يحاول تقرير التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق "الإدارة الذاتية" شمال شرق سورية رصد نشاطات الفاعلين من بلديات ومنظمات محلية وأجنبية عاملة في المنطقة خلال النصف الأول لعام 2022 بين كانون الثاني وحزيران. وتضم المنطقة أجزاء من محافظات الحسكة والرقّة ودير الزور، وتمتدّ على مساحة أكثر من 50 ألف كيلومتر مربّع، ويبلغ عدد سكانها 3.2 ملايين نسمة، وتم الاعتماد على ميثاق العقد الاجتماعي الصادر عن "الإدارة الذاتية" والذي يقسم المنطقة إلى 7 أقاليم: إقليم الجزيرة، وإقليم دير الزور، وإقليم الرقة، وإقليم الطبقة، وإقليم الفرات، وإقليم منبج، وإقليم عفرين. ويهدف التقرير جنباً إلى جنب مع تقاير التعافي الأخرى في مناطق المعارضة شمال غرب سورية وتقرير التعافي في مناطق النظام لتشخيص وفهم ما يلي:
وتتأتى أهمية هذا التقرير من محاولته رصد وتحليل واقع المشاريع الاقتصادية والتنموية المنفّذة في القطاعات الاقتصادية، مما يشكل دافعاً وإسهاماً لصنّاع القرار والفواعل لتوجيه الدعم وسد الثغرات.
ركّز التقرير خلال عملية الرصد على المدن والبلدات الرئيسية المبينة في الجدول رقم (1) التي شهدت نشاطاً اقتصادياً ملحوظاً، وتم الاعتماد على التقسيم الإداري لـ"الإدارة الذاتية" والتي غيّرت وحدّثت بعض التقسيمات الإدارية للبلدات والمدن، ووفقاً للتصنيف الصناعي المعياري الدولي، كما تم الاعتماد على المعرّفات الرسمية للبلديات والمنظّمات العاملة على "فيس بوك" و"تليغرام" وتسجيل نشاطاتها وتقاريرها الدورية وفق معادلة رصد مضبوطة كما هو موضّح في الجدول رقم (2) تؤمّن القدرة على تحليل البيانات وفق مستويين؛ قطاعي وجغرافي.
يوضّح الجدول أدناه خارطة الفواعل التي يرصد التقرير أنشطتها التنموية والخدمية:
كما يظهر الجدول أدناه القطاعات ونوعية النشاطات/ القرارات المرصودة:
بلغ العدد الإجمالي للمشاريع المنفّذة في مناطق "الإدارة" 358 مشروعاً، ويُوضّح الشكل رقم (1) والشكل رقم (3) عدد ونسب المشاريع، حيث حاز قطاع المياه والصرف الصحي على النسبة الأكبر من المشاريع المنفّذة 148مشروعاً بنسبة 40%، ومن ثم قطاع النقل والمواصلات 77 مشروعاً بنسبة 21% وقطاع الكهرباء 51 مشروعاً بنسبة 14% وقطاع الخدمات الاجتماعية في المرتبة الرابعة بواقع 34 مشروعاً بنسبة 9%.
وفيما يتعلق بتوزع المشاريع على المناطق المرصودة يوضّح الشكل رقم (2) تنفيذ النسبة الأكبر من المشاريع في إقليم الجزيرة 118مشروعاً، وإقليم دير الزور 96 مشروعاً، وإقليم الرقة 58 مشروعاً، وإقليم الطبقة 41 مشروعاً، ومن ثم 29 مشروعاً في إقليم الفرات، و19 مشروعاً في إقليم منبج.
وبشكل أكثر تفصيلاً يُظهر الشكل رقم (4) توزع المشاريع على المدن والبلدات المرصودة في القطاعات كافة؛ حيث حلّت مدينة الرقة في المرتبة الأولى بالمؤشر 58 مشروعاً، وجاءت بعدها مدن الطبقة 41 مشروعاً وهجين 34 مشروعاً والقامشلي 26 مشروعاً و23 مشروعاً في البصيرة و19 مشروعاً في منبج.
ومن بين أبرز القرارات والتعميمات المرصودة: منع نقل القمح بين مناطق "الإدارة" إلا بموجب كتاب رسمي وتحديد سعر شراء القمح بـ2200 ليرة سورية للكيلو الواحد وسعر قالب الثلج بـ2000 ليرة سورية وتحديد سعر كيلو السكر وسعر أمبير الكهرباء من قبل المولدات بـ4000 ليرة للمشتركين بـ6 أمبيرات أو أقل والتقيد بأوقات التشغيل من الساعة 4 مساءً حتى الساعة 12 ليلاً، وتعديل سعر السماد الفوسفاتي الروسي لـ700 دولار للطن الواحد والسماد الآزوتي لـ730 دولار للطن الواحد من قبل شركة التطوير الزراعي، وتقييد أصحاب خطوط النقل الداخلي بالتسعيرة المحددة 300 ليرة سورية ضمن القامشلي، وصدر قرار بصرف 100 ألف ليرة لكل العاملين في "الإدارة"، وإيقاف مخصصات فرن النباعي والباغوز والشعب بسبب الشكاوى، وحددت مديرية البيئة في إقليم الجزيرة غرامة وقدرها 25 ألف ليرة سورية لمن يخالف قواعد النظافة العامة، كما حددت لجنة المحروقات كمية مازوت التدفئة للمنزل بواقع 300 لتر شهرياً بقيمة 150 ليرة للتر الواحد.
أما في قطاع المياه والصرف الصحي فقد تم تنفيذ 148مشروعاً في المنطقة كما يُظهر الشكل رقم (5)، وأتت مدينة الطبقة على رأس القائمة بواقع 21 مشروعاً، تلتها مدينتي هجين 18مشروعاً والبصيرة 14مشروعاً، ومن بين المشاريع المنفّذة جر مياه الشرب لقرى صرين وقروشان والمربع بطول 4000 متر، وتوسيع خط المياه في قرية حوتي بطول 1150 متر، ومد خط مياه بطول 5500 متر من مدينة البصيرة إلى خزان قرية الطكيحي، ومد خط مياه بطول 850 متر في قرية أبو الحسن، وتأهيل شبكات المياه في ناحية الكسرة، وإنشاء محطة مياه في الباغوز، وتأهيل محطة مياه المحيميدة، وغيرها من المشاريع الشبيهة. يُذكر أن نقص المياه النظيفة لا يزال أحد الشواغل الرئيسية للسكان في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة. ولا تزال مدينة الحسكة التي يقطنها نحو مليون شخص تعاني من انقطاع مستمر في المياه جراء الخلافات الميدانية مع فصائل المعارضة في مدينة رأس العين التي تضم محطة علوك التي تغذّي الحسكة بالمياه بواقع 60 ألف متر مكعب يومياً، وتعمد "الإدارة" لقطع الكهرباء عن المدينة ما يحول دون تشغيل محطة المياه، وتدخلت روسيا أكثر من مرة في حل الخلاف بين الطرفين، وللتعويض عن المياه في الحسكة قامت "الإدارة" بتشغيل محطات التحلية وعددها 16 محطة ونقل المياه للمنازل عبر الصهاريج.
ونفذت البلديات والمنظمات 77 مشروعاً في قطاع النقل والمواصلات، وحازت كل من منبج والطبقة والرقة والقامشلي على المراتب الأربعة الأولى بين المناطق التي تم رصدها كما يظهر في الشكل رقم (6). ومن بين المشاريع المنفّذة؛ تعبيد الطريق الواصل بين مدينة الحسكة والدرباسية بطول 20 كم، وتعبيد طريق قرية جاردوية في منطقة ديرك بالقامشلي بطول 9 كم وطرقات في الكورنيش والهلالية والحي الغربي، كما تم تعبيد 10 كم في مدينة الصور بالاسفلت، وتأهيل جسر الصور في مدينة دير الزور، وفي البصيرة تم العمل على تعبيد شارع أبو حردوب في البصيرة، وفي الرقة تم تأهيل طرق في أحياء السباهية والطيار والجزرة وحي الرميلة، كما تم تعبيد عدة طرق في مدينة منبج بينها الطريق الواصل بين قرية الطعان والسيد، وطريق تل حوذان بطول 500 متر، وطريق قرية شجيف ذهبية بطجول 12450، وطريق قرية الفرس أبو قلقل بطول 8300 متر.
ونفذت البلديات والمنظمات 51 مشروعاً في قطاع الكهرباء وجاءت كل من القامشلي والرقة وهجين في المراتب الثلاث الأولى كما يظهر في الشكل رقم (7)، ومن بين المشاريع المنفّذة تركيب محولة كهرباء و5 أبراج حديد و13 عاموداً خشبياً في كوباني، وتركيب إنارة للشوارع على المدخل الشمالي والجنوبي للمشاريع الرئيسي في صرين، وإنارة شوارع في بلدات ومدن الشعيطات والشعفة وهجين والباغوز والصور ومحيميدة والملاهي وفي مدينة الرقة ضمن عدة أحياء وقرى وتم الانتهاء من إنارة مسافة 7500 متر في حي الناصرة ضمن مدينة الحسكة، وتركيب 40 لوح إنارة طاقة شمسية وأربعة أعمدة في عدة أماكن متفرقة في مدينة القامشلي، وتركيب محولات كهرباء جديدة باستطاعة 400 KVA ومحولات أخرى باستطاعات مختلفة في عدة أحياء وقرى. ولا تزال خدمة الكهرباء مضطربة في المنطقة ويعتمد الأهالي على الأمبيرات حيث توفّر "الإدارة" المازوت بسعر مخفض لمولدات الأحياء بـ 85 ليرة للتر الواحد بدلاً من 410 ليرات، وقطعت "الإدارة" مادة المازو في القامشلي عن المولدات التي تغذّي المنازل بالكهرباء، وفي أواخر تموز 2022، توقفت معامل ومشاريع صناعية وتجارية وأفران في مدينة القامشلي من جراء عدم توزيع "الإدارة" مادة المازوت المخصصة للقطاع الصناعي والتجاري.([1])
فيما يتعلق بقطاع الخدمات الاجتماعية فقد تم تنفيذ 34 مشروعاً كما في الشكل رقم (8)، في كل من دير الزور والبصيرة والصور والطبقة، حيث تم إزالة الركام وترحيله من عدة شوارع وأحياء، وتم بناء مدرسة البيرم في منبج، وأنشأت محمية بالقرب من سد بورزي بمساحة 12000متر مربع من الأراضي الزراعية، وبناء مركز تنمية في مدينة الدرباسية بقيمة 4211 دولار وافتتاح صالتين استهلاكيتين لفرع شركة "نوروز" في الحي الغربي للقامشلي، كما تم العمل على ترميم وتأهيل عدد من البلديات مثل الدحلة والزعبر والحصين وجديد عكيدات والكشكية والطبقة. يُشار أن رؤية الإدارة الذاتية قائمة على خدمة مصالح المجتمع عبر بناء مؤسسات اقتصادية ذات صبغة اجتماعية مثل الجمعيات التعاونية والشركات المساهمة الإنتاجية والمؤسسات الخدمية ومع ذلك لا يتوافق عدد المشاريع في قطاع الخدمات الاجتماعية مع رؤيتها في هذا الإطار.([2])
وتم تنفيذ 23 مشروعاً في قطاع التجارة، وجاءت الرقة في المرتبة الأولى بـ15 مشروعاً تلتها الهجين والطبقة ودير الزور ومنبج على التوالي كما في الشكل رقم (9)، ومن بين المشاريع المنفّذة استدراج عروض أسعار لاستئجار آليات نوع فان، وجرار مع تريلة قلاب، وطرح مزايدة لبيع حديد طوناج وزيت محروق، ومزايدة لاستثمار السوق التجاري في الطبقة وإشغال محلات في حي الثكنة بالرقة، ومناقصات لتوريد مواد لدائرة الأشغال الرئيسية في الرقة ومنبج. ومن الجدير بالذكر انتشار السلع التركية والإيرانية المستوردة من إقليم كردستان العراق عبر معبر سيمالكا الوحيد بعد إغلاق المعابر الحدودية مع تركيا وصعوبة توفير المنتجات السورية البديلة محلياً، وترتبط المنطقة مع مناطق النظام من خلال معبر الطبقة، وقد شجّعت هذه البيئة لنشوء احتكارات على تجارة العديد من المواد يسيطر عليها "نخب الحرب الجديدة، ومهرّبين على تفاهمٍ مع حكومة إقليم كردستان، وحاصلين على حقوق تصدير حصرية إلى الجزيرة".([3])
وبالنسبة لقطاع الزراعة والثروة الحيوانية فقد تم تنفيذ 18 مشروعاً، جاءت دير الزور في المرتبة الأولى بواقع 4 مشاريع تلتها كل من البصيرة والصور والقامشلي بمشروعين لكل منها كما في الشكل رقم (10). وتضمنت المشاريع إنشاء غابة حراجية تضم 3000 شجرة سرو وصنوبر وغابة في محمية سد مزكفت عبر زراعة 3000 شجرة حراجية، ومشاريع لدعم مربي الإبل والدواجن والماشية، وأشارت "هيئة الاقتصاد والزراعة" عن استلام نحو 360 ألف طن من القمح في شمال شرق سورية حتى شهر تموز، وتوزيع 647 ألف طن سماد على المزارعين في عامودا. ومُني أصحاب الأراضي والمزارعين بخسائر كبيرة خلال عامي 2020 و2021 جراء غلاء مواد المحروقات والأسمدة وعدم توفرها لتشغيل آبار المياه وشح الأمطار وارتفاع تكاليف الإنتاج، ويشوب قطاع الزراعة حالة من الفساد مرتبطة بحصول بعض المتنفّذين في "الإدارة" على المياه والمواد الزراعية المدعومة، ما اضطر عشرات المزارعين إلى منح أراضيهم لأولئك المتنفّذين جراء عدم تمكنهم من تأمين المازوت والمواد الأولية الضرورية.([1])
وفيما يتعلق بقطاع التمويل، تم تنفيذ 4 مشاريع في البصيرة والرقة ودير الزور، بينها دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ودعم وتمكين الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. و3 مشاريع في قطاع الصناعة بينها بناء معمل خراطيم في الطبقة وعمل لتعبئة اسطوانات الأوكسجين للمشافي والمستوصفات في القامشلي، ومعمل لتعبئة مياه الشرب في عامودا.
يمكن القول إن الفترة الحالية شهدت مشاريع متنوعة بينها إزالة الأنقاض وتعبيد الشوارع وتأهيل قنوات الصرف الصحي ومحطات المياه وإنارة الطرقات، وشهد قطاع المياه والصرف الصحي الوزن الأكبر بين المشاريع المنفّذة لحل أزمة المياه التي تعاني منها المنطقة، وجاء قطاع النقل والمواصلات في المرتبة الثانية ضمن مؤشر التعافي حيث نفذت البلديات 77 مشروعاً في المنطقة، بينما بقي الاهتمام بقطاعات الصناعة والتمويل والزراعة بحدوده الدنيا، فيما لم يلحظ التقرير تنفيذ مشاريع في قطاع الإسكان والتعمير خلال الفترة الحالية.
تبين نتائج الرصد في مناطق الإدارة الذاتية خلال النصف الأول لعام 2022 جملة من الخلاصات قي القطاعات المرصودة، يمكن شملها بالنقاط الآتية:
أخيراً بتحليل عام لجملة ما تم رصده يمكن القول إن نوعية وحجم المشاريع والأعمال المنفّذة تدلل على قصور في هيكلية النموذج الاقتصادي الاجتماعي المتبع وعدم كفاءة المكاتب والمؤسسات المعنية بالملف الاقتصادي إذ لم تسهم في تلافي حدوث أزمات وتحقيق استقرار معيشي للسكان وتعافي المنطقة اقتصادياً؛ على الرغم من امتلاك الإدارة الذاتية مقوّمات نجاح حيث تسيطر الإدارة على ما يقرب من 55% من الموارد المساهمة في تكوين الناتج الإجمالي المحلي لسورية عموماً من نفط وغاز وزراعة.
