التقارير

مقدمة

يعتبر القطاع الزراعي في سورية أحد أهم القطاعات في الاقتصاد السوري لما يوفره من أمن غذائي وفرص عمل للسكان، ورفد الخزينة المالية بالقطع الأجنبي من الصادرات. عانى هذا القطاع في المنطقة عموماً ومنطقة عمليات "نبع السلام"(1) خصوصاً صعوبات عديدة جراء الحرب وتعاقب جهات السيطرة، (تنظيم "داعش" و"قوات سوريا الديمقراطية" ولاحقاً "الجش الوطني") وعلى الرغم من مرور 4 سنوات من سيطرة "الجيش الوطني" لا يزال القطاع الزراعي يرزح تحت مشاكل تقلل من استقرار المنطقة وتعافيها اقتصادياً.

تسعى هذه الورقة إلى تقديم جملة من السياسات التي من شأنها تحريك عجلة القطاع الزراعي ودفعه باتجاه الفاعلية وذلك من خلال تحليل واقع القطاع وسياسات فاعليه وتحديد الفجوات والإشكاليات الرئيسية التي تعرقل حركيته باتجاه التعافي والتنمية.

واقع القطاع الزراعي في تل أبيض ورأس العين

عانى القطاع الزراعي من عدم الاستقرار بحكم تعاقب الجهات الفاعلة وتعدد أنماط الحوكمة، حيث خرجت رأس العين وتل أبيض عن سيطرة النظام أواخر العام 2012، وبقيت تحت سيطرة الجيش الحر حتى شهر حزيران 2014 إلى أن وقعت تحت سيطرة تنظيم "داعش" الذي فرض سياسات جديدة لتنظيم عملية الزراعة من قبيل تأسيس "ديوان الزكاة" وفرض ضرائب على المزارعين.
في العام 2016 سيطرت "قوات سوريا الديمقراطية" بدعم من "التحالف الدولي" على المنطقة، تبنت خلالها سياسات لدعم الزراعة، تضمنت إنشاء مديرية زراعية للإشراف على الزراعة وتنظيمها، وفتحت مصرفاً زراعياً مسؤولاً عن توزيع الإعانات الزراعية للمزارعين بأسعار مدعومة. وفي إطار توفير الموارد والدعم للمزارعين أنشأت الإدارة مؤسسة "سادكوب" لتأمين المحروقات اللازمة للزراعة، كما تم تفعيل دور مجالس البلديات في إدارة الموارد الزراعية وتنظيم النشاطات الزراعية المحلية، وتحسين التنسيق بين المزارعين والسلطات المحلية. إلا أن العقوبات الاقتصادية وصعوبات الوصول إلى الأسواق الإقليمية والدولية والنزاعات المسلحة شكلت تحديات أمام تطوير القطاع الزراعي في تلك الآونة. وعلى إثر الحرب على "داعش" نزح أهالي محافظة الرقة إلى رأس العين ليصل عدد السكان إلى حوالي 215 ألف نسمة.
وفي العام 2019، سيطر "الجيش الوطني" بدعم من تركيا خلال عملية "نبع السلام" على المنطقة الممتدة من رأس العين حتى تل أبيض، بمساحة إجمالية تقدر بـ4 آلاف كيلو متر مربع أي حوالي 3,805,000 مليون دونم، تبلغ المساحات الصالحة للزراعة منها حوالي 2 مليون دونم تقريباً، يُزرع فيها محاصيل مروية وبعلية، وتشتهر بزراعة القمح والشعير والقطن والذرة والمشمش والرمان والجوز بالإضافة إلى الفول والكمون وبعض أنواع الخضراوات.
تستحوذ رأس العين على ما يقارب 35% من الإيرادات الزراعية لمحافظة الحسكة عموماً، وتتيمز بتربتها الخصبة ووفرة المياه وجودة الإنتاج الزراعي فيها. وتبلغ مساحة الأراضي في رأس العين وريفها لوحدها ما يقدر بـ112,676 هكتاراً مقسمة بين 20,349 هكتار أراضي مروية و92,328 أراضي بعلية. وهناك أراضي عامة ملك للدولة تبلغ مساحتها 35 ألف هكتار. أما منطقة تل أبيض فتقع في أرض سهلية خصبة غنية بالينابيع التي تغذي نهر البليخ، ومنها: نبع عين العروس، نبع عين الحصان، نبع صلولع. وتعتبر بوابة المدينة "تل أبيض" أهم ما فيها، حيث اعتاش سكانها على التجارة والتهريب(2).
بعد العملية العسكرية افتقد القطاع الزراعي الموارد البشرية، حيث نزح من منطقة رأس العين أكثر من 80% من أهالي المدينة والريف المحيط بها، إلى مدن مثل الحسكة وعامودا والقامشلي والدرباسية، كما لجأ قسم منهم إلى كردستان العراق، ولم يعد إليها سوى عدد قليل لا يزيد عن 12% من مجمل السكان الذي كان يبلغ نحو 50 ألف نسمة(3) . أما في تل أبيض وتشمل المدينة وسلوك وعين عيسى وأريافها فيبلغ عدد السكان 160 ألف نسمة بحسب آخر إحصائية للمجلس المحلي في تل أبيض(4). انخفض إنتاج القمح في رأس العين وتل أبيض بين أعوام 2011 و 2021 بنسبة 63% والشعير بنسبة 40% والقطن بنسبة 47% (كما يظهر في الشكل أدناه)، ولم يصل الإنتاج إلى حدود العام 2011 من القمح والشعير والقطن والتي بلغت 179 ألفاً و201 ألف و66 ألف طن على التوالي. في حين زاد إنتاج الذرة بنسبة 82%، وهو مؤشر على اتجاه المزارعين لزراعة الذرة لعدة أسباب منها: زيادة الطلب على الذرة، وسهولة تسويقها في السوق التركية، وتهريبها إلى أسواق مناطق الإدارة الذاتية والنظام والمعارضة، وانخفاض تكاليف زراعتها مقارنة بالزراعات الأخرى(5).


إنتاج محاصيل زراعية بين 2011- 2022 في رأس العين وتل أبيض – طن

تحديات القطاع الزراعي

في ظل الواقع الحالي، يواجه القطاع الزراعي في رأس العين وتل أبيض تحديات متعددة الأبعاد. أبرز هذه التحديات يكمن في التداخل بين الأطراف الفاعلة والمؤثرة في القطاع، ممّا يعقّد عملية صنع القرار، ويؤثر سلباً على الإنتاجية والفعالية. وتفاقمت هذه التحديات بسبب الظروف الأمنية المتقلبة، ويمكن تصنيفها كما يلي:


تحديات حوكمية

يمكن تقسيم الفواعل المسؤولة عن قطاع الزراعة في كل من رأس العين وتل أبيض كما يلي:
1. المنسق التركي في ولاية شانلي أورفة.
2. وزارة الزراعة التابعة للحكومة السورية المؤقتة والمديريات التابعة لها مثل: المديرية العامة للأعلاف والثروة الحيوانية، والإدارة العامة للبحوث العلمية الزراعية. ووزارة الاقتصاد والتي يتبع لها المؤسسة العامة لإكثار البذار. والمجالس المحلية وغرف الزراعة والموارد المائية والتي تتبع نظرياً لوزارة الإدارة المحلية في الحكومة المؤقتة.
نشأت تداخلات في الاختصاصات وزيادة في تعقيد عملية صنع القرار نظراً لوجود عدة جهات فاعلة (كما هو موضح في الشكل أدناه). تُدار مسؤوليات القطاع الزراعي من قِبل ثلاث وزارات في الحكومة السورية المؤقتة؛ الاقتصاد، والزراعة، والإدارة المحلية، دون وجود تنسيق محوري يهدف إلى تنظيم وتطوير القطاع الزراعي ومعالجة مشاكل المزارعين. ويعد المكتب الزراعي ضمن المجلس المحلي أحد الفاعلين في القطاع، يضم عدداً من الموظفين بينهم مهندسون وفنيون في مجال الزراعة وأطباء بيطريون. ويساهم بالتخطيط ودراسة مشاريع الري والزراعة.
تمركزت التوجيهات التنفيذية في يد "المنسق التركي" في مكتب رأس العين وتل أبيض التابع لوالي شانلي أورفة، حيث حافظ على تواصلات غير رسمية مع كلا المجلسين، ووفّرت الولاية التركية الدعم المالي واللوجستي لهما لضمان استقرار المنطقة بعد العملية العسكرية، بينما ظلّ التواصل بين "المنسّق" ووزارة الزراعة في الحكومة المؤقتة محدوداً جداً(6). يوضّح الشكل أدناه حوكمة رأس العين وتل أبيض في القطاع الزراعي من وزارات ومديريات ومجالس محلية وشكل التنسيق مع "المنسق التركي".


                           شكل الحوكمة في القطاع الزراعي في رأس العين وتل أبيض، تنسيق رسمي، تنسيق غير رسمي


بالنسبة للمنظمات فقد اقتصر تواجدها على منظمات الإغاثة التركية بشكل رئيسي، حيث تتواجد "هيئة الإغاثة الإنسانية" التركية (IHH) بشكل أساسي وتقوم بمشاريع تستهدف القطاع الزراعي مثل توزيع بذور القمح والأسمدة على المزارعين ضمن خطتها لدعم الأنشطة الزراعية في المنطقة(7). في المقابل، هناك وجود محدود للمنظمات العاملة في ريف حلب ضمن منطقة "نبع السلام"، مثل "عطاء" والتي يقتصر عملها على مشاريع إغاثية مثل توزيع السلال الغذائية وأدوات التدفئة والنظافة.

تحديات اقتصادية وسياسية

أدت مجموعة من الأسباب الاقتصادية إلى تدهور القطاع الزراعي في المنطقة، تشمل ارتفاع تكاليف المواد الأولية كالمحروقات، والبذور، والأسمدة، والمحروقات، والكهرباء، وغيرها من مستلزمات الزراعة، إلى جانب عدم توفر الدعم المالي الكافي من الجهات المختصة للمزارعين وغياب أسواق محلية وخارجية فعّالة لتسويق المنتجات بأسعار مجزية، بالإضافة إلى انتشار الاحتكار وشراء المحاصيل بأسعار منخفضة.
• على صعيد التسويق: يضطر بعض المزارعين إلى بيع محاصيلهم لمكتب الحبوب التركي “TMO” جراء عدم قدرة الحكومة السورية المؤقتة على شراء كامل المحصول الزراعي(8)، ويطلب مكتب الحبوب من المزارع فتح حساب في مؤسسة البريد التركية (PTT) ليتقاضى الثمن بعد فترة تتراوح بين 20 إلى 25 يوماً. ويضطر المزارع للتعامل مع شركات خاصة مرتبطة بفصائل "الجيش الوطني" تشتري المحاصيل من المزارعين بأسعار منخفضة وتبيعها في تركيا.
• أما على صعيد تكاليف الإنتاج: تبلغ تكلفة زراعة دونمين من القمح في رأس العين حوالي 142 دولاراً لإنتاج طن واحد من القمح، مع تكاليف إضافية للحصاد، الأسمدة، الأدوية، و25 دولار محروقات، 10 دولارات أكياس، و29 دولار عمالة، و 14 دولار زكاة، ليصل مجموع التكاليف إلى 220 دولاراً لكل طن. كما يدفع المزارع 10دولارات للمجلس المحلي تحت اسم "رسم شهادة المنشأ الزراعي" عن القطن و5 دولارات عن القمح والشعير، و500 ليرة تركية كرسوم تصدير إلى تركيا(9 -10). في المقابل، يُباع الطن بحوالي 285 دولاراً، ويبقى المبلغ المتبقى ربحاً وقدره 65 دولاراً على كل 2 دونم، أي 3,250 دولاراً على الـ100 دونم، وهو مبلغٌ قليلٌ إذا قُسّمّ على مدار السنة (270 دولاراً) بالكاد يكفي احتياجات الأسرة ويغطي متطلبات المزارع للموسم القادم(11) .
• فيما يتعلق بالتحديات السياسية فقد ساهمت الضغوط الأمريكية والأوروبية وبعض الدول العربية على تركيا بعد العملية العسكرية، بآثار سلبية على اقتصاد المنطقة واستقرارها من ناحية؛ نقص المنح المالية الدولية تجاه المنطقة، وغياب صندوق الائتمان لإعادة إعمار سورية والعديد من المنظمات السورية والأجنبية العاملة في ريف حلب، على الرغم من صدور إعفاء للمستثمرين والشركات الخاصة من العقوبات الأمريكية في شباط من العام 2022 حيث شمل قانون وزارة الخزانة الأمريكية تل أبيض ورأس العين(12-13).

تحديات أمنية 

تظهر الخريطة أدناه تقاسم النفوذ بشكل غير رسمي بين فصائل "الجيش الوطني"؛ فـ"الفيلق الثالث" الذي تتزعمه "الجبهة الشامية" لديه النفوذ الأكبر على تل أبيض والمعبر مع تركيا، وتسيطر فصائل من "الفيلق الأول" على مناطق في رأس العين، وأسفر تعدد جهات السيطرة والاشتباكات بين الفصائل عن تعزيز مؤشرات الهشاشة الأمنية(14)، وتأخير استقرار المنطقة وتعافيها الاقتصادي(15).
وألقى الواقع الأمني بظلاله على وتيرة عودة السكان النازحين وبينهم المزارعون، إذ تشير الأرقام الرسمية إلى عودة 28,525 شخصاً بين أعوام 2020 وشهر آذار 2023 من تركيا أغلبهم من محافظات دير الزور والحسكة(16)، وتعد هذه الأعداد قليلة جداً لعدة اعتبارات؛ لم تسجل عودة أبناء المنطقة النازحين إلى بلداتهم ومدنهم ومزاولة نشاط الزراعة المعتاد، وتسجيل حالات تهريب الأشخاص باتجاه مناطق "الإدارة الذاتية" ومناطق المعارضة، واستمرار محالاوت التهريب لعشرات الأشخاص إلى تركيا بشكل يومي.


خريطة توزع فصائل الجيش الوطني في منطقة نبع السلام – مركز عمران للدراسات


كما أثّر انتشار فصائل "الجيش الوطني" في مدن وبلدات رأس العين وتل أبيض على القطاع الزراعي من خلال فرض ضرائب ورسوم على عبور الشاحنات التي تنقل محاصيل زراعية إلى تركيا أو من منطقة إلى أخرى مقابل 5 دولارات على كل طن؛ مما يزيد الضغط المالي على المزارعين ويؤثّر على عوائد الزراعة المالية، وانتشرت حالات الاحتكار لتجارة المحاصيل الزراعية على رأسها القمح والشعير والقطن عبر وسطاء وشركات خاصة لها ارتباطات مع الفصائل بأسعار منخفضة وأقل بـ40 دولاراً عن تسعيرة الحكومة المؤقتة في بعض الأحيان وبيعها في تركيا أو تهريبها إلى مناطق "الإدارة الذاتية" أو مناطق النظام من خلال معابر غير رسمية للتربح من الفارق في الأسعار بين مناطق النفوذ(17) ومن شأن استمرار هذه الممارسات زيادة تكاليف الإنتاج الزراعي والتأثير على مواسم الإنتاج القادمة، وتحميل المزارع أعباءً مالية تجعل من عمله غير ذي جدوى عالية.


