم الجمعة 25 سبتمبر 2015، مما يؤكد وجود تفاهمات مسبقة بين العواصم الثالثة (واشنطن، موسكو، بكين) حول الترتيبات العسكرية التي تجري في سورية بالتنسيق مع إيران. ومن الملفت للانتباه أن يتزامن الحشد الروسي مع حالة إخلاء جوي غربي لمنطقة شرقي المتوسط في ظل تطورين مهمين:

1.    الترحيب الأوروبي بالدور الروسي-الإيراني الجديد: ففي أول رد فعل لها على العمليات الجوية الروسية رحبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالتدخل الروسي مؤكدة أنه: "لن يكون من الممكن إنهاء الحرب الأهلية في سورية إلا بمساعدة روسيا التي بدأت أول أمس شن ضربات جوية في البلاد"، وأكدت في كلمة في شرق ألمانيا بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لإعادة توحيد ألمانيا: "هذا صحيح بصورة خاصة في حالة سورية، إذ نعرف جميعا منذ أعوام أنه يمكن أن يكون هناك حل فقط في وجود روسيا وليس من دون وجودها". وفي زيارته الأخيرة إلى طهران أكد وزير الخارجية النمساوي سيباستيان كورتس، أن الأزمة السورية: "تحتاج إلى نهج عملي مشترك يتضمن مشاركة الأسد في التصدي لإرهاب تنظيم الدولة"، وأضاف: "في رأيي أن الأولوية لقتال الإرهاب، ولا يمكن أن يتحقق ذلك دون إشراك قوى مثل روسيا وإيران"، كما صرح وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل جارثيا مارجايو، من طهران كذلك، أن: "حكومة بشار الأسد، سواء رضينا بها أم لا، هي من تمتلك الشرعية الدولية، وهي من تملك مقعداً في الأمم المتحدة". وتزامن إعلان وزير الخارجية البريطاني أن بلاده مستعدة لبقاء بشار الأسد رئيساً في الفترة الانتقالية، مع تأكيد صحيفة "غارديان" البريطانية (29 سبتمبر 2015) أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قد أكد لأول مرة أن بريطانيا مستعدة للقبول ببشار أسد على رأس مرحلة انتقالية في سورية بهدف التوصل إلى اتفاق مع روسيا وإيران حول الملف السوري.

2.    التضييق على المعارضة السورية ووقف الدعم عنها: ففي شهر مارس الماضي قطعت واشنطن الدعم عن أربع فصائل، وخفضت المساعدات التي كانت تقدمها لنحو 12 كتيبة أخرى، ثم بادرت إلى إيقاف الدعم المالي عن 52 فصيلاً في الجبهة الجنوبية في نهاية شهر أغسطس، وأعلنت بعد ذلك عن مراجعتها لبرنامج "تدريب المعارضة المعتدلة" متهمة العناصر التي دربتها بتسليم أسلحة وعتاد أمريكي إلى "جبهة النصرة" في 21 سبتمبر، ثم عمدت إلى تعميق حالة الفراغ عبر إغلاق غرفة التنسيق المشتركة في الأردن "الموك"، في حين نشطت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في التضييق على ممولي الفصائل المعتدلة وإصدار قوائم بأسماء مطلوبين لملاحقتهم أمنياً في دول الجوار.

وعلى الرغم من التصريحات الأمريكية الرافضة لاستهداف المعارضة المعتدلة في 30 سبتمبر 2015؛ إلا أن الرئيس أوباما كان على علم مسبق بتفاصيل عمليات سلاح الجو الروسي، حيث أكد البيت الأبيض أن بوتين قد: "أوضح الموقف الروسي بصورة كاملة لأوباما"، وذلك في إشارة إلى مراسلات مفصلة أرسلتها موسكو إلى واشنطن في 29 سبتمبر تتضمن تفاصيل العمليات المرتقبة، ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول أمريكي قوله إن موسكو أعلمت واشنطن بالضربات قبل شنها، ومن الملفت للانتباه تزامن التصريحات الأمريكية الرافضة للقصف الروسي مع جلسات مفاوضات مكثفة عقدها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونائبته ويندي شيرمان مع الروس والإيرانيين للحديث عن: "سبل التعاون في الشأن السوري"!