([1] )الإدارة الذاتية تقطع المازوت عن المولدات في القامشلي وتهدد أصحابها، تلفزيون سوريا، 4/8/2022، رابط مختصر: https://cutt.ly/2VsCw0n
([2] ) أحمد يوسف، اقتصاد الإدارة الذاتية ومحاولات بناء نموذج اقتصادي، صور، 22/12/2018، رابط مختصر: https://cutt.ly/OVsFN9Y
([3] )سنان حتاحت، الاقتصاد السياسي للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، 27/1/2020، برنامج مسارات الشرق الأوسط في معهد الجامعة الأوروبية، رابط مختصر: https://cutt.ly/OVexqXr
([4] ) مزارعون يضطرون لمنح أراضيهم لمستثمرين من "الإدارة الذاتية" جراء نقص المازوت، تلفزيون سوريا، 23/3/2022، رابط مختصر: https://cutt.ly/fVsPVyR
بعد مرور أربعة أعوام على استرداد النظام سيطرته الكاملة على حلب الشرقية وريف دمشق؛ تبرز ضرورة تشخيص وفهم مقاربة النظام لملف التعافي باعتباره أبرز تحدٍ لمرحلة "ما بعد الحرب"، وهو ما سيوفر قدرة على الإحاطة بديناميات النظام الحوكمية من خلال رصد القرارات والقوانين ومذكرات التفاهم من جهة، ويشكل إطاراً لتلمس شروط توفير البيئة الآمنة للمعيشة ولعودة النازحين واللاجئين، وتحريك عجلة الإنتاج والوفاء بالاستحقاقات المعيشية من جهة أخرى. وعليه تحاول هذه الورقة الإضاءة على واقع التعافي الاقتصادي المبكر عبر رصد حركية المشاريع والنشاطات التي يقوم بها النظام في المناطق التي أعاد السيطرة عليها من المعارضة، وذلك عبر التركيز على نموذجي حلب الشرقية وريف دمشق خلال 2021 ([1]).
تعتمد الورقة في تصنيفها للقطاعات على التصنيف الصناعي المعياري الدولي كما في الملحق رقم (1)، وقد تم الاعتماد على المعرّفات الرسمية لحكومة النظام ووزاراته والمنظمات العاملة في سورية على المواقع الرسمية ومنصات التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و"تليغرام" وتسجيل نشاطاتها وتقاريرها الدورية، وفق معادلة رصد مضبوطة تؤمّن القدرة على تحليل البيانات وفق مستويين؛ المستوى الأول مستوى القطاعات الاقتصادية، والثاني وفقاً للمستوى الجغرافي. ويجدر التنويه إلى أن الأرقام الواردة في التقرير تشكل الأعمال والمشاريع التي تم تنفيذها على الأرض وتوصل إليها الباحث عبر شبكة الرصد.
يؤكد رصد حركية التعافي المبكر في المناطق المرصودة أنه تم تنفيذ 311 مشروعاً خلال الفترة بين كانون الثاني وحزيران 2021 ضمن أحياء حلب الشرقية وريف دمشق، تصدّر قطاع الخدمات الاجتماعية بـ 137 مشروعاً، وقطاع الكهرباء بـ 86 مشروعاً في المرتبة الثانية، وقطاع النقل والمواصلات بـ 40 مشروعاً، و18 مشروعاً لكل من قطاعي المياه والصرف الصحي والتجارة، بينما جاءت قطاعات التمويل والاتصالات والإسكان والتعمير والزراعة في أسفل المؤشر، كما يظهر في الشكل رقم (1).
([1]) شملت مناطق الرصد منطقتين من المناطق التي أعاد النظام السيطرة عليها بعد أن كانت تحت سيطرة المعارضة وهي جميع أحياء حلب الشرقية وبعض مناطق ريف دمشق (دوما وسقبا والمليحة وحزة وكفر بطنا وعربين وداريا ومعضمية الشام).
ويُظهر الشكل رقم (2) التوزع النسبي للمشاريع على المناطق المرصودة حيث بلغت نسبة المشاريع في الأحياء الشرقية من مدينة حلب 66% (205 مشاريع) و 34% في ريف دمشق (106 مشاريع)، ويظهر الشكل رقم (3) توزع المشاريع على البلدات المرصودة في ريف دمشق وقد سُجلت أغلب المشاريع في دوما تليها داريا وعربين.
في ذات الإطار الزمني المرصود؛ وبتتبع سلسلة القرارات والقوانين ذات الصلة الصادرة عن سلطات النظام والتي بلغت 43 قراراً و 8 قوانين ومرسومين، فقد أصدر القانون رقم (18) للاستثمار والذي يهدف إلى إيجاد بيئة استثمارية تنافسية لجذب رؤوس الأموال والاستفادة من الخبرات والتخصصات المختلفة وتوسيع قاعدة الإنتاج وزيادة فرص العمل ورفع معدلات النمو الاقتصادي، وفق الدليل الاستثماري الذي صدر مع القانون، وإقرار خطة عمل صندوق دعم الإنتاج الزراعي، وقانون يسمح بتأسيس مصارف التمويل الأصغر، وقرار تعديل الحدود الدنيا والقصوى بمعايير تصنيف المشاريع متناهية الصغر. وتم رصد 15 تعميماً مثل استعداد "المؤسسة العامة للأعلاف" لاستلام محصول الذرة الصفراء بالأسعار الرائجة، ورفع سعر شراء محصول الشعير من الفلاحين بسعر 880 ليرة للكيلو، كما نُشر تعميم حول تعليق الدوام وحصره بعدد معين من الموظفين ضمن الإجراءات المتعلقة بمكافحة فيروس كورونا.
أما بالنسبة لفرص العمل فقد تم تسجيل 51 فرصة عمل من قبل جهات محلية خاصة ومنظمات دولية مثل "أوكسفام" والهلال الأحمر وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وتأهيل مشفى الأطفال في كرم القاطرجي وترميم ثانوية المليحة للبنات ومقر مالية داريا.
أما عن قطاع النقل والمواصلات فقد بلغ عدد مشاريعه 40 مشروعاً موزعين بين ريف دمشق (15 مشروعاً) وحلب الشرقية (25 مشروعاً) كما في الشكل (5)، ومن بين المشاريع المنفذة ترميم وتعبيد الطرقات بالإسفلت في كفر بطنا وداريا وشارع القوتلي في دوما، وكل من دواري الزيتونة في داريا والجرة في دوما.
وبلغ عدد مشاريع قطاع الكهرباء المنفّذة 68 مشروعاً موزعاً وفق في الشكل رقم (6)، تنوعت ما بين إنارة طرقات وتركيب شبكات توتر منخفض وصيانة الأعطال وإصلاح أعمدة وتركيب محولات، حيث تم تركيب ثلاث محوّلات في دوما وعربين وإصلاح خمسة في داريا، وأُعيد تأهيل عدة مراكز تحويل في قاضي عسكر وعدة شبكات توتر منخفض في حيي السكري والفردوس. وعلى الرغم من هذه المشاريع إلا أن المنطقة تعاني بشكل كبير من انقطاع مستمر في التيار الكهربائي يُجبر الأهالي على الاعتماد على طرق أخرى لتأمين الكهرباء.
وبالنسبة لقطاع المياه والصرف الصحي بلغ عدد المشاريع المنفّذة 18 مشروعاً موزعاً كما في الشكل رقم (7)، تنوعت ما بين مشاريع صيانة وإعادة تأهيل آبار واستبدال خطوط صرف صحي في شوارع داريا وأحياء حلب، حيث تم استبدال 300 متر من مجرور قديم بأنابيب بولي إيثلين، وتشغيل مضخة مياه في المليحة.
وبلغ عدد المشاريع في قطاع التجارة 18 مشروعاً موزعاً على المنطقة كما في الشكل رقم (8) ما بين مناقصات لتأمين بدلات عمل في حلب، واستئجار مركبات لنقل الموظفين، ومزايدة لبيع نواتج غربلة القمح، في داريا وسقبا وكفر بطنا ومناطق في حلب الشرقية، وعلى الرغم من وقوع هذه المناطق المعروفة بثقلها التجاري والصناعي تحت سيطرة النظام منذ فترة ليست بقصيرة، لم تشهد أي نهضة تجارية أو إنعاش يعيدها لما كانت عليه قبل الثورة، ويعد إهمال النظام لكلا المنطقتين عملاً ممنهجاً لإهمال القيمة التجارية والصناعية التي مثلتهاالمنطقتان على مدار العقود الماضية.
أما فيما يتعلق بعدد المشاريع في قطاع التمويل فقد بلغت 16 مشروعاً، تم تنفيذ 12 مشروعاً في ريف دمشق و4 مشاريع في حلب الشرقية كما في الشكل رقم (9)، مثل استثمار حديقة ومقهى في دوما، ومحال تجارية في حلب وأراضٍ زراعية في دوما وداريا، إضافة إلى تأجير شقق ومكاتب في حلب. ويظهر هذا القطاع هشاشة البنية التمويلية في المناطق المرصودة وعدم قدرة النظام على تقديم تمويلات متنوعة في سبيل النهوض باقتصاد المنطقة وبما يعود على الاقتصاد الوطني بالتنمية المطلوبة.
كما بلغ عدد مشاريع الاتصالات 8 مشاريع موزعة بين تركيب برج اتصالات في دوما وافتتاح مركز اتصالات بالمليحة وتفعيل الخط الأرضي وإعادة تأهيل شبكة، كما هو مبين في الشكل رقم (10).
وأخيراً تم تنفيذ 3 مشاريع في قطاع الزراعة والثروة الحيوانية في ريف دمشق توزعت ما بين حملة لمكافحة الجراد الصحراوي، ومنحة أعلاف لعدد من العوائل، وتوزيع مخصصات وقود للمزارعين. وفي قطاع الإسكان والتعمير تم تنفيذ 3 مشاريع؛ اثنان منها في ريف دمشق شملت ترميم ثلاثين شقة سكنية و25 محلاً تجارياً في سقبا وبناء مجمع سكني في دوما، ومشروع آخر في حلب الشرقية لإعادة تأهيل 150 شقة سكنية.
يؤكد رصد حركية التعافي المبكر في المناطق المرصودة تنفيذ 259 مشروعاً خلال الفترة بين تموز وكانون الأول 2021 ضمن أحياء حلب الشرقية وريف دمشق المرصودة، تصدّرها قطاع الخدمات الاجتماعية (96 مشروعاً) وحلّ كل من قطاعي النقل والمواصلات (78 مشروعاً) والكهرباء (42 مشروعاً) في المرتبة الثانية والثالثة على التوالي، كما سجل قطاع المياه والصرف الصحي 24 مشروعاً، و7 مشاريع في قطاع التجارة، كما في الشكل رقم (11).
وُظهر الشكل رقم (12) التوزع النسبي للمشاريع على المناطق المرصودة حيث بلغت نسبة المشاريع في حلب الشرقية 67% مقابل 33% للمشاريع المنفّذة في مدن وبلدات ريف دمشق، فيما يبين الشكل رقم (13) توزع المشاريع على البلدات المرصودة في ريف دمشق، حيث حازت داريا على أكثر البلدات تنفيذاً للمشاريع بـ32 مشروعاً متقدمة على دوما التي حصلت على 20 مشروعاً.
وفي ذات الإطار الزمني المرصود؛ وبتتبع سلسلة القرارات والقوانين ذات الصلة الصادرة عن سلطات النظام فقد بلغت 30 قراراً تنوعت ما بين إعفاء مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية الداخلة بصناعة الأدوية من الرسوم الجمركية، و8 تعميمات مثل تحديد عمل الفعاليات الاقتصادية وصرف مساعدات القمح للفلاحين على الهوية الشخصية ودون طلب براءات ذمة، وتمكّن جميع أصحاب الفعاليات التجارية والصناعية من تسجيل علاماتهم التجارية والصناعية في أي دولة بالعالم من خلال وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وتم إحصاء 20 إعلاناً لفرص عمل جلها من منظمة الهلال الأحمر السوري.
أما بالنسبة لتوزع المشاريع على القطاعات فقد حلّ قطاع الخدمات الاجتماعية في المرتبة الأولى في مؤشر التعافي الاقتصادي المبكر في المنطقة بواقع 96 مشروعاً موزعاً كما في الشكل رقم (14)، ومن بين المشاريع المنفذة ترميم مبانٍ عامة كالمركز الثقافي في دوما، ومدرسة، ومركز إطفاء داريا، بالإضافة إلى عمليات إزالة الأنقاض في سقبا وداريا ودوما وحي الصاخور وقاضي عسكر في حلب والأجزاء الخطرة من بعض المباني وإزالة مخالفات في أحياء حلب.
فيما يتعلق بقطاع النقل والمواصلات فقد بلغ عدد المشاريع 78 مشروعاً موزعين على المناطق كما في الشكل (15)، القسم الأكبر من هذه المشاريع مرتبط بترميم الشوارع بالإسفلت مثل شارع سوق الهال في دوما، وشارع البلاط في المليحة، فضلاً عن مشاريع صيانة أرصفة في حي القاطرجي وصلاح الدين في حلب.
وبلغ عدد مشاريع الكهرباء المنفّذة 42 مشروعاً كما في الشكل رقم (16)، توزعت ما بين إعادة تأهيل محولات كهربائية كما في منطقة دوار باب الحديد والكلاسة، وتركيب محولات وإنارة طرق بالطاقة البديلة في داريا، وتركيب ألواح طاقة بديلة لتوليد الكهرباء لمجلس مدينة داريا، وتمديد شبكات توتر منخفض في أحياء صلاح الدين والأنصاري والسكري في حلب الشرقية.
وفيما يرتبط بقطاع المياه والصرف الصحي بلغ عدد المشاريع المنفّذة 24 مشروعاً موزعين كما في الشكل رقم (17). حيث تم تأهيل واستبدال خطوط الصرف الصحي في حي الفردوس في حلب ومدينة دوما، وخطوط مياه الشرب في حلب، وتم تنفيذ مشروع تأهيل آبار في داريا، بالإضافة إلى العمل على تركيب أغطية ريكارات وشوايات في داريا.
أما فيما يتعلق بعدد المشاريع في قطاع التجارة فقد بلغت 7 مشاريع كما في الشكل رقم (18). تفرّقت بين مزايدات لبيع خردة وأكياس بلاستيك في حلب، وافتتاح صالة بيع متخصصة بالمنتجات الريفية واستئجار ميكروباص.
كما بلغ عدد مشاريع الاتصالات 4 مشاريع 3 منها في ريف دمشق ومشروع واحد في حلب الشرقية، حيث تم العمل على مد وإصلاح كبل ضوئي في حلب ودوما وإعادة الإنترنت والخطوط الهاتفية الأرضية في المليحة. أما عن قطاع التمويل فقد تم تنفيذ 4 مشاريع مشروعان في حلب الشرقية وآخران في ريف دمشق، حيث تم طرح أكشاك في دوما للاستثمار، ومحل للتأجير في داريا، وطرح أراضٍ للاستثمار في حلب.
وفي قطاع الإسكان والتعمير تم تنفيذ 3 مشاريع في حلب الشرقية، ما بين أعمال صب وإنشاء وإكساء مشروع وحدات سكنية. وفي قطاع الزراعة والثروة الحيوانية تم تنفيذ مشروع واحد فقط في ريف دمشق، عبارة عن زراعة أشجار في مدينة عربين.
يُظهر الجدول أدناه مقارنة في القطاعات بين النصف الأول والثاني للمشاريع والنشاطات المنفذة في المنطقة في العام 2021، ويُلاحظ انخفاض أعداد المشاريع على الرغم من إفراد بنود في الموازنة لتمويل وتنفيذ عملية إعادة الإعمار، ويَظهر قطاع الخدمات الاجتماعية في سلم أولويات النظام في المرحلة الحالية عبر بناء وترميم المدارس والمشافي والمرافق العامة، ومن ثم قطاعا النقل والمواصلات وقطاع الكهرباء.
