التقارير

مُلخّصٌ تنفيذيّ

  • يرصد هذا التقرير عمليات الاغتيال المُنفَّذة ضمن مناطق الشمال السوري، خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني/يناير وحتى حزيران/يونيو، والتي بلغ عددها 70 عملية، خلّفت 263 ضحية بين قتيل وجريح.
  • توضّح عملية الرصد ضمن مختلف المناطق، استخدام أدوات متعددة في تنفيذ الاغتيالات، إذ نُفذّت 49 عملية عن طريق العبوات الناسفة، بينما استخدم الطلق الناري في 21 عملية.
  • ما زالت طبيعة العمليات في ريف حلب الشمالي الغربي، تتراوح بين عمليات انتقائية استهدفت أشخاصاً بعينهم، وأُخرى عشوائية استهدفت مجموعات عسكرية وسط تجمعات مدنيين، وعمليات استهدفت تجمعات مدنية خالصة كالأسواق.
  • سجَّلت مناطق "درع الفرات" أكبر نسبة اغتيالات خلال الرصد قياساً بباقي المناطق، فيما سجّلت منطقة "نبع السلام" أعلى نسبة للضحايا المدنيين، نتيجة طبيعة العمليات وأدوات التنفيذ المستخدمة فيها.
  • سجّلت مناطق إدلب وما حولها انخفاضاً طفيفاً في معدل الاغتيالات، مقابل تعدد الجهات المُستَهدَفة والمُنفِّذة، وسط بيئة أمنية مُعقّدة. اعتمدت فيها أغلب العمليات على الطلق الناري والعبوات الناسفة، واستهدفت قياديين عسكريين وفاعلين مدنيين.
  • يَلحَظ التقرير الحالي استمرار وتيرة العمليات ضد القوات التركية، في مختلف مناطق انتشارها ضمن الشمال الغربي، مما يشير إلى أن استهداف التواجد التركي في سورية عبر العمل الأمني بات يتصاعد بشكل ممنهج ومدروس.
  • تُظهر البيانات المرصودة، نشاطاً واضحاً لـ "قوات تحرير عفرين" في مناطق "درع الفرات" وعفرين تحديداً، عبر التبني العلني لعمليات الاغتيال المُنفّذة في تلك المناطق.
  • إن معدل الاغتيالات وطبيعة أهدافها، لا يعدّان مؤشراً إلى عجز التشكيلات الأمنية لـلقوى المسيطرة على ضبط الأمن والاستقرار بالنسبة للمدنيين فحسب، وإنما يؤشّران إلى ضعف قدرتها على تأمين وحماية عناصرها أيضاً.
  • تفيد القراءة العامة للبيانات، بالمزيد من ضعف الحالة الأمنية في جميع المناطق المرصودة ضمن الشمال السوري، مقابل ضعف قدرة القوى الفاعلة وتعثرها في الحد من هذه العمليات، التي تسهم في تراجع مؤشرات الأمن والاستقرار على مختلف المستويات.

مدخل

تشهد مناطق الشمال السوريّ خرقاً أمنياً واضحاً، تتجلى أبرز جوانبه في وتيرة عمليات الاغتيال المستمرة ومعدلاتها المرتفعة، والتي تعد مؤشراً هاماً على تدهور حالة الاستقرار الأمني وتدني القدرة على ضبطها من قبل القوى المسيطرة، خاصة مع ازدياد محاولات الاغتيال ضمن تلك المناطق وتعدد دوافعها ومُنفذيها واختلاف أساليبها، وسط تجدد قصف النظام وحلفائه لبعض تلك المناطق، ما يزيد من تعقيد الوضع الأمني والقدرة على ضبطه.

وتتصف عمليات الاغتيال بالسريّة عادة لناحية الجهة المنُفِّذة، إلا أن هناك نسبة كبيرة من تلك العمليات ضمن مناطق سيطرة الفصائل المعارضة تتبناها جهات محددة بشكل علني كـ "قوات تحرير عفرين ([1])" و"تنظيم الدولة"، في اختراق أمني واضح وصريح لتلك المناطق. وبالرغم من اختلاف وتيرة ومعدل عمليات الاغتيال من منطقة إلى أخرى ضمن الشمال السوري؛ إلا أنها تتقاطع في الإشارة إلى التراجع العام لمؤشرات الاستقرار الأمني.