توصيات مقترحة

تناولت الورقة الفجوات التي تعطّل فاعلية القطاع الزراعي في رأس العين وتل أبيض، تشمل هذه الفجوات عدم الاستقرار الأمني والتقلبات السياسية التي أثرت بشكل مباشر على القطاع الزراعي في المنطقة، إضافة إلى التحديات التي يواجهها المزارعون من الناحية المالية واللوجستية، مما يقلل من جدوى العمل الزراعي ويضعف قدرة القطاع على التعافي والنمو. هذه العوامل مجتمعة تشكل الأساس الذي من خلاله تم تطوير التوصيات الواردة أدناه والتي يمكن العمل عليها من قبل الحكومة السورية المؤقتة بهدف تطوير القطاع الزراعي وتعافيه، كما هو مبين أدناه:

توصيات حوكمية وإدارية

• تعزيز التواصل المباشر بين المنسق التركي والحكومة السورية المؤقتة، من خلال إنشاء لجنة متابعة مشتركة لمراقبة التقدم وتنفيذ القرارات بالإضافة لتحديد أجندة عمل مشتركة بين الجانبين بما يضمن حل المشاكل العالقة.
• تطوير استراتيجيات وسياسات شاملة من قبل وزارة الزراعة، من خلال إجراء دراسات ميدانية شاملة لتحديد احتياجات الفلاحين الفعلية، وتشكيل فرق عمل تخصصية لكل محصول (الحبوب، الفواكه، الخضار)، وإشراك المزارعين في عملية التخطيط وصنع السياسات.
• دمج مديرية إكثار البذار ضمن وزارة الزراعة لتعزيز قدرتها على توفير بذور محسّنة للمحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والقطن. وتقديم حزمة من البرامج التدريبية لمساعدة الموظفين على جمع الإحصاءات وتحليلها وتقديم مؤشرات بالمحاصيل الزراعية والأمراض التي تصيب كل محصول والتنبؤات اللازمة بالطقس.
• تأسيس نقابات وجمعيات زراعية لتسهيل نقل مشاكل المزارعين ومطالبهم إلى المكاتب الزراعية، وتعزيز التعاون ضمنمناطق المعارضة في ريف حلب. وكذلك تنظيم فعليات وورش عمل ودورات تدريبية للفلاحين.
• قطع تدخلات الفصائل العسكرية بالقطاع الزراعي والمزارعين، وإيجاد صيغة مناسبة للحد من التجاوزات. واتخاذ التدابير اللازمة لمنع تهريب المحاصيل إلى مناطق "الإدارة الذاتية" أو مناطق سيطرة النظام.

توصيات اقتصادية

• إيجاد حل لمشكلة شهادة المنشأ في مناطق المعارضة بالتنسيق بين وزارة الزراعة وتركيا، ووضع معايير السلامة والجودة ومطابقتها مع المواصفات الدولية.
• إنشاء صندوق مالي زراعي تحت إشراف لجنة من التقنيين والمختصين في الداخل والخارج، يغطي كافة مناطق المعارضة، وبدعم من السوريين المغتربين، يركز على تقديم التسهيلات المالية والائتمانية للمزارعين بهدف تحسين الإنتاج الزراعي وتعزيز استدامته.
• تحفيز القطاع الخاص على تأسيس شركات استثمارية في الزراعة والصناعات الغذائية، إذ من شأن هذا أن يساهم في زيادة الإنتاج الزراعي، وتعزيز الاقتصاد المحلي، وخلق فرص عمل، ودعم ربحية المزارعين.
• تحويل البرامج الإغاثية إلى برامج تنموية مستدامة تدعم القطاع الزراعي، مثل دعم مشاريع الري الحديث، تطوير مزارع شمسية لإنتاج الكهرباء، وتبني أساليب زراعية حديثة وفعالة.
• إنشاء سوق للمحاصيل الزراعية يخدم مناطق المعارضة ككل، ويعمل على تجميع وبيع المحاصيل وفق آليات العرض والطلب، مما يساعد في ضمان استقرار الأسعار وشفافيتها.
أخيراً لا بدّ من التأكيد على تكامل حوكمة مناطق المعارضة مع بعضها، وتوحيد آليات اتخاذ القرار والعمل، من رأس العين وتل أبيض إلى ريف حلب، وتناول مشاكل القطاع الزراعي في المنطقة ككل وليس كل منطقة على حِدى، واعتبار أي كيان ومؤسسة ناشئة لأجل المنطقة برمتها. من شأن تطوير قطاع الزراعة في تل أبيض ورأس العين أن يخلق فرص عمل للسكان ويعزز الاكتفاء الذاتي من الغذاء، ويدفع عملية التعافي الاقتصادي المبكر نحو الأمام ليساهم في استقرار السكان وعودة اللاجئين السوريين من تركيا.


([1]) تقع رأس العين في شمال غرب محافظة الحسكة على مسافة 85 كم عن مدينة الحسكة، و90 كم عن مدينة القامشي، يبلغ عدد سكانها حوالي 177 ألف نسمة حسب إحصاء العام 2004، أما مدينة تل أبيض فتقع في منطقة الجزيرة على بعد 100 كم عن مدينة الرقة ويقدر عدد سكانها بنحو 75 ألف نسمة، وتتصل بتركيا عبر معبر تل أبيض.

([2]) ماذا تعرف عن مدينتي تل أبيض و رأس العين؟، راديو روزنة، 12/10/2019، رابط مختصر: https://cutt.us/8w1D5

([3] ) نينار خليفة، برسم المحاسبة.. انتهاكات “ممنهجة” تطال الملكيات العقارية في رأس العين، عنب بلدي، 26/9/2020، رابط مختصر: https://cutt.us/LP2FQ

([4]) مقابلة هاتفية مع مدير معبر تل أبيض فايز القاطع بتاريخ 18/12/2023.

([5])  مقابلات هاتفية أجراها الباحث مع مدير دائرة الزراعة في رأس العين عمر المحمود، ومدير دائرة الزراعة في تل أبيض نايف الحمد، في تاريخ 10/01/2023.

([6]) مقابلات أجراها الباحث مع وزير الزراعة في الحكومة السورية المؤقتة هايل الكلش، ومدير دائرة الزراعة في المجلس المحلي برأس العين عمر المحمود بتاريخ 13/1/2023.

([7]) الإغاثة التركية توزّع بذور القمح على المزارعين شمالي سوريا |فيديو، تلفزيون سوريا، 12/07/2021، رابط مختصر: https://bit.ly/41vAU0s

([8])  من يشتري محصول القمح والشعير في رأس العين، عنب بلدي، 21/06/2020، رابط مختصر: https://cutt.us/ouYkc

([9])  مقابلة مع مزارع في رأس العين، ومدير دائرة الزراعة في رأس العين عمر المحمود أجراهما الباحث في تاريخ 10/01/2023.

([10] )  مزارعو رأس العين وتل أبيض: الخندق في أرضنا والرسوم تلاحقنا، عنب بلدي، 25/06/2023، رابط مختصر: https://cutt.us/wVDSv

([11]) مقابلات أجراها الباحث مع مزارعَين من رأس العين وتل أبيض في المنطقة في تاريخ 15/12/2022.

([12]) أمريكا تفرض عقوبات على تركيا.. وتلوح بالمزيد في حال استمرار "نبع السلام"،سي ان ان العربية، 15/10/2019، رابط مختصر: https://cutt.us/NqcSK

([13]) بينها السعودية والإمارات.. دول عربية تدين عملية “نبع السلام”، عنب بلدي، 10/10/2019، رابط مختصر: https://cutt.us/vzHvu

([14]) بلغ عدد عمليات الاغتيال والتفجيرات في المنطقة خلال العام 2022 نحو 26 عملية، أسفرت عن وقوع 111 شخصاً بين قتيل وجريح استخدمت خلالها العبوات الناسفة والطلق الناري كأداة للتنفيذ، انظر راتب بوطة، انظر تقارير مركز عمران للدراسات، الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى كانون الأول 2022، رابط مختصر: https://rb.gy/vee622 و https://rb.gy/blku1c

([15]) خالد الخطيب، تنافس الفصائل يؤخر استقرار منطقة "نبع السلام"، تلفزيون سوريا، 2/05/2020، رابط مختصر: https://rb.gy/cdqtm6  

([16])  مقابلة هاتفية أجراها الباحث مع مدير معبر تل أبيض فايز القاطع في تاريخ 4/03/2023.

([17]) مقابلة مع مزارع في رأس العين أجراها الباحث في تاريخ 25/12/2022.

التصنيف أوراق بحثية

مُلخّصٌ تنفيذيّ

  • يرصد هذا التقرير عمليات الاغتيال المُنفَّذة ضمن مناطق الشمال السوري، خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني/يناير وحتى حزيران/يونيو، والتي بلغ عددها 70 عملية، خلّفت 263 ضحية بين قتيل وجريح.
  • توضّح عملية الرصد ضمن مختلف المناطق، استخدام أدوات متعددة في تنفيذ الاغتيالات، إذ نُفذّت 49 عملية عن طريق العبوات الناسفة، بينما استخدم الطلق الناري في 21 عملية.
  • ما زالت طبيعة العمليات في ريف حلب الشمالي الغربي، تتراوح بين عمليات انتقائية استهدفت أشخاصاً بعينهم، وأُخرى عشوائية استهدفت مجموعات عسكرية وسط تجمعات مدنيين، وعمليات استهدفت تجمعات مدنية خالصة كالأسواق.
  • سجَّلت مناطق "درع الفرات" أكبر نسبة اغتيالات خلال الرصد قياساً بباقي المناطق، فيما سجّلت منطقة "نبع السلام" أعلى نسبة للضحايا المدنيين، نتيجة طبيعة العمليات وأدوات التنفيذ المستخدمة فيها.
  • سجّلت مناطق إدلب وما حولها انخفاضاً طفيفاً في معدل الاغتيالات، مقابل تعدد الجهات المُستَهدَفة والمُنفِّذة، وسط بيئة أمنية مُعقّدة. اعتمدت فيها أغلب العمليات على الطلق الناري والعبوات الناسفة، واستهدفت قياديين عسكريين وفاعلين مدنيين.
  • يَلحَظ التقرير الحالي استمرار وتيرة العمليات ضد القوات التركية، في مختلف مناطق انتشارها ضمن الشمال الغربي، مما يشير إلى أن استهداف التواجد التركي في سورية عبر العمل الأمني بات يتصاعد بشكل ممنهج ومدروس.
  • تُظهر البيانات المرصودة، نشاطاً واضحاً لـ "قوات تحرير عفرين" في مناطق "درع الفرات" وعفرين تحديداً، عبر التبني العلني لعمليات الاغتيال المُنفّذة في تلك المناطق.
  • إن معدل الاغتيالات وطبيعة أهدافها، لا يعدّان مؤشراً إلى عجز التشكيلات الأمنية لـلقوى المسيطرة على ضبط الأمن والاستقرار بالنسبة للمدنيين فحسب، وإنما يؤشّران إلى ضعف قدرتها على تأمين وحماية عناصرها أيضاً.
  • تفيد القراءة العامة للبيانات، بالمزيد من ضعف الحالة الأمنية في جميع المناطق المرصودة ضمن الشمال السوري، مقابل ضعف قدرة القوى الفاعلة وتعثرها في الحد من هذه العمليات، التي تسهم في تراجع مؤشرات الأمن والاستقرار على مختلف المستويات.

مدخل

تشهد مناطق الشمال السوريّ خرقاً أمنياً واضحاً، تتجلى أبرز جوانبه في وتيرة عمليات الاغتيال المستمرة ومعدلاتها المرتفعة، والتي تعد مؤشراً هاماً على تدهور حالة الاستقرار الأمني وتدني القدرة على ضبطها من قبل القوى المسيطرة، خاصة مع ازدياد محاولات الاغتيال ضمن تلك المناطق وتعدد دوافعها ومُنفذيها واختلاف أساليبها، وسط تجدد قصف النظام وحلفائه لبعض تلك المناطق، ما يزيد من تعقيد الوضع الأمني والقدرة على ضبطه.

وتتصف عمليات الاغتيال بالسريّة عادة لناحية الجهة المنُفِّذة، إلا أن هناك نسبة كبيرة من تلك العمليات ضمن مناطق سيطرة الفصائل المعارضة تتبناها جهات محددة بشكل علني كـ "قوات تحرير عفرين ([1])" و"تنظيم الدولة"، في اختراق أمني واضح وصريح لتلك المناطق. وبالرغم من اختلاف وتيرة ومعدل عمليات الاغتيال من منطقة إلى أخرى ضمن الشمال السوري؛ إلا أنها تتقاطع في الإشارة إلى التراجع العام لمؤشرات الاستقرار الأمني.

وفي متابعة لملف الاغتيالات ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة في الشمال السوري؛ صَمّمَتْ وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات، نموذجاً خاصاً لرصد تلك العمليات وتحليل البيانات المتعلقة بها، كمؤشرات للاستقرار الأمني ([2]). ضمن تقرير دوريّ يرصد وتيرة عمليات الاغتيال، موضّحاً نتائجها، وما أسفرت عنه، مقابل الجهات المُنفّذة -إن عُلِمت -وكذلك الجهات المُستَهدَفة. كما يسعى التقرير إلى تحليل تلك البيانات ومقاطعتها بين مختلف المناطق، في محاولة لرسم الملامح العامة للوضع الأمنيّ وقياس أوليّ لمؤشرات الاستقرار.

وعليه، يرصد هذا التقرير عمليات الاغتيال ضمن مناطق عدة في الشمال السوري، منها: ريف حلب الشمالي، الذي شكّل نطاق العمليات العسكرية: "درع الفرات" و"غصن الزيتون". مقابل مدينتي تل أبيض ورأس العين "نبع السلام" في الشمال الشرقي، إضافة إلى ما تبقى من محافظة إدلب وريف حلب شمال غربي سورية. وذلك خلال الفترة الممتدة ما بين (كانون الثاني/يناير وحزيران/يونيو 2022)، إذ بلغ عددها 70 محاولة اغتيال، خلّفت 263 ضحية. وتوضّح البيانات انخفاضاً طفيفاً في معدل الاغتيالات، مقارنة بالتقرير السابق، الذي أصدره مركز عمران: (الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من تموز حتى كانون الأول 2021)، والتي بلغت 73 عملية، خلّفت 322 ضحية ([3]).

