التقارير

ملخص عام

يستعرض هذا التقرير أهم الأحداث السياسية والأمنية والاقتصادية في سورية خلال شهر حزيران، حيث شهدت الجغرافيا السورية تصعيداً أمنياً في مختلف مناطق النفوذ، بدءً بالتصعيد الروسي في إدلب، وازدياد وتيرة العمليات الأمنية لتنظيم داعش في شرق سورية، وصولاً إلى زيادة ضحايا عمليات الاغتيال واندلاع اشتباكات بين فصائل محلية ومليشيات تابعة لقوات النظام في درعا. أما على الصعيد السياسي فاستمر النظام بمحاولات تعزيز الانفتاح على المحيط العربي وتثمير هذا التقارب باتفاقات اقتصادية، في ظل الرفض الغربي لمحاولات التطبيع أو رفع العقوبات دون خطوات جدية من طرف النظام. اقتصادياً؛ لايزال استنزاف الليرة السورية وانخفاض قيمتها مستمراً نتيجة السياسات الاقتصادية والمالية لنظام الأسد، مما ينعكس سلباً على القدرة الشرائية للسوريين ويزيد معاناتهم، لا سيما مع ارتفاع الأسعار قبيل عيد الأضحى المبارك. في حين استكملت المجالس المحلية والمنظمات المدنية في شمال سورية تنفيذ العديد من مشاريع التعافي المبكر في عدد من القطاعات الحيوية أبرزها قطاع الصناعة.

ارتفاع مؤشرات عدم الاستقرار الأمني

تعرضت مناطق عدة في إدلب لقصف جوي ومدفعي من قبل النظام وروسيا، وذلك على الرغم من الرعاية الروسية للمحادثات التركية مع النظام، إذ يستمر الواقع الأمني والعسكري المعقد ميدانياً كعامل لا يقل أهميةً عن الإرادة السياسية اللازمة لتحقيق تقدم على مستوى إنجاز تفاهمات أو اتفاقات تقنية، لا سيما مع تطوُّر القدرات العسكرية للفواعل المحلية في ظل استمرار الاستعصاء، الأمر الذي تجلَّى مؤخراً بقدرة فصائل عسكرية في ريف اللاذقية الشمالي على استهداف مدينة القرداحة بواسطة طائرة مسيرة أدت لمقتل شخص وإصابة آخر.

من جهة أخرى، قامت الأجهزة الأمنية التابعة لـ "هيئة تحرير الشام" باعتقال أكثر من 80 شخصاً اتهمتم بـالتعامل والتخابر لصالح جهات معادية، من بينهم شخصيات بارزة في جهاز "الأمن العام" وبعض الألوية العسكرية والإعلام الرديف. بالمقابل، تسعى الهيئة لإحداث اختراق في الاستعصاء الراهن على المستوى المحلي وتوسيع مساحات مناوراتها، وهو ما يتضح بقيامها بفتح قنوات تواصل مع قسد انعكس على أرض الواقع بتفاهمات اقتصادية بخصوص توريد مادة الفيول.

وفي شمال شرق سورية، تبنى تنظيم داعش أكثر من 24 عملية أمنية استهدفت "قوات سوريا الديمقراطية" والمتعاونين معها وأدت لمقتل 11 شخصاً وإصابة 26 بجروح متفاوتة بحسب بيانات التنظيم. وكان نشاط التنظيم قد انخفض خلال الشهور السابقة نتيجة العمليات الاستباقية للتحالف الدولي بالتعاون مع قوات قسد قبل أن يتصاعد مجدداً في شهر حزيران، على الرغم من قيام التحالف بأربعة عمليات إنزال في المنطقة خلال هذا الشهر أسفرت إحداها عن اعتقال قيادي في التنظيم في جنوب الحسكة، كما تحطمت مروحية عسكرية أمريكية وأصيب 22 جندياً حسب ما أعلنت عنه القيادة الأمريكية، وفي دير الزور وقعت اشتباكات عشائرية في 12 نقطة في عموم المحافظة وأسفرت عن قتلى وجرحى.