الملامح الأولية للخطة الروسية

تتطلب عملية تشخيص مخاطر التدخل الروسي الاعتماد على معلومات دقيقة غير متأثرة بالشحن الإعلامي الغربي المصاحب للحملة، ومن خلال ما رشح من محاضر الاجتماعات التي عقدها المسؤولون الروس في موسكو ونيويورك خلال الأسبوعين الماضيين؛ يمكن تلخيص أهم معالم الخطة الروسية في سورية في النقاط التالية:

1.    إنشاء منظومة أمنية إقليمية جديدة

تجمع بين موسكو وطهران وبغداد ودمشق، وتنسق عملياتها مع تل أبيب، ففي مقابلة مع موقع (RT) الروسي، بتاريخ 2 أكتوبر 2015، أكد الفريق سيرغي كورالينكو ممثل روسيا الرسمي في "المركز المعلوماتي" ببغداد، أن المهمة الأساسية للمركز تتمثل في: "جمع وتحليل ومعالجة وتبادل المعلومات الجارية حول الوضع في منطقة الشرق الأوسط في سياق مكافحة ما يسمى "الدولة الإسلامية"، وللقيام بعدها بإيصال هذه المعلومات إلى هيئات الأركان في روسيا والعراق وإيران وسورية"، كما أكد وجود تنسيق كامل مع الإدارة الأمريكية، وأشار إلى وجود وثيقة تأسيسية تحدد نمط العلاقة بين الدول الأربع مرحباً بانضمام أية دولة أخرى إلى هذه الغرفة، قائلاً: "أود التأكيد على أن هذا المركز المعلوماتي لا يعتبر مخصصاً فقط لأربعة أطراف، وإنما نأمل أن ينضم لعملنا دول أخرى، والتي لها مصلحة في القضاء على داعش، ولذلك نحن مقتنعون بانضمام دول أخرى إلينا وسيصبح عملنا أكثر فاعلية"، وذلك في إشارة واضحة إلى التعاون الوثيق بين المركز المعلوماتي مع رئاسة الأركان الإسرائيلية وإمكانية انضمام تل أبيب إلى ذلك التحالف؛ حيث تزامن الحشد الروسي في سورية مع اجتماعات مكثفة بين رئيسي الأركان الروسي والإسرائيلي والاتفاق على إنشاء آلية لتنسيق العمليات بين موسكو وتل أبيب في المجالات: الجوية والبرية والبحرية والفضاء الإلكتروني تحت إدارة نائبي رئيسي أركان البلدين نيكولاي بوغدانوفسكي ويائير جولان، وتنفيذاً لتلك الاتفاقيات؛ فقد أكدت صحيفة "تايمز أو إسرائيل" أن موسكو قد أشعرت تل أبيب مسبقاً بجميع الأهداف التي كانت ستقصفها يوم الأربعاء 30 سبتمبر، وقبل نحو ساعة من قصف أهداف بحمص اتصلت موسكو مع عدد من الضباط الإسرائيليين منهم مستشار الأمن القومي يوسي كوهين وأخبرتهم بتفاصيل العملية الجوية قبل شنها.

2. توجيه ضربات ترجيحية لتعزيز وضع النظام في المناطق التي فقدها

في اجتماع عقد المقر الرئاسي في أوغاريوفو بالقرب من العاصمة الروسية يوم الإثنين 21 سبتمبر 2015؛ حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على طمأنة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والوفد الأمني والعسكري المرافق له بأن سلاح الجو الروسي لن يقوم بأية عمليات جنوب سورية، وأن موسكو ستنسق مواقفها مع تل أبيب، ولن تسمح لحزب الله بنقل أية أسلحة جنوب غربي سورية، وأكد بوتين للوفد الإسرائيلي أن العمليات العسكرية الروسية ستهدف إلى:

•    حماية النظام السوري وتعزيز قدراته القتالية.

•    دعم إيران للقيام بدور إيجابي في المنطقة بعد الاتفاق النووي.

•    مواجهة قوى التطرف متمثلة في تنظيم "داعش" وجبهة النصرة.

وبعد تحقيق هذه الأهداف أوضح بوتين أن قواته ستشرف على تنفيذ خطة انتقالية تتضمن: وقف إطلاق النار، وتأسيس حكم انتقالي يضم أطرافاً من السلطة والمعارضة، والإشراف على انتخابات بلدية ونيابية ورئاسية يختار فيها الشعب السوري من يمثله ويحكمه.
ولتحقيق هذه الخطة أكد بوتين للوفد الإسرائيلي على ضرورة تمكين الحكم في دمشق من إدارة المرحلة الانتقالية، مشيراً إلى أن القوات الروسية لا تنوي التمدد إلى دمشق، بل سيقتصر وجودها في اللاذقية حيث ستعمل على حماية الأقلية العلوية ومنع المعارضة من التقدم نحو جبال الأنصارية أو المناطق الساحلية.