وقد توزعت عمليات الاغتيال الـ 70 المرصودة ضمن التقرير الحالي، بحسب الأشهر، على الشكل التالي: 13 محاولة اغتيال خلال شهر كانون الثاني/يناير، في حين بلغت خلال شباط/فبراير 12 محاولة، فيما سُجِّلت 11 محاولة خلال أذار/مارس، وشهد نيسان/أبريل 13 محاولة، بينما بلغت في أيار/مايو 12 محاولة، لتنخفض في حزيران/يونيو إلى 9 محاولات. ويسعى التقرير بعد رصد تلك العمليات، إلى دراستها وتحليلها واستعراضها بحسب مناطق السيطرة، والجهات المُستَهدَفة والمُنفِّذة، وطبيعة أداة التنفيذ، ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها، مقابل أثرها على مستوى الأمن والاستقرار في المنطقة.

أولاً: "درع الفرات" (كثافة عمليات)

تُظهر عملية الرصد الخاص بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي "درع الفرات"، بلوغ معدل عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 23 عملية (الشكل 1)، نُفِّذَت 7 منها عبر الطلق الناري، وأسفرت عن سقوط 20 ضحية، إذ حققت 4 عمليات من 7 غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، فيما فشلت 3 عمليات في تحقيق هدفها. أما بالنسبة للجهة التي تقف وراء تنفيذ تلك العمليات، فتشير البيانات إلى تنفيذ "قوات تحرير عفرين" لـمحاولتين ([4]). كما نُفِّذت محاولة وحيدة من قبل خلايا تنظيم "الدولة الإسلامية" في المنطقة ([5]). في حين بقيت المحاولات الـ 4 مجهولة المُنفِّذ. وكانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك الاغتيالات بواقع 5 عمليات، مقابل عمليتين استهدفت كوادر شرطة مدنية.

بالمقابل، نُفِّذَت 16 من 23 عملية عبر العبوات الناسفة، مخلّفةً بمجموعها 67 ضحية (44 قتيلاً، 23 جريحاً)، منهم 23 مدنياً مقابل 37 من عناصر "الجيش الوطني"، إضافة لـ 7 من عناصر الجيش التركي (الشكل 2). واستهَدَفَت أغلب تلك العبوات شخصيات أو مجموعات عسكرية وسط تجمعات المدنيين، إضافة إلى استهداف تجمعات مدنية خالصة، كما استُهدِفَ عناصر الجيش التركي المتواجدين في المنطقة بمحاولتين. وقد تبنّت "قوات تحرير عفرين" تنفيذ 4 عمليات ([6])، لتبقى 12 عملية من مجمل عمليات العبوات الناسفة والمفخخات مجهولة المُنفِّذ.

 

 

يتضح من خلال أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي، انخفاض في معدل عمليات الاغتيال مقارنة بالتقرير السابق، الذي أصدره مركز عمران وغطى الفترة الممتدة من تموز وحتى كانون الأول 2021، إذ سجّل التقرير السابق 31 عملية اغتيال في تلك الفترة، في حين رصد التقرير الحالي 23 عملية.

بالمقابل، تُبيّن الأرقام انخفاضاً في معدل عدد الضحايا، مقارنة بالتقرير السابق، الذي سجّل 166ضحية، بينما بلغ مجموع عدد الضحايا خلال فترة الرصد الحالية 87 ضحية. ويُعزى ذلك إلى انخفاض معدل العمليات من جهة، مقابل اختلاف أهدافها وأدوات التنفيذ المستخدمة فيها من جهة أخرى، والتي اعتمدت بنسبة 69% على العبوات الناسفة، التي استهدف أغلبها شخصيات عسكرية/مدنية بعينها وسط تجمعات مدنيين، إضافة لاستهداف تجمعات مدنية خالصة. ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 34%، مقابل 55% من عناصر "الجيش الوطني"، و11% من عناصر الجيش التركي (الشكل 3).

  

أما بالنسبة للجهات المُنفِّذة، فيُلحظ من البيانات، تبني "قوات تحرير عفرين" لـ 26% من العمليات. مقابل إعلان مسؤولية تنظيم "الدولة الإسلامية" عن 4% من العمليات المرصودة، في حين بقيت 70% من عمليات الاغتيال مجهولة المُنفِّذ. الأمر الذي يشير إلى، استمرار تردي الواقع الأمني وضعف قدرة الجهات المسيطرة على تتبع تلك العمليات والكشف عن منفذيها والحد منها.

ووفقاً للبيانات الخاصة برصد المنطقة؛ فإن الواقع ما يزال يشير إلى اتساع الخرق الأمني، مقابل عدم تقدم القوى المسيطرة في ضبطه وتضييق حجم هذا الخرق، خاصة في ظل اتهامات لأطراف وجهات عدة بالسعي إلى زعزعة الأمن والاستقرار، وتقاطع مصالحها في ذلك؛ كحزب الاتحاد الديمقراطي"PYD" وخلاياه النشطة في المنطقة، التي يعدونها امتداداً للنفوذ التركي، ومن فيها "أهدافاً مشروعة"! إضافة إلى النظام الذي يسعى إلى زعزعة أمن المنطقة وإفشال أي نموذج أمني/حوكمي فيها.

ثانياً: عفرين (تبنٍّ علنيّ)

من خلال رصد وتحليل البيانات لعمليات الاغتيال الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها من المناطق، يتضح أنها شهدت بالعموم: 13 عملية اغتيال خلال 6 أشهر من الرصد، أسفرت عن 40 ضحية بين قتيل وجريح. وقد نُفِّذَت 5 عمليات من مجموع العمليات الـ 13 عبر الطلق الناري، حققت 3 منها غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، بينما فشلت في محاولتين. وكان 9 من عناصر "الجيش الوطني" هدفاً للعمليات الـ 5، والتي تبنّت تنفيذ محاولتين منها "قوات تحرير عفرين"، فيما بقيت 3 محاولات مجهولة المُنفِّذ. إذ اُستُهدِفَت في إحدى العمليات سيارة تقل قائد ميداني و2 من مرافقته من "الجيش الوطني"، ما أدى إلى مقتلهم جميعاً.

بالمقابل، وبحسب البيانات المرصودة، نُفِّذت 8 عمليات من مجمل العمليات الـ 13 عبر العبوات الناسفة (الشكل 4)، والتي استَهدَفَت عناصر ومجموعات لـ "الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، في حين استَهدَفَت عبوات أخرى عناصر للجيش التركي المتواجد في المنطقة، وتجمعات مدنية خالصة. ما أدى إلى وقوع 31 ضحية (17 قتيلاً و14 جريحاً) (الشكل 5). موزعين بين: 12 مدنياً، و10من عناصر "الجيش الوطني"، مقابل 9 من عناصر الجيش التركي. وقد تبنّت "قوات تحرير عفرين" 4 من مجموع عمليات العبوات الناسفة، فيما بقيت الـ 4 محاولات الأخرى مجهولة المُنفِّذ.

تُبيّن أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها انخفاضاً طفيفاً في معدل عمليات الاغتيال، مقارنة بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران، وغطى الفترة الممتدة من تموز وحتى كانون الأول 2021. إذ سجّل التقرير السابق 14 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 13 عملية. ولعلّ هذا الانخفاض الطفيف في معدل عمليات الاغتيال، أدى إلى انخفاض نسبة الضحايا، فقد بلغت خلال أشهر الرصد الحالي 40 ضحية، في حين سجّل التقرير السابق 95 ضحية. وقد يُردّ ذلك إلى اختلاف الأهداف وأدوات التنفيذ في أغلب العمليات الحالية، حيث اعتمدت بنسبة 38% منها على الطلق الناري، بينما اعتمد 62% منها على العبوات الناسفة، التي استهدفت شخصيات عسكرية بعينها، وأخرى استهدفت مجموعات عسكرية وسط تجمعات مدنيين، مقابل عمليات استهدفت تجمعات مدنية. وقد شكّلت نسبة المدنيين من الضحايا 39%، مقابل 32% من عناصر "الجيش الوطني"، و29% من عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة (الشكل 6).

  

بالمقابل، يُلحَظ من خلال البيانات نشاط واضح لـ "قوات تحرير عفرين"، فقد تبنّت تنفيذ 46% من مجمل عمليات الاغتيال في المنطقة، إذ يبدو أنها تركّز عملياتها ونشاطها الأمني في عفرين ومناطق "درع الفرات". بينما بقي 54% من مجموع العمليات مجهولة المُنفِّذ. وقد استهدفت تلك العمليات في أغلبها عناصر "الجيش الوطني"، الذين تحولوا إلى أهداف متحركة داخل مدينة عفرين، سواء على المستوى الفردي عبر تصفية أفراد بعينهم، أم على مستوى جماعي عبر استهداف مجموعاتهم العسكرية. وغالباً ما يتم هذا الاستهداف وسط تجمعات مدنية، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين. وتنسجم طبيعة تلك العمليات مع الرؤية المعلنة لقوات "تحرير عفرين"، والتي تعتبر المنطقة "امتداداً للنفوذ التركي" وتنظر للمقاتلين المحليين والعوائل المهجّرة بالإطار ذاته، وبالتالي تكثّف من عملياتها وتشرعنها تحت هذا الغطاء، دون تمييز بين مدني وعسكري.

بالمقابل، فإن حركة الاغتيالات في عفرين والتبني الواضح لها، يتناسب طرداً مع مستوى القدرة الأمنية للجهات المُسيطرة، فعلى الرغم من تسجيل مناطق "درع الفرات" نسبة أكبر بعمليات الاغتيال (23)، بينما في عفرين ومحيطها (13)؛ إلا أن ذلك لا يعني اختلافاً كبيراً في مستوى الضبط الأمني، خاصة وأن أغلب العمليات التي نُفِّذَت في عفرين كانت "نوعيّة"، ناهيك عن تبني أغلبها بشكل علني من قبل ما تدعى "قوات تحرير عفرين"، وتصاعد نشاطها بشكل يشير إلى ارتفاع مستوى تلك العمليات وتوسيع دائرة أهدافها. مقابل عدم إحراز تقدم كبير على مستوى الضبط الأمني من قبل الجهات المسيطرة. 

ثالثاً: "نبع السلام" (ارتفاع ملحوظ)

يشير الرصد الخاص بمنطقتي رأس العين وتل أبيض، واللتين شكلتا نطاق العملية العسكرية "نبع السلام"، إلى بلوغ عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 13 عملية اغتيال، أسفرت عن 69 ضحية بين قتيل وجريح، نُفِّذَت عمليتان منها عبر الطلق الناري، أسفرتا عن ضحيتين، وحققت إحداهما غايتها في تصفية الجهة المستهدفة (الشكل 7). في حين كانت العبوة الناسفة أداة لتنفيذ 11 عملية، استهدفت عناصر ومجموعات "الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، بينما استهدفت أخرى جهات مدنية، ما أدى إلى وقوع 67 ضحية بين قتيل وجريح (الشكل 8)، 40 منهم من المدنيين، و27 من عناصر "الجيش الوطني". حيث كانت الجهات المدنية هدفاً لتلك العبوات في 5 محاولات، فيما استهدفت 6 محاولات عناصر من "الجيش الوطني".

 

ويتضح من خلال البيانات الخاصة بمدينتي رأس العين وتل أبيض "نبع السلام"، ارتفاعاً ملحوظاً في وتيرة عمليات الاغتيالات، قياساً بالتقرير السابق، والذي سجّل 6 عمليات اغتيال، في حين سجّل التقرير الحالي 13 عملية. بالمقابل يُلحظ ارتفاع في معدل ضحايا تلك العمليات، قياساً بالتقرير السابق، والذي سجّل وقوع 20 ضحية بين قتيل وجريح، في حين رصد التقرير الحالي وقوع 69 ضحية بين قتيل وجريح. ويُعزى ذلك من جهة إلى الارتفاع الواضح في معدل عمليات الاغتيال عن سابقتها في التقرير الفائت، ومن جهة أخرى إلى تغيير نوعية الأهداف وأدوات التنفيذ، حيث نُفِذَت 11 من 13 عملية عبر العبوات الناسفة، التي استهدفت تجمعات مدنية متوسطة الكثافة أو عناصر من "الجيش الوطني" وسط تجمعات مدنية. ما أدى إلى وقوع عدد من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 61%، في حين شكّلت نسبة عناصر "الجيش الوطني" 39% (الشكل 9).   

 

أما بالنسبة للجهات المُنفِّذة، فعلى الرغم من عدم وجود تبنٍ علني لتلك العمليات، إلا أن مصادر جمع البيانات تشير إلى اتهامات لخلايا حزب العمال الكردستاني "PKK" في الضلوع بأغلب تلك العمليات، خاصة وأن طبيعة العمليات لا تختلف عن سابقاتها في مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، من ناحية الأهداف والأدوات وأساليب التنفيذ، الأمر الذي يشير إلى ارتفاع مستوى العمليات الأمنية من جهة، وقد ينذر بازديادها من جهة أخرى.  

ومن خلال الأرقام السابقة لمختلف المناطق المرصودة، يتضح أن مناطق سيطرة "الجيش الوطني" في ريف حلب الغربي "درع الفرات" الأكثر تردياً أمنياً، قياساً بمناطق (عفرين، تل أبيض، رأس العين). وذلك لناحية ارتفاع وتيرة الاغتيالات واتساع الخرق الأمني وتعدد الجهات المُنفِّذة واختلاف مصالحها وارتباطاتها، مقابل ضعف قدرة القوى المُسيطرة على ضبط الأمن وتضييق حجم هذا الخرق.

ولعلّ ارتفاع معدل العمليات إلى هذا الحد لا يُعدُّ مؤشراً على عجز التشكيلات الأمنية لـ "الجيش الوطني" على ضبط الأمن والاستقرار بالنسبة للمدنيين فحسب، وإنما ضعف قدرتها أيضاً على تأمين وحماية عناصرها. وهذا ما تدلل عليه طبيعة تلك العمليات الممتدة إلى مختلف مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، والتي شهدت عمليات اغتيال لا تختلف كثيراً عن سابقتها، لناحية طبيعتها والجهات المُنفِّذة والمُستَهدَفة. بالمقابل، يُلحَظ خلال فترة الرصد الحالية ازدياد استهداف القوات التركية المتواجدة في الشمال على اختلاف مناطقه، حيث تم استهدافهم في منطقة "درع الفرات" وعفرين وكذلك في إدلب كما ستوضح البيانات اللاحقة. وذلك بشكل يشير إلى تصاعد هذا الاستهداف بشكل ممنهج ضمن مختلف مناطق انتشارهم.  

ومهما اختلفت دوافع تنفيذ تلك العمليات والجهات التي تقف وراءها؛ فإن الحد منها وتحمُّل مسؤولية نتائجها يقع في النهاية على عاتق القوى والتشكيلات العسكرية والأمنية المُسيطرة في تلك المناطق، سواء "الجيش الوطني" أم القوات التركية.