وفي متابعة لملف الاغتيالات ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة في الشمال السوري؛ صَمّمَتْ وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات، نموذجاً خاصاً لرصد تلك العمليات وتحليل البيانات المتعلقة بها، كمؤشرات للاستقرار الأمني ([2]). ضمن تقرير دوريّ يرصد وتيرة عمليات الاغتيال، موضّحاً نتائجها، وما أسفرت عنه، مقابل الجهات المُنفّذة -إن عُلِمت -وكذلك الجهات المُستَهدَفة. كما يسعى التقرير إلى تحليل تلك البيانات ومقاطعتها بين مختلف المناطق، في محاولة لرسم الملامح العامة للوضع الأمنيّ وقياس أوليّ لمؤشرات الاستقرار.

وعليه، يرصد هذا التقرير عمليات الاغتيال ضمن مناطق عدة في الشمال السوري، منها: ريف حلب الشمالي، الذي شكّل نطاق العمليات العسكرية: "درع الفرات" و"غصن الزيتون". مقابل مدينتي تل أبيض ورأس العين "نبع السلام" في الشمال الشرقي، إضافة إلى ما تبقى من محافظة إدلب وريف حلب شمال غربي سورية. وذلك خلال الفترة الممتدة ما بين (كانون الثاني/يناير وحزيران/يونيو 2022)، إذ بلغ عددها 70 محاولة اغتيال، خلّفت 263 ضحية. وتوضّح البيانات انخفاضاً طفيفاً في معدل الاغتيالات، مقارنة بالتقرير السابق، الذي أصدره مركز عمران: (الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من تموز حتى كانون الأول 2021)، والتي بلغت 73 عملية، خلّفت 322 ضحية ([3]).

وقد توزعت عمليات الاغتيال الـ 70 المرصودة ضمن التقرير الحالي، بحسب الأشهر، على الشكل التالي: 13 محاولة اغتيال خلال شهر كانون الثاني/يناير، في حين بلغت خلال شباط/فبراير 12 محاولة، فيما سُجِّلت 11 محاولة خلال أذار/مارس، وشهد نيسان/أبريل 13 محاولة، بينما بلغت في أيار/مايو 12 محاولة، لتنخفض في حزيران/يونيو إلى 9 محاولات. ويسعى التقرير بعد رصد تلك العمليات، إلى دراستها وتحليلها واستعراضها بحسب مناطق السيطرة، والجهات المُستَهدَفة والمُنفِّذة، وطبيعة أداة التنفيذ، ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها، مقابل أثرها على مستوى الأمن والاستقرار في المنطقة.

أولاً: "درع الفرات" (كثافة عمليات)

تُظهر عملية الرصد الخاص بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي "درع الفرات"، بلوغ معدل عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 23 عملية (الشكل 1)، نُفِّذَت 7 منها عبر الطلق الناري، وأسفرت عن سقوط 20 ضحية، إذ حققت 4 عمليات من 7 غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، فيما فشلت 3 عمليات في تحقيق هدفها. أما بالنسبة للجهة التي تقف وراء تنفيذ تلك العمليات، فتشير البيانات إلى تنفيذ "قوات تحرير عفرين" لـمحاولتين ([4]). كما نُفِّذت محاولة وحيدة من قبل خلايا تنظيم "الدولة الإسلامية" في المنطقة ([5]). في حين بقيت المحاولات الـ 4 مجهولة المُنفِّذ. وكانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك الاغتيالات بواقع 5 عمليات، مقابل عمليتين استهدفت كوادر شرطة مدنية.

بالمقابل، نُفِّذَت 16 من 23 عملية عبر العبوات الناسفة، مخلّفةً بمجموعها 67 ضحية (44 قتيلاً، 23 جريحاً)، منهم 23 مدنياً مقابل 37 من عناصر "الجيش الوطني"، إضافة لـ 7 من عناصر الجيش التركي (الشكل 2). واستهَدَفَت أغلب تلك العبوات شخصيات أو مجموعات عسكرية وسط تجمعات المدنيين، إضافة إلى استهداف تجمعات مدنية خالصة، كما استُهدِفَ عناصر الجيش التركي المتواجدين في المنطقة بمحاولتين. وقد تبنّت "قوات تحرير عفرين" تنفيذ 4 عمليات ([6])، لتبقى 12 عملية من مجمل عمليات العبوات الناسفة والمفخخات مجهولة المُنفِّذ.