فيما شهدت القطاعات الأخرى انخفاضاً في أعداد المشاريع والنشاطات على الرغم من الحاجة الماسّة لها، وفي الوقت الذي يُتوقع فيه ارتفاع أعداد مشاريع إعادة الإعمار لم يَلحظ التقرير سوى 6 مشاريع في المنطقتين طوال العام، ما يدلل على عدم قدرة النظام على التصدي لمتطلبات التعافي المبكر، فبحسب دراسة مسحية للأمم المتحدة في العام 2019 جاءت حلب كأكبر المدن المتضررة من القصف بواقع 36 ألف مبنى متضرر بشكل كامل أو قليل، تلتها الغوطة الشرقية بنحو 35 ألف مبنى مدمر([1]).
عموماً؛ لم يُبدِ النظام اهتماماً ولو بحدوده الدنيا في إعادة إنعاش ما دمرّه من بنى تحتية وخدمات في ريف دمشق وحلب الشرقية بعد انقضاء سنوات على خروجهما عن سيطرة المعارضة، على الرغم من الأهمية الصناعية والثقل الاقتصادي الذي تملثه المنطقتان، فبينما يكرر مسؤولو النظام في المحافل والمؤتمرات المحلية والدولية تصريحات تفيد بجهوزية سورية لإعادة إعمار المناطق المتضررة وإعادة اللاجئين، وبالرغم من المراسيم الحكومية حول إطلاق إعادة الإعمار واقتطاع ضريبة من دخول المواطنين لتمويلها؛ لا تزال مشاهد الدمار حاضرة في أحياء حلب الشرقية بعد 5 سنوات من سيطرة النظام و3 سنوات من سيطرته على ريف دمشق، وسط واقع صعب يعايشه السكان في ظل سوء في الخدمات المقدمة والانقطاع المستمر للكهرباء والمياه والاتصالات، وانهيار العديد من المباني السكنية جراء تصدعها، ناهيك عن غلاء المعيشة وقلة فرص العمل والنقص في المواد الأساسية والأوضاع الأمنية السيئة.
وبتحليل عام لجملة نتائج حركية الرصد يمكن تصدير خلاصة عامة تفيد بأن نوعية وعدد المشاريع المنفذة في قطاعات التعافي المبكر لا تزال دون الحد الأدنى المطلوب كاحتياج رئيسي، مما يدل على تنامي مؤشر ضعف الفاعلية، ويمكن رد أسبابه إلى مجموعة من القضايا المرتبطة بكون ملف التعافي لا يشكل أولوية في أجندة حكومة النظام، وذلك نتيجة تظافر عدة عوامل منبثقة عن الاحتياج المالي جراء ما يعيشه النظام من تأزمات مالية واقتصادية، إضافة إلى عدم توفر مؤشرات الإرادة السياسية تجاه هذه المناطق.
أدناه جدول يوضح تصنيف القطاعات وفقاً للتصنيف الصناعي المعياري الدولي؛
([1]) Syrian Cities Damage Atlas Eight Year Anniversary of The Syrian Civil War, REACH, March 2019, link: https://bit.ly/3Qc4yB0
مدخل
تمكنت المجالس المحلية في مناطق ريف حلب الشمالي من تأمين التيار الكهربائي وطي مرحلة "الأمبيرات" التي حلت محل الكهرباء بعد خروج المنطقة عن سيطرة النظام، وتضرر البنية التحتية للقطاع، حيث تم التعاقد مع شركتين هما “AK ”Energy و ”STE Energy” لاستجرار الكهرباء من تركيا بعد توقيع عقود مع المجالس المحلية. وبعد مرور ثلاثة أعوام على هذه التجربة خرجت مظاهرات للأهالي في مدن اعزاز والباب ومارع وغيرها تشكو من ارتفاع سعر الكيلو واط وانقطاع الكهرباء بشكل غير مبرر، ولجأ الأهالي إلى تقديم شكاوى لدى المجلس المحلي وصل عددها في عفرين إلى 1200 شكوى دفعت "اللجنة المشتركة لرد الحقوق" في عفرين لرفع كتاب لمدير شركة ”STE Energy” لمتابعة الأمور وحل المشاكل. ومع تصاعد الأزمة بين الأهالي والشركتين وعدم الاستجابة للمطالب، لجأ الأهالي للخروج في مظاهرات في مدن الباب وعفرين واعزاز وتم إحراق عدة مقرات للشركتين ومجالس محلية بعد فشل الأخيرة في تعديل بنود الاتفاق مع الشركتين وقوفاً عند مطالب الأهالي.
تحاول هذه الورقة إلقاء الضوء على قطاع الكهرباء في المنطقة وعقود الاستثمار التي تم توقيعها لاستجرار الكهرباء، والخيارات المتاحة لرفع قدرة المجالس المحلية في التفاوض مع شركتي الكهرباء، وتحقيق المصلحة العامة في تأمين كهرباء رخيصة تتوافق مع الأوضاع المعيشية وتسهم في رفد الاقتصاد المحلي بالتطور المطلوب.
الكهرباء في مناطق المعارضة
تُشرف المجالس المحلية في ريف حلب الشمالي؛ مدن الباب واعزاز وعفرين وأخترين وجرابلس على إدارة شؤون المنطقة وتنفيذ مشاريع التعافي المبكر بالتعاون مع المنظمات المحلية والأجنبية، ويبلغ عدد القاطنين في كل من ريف حلب وإدلب و"نبع السلام" حوالي 4.4 مليون نسمة، بينهم: 2.7 مليون شخص من النازحين داخلياً و1.7 مليون شخص يعيشون في 1293 مخيماً([1]). تعرّضت المنطقة لتدمير ممنهج في القطاعات الحيوية والمرافق الأساسية، خلال المعارك مع النظام، و"داعش"، ولاحقاً مع "قوات سوريا الديمقراطية"، غيّرت من ظروف المعيشة وأرغمت الأهالي على الاعتماد على طرق بدائية في توليد الكهرباء؛ كالمولدات وبطاريات السيارات لإنارة المنازل والمتاجر خلال ساعات محددة من اليوم، فبلغ سعر الأمبير المنزلي (وحدة قياس التيار الكهربائي) في منطقة عفرين (خلال سيطرة قوات سوريا الديمقراطية) في عام 2016 نحو 1000 ليرة سورية (1.85$) مقابل 8 ساعات عمل، وبلغ الأمبير التجاري 1300 ليرة سورية (2.41$) مقابل 12 ساعة([2])، بينما بلغ سعر "الأمبير" في مدينة الباب (خلال سيطرة فصائل المعارضة) في شهر ديسمبر/كانون الأول 2019 نحو 6500 ليرة سورية (7$) ووصل أحياناً إلى 9000 ليرة سورية (9$) إثر ارتفاع سعر الوقود وانخفاض قيمة الليرة([3]).
وحرم ارتفاع سعر "الأمبير" وتردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية سكان المنطقة من الكهرباء، وتكبّدت المتاجر والمعامل خسائر كبيرة ما اضطر الكثير منها إلى الإغلاق أو العمل جزئياً ورفع أسعار المواد بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، وبات التحدي الأكبر أمام المجالس المحلية متمثلاً في توفير كهرباء منتظمة وبأسعار منخفضة تتناسب مع الظروف المعيشية. وعلى وقع هذه الصعوبات تحركت المجالس المحلية للبحث عن البديل؛ وتم التعاقد مع شركة “)”AK Energy[4])، تأسست في 1 حزيران 2017 في ولاية كلس التركية، تغذّي الشركة مناطق اعزاز والباب والراعي وبزاعة وقباسين وجرابلس وتل أبيض ورأس العين بالتيار الكهربائي([5]). والشركة الأخرى هي الشركة السورية التركية للطاقة الكهربائية وهي شركة مرخصة في تركيا برمز "STE Energy"([6])، عملت سابقاً في مجال الأمبيرات وتطورت لاحقاً إلى فكرة استجرار الكهرباء من تركيا وتوزيعها في المنطقة([7]). ووقّعت حكومة الإنقاذ بإدلب في مايو/أيار 2021 عقد توريد الكهرباء مع شركة “Green energy” التي يديرها عمر شقوق، حيث تعمل على تغذية محافظة إدلب بالكهرباء وتتلخص أعمالها بثلاثة أنشطة رئيسة هي: إنشاء وتنفيذ مشاريع الطاقة الكهربائية، وصيانة البنى التحتية للشبكات والمحطات الكهربائية، واستثمار وتوزيع الطاقة الكهربائية.
ووقع المجلس المحلي في مدينة اعزاز مع شركة “AK Energy” أول اتفاق لتوريد الكهرباء للمنطقة في إبريل/نيسان 2018 لمدة عشر سنوات، تتعهد الشركة بموجبه بتغذية اعزاز باستطاعة 30 ميغا واط، مقابل توفير الأرض والمواد الأولية اللازمة للمضي في المشروع، بتكلفة تقدر بـ7 ملايين دولار، وتتولى ولاية كلس فض أي خلاف بين المجلس المحلي والشركة في حال حدوثه، بينما يتولى المجلس حل الخلافات بين الشركة والمواطنين. تبعه المجلس المحلي في مدينة الباب بعقد اتفاق مع ذات الشركة في مارس/آذار 2019 ويشمل الاتفاق إيصال التيار الكهربائي لكل من الباب وبزاعة وقبّاسين وكامل ريفها. ومن ثم تعاقدت كل من صوران وأخترين ومارع في إبريل/نيسان 2019 مع الشركة السورية التركية للكهرباء "STE energy". وفي يناير/كانون الثاني 2020 تم التعاقد مع ذات الشركة في عفرين وتستهدف المرحلة الأولى إيصال الكهرباء إلى عفرين وجندريس، وبقية المناطق في المرحلة الثانية. واعتمدت الشركتان في مبدأ التشغيل على عدادات إلكترونية مسبقة الدفع، تقتضي دفع المشترِك رسمَ اشتراك قيمته 200 ليرة تركية إضافة إلى ثمن العداد.
ومع الوقت بدأت كلتا الشركتين برفع سعر الكيلو واط بشكل تدريجي، للخطين المنزلي والتجاري، ما أدى إلى تزايد الضعوط الشعبية ضد المجالس المحلية وشركتي الكهرباء، فخرجت مظاهرات في مارع واعزاز والباب وصوران وجندريس، وأقام المتظاهرون اعتصامات، احتجاجاً على سياسة المجالس المحلية وطريقة تعاملها مع شركات الكهرباء ورفضاً لرفع أسعار الكيلو واط، فيما تذرّعت شركة“AK Energy” في مدينة الباب عبر بيان لها بأن سبب الارتفاع في الكهرباء يعود مصدره إلى تركيا، وأن الارتفاع جرى بعد الاتفاق مع المجلس المحلي([8])، وعلى خلفية عدم الاستجابة لمطالب الأهالي، أحرق متظاهرون في مدينة عفرين مبنى شركة الكهرباء العاملة في المنطقة، ومبنى المجلس المحلي أيضًا، وأصدرت إدارة “التوجيه المعنوي” في “الجيش الوطني السوري” بيانًا حول المظاهرات نددت بالتكسير والحرق الذي حصل، ودعت للتهدئة والالتزام بتنظيم الاحتجاج([9]).
يُذكر أن أسعار الكيلو واط زادت منذ إيصال الكهرباء في 2019 حتى 2022 بمقدار 188% من 85 قرش إلى 2.45 ليرة تركية للمنزلي، ويوضّح الجدول أدناه سعر الكيلو واط خلال شهر يونيو/حزيران 2022.
تُظهر الأسعار أعلاه زيادة في خط الكهرباء المنزلي في ريف حلب بنسبة 78% عن تركيا، وزيادة على سعر الكيلو واط التجاري بنسبة 63%. وبالنظر إلى ما تعانيه مناطق المعارضة من ظروف نزاع وبيئة مضطربة وارتفاع في الأسعار وفقر ونزوح، لا تتناسب هذه الأسعار مع الوضع المعيشي في المنطقة؛ إذا أُخذ بالاعتبار وسطي الدخل اليومي لمعظم سكان المنطقة بالاعتبار والذي يتراوح بين 20 و 30 ليرة تركية، بالكاد تغطي الاحتياجات الأساسية([12])، ويبلغ استهلاك العائلة للكهرباء في المنطقة وسطياً معدل 150 كيلو واط شهرياً أي ما قيمته 367.5 ليرة تركية([13])، تمثل حوالي 40% من دخل المواطن، في حين تبلغ فاتورة الكهرباء في تركيا 205 ليرات تركية وتمثل 4% من دخل عامل يتقاضى الحد الأدنى للأجور. وأقرّت شركة الكهرباء “Ak energy” في اعزاز رفع مقدار الشريحة الأولى من الكهرباء إلى 200 كيلو واط، بدلًا من 100 كيلو واط، مع الإبقاء على السعر نفسه عند 2.45 ليرة تركية للكيلو واط، على وقع الاحتجاجات الأخيرة، وهو ما لم يغيّر من واقع الحال شيء.
كما زاد ارتفاع سعر الكيلو واط من تكاليف الإنتاج وأسعار السلع والخدمات وتحميلها للمستهلك في نهاية المطاف، ولدى تتبع نشاطات ومشاريع التعافي الاقتصادي المبكر في المنطقة بين 2018 و2021 بحسب مؤشر التعافي الصادر عن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أظهر المؤشر قطاع الصناعة والاتصالات والتمويل الأكثر هشاشة ضمن القطاعات الاقتصادية الأخرى المرصودة، وتعد زيادة حوامل الطاقة، بينها الكهرباء، أحد أهم العوامل التي ساهمت في تثبيط عمل تلك القطاعات([14]).
قراءة في العقود: عقد اعزاز نموذجاً
بالنظر إلى الاتفاقية الموقّعة بين المجلس المحلي في مدينة اعزاز وشركة الكهرباء “AK Energy” يمكن استخلاص عدد من النقاط:
خلاصة وتوصيات
ذكرت الاتفاقية الموقّعة بين اعزاز وشركة “AK Energy” أن الغاية من الاتفاقية هي "زيادة السوية الاقتصادية للمناطق المحررة من الإرهاب في مدينة اعزاز والبلدات التابعة لها"، في حين أن أسعار الكهرباء خلال السنوات الثلاث الماضية زادت الأعباء المعيشية على المواطن ومشاكل قطاع الصناعة، وفاقت تسعيرة الكيلو واط الأسعار في تركيا، ما أدى لخروج مظاهرات في العديد من البلدات والمدن احتجاجاً على ارتفاع الأسعار والانقطاع المتكرر ضد المجالس المحلية والشركتين، كأحد ديناميات الضغط من المجتمع المحلي على الشركتين.
وبهدف تحسين بيئة التفاوض واكتساب أوراق قوة يمكن العمل على عدة نقاط من بينها:
وأخيراً، من شأن ما سبق دعم المقاربة التي تذهب إليها هذه الورقة في دعم قدرة المجالس المحلية على التفاوض لإنعاش القطاعات الاستراتيجية التي تضررت خلال فترة الحرب والمساهمة في تنمية الاقتصاد المحلي وتخفيف الأعباء المعيشية على المواطن ونقل عملية التعافي الاقتصادي المبكر نحو إعادة الإعمار، كما ستبقيها أكثر مرونة أمام دخول مشاريع دولية ذات رؤوس أموال كبيرة.
([1]) Developments in north-west Syria and Ras Al Ain – Tell Abiad Situation Report No. 33, November 2021
([2]) مقابلات أجراها الباحث مع عوائل في اعزاز والباب وعفرين ومارع وإدلب عبر الهاتف في 9/5/2022.