رابعاً: إدلب وما حولها (عمليات انتقائية)

بحسب البيانات المرصودة، يتضح أن عدد عمليات الاغتيال فيما تبقى من محافظة إدلب وما حولها بلغ 21 عملية، خلال 6 أشهر من الرصد، حققت 8 عمليات منها غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، بينما فشلت 13 محاولة في ذلك بعد نجاة الطرف المُستَهدَف. وقد أسفَر مجموع العمليات عن 67 ضحية، منهم 29 قتيلاً و38 جريحاً.

أما بالنسبة لأدوات التنفيذ، فقد اعتمدت 7 عمليات اغتيال على الطلق الناري، نجحَت 5 منها في تصفية الهدف، بينما فشلت عمليتين في ذلك، وأسفر مجموع عمليات الطلق الناري عن 21 ضحية، بينهم 13من عناصر هيئة "تحرير الشام" وقيادي في "تنظيم الدولة". مقابل 3 من عناصر "الجبهة الوطنية للتحرير" بينهم قيادي أيضاً. بينما نُفِّذَت 14 عملية عن طريق العبوات الناسفة، أسفرت عن 46 ضحية، منهم عنصر من الجيش التركي المتواجد في المنطقة، مقابل 31 مدنياً، و6 من عناصر "الجبهة الوطنية للتحرير"، و8 من عناصر هيئة "تحرير الشام" (الشكل 10).

ومن مُجمل عمليات الاغتيال الـ 21، استُهدِف عناصر هيئة "تحرير الشام" بواقع 4 عمليات، مقابل عملية إنزال جوي وحيدة استهدفت قيادي في "تنظيم الدولة". في حين تم استهداف عناصر الجبهة "الوطنية للتحرير" بـ 5 محاولات أيضاً، فيما استُهدِفَت الجهات المدنية بواقع 10 عمليات، كما تم استهداف الجيش التركي في محاولة وحيدة (الشكل 11). أما بالنسبة للجهة التي تقف وراء تلك العمليات، فقد تبنّت القوات الأمريكية محاولة وحيدة من مجموع المحاولات استهدفت قيادي في تنظيم "الدولة الإسلامية"([7])، في حين بقيت المحاولات الـ 20 الأخرى مجهولة المُنفِّذ، حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.

ويتضح من خلال بيانات الرصد الخاصة بمناطق إدلب وما حولها، انخفاض طفيف في معدل عمليات الاغتيال، قياساً بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران، وغطى الفترة الممتدة من تموز وحتى كانون الأول 2021. إذ سجّل التقرير السابق 22 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 21 عملية. كما تشير البيانات إلى تعدد الجهات محل الاستهداف، فقد كانت الجهات المدينة الأكثر استهدافاً خلال فترة الرصد الحالي بمعدل 48% من مجموع العمليات. بينما استُهدِفَت فصائل جهادية بمعدل 24%، وبذات النسبة استُهدِفَت الجبهة "الوطنية للتحرير"، في حين كان عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة هدفاً في 4% من عمليات الاغتيال المُنفَّذة خلال فترة الرصد.

ورغم تعدد أدوات تنفيذ عمليات الاغتيال؛ إلا أن الجزء الأكبر من تلك العمليات كانت انتقائية، فقد اعتمدت بنسبة 33% منها على الطلق الناري، مقابل 67% اعتمدت العبوة الناسفة كأداة للتنفيذ، مستهدفة أشخاصاً بعينهم بطريقة غير عشوائية، سواء بالنسبة للعسكريين أم للمدنيين، ما أدى إلى وقوع ضحايا إضافيين ضمن محيط التفجير، أو من مرافقي الشخصية المُستَهدَفة. إذ بلغت نسبة الضحايا المدنيين 67%. مقابل 17% من مجموعات جهادية، في حين شكّلت نسبة الجبهة "الوطنية للتحرير" 13%، و3% من عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة. (الشكل 12).

  

وتشير طبيعة العمليات وأدوات التنفيذ المستخدمة ضمنها، إلى اختلاف واضح في طبيعة الاغتيالات المُنفّذة في إدلب عن باقي مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، والتي تغلب عليها العمليات العشوائية بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، بينما تبدو العمليات في إدلب أكثر انتقائية باتجاه تصفية شخصيات مدنية وعسكرية محددة، وذلك ضمن بيئة معقدة أمنياً، ومتعددة اللاعبين ذوي المصالح المتضاربة.

خاتمة

 تفيد القراءة العامة لهذا التقرير بما يحمله من أرقام وبيانات عن عمليات الاغتيال، باستمرار ضعف الحالة الأمنية في جميع المناطق المرصودة ضمن الشمال السوري، وضعف قدرة القوى الفاعلة وتعثرها في الحد من تلك العمليات، التي تسهم في تراجع مؤشرات الأمن والاستقرار على مختلف المستويات.

وعلى الرغم من محاولات بعض الفصائل والتشكيلات العسكرية المعارضة تطوير أدواتها في ضبط الأمن، من خلال أجهزة الشرطة والشرطة العسكرية، وازدياد أعداد المنتسبين لتلك الأجهزة، وتخريج عدد من الدورات؛ إلا أنها ما تزال غير قادرة على الحد من تلك العمليات، ولا تملك قدرة الوصول إلى مُنفّذيها، الأمر الذي يستدعي إعادة هيكلة تلك الأجهزة، ورفع مستوى التدريب الخاص بعناصرها، ورفدهم بكافة التجهيزات اللوجستية والتقنية التي تساعد في الحد من تلك العمليات. إضافة إلى رفع مستوى التنسيق الأمني بين المناطق المختلفة، وتشكيل لجان أمنية مشتركة للتنسيق بين تلك المناطق من جهة، وإعادة هيكلة آليات التنسيق الأمني بين الجانبين التركي والسوري من جهة أخرى، خاصة مع وجود عوائق إدارية تحول دون الوصول للشكل الأمثل لهذا التنسيق، وبالتالي تسهم بشكل مباشر وغير مباشر بتوسيع هامش الخرق الأمني.

مقابل كل ذلك، لا بد من الدفع بإشراك المجتمع المحليّ والتنسيق مع فعالياته ومؤسساته المدنيّة في هذا الإطار، والسعي لتجسير أي هوة بين تشكيلات قوى الأمن الداخلي والمجتمعات المحلية العاملة ضمنها، بما يُسهّل مهمتها ويعزز من حالة الأمن، ويرفع المسؤولية بأهميتها للجميع، وبشكل يسهم في تأمين بيئة أمنيّة مناسبة لنشاط المؤسسات المدنية.

إضافة لذلك، من المهم أن تعمل القوى الأمنية والعسكرية المسؤولة عن تلك المناطق، على التعاطي مع الاغتيالات والتفجيرات بشفافية أعلى، عبر إعلان بيانات وأرقام رسميّة عن طبيعة تلك العمليات والمسؤولين عنها ونِسب العمليات التي نُفِذّت مقارنة بالمحاولات التي تم إحباطها قبل وقوعها. وذلك بشكل دوري يوضَح وتيرة الاغتيالات والجهد المقابل في مكافحتها والحد منها، ويضع الرأي العام المحلي-الدولي بصورة الواقع الأمني في المنطقة.   

ولا يُعد تردي الأوضاع الأمنية محلياً ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة أمراً منفصلاً عن السياق العام للملف السوري وتعقيداته، والتي ترمي بظلالها محلياً على مختلف المناطق السورية، بغض النظر عن القوى المسيطرة، إذ إن حالة الفوضى الأمنية التي تجلّت بصورة الاغتيالات في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، تتكرّر بصور وأدوات وكثافة مختلفة ضمن مناطق سيطرة نظام الأسد([8])، وكذلك في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، بالرغم من المركزية الأمنية التي تحكم تلك المناطق، والمفتقَدة في مناطق سيطرة فصائل المعارضة.

 

ملحقات:



 

 

 

 

 

 


 

([1] ) "قوات تحرير عفرين": هي مجموعة من المقاتلين الكرد، الذين يصفون تجمعهم بــ "حركة مقاومة” عبر شن هجمات تستهدف الجيش التركي و"الجيش الوطني" المدعوم من تركيا في عفرين ومناطق أخرى، كما أن الحركة لا تقول صراحة إنها تتبع لـحزب الاتحاد الديمقراطي PYD أو "قسد". للمزيد حول طبيعة عمليات تلك الحركة راجع: مجموعة "تحرير عفرين" تتبنى استهداف نقطة تركية بريف حلب، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 13 أيلول/سبتمبر 2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/2f6xU

([2]) فيما يتعلق بمصادر التقرير فهي على الشكل التالي: نقاط الرصد الخاصة بمركز عمران للدراسات في الشمال السوري. المُعرّفات الرسمية للجهات التي تم استهدافها (مدنية، عسكرية).  المُعرّفات الرسمية للجهات المُنفِذة، أو التي تعلن تبنيها للعمليات كـ "غرفة عمليات غضب الزيتون" أو "قوات تحرير عفرين". المُعرّفات والمواقع الرسمية للوكالات ووسائل الإعلام المحليّة، والتي تقوم بتغطية الأحداث في مناطق الرصد.

([3]) للاطلاع على التقرير السابق "الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من تموز حتى كانون الأول 2021 "، راجع الرابط التالي: http://bit.ly/3GmgEDF

([4]) أعلنت "قوات تحرير عفرين عن تبنيها لعمليات نفذت في منطقتي الباب ومارع واستهدفت عناصر من الجيش الوطني، (سوريا: مقتل 4 جنود أتراك و8 مسلحين في عمليات لقوات "تحرير عفرين")، الميادين نت، 19 أيار 2022، https://bit.ly/3HDmaED

([5]) اغتيل 5 عناصر من "الجيش الوطني" وجرح 6 أخرين، بعد أن أطلقت خلية تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" النار على عناصر فصيل الجبهة الشامية. للمزيد راجع: بينهم قيادي ...قتلى وجرحى في استهداف حاجز للجبهة الشامية بريف حلب الشمالي"، تلفزيون سوريا،6 نيسان 2022، http://bit.ly/3Ap4nwx

([6]) "قوات تحرير عفرين" تتبنى عمليات اغتيال لجنود أتراك في مناطق درع الفرات، (قوات "تحرير عفرين" تعلن مقتل جنود أتراك في ريف حلب)، الميادين نت، 30 أيار 2022، https://bit.ly/3jaLcB7، https://bit.ly/3FWeITL

([7]) تنظيم "الدولة الإسلامية" يؤكد مقتل زعيمه أبو إبراهيم القرشي ويعين خلفاً له"، فرانس 24، 10 أذار 2022، متوافر على الرابط التالي: https://bit.ly/3V5bPnY

([8]) الاعتقالات والاغتيالات في درعا: مقاربة النظام الأمنية عقب تسوية 2021،فاضل خانجي، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 15 كانون الأول 2022، https://bit.ly/3YuUTdx

التصنيف تقارير خاصة

مُلخّصٌ تنفيذيّ

  • يرصد هذا التقرير عمليات الاغتيال المُنفَّذة ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة في الشمال السوري، خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني/ يناير وحتى حزيران/ يونيو 2021، والتي بلغ عددها 70 عملية، خلّفت342 ضحية.
  • توضّح عملية الرصد في مختلف المناطق، استخدام أدوات متعددة في تنفيذ الاغتيالات، إذ نُفذّت 36 عملية عن طريق العبوات الناسفة، بينما استخدم الطلق الناري في 19 عملية، في حين نُفِّذت 15 محاولة عبر عربات النقل المفخخة.
  • ما زالت طبيعة العمليات في ريف حلب الشمالي الغربي، تتراوح بين عمليات انتقائية استهدفت أشخاصاً بعينهم، وأُخرى عشوائية استهدفت مجموعات عسكرية وسط تجمعات مدنيين، وعمليات استهدفت تجمعات مدنية خالصة كالأسواق.
  • سجّلت مناطق "درع الفرات" أكبر نسبة اغتيالات خلال الرصد قياساً بباقي المناطق، فيما سجّلت منطقة عفرين أعلى نسبة للضحايا المدنيين، نتيجة طبيعة العمليات وأدوات التنفيذ المستخدمة ضمنها.
  • سجّلت مناطق إدلب وما حولها انخفاضاً في معدل الاغتيالات، مقابل تعدد الجهات المُستَهدَفة والمُنفِّذة، وسط بيئة أمنية معقدة.
  • بالرغم من الانخفاض النسبي في معدل الاغتيالات في إدلب؛ إلا أن العمليات المُنفَّذة كانت انتقائية، اعتمدت على الطلق الناري والعبوات الناسفة، واستهدفت قياديين عسكريين وفاعلين مدنيين.
  • يَلحظ التقرير الحالي زيادة وتيرة العمليات ضد القوات التركية في إدلب، مقابل ظهور مجموعات جديدة تتبنى تلك العمليات، مما يشير إلىى أن استهداف التواجد التركي في سورية عبر العمل الأمني بات يتصاعد بشكل ممنهج ومدروس.
  • تُظهر البيانات المرصودة، نشاطاً واضحاً لـ "غرفة عمليات غضب الزيتون" و"قوات تحرير عفرين"، في مناطق "نبع السلام" وعفرين تحديداً، وذلك عبر التبني العلني لعمليات الاغتيال المُنفّذة في تلك المناطق.
  • إن معدل الاغتيالات وطبيعة أهدافها، لا يعدّان مؤشراً على عجز التشكيلات الأمنية لـلقوى المسيطرة على ضبط الأمن والاستقرار بالنسبة للمدنيين فحسب، وإنما يؤشّران على ضعف قدرتها على تأمين وحماية عناصرها أيضاً.
  • تفيد القراءة العامة للبيانات، بالمزيد من ضعف الحالة الأمنية في جميع المناطق المرصودة ضمن الشمال السوري، مقابل ضعف قدرة القوى الفاعلة وتعثرها في الحد من هذه العمليات، التي تسهم في تراجع مؤشرات الأمن والاستقرار على مختلف المستويات. 

مدخل

تشهد مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة في الشمال السوريّ خرقاً أمنياً واضحاً، يتجلى في أبرز جوانبه بوتيرة عمليات الاغتيال المستمرة ومعدلاتها المرتفعة، والتي تعد مؤشراً هاماً على تدهور حالة الاستقرار الأمني وتدني القدرة على ضبطها من قبل القوى المسيطرة، خاصة مع ازدياد محاولات الاغتيال ضمن تلك المناطق وتعدد دوافعها ومُنفذيها واختلاف أساليبها، وسط استمرار قصف النظام وحلفائه لبعض تلك المناطق، الأمر الذي يزيد من تعقيد الوضع الأمني والقدرة على ضبطه.

وعادةً ما تتصف عمليات الاغتيال بالسريّة لناحية الجهة المنُفذّة؛ إلا أن هناك نسبة كبيرة من تلك العمليات ضمن مناطق سيطرة الفصائل المعارضة تتبناها جهات محددة بشكل علني كغرفة عمليات "غضب الزيتون"([1]) و"سرية أنصار أبي بكر الصديق"([2]) و "قوات تحرير عفرين"([3]). في اختراق أمني واضح وصريح لتلك المناطق، خاصة "نبع السلام" وعفرين. وبالرغم من اختلاف وتيرة ومعدل عمليات الاغتيال من منطقة إلى أخرى ضمن الشمال السوري؛ إلا أنها تتقاطع في التدليل على التراجع العام لمؤشرات الاستقرار الأمني.