 

 

يتضح من خلال أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي، انخفاض في معدل عمليات الاغتيال مقارنة بالتقرير السابق، الذي أصدره مركز عمران وغطى الفترة الممتدة من تموز وحتى كانون الأول 2021، إذ سجّل التقرير السابق 31 عملية اغتيال في تلك الفترة، في حين رصد التقرير الحالي 23 عملية.

بالمقابل، تُبيّن الأرقام انخفاضاً في معدل عدد الضحايا، مقارنة بالتقرير السابق، الذي سجّل 166ضحية، بينما بلغ مجموع عدد الضحايا خلال فترة الرصد الحالية 87 ضحية. ويُعزى ذلك إلى انخفاض معدل العمليات من جهة، مقابل اختلاف أهدافها وأدوات التنفيذ المستخدمة فيها من جهة أخرى، والتي اعتمدت بنسبة 69% على العبوات الناسفة، التي استهدف أغلبها شخصيات عسكرية/مدنية بعينها وسط تجمعات مدنيين، إضافة لاستهداف تجمعات مدنية خالصة. ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 34%، مقابل 55% من عناصر "الجيش الوطني"، و11% من عناصر الجيش التركي (الشكل 3).

  

أما بالنسبة للجهات المُنفِّذة، فيُلحظ من البيانات، تبني "قوات تحرير عفرين" لـ 26% من العمليات. مقابل إعلان مسؤولية تنظيم "الدولة الإسلامية" عن 4% من العمليات المرصودة، في حين بقيت 70% من عمليات الاغتيال مجهولة المُنفِّذ. الأمر الذي يشير إلى، استمرار تردي الواقع الأمني وضعف قدرة الجهات المسيطرة على تتبع تلك العمليات والكشف عن منفذيها والحد منها.

ووفقاً للبيانات الخاصة برصد المنطقة؛ فإن الواقع ما يزال يشير إلى اتساع الخرق الأمني، مقابل عدم تقدم القوى المسيطرة في ضبطه وتضييق حجم هذا الخرق، خاصة في ظل اتهامات لأطراف وجهات عدة بالسعي إلى زعزعة الأمن والاستقرار، وتقاطع مصالحها في ذلك؛ كحزب الاتحاد الديمقراطي"PYD" وخلاياه النشطة في المنطقة، التي يعدونها امتداداً للنفوذ التركي، ومن فيها "أهدافاً مشروعة"! إضافة إلى النظام الذي يسعى إلى زعزعة أمن المنطقة وإفشال أي نموذج أمني/حوكمي فيها.

ثانياً: عفرين (تبنٍّ علنيّ)

من خلال رصد وتحليل البيانات لعمليات الاغتيال الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها من المناطق، يتضح أنها شهدت بالعموم: 13 عملية اغتيال خلال 6 أشهر من الرصد، أسفرت عن 40 ضحية بين قتيل وجريح. وقد نُفِّذَت 5 عمليات من مجموع العمليات الـ 13 عبر الطلق الناري، حققت 3 منها غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، بينما فشلت في محاولتين. وكان 9 من عناصر "الجيش الوطني" هدفاً للعمليات الـ 5، والتي تبنّت تنفيذ محاولتين منها "قوات تحرير عفرين"، فيما بقيت 3 محاولات مجهولة المُنفِّذ. إذ اُستُهدِفَت في إحدى العمليات سيارة تقل قائد ميداني و2 من مرافقته من "الجيش الوطني"، ما أدى إلى مقتلهم جميعاً.