وسربت مصادر مقربة من الموساد تفاصيل أخرى حول اللقاء تتعلق بمداخلات رئيس الأركان الإسرائيلي وقائد الأمن الفيدرالي الروسي، لمنع وقوع أي تضارب في الأهداف حيث ستركز الخطة الروسية على تمكين النظام من استعادة المناطق التي فقدها في الأشهر الماضية، وذلك من خلال توفير غطاء جوي للمرتزقة الإيرانيين في معارك تهدف إلى توطيد سيطرة النظام في دمشق والقلمون وحمص وريف حماة والريف الغربي لمدينة جسر الشغور.

وأشار المصدر إلى أن تفاصيل العمليات البرية قد تم وضعها في سلسلة زيارات متبادلة اجتمع فيها مساعد وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، مع حسين أمير عبد اللهيان في طهران، ولقاءات قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني مع الضباط الروس بموسكو، حيث يتوقع أن تنضم ميلشيات شيعية قريباً إلى قوات الأسد و"حزب الله"، لشن هجوم بري بإسناد جوي روسي.

3.    التمهيد لعملية تحول سياسي تحت إشراف النظام

بالتزامن مع الحشد العسكري بذلت الدبلوماسية الروسية جهوداً حثيثة للتسويق لخطة تحول سياسي حيث تحدث بوتين عن إمكانية تشكيل حكومة سورية موسعة تضم أطرافاً من المعارضة "المعتدلة" وتكليفها بترتيب انتخابات بلدية ونيابية ورئاسية بالتتابع، وتأكيده على أن: "الرئيس السوري بشار الأسد مستعد لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة ولاقتسام السلطة مع معارضة بناءة". وقال الرئيس الروسي على هامش المنتدى الاقتصادي الشرقي في فلاديفوستوك بأقصى شرق البلاد "نريد فعلاً إيجاد نوع من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب والتطرف"، وأضاف بوتين نحن نعمل مع شركائنا في سورية، وبشكل عام هناك تفاهم بأن توحيد الجهود في محاربة الإرهاب يجب أن يسير بالتوازي مع نوع من العملية السياسية في سورية نفسها. وأضاف بوتين إن "الرئيس السوري يتفق مع هذا وصولاً إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة وإجراء اتصالات مع ما يسمى المعارضة الصحية وإشراكهم في الحكومة".

وينسجم الطرح الروسي مع مبادرة أطلقها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف للبدء بحوار وطني سوري لا يقوم على أساس "جنيف 1" أو "جنيف 2"، بل ينطلق من مبدأ (6+1) ويشمل دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى إيران، ويقوم على أساس وقف جميع العمليات العسكرية ودعم الفصائل والميلشيات المقاتلة.

وينطلق ظريف من نجاح مفاوضات الملف النووي كنقطة ارتكاز بالإضافة إلى الضربات الترجيحية الروسية وتراخي مواقف بعض الدول الإقليمية والدولية فيما يتعلق برحيل بشار الأسد واعتقادهم بإمكانية توليه القيادة في مرحلة انتقالية للبلاد.

4.    ملء الفراغ الاستراتيجي الذي تركته أمريكا في المنطقة

تؤكد مصادر أمنية غربية بأن العملية الروسية قد جاءت كضربات استباقية تهدف إلى إفشال مخططات بعض القوى الإقليمية لفرض مناطق عازلة شمال وجنوب غربي البلاد، وهذا ما يفسر تكديس منظومات الدفاع الصاروخية المتطورة وسعيها لإنشاء منطقة عزل جوي ("A2AD" Anti-Access Area-Denial)، وتحذير قوى التحالف من خرق المجال الجوي السوري دون التنسيق مع موسكو.

وتأتي هذه العمليات ضمن خطة طويلة الأمد تهدف من خلالها موسكو إلى مد شبكاتها الصاروخية في المنطقة الممتدة ما بين طهران وبيروت مروراً ببغداد ودمشق، والسيطرة على أجواء المنطقة من خلال إنشاء شبكة دفاع جوي مع هذه الدول.

وفي مقابل سعي واشنطن إلى استدراج موسكو لعمل عسكري في سورية؛ يبذل الروس جهوداً حثيثة لتأسيس وجود بحري دائم في المياه الدافئة شرقي البحر الأبيض المتوسط، حيث تمكن هذه السياسة موسكو من صياغة تحالفات إقليمية جديدة في المنطقة والدخول بقوة في أسواق السلاح والطاقة.