وفي متابعة لملف الاغتيالات ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة في الشمال السوري؛ صَمّمَتْ وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، نموذجاً خاصاً لرصد تلك العمليات وتحليل البيانات الخاصة بها، كمؤشرات للاستقرار الأمني ([4])، وإخراجها ضمن تقرير دوريّ يرصد وتيرة عمليات الاغتيال، موضّحاً نتائجها، وما أسفرت عنه، مقابل الجهات المُنفّذة -إن عُلِمت-وكذلك الجهات المُستهدَفة. كما يسعى التقرير إلى تحليل تلك البيانات ومقاطعتها بين مختلف المناطق، في محاولة لرسم الملامح العامة للوضع الأمنيّ وقياس أوليّ لمؤشرات الاستقرار.

وعليه، يرصد هذا التقرير عمليات الاغتيال ضمن مناطق عدة في الشمال السوري، منها: ريف حلب الشمالي، والذي شكّل نطاق العمليات العسكرية: "درع الفرات" و"غصن الزيتون". مقابل مدينتي تل أبيض ورأس العين "نبع السلام" في الشمال الشرقي، إضافة إلى ما تبقى من محافظة إدلب وريف حلب شمال غربي سورية، وذلك خلال الفترة الممتدة ما بين (كانون الثاني/ يناير وحتى حزيران/ يونيو 2021)، إذ بلغ عددها 70محاولة اغتيال، خلّفت 342 ضحية. وتوضّح البيانات انخفاضاً طفيفاً في معدل الاغتيالات، مقارنة بالتقرير السابق، الذي أصدرته وحدة المعلومات في مركز عمران، (الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من تموز حتى كانون الأول 2020)، إذ بلغت 74 عملية، خلّفت 471 ضحية ([5]).

وقد توزعت عمليات الاغتيال الـ 70 المرصودة ضمن التقرير الحالي، بحسب الأشهر، على الشكل التالي: 21 محاولة اغتيال خلال شهر كانون الثاني/ يناير، في حين بلغت خلال شباط/ فبراير 14 محاولة، فيما بلغت المحاولات خلال آذار/مارس 9 محاولات، بينما شهد نيسان/ أبريل 14 محاولة، لتنخفض في أيار/ مايو إلى 11 محاولة، في حين بلغت في حزيران/ يونيو محاولة وحيدة. ويسعى هذا التقرير بعد رصد تلك العمليات، إلى دراستها وتحليلها واستعراضها بحسب؛ مناطق السيطرة، والجهات المُستَهدَفة والمُنفِّذة، طبيعة أداة التنفيذ، ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها، مقابل أثرها على مستوى الأمن والاستقرار في المنطقة.

أولاً: "درع الفرات" (خرقٌ مستمر)

تُظهر عملية الرصد الخاص بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي "درع الفرات"، بلوغ معدل عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 25 عملية (الشكل 1)، نُفّذت 9 منها عبر الطلق الناري، وأسفرت عن 10 ضحايا، إذ حققت 8 عمليات من 9 غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، فيما فشلت عملية وحيدة في تحقيق هدفها. وقد بقيت المحاولات جميعها مجهولة المُنفِّذ. وكانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك الاغتيالات بواقع 3 عمليات، مقابل 6 عمليات استهدفت كوادر إدارية مدنية من المجالس المحليّة والإعلاميين.

بالمقابل، نُفِّذت 11 من 25 عملية عبر العبوات الناسفة، مخلّفةً بمجموعها 30 ضحية (4 قتلى، 26 جريحاً)، منهم 24 مدنياً مقابل 6 من عناصر "الجيش الوطني". فيما نُفِذت 5 عمليات من 25 عبر آليات نقل مُفخّخة، حيث خلَفت 65 ضحية (21 قتيلاً، 44 جريحاً)، منهم 46 مدنياً مقابل 19 من عناصر "الجيش الوطني" (الشكل 2)، واستهَدَفَت أغلب تلك العبوات والمفخخات شخصيات أو مجموعات عسكرية وسط تجمعات المدنيين، إضافة إلى استهداف تجمعات مدنية خالصة. وقد اتهمت وزارة الدفاع التركية عبر بيان رسمي "قوات سوريا الديمقراطية" بتنفيذ عمليتين ([6])، بينما بقيت 14 من مجمل عمليات العبوات الناسفة والمفخخات مجهولة المُنفِّذ.

ويتضح من خلال أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي، انخفاض طفيف في معدل عمليات الاغتيال مقارنة بالتقرير السابق، الذي أصدره مركز عمران وغطى الفترة الممتدة من تموز/ يوليو وحتى كانون الأول/ ديسمبر 2020، إذ سجّل التقرير السابق 27 عملية اغتيال في تلك الفترة، في حين رصد التقرير الحالي تنفيذ 25 عملية. بالمقابل، توضّح الأرقام انخفاضاً في معدل عدد الضحايا، مقارنة بالتقرير السابق، الذي سجّل 240 ضحية، بينما بلغ مجموع عدد الضحايا خلال فترة الرصد الحالية 105 ضحايا. وقد يُردّ ذلك إلى اختلاف أهداف العمليات الحالية وأدوات التنفيذ المستخدمة فيها، والتي اعتمدت بنسبة 36% على الطلق الناري، كما أن أغلب العمليات المُنفَّذة عبر العبوات الناسفة استهدفت شخصيات عسكرية/مدنية بعينها، في حين استهدفت آليات النقل المفخخة في أغلبها تجمعات مدنية خالصة، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 72%، مقابل 28% من عناصر "الجيش الوطني" (الشكل 3).

أما بالنسبة للجهات المُنفِّذة، فيُلحظ من البيانات، إعلان وزارة الدفاع التركية مسؤولية "قوات سوريا الديمقراطية" عن 8% من مجموع العمليات المرصودة. في حين بقيت 92% من عمليات الاغتيال مجهولة المُنفِّذ، الأمر الذي يشير إلى استمرار تردي الواقع الأمني، وضعف قدرة الجهات المسيطرة على تتبع تلك العمليات والكشف عن منفذيها والحد منها.

وبالرغم من أن التقرير سجّل تراجعاً طفيفاً في معدل عمليات الاغتيال في المنطقة، مقارنة بالتقرير السابق؛ إلا أن الواقع ما يزال يشير إلى اتساع الخرق الأمني، مقابل عدم تقدم القوى المسيطرة في ضبط الاستقرار وتضييق حجم هذا الخرق. خاصة في ظل اتهامات لأطراف وجهات عدة بالسعي إلى زعزعة الأمن والاستقرار، وتقاطع مصالحها في ذلك، كحزب الاتحاد الديمقراطي"PYD" وخلاياه النشطة في المنطقة، التي يعدونها امتداداً للنفوذ التركي ومن فيها "أهداف مشروعة"، إضافة إلى النظام الذي يسعى إلى زعزعة أمن المنطقة وإفشال أي نموذج أمني/حوكمي فيها.

ثانياً: عفرين (تبنٍ علنيّ)

من خلال رصد وتحليل البيانات لعمليات الاغتيال الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها من المناطق، يتضح أنها شهدت بالعموم: 16 عملية اغتيال خلال 6 أشهر من الرصد، أسفرت عن 140 ضحية بين قتيل وجريح. وقد نُفِّذت عمليتان من مجموع العمليات الـ 16 عبر الطلق الناري، حققتا غايتهما في تصفية الجهة المستهدفة، وكان عناصر "الجيش الوطني" هدفاً لهاتين العمليتين اللتين بقيتا مجهولتي المُنفِّذ.

بالمقابل، وبحسب البيانات المرصودة، نُفِّذت 14 عملية من مجمل العمليات الـ 16 عبر العبوات الناسفة (الشكل 4)، واستهدفت عناصر ومجموعات لـ "الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، في حين استهدفت أخرى تجمعات مدنية خالصة، ما أدى إلى وقوع 28 قتيلاً و110جرحى (الشكل 5)، 110منهم من الضحايا المدنيين، و28 من عناصر "الجيش الوطني"، وقد تبنّت "غرفة عمليات غضب الزيتون" عبر معرفاتها الرسميّة 3 من مجموع عمليات العبوات الناسفة، كما تبنّت "قوات تحرير عفرين" 3 من مجموع العمليات أيضاً، فيما بقيت 8 محاولات مجهولة المُنفِّذ.

وتبيّن أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها، ارتفاعاً طفيفاً في معدل عمليات الاغتيال، مقارنة بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران، وغطى الفترة الممتدة من تموز وحتى كانون الأول 2020، إذ سجّل التقرير السابق 14 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 16 عملية. وعلى الرغم من ارتفاع معدل عمليات الاغتيال مقارنة بالتقرير السابق؛ إلا أن نسبة الضحايا في التقرير الحالي كانت أكبر، فقد بلغت خلال أشهر الرصد الحالي 140 ضحية، في حين سجّل التقرير السابق 95 ضحية. وقد يُردّ ذلك إلى اختلاف الأهداف وأدوات التنفيذ في أغلب العمليات الحالية، حيث اعتمدت بنسبة 88% على العبوات الناسفة، التي استهدفت شخصيات أو مجموعات عسكرية وسط تجمعات مدنيين، مقابل أخرى استهدفت تجمعات مدنية كالأسواق والأفران، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 79%، مقابل 21% من عناصر "الجيش الوطني" (الشكل 6).

بالمقابل، يُلحظ من خلال البيانات نشاط واضح لغرفة عمليات "غضب الزيتون" و "قوات تحرير عفرين"، فقد تبنّتا تنفيذ 38% من مجمل عمليات الاغتيال المُنفَّذة في المنطقة، إذ يبدو أنها تركّزان عملياتهما ونشاطهما الأمني في عفرين، التي شهدت أكبر عمليات اغتيال تبنتها الغرفة قياساً بباقي المناطق. بينما بقيت 62% من مجموع العمليات مجهولة المُنفذ. وقد استهدفت تلك العمليات في أغلبها عناصر "الجيش الوطني"، والذين تحولوا إلى أهداف متحركة داخل مدينة عفرين، سواء على المستوى الفردي عبر تصفية أفراد بعينهم، أم على مستوى جماعي عبر استهداف مجموعاتهم العسكرية وسط تجمعات مدنية، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين. وتنسجم طبيعة تلك العمليات مع الرؤية المعلنة لـ"غرفة عمليات غضب الزيتون"، والتي تعتبر المنطقة "امتداداً للنفوذ التركي" وترى المقاتلين المحليين والعوائل المهجّرة بالإطار ذاته، وبالتالي تكثف من عملياتها وتشرعنها تحت هذا الغطاء، دون تمييز بين مدني وعسكري.

بالمقابل، فإن حركة الاغتيالات في عفرين والتبني الواضح لها، يتناسب طرداً مع مستوى القدرة الأمنية للجهات المُسيطرة، فعلى الرغم من تسجيل مناطق "درع الفرات" نسبة أكبر بعمليات الاغتيال (25) من عفرين ومحيطها (16)؛ إلا أن ذلك لا يعني اختلافاً كبيراً في مستوى الضبط الأمني، خاصة وأن أغلب العمليات التي نُفّذت في عفرين كانت "نوعيّة"، ناهيك عن وضوح الجهات التي تقف خلفها، وهي "غرفة عمليات غضب الزيتون" و"قوات تحرير عفرين"، وتوسيعهما لنشاطهما بشكل يشير إلى ارتفاع مستوى تلك العمليات وتوسيع دائرة أهدافهما، وزيادة النشاط الأمني لبقايا خلايا حزب الاتحاد الديمقراطي"PYD". مقابل استمرار الخرق الأمني في المنطقة، وعدم إحراز تقدم كبير على مستوى الضبط من قبل الجهات المسيطرة.

ثالثاً: "نبع السلام" (اتهامات لـ PKK)

 يشير الرصد الخاص بمنطقتي رأس العين وتل أبيض، واللتين شكلتا نطاق العملية العسكرية "نبع السلام"، إلى بلوغ عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 12عملية اغتيال، نُفّذت عمليتان منها عبر الطلق الناري، حقتتا غايتهما في تصفية الجهة المستهدفة (الشكل 7). في حين كانت العبوة الناسفة أداة لتنفيذ 10 عمليات، استهدفت عناصر ومجموعات "الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، بينما استهدفت أخرى جهات مدنية، ما أدى إلى وقوع 58 ضحية بين قتيل وجريح (الشكل 8)، منهم 42 مدنياً، و16 من عناصر "الجيش الوطني". وكانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك العبوات بواقع 5 محاولات، مقابل 5 محاولات أيضاً استهدفت جهات مدنية.

ويتضح من خلال البيانات الخاصة بمدينتي رأس العين وتل أبيض "نبع السلام"، انخفاض طفيف في عمليات الاغتيالات، قياساً بالتقرير السابق، والذي سجّل 15 عملية اغتيال، في حين سجّل التقرير الحالي 12 عملية، بالمقابل يُلحظ انخفاض في معدل ضحايا تلك العمليات، قياساً بالتقرير السابق، والذي سجّل وقوع 97 ضحية بين قتيل وجريح، في حين رصد التقرير الحالي وقوع 60 ضحية بين قتيل وجريح. وقد يُردّ ذلك من جهة إلى الانخفاض الطفيف في معدل عمليات الاغتيال عن سابقتها في التقرير الفائت، ومن جهة أخرى إلى تغيير نوعية الأهداف التي باتت تركز على استهداف أفراد بعينهم سواء كانوا مدنيين أم عسكرييين عبر العبوات الناسفة والطلق الناري، مقابل عمليات أخرى استهدفت تجمعات مدنية متوسطة الكثافة أو عناصر من "الجيش الوطني" وسط تجمعات مدنية. ما أدى إلى وقوع عدد من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 70%، في حين شكّلت نسبة عناصر "الجيش الوطني" 30% (الشكل 9). 

أما بالنسبة للجهات المُنفِّذة، فعلى الرغم من عدم وجود تبنٍ علني لتلك العمليات، إلا أن مصادر جمع البيانات تشير إلى اتهامات لخلايا حزب العمال الكردستاني "PKK" في الضلوع بأغلب تلك العمليات، خاصة وأن طبيعة العمليات لا تختلف عن سابقاتها في مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، من ناحية الأهداف والأدوات وأساليب التنفيذ.