بالمقابل، وبحسب البيانات المرصودة، نُفِّذت 8 عمليات من مجمل العمليات الـ 13 عبر العبوات الناسفة (الشكل 4)، والتي استَهدَفَت عناصر ومجموعات لـ "الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، في حين استَهدَفَت عبوات أخرى عناصر للجيش التركي المتواجد في المنطقة، وتجمعات مدنية خالصة. ما أدى إلى وقوع 31 ضحية (17 قتيلاً و14 جريحاً) (الشكل 5). موزعين بين: 12 مدنياً، و10من عناصر "الجيش الوطني"، مقابل 9 من عناصر الجيش التركي. وقد تبنّت "قوات تحرير عفرين" 4 من مجموع عمليات العبوات الناسفة، فيما بقيت الـ 4 محاولات الأخرى مجهولة المُنفِّذ.

تُبيّن أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها انخفاضاً طفيفاً في معدل عمليات الاغتيال، مقارنة بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران، وغطى الفترة الممتدة من تموز وحتى كانون الأول 2021. إذ سجّل التقرير السابق 14 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 13 عملية. ولعلّ هذا الانخفاض الطفيف في معدل عمليات الاغتيال، أدى إلى انخفاض نسبة الضحايا، فقد بلغت خلال أشهر الرصد الحالي 40 ضحية، في حين سجّل التقرير السابق 95 ضحية. وقد يُردّ ذلك إلى اختلاف الأهداف وأدوات التنفيذ في أغلب العمليات الحالية، حيث اعتمدت بنسبة 38% منها على الطلق الناري، بينما اعتمد 62% منها على العبوات الناسفة، التي استهدفت شخصيات عسكرية بعينها، وأخرى استهدفت مجموعات عسكرية وسط تجمعات مدنيين، مقابل عمليات استهدفت تجمعات مدنية. وقد شكّلت نسبة المدنيين من الضحايا 39%، مقابل 32% من عناصر "الجيش الوطني"، و29% من عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة (الشكل 6).

  

بالمقابل، يُلحَظ من خلال البيانات نشاط واضح لـ "قوات تحرير عفرين"، فقد تبنّت تنفيذ 46% من مجمل عمليات الاغتيال في المنطقة، إذ يبدو أنها تركّز عملياتها ونشاطها الأمني في عفرين ومناطق "درع الفرات". بينما بقي 54% من مجموع العمليات مجهولة المُنفِّذ. وقد استهدفت تلك العمليات في أغلبها عناصر "الجيش الوطني"، الذين تحولوا إلى أهداف متحركة داخل مدينة عفرين، سواء على المستوى الفردي عبر تصفية أفراد بعينهم، أم على مستوى جماعي عبر استهداف مجموعاتهم العسكرية. وغالباً ما يتم هذا الاستهداف وسط تجمعات مدنية، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين. وتنسجم طبيعة تلك العمليات مع الرؤية المعلنة لقوات "تحرير عفرين"، والتي تعتبر المنطقة "امتداداً للنفوذ التركي" وتنظر للمقاتلين المحليين والعوائل المهجّرة بالإطار ذاته، وبالتالي تكثّف من عملياتها وتشرعنها تحت هذا الغطاء، دون تمييز بين مدني وعسكري.

بالمقابل، فإن حركة الاغتيالات في عفرين والتبني الواضح لها، يتناسب طرداً مع مستوى القدرة الأمنية للجهات المُسيطرة، فعلى الرغم من تسجيل مناطق "درع الفرات" نسبة أكبر بعمليات الاغتيال (23)، بينما في عفرين ومحيطها (13)؛ إلا أن ذلك لا يعني اختلافاً كبيراً في مستوى الضبط الأمني، خاصة وأن أغلب العمليات التي نُفِّذَت في عفرين كانت "نوعيّة"، ناهيك عن تبني أغلبها بشكل علني من قبل ما تدعى "قوات تحرير عفرين"، وتصاعد نشاطها بشكل يشير إلى ارتفاع مستوى تلك العمليات وتوسيع دائرة أهدافها. مقابل عدم إحراز تقدم كبير على مستوى الضبط الأمني من قبل الجهات المسيطرة. 