وكانت صحيفة "واشنطن بوست" قد أشارت إلى أن خطاب أوباما في الأمم المتحدة، يوم الإثنين 28 سبتمبر 2015، يتضمن اعترافاً محزناً بالفشل؛ حيث حمل خطاب أوباما رسالتين: تتضمن الأولى إدراك الولايات المتحدة على مدى العقد الماضي أنه "لا يمكن فرض الاستقرار على أرض أجنبية"، وتؤكد الثانية على أن الإدارة الأمريكية: "مستعدة للعمل مع أي دولة، بما في ذلك روسيا وإيران، لحل الصراع في سورية".

5.    إنعاش سوق الصناعات العسكرية الروسية
تروج موسكو لنفسها في الآونة الأخيرة على أنها لاعب دولي يمكن الاعتماد عليه في احتواء إيران وحملها على الالتزام بالاتفاق النووي، ومنع النظام السوري من استخدام الأسلحة الكيميائية، والمساهمة الفاعلة في محاربة الإرهاب، ومنع انسياب الأزمة السورية خارج الحدود، والترويج لتقنيات الطاقة السلمية في الشرق الأوسط.

ومن خلال هذه الحزمة من المعطيات يعمل الكرملين على إنعاش الاقتصاد الروسي عبر استعادة مجاله في سوق السلاح الذي كانت تعتمد عليه الجمهوريات العربية المتداعية، فقد أكد نائب رئيس شركة "روس أوتوم نيكولاي سباسكي" الروسية أثناء لقاءه مع السفير الإيراني في موسكو أن شركته تعمل على بناء منشأتين نوويتين جديدتين جنوب إيران، وفي شهر فبراير الماضي وقع فلاديمير بوتين مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عقداً يقضي بقيام روسيا ببناء مفاعلات نووية في مصر، كما تتفاوض موسكو مع السعودية والإمارات والكويت والأردن على صفقات لتطوير الطاقة النووية، وكان أكبرها في 19 يونيو 2015 ، حيث التزمت موسكو بإنشاء 16 مفاعلاً نووياً للسعودية، كما تعمل وزارة الدفاع الروسية على إبرام صفقات ضخمة مع دول الخليج العربية في مجال تطوير سلاح البحرية ونظم الدفاع الجوية وتقنيات الطائرات بدون طيار، فضلاً عن العربات المدرعة وأنظمة الإشارة، وتتطلب مثل هذه الالتزامات العسكرية طويلة الأمد صياغة تحالفات أمنية وطيدة، ووجوداً فعلياً في المياه الدافئة شرقي البحر الأبيض المتوسط.

محدودية التدخل الروسي والفرص الكامنة

من خلال المحاولة التي بذلها الباحث أعلاه لتحديد النطاق النوعي والمكاني للعمليات الروسية-الإيرانية المرتقبة؛ لا بد من التأكيد على أن التوجهات الروسية تندرج ضمن خطة بشار أسد العسكرية بتقليص سيطرة قواته على "سورية المفيدة" المتمثلة في دمشق وحمص واللاذقية وطرطوس، وعلى أن محدودية التحرك الروسي تندرج في هذا الإطار؛ إذ إن 48 مقاتلة و6 دبابات و35 عربة مدرعة متمركزة في قاعدتي: "حميميم" الجوية و"طرطوس" البحرية، لا يمكن أن تنفذ عملية "احتلال" أو "اجتياح" للقطر السوري، خاصة وأن قوام القوات الخاصة وسلاح البحرية التي تم حشدها لا يتجاوز 1776 جندياً روسياً يعمل أغلبهم في مجال تقنيات الرصد والدفاع الجوي.

كما أن الضغوط الاقتصادية على موسكو تمنعها من شن حملة اجتياح بري واسع النطاق خارج البلاد، إذ إن عملية ضمّ شبه جزيرة القرم قد فاقمت من الضغوط الاقتصادية على روسيا التي باتت تعاني من: العزلة الدولية، وهبوط أسعار النفط، وتراجع قيمة الروبل، وارتفاع معدلات التضخم، وزيادة أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية إلى حد 30 في المائة.