ومن خلال الأرقام السابقة لمختلف المناطق المرصودة، يتضح أن مناطق سيطرة "الجيش الوطني" في ريف حلب الغربي "درع الفرات" الأكثر تردياً أمنياً، قياساً بمناطق (عفرين، تل أبيض، رأس العين). وذلك لناحية ارتفاع وتيرة الاغتيالات واتساع الخرق الأمني وتعدد الجهات المُنفِّذة واختلاف مصالحها وارتباطاتها، مقابل ضعف قدرة القوى المُسيطرة على ضبط الاستقرار وتضييق حجم هذا الخرق. ولعل ارتفاع معدل العمليات إلى هذا الحد لا يُعدُّ مؤشراً على عجز التشكيلات الأمنية لـ "الجيش الوطني" على ضبط الأمن والاستقرار بالنسبة للمدنيين فحسب، وإنما ضعف قدرتها أيضاً على تأمين وحماية عناصرها، وهذا ما تدلل عليه طبيعة تلك العمليات، الممتدة إلى مختلف مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، والتي شهدت عمليات اغتيالات لا تختلف كثيراً عن سابقتها، لناحية طبيعتها والجهات المُنفِّذة والمُستَهدَفة. ومهما اختلفت دوافع تنفيذها والجهات التي تقف وراءها؛ فإن الحد منها وتحمُّل مسؤولية نتائجها يقع في النهاية على عاتق القوى والتشكيلات العسكرية والأمنية المُسيطرة في تلك المناطق، سواء "الجيش الوطني" أم القوات التركية.

 

رابعاً: إدلب وما حولها (أهداف متعددة)

من خلال البيانات المرصودة، يتضح أن عدد عمليات الاغتيال فيما تبقى من محافظة إدلب وما حولها بلغ  17 عملية، خلال 6 أشهر من الرصد، حققت 5 عمليات منها غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، بينما فشلت 12 محاولة في ذلك بعد نجاة الطرف المُستَهدَف. وقد أسفر مجموع العمليات عن 37 ضحية، منهم 12 قتيلاً و25 جريحاً.

أما بالنسبة لأدوات التنفيذ، فقد اعتمدت 6 عمليات اغتيال على الطلق الناري، نجحت 3 منها في تصفية الهدف، بينما فشلت 3 عمليات في ذلك، وأسفر مجموع عمليات الطلق الناري عن 7 ضحايا، بينهم قاضٍ و 4 من الفصائل الجهادية ضمنهم قائد ميداني. بينما نُفِّذَت 11 عملية عن طريق العبوات الناسفة، أسفرت عن 30 ضحية، منهم 7 من فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير" ضمنهم قياديون ميدانيون، مقابل 6 مدنيين ضمنهم عضو مجلس محلي، في حين استُهدِف عناصر "هيئة تحرير الشام" في عملية أسفرت عن قتيلين، كما استُهدِف عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة بـ 4 محاولات أسفرت عن 15 بين قتيل وجريح (الشكل 10).

ومن مُجمل عمليات الاغتيال الـ 17، استُهدِف عناصر وقيادات "مجموعات جهادية" بواقع 5 عمليات، بينما كانت فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير" هدفاً في 3 منها، في حين تم استهداف جهات مدنية بواقع 5 عمليات، كما تم استهداف الجيش التركي في 4 محاولات (الشكل 11). أما بالنسبة للجهة التي تقف وراء تلك العمليات، فقد تبنّت سرية "أنصار أبي بكر الصديق" محاولة وحيدة استهدفت عناصر الجيش التركي، في حين بقيت المحاولات الـ 16 الأخرى مجهولة المُنفِّذ، حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.

ويتضح من خلال بيانات الرصد الخاصة بمناطق إدلب وما حولها، انخفاض طفيف في معدل عمليات الاغتيال، قياساً بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران، وغطى الفترة الممتدة من تموز وحتى كانون الأول 2020. إذ سجّل التقرير السابق 18 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 17 عملية. كما تشير البيانات إلى تعدد الجهات محل الاستهداف، فقد كانت الجهات المدينة والفصائل الجهادية الأكثر استهدافاً خلال فترة الرصد الحالي بمعدل 29% لكل منهما من مجموع العمليات. بينما كان عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة هدفاً في 24% من عمليات الاغتيال المُنفَّذة خلال فترة الرصد، إذ يلحظ التقرير الحالي ازدياداً واضحاً في استهدافهم، قياساً بالتقرير السابق، الذي لم يرصد أية محاولة ضدهم. في حين مثلت "الجبهة الوطنية للتحرير" هدفاً في 18% من مجموع العمليات.

وبالرغم من تعدد أدوات تنفيذ عمليات الاغتيال؛ إلا أن الجزء الأكبر من تلك العمليات كانت انتقائية، فقد اعتمدت بنسبة 35% على الطلق الناري، مقابل 65% اعتمدت العبوة الناسفة كأداة للتنفيذ، مستهدفة أشخاصاً بعينهم بطريقة غير عشوائية، سواء بالنسبة للعسكريين أم المدنيين، ما أدى إلى وقوع ضحايا إضافيين ضمن محيط التفجير، أو من مرافقي الشخصية المستهدَفة. حيث بلغت نسبة الضحايا المدنيين 22% مقابل 78% من العسكريين (الشكل 12).

 

وتشير طبيعة العمليات وأدوات التنفيذ المستخدمة ضمنها، إلى اختلاف واضح في طبيعة الاغتيالات المنفذة في إدلب عن باقي مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، التي تغلب عليها العمليات العشوائية بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، بينما تبدو العمليات في إدلب منتظمة ومدروسة باتجاه تصفية شخصيات مدنية وعسكرية محددة، وذلك ضمن بيئة معقدة أمنياً، ومتعددة اللاعبين ذوي المصالح المتضاربة، في مؤشر لفوضى البيئة أمنياً وتراجع القدرة على الضبط والسيطرة. ولعل ما يؤكد ذلك هو انخفاض نسبة الضحايا المدنيين في المنطقة مقارنة بالعسكريين، الأمر الذي يختلف كلياً عن باقي مناطق سيطرة الجيش الوطني حيث يشكل المدنيون النسبة الأكبر من حصيلة عمليات الاغتيال ضمنها.

خاتمة

 تفيد القراءة العامة لهذا التقرير بما يحمله من أرقام وبيانات عن عمليات الاغتيال، باستمرار ضعف الحالة الأمنية في جميع المناطق المرصودة ضمن الشمال السوري، وضعف قدرة القوى الفاعلة وتعثرها في الحد من هذه العمليات، التي تسهم في تراجع مؤشرات الأمن والاستقرار على مختلف المستويات.

وعلى الرغم من محاولات بعض الفصائل والتشكيلات العسكرية المعارضة تطوير أدواتها في ضبط الأمن، من خلال أجهزة الشرطة والشرطة العسكرية، وازدياد أعداد المنتسبين لتلك الأجهزة، وتخريج عدد من الدورات؛ إلا أنها ما تزال غير قادرة على الحد من تلك العمليات، ولا تملك قدرة الوصول إلى مُنفّذيها، الأمر الذي يستدعي إعادة هيكلة تلك الأجهزة، ورفع مستوى التدريب الخاص بعناصرها، ورفدهم بكافة التجهيزات اللوجستية والتقنية التي تساعد في الحد من تلك العمليات، إضافة إلى رفع مستوى التنسيق الأمني بين المناطق المختلفة، وتشكيل لجان أمنية مشتركة للتنسيق بين تلك المناطق من جهة، ولإعادة هيكلة آليات التنسيق الأمني بين الجانبين التركي والسوري من جهة أخرى، خاصة مع وجود عوائق إدارية تحول دون الشكل الأمثل لهذا التنسيق، وبالتالي تسهم بشكل مباشر وغير مباشر بتوسيع هامش الخرق الأمني.

مقابل كل ذلك، لا بد من الدفع لإشراك المجتمع المحليّ والتنسيق مع فعالياته ومؤسساته المدنيّة في هذا الإطار، والسعي لتجسير أي هوة بين تشكيلات قوى الأمن الداخلي والمجتمعات المحلية العاملة ضمنها، بما يسهّل مهمتها ويعزز من حالة الأمن، ويرفع المسؤولية بأهميتها للجميع، وبشكل يسهم في تأمين بيئة أمنيّة مناسبة لنشاط المؤسسات المدنية. إضافة لذلك، من المهم أن تعمل القوى الأمنية والعسكرية المسؤولة عن تلك المناطق، على التعاطي مع الاغتيالات والتفجيرات بشفافية أعلى، عبر إعلان بيانات وأرقام رسميّة عن طبيعة تلك العمليات والمسؤولين عنها ونِسب العمليات التي نُفِذّت مقارنة بالمحاولات التي تم إحباطها قبل وقوعها، وذلك بشكل دوري يوضَح وتيرة الاغتيالات والجهد المقابل في مكافحتها والحد منها، ويضع الرأي العام المحلي-الدولي بصورة الواقع الأمني في المنطقة.   

ولا يُعد تردي الأوضاع الأمنية محلياً ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة، أمراً منفصلاً عن السياق العام للملف السوري وتعقيداته، والتي ترمي بظلالها محلياً على مختلف المناطق السورية، بغض النظر عن القوى المسيطرة، إذ إن حالة الفوضى الأمنية التي تجلت بصورة الاغتيالات في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، تتكرر بصور وأدوات وكثافة مختلفة ضمن مناطق سيطرة نظام الأسد، وكذلك مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، على الرغم من المركزية الأمنية التي تحكم تلك المناطق، والمفتقَدة في مناطق سيطرة فصائل المعارضة.

 

([1] ) "غرفة عمليات غضب الزيتون": وهي بحسب توصيفها   لنفسها عبر معرفاتها الرسميّة؛ "مجموعة من شباب وشابات عفرين، مختصة بالعمليات ضد "مرتزقة الاحتلال التركي"، وتقوم باغتيال المقاتلين المحليين المدعومين من تركيا، بالإضافة إلى المقاتلين الأتراك المتواجدين في المنطقة، للاطلاع والتعرف أكثر على هذه المجموعة راجع الرابط التالي: http://www.xzeytune.com

([2] )"سرية أنصار أبي بكر الصديق": فصيل عسكري ينشط في إدلب، "يدّعي استقلاليته وعدم تبعيته لأي جهة"، ينشط في عمليات أمنية ضد عناصر الجيش التركي في محافظة إدلب، للمزيد راجع: ما هوية "السرية" التي نفذت 19 هجوماً ضد القوات التركية في إدلب، السورية.نت، 24 تشرين الأول/أكتوبر، متوافر على الرابط التالي: https://bit.ly/3r92NuR

([3] ) "قوات تحرير عفرين": هي مجموعة من المقاتلين الكرد، الذين يصفون تجمعهم بــ "حركة مقاومة” عبر شن هجمات تستهدف الجيش التركي و"الجيش الوطني" المدعوم من تركيا في عفرين ومناطق أخرى، كما أن هذه الحركة لا تقول صراحة إنها تابعة لـحزب الاتحاد الديمقراطي PYD أو "قسد". للمزيد حول طبيعة عمليات تلك الحركة راجع: مجموعة "تحرير عفرين" تتبنى استهداف نقطة تركية بريف حلب، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 13 أيلول/سبتمبر 2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/2f6xU

([4]) فيما يتعلق بمصادر التقرير فهي على الشكل التالي: 1) نقاط الرصد الخاصة بمركز عمران للدراسات الاستراتيجية في الشمال السوري. 2) التقرير الأمني الخاص الصادر عن مكاتب منظمة "إحسان الإغاثية" في الشمال السوري. 3) المُعرّفات الرسمية للجهات التي تم استهدافها (مدنية، عسكرية). 4) المُعرّفات الرسمية للجهات المُنفِذة، أو التي تعلن تبنيها للعمليات كـ "غرفة عمليات غضب الزيتون". 5) المُعرّفات والمواقع الرسمية للوكالات ووسائل الإعلام المحليّة، والتي تقوم بتغطية الأحداث في

مناطق الرصد.

([5]) للاطلاع على التقرير السابق "الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من تموز حتى كانون الأول 2020"، راجع الرابط التالي: https://bit.ly/3l8pagk

[6])) بيان صادر عن وزارة الدفاع التركية تعلن من خلاله تنفيذ "قوات سوريا الديمقراطية" لعمليتي اغتيال في مناطق "درع الفرات"، متوافر على الرابط: https://bit.ly/3FQzWzx

التصنيف تقارير خاصة

على الرغم من جولات الحوار السابقة المتعثرة؛ أحدثت دعوة قيادة "قوات سوريا الديمقراطية" للحوار بين الأطراف الكردية، صدىً بين الأحزاب الكردية و"الإدارة الذاتية". دعوةٌ ترافقت مع دفعٍ أمريكي واضحٍ للتيارات الكُردية للوصول إلى صيغة توافق معقّدة؛ تتمكن عبرها من "التمكين المحلي"، و"التفاعل أكثر" مع المعارضة السورية و"تهدئة" الجانب التركي.  ولقياس هذا الصدى وطبيعته، وتلمُّس مالاته، يحاول تقدير الموقف، تسليط الضوء على السياقات السياسية، والعسكرية التي أدّت إلى ما وصلت إليه العلاقة الكُردية البينيّة حالياً، وتحليل غايات هذا التقارب، وتتبّع مؤشرات بناء الثقة بين الأطراف الكُردية، ومن ثم استشراف مآلات هذا التقارب وتحدياته.

سنوات والتعثُّر ديدن المحاولات

حاول الطرفان الكُرديان (حزب الاتحاد الديمقراطي، والمجلس الوطني الكُردي) الدخول  في مفاوضات تؤدي لتقاسُم، وتشارُك السلطة خلال الأعوام 2012-2015([1])، عبر عدّة اتفاقيات وتفاهمات (هولير1، هولير2، دهوك([2]))، إلا أنها باءت بالفشل؛ لأسبابٍ عدّة مرتبطةٍ بسياسة المحاور الوطنية، والإقليميّة من جهة، ومتعلِّقةٍ بأسبابٍ  ذاتيةٍ نابعةٍ من طبيعة الاْطراف الكُردية نفسها من جهةٍ ثانية؛ وليدخل الملف السوري من بداية العام 2015 مرحلة جديدةً مع انخراطٍ مباشرٍ لقوىً إقليميّةٍ، ودوليّةٍ في الصراع السوري، كالولايات المتحدة الأمريكية بدعمها "لوحدات حماية الشعب" في مواجهة "تنظيم الدولة"، والاتحاد الروسي بدعمه المباشر للنظام، وتركيا عبر الدخول البري المباشر؛ لتحقيق عدّة أهدافٍ متعلِّقةٍ بأمنها القومي كإنهاء، وإعاقة مشروع "الإدارة الذاتية"،  والحفاظ على بعض  المناطق تحت سيطرة المعارضة. وفي هذا العام اتسعت مساحة الخلاف بين الأطراف الكُردية، وكادت تنعدم محاولات التوفيق بين الطرفين؛ باستثناء بعض المبادرات المجتمعية من شخصيات، أو منظمات المجتمع المدني، والتي لم تتكلّل بالنجاح، وتعرَّض "المجلس الوطني الكردي" لمضايقاتٍ، واعتقالاتٍ من قبل أجهزة الإدارة الذاتية أدّت لإيقاف شبه كامل لنشاطه في سورية، بينما منح تحالف "وحدات حماية الشعب" و"قسد" مع قوات التحالف الدولي منحهم جرعةً زائدةً من الثقة بديمومة مشروعهم، دون الأخذ بالحسبان غياب أيَّة توافقاتٍ سياسية سواءً محليةٍ، أو وطنيةٍ تُأطّر بقائها في المشهد. 