إضافة إلى ذلك، أعلنت الإدارة الذاتية عزمها إجراء محاكمات علنية، من طرفها، لآلاف المقاتلين الأجانب من عناصر التنظيم المعتقلين لديها. حيث يشكل ملف معتقلي التنظيم وعوائلهم المحتجزين في مخيمات وسجون غير مؤهلة عبئاً على الإدارة الذاتية بعد سنوات من احتجازهم دون محاكمة، لاسيما مع تصاعد هجمات تنظيم داعش في شمال شرق سورية والخوف من تكرار سيناريو اقتحام سجن الصناعة في الحسكة مطلع العام الماضي. في الوقت الذي لم تتجاوب الدول المعنية لدعوات استلام المحتجزين الذين يحملون جنسياتها، إضافة إلى العقبات القانونية التي تمنع إقامة محاكمات بإشراف دولي في مناطق لا تخضع لسلطة معترف بها.

من جهة أخرى، وفي سياق استمرار رفضها الاعتراف بالإدارة الذاتية واعتبارها كياناً "إرهابياً" يتبع لحزب العمال الكردستاني PKK؛ واصلت تركيا استهداف قيادات وعناصر الإدارة، حيث شن الطيران التركي المسيَّر غارة جوية استهدفت سيارة تقل قادة "مجلس مقاطعة قامشلو" شرق القامشلي، مما أدى لمقتل الرئيسة المشتركة للمجلس "يسرى درويش" ونائبة الرئاسة المشتركة "ليمان شويش" والسائق "فرات توما"، وإصابة الرئيس المشترك للمجلس "كابي شمعون".

أما عن درعا، فلا تزال مؤشرات فشل المصالحات والتسويات التي يروج لها النظام واضحة، فمن جهة أولى تشهد المحافظة سيطرة حالة الفوضى الأمنية، حيث قُتل 30 شخصاً في عمليات اغتيال، بالإضافة إلى 8 آخرين في حوادث أمنية متفرقة على مدار الشهر، إضافة إلى الاشتباكات المسلحة والتي كان آخرها اشتباك بين مجموعات محلية وميليشيات تابعة للنظام قرب معبر نصيب على الحدود السورية الأردنية، ناهيك عن استمرار عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود الأردنية عن طريق معبر نصيب. ومن جهة ثانية تدل زيادة معدلات هجرة الشباب -التي قاربت ما كان الحال عليه عقب التسويات في 2018 و2021- على فشل النموذج، إذ يخشى الشباب الملاحقة الأمنية من قبل النظام إضافة إلى المخاوف من انعكاسات الوضع الأمني المتردي في ظل تفشِّي ظاهرة الاغتيالات، الأمر الذي أدى إلى وفاة أكثر من 100 شخص من المحافظة غرقاً قبالة السواحل اليونانية في منتصف شهر حزيران.

نظام الأسد بين التقارب العربي والضغوط الغربية

قام النظام السوري بتعين سفير له في الجامعة العربية، وزار وزير خارجيته كلاً من العراق والسعودية حيث تم الاتفاق على استئناف التعاون الاقتصادي بين سورية والدول العربية. من جهته استقبل بشار الأسد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، وأكد على ضرورة "عدم تسيس ملف عودة اللاجئين"، كما طالب بتوفير متطلبات إعمار البنى المتضررة في القرى والمدن التي سيعودون إليها، وتأهيل المرافق الخدمية بمختلف أشكالها، مما يشير بوضوح الى رفض النظام المضي قدماً في استحقاقات العودة الآمنة للاجئين، لاسيما تلك المتعلقة بإيقاف الملاحقات الأمنية، وضبط وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، والإفراج عن المعتقلين وإصلاح النظام القضائي، وتوجهه عوضاً عن ذلك لاستثمار هذا الملف في الضغط على المجتمع الدولي لتحقيق مكاسب اقتصادية ورفع العقوبات المفروضة عليه.