ويجدر التنبيه إلى أن الدعم الروسي الأخير للنظام السوري ليس الأول ولا الأكبر من نوعه؛ فقد حصلت دمشق في السنوات الماضية على منظومات دفاع جوي متطورة، ومروحيات قتالية، وقامت موسكو بتطوير وتحديث أسراب طائرات "ميغ" و"سوخوي" منذ عام 2012؛ كما استلم جيش النظام في السنوات الأربعة الماضية كميات كبيرة من العربات المدرعة والمدفعية الثقيلة والدبابات المتطورة والذخيرة من مختلف الأعيرة، وكانت الاستخبارات الروسية تزود رئاسة الأركان في دمشق بأماكن تواجد المعارضة وسبل استهدافها، دون أن يغير ذلك من ترجح الميزان العسكري لصالح المعارضة أو يساعد على منع نظام بشار المتفكك من الانهيار.

وتشير مصادر أمنية مطلعة إلى أن التدخل الروسي الأخير قد جاء عقب معلومات مؤكدة بأن النظام السوري على وشك السقوط، حيث تقلصت سيطرته على البلاد إلى نحو 18 بالمائة، في حين استنفذ جيشه 93 بالمائة من مخزونه من الصواريخ، ولم يعد قادراً على استعادة سيطرته أو إرجاع أي منطقة فقدها في الأشهر الماضية، ودفعت هذه الهزائم بشار نحو التفكير باستخدام مخزونه من الأسلحة الكيميائية المتبقية لحماية العاصمة من الثوار الذي أحرزوا تقدماً ملحوظاً في الأسابيع القليلة الماضية.

ولا يتوقع أن تسفر عمليات شحن المزيد من قطعان المرتزقة الشيعة إلى الأراضي السورية بتغيير فعلي؛ إذ إن التقارير العسكرية تؤكد فشل سياسة الحشد الطائفي التي يقوم بها قاسم سليماني بسبب قصر فترة تدريب هذه القوات على ستة أسابيع في مخيمات، وعجز هؤلاء المقاتلين عن المواجهة، وتشير المصادر إلى أن المبادرة الإيرانية-الروسية الأخيرة تأتي كمحاولة لوقف الاستنزاف المالي الذي تعاني منه طهران بعد أن أنفقت نحو 40 مليار دولار لإنقاذ نظام بشار، وتوجهها للتركيز على تحسين وضعها الاقتصادي عقب الاتفاق النووي الذي أبرمته مع الدول الغربية، إضافة إلى إدراك الحكم في طهران أن قدرتها على دعم بشار لا بد وأن تنضب في ظل الخسائر الكبيرة التي يعاني منها نظامه.

وتأتي أنباء حشد إيران للمزيد من المرتزقة على خلفية إنهاك "حزب الله" وتكبده نحو 1800 قتيل و3000 جريح منذ تدخله في سورية، واضطراره لعقد الهدن مع المعارضة حتى يتمكن من استعادة معنويات قواته المنهارة، مما يؤكد على أن العمليات المرتقبة ستكون محدودة بإطار زمني لا يتعدى شهرين، وستنحصر في إطار القيام بضربات ترجيحية تحاول استعادة توازن النظام في المناطق التي فقدها في المعارك الأخيرة، وستشنها قوات منهكة سبق وأن انكسرت في معارك سابقة مع المعارضة.

وفي ظل هذه المعطيات؛ يؤكد المسؤولون الروس على أن الهدف من العملية العسكرية يقتصر على: ترجيح كفة النظام، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، والبدء في مفاوضات المرحلة الانتقالية، وذلك في ظل إدراك الكرملين أنه من غير الواقعي محاولة القضاء على عشرات آلاف المقاتلين الذين يتمتعون بأفضلية القتال على أرضهم، ويستفيدون من تحول الاستراتيجية العسكرية لجيش النظام إلى "الدفاع" وفقدانه عنصر المبادرة، وضعف الكفاءة القتالية للميلشيات التابعة لإيران، وذلك في مقابل توحد فصائل المعارضة واعتمادها تكتيكات قتالية متطورة، وتحقيقها اختراقات غير مسبوقة في حروب المدن من خلال المواكبة ما بين العمليات النوعية ضد التحصينات الخارجية، وتوظيف القصف الصاروخي عالي الدقة لاستهداف نقاط الأمن الداخلية.

نتائج وتوصيات

وللتعامل مع مخاطر الحشد الروسي وعملياته المرتقبة يتعين على المعارضة أن تبادر إلى اتخاذ الإجراءات التالية:

أ‌.    تبني سياسة "الكمون الاستراتيجي": والذي يتمثل في امتصاص الضربات المبدئية، واستيعاب عنصر المفاجأة من خلال رصد التحركات واستقراء نمط العمليات المعادية، وتجنب استدراجها في مواجهات غير متكافئة في هذه ا لفترة الحاسمة.