([3]) انظر تطوير البيئة التمويلية في مناطق المعارضة، مركز عمران للدارسات الاستراتيجية، 17/3/2022، رابط: https://cutt.ly/tG6IiFF
([1]) North West Syria, OCHA, situation report, link: https://reports.unocha.org/en/country/syria/ visit: 10/5/2022
([2] (تغير أسعار الأمبيرات في عفرين، راديو روزنة، 29/8/2016، رابط: https://cutt.ly/CG54t1M
([3] ( الأمبيرات ترهق أهالي مدينة الباب في ريف حلب، عنب بلدي، 1/12/2019، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/346167 تم احتساب سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار على سعر 922 ليرة حسب سعر الصرف السائد في السوق السوداء في دمشق بحسب نشرة الليرة السورية اليوم في 29 ديسمبر/ كانون الأول، رابط: https://sp-today.com/en/currency/us_dollar/city/damascus
([4]) تعود ملكية الشركة للسوري إبراهيم خليل بنسبة 31% والأسهم الأخرى يمتلكها حسن تتر بنسبة 25%، ورجب شوبان بنسبة 20%، وياسين يوجيل بنسبة 24 %
([5]) شركة “Ak Energy” العاملة في سوريا ليست “Ak Enerji” التركية، عنب بلدي، 20/2/2022، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/549353#ixzz7Smj7WGug
([6]) تأسست على يد رجال أعمال سوريين يعملون في مجال الانترنت والمقاولات هم: مؤيد علي حميدي وضياء مصطفى قدور ومحمود أحمد قدور.
([7]) ريف حلب... أول شركة سورية تدخل بعقد استثمار لتوصيل الكهرباء، عنب بلدي، 6/4/2019، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/292826#ixzz7SmlFlXUv
([8]) الكهرباء تشعل فتيل المظاهرات في أرياف حلب، عنب بلدي، 5/1/2022، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/537364
([9]) “الجيش الوطني” يدعو إلى تهدئة احتجاجات الكهرباء في ريف حلب، عنب بلدي، 4/6/2022، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/578769
([10]) تم احتساب سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار عند 16.5 ليرة.
([11]) تقسم أسعار الكهرباء للخطوط المنزلية في تركيا إلى ثلاثة أقسام حسب المدة الزمنية: فترة الاستهلاك العادي: من الساعة السادسة صباحاً وحتى الخامسة عصراً بسعر 1.37 ليرة، وفترة الذروة: من الساعة الخامسة عصراً وحتى العاشرة ليلاً 2.15 ليرة، والفترة المخفضة: من العاشرة ليلاً وحتى السادسة صباحاً 0.74 قرش.
([12]) Developments in north-west Syria and Ras Al Ain – Tell Abiad Situation Report No. 33, November 2021
([13]) مقابلات أجراها الباحث مع عوائل في اعزاز والباب وعفرين ومارع وإدلب عبر الهاتف في 9/5/2022.
([14]) انظر تطوير البيئة التمويلية في مناطق المعارضة، مركز عمران للدارسات الاستراتيجية، 17/3/2022، رابط: https://cutt.ly/tG6IiFF
يحاول تقرير التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق المعارضة في مدن وبلدات "درع الفرات"، و"عفرين"، ومحافظة إدلب استكمال ما بدأه منذ النصف الثاني لعام 2018 عبر رصد نشاطات الفاعلين من مجالس محلية ومنظمات خلال النصف الثاني لعام 2021 بين تموز وكانون الأول. ويهدف التقرير لتشخيص وفهم ما يلي:
وتتشكل أهمية هذا التقرير من قدرته على تشخيص حركة الانجاز في المشاريع الاقتصادية والتنموية المنفّذة بعموم المناطق التي يتم رصدها وتقييم الإيجابيات والسلبيات، مما يشكل دافعاً وإسهاماً لصنّاع القرار والفواعل لتوجيه الدعم وسد الثغرات في القطاعات الاقتصادية.
ركّز التقرير خلال عملية الرصد على المدن الرئيسية والبلدات المبين في الجدول رقم (2) التي شهدت نشاطاً اقتصادياً ملحوظاً، ووفقاً للتصنيف الصناعي المعياري الدولي، كما تم الاعتماد على المعرّفات الرسمية للمجالس المحلية والمنظّمات العاملة على "فيس بوك" و"تليغرام" وتسجيل نشاطاتها وتقاريرها الدورية الموضّحة بالجدول رقم (1)، وفق معادلة رصد مضبوطة تؤمّن القدرة على تحليل البيانات وفق مستويين، المستوى الأول مستوى القطاعات الاقتصادية، والثاني وفقاً للمستوى الجغرافي.
يوضّح الجدول أدناه خارطة الفواعل التي يرصد التقرير أنشطتها التنموية والخدمية والاقتصادية
كما يظهر الجدول أدناه القطاعات ونوعية النشاطات/ القرارات المرصودة:
تم تنفيذ 766 مشروعاً ونشاطاً في مناطق المعارضة بالشمال، ريف حلب الشمالي والشرقي ومحافظة إدلب، بانخفاض عن النصف الأول بنسبة 11% أو بواقع 104 مشروعاً. وحسب الشكل رقم (1) ورقم (4) يوضحّان عدد ونسب المشاريع في المنطقة، وكانت ضمن قطاع النقل والمواصلات (193 مشروع) بنسبة 25% وقطاع التجارة (169 مشروع) بنسبة 22% وقطاع لمياه والصرف الصحي (123 مشروع) بنسبة 16% وقطاع النزوح الداخلي في المرتبة الرابعة بواقع (104 مشروع) وقطاع الزراعة والثروة الحيوانية (61 مشروع) وقطاع الإسكان والتعمير (60 مشروع).
وحافظت إدلب على تنفيذ النسبة الأكبر من المشاريع والنشاطات بواقع 55% (419 مشروع) مقارنة مع ريف حلب (347 مشروع) كما يظهر في الشكل رقم (2).
وبشكل أكثر تفصيلاً يُظهر الشكل رقم (3) توزع المشاريع على المناطق المرصودة؛ حيث حلّت مدينة إدلب في المرتبة الأولى (125 مشاريع) في المؤشر للمرة الرابعة، وجاءت بعدها مدن الباب (85 مشروع) واعزاز (82 مشروع) وسرمدا (80 مشروع)، إضافة إلى مدن الدانا وعفرين وأخترين، ويعود تركز المشاريع في هذه المدن إلى عدة عوامل لعلّ أبرزها تركز عدد كبير من المخيمات فيها وبالتالي وجود معظم المنظمات والمحلية والأجنبية، واحتواءها على أسواق تجارية.
ومن بين أبرز القرارات والإعلانات التي تم اتخاذها والإعلان بها من قبل المجالس المحلية والمنظمات خلال هذه الفترة: عقد اجتماعات لعدة منظمات لوضع خطة لزراعة القمح وتنظيم زراعة وتصرف المحصول، وأطلق المجلس المحلي في مارع وصوران والراعي جمعية مزارعي البطاطا بالتعاون والتنسيق مع مؤسسة إكثار البذار، أما في إدلب فقد أعلن الاتحاد العام للفلاحين ومديرية زراعة إدلب أنها تتابع تشكيل الجمعيات الفلاحية في المدن والبلدات والقرى لتنظيم عمل الفلاحين وزراعاتهم وحل مشاكلهم العالقة، وأقر المجلس المحلي في مدينة الباب سعر الكيلو واط 88.8 قرش لخط الكهرباء المنزلي و1.15 لخط الكهرباء التجاري، كما تم تحديد سعر ربطة الخبز بليرتين تركيتين، وتم عقد مذكرتي تفاهم في الراعي واعزاز أحدهما لتعبيد الطرقات والأخرى لتقديم 50% من مادة الطحين للمجلس المحلي في الراعي لبيع ربطة الخبز للمواطن بسعر ليرة تركية، كما وفرت المنظمات والمجالس المحلية نحو 1862 فرصة عمل خلال الفترة المرصودة بزيادة 832 فرصة عن النصف السابق بنسبة 80%، معظمها عقود مؤقتة بين شهر و6 أشهر وسنة، وتركزت في القطاع الطبي من قبل منظمات "سيريا ريليف"، و"تكافل الشام"، و"المؤسسة الدولية للتنمية الاجتماعية" و"يداً بيد للاغاثة والتنمية" وغيرها.
استحوذ قطاع النقل والمواصلات على المرتبة الأولى ضمن مؤشر التعافي بواقع 193 مشروعاً، بارتفاع عن النصف السابق بـ52 مشروعاً، وحازت الدانا واعزاز وأخترين وعفرين على المراتب الأربعة الأولى بين المناطق التي تم رصدها كما يظهر في الشكل أدناه. ومن بين المشاريع المنفّذة استمرار رصف الطرقات الفرعية والساحات بحجر الانترلوك، وتعبيد الطرقات بالإسفلت بين اعزاز وكفركلبين، وكفركلبين وكلجبرين، والسلامة وشمارين، وشمارين وسجو وغيرها، وشهدت هذه الفترة أيضاً تأهيل العديد من الطرقات المؤدية إلى تجمعات المخيمات وربطها مع القرى المجاورة لسهولة نقل الخدمات إليها.
وتم تنفيذ 169 مشروعاً في قطاع التجارة جاءت إدلب في المرتبة الاولى بـ44 مشروعاً تلتها الباب واعزاز والدانا على التوالي، ولا تزال السمة الرئيسية في هذا القطاع هو إصدار المنظمات العاملة والمجالس المحلية مناقصات لتوريد أدوات طبية ووقود وقرطاسية وخدمات طباعة وطحين وتقديم عروض لاستئجار سيارات وسواها، ومن بين المنظمات التي تقدم مناقصات وتساعد على تنشيط هذا القطاع مؤسسة بناء للتنمية، ومنظمة بنيان، والرابطة الطبية للمغتربين، وجمعية عطاء وغيرها.
وفيما يتعلق بقطاع المياه والصرف الصحي تم تنفيذ 123 مشروعاً في المنطقة كما يُظهر الشكل أدناه، وتربّعت مدينة سرمدا على رأس القائمة بواقع 22 مشروعاً، تلتها مدينتي اعزاز (21 مشروع) وإدلب (14 مشروع)، ويعد هذا القطاع أحد القطاعات الحيوية ضمن مؤشر التعافي وساهم العمل عليه خلال الشهور الماضية في تحسن وضع البنية التحتية للمياه وطرق إيصالها للسكان والمخيمات، وأشارت إحصائية لوحدة تنسيق الدعم إلى طرق إيصال المياه في الشمال السوري في تشرين الأول 2021 وجاءت النسب: 89% بواسطة شبكة مياه و6% عبر الصهاريج و1% منهل.
وبالانتقال إلى قطاع النزوح الداخلي، انخفض عدد المشاريع في هذا القطاع عن النصف السابق بواقع 41 مشروعاً إذ تم تنفيذ 104 مشاريع خلال النصف الثاني من 2021 حيث نفّذ في سرمدا (24 مشروعاً) وأطمة (22 مشروعاً) وإدلب (19 مشروعاً)، نظراً إلى كثافة أعداد النازحين والمخيمات فيها، وشملت الأعمال تقديم خدمات البنية التحتية في المخيمات وترميم المنازل لتحسين الظروف المعيشية للنازحين القاطنين فيها، وأوردت نشرة لوحدة تنسيق الدعم أن 62% من الطرق ضمن المخيمات معبدة أو مرصوفة فيما لا تزال 38% تحتاج إلى رصف وتعبيد.
بالنسبة لقطاع الزراعة والثروة الحيوانية فقد تم تنفيذ 61 مشروعاً أقل بـثلاثة مشاريع عن النصف السابق، جاءت إدلب في المرتبة الأولى (18 مشروعاً) تلتها جرابلس (6 مشاريع) وقباسين وعفرين واعزاز (4 مشاريع) لكل منها، وتضمنت هذه الفترة دعم الفلاحين بالمواد الأساسية لدعم المحاصيل الزراعية، وتسليم قروض حسنة للمزارعين، ومتابعة حثيثة للمحصول من قبل المنظمات للتدخل في الأوقات المناسبة ومساعدة الفلاح على جني المحصول. وألقت المجالس المحلية الضوء أكثر على قطاع الزراعة من خلال دعم تأسيس جمعيات للمزارعين وتأسيس اتحاد عام لهم، واجتماع عدة منظمات في اعزاز لوضع خطة لزراعة القمح في المنطقة.
وسجّل قطاع الإسكان والتعمير تنفيذ 60 مشروعاً بزيادة 8 مشاريع عن النصف السابق، كما يظهر في الشكل أدناه، وبقيت مدينة الباب في قمة المؤشر بواقع 37 مشروعاً بدافع إصدار تراخيص على الشيوع لبناء سكني وتجاري، واستمرت مشاريع نقل المخيمات إلى مجمعات سكنية تتسع لمئات العائلات ومجهّزة بكافة الخدمات، وألقى "فريق ملهم التطوعي" على نقطة مهمة في هذا الإطار عندما تمكن من جمع تبرعات بأكثر من 2 مليون دولار لبناء وحدات سكنية للنازحين عوضاً عن الخيمة، وأنهى العمل في مدينة اعزاز على مشروعي أوتاد الذي يضم 320 وحدة سكنية، وقرية ملهم التي تضم 300 وحدة، وجهّزت منظمة إحسان 247 وحدة سكنية في بلدة كفرصفرة، والانتهاء من "قرية التميز الإنساني" من قبل منظمة وطن في مدينة حارم، وتم نقل 453 عائلة من المخيمات إلى مساكن جاهزة في قرية الزيتون في مدينة الدانا من قبل مديرية الشؤون الإنسانية. ومن بين المشاريع البارزة التي تم العمل عليها في هذه الفترة؛ بناء منطقة حرفية في اعزاز، وسوق من 39 محل في الراعي، وبدء العمل على مدينة صناعية في صوران.
ونفذت المجالس المحلية والمنظمات 24 مشروعاً في قطاع الكهرباء خلال هذه الفترة أقل بمشروعين عن النصف السابق. وجاءت إدلب على رأس القائمة بـ5 مشاريع والراعي بـ4 مشاريع وبعدها الأتارب، وتم خلالها إيصال الكهرباء للبلدات ولمدن وتجهيز أعمدة إنارة للمحلّق الغربي الشمالي في اعزاز، وعلى طريق معبر السلامة، وفي الراعي وقباسين وسلقين، ونفّذت العديد من المنظمات مشاريع توليد طاقة كهربائية عبر تركيب المئات من ألواح الطاقة الشمسية في محطات ضخ المياه لتخديم النازحين في المخيمات في كفردريان وصوران وإدلب والأتارب.
فيما يتعلق بقطاع الخدمات الاجتماعية فقد تم تنفيذ 17 مشروعاً أقل بـ9 مشاريع عن النصف السابق، حيث تم بناء مدرسة "حق الشام" في مدينة الباب، ومدرسة في أخترين، ومستوصف في صلوة، وتم تأهيل 6 مدارس في مدينة اعزاز، وتأهيل عدد من المدراس في عفرين، وغيرها.
وفيما يتعلق بقطاع التمويل، تم تنفيذ 10 مشاريع في بزاعة والباب واعزاز والراعي وأخترين وإدلب ومن بين المشاريع التي يتم تنفيذها، النقد مقابل العمل التي تستهدف أعمال النظافة العامة والمشاريع الخدمية، وطرح مزادات لاستثمار محال وصالات تجارية، وتم طرح معمل غاز وأراضي زراعية ومحل تجاري وحديقة للاستثمار في بزاعة.
كما تم تنفيذ 3 مشاريع في قطاع الاتصالات، بينها إصلاح خط الهاتف الواصل بين إدلب وعربيتا، وصيانة وتمديد خطوط للهاتف الأرضي في إدلب. أما في قطاع الصناعة فقد تم تنفيذ مشروع يتعلق بتجهيز معمل لصناعة حجر الانترلوك في مدينة جرابلس، ومشروع بناء محطة مفاعل معالجة لاهوائية للصرف الصحي في بلدة باتبو.