ثالثاً: "نبع السلام" (ارتفاع ملحوظ)

يشير الرصد الخاص بمنطقتي رأس العين وتل أبيض، واللتين شكلتا نطاق العملية العسكرية "نبع السلام"، إلى بلوغ عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 13 عملية اغتيال، أسفرت عن 69 ضحية بين قتيل وجريح، نُفِّذَت عمليتان منها عبر الطلق الناري، أسفرتا عن ضحيتين، وحققت إحداهما غايتها في تصفية الجهة المستهدفة (الشكل 7). في حين كانت العبوة الناسفة أداة لتنفيذ 11 عملية، استهدفت عناصر ومجموعات "الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، بينما استهدفت أخرى جهات مدنية، ما أدى إلى وقوع 67 ضحية بين قتيل وجريح (الشكل 8)، 40 منهم من المدنيين، و27 من عناصر "الجيش الوطني". حيث كانت الجهات المدنية هدفاً لتلك العبوات في 5 محاولات، فيما استهدفت 6 محاولات عناصر من "الجيش الوطني".

 

ويتضح من خلال البيانات الخاصة بمدينتي رأس العين وتل أبيض "نبع السلام"، ارتفاعاً ملحوظاً في وتيرة عمليات الاغتيالات، قياساً بالتقرير السابق، والذي سجّل 6 عمليات اغتيال، في حين سجّل التقرير الحالي 13 عملية. بالمقابل يُلحظ ارتفاع في معدل ضحايا تلك العمليات، قياساً بالتقرير السابق، والذي سجّل وقوع 20 ضحية بين قتيل وجريح، في حين رصد التقرير الحالي وقوع 69 ضحية بين قتيل وجريح. ويُعزى ذلك من جهة إلى الارتفاع الواضح في معدل عمليات الاغتيال عن سابقتها في التقرير الفائت، ومن جهة أخرى إلى تغيير نوعية الأهداف وأدوات التنفيذ، حيث نُفِذَت 11 من 13 عملية عبر العبوات الناسفة، التي استهدفت تجمعات مدنية متوسطة الكثافة أو عناصر من "الجيش الوطني" وسط تجمعات مدنية. ما أدى إلى وقوع عدد من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 61%، في حين شكّلت نسبة عناصر "الجيش الوطني" 39% (الشكل 9).   

 

أما بالنسبة للجهات المُنفِّذة، فعلى الرغم من عدم وجود تبنٍ علني لتلك العمليات، إلا أن مصادر جمع البيانات تشير إلى اتهامات لخلايا حزب العمال الكردستاني "PKK" في الضلوع بأغلب تلك العمليات، خاصة وأن طبيعة العمليات لا تختلف عن سابقاتها في مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، من ناحية الأهداف والأدوات وأساليب التنفيذ، الأمر الذي يشير إلى ارتفاع مستوى العمليات الأمنية من جهة، وقد ينذر بازديادها من جهة أخرى.  

ومن خلال الأرقام السابقة لمختلف المناطق المرصودة، يتضح أن مناطق سيطرة "الجيش الوطني" في ريف حلب الغربي "درع الفرات" الأكثر تردياً أمنياً، قياساً بمناطق (عفرين، تل أبيض، رأس العين). وذلك لناحية ارتفاع وتيرة الاغتيالات واتساع الخرق الأمني وتعدد الجهات المُنفِّذة واختلاف مصالحها وارتباطاتها، مقابل ضعف قدرة القوى المُسيطرة على ضبط الأمن وتضييق حجم هذا الخرق.

ولعلّ ارتفاع معدل العمليات إلى هذا الحد لا يُعدُّ مؤشراً على عجز التشكيلات الأمنية لـ "الجيش الوطني" على ضبط الأمن والاستقرار بالنسبة للمدنيين فحسب، وإنما ضعف قدرتها أيضاً على تأمين وحماية عناصرها. وهذا ما تدلل عليه طبيعة تلك العمليات الممتدة إلى مختلف مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، والتي شهدت عمليات اغتيال لا تختلف كثيراً عن سابقتها، لناحية طبيعتها والجهات المُنفِّذة والمُستَهدَفة. بالمقابل، يُلحَظ خلال فترة الرصد الحالية ازدياد استهداف القوات التركية المتواجدة في الشمال على اختلاف مناطقه، حيث تم استهدافهم في منطقة "درع الفرات" وعفرين وكذلك في إدلب كما ستوضح البيانات اللاحقة. وذلك بشكل يشير إلى تصاعد هذا الاستهداف بشكل ممنهج ضمن مختلف مناطق انتشارهم.  