قُوبلت الثقة الزائدة التي اكتسبتها الإدارة الذاتية بالدخول الأمريكي بوجود فيتو مزدوج من تركيا، والمعارضة السورية على دخول "الإدارة" في المسار السياسي كطرف ثالث، أو ضمن لوائح وفد المعارضة للمفاوضات، وعليه وخلال عامي 2017 -2018 توجهت "الإدارة" للوصول إلى التفاوض مع النظام عبر الوساطة الروسية في "قاعدة حميميم"، إلا أن معظم جولات التفاوض بين الطرفين باءت بالفشل.([3])

ومع بداية عام  2018 شهدت منطقة عفرين بدء العملية التركية " غصن الزيتون" والتي أدّت لإنهاء وجود الإدارة الذاتية فيها، وهو ما شكّل نقطة تحوّل في العلاقة الكُردية البينيّة؛ حيث هاجمت "الإدارة الذاتية وأحزابها" المجلس الوطني الكُردي؛ كونه أحد مكونات الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، الذي دعم العملية، وفي عام 2019 مع "الانسحاب الأمريكي "الجزئي المفاجئ"، وبدء عملية " نبع السلام " وسيطرة تركيا على المنطقة  الممتدّة من مدينة رأس العين إلى تل أبيض شمالاً، وجنوباً وصولاً إلى الطريق الدولي، M4، بدى جلياً التغيُر في المواقف، والتصريحات الكُردية البينيّة خلال هذه العملية غايرت شاكلتها خلال " غصن الزيتون"، لتكون من جهة قيادة " قسد" مطالبة بإنهاء حالة الانقسام الكُردي، ومن جهة المجلس مطالبة بتوافقٍ يُنهي سلطة الحزب الواحد على مفاصل "الإدارة الذاتية"، ويفتح المجال لتشارُك السلطة، مدعوماً برغبة أمريكية غير واضحة المعالم؛ أتت ضمن محاولات واشنطن الحفاظ على ما تبقى من الإدارة الذاتية؛ بصيغة تلبي مطالب تركيا من جهة، وتُطمئن الفواعل المحلية من جهة أخرى.

تطورت الرغبة الأمريكية، والنداءات الكُردية البينيّة لتصل إلى مرحلة البدء بخطوات بناء الثقة أقدم عليه الطرفان، فمن جهتها وبعد نداء قائدها " مظلوم عبدي" بضرورة الكشف عن مصير المختطفين، والمُغيّبين من أنصار المجلس الوطني الكردي قامت " قوات سوريا الديمقراطية" بنشر بيانٍ يتطرق لمصير عشرة أسماء قدّمها المجلس الكُردي، وفي حين أن البيان اتسم بتشتيت المسؤولية حول مصير المختطفين والمغيبين، إلا أن البعض اعتبره بادرةً يمكن البناء عليها، ليتطور الأمر لاحقاً إلى عودة المجلس الكُردي لفتح بعض مكاتبه، بالإضافة لقيام بعض أحزابه بخطوات مماثلة.

"الوحدة الكُردية" مخدر الأزمات

ارتبط ملف التفاوض الكُردي البيني بعوامل ثابتة، وأخرى متغيرة خلال سنوات الصراع السوري، فمن الثوابت التي استمرت منذ تشكّل "الإدارة الذاتية"، كان ما يتعلق بالاصطفاف الداخلي، فالمجلس الكُردي توجه للاتفاق مع الائتلاف الوطني السوري، ودخل ضمن إطاره السياسي، كما حصل على مقاعد ضمن هيئة المفاوضات، واللجنة الدستورية، تحت مظلّة الائتلاف، بينما الإدارة الذاتية وإن حاولت أن تبقي على سياسة الطرف الثالث ضمن المشهد السوري، إلا أنها لم تنجح في تحقيقها بدرجة صلبة سليمة، فهي من جهة ضمن إطار " منصّة القاهرة لبعض قوى المعارضة"، ومن جهة أخرى تتجه لتفاوض دمشق، وموسكو منفردة، في وقتٍ تحاول الحفاظ  على ما تبقيه واشنطن من علاقة معها. ويمكن إضافة الموقف الثابت من النظام من أيّة عملية تفاوض، وتوجهه لإبقائها ضمن حدود عودة الطرف الآخر "لحضن الوطن"، والتنازل عن كُل، أو معظم ما اكتسبه خلال سنوات الصراع من أُطر لامركزية، أو قوات عسكرية وأمنية، وهو ما أبقى على نتيجة كافة المفاوضات بين الإدارة الذاتية، والنظام ضمن نطاق محادثاتٍ أولية، دون أن تتقدم للبحث في تفاصيلٍ مُعمّقةٍ، أو اتفاقاتٍ على خطوطٍ عريضةٍ، أو ضيقةٍ حول مصير الإدارة الذاتية.

أما بعض المتغيرات التي حصلت، فمنها انسحاب واشنطن "الجزئي" من المنطقة، ولاحقاً العودة، والتمركز فيما تبقى من مناطق لم يدخلها النظام أو الروس، ومحاولة إعادة رسم الخريطة الجغرافية العسكرية، بطريقة تمنع موسكو من التمدد أكثر في محيط مدينة القامشلي باتجاه الشرق، ومع هذا الغياب الميداني، نشهد تطوراً ملحوظاً في نشاط الولايات المتحدة فيما يخص عملية التفاوض بين المجلس الوطني الكُردي، والإدارة الذاتية، إلا أنه نشاطٌ مبهمٌ، فواشنطن إلى الآن تعطي إشاراتٍ للمجلس بضرورة بقائه ضمن المعارضة السورية، على أنها المكان الطبيعي له ، كما أنها تقوم بدور الوسيط بين المجلس، والإدارة بصورةٍ غير مُعلنة التفاصيل والخطوات، ولم يُقدّم المسؤولون الأمريكيون إلى الآن للطرفين أيّة صيغة للتوافق تستطيع أن توافق بين تخوفات "المجلس"، وطلبات "الإدارة الذاتية"، بالتوازي مع ما يقبل به الجانب التركي، الذي دخل بقوة صلبة أكثر ضمن الجغرافية السورية، سواءً عبر العمليات الثلاث التي استهدفت إنهاء مشروع "الإدارة الذاتية، أو عبر "ملف إدلب" الذي رغم معاناة تركيا فيه من خرق موسكو، ودمشق لاتفاقاتهم، إلا أنه يشهد انخراطاً تركياً متزايداً، سيمنح تركيا في حال استمراره كلمةً أقوى في مستقبل سورية السياسي، لذا سيكون من الصعب التوصل لصيغة توافقٍ ثنائية في ظل انخراطٍ، وتواجدٍ تركي أكبر ضمن الجغرافية السورية، إلا في حالة تقديم واشنطن صيغة حلٍ تؤدي في النهاية لإحداث تغييراتٍ شاملة ضمن المنظومة الحاكمة شمال شرق الفرات.

تُشكّل هذه العوامل نقاطاً مهمة ضمن عملية التفاوض الكُردية البينية، فالمجلس الكُردي لا يمتلك رفاهية البقاء ضمن المعارضة السورية، والوصول مع "الإدارة الذاتية" لاتفاقية لم يُدرك المجلس إلى الآن مصيره ضمنها، مع وجود هواجس لديه من أن تؤدي أيّة خطوة تَوافق مع "الإدارة الذاتية" إلى ابتلاعه بهيكله السياسي وقواه الشعبية، كما أن النظام من جهته_ وفي الفترة الأخيرة_ أشار بأصابعه إلى عدم تمثيل "الإدارة الذاتية" لجميع الكُرد، وركّز على ضرورة أن يتوحّد الكُرد، في مطالبهم، ووفدهم المستقبلي، ولا يغيب عن هذا المشهد العامل التركي؛ المتمثل برفضه لبقاء أيّة سلطة نوعية "لحزب الاتحاد الديمقراطي" ضمن منظومة حكم شمال شرق سورية، إلا في حالة وصول الولايات المتحدة في جهودها لحلٍ يرضي الأطراف جميعها، وتطور موقف رأس النظام مؤخراً لينفي وجود قضيةٍ كردية في سورية، لا بل وضع مطالب "الكُرد بالحكم الذاتي" في خانة أطروحات تبناها الانفصاليون، وبالأخص المجموعات التي وصفها بانها نزحت لسورية من تركيا خلال القرن الماضي. وحول القضية الكُردية في سورية قال الأسد" ما تسمى القضية الكردية هي عبارة عن عنوان غير صحيح، عبارة عن عنوان وهمي كاذب"، هذا التصريح جاء كإشارة لانهيار محاولة التفاوض بين النظام والإدارة الذاتية، إلا أن الإدارة لاتزال تحاول الإبقاء على بعض الخطوط مفتوحة، وهو ما يمكن ملاحظته من تصريح إلهام أحمد، رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية، في ردها على الأسد حيث قالت "تصريحات الرئيس السوري لا تخدم وحدة الأراضي السورية، ولا تخدم الحوار السوري الداخلي".

يُعتبر شعار "الوحدة الكُردية" من أكثر الشعارات المستخدمة شعبياً، فمعظم بيانات حالات الانشقاق الكثيرة؛ التي أصابت الأحزاب الكُردية خلال مدة تزيد عن خمسين، عاماً، بدأت بالدعوة لوحدة الصف الكُردي، أما في مرحلة ما بعد الثورة، فتلازمت الدعوة لوحدة الصف الكُردي عادةً مع التهديدات الخارجية، من احتمال انهيار النظام في مرحلة ما بين عامي 2012-2014، أو في تنامي خطر "تنظيم الدولة " عام2015، ومن إمكانية إنهاء الآمال لأي مشروع بغالبية كُردية في شمال سورية في مرحلة عام2018 وما بعدها.

تشبه الدعوة الجديدة للوصول لاتفاق كردي بيني سابقاتها، إلا أن المُتغير الأهم هذه المرة يكمن في " الشخصية الجدلية لقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي". مظلوم عبدي، أو مظلوم كوباني، الذي بقي بعيداً عن الشاشات لسنواتٍ عدّة، مثل معظم الكوادر الكُردية سواءً ذات الهوية السورية أو التركية، ممن قَدِمُوا ضمن بعثات "حزب العمال الكُردستاني" منذ العام 2012، في محاولة الحزب تشكيل كيانٍ لتطبيق نظرية "الأمة الديمقراطية على بقعة جغرافية".

المُتغير في حالة "مظلوم" أنه يحاول محاولةً هي الأولى من نوعها ضمن المنظومة الحاكمة لشمال شرق سورية، وهي التبرئة من إرث (الإدارة الذاتية، ووحدات حماية الشعب)، وبقية الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة لها، فيما يخص الاتفاق الكردي-الكردي، وفصل "قسد" بمرحلة ما بعد 2015 عمّا  قبلها، والعمل على تكوين شخصية عسكرية " تحاول خلق حيادٍ للجهة العسكرية المسيطرة"، عن الأطراف السياسية المتنازعة، ولا يخفى دور الولايات المتحدة الامريكية في رسم وتقوية هذه الشخصية العسكرية، عبر ملازمة مسؤولي الملف السوري لمظلوم في الداخل، ونقل مواقفه لبقية الأطراف الكُردية والإقليمية، كما تجنّب "مظلوم" نفسه خلال عملية " نبع السلام"، القيام برفع سقف تهديدات المواجهة، بل قدّم خلالها، وبعد انتهاء العملية دعواتٍ عدّة للتفاوض؛ سواءً مع المجلس الوطني الكُردي، أو حتى تركيا، التي من جهتها لم تُقلِّل من سقف سواءً تهديدها بالاستمرار بعملياتٍ عسكرية مستقبلية، أو رفضها لأيّة محاولات لإعطاء مقعدٍ "للإدارة الذاتية"، وقواتها ضمن الأطر التفاوضية المتمثلة بعملية جنيف وأستانا، والقوى السياسية المنخرطة فيها من هيئة التفاوض ومنصاتها، أو اللجنة الدستورية ومرشحيها.

بين حالة الأزمة التي تدفع بالأطراف الكردية لدعوات الحوار، وبين وجود متغيّرٍ جديد يتمثل في دفع واشنطن سواءً لشخص "مظلوم عبدي"، أو الأطراف السياسية للتقارب، تظهر كافة المعوّقات القديمة التي أدّت لانهيار اتفاقات الأطراف الكُردية.

 إرثٌ قديم وتحديات مستقبلية

يستمر موضوع الارتباطات سواءً الإقليمية، أو المحلية بإلقاء ظلاله على أي اتفاق تصل له الأطراف الكُردية، أما في الوضع الحالي فيتم تلمّس انخراط مباشر من الولايات المتحدة، وهو ما يمكن أن يقلل لدرجة معينة من تأثير التيارات الكُردية الإقليمية على صيغ التوافق بين الطرفين، إلا أن مطالبات "المجلس" بالعودة للاتفاقيات السابقة بين الطرفين، في ظل رغبة " قسد" بشكلٍ أساسي البدئ بعملية تفاوض جديدة، سيُلقي بظلاله على تطور المحادثات بينهم. في مجمل الاتفاقيات السابقة بين الطرفين لم يكن العامل "الأيديولوجي" هو المانع الرئيس لوصول الأطراف الكُردية لتطبيق الاتفاق، بل كانت آليات التطبيق، وانعدام وجود طرفٍ ضامنٍ ضاغط كالولايات المتحدة الأمريكية، هو أحد أهم المسبّبات في فشل تطبيق المتفق عليه، وهنا لا يمكن تجاهل الدور الذي لعبه "إقليم كُردستان" في أن يكون المُيسّر والضاغط على الأطراف جميعها للوصول وتطبيق الصيغ المتفق عليها. إلا أن "حزب الاتحاد الديمقراطي" بشكلٍ رئيس كان يرفض أي تشارُكية حقيقية للسلطة، ولا يمكن حساب درجة تحسن حالة قبول "حزب الاتحاد" للتخلص من هذه الإشكالية إلا عبر الوصول للاتفاق ومشاهدة مستقبله.