أخيراً، يمكن القول إن النصف الثاني من 2021 انخفضت عدد المشاريع فيه بواقع 104 مشاريع، وبقي تركز المشاريع في قطاعات النقل والمياه والتجارة في سلم أولويات المنظمات العاملة والمجالس المحلية، ولا تزال إدلب تتفوق بعدد المشاريع على ريف حلب بواقع 55% لإدلب مقابل 45% لريف حلب. وتم تسجيل 1862 فرصة عمل أوجدت من قبل المنظمات والمجالس المحلية في مختلق القطاعات الاقتصادية، وتركز معظمها في القطاع الطبي وهو مؤشر يؤكد على آثار الحرب واحتياجات المنطقة في هذا القطاع.
يُظهر الشكل رقم (13) المسح القطاعي على مشاريع التعافي في مناطق المعارضة من النصف الثاني في 2018 حتى النصف الثاني في 2021 أنجز خلالها 4070 مشروعاً معظمها في قطاع النقل والمواصلات تلاها المياه والصرف الصحي ومن ثم قطاع التجارة، وقد شكّلت هذه القطاعات بما رفدته من مشاريع ونشاطات قاطرة عملية التعافي في المنطقة على مدار الفترة الماضية واستطاعت تقديم الخدمات الأساسية الأشد احتياجاً للسكان من مياه وطرقات، فيما حازت قطاعات الصناعة والاتصالات والتمويل على الاهتمام الأقل بين القطاعات المرصودة فضلاً عن قطاع الزراعة والثروة الحيوانية الذي نفذ فيه 323 مشروعاً، وهي إشارة إلى خلل يحتاج إلى تضافر الجهود لدفع هذه القطاعات وإعادة التوازن للمنطقة، باعتمادها على الموارد المحلية المتوفرة لإحلال جزء من الواردات وعدم الاعتماد على الخارج بنسبة عالية. كما يشكل قطاع النزوح الداخلي (577 مشروعاً) تحدٍ كبير للمنطقة بالمنهجية المتبعة في تخديم النازحين في المخيمات، وقد بدأت العديد من المنظمات الاعتماد على بناء منازل سكنية وتنقل سكان المخيمات إليها، إلا أن العدد الكبير للمخيمات يحتاج لتضافر عدد أكثر من المنظمات للعمل على خطة تضمن إنهاء المخيمات ومشاكلها.
وفيما يتعلق بتوزع المشاريع على البلدات والمدن يُظهر الشكل رقم (14) مدينة إدلب على رأس قائمة المدن الأكثر تنفيذاً للمشاريع بواقع 562 مشروعاً، وتلتها مدينتي الباب واعزاز 487 و388 على التوالي. وساهم تركز المنظمات المحلية والأجنبية من جانب، والمخيمات من جانب آخر إلى استقطاب هذه المدن مشاريع بشكل أكثر من بقية المدن الأخرى. ومن جانب آخر يلحظ التقرير التغيرات الجذرية التي حلّت ببعض القرى والبلدات الصغيرة بتحولها إلى حواضن كبيرة إثر تدفق النازحين وإنشاء المخيمات فيها ونشاط المنظمات والمجالس المحلية فيها، مثل بزّاعة والدانا وسرمدا، على حساب المدن الكبيرة والتي كانت تشكل مراكز جذب تجاري واقتصادي مثل عفرين وحارم وغيرها.
تبين نتائج الرصد في النصف الثاني لعام 2021 جملة من نقاط القوة والضعف قي القطاعات المرصودة في مناطق "درع الفرات" و"عفرين" ومحافظة إدلب، فبالنسبة لنقاط الضعف يمكن شملها بالنقاط الآتية:
أما بالنسبة لنقاط القوة التي يسجلها التقرير:
يورد التقرير توصيتين من شأنهما رفد عملية التعافي الاقتصادي المبكر مزيداً من التنسيق في المنطقة وفواعلها، ومزيداً من العمل في القطاعات غير الفاعلة حتى الآن:
مدخل
خلال متابعة حركية أنشطة التعافي المبكر في مناطق المعارضة في ريف حلب ومحافظة إدلب يمكن ملاحظة انحسار المشاريع المنفّذة ضمن قطاعات النقل والمواصلات والمياه والنزوح الداخلي والتجارة؛ مقابل محدودية التنفيذ في قطاعات استراتيجية أخرى لعلّ أهمها قطاع التمويل، ولأهمية هذا القطاع وأدواره الوظيفية في تشكيل أطر دعم محلياتية ستحاول ورقة التوصيات التالية تنبيه الفاعلين حول إشكالية قطاع التمويل في المنطقة وضرورة العمل على تنويع القنوات التمويلية وتوجيهها نحو تطوير البيئة التمويلية وتنفيذ مشاريع صغيرة ومتوسطة في قطاعات إنتاجية كالزراعة والصناعة والخدمات.
في إطار رصد نشاطات التعافي الاقتصادي المبكر ضمن القطاعات التالية[1]: المياه، والنقل، والكهرباء، والزراعة، والتجارة، والإسكان والتعمير، والنزوح الداخلي، والصناعة، والتمويل، والخدمات الاجتماعية؛ نفّذت المجالس المحلية بالتعاون مع المنظمات العاملة في مناطق المعارضة نحو 3204 مشروعاً في ريفيّ حلب وإدلب خلال 3 أعوام بين 2018 و2021.
وشكّل الوزن النسبي للمشاريع اهتماماً أكبر بالمرافق الأساسية؛ كتأمين مياه الشرب عبر تمديد شبكات جديدة وإصلاح أعطال الشبكات القديمة، ومد شبكات صرف صحي، وتعبيد الطرق الفرعية والرئيسية داخل المدن والبلدات وخارجها بالإسفلت، وتقديم خدمات داخل المخيمات لتخفيف معاناة النازحين، فضلاً عن مشاريع أخرى مرتبطة بقطاع التجارة. حيث بلغت نسبة المشاريع المنفّذة في قطاع المياه والصرف الصحي 19% من إجمالي المشاريع الكلي، و18% في النقل المواصلات، و17% في التجارة، بينما بلغت نسبة المشاريع في الزراعة 8%، وفي كل من الكهرباء والتمويل 4% لكل منهما وفي قطاعي الصناعة والاتصالات 0%.
وتعتمد المجالس المحلية والمنظمات في تنفيذ المشاريع وتوظيف الكوادر على المنح والمساعدات المالية (الريع) المقدّمة من الدول والمنظمات الأجنبية، وتكاد تكون هذه الرافعة المالية الوحيدة لتنفيذ النشاطات والمشاريع فضلاً عن كونها المشغّل الرئيسي للسكان، وهو ما ربط حركة التعافي الاقتصادي المبكر وتنفيذ المشاريع من جهة بقرارات المانح وطرق توزيع الأموال اتجاه قطاعات محددة، ومن جهة أخرى بمحددات تعامل المجتمع الدولي حيال الملف السوري والتي تؤثّر على جحم التمويل من جهة أخرى، وبالتالي تمحورت معظم الأموال الممنوحة حول أطر الأعمال الإغاثية أو التي تخدمها بشكل غير مباشر، ما أفرز هشاشة في الاقتصاد المحلي، وانكشاف على الخارج (تركيا)، واعتمادية متزايدة على فكرة المنح المالية، وعدم الالتفات لتوفير عناصر البيئة التمويلية من مؤسسات وأسواق وأدوات وخدمات مالية والتي تُسهم بدورها في خلق قنوات تمويلية جديدة تعود على المجتمع بالفائدة المرجوّة.
تدفع المنهجية القائمة باتجاه ضرورة تبني مقاربات أخرى تُخفّف نسب الاعتمادية على الآخر؛ وتتكئ على التحسّن الطفيف في مؤشر التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق المعارضة (انظر الشكل رقم 2)، وتقوم هذه المقاربات المقترحة باتجاه تحويل منهجية عمل الأجسام الرسمية وغير الرسمية بشكل تدريجي نحو رفد القطاعات الاقتصادية ذات الشأن بتجديد الإنتاج الاجتماعي وتعبئة رؤوس الأموال المحلية والممنوحة في قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية والصناعة والكهرباء والاتصالات والخدمات عموماً ودعم بيئة المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
يمكن الاعتماد على عدة أدوات لإيجاد بيئة تمويلية ضمن الظروف الحالية، وخلق قنوات تمويلية خاصة لتنفيذ مشاريع كثيرة مثل: مشاريع الطاقة المتجددة ومعالجة النفايات والصناعات النسيجية والطبية والغذائية والتقنية والمعدنية والورقية فضلاً عن المشاريع الزراعية والثروة الحيوانية ومشاريع استراتيجية متمثلة بشبكات الكهرباء والمياه والهاتف والانترنت والنقل والمواصلات والإسكان والتعليم وغيرها، ويمكن الاعتماد على ما يلي لتطوير هذه البيئة:
أولاً: المجالس المحلية وغرف التجارة والصناعة
ينبغي أن تلعب المجالس المحلية وغرف التجارة والصناعة دوراً محورياً في تهيئة بيئة العمل وتأسيس المشاريع، وفي سبيل تحقيق هذا الدور، يمكن التوافق على تشكيل خلية موحّدة باسم "هيئة إدارة المشاريع" تتعاون مع خبراء إداريين واقتصاديين في اختيار منطقة آمنة مناسبة لتأسيس وعمل المشاريع والشركات. تعمل الهيئة على كتابة نظام إداري وقانوني مرن يتضمن تفاصيل الترخيص والرسوم والضرائب والتوظيف والواردات والصادرات وأية تفاصيل أخرى، وتضمن معالجة كافة المخاوف والمشاكل المرتبطة بتأسيس المشاريع والعمل، وما يحتاجه صاحب الفكرة لتنفيذ مشروعه، والمستثمر سواءً كان فرداً أو منظمة أو شركة لضمان حقوقه وأرباحه، مع التأكيد على تضمين القوانين التركية والدولية ذات الشأن، ووضع خطة استثمارية تهدف لسد الفجوات في الأمن الغذائي والمائي والطاقة، وإيجاد فرص عمل للشباب.
وتعمل هذه الهيئة ضمن المحاور التالية:
ثانياً: المنظمات المحلية
يُمكن للمنظمات المحلية العمل على توسيع دائرة العمل لتشمل قطاعات إنتاجية وإيجاد مانحين ومتبرعين، أفراداً ومؤسسات ودولاً، بكافة السبل المتاحة لتمويل مشاريع في الصناعة والزراعة والخدمات، ومن أجل ضمان نجاح أكبر للمشاريع يمكن تبني فكرة "الاحتضان" وتدريب صاحب المشروع مالياً وإدارياً وتسويقياً، بهدف إنجاح المشروع وتذليل الصعوبات. والجدير بالذكر أن المنظمات راكمت خبرة خلال السنوات الماضية وتمكنت من التأقلم في ظل ظروف عمل صعبة، فضلاً عن رصيد العلاقات والخبرة والموارد البشرية التي تمتلكها، ما يُمكنّها من تسويق واحتضان مشاريع إنتاجية تسهم في رفد المنطقة بالنجاح المطلوب.
ثالثاً: المجتمع المحلي
بات التمويل والعمل اللامركزي مُنافِساً قوياً للأنظمة البيروقراطية والمركزية في العالم خلال السنوات الماضية، يمكن الاستفادة من هذه الطفرة وتوأمة التجربة في مناطق المعارضة، عبر تشجيع أفراد في الداخل على تصميم منصات تمويل على الانترنت تستهدف جذب أصحاب المشاريع لعرضها على المنصة، وإتاحة التفاعل مع العالم لمشاركة الفكرة وجمع التمويل اللازم لتنفيذها، وقد تبدأ الأفكار انطلاقاً من تمويل فرد أو عائلة لشراء دواجن أو أبقار بمبالغ مالية صغيرة بهدف الاستفادة ممّا يتنج عنها، إلى تمويل مجموعة أفراد لصناعة منتجات معقّدة تباع في الأسواق المحلية أو الخارجية عبر أسواق إلكترونية. وتتيح هذه الطريقة تجاوز الصعاب والتحديات المحلية التي تواجه عملية التمويل، وتشجيع أصحاب الأفكار على طرحها وتنفيذها، وتأسيس مشاريع صغيرة متنوعة قابلة للنمو والتطور مع مرور الوقت، فضلاً عن خلق فرص عمل في المنطقة.
وتُصمم هذه الطريقة وفق نموذج "الكل أو لا شيء" بمعنى؛ ينفّذ المشروع في حالة جمع كامل المبلغ المطلوب فقط. ويوضّح الجدول التالي أنواع التمويل الجماعي المتاح:
إنّ تطبيق هذه الأطر وتنويع مصادر التمويل سيساهم في تعزيز شروط فعالية البيئة التمويلية، وبالتالي تطوير الاقتصاد المحلي بالمحصلة، ونقل دور المجالس والمنظمات والمجتمع المحلي رويداً رويداً من دور إغاثي عاجل إلى دور تنموي أكثر استدامة، إضافة لتعزيز جملة من الأمور في المنطقة من بينها:
يُمثّل قطاع التمويل عصب الاقتصاد والأسواق إذ لا يمكن للأفكار أن تتحول إلى مشاريع، ولا يمكن للحكومة والمجالس المحلية أن تتقاضى الرسوم والضرائب بدون إنعاش هذا القطاع الهام. ومن شأن تطوير الاقتصاد المحلي في المنطقة خلال السنوات القادمة، تعافي المنطقة أكثر وصياغة هوية اقتصادية والعودة للحياة الطبيعية وتوظيف الكفاءات والكوادر في المكان المناسب، وتوفير تعليم وحياة أفضل للسكان.
[1] للاطلاع أكثر أنظر: مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق المعارضة بين النصف الثاني 2018 والنصف الثاني 2020 على الروابط التالية: https://bit.ly/3jafNuC، https://bit.ly/2WzyRLb ، https://bit.ly/37donmN ، https://bit.ly/3ffE9BY
يشهد قطاع الزراعة في مناطق المعارضة إشكالات عدّة منها ارتفاع كمية المعروض الزراعي بشكل يفوق الطلب المحلي أمام ضعف القوة الشرائية للمواطن وافتقار البيئة المحلية لمصانع غذائية تستوعب الفائض، فضلا عن قلة قنوات التصدير الخارجية، وانخفاض الأسعار مقابل ارتفاع تكاليف الإنتاج ما يؤدي إلى مشاريع بدون جدوى، ولا تزال حركة التصدير إلى تركيا بالحد الأدنى من حيث الحجم والاستمرارية، حالت هذه الإشكاليات كلها دون تعزيز الإنتاج الزراعي وتوظيف القوة العاملة على مدار السنوات القليلة الماضية، ولم تنفع الديناميات الحوكمية الراهنة في إيجاد حلول جذرية لتلك الإشكالات ما وضع المزارع أمام خسائر متراكمة انعكست عموماً على تطور القطاع الزراعي.
تطرح ورقة التوصيات التالية بعد محاولتها تفكيك الإشكالات المعرقِلة للتنمية الزراعية، اختبار توصية مباشرة من شأنها تحقيق حد أدنى لتطور للقطاع الزراعي وخلق مساحات تحرك جديدة تساعد في بلورة حلول ناجعة.
تتلخص الإشكالات التي يعاني منها قطاع الزراعة سواءً من حيث العرض أو الطلب بما يلي:
ساهم عدم حساب قدرة السوق الاستيعابية (الطلب) من المحاصيل الزراعية في تزايد الخسائر المالية للفلاحين وعدم جدوى الزراعة أصلاً، كما في محصول البصل والبطاطا مثلاً، حيث قدّرت المؤسسة العامة لإكثار البذار الفائض من إنتاج البصل المحلي حوالي 25% ومن البطاطا 19% من إجمالي الإنتاج، وبالكاد يربح المزارع 100 دولار في الهكتار الواحد بدون احتساب أتعابه في مادة البصل، بينما تبلغ خسارته 1668 دولار في الهكتار الواحد من زراعة البطاطا، بحسب دراسة تقديرية للمؤسسة العامة لإكثار البذار في 2020.