ومهما اختلفت دوافع تنفيذ تلك العمليات والجهات التي تقف وراءها؛ فإن الحد منها وتحمُّل مسؤولية نتائجها يقع في النهاية على عاتق القوى والتشكيلات العسكرية والأمنية المُسيطرة في تلك المناطق، سواء "الجيش الوطني" أم القوات التركية.

رابعاً: إدلب وما حولها (عمليات انتقائية)

بحسب البيانات المرصودة، يتضح أن عدد عمليات الاغتيال فيما تبقى من محافظة إدلب وما حولها بلغ 21 عملية، خلال 6 أشهر من الرصد، حققت 8 عمليات منها غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، بينما فشلت 13 محاولة في ذلك بعد نجاة الطرف المُستَهدَف. وقد أسفَر مجموع العمليات عن 67 ضحية، منهم 29 قتيلاً و38 جريحاً.

أما بالنسبة لأدوات التنفيذ، فقد اعتمدت 7 عمليات اغتيال على الطلق الناري، نجحَت 5 منها في تصفية الهدف، بينما فشلت عمليتين في ذلك، وأسفر مجموع عمليات الطلق الناري عن 21 ضحية، بينهم 13من عناصر هيئة "تحرير الشام" وقيادي في "تنظيم الدولة". مقابل 3 من عناصر "الجبهة الوطنية للتحرير" بينهم قيادي أيضاً. بينما نُفِّذَت 14 عملية عن طريق العبوات الناسفة، أسفرت عن 46 ضحية، منهم عنصر من الجيش التركي المتواجد في المنطقة، مقابل 31 مدنياً، و6 من عناصر "الجبهة الوطنية للتحرير"، و8 من عناصر هيئة "تحرير الشام" (الشكل 10).

ومن مُجمل عمليات الاغتيال الـ 21، استُهدِف عناصر هيئة "تحرير الشام" بواقع 4 عمليات، مقابل عملية إنزال جوي وحيدة استهدفت قيادي في "تنظيم الدولة". في حين تم استهداف عناصر الجبهة "الوطنية للتحرير" بـ 5 محاولات أيضاً، فيما استُهدِفَت الجهات المدنية بواقع 10 عمليات، كما تم استهداف الجيش التركي في محاولة وحيدة (الشكل 11). أما بالنسبة للجهة التي تقف وراء تلك العمليات، فقد تبنّت القوات الأمريكية محاولة وحيدة من مجموع المحاولات استهدفت قيادي في تنظيم "الدولة الإسلامية"([7])، في حين بقيت المحاولات الـ 20 الأخرى مجهولة المُنفِّذ، حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.

ويتضح من خلال بيانات الرصد الخاصة بمناطق إدلب وما حولها، انخفاض طفيف في معدل عمليات الاغتيال، قياساً بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران، وغطى الفترة الممتدة من تموز وحتى كانون الأول 2021. إذ سجّل التقرير السابق 22 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 21 عملية. كما تشير البيانات إلى تعدد الجهات محل الاستهداف، فقد كانت الجهات المدينة الأكثر استهدافاً خلال فترة الرصد الحالي بمعدل 48% من مجموع العمليات. بينما استُهدِفَت فصائل جهادية بمعدل 24%، وبذات النسبة استُهدِفَت الجبهة "الوطنية للتحرير"، في حين كان عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة هدفاً في 4% من عمليات الاغتيال المُنفَّذة خلال فترة الرصد.

ورغم تعدد أدوات تنفيذ عمليات الاغتيال؛ إلا أن الجزء الأكبر من تلك العمليات كانت انتقائية، فقد اعتمدت بنسبة 33% منها على الطلق الناري، مقابل 67% اعتمدت العبوة الناسفة كأداة للتنفيذ، مستهدفة أشخاصاً بعينهم بطريقة غير عشوائية، سواء بالنسبة للعسكريين أم للمدنيين، ما أدى إلى وقوع ضحايا إضافيين ضمن محيط التفجير، أو من مرافقي الشخصية المُستَهدَفة. إذ بلغت نسبة الضحايا المدنيين 67%. مقابل 17% من مجموعات جهادية، في حين شكّلت نسبة الجبهة "الوطنية للتحرير" 13%، و3% من عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة. (الشكل 12).