ومع تغير الوقائع على الأرض بشكلٍ كبيرٍ، منذ آخر صيغة للاتفاق بين الطرفين عام 2015 في "اتفاقية دهوك"، إلا أن النقاط الخلافية التي أدّت لإنهاء الاتفاقيات قبل البدء في تطبيقها لاتزال مستمرة وهي:

  • الشكل المستقبلي للقوات العسكرية في المنطقة: فسابقاً كانت "وحدات حماية الشعب"، ومصيرها أحد أهم بنود الخلاف. واليوم يظهر أن " قسد "، ومن خلفها واشنطن يغلقان الأبواب أمام نقاش مصير القوات العسكرية في المنطقة، عبر لعبهم دور المُيسّر للحوار وأحد الضامنين له.
  • الخلافات التنظيمية داخل "المجلس الوطني الكُردي": كانت سبباً معوّقاً هاماً في السير ببنود الاتفاقات وتطبيقها، "فالمجلس" كان مُشكّلاً من عدد كبير من الأحزاب، والعديد من الأحزاب ضمن "المجلس" لا تمتلك الكادر الذي يغطي هيكلية التنظيم في بضعة مدن، وأحياناً في مدينة واحدة. وأثَّرّ على هذه الهياكل الحزبية أيضاً العصبية الحزبية، والمُزاحمة الشخصية على الحصص. ومنذ عام2015 إلى الآن، زادت انشقاقات بعض أحزاب المجلس، وحركاته الشبابية أكثر.
  • هذا الواقع الهش لأحزاب "المجلس" كان يقابله حركية مستمرة وقوية، وقدرة متقدمة في تحشيد الأنصار من قبل "حزب الاتحاد الديمقراطي" وتنظيماته، وفي حين أن هذه الحركية كانت إيجابية من الناحية النظرية؛ إلا أنها كانت سلبية من ناحية قيام "حزب الاتحاد الديمقراطي" بحرق الخطوات اتجاه تثبيت مشروعه بشكلٍ أحادي، بالتحالف مع أحزاب أخرى تفتقر للقاعدة الشعبية.
  • عملية التفاوض والجهة المفاوضة: سيكون التفاوض مع النظام، أو الدخول إلى أحد أجسام المعارضة ككتلة جديدة أحد العوائق الهامة في أيّة عملية تفاوضية كُردية بينية، كون تفاوض "المجلس" مع "الإدارة الذاتية"، والوصول لاتفاق يعني بالمقابل إعادة التفكير في موقع "المجلس الكُردي" ضمن أُطر المعارضة، كما أنه يمكن تَوقُّع توجه الأحزاب الكُردية لمفاوضة النظام مباشرة بعد الاتفاق، للحصول على مكاسب سياسية وإدارية، وهو ما يمكن أن يصطدم بعملية التفاوض الجارية بين النظام، والمعارضة ضمن الرعاية الروسية –التركية، وفي أفضل السيناريوهات يمكن توقع أن يتفق لاحقاً النظام، والمعارضة على شكلٍ من أشكال "الحكم المحلي"، يوافق ما تم الاتفاق عليه بين النظام، والأحزاب، والمجالس الكُردية.
  • تباين الموقفين الروسي والأمريكي: فروسيا من جهتها تحاول كسر احتكار "المجلس الوطني الكُردي" لملف تمثيل الكُرد في المحافل الدولية، والوصول إلى صيغة للتوافق بين الأطراف الكُردية والنظام، بحيث تصل لمرحلة يتم إنهاء دور المجلس الكُردي ضمن الائتلاف، واللجنة الدستورية، وهو ما يعني خسارة الائتلاف، واللجنة الدستورية من جهتهم لطرفٍ سياسي يمتلك شعبية تمثيلية على الأرض. من جهتها لم تقم الولايات المتحدة الامريكية إلى الآن بتقديم أيّة وعودٍ حقيقية للأطراف الكُردية؛ سوى دعوتهم للحوار والاتفاق، إلا أن هذه الدعوة يرافقها تأكيدٌ مستمرٌ من قبل واشنطن للمجلس الوطني الكُردي؛ بأن مكانه الطبيعي هو بين قوى المعارضة السورية، وبهذه الطريقة تدفع واشنطن بالمجلس الكُردي لحالة من عدم اليقين في عملية اتخاذ القرار النهائي فيما يخص التفاوض مع "الإدارة الذاتية"، وهو الأمر الذي كما ذكرنا سيؤدي لنتائج مصيرية فيما يخص تواجد المجلس ضمن أطر المعارضة.
  • الموقف التركي: تبقى المساحة الهامة ضمن خارطة المواقف الإقليمية للموقف التركي من أيّة عملية تفاوضٍ كُرديةٍ بينية، فأنقرة التي ترى أن "الإدارة الذاتية" أحد المهددات التي تقف على رأس الهرم اتجاه أمنها القومي، لن تتقبل أيّة صيغة اتفاق ترى بأنها ستؤدي لتثبيت سيطرة "حزب الاتحاد الديمقراطي"، وتمكينه على نطاقٍ وطني، كما أن لها تأثيرٌ مباشر على دور الفصائل العسكرية، والجيش الوطني الحر، وهم كانوا رأس الحربة في ثلاثة عملياتٍ عسكرية اتجاه "الإدارة الذاتية"، لذا سيتوقف مصير أيّة عملية تفاوضية على مدى إمكانية إقناع واشنطن لتركيا بجدواها، خصوصاً في ظل انهيار، أو هشاشة اتفاقيات أنقرة-موسكو.
  • تستمر "الإدارة الذاتية " ومجلس سوريا الديمقراطية " بالتفاوض مع نظام دمشق بشكلٍ منفرد، وصدرت تصريحات من الشخصية القيادية في "مسد/ مجلس سوريا الديمقراطية"، "إلهام أحمد"، إن دمشق وافقت بوساطة روسية على البدء بمفاوضات سياسية، وإمكانية تشكيل "لجنة عليا" مهمتها مناقشة قانون الإدارة المحلية في سورية، والهيكلية الإدارية للإدارة الذاتية" لشمال شرقي سوريا"، وهذا ما يضع عملية التفاوض مع المجلس الوطني الكُردي كتحصيل حاصل، ففي حال عدم، أو حتى اتفاق الطرفين الكرديين فإن "الإدارة الذاتية" تقوم لوحدها بعملية تفاوضية مستمرة مع النظام في دمشق.

يبقى كيفية الوصول إلى ألياتٍ لتطبيق "صيغة اتفاق"، أحد أصعب العوائق التي تنتظر الأطراف الكُردية، فالاتفاقيات السابقة كانت تنهار دوماً بحكم استخدامها من قبل "الإدارة الذاتية" كأداة مرحلية للحصول على دعمٍ من واشنطن من جهة أولى، أو لتقليل ضغوطات أربيل، والحاضنة الشعبية عليها من جهة ثانية، أو بحكم هشاشة البنية المؤسساتية لدى أحزاب المجلس الوطني الكُردي، وبالنتيجة للمجلس نفسه من جهة ثالثة، ويعترض  محاولة التقارب الأخيرة  عدّة عقبات  مرتبطة بآلية حل الإشكال المتأتي من ملفي الجهاز الأمني، والقضائي في المنطقة.


([1]) تمحورت الجهود الكُردية بداية الثورة حول تشكيل جبهة داخلية تستطيع التفاوض مع دمشق وأطراف المعارضة المشكلة حديثاً حول شكل سوريا المستقبلي، واستطاعت الأحزاب الكُردية أن تبلور مطالب شعبية عامة وكُردية خاصة باستجابة سريعة خلال الفترة الممتدة من 2011- 2012، وبدأت بطرح مقاربات "لأشكال حكم خاصة" تراوحت بين الفدرالية السياسية الموحدة لشمال سورية، وبين الإدارات الذاتية على اختلاف نسب العلاقة بين هذه النماذج المطروحة والمركز في المستقبل، وتوجت هذه الجهود بداية الثورة في شهر نيسان بالتوصل لـ" مبادرة أحزاب الحركة الوطنية الكُردية ".  هذا التوافق الكُردي سرعان ما بدء بالدخول لمفترق طرق، مع تشكيل المجلس الوطني الكُردي نهاية 2011، وسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على المدن والمناطق الكُردية منتصف العام 2012، ليتشكل إطاران كرديان، أحدهما ويتمثل بالمجلس الوطني الكردي يرى نفسه قريباً من اهداف المعارضة السورية، والإطار الثاني ويتمثل بحزب الاتحاد الديمقراطي ومنظوماته، وسلطة الأمر الواقع التي شكلها، ورأى بضرورة النأي بالنفس عن المحاور المباشرة، مع دخوله لاتفاقاتٍ غير معلنة مع النظام حول إدارة المناطق والمجتمعات الكُردية.

([2])  للمزيد حول مسيرة محاولات الاتفاق والتفاهم بين الأطراف الكُردية يمكن العودة للورقة المنشورة لمركز عمران بعنوان" المظلة الكردية المفقودة في سورية.. بين التناحر على السلطة والاتفاقيات الهشة"، والمنشورة بتاريخ 20/03/2019، الرابط: https://bit.ly/2HBEQEJ

([3]) للوقوف على اسباب التعثر راجع: بدر ملا رشيد:" تطورات العلاقة بين الإدارة الذاتية والنظام وروسيا خلال عامي 2016 – 2017"، ورقة بحثية صادرة عن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية،22/1/2018، الرابط: https://2u.pw/l0pVq

التصنيف تقدير الموقف

يهدف هذا التحديث المعلوماتي لتبيان تغيرات السيطرة وخارطة القوى الفاعلة في الشمال السوري بعد عملية "نبع السلام" التي أطلقها الجيش التركي والجيش الوطني في 9/10/2019، والتي استهدفت تواجد قوات سورية الديمقراطية بالقرب من الحدود السورية-التركة في المنطقة بين مدينتي (تل أبيض في محافظة الرقة ورأس العين في محافظة الحسكة)، وسيركز هذا التحديث على النقاط التالية: 1) خريطة السيطرة والنفوذ حتى تاريخ 12/12/2019 في الشمال السوري (الحسكة، الرقة، حلب، وإدلب).  2) خارطة السيطرة للقوى الفاعلية الدولية والمحلية بشكل عام. 3) القوى المسيطرة على أهم الموارد والبنية التحتية في المنطقة الشمالية (أهم الطرق الدولية -المعابر الحدودية الدولية ووضعها).

استند هذا التحديث في معلوماته على مصادر وحدة المعلومات في مركز عمران وبرنامج Terra Server والذي يقدم صور أقمار صناعية حديثة، بالإضافة إلى المواقع الرسمية لوزارات الدفاع للدول الفاعلة وبياناتهم المتعلقة بالشأن السوري، وفيما يتعلق بأرقام ونسب السيطرة فقد تم الاعتماد على برنامج ArcGIS مما يزيد من نسبة الدقة في احتساب المساحات والنسب، مع احتمالية الخطأ بنسبة 1 إلى 2%.

خارطة القوى الفاعلة في الشمال وتطورات مواقع النفوذ والسيطرة

 خارطة رقم (1): مواقع النفوذ والسيطرة في المحافظات الشمالية – 12 كانون الأول 2019

 

 نسب وتوزع سيطرة الفواعل المحلية في الشمال السوري

 

 

المعابر في الشمال السوري: تقييم حالة

التصنيف تقارير خاصة

بدعوة من مركز الأناضول لدراسات الشرق الأدنى ومركز الجزير للدراسات والجزيرة مباشر؛ حضر الباحث في مركز عمران معن طلاع، ندوة نقاشية حول (عملية نبع السلام وانعكاساتها على سورية والمنطقة)، وقدم طلاع مداخلة مجدولة ضمن المحور الثاني حول تموضعات الجديدة للمعارضة والنظام والأكراد وداعش في سورية بعد نبع السلام، كما ناقشت الندوة  محور ميزان القوى ودور اللاعبين الإقليميين والدوليين والتوافقات الدولية بعد عملية نبع السلام ومحور تشكل وإدارة المنطقة الآمنة واستحقاقاتها كإعادة الإعمار وإدارة المنطقة الآمنة  والمساهمات الدولية في ملف المنطقة الآمنة.

التصنيف أخبار عمران
الخميس, 28 تشرين2/نوفمبر 2019 13:23

بدر ملا رشيد | اقتصاد منطقة "نبع السلام"

قدم الباحث في "مركز عمران للدراسات الاستراتيجية"، بدر ملا رشيد،تصريحاً صحفياً لموقع السورية نت، حول المادة التي أعدها الأخير بعنوان: اقتصاد منطقة "نبع السلام".. المنفس عبر البوابة التركية".

حيث رأي فيه  أن المنطقة الممتدة من رأس العين إلى تل أبيض "من المناطق الممتازة من الناحية الزراعية، ذات الكثافة المتدنية، إلا إن كونها منطقة زراعية لا يمنحها أسساً إقتصادية متينة".
واعتبر الباحث في حديثه لـ"السورية.نت"، أنه "من الصعب أن تنتج فيها حلقة اقتصادية بشكلٍ مستقل، كما في بقية مناطق السيطرة والنفوذ في سورية، لذا إن إستمر الوضع الميداني على حاله فمن المحتمل أن تعتمد المنطقة بشكلٍ شبه كامل على السوق التركية"، فالاعتماد على السوق التركية، بحسب الباحث سيكون "سواءً لتصريف المواد الزراعية، أو لتوريد كل شيئ من مقومات الحياة، فيما عدا القمح والشعير وبعضٍ من القطن".
كما أوضح الباحث أنه "وفي ظل ضعف الحلقة الاقتصادية (في هذه المناطق)، وكونها على خلاف بقية المناطق السورية نتيجة وجود الإدارة الذاتية والنظام السوري على محيطها، فلن تتمكن من استيراد المواد الأولية لتقديم الخدمات فيما يتعلق بالبنية التحتية والإعمار".
أما من الناحية الخدمية، فقد أشار الملا، إلى أن المنطقة "ستعتمد بشكل شبه كامل أيضاً على ما سيتم استيراده أو ستقدمه تركيا، وهذا الواقع يتوقف على العملية التركية التي صرحت بأنها ستستمر فيها، وإن يبدو الأمر صعباً في المرحلة الحالية، نتيجة انتشار عناصر الشرطة والجيش الروسي أكثر".

المصدر السورية نت: http://bit.ly/37ZHeRF

 

مناف قومان
مدخل شهدت سورية خلال الأيام القليلة الماضية تحولاً تاريخياً تمثل بانتصار الثورة في إسقاط نظام…
السبت كانون1/ديسمبر 21
نُشرت في  أوراق بحثية 
محمد السكري
ملخص تنفيذي برزت أهمية مفهوم النقابات كمساهم في صيرورة بناء المؤسسات وعملية الدمقرطة في الدولة…
الخميس كانون1/ديسمبر 19
نُشرت في  أوراق بحثية 
مروان عبد القادر
شهدت سورية منذ بداية الثورة في عام 2011 حالة من الاضطراب السياسي والعسكري، تمثلت في…
السبت كانون1/ديسمبر 14
نُشرت في  مقالات الرأي 
فرح أبو عياده, حسن جابر
ملخص تنفيذي باستمرار الاستهداف الإسرائيلي على الأراضي السورية؛ يُفسر نأي النظام السوري عن الانخراط في…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 25
نُشرت في  أوراق بحثية