ولا يعد تصدير منتجات زراعية من مناطق المعارضة إلى مناطق النظام أمراً سهلاً وذو جدوى بسبب ارتفاع تكاليف النقل والإتاوات على الطريق، ففي الوقت الذي يبلغ كيلو البصل في منطقة الباب 200 ليرة يصل إلى سوق الهال في دمشق بحوالي 500 ليرة للكيلو ([1]). أما صادرات مناطق المعارضة إلى تركيا فلا تزال أرقامها غير مشجعة على الإنتاج، إذ صدّرت مناطق المعارضة في حزيران 2018 نحو 4000 طن بطاطا إلى تركيا فيما يبلغ الإنتاج المحلي للبطاطا في مناطق المعارضة قرابة مليون طن. وتجدر الإشارة إلى محدودية أدوار المجالس المحلية في دفع حركة التصدير (المتواضعة) إلى تركيا، فعادةً ما تُبدي الجهات التركية اهتماماً باستيراد سلعاً مثل العدس، والحمص، والفستق الحلبي، والرمان، والكرز، والبطاطا والبصل، بحسب حاجتها وبعد إبلاغ المجالس المحلية التي تقوم بدورها بلعب وساطة بين الحكومة التركية والمزارعين ([2]).
من جهة أخرى؛ لم تُسهم إجراءات أجسام الحوكمة القائمة في ضبط ميزان السوق بين السلع المورّدة من الخارج مع السلع المنتجة محلياً، ما أدى إلى إغراق السوق المحلية بمنتجات ومحاصيل مستوردة أضرّ بالمنتج المحلي. لا سيما بعدما خفضت الحكومة المؤقتة في شهر آذار 2021 الرسوم الجمركية على البضائع التركية الداخلة إلى مناطق ريف حلب عبر معبر السلامة والراعي وجرابلس والحمام وتل أبيض ورأس العين، كما يُظهر الجدول التالي ([3]):
أيضاً لا يمكن – بطبيعة الحال – إغفال عدة إشكاليات ضاغطة على قطاع الزراعة كجفاف منابع التمويل وأثره المسحوب على قطاع الصناعة والتي تضم الصناعات الغذائية على مختلف أنواعها، وارتفاع تكلفة المواد الأولية وعلى رأسها حوامل الطاقة من كهرباء ومياه ومحروقات، وإغلاق الطرقات، فضلاً عن انخفاض القوة الشرائية لدى المواطنين. ناهيك عن ارتباط كل ذلك ببيئة أمنية قلقة وبإشكاليات مرتبطة في مسألة المياه وجفاف المياه الباطنية في مدينة الباب وحفر آبار عشوائية تستنزف المخزون الاستراتيجي للمياه، والعمليات العسكرية المتكررة التي تقضم مساحات زراعية واسعة.
للتخفيف من عبء الإشكالات الواردة أعلاه فإنه ينبغي التوجه إلى دعم مقاربة العمل المدني اللا حكومي لقطاع الزراعة، والتي من شأنها تعزيز وتثمير التواصل مع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية ووضع خطة لضبط الإنتاج الزراعي واتخاذ قرارات حاسمة لتحقيق المصلحة الوطنية واستدامة الإنتاج المحلي ورأس المال الزراعي.
وفي سبيل تحقيق هذا يمكن إنشاء "جمعية الزراعة الوطنية" National Agriculture Authority اختصاراً NAA؛ وهي جمعية زراعية مدنية غير ربحية تضم المزارعين والنقابات الفلاحية المنتشرة في المنطقة. تُوظّف خبرات وكفاءات وطنية وتبني علاقات وشبكات اتصال مع المؤسسات العاملة؛ كمديرية الزراعة في الحكومة السورية المؤقتة، ومؤسسة إكثار البذار، والمجالس المحلية، واتحاد الغرف التجارية والصناعية، والمنظّمات الإغاثية. وتعمل على وضع خطة متكاملة لإدارة قطاع الزراعة، كمّاً ونوعاً، عرضاً وطلباً، تعتمد علامة تجارية للمحاصيل الزراعية المحلية، ومواصفات صحية وإدارة جودة مُطابقة للمواصفات العالمية، كما يصدر عنها تقريرٌ ربعي، يحمل بين طيّاته مؤشراً اقتصادياً لقياس حجم النمو في القطاع الزراعي لتعزيز قيم الشفافية.
وتتكون الجمعية كما يظهر في الشكل أدناه: من هيئة عامة تضم مزارعين ونقابات فلاحية من كل مدينة وبلدة، ينتخبون إدارة عامة، تعمل الأخيرة على تأسيس مكتب قانوني؛ للاهتمام بشؤون التراخيص الزراعية وحقوق الملكية وضبط عملية الاستثمار وإصدار الصكوك وضبط المخالفات، ومكتب تسويقي؛ لترويج المنتجات والمشاريع للمستثمرين الأفراد والمؤسسات والتفاوض مع الحكومات وتوقيع مذكرات التفاهم وبروتوكولات العمل لتسويق المحاصيل الزراعية وتأمين قنوات تصريف، ومكتب إدارة الإنتاج؛ يُعنى بحجم ما سيتم زراعته وتوزيعه على القنوات المختلفة من استهلاك محلّي للغذاء وصناعات غذائية وتخزين وتصدير، أما المكتب المالي فهو المسؤول عن حركة التقابض والسيولة المالية والعملية التمويلية والائتمانية.
ويمكن للجمعية العمل على أربعة محاور كخطة أولية كما يلي:
يتضمن هذا المحور تأطير العملية الزراعية وهيكلة القطاع الزراعي برمته، وإصدار شهادة للمزارع تعبيراً عن ثقة الجمعية والمجتمع به وتقديراً لجهوده، وتتيح هذه العملية إحصاء كافة المزارعين ومتابعتهم بشكل حثيث والعمل على حل مشاكلهم والاستماع لشكاويهم. والخطوة الأخرى ختم المحصول بـ"دمغة" خاصة بالجمعية للدلالة على أن المنتج مطابق للمواصفات الصحية والزراعية العالمية وخاضع لرقابة الجمعية وثقتها، ومن شأن هاتين الخطوتين تحفيز المزارع للعودة إلى أراضه واكتساب ثقة أكبر بعمله وبمنتجه.
عدم حساب نقطة التعادل بين عرض المنتج وطلبه سيؤدي إلى ارتفاع أو انخفاض في الأسعار بشكل كبير، لذا ستعمل الجمعية مسبقاً على حسابات دقيقة لتحديد كمية الإنتاج بالنظر إلى حجم الطلب سواءً للاستهلاك أو التصنيع أو التصدير، كما ستعمل الجمعية في هذا الإطار لإدارة تكاليف عملية الإنتاج والحؤول دون خسارة المزارع في نهاية المطاف.
إصدار توصيات ورفعها للحكومة المؤقتة والفاعلين بالمجال الحوكمي لسن سياسات حمائية تحد من استيراد أي منتج مشابه لمواصفات المنتج المحلي، تجنباً لإغراق الأسواق والإضرار بالمنتج المحلي، وفرض ضرائب ورسوم على المنتج المستورد الشبيه بالمنتج المحلي، ومن شأن هذا حماية المنتج المحلي ورفع تنافسيته وتنويع الأسواق.
ستعمل الجمعية في سياق عملية التسويق على بندين، الأول: مرتبط بالأساس القانوني للعقود والمواثيق التي تُبرم بين أي طرفين وفق الأطر القانونية المعمول بها في التسويات الدولية. والثاني: تعزيز أوراق القوة والتفاوض مع تركيا حول الواردات والصادرات من وإلى مناطق المعارضة وعبور المنتجات المحلية عبر الأراضي التركية لتصديرها للخارج.
عدم توفر مؤسسات مالية مثل البنوك في مناطق المعارضة ساهم في تجفيف منابع الائتمان وهشاشة بيئة التمويل والدفع وألقى بظلاله على حركة سعر الصرف والأسعار، وعليه سيكون لزاماً على جمعية الزراعة الوطنية تصميم برنامج مالي ينظّم العملية الائتمانية والتمويلية، وتوقيع بروتوكولات عملٍ مع المنظمات والشركات والمصارف وفتح اعتمادات بنكيةٍ في تركيا ودولٍ أخرى بهدف تيسير عملية الدفع والاستلام، وإصدار صكوك مزارعة([4]) خاصة تُباع لمستثمرين سوريين في الداخل والخارج بضمانة الجمعية والمشروع الزراعي، فضلاً عن توجيه الأموال نحو دعم قطاع الصناعات الغذائية وصناعات متنوعةٍ في قطاع الزراعة.
لابد أن ولادة جسم جديد على شاكلة ما تقدم "جمعية الزراعة الوطنية" سيكون تحدياً كبيراً للمجتمع المحلي ولكن حساب تكلفة إنشاء الجسم والعملية برمّتها، ستكون ولا شك أقل من حالة الاستنزاف الحاصل في قطاع الزراعة، وستقطف المنطقة ثمار هذا العمل لا من خلال إيجاد أسواق قريبة وبعيدة لتصريف المنتجات وحسب، بل عبر زيادة الثقة بالمنتج السوري، وتنظيم العملية الإنتاجية للزراعة، وتمويل منشآت ومعامل غذائية، وإيجاد سلسة توريد محلية للمنظمات والشركات العاملة في الداخل عوض الاعتماد على الخارج، وأخيراً دفع عملية التعافي الاقتصادي المبكر نحو الأمام وصناعة نموذج حوكمي للمعارضة قادر على صناعة "الاستقرار".
([1]) الفلاح يبيع كيلو البصل بـ 200 ليرة وكلفة نقله إلى دمشق 300 ليرة، تلفزيون سوريا، 26-1-2021 رابط: https://bit.ly/3CSLdyA
([2])Turkey starts importing potato from war-torn Syria, 27-6-2018, link: https://cutt.ly/zRC8lhw
([3]) “الحكومة المؤقتة” تعلن تخفيض الرسوم الجمركية للبضائع التركية، موقع السورية نت: 14-3-2021، رابط: https://cutt.ly/XRC3zs3
([4]) الصكوك: أوراق مالية من أدوات التمويل المتوافقة مع الشريعة الإسلامية يرتبط الصك بمشروعات محددة وفرص استثمارية قائمة فعلياً أو قيد الإنشاء، ويساوي الصك قيمة حصة في ملكية ما ويحصل حامله على أرباح والحق في المشاركة بالإدارة ورأس المال والتداول، ومن بين أنواع الصكوك، صك المضاربة، والمرابحة، والاستصناع، والمساقاة، والمزارعة، والإجارة، والخدمات، وغيرها.
يحاول تقرير التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق المعارضة في مدن وبلدات "درع الفرات"، و"عفرين"، ومحافظة إدلب استكمال ما بدأه منذ النصف الثاني لعام 2018 عبر رصد نشاطات الفاعلين من مجالس محلية ومنظمات خلال النصف الأول لعام 2021 بين كانون الثاني وحزيران. ويهدف التقرير لتشخيص وفهم ثلاث أذرع ضمن التعافي الاقتصادي المبكر وهي:
وتتشكل أهمية هذا التقرير من قدرته على تشخيص حركة الإنجاز في المشاريع الاقتصادية والتنموية المنفّذة بعموم المناطق التي يتم رصدها وتقييم الإيجابيات والسلبيات، مما يشكل دافعاً وإسهاماً لصنّاع القرار والفواعل لتوجيه الدعم وسد الثغرات في القطاعات الاقتصادية.
ركّز التقرير خلال عملية الرصد على المدن الرئيسية والبلدات المبين في الجدول رقم (2) التي شهدت نشاطاً اقتصادياً ملحوظاً، ووفقاً للتصنيف الصناعي المعياري الدولي، كما تم الاعتماد على المعرّفات الرسمية للمجالس المحلية والمنظّمات العاملة على "فيس بوك" و"تليغرام" وتسجيل نشاطاتها وتقاريرها الدورية الموضّحة بالجدول رقم (1)، وفق معادلة رصد مضبوطة تؤمّن القدرة على تحليل البيانات وفق مستويين، المستوى الأول مستوى القطاعات الاقتصادية، والثاني وفقاً للمستوى الجغرافي.
يوضّح الجدول أدناه خارطة الفواعل التي يرصد التقرير أنشطتها التنموية والخدمية والاقتصادية
كما يظهر الجدول أدناه القطاعات ونوعية النشاطات/ القرارات المرصودة:
تم تنفيذ 870 مشروعاً ونشاطاً في مناطق المعارضة بالشمال، ريف حلب الشمالي والشرقي ومحافظة إدلب، بارتفاع عن النصف الأول بنسبة 7% أو بواقع 58 مشروعاً. وحسب الشكل رقم (1) فإن النسبة الأكبر للمشاريع المنفّذة كانت ضمن قطاع التجارة (185 مشروعاً) وقطاع المياه والصرف الصحي (182مشروعاً) وقطاع النزوح الداخلي (143 مشروعاً) وقطاع النقل والمواصلات في المرتبة الرابعة بواقع (141 مشروعاً) وقطاع الزراعة والثروة الحيوانية خامساً (64 مشروعاً).
ارتفعت الأعمال المنفّذة في إدلب وريفها كما يظهر في الشكل رقم (2) بواقع 51% لإدلب (448 مشروعاً) على المشاريع المنفّذة في حلب وريفها بواقع 49% (434 مشروعاً).
وبشكل أكثر تفصيلاً يُظهر الشكل رقم (3) توزع المشاريع على المناطق المرصودة، فقد حلّت مدينة إدلب في المرتبة الأولى (131 مشروعاً) في المؤشر، وجاءت مدن الدانا (89 مشروعاً) والباب (81 مشروعاً) في المراتب الثانية والثالثة على التوالي إضافة إلى اعزاز وسرمدا وعفرين، ويعود تركز المشاريع في هذه المدن إلى عوامل عدة لعلّ أبرزها تمركز معظم المنظمات المحلية والأجنبية فيها، وحجم الكثافة السكانية سواءً لأهل المنطقة والنازحين فيها، واحتوائها على أسواق تجارية ومعامل، ومن جانب آخر احتضانها لمخيمات ومساكن نازحين.
ويُظهر الشكل أدناه النسب المئوية لكل قطاع من القطاعات الأحد عشر التي تم رصدها، فقد حاز قطاعا التجارة والمياه على نسبة 21% من إجمالي المشاريع (870 مشروعاً)، و17% لقطاع النزوح الداخلي، و16% لقطاع النقل والمواصلات، فيما تباينت القطاعات الأخرى بين 3 و7%.
وفيما يخص القرارات التي اتخذتها المجالس المحلية في القطاعات المرصودة، بلغت عدد القرارات في هذه الفترة 36 قراراً وتعميماً في القطاعات كافة، ومن بين أبرز القرارات التي اتخذتها المجالس المحلية خلال هذه الفترة: منع تداول الليرة السورية فئة 2000 و5000 ليرة في مارع، ومنع المكاتب والمطابع بيع كتب ومذكرات ولوازم قرطاسية تشير إلى النظام وشعاراته وعباراته، وتنبيه المنشآت والعاملين في القطاع الصحي والرياضي للحصول على رخصة في الباب وأخترين، وتأسيس جمعية مصنعي الأحذية والمنتجات الجلدية في الراعي، وتفعيل رقم خاص لاستقبال الشكاوى ضد ارتفاع الأسعار في قباسين.
وتم عقد 13 مذكرة تفاهم في عموم المنطقة بينها: بناء مدرسة شرعية في بزّاعة، ومذكرة بين المجلس المحلي لسرمدا وجامعة الشمال الخاصة، ومذكرات عدة بين جامعة حلب الحرة وجامعات تركية ومراكز دراسات تهدف لتطوير الجامعة والعملية التعليمية. كما ارتفعت فرص العمل إلى 1030 فرصة، بنسبة 8% عن النصف الثاني 2020، جلّها عقود مؤقتة بين شهر و6 أشهر وسنة، تركزت في القطاع الطبي والنزوح الداخلي لتنفيذ أعمال متعلقة بالمخيّمات والبنية التحتية الخاصة بها.