  

وتشير طبيعة العمليات وأدوات التنفيذ المستخدمة ضمنها، إلى اختلاف واضح في طبيعة الاغتيالات المُنفّذة في إدلب عن باقي مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، والتي تغلب عليها العمليات العشوائية بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، بينما تبدو العمليات في إدلب أكثر انتقائية باتجاه تصفية شخصيات مدنية وعسكرية محددة، وذلك ضمن بيئة معقدة أمنياً، ومتعددة اللاعبين ذوي المصالح المتضاربة.

خاتمة

 تفيد القراءة العامة لهذا التقرير بما يحمله من أرقام وبيانات عن عمليات الاغتيال، باستمرار ضعف الحالة الأمنية في جميع المناطق المرصودة ضمن الشمال السوري، وضعف قدرة القوى الفاعلة وتعثرها في الحد من تلك العمليات، التي تسهم في تراجع مؤشرات الأمن والاستقرار على مختلف المستويات.

وعلى الرغم من محاولات بعض الفصائل والتشكيلات العسكرية المعارضة تطوير أدواتها في ضبط الأمن، من خلال أجهزة الشرطة والشرطة العسكرية، وازدياد أعداد المنتسبين لتلك الأجهزة، وتخريج عدد من الدورات؛ إلا أنها ما تزال غير قادرة على الحد من تلك العمليات، ولا تملك قدرة الوصول إلى مُنفّذيها، الأمر الذي يستدعي إعادة هيكلة تلك الأجهزة، ورفع مستوى التدريب الخاص بعناصرها، ورفدهم بكافة التجهيزات اللوجستية والتقنية التي تساعد في الحد من تلك العمليات. إضافة إلى رفع مستوى التنسيق الأمني بين المناطق المختلفة، وتشكيل لجان أمنية مشتركة للتنسيق بين تلك المناطق من جهة، وإعادة هيكلة آليات التنسيق الأمني بين الجانبين التركي والسوري من جهة أخرى، خاصة مع وجود عوائق إدارية تحول دون الوصول للشكل الأمثل لهذا التنسيق، وبالتالي تسهم بشكل مباشر وغير مباشر بتوسيع هامش الخرق الأمني.

مقابل كل ذلك، لا بد من الدفع بإشراك المجتمع المحليّ والتنسيق مع فعالياته ومؤسساته المدنيّة في هذا الإطار، والسعي لتجسير أي هوة بين تشكيلات قوى الأمن الداخلي والمجتمعات المحلية العاملة ضمنها، بما يُسهّل مهمتها ويعزز من حالة الأمن، ويرفع المسؤولية بأهميتها للجميع، وبشكل يسهم في تأمين بيئة أمنيّة مناسبة لنشاط المؤسسات المدنية.

إضافة لذلك، من المهم أن تعمل القوى الأمنية والعسكرية المسؤولة عن تلك المناطق، على التعاطي مع الاغتيالات والتفجيرات بشفافية أعلى، عبر إعلان بيانات وأرقام رسميّة عن طبيعة تلك العمليات والمسؤولين عنها ونِسب العمليات التي نُفِذّت مقارنة بالمحاولات التي تم إحباطها قبل وقوعها. وذلك بشكل دوري يوضَح وتيرة الاغتيالات والجهد المقابل في مكافحتها والحد منها، ويضع الرأي العام المحلي-الدولي بصورة الواقع الأمني في المنطقة.   

ولا يُعد تردي الأوضاع الأمنية محلياً ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة أمراً منفصلاً عن السياق العام للملف السوري وتعقيداته، والتي ترمي بظلالها محلياً على مختلف المناطق السورية، بغض النظر عن القوى المسيطرة، إذ إن حالة الفوضى الأمنية التي تجلّت بصورة الاغتيالات في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، تتكرّر بصور وأدوات وكثافة مختلفة ضمن مناطق سيطرة نظام الأسد([8])، وكذلك في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، بالرغم من المركزية الأمنية التي تحكم تلك المناطق، والمفتقَدة في مناطق سيطرة فصائل المعارضة.