ب‌.    تنفيذ استراتيجية "إعادة التموضع": لتشتيت إحداثيات غرفة العمليات المشتركة ببغداد، وذلك من خلال عدة صيغ أبرزها: "الانتشار الكيفي"، وتجنب التجمعات، وشن حرب العصابات، وتنفيذ العمليات الخاصة، والمبادرة إلى "إعادة التشكيل".

ت‌.    إنشاء "غرفة عمليات سورية مشتركة": حيث تمثل عملية إغلاق غرفة العمليات المشتركة في الأردن "الموك" فرصة سانحة لإنشاء غرفة عمليات سورية تعزز مفاهيم الأمن الوطني، وتمنح فصائل المعارضة ما تحتاجه من شخصية اعتبارية في المعادلة الإقليمية، وذلك من خلال تبني استراتيجيات "إدارة الأزمة"، واتباع وسائل احترافية لتبادل المعلومات، ورسم الخطط، وتقدير الموارد المطلوبة، وتوظيف مصادر القوة الكامنة بمختلف أبعادها، ووضع ذلك في إطار قالب تطبيقي يستوعب التحولات الإقليمية والدولية وآليات توظيفها في إفشال خطة التدخل الخارجي.

ث‌.    إعداد خطة للمحافظة على "المكتسبات الاستراتيجية": عبر تحديد الأولويات، وتنفيذ عمليات الإخلاء، وتنسيق خطط الكر والفر، وإعادة التشكل في إطار المحافظة على البؤر الاستراتيجية التي اكتسبتها المعارضة، ومن ثم التوسع في مناطق "الخاصرة الرخوة" التي لا تصل إليها ميلشيات المرتزقة ولا تطالها عمليات القصف الجوي.

ج‌.    التركيز على العمليات النوعية والضربات الموضعية في المناطق الآمنة للنظام: وذلك من خلال شن عمليات نوعية تطال النظام في مقراته الآمنة وتستثمر مشاعر السخط في صفوف خزانه البشري الذي يتنامى سخطه من قيادة بشار، وخاصة في قلب العاصمة ومحيطها، فضلاً عن محاولة نقل المواجهات إلى مناطق متفرقة في محافظتي اللاذقية وطرطوس.

ح‌.    إعادة صياغة التحالفات الإقليمية: حيث يحاول تحالف (موسكو-طهران-بغداد-دمشق) توظيف "فراغ المجال" الغربي -عسكرياً وأمنياً- لفرض عزلة على بعض القوى الإقليمية وعلى رأسها الرياض وأنقرة، ولا شك في أن الاستفادة من هذه القوى كداعم يتجه نحو التحلل من بعض القيود والالتزامات الدولية، والتعامل معه كظهير دبلوماسي يتحدث بقوة في الأروقة الدولية، دون التقليل من قدرة الكوادر السورية التي أنتجتها الأزمة على رفد الساحة بأطروحات جديدة في مقابل ترهل الدبلوماسية الدولية، والدفع نحو مبادرة تقوم على التخطيط السليم والتشكيل البنيوي المتوافق مع متطلبات المرحلة.

خ‌.    الإعداد لخطة تحول سياسي تحظى بإجماع وطني: تنطلق من منظور وطني وترتكز على مفاهيم الاحترافية والانضباط وتعمل على توفير الاحتياجات الأساسية للشعب السوري، وتفهم المتطلبات الأمنية لدول الجوار، والأخذ بزمام المبادرة للتقدم بمبادرة وطنية جامعة على أنقاض الدكتاتورية المتهاوية.

التصنيف أوراق بحثية

يحلّل الخطاب الدولي الذي يتدثّر بعبارة الحل السياسي ولكنه لا يقدّم مداخل عملية تحظى بصدقية لدى الشعب ولا تدعم وجود نظام دمشق.

التصنيف أوراق بحثية

تعاني السياسات الأمريكية والروسية اضطراباً في السلوكيات وبراغماتيةً في الغايات والطموحات الدولية تجاه المشرق العربي بحكم العامل المحلي لكل منهما، وقد أفرزت هذه السياسات جنباً إلى جنب مع المتغيرات الدخيلة ذات التداعيات الجيوسياسية تسارعاً وسيولة في الأحداث، الأمر الذي يجعل قوى المعارضة السورية تبحث عن فرص كامنة من شأنها تحسين تموضعها السياسي والعسكري

التصنيف الدراسات