استحوذ قطاع التجارة على المرتبة الأولى ضمن مؤشر التعافي بواقع 185 مشروعاً، أقل بـ8 مشاريع عن النصف السابق، حازت فيه إدلب على المرتبة الأولى بنحو 62 مشروعاً. يدفع حجم المناقصات لتوريد سلع وخدمات من قبل المنظمات في زيارة أعداد المشاريع في هذا القطاع، مثل توريد المياه والمازوت والمعدّات الكهربائية وطباعة الكتب وتوريد قرطاسية وتجهيزات عديدة أخرى.
وفيما يتعلق بقطاع المياه والصرف الصحي تم تنفيذ 182 مشروعاً في المنطقة كما يُظهر الشكل أدناه، بارتفاع 17 مشروعاً عن النصف السابق. وتربّعت مدينة الدانا في إدلب على رأس القائمة بواقع 30 مشروعاً، بعدها مدينتي سرمدا (17 مشروعاً) وعفرين (17 مشروعاً) وبعدها اعزاز وإدلب بواقع 15 و14 مشاريع لكل منهما.
وبالانتقال إلى قطاع النزوح الداخلي، حافظ هذا القطاع على معدل مرتفع للمشاريع بالمقارنة مع الفترات السابقة، بواقع 143 مشروعاً ما نسبته 17% من مجموع المشاريع المنجزة، وبارتفاع 24 مشروعاً عن النصف السابق، وحازت فيه كل من إدلب، وأطمة، وسرمدا على المراتب الثلاثة الأولى في المؤشر، نظراً لكثافة أعداد النازحين والمخيمات فيها، وشملت الأعمال تقديم خدمات البنية التحتية في المخيمات وترميم المنازل لتحسين الظروف المعيشية للنازحين القاطنين فيها.
ارتفعت أعمال قطاع الكهرباء في هذه الفترة عن النصف السابق بواقع 24 مشروعاً، إذ تم تنفيذ 43 مشروعاً في المنطقة. جاءت مدينة الباب على رأس القائمة بـ7 مشاريع وبعدها بزاعة، والراعي، تم خلالها إيصال الكهرباء للبلدات والمدن وتأهيل البنية التحتية في الكهرباء فضلاً عن إنارة الطرقات وصيانة المحوّلات، وتركيب طاقة شمسية في طرقات البلدات والمدن.
أما قطاع النقل والمواصلات فقد شهد تنفيذ 141 مشروعاً في المنطقة أقل بـ 13 مشروعاً عن النصف السابق في 2020، وحازت الدانا وقباسين وأخترين وسرمدا على المراتب الأربعة الأولى كما يظهر في الشكل أدناه. ومن بين المشاريع المنفذة استمرار رصف الطرقات والساحات بحجر الأنترلوك في العديد من البلدات والمدن مثل اعزاز، وأخترين، وعفرين، وقباسين، والدانا، وغيرها، كما تم تنفيذ تعبيد طرقات بالإسفلت مثل طريق اعزاز – كفركلبين، وطرق المحلق الشمالي في بزاعة، وتوسيع طريق بين إسقاط وحارم، وطريق بين سرمدا والدانا، ودير حسان والدانا، وطريق في كفرلوسين، وإصلاح طرقات بالبحص في سرمدا وأطمة والعديد من البلدات الأخرى.
سجّل قطاع الإسكان والتعمير تنفيذ 52 مشروعاً بزيادة 13 مشروعاً عن النصف السابق، وبقيت مدينة الباب في قمة المؤشر بواقع 25 مشروعاً كما يظهر في الشكل أدناه، واستمرت مشاريع نقل المخيمات إلى مجمعات سكنية مؤلّفة من مبانٍ عدة تتسع لمئات العائلات ومجهّزة بكافة الخدمات، كما حصل في إدلب واعزاز والباب وحارم، بإشراف العديد من المنظمات بينها؛ منظمة إحسان للإغاثة والتنمية، وفريق ملهم التطوعي، ومنظمة بنيان، ومنظومة وطن، ومن بين المشاريع المهمة التي تم تنفيذها، ترميم السوق العام في اعزاز وبناء المنطقة الصناعية في جرابلس واعزاز والراعي، وتشييد مبنى الحكومة السورية المؤفتة في الراعي، وبناء سوق بديل عن البسطات في إدلب، وسوق شعبي يتضمن 50 نقطة بيع في سرمدا.
فيما يتعلق بقطاع الخدمات الاجتماعية فقد تم تنفيذ 26 مشروعاً أقل بـ 7 مشاريع عن النصف السابق، فقد نُفذت 3 مشاريع في كل من بزّاعة واعزاز والباب، ومن بين المشاريع التي نفّذت؛ إنشاء وترميم مدارس وجامعات ومشافٍ ومستوصفات ومراكز صحية ومرافقها وصالات ومراكز صحية.
بالنسبة لقطاع الزراعة والثروة الحيوانية فقد تم تنفيذ 64 مشروعاً بزيادة 8 مشاريع عن النصف السابق، بينها توزيع علف وبذار وسماد وتلقيح أغنام وأبقار في المنطقة تهدف إلى دعم الثروة الحيوانية في المنطقة ومساعدة الأهالي في تكاليف المواد الطبية، وكانت كل من عفرين وإدلب وريف حلب وقباسين في المراتب الأربعة الأولى ضمن هذا القطاع.
وفيما يتعلق بقطاع التمويل، تم تنفيذ 27 مشروعاً أقل بـ4 مشاريع عن النصف السابق، حازت فيه مدينة الباب على المرتبة الأولى، ومن بين المشاريع التي يتم تنفيذها في هذا القطاع، النقد مقابل العمل التي تستهدف أعمال النظافة العامة والمشاريع الخدمية، وتأسيس مشاريع تجارية صغيرة للمستفيدين، وطرح مزادات لاستثمار محال وصالات تجارية.
تم تنفيذ 6 مشاريع في قطاع الاتصالات، بينها تمديد الخط الضوئي إلى صوران واعزاز ومارع وإصلاح نقاط عدة من الكبل، وتركيب كاميرات مراقبة في شوارع أخترين، وتوسيع شبكة النت والهاتف في قباسين وإدلب. أما في قطاع الصناعة فقد تم تنفيذ مشروع واحد فقط في مجال تصنيع كمامات في ريف حلب.
أخيراً، يمكن القول إن النصف الأول من 2021 شهد تطوراً ملحوظاً في أعداد المشاريع المنفّذة، إذ ارتفعت المشاريع من 812 مشروعاً في النصف الثاني 2020 إلى 870 مشروعاً في النصف الأول 2021، بنسبة 7%. وبقي تركز المشاريع في قطاعات التجارة والمياه والنقل والنزوح الداخلي، وللمرة الثانية تجاوزت محافظة إدلب ريف حلب في تنفيذ الأعمال والمشاريع بواقع 51% لإدلب مقابل 49% لريف حلب، وشكلت زيادة الأعمال في إدلب رافعة مهمة لمؤشر التعافي في المنطقة، على رأسها تخديم النازحين في المخيمات وتحسين بنيتها التحتية، والعمل على إنشاء مجمعات سكنية للنازحين.
بالنسبة لفرص العمل فقد زادت هي الأخرى بشكل مطّرد، فقد ارتفعت من 224 (النصف الثاني 2019) إلى 891 في النصف الأول 2020 إلى 947 في النصف الثاني 2020 إلى 1030 فرصة مؤقتة ودائمة خلال النصف الأول 2021 مدفوعةً من ارتفاع فرص العمل في القطاع الطبي، سواءً في المدن والبلدات أو حتى ضمن المخيمات، فضلاً عن زيادة مشاريع البنى التحتية في قطاعات المياه والصرف الصحي وزيادة الطلب على أعمال النظافة والتعقيم بعد انتشار وباء كورونا.
يُظهر الشكلان أدناه بيانات التعافي الاقتصادي المبكر بين 2018 والنصف الأول لعام 2021 ويمكن استخلاص مجموعة من النتائج من بينها:
تبين نتائج الرصد في النصف الأول لعام 2021 جملة من نقاط القوة والضعف قي القطاعات المرصودة في مناطق "درع الفرات" و"عفرين" ومحافظة إدلب، فبالنسبة لنقاط الضعف يمكن شملها بالنقاط الآتية:
أما بالنسبة لنقاط القوة التي يسجلها التقرير:
في ظل ارتفاع مؤشر التعافي الاقتصادي المبكر خلال النصف الأول من 2021 يورد التقرير توصيتين من شأنهما رفد العملية بمزيد من التنسيق في المنطقة وفواعلها، ومزيد من العمل في القطاعات غير الفاعلة حتى الآن:
تمهيد
ما تزال مناطق سيطرة المعارضة في شمال وشمال غرب سورية تواجه العديد من المشكلات المركبة، والتي تعيق تحقيق الاستقرار، بعد أكثر من ثلاثة أعوام على تحرير المنطقة من تنظيم "داعش" و"قوات سوريا الديمقراطية"، عبر عمليتي"درع الفرات" و"غصن الزيتون"، فمع استتباب الأوضاع العسكرية نسبياً بقيت الأحوال الاقتصادية تشكل هاجساً كبيراً للسلطات الحوكمية التي تشرف على إدارة المنطقة.
تهدف عملية التعافي الاقتصادي كجزء من عملية التعافي المبكر إلى مساعدة المجتمعات المحلية للعودة إلى نوع من الحياة الطبيعية، واستقرار الوضع لمنعه من العودة إلى العنف والأزمة، ويتمثل الهدف العام للتعافي المبكر في شقين، الأول: استرجاع البنية التحتية الأساسية المادية والاجتماعية، التي تساعد على استئناف السكان لأنشطتهم الاقتصادية والاجتماعية؛ والثاني: توفير حلول مستدامة للمشكلات التي تعاني منها المنطقة، والتفكير بأهداف التنمية بعيدة المدى.
ويتكون برنامج التعافي الاقتصادي المبكر بحسب الأمم المتحدة من 3 مسارات، تبدأ بالتوازي بسرعات وكثافة مختلفة أثناء عملية التفاوض على اتفاق سلام أو تسوية سياسية. والمسارات الثلاث هي([1]): إحلال الاستقرار، توفير الدخل والتوظيف الطارئ، والمسار الثاني إعادة الدمج المحلي، والمسار الانتقالي، خلق وظائف مستدامة وعمل لائق في المسار الثالث. وبينما ينشغل المسار الثاني والثالث في خضم المرحلة الانتقالية، تنظر الورقة التالية في المسار الأول الذي يستهدف المقاتلين السابقين والشباب واللاجئين والعائدين إلى مناطق النزاع، وتُعطى الأولوية في هذا المسار للإجراءات قصيرة المدى، التي تخلق فرص عمل وتدعم العمل الحر، كما يوصي هذا المسار بالبرامج الضرورية لتحسين سبل العيش وتدعيم الاستقرار، مثل تقديم النقد مقابل العمل، والتوظيف الطارئ في القطاع العام والتدريب وتمويل الأعمال والمشاريع الناشئة.
تحاول هذه الورقة تلمس ملامح الاستقرار الاقتصادي في مناطق المعارضة، ضمن ظروفها السياسية والعسكرية والاقتصادية، منطلقة من أن بناء الاستقرار سيكفل وضع المنطقة في مصاف المرحلة الأولى من مراحل التعافي الاقتصادي المبكر، وينقل البلاد من النزاع إلى السلم، ويمهّد لإعادة الإعمار، دون نسيان شروط تحقيق السلام: البيئة الآمنة، والاتفاق السياسي.
بالنظر إلى ما تم جمعه من بيانات وإحصاءات، حول المشاريع والنشاطات في "درع الفرات" وعفرين وإدلب بين 2018 و 2020، فقد عملت المجالس المحلية والمنظّمات على إرساء قواعد الاستقرار، وفق منظورٍ ونطاقٍ ضيّقٍ، يتناسب وطبيعة وظروف المنطقة، فقد تركز اهتمامها على تأمين الخدمات الأساسية للسكان، على الرغم من عدم توفر أبسط المتطلبات والظروف الملائمة للعمل، جراء البيئة الهشّة المهدَدَة بعودة العنف، وعدم توافر الموارد المالية لتمويل المشاريع، وصرف جزء كبير من الأموال والجهد على العمل الإغاثي لمساعدة النازحين، والمهددات الأمنية المتمثلة بالاغتيالات والتفجيرات والخلافات بين الفصائل، واشتعال الجبهات بين الفينة والأخرى. يوضّح الجدول أدناه([2]) أرقاماً مفصّلةً حول المشاريع المنفّذة في القطاعات الأحد عشر([3])، نسوق من خلاله أبرز الملاحظات والنتائج وفقاً للقطاعات والمدن على مدار عامين ونصف بين 2018 و2020:
- بلغ إجمالي الأعمال والمشاريع التي تم تنفيذها في "درع الفرات" وعفرين وإدلب نحو 2434 مشروعاً، موزعاً على قطاعات اقتصادية عدة، لوحظ فيها ارتفاع الأعمال المنفّذة بشكل مطّرد، من 338 مشروعاً في النصف الثاني لـ 2018، إلى 812 مشروعاً في النصف الثاني لـ 2020. حاز خلالها قطاع النقل والمواصلات على الاهتمام الأوسع في تنفيذ المشاريع، إذ تم تنفيذ 451 مشروعاً، ساهمت في ترميم ما دمرته الحرب من طرقات رئيسية وفرعية، ووصل القرى والمدن بعضها ببعض، وتسهيل حركة المدنيين والتجارة البينية.
وعلى مستوى المدن، يُلاحظ بالنظر إلى الجدول رقم (2) مدينة الباب في قمة المؤشر، بواقع 321 مشروعاً، نُفذت في مختلف القطاعات الاقتصادية، معظمها جاء من مشاريع الإسكان والتعمير، وجاء بعد الباب مدينة إدلب بـ306 مشاريع، معظمها في النزوح الداخلي وقطاع المياه والزراعة، ومن ثم مدينة إعزاز بـ259 مشروعاً، بفضل مشاريع الكهرباء والمياه والنقل. ومن بين الأسباب التي ساهمت في تنفيذ مشاريع أكثر من غيرها من المدن: الكثافة السكانية المتأتية من النازحين؛ وتواجد كثيف للمنظمات، والفصائل العسكرية، والتجار، والمستثمرين الأفراد؛ ومركزية هذه المدن وأهميتها ما قبل الثورة، ما يجعلها تحذو نحو التطور أكثر من غيرها من المدن. وقد ساهم تركز المشاريع في مدن محددة مثل إعزاز والباب وإدلب في أن تكون حواضر المنطقة، من حيث النشاط العمراني، وحركة الأسواق التجارية.
وغابت العديد من البلدات والمدن في العام 2018 و2019، لكنها شهدت نشاطاً أكثر في قطاعات عدة، كما في سرمدا والدانا ومعرة مصرين وحارم وأطمة، بفضل أعمال قطاع المياه والنقل والنزوح الداخلي. فيما اختفت مدن من المؤشر لاحقاً بعد سيطرة النظام على بلدات ومدن عدة في جنوب إدلب، مثل معرة النعمان وسراقب.
ومما يمكن لحظه أيضاً على المستوى الإداري، تشكيل غرف تجارة وصناعة، واتحاد لتلك الغرف، وتعاونيات، وجمعيات متخصصة في الحرف والمهن، مثل جمعية للصيّاغ والملابس والنسيج، تعمل على مساعدة التجار والصناعيين في إصدار إذن عبور بين سورية وتركيا، وتأسيس وترخيص الشركات، والتواصل مباشرة مع الولاة الأتراك المسؤولين عن المنطقة. كما حاولت المجالس المحلية لعب أدوار نقدية في المنطقة، عبر استبدال الليرة السورية بالليرة التركية، ومنع التعامل مع النظام، ومنع استيراد أو تصدير بعض المواد من وإلى تركيا، حفاظاً على استقرار الأسعار، فضلاً عن توقيع عقود ومذكرات تفاهم مع العديد من الشركات والمنظمات لتنفيذ مشاريع وتقديم خدمات.