وفي سياق استمرار الموقف الغربي الرافض للتطبيع، رفعت كل من كندا وهولندا دعوى قضائية مشتركة أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد نظام الأسد لارتكابه جرائم تعذيب وانتهاك القانون الدولي. وتثير هذه التحركات تساؤلات جوهرية حول جدوى التطبيع العربي مع النظام، ومدى قدرة بعض الدول العربية على إعادة تأهيل الأسد أو تخفيف العقوبات عنه في ظل فقدانها لأدوات تأثير حقيقية على الأرض في سورية.

من جهة أخرى، انتهت الجولة 20 من اجتماعات أستانا حيث حمل البيان الختامي نقاط مثيرة للاهتمام؛ منها "رفض جميع العقوبات الانفرادية التي تنتهك القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وميثاق الأمم المتحدة بما في ذلك جميع الإجراءات الانتقائية والإعفاءات المتعلقة بمناطق معينة من سوريا"، الامر الذي قد ينذر بتبلور موقف تركي يؤيد رفع العقوبات أو تخفيفها عن نظام الأسد. إضافة إلى ترحيب المجتمعين في أستانا بموافقة النظام على إدخال المساعدات من معبري الراعي وباب السلامة وذلك في تأكيد على رفض أية تحركات لتجاوز موافقة النظام وروسيا بعد انتهاء التمديد في آب 2023.

وفي شمال شرق سورية، أعلن كل من "مجلس سوريا الديمقراطية" وهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، التوافق حول بناء جبهة معارضة تتبنى" مشروع التغيير الوطني الديمقراطي"، وتضمنت الوثيقة المشتركة المعلنة خمسة مبادئ أساسية لإنجاح حل سياسي بمشاركة "القوى السياسية الوطنية الديمقراطية" وفق قرار مجلس الأمن 2254.

سياسات اقتصادية تعمق معاناة السوريين

لا تزال الليرة السورية تشهد انخفاضات متوالية وصلت إلى 9250 ليرة مقابل الدولار الواحد، نتيجة السياسات الاقتصادية والمالية المتبعة من قبل حكومة النظام، وفي سبيل إعادة الاستقرار لليرة والأسعار ومنع تهريب العملة الصعبة من البلد؛ أصدر مجلس النقد والتسليف قراراً سمح بموجبه للقادمين إلى سورية بإدخال مبالغ مالية تصل إلى 500 ألف دولار فيما لا يسمح للمغادر بإخراج مبلغ يتجاوز 10 آلاف دولار أو ما يعادلها من العملات الأجنبية.

أما عن الأوضاع المعيشية؛ فقد استمرت معاناة السكان من ارتفاع الأسعار تزامناً مع عيد الأضحى حيث سجل سعر طبق البيض 30 ألف ليرة في محافظة درعا و33-   34ألف ليرة في محافظتي حماة ودمشق، في حين يبلغ متوسط راتب الموظف الحكومي 100 ألف ليرة شهرياً! فيما وصل سعر الأضحية إلى 3 ملايين ليرة في بعض المناطق لتسجل أسعار الخراف ارتفاعاً قدره 6 أضعاف خلال عام واحد، يأتي ذلك وسط كساد شهدته الأسواق نظراً لعدم قدرة المواطنين على الشراء بسبب ارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية. وقد أشارت عدة تقارير إلى انخفاض حجم الحوالات الخارجية إلى سورية بمقدار 3 مرات خلال عيد الأضحى مقارنة بما كانت عليه في عيد الفطر الماضي، بينما أحجمت حكومة النظام عن تقديم أي منحة مالية أو زيادة في الرواتب قبيل عيد الأضحى. وكانت وزارة المالية في حكومة النظام قد قدرت معدلات التضخم لعام 2022 بـ 100% ولعام 2023 بـ 104.7% فيما بلغ التضخم بين عامي 2011 – 2023 حوالي 16 ألف بالمئة.