 

ملحقات:



 

 

 

 

 

 


 

([1] ) "قوات تحرير عفرين": هي مجموعة من المقاتلين الكرد، الذين يصفون تجمعهم بــ "حركة مقاومة” عبر شن هجمات تستهدف الجيش التركي و"الجيش الوطني" المدعوم من تركيا في عفرين ومناطق أخرى، كما أن الحركة لا تقول صراحة إنها تتبع لـحزب الاتحاد الديمقراطي PYD أو "قسد". للمزيد حول طبيعة عمليات تلك الحركة راجع: مجموعة "تحرير عفرين" تتبنى استهداف نقطة تركية بريف حلب، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 13 أيلول/سبتمبر 2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/2f6xU

([2]) فيما يتعلق بمصادر التقرير فهي على الشكل التالي: نقاط الرصد الخاصة بمركز عمران للدراسات في الشمال السوري. المُعرّفات الرسمية للجهات التي تم استهدافها (مدنية، عسكرية).  المُعرّفات الرسمية للجهات المُنفِذة، أو التي تعلن تبنيها للعمليات كـ "غرفة عمليات غضب الزيتون" أو "قوات تحرير عفرين". المُعرّفات والمواقع الرسمية للوكالات ووسائل الإعلام المحليّة، والتي تقوم بتغطية الأحداث في مناطق الرصد.

([3]) للاطلاع على التقرير السابق "الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من تموز حتى كانون الأول 2021 "، راجع الرابط التالي: http://bit.ly/3GmgEDF

([4]) أعلنت "قوات تحرير عفرين عن تبنيها لعمليات نفذت في منطقتي الباب ومارع واستهدفت عناصر من الجيش الوطني، (سوريا: مقتل 4 جنود أتراك و8 مسلحين في عمليات لقوات "تحرير عفرين")، الميادين نت، 19 أيار 2022، https://bit.ly/3HDmaED

([5]) اغتيل 5 عناصر من "الجيش الوطني" وجرح 6 أخرين، بعد أن أطلقت خلية تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" النار على عناصر فصيل الجبهة الشامية. للمزيد راجع: بينهم قيادي ...قتلى وجرحى في استهداف حاجز للجبهة الشامية بريف حلب الشمالي"، تلفزيون سوريا،6 نيسان 2022، http://bit.ly/3Ap4nwx

([6]) "قوات تحرير عفرين" تتبنى عمليات اغتيال لجنود أتراك في مناطق درع الفرات، (قوات "تحرير عفرين" تعلن مقتل جنود أتراك في ريف حلب)، الميادين نت، 30 أيار 2022، https://bit.ly/3jaLcB7، https://bit.ly/3FWeITL

([7]) تنظيم "الدولة الإسلامية" يؤكد مقتل زعيمه أبو إبراهيم القرشي ويعين خلفاً له"، فرانس 24، 10 أذار 2022، متوافر على الرابط التالي: https://bit.ly/3V5bPnY

([8]) الاعتقالات والاغتيالات في درعا: مقاربة النظام الأمنية عقب تسوية 2021،فاضل خانجي، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 15 كانون الأول 2022، https://bit.ly/3YuUTdx

مناف قومان
مدخل شهدت سورية خلال الأيام القليلة الماضية تحولاً تاريخياً تمثل بانتصار الثورة في إسقاط نظام…
السبت كانون1/ديسمبر 21
نُشرت في  أوراق بحثية 
محمد السكري
ملخص تنفيذي برزت أهمية مفهوم النقابات كمساهم في صيرورة بناء المؤسسات وعملية الدمقرطة في الدولة…
الخميس كانون1/ديسمبر 19
نُشرت في  أوراق بحثية 
مروان عبد القادر
شهدت سورية منذ بداية الثورة في عام 2011 حالة من الاضطراب السياسي والعسكري، تمثلت في…
السبت كانون1/ديسمبر 14
نُشرت في  مقالات الرأي 
فرح أبو عياده, حسن جابر
ملخص تنفيذي باستمرار الاستهداف الإسرائيلي على الأراضي السورية؛ يُفسر نأي النظام السوري عن الانخراط في…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 25
نُشرت في  أوراق بحثية