نجحت المجالس المحلية والمنظمات في تنفيذ المشاريع والنشاطات ما دفع ببدء عملية التعافي الاقتصادي المبكر، وتلمس ملامح استقرار نسبي على مستويات عدة، ومع تجاوز 3 أعوام على تحرر المنطقة من تنظيم "داعش" في 2017، ورصد نشاطات وأعمال عامين ونصف في المنطقة، تواجه المنطقة تحديات عدة، يمكن تقسيمها وفق الأطر التالية:
إطار أمني عسكري
ما تزال المعارك تشكل مثبطاً رئيسياً لأي نشاط اقتصادي وعملية استقرار في المنطقة، إذ أسهمت المعارك في ريف إدلب الجنوبي في سيطرة النظام على مدن كبيرة، مثل معرة النعمان وسراقب، ساهمت في زيادة أعداد النازحين، وقضم مساحات زراعية كبيرة. ومن جانب آخر، ما يزال مؤشر الاغتيالات يسجل ارتفاعاً في المنطقة، يسهم في زعزعة أمن المنطقة واستقرارها، وزيادة شعور التجار والأهالي بالتهديد، إذ شهدت مناطق "درع الفرات" وعفرين 67 عملية اغتيال وتفجير بعبوات ناسفة، أسفرت عن 39 ضحية من قبل غرفة عمليات غضب الزيتون، وخلايا تنظيم "داعش"، وأخرى مجهولة المنفّذ، استهدفت عناصر الجيش الوطني والجيش التركي. أما في إدلب فهناك 25 عملية بين اغتيال وتفجير بعبوة ناسفة وطيران مسير، أسفرت عن 51 ضحية، استهدفت عناصر وقيادات جهادية، وفصائل الجبهة الوطنية للتحرير والجيش التركي.
إطار قانوني وإداري
ما تزال البيئة القانونية تعاني من مواطن ضعف نتيجة تعدد السلطات القضائية؛ بين من يتّبع شكل الجهاز القضائي السوري في منطقة "درع الفرات" وعفرين، ومن يتبع مجلساً أعلى للقضاء، مكون من المشايخ، ويعتمد على أحكام الشريعة الإسلامية في إدلب وريفها، فضلاً عن احتكام المنطقة للقوى العسكرية والفصائلية. كما يسبب ترهّل القضاء وضعف القوانين الناظمة للأعمال والشركات والأموال والحقوق والعقود، في بطء عملية الاستقرار، ودخول الرساميل، وزيادة الاحتكار، والفساد. ومن ناحية ثانية ما تزال حالة التشظي بين المجالس المحلية والحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ تظهر المنطقة بهويات عدة، ومنهجيات مختلفة، في الإدارة وصناعة القرار.
إطار سياسي
تسبب تأخير الحل السياسي وفق القرارات الدولية ذات الشأن بالملف السوري، في تشكيل هاجس كبير لدى سكان المنطقة، والمغتربين الراغبين بالعمل والاستثمار فيها، وللدول الفاعلة والصديقة للمعارضة السورية، إذ يرتبط مصير مناطق المعارضة بشكل الحل السياسي، والتوافقات الإقليمية والدولية حولها.
تشكل الأطر الآنفة الذكر دافعاً في تأخير أي عملية استقرار وتعافٍ اقتصادي مبكر في المنطقة، وهي تحديات لا يسع للأجسام الحوكمية إلا أخذها بالاعتبار، والتواءم معها، وترتيب أوراقها الداخلية، إذا أرادت جذب المزيد من الاستثمارات والأعمال والأموال، ودفع عملية الاستقرار نحو الأمام. وتبعاً لتموضع المنطقة في المسار الأول من عملية التعافي الاقتصادي المبكر، إحلال الاستقرار، وتبعاً لأرقام وبيانات ما تم رصده على مدار عامين ونصف وللتحديات أعلاه؛ توصي الورقة بما يلي:
ختاماً، تشكل عملية التعافي الاقتصادي المبكر الركيزة الأساسية في إخراج المنطقة من دائرة العنف والعودة للحياة الطبيعية، ولا يتم هذا إلا بتوفر الإرادة، وتكاتف جهود المؤسسات الرسمية مع المجتمع المدني؛ لتحقيق الأهداف المرسومة، والصعود في سُلّم مستويات التعافي المبكر. بعد ثلاثة أعوام يمكن القول إن المنطقة، وبفضل مشاريع وخدمات المجالس والمنظمات المحلية العاملة في سورية، استطاعت التقدم في المستوى الأول من التعافي المبكر، إحلال الاستقرار، عبر تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، وتنظيم شؤون الحياة المختلفة، ولا شكّ، يعد هذا دافعاً لاستقرار الأهالي، وتحريك عجلة الاقتصاد. من شأن استمرار عمل المجالس المحلية والمنظمّات على هذه الوتيرة، والأخذ بالتحديات بعين الاعتبار، والتشاور مع الكفاءات الوطنية؛ التطور أكثر ضمن المستوى الأول في عملية التعافي الاقتصادي المبكر، والمضي قدماً نحو المستوى الثاني، إعادة الدمج المحلي.
([1]) United Nations (2009), United Nations Policy for Post-Conflict Employment Creation, Income Generation and Reintegration, UN system-wide policy paper: https://bit.ly/337K7xb
([2] ) انظر مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق المعارضة بين النصف الثاني 2018 والنصف الثاني 2020 على الروابط التالية: https://bit.ly/3jafNuC، https://bit.ly/2WzyRLb ، https://bit.ly/37donmN ، https://bit.ly/3ffE9BY
([3]) القطاعات الأحد عشر التي تم رصدها هي: التجارة، والصناعة، والزراعة والثروة الحيوانية، والتمويل، والاتصالات، والإسكان والتعمير، والخدمات الاجتماعية، والكهرباء، والمياه والصرف الصحي، والنقل والمواصلات، وأخيراً النزوح الداخلي.
مع الانحسار التدريجي للاشتباكات العسكرية داخل مناطق درع الفرات وعفرين مؤخراً، وشيوع حالة من الهدوء النسبي الذي تشهده الحدود المتاخمة لها، بدأت هذه المناطق تشهد ملامح عودة تدريجية إلى طبيعتها المدنية، ولتبدأ مرحلة التعافي المبكر من التبعات التي خلفتها هذه الاشتباكات، وإعادة بث الحياة الاقتصادية والاجتماعية داخلها بالتعاون والتآزر ما بين السكان المحليين والمنظمات والمجالس المحلية التي لم تألُ جهداً في ذلك.
نظراً لغلبة الطابع الزراعي على هاتين المنطقتين اللتان تمتازان بوجود مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والأشجار المثمرة والثروة الحيوانية، كان الاهتمام منصباً على تعافي القطاع الزراعي عبر استهدافه بمجموعة من البرامج التي تسعى لتنمية سبل العيش وتحقيق الأمن الغذائي لسكان هذه المناطق من خلال حزمة من المشاريع ذات الصلة. وذلك لما لهذا القطاع من أهمية في الاستقرار المجتمعي والاقتصادي، وكونه ركيزة أساسية من ركائز التعافي الاقتصادي المبكر في حال تمكنت كل من الجهات الداعمة والجهات القائمة على هذا القطاع من تحقيق النجاح المنشود من هذه البرامج وإزالة جميع المعوقات التي تحول دون ذلك. ومن هنا تأتي أهمية هذه الورقة في محاولتها تفنيد العوامل المؤثرة على نجاح هذه البرامج للتعرف على نقاط القوة وتعزيزها في البرامج القادمة ونقاط الضعف والأخطاء للعمل على تلافيها حتى تتحقق الفاعلية المتوخاة منها أثناء تنفيذها.
وعليه فإن الهدف الرئيسي لهذه الورقة يتمثل في التعرف على جهود الفاعلين في برامج سبل العيش في القطاع الزراعي من منظمات محلية ودولية ومجالس محلية، وقياس أثر هذه البرامج في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للسكان المحليين من خلال مجموعة من المؤشرات أهمها عدد فرص العمل الموفرة وتخفيف معدل الفقر، وتعافي القطاع الزراعي بشكل عام، وغيرها من المؤشرات الأخرى ذات الصلة. وختاماً قدمت الورقة بعض التوصيات التي يمكن أن تسهم في زيادة فاعلية هذه البرامج وتزيد من قيمتها المضافة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للسكان، وفي نجاح عملية التعافي الاقتصادي المبكر.
تعد المناطق في شمال غرب سورية بشكل عام، ومنها المناطق المحاذية للحدود التركية، من المناطق الزراعية التي تمتاز بوجود مقومات عدة أهمها المناخ الملائم وخصوبة تربتها وتوافر المياه الجوفية والسطحية والعمالة الزراعية المؤهلة، والتي تشير بعض التقديرات إلى أن هناك ما لا يقل عن 85% من السكان كانوا منخرطين في النشاط الزراعي قبل عام 2011([1]). وعليه فقد مثَّل هذا القطاع مصدر دخلٍ أساسي للسكان المحليين.
بعد عام 2011 تأثرت هذه المناطق بتبعات العمليات العسكرية، وكغيره من القطاعات الاقتصادية الأخرى تأثر القطاع الزراعي بشكل كبير بآثار هذه العمليات وهجرة المزارعين لأراضيهم وغيرها من العوامل الأخرى ذات الصلة التي أدت إلى تدهور الواقع الزراعي في هذه المناطق. وقد لعب عدم الاستقرار الأمني بعد عام 2011 كذلك دوراً هاماً في هذا التدهور مع تبدل السيطرة العسكرية عليها، وعدم وجود جهات حوكمية قادرة على الإشراف على هذا القطاع واتخاذ الإجراءات اللازمة لتعافيه.
مع خضوع هاتين المنطقتين للنفوذ التركي بدأتا تشهدان حالة من الاستقرار الأمني النسبي الذي أتاح إلى حداً ما الشروع بعملية تعافي اقتصادي مبكر، مثَّل القطاع الزراعي أحد محركاته الأساسية، لاسيما أن النسبة الأكبر من الأفراد المقيمين في هاتين المنطقتين سواء من السكان المحليين أو من النازحين ضمنها هم من العمالة الزراعية([2]). أضف إلى ذلك وجود المقومات المناسبة للاستثمار في المشاريع الزراعية ومشاريع الثروة الحيوانية. إذ تقدر المساحة المزروعة في منطقة درع الفرات بحوالي 224.030 هكتار، 70% منها مزروعة بالقمح والشعير وحوالي 9% أشجار زيتون، في حين أن بقية الأراضي تزرع بمحاصيل خضرية متنوعة مثل البطاطا والفول والعدس والحمص وغيرها من المحاصيل الأخرى.([3]) أما في منطقة عفرين فتقدر المساحة المزروعة بـ 92.981 هكتار تمثل أشجار الزيتون نسبة 90% مع عدد يقارب 14 مليون شجرة، في حين بلغت مساحة الأراضي المزروعة بالمحاصيل الأخرى 10% تقريباً. أضف إلى ذلك أن المنطقة تمتاز بوجود ثروة حيوانية جيدة تعد مكمل أساسي للنهوض بواقع عملية التعافي المبكر. حيث يقدر عدد رؤوس الماشية في منطقتي درع الفرات وعفرين بحوالي 530,452([4]).
يواجه القطاع الزراعي جملة من التحديات في هاتين المنطقتين من أهمها عدم فاعلية الهياكل الحوكمية الناظمة للنشاط الزراعي، وارتفاع كلفة مدخلات الإنتاج الزراعي، وصعوبة تصريف المحاصيل والمنتجات الزراعية، وتسجيل حالات لتغول بعض عناصر الفصائل العسكرية المنضوية تحت الجيش الوطني على المزارعين، إلى جانب غيرها من التحديات الأخرى التي أدت إلى انخفاض عوائد الإنتاج الزراعي وتأخر تعافيه([5]). إلا أن المتتبع لواقع القطاع الزراعي في هاتين المنطقتين يلاحظ وجود تحسن مستمر في حركة تعافيه، ويرجع ذلك بشكل أساسي للجهود المبذولة من قبل الفواعل ذوو الصلة بهذا القطاع كالمجالس المحلية والمنظمات المحلية والدولية وغيرها والتي أسهمت جهودها على مدار الأعوام الماضية في المضي قدماً لتدارك الصعوبات وتذليل التحديات التي تواجه عملية التعافي المبكر في هذا القطاع. ونستعرض فيما يلي أهم هؤلاء الفواعل:
بقيت المجالس المحلية ذات دورٍ ثانويٍ مع هيمنة الفصائل العسكرية على المفاصل الرئيسية في المنطقة منذ عام 2012 حتى دخولها تحت النفوذ التركي وخضوعها لإشرافه([6])، حيث كان هناك نقلة نوعية في الدور المناط بها لممارسة العمل الحوكمي بمعزل عن تدخل الفصائل العسكرية، بعد أن أصبحت هذه المجالس تابعة إدارياً إلى كل من ولايات غازي عنتاب وكلس وشانلي أورفة لتسهيل عملية الاشراف والمراقبة والمتابعة الإدارية. وقد بدا واضحاً وجود تفاوت ملحوظ من حيث حجم الدعم المقدم من كل منها لتنفيذ مشاريع التعافي المبكر، ومن حيث الإمكانات الفنية لكل من هذه الولايات لتنفيذ مشاريع التعافي الاقتصادي المبكر([7]).
نظراً لأهمية الزراعة في الحياة الاقتصادية لهاتين المنطقتين، قامت هذه المجالس بإحداث مكاتب زراعية مهمتها القيام بتقييم الأوضاع الزراعية وإدارة الملف الزراعي، بالإضافة للتنسيق مع المنظمات التي تريد إقامة مشاريع في المنطقة والمستفيدين، وفق آلية محددة واضحة عبر تقييم احتياجات المنطقة وصوغها على شكل مشاريع ليتم تقديمها إلى الجهات المانحة للموافقة عليها. ومن ثم يتم اعلام إعلام الجانب التركي بتفاصيل المشروع لأخذ الموافقة والسماح بالتنفيذ، ومن ثم شرح فكرة المشروع للمجالس المحلية و توضيح معايير المستفيدين منه، لتقوم المجالس بتقديم قوائم مرشحين للمستفيدين من المشروع وفق المعايير التي وضعتها الجهة المنفذة. ومن ثم تقوم الجهات المنفذة بالتأكد من استحقاق المرشحين للإشراك في المشروع، وإعلان القوائم النهائية للمرشحين المستحقين للدعم، ليتم بعدها البدء ببرنامج المشروع وفق الجدول الزمني المحدد له. وعند انتهاء المشروع تقام ورشة عمل مع المجالس المحلية والمستفيدين من المشروع للوقوف على نقاط القوة والضعف والدروس المستفادة للعمل عليها في حال تكرار المشروع([8]).
إلى جانب ذلك، برزت بعض الكيانات المتخصصة في الجانب الزراعي ومن أهمها المؤسسة العامة لإكثار البذار التي تأسست في عام 2013 وتمثل إحدى أهم المؤسسات الإنتاجية التابعة لوزارة الزراعة في الحكومة السورية المؤقتة. وتضطلع بدور هام في دعم المشاريع الزراعية وتقديمها الدعم للمزارعين، من خلال تقديم الخدمات الفنية لهم وتأمين كافة مستلزمات الإنتاج الزراعي من البذار المحسن والمغربل والمعقم والأسمدة وغيرها من مستلزمات الإنتاج، سواءً من الإنتاج المحلي أو عن طريق الاستيراد، والحفاظ على أصناف البذار المحلية للمحاصيل الزراعية عن طريق إكثارها ومنع انقراضها وفقدانها من خلال عملها على إنشاء بنك وراثي لحفظ الأصناف