وفي مناطق المعارضة، حددت الحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ، سعر القمح القاسي بـ 330 دولاراً للطن الواحد في حين أصبح سعر القمح الطري 285 دولاراً للطن الواحد، وقد خيّب هذا السعر معنويات الفلاحين في المنطقة مقارنة بسعر العام الماضي الذي بلغ 450 دولاراً، إذ يعد هذا السعر أقل بـ 100 دولار من تسعيرة "الإدارة الذاتية" بينما يبلغ 222 دولاراً في مناطق سيطرة النظام، وقد يؤدي ذلك إلى إحجام الفلاحين في مناطق المعارضة عن بيع محاصيلهم للحكومة أو التجار، كما قد يدفع المزارعين لاستبدال محصول القمح بآخر يدر أرباحاً أكثر في حال بقاء التسعيرة على حالها.

وفي إطار مشاريع التعافي المبكر، استكملت المجالس المحلية وبعض منظمات المجتمع المدني تنفيذ العديد من المشاريع في عدة قطاعات حيوية، حيث افتتح المجلس المحلي في مارع مدينة صناعية جديدة تضم 50 معملاً جاهزاً و100 قيد التجهيز. وفي مدينة الراعي تم إيصال محولة رئيسية للمنطقة الصناعية بهدف تهيئة البنى التحتية للمشاريع، كما شارك وزير المالية والاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة "عبد الحكيم المصري" في افتتاح معمل خاص بحليب الأطفال المجفف في المنطقة الصناعية في المدينة.

أما عن مناطق الإدارة الذاتية، فقد شهدت مدينة الحسكة مظاهرة شارك فيها مئات المواطنين احتجاجاً على نقص مادة الغاز المنزلي، وسط ارتفاع أسعارها في الآونة الأخيرة بالسوق السوداء إلى نحو 150 ألف ليرة سورية ما يشكل ضعف السعر النظامي. كما شهد سوق عامودا إغلاق مكاتب وشركات الحوالات وصرف العملات؛ احتجاجاً على الشروط الجديدة للتراخيص والتي تتطلب ضمانات مالية وشروطاً لتجهيز المكاتب تتجاوز إمكاناتهم. وفي قرار جديد قوبل بالرفض والاستهجان من قبل التجار اعتمدت إدارة الجمارك في الإدارة الذاتية، نظاماً جمركياً جديداً لشحنات الخضار والفواكه الداخلة عبر المعابر الداخلية إلى منطقة الإدارة الذاتية، حددت الجمارك بموجبه رسوم البطاطا والبندورة والبصل الأخضر بـ 3 دولارات أمريكية والبصل اليابس بـ 10 دولارات والثوم بـ 20 دولاراً للطن الواحد، كما حددت قيمة رسوم إدخال شحنات الفاكهة التي لا تنتجها المنطقة كالكرز بـ 6 دولارات والموز بـ 16 دولاراً والأناناس 60 دولاراً للطن الواحد، الأمر الذي سينعكس على أسعار هذه السلع ويخفض القدرة الشرائية للأهالي ويرفع معاناتهم.

أخيراً، سجل فوج الإطفاء في مقاطعة الحسكة أضرار حرائق المحاصيل منذ بداية 2023، بحوالي 370 دونماً في الأرياف التابعة إدارياً لمقاطعة الحسكة، و418 دونماً من الأراضي المزروعة في مقاطعة القامشلي.

عبادة الشلَّاح
تشكل لحظات التغيير الكبرى منعطفات حاسمة في حياة الشعوب، فهي تفتح الباب أمام احتمالات واسعة،…
الثلاثاء كانون1/ديسمبر 24
نُشرت في  مقالات الرأي 
مناف قومان
مدخل شهدت سورية خلال الأيام القليلة الماضية تحولاً تاريخياً تمثل بانتصار الثورة في إسقاط نظام…
السبت كانون1/ديسمبر 21
نُشرت في  أوراق بحثية 
محمد السكري
ملخص تنفيذي برزت أهمية مفهوم النقابات كمساهم في صيرورة بناء المؤسسات وعملية الدمقرطة في الدولة…
الخميس كانون1/ديسمبر 19
نُشرت في  أوراق بحثية 
مروان عبد القادر
شهدت سورية منذ بداية الثورة في عام 2011 حالة من الاضطراب السياسي والعسكري، تمثلت في…
السبت كانون1/ديسمبر 14
نُشرت في  مقالات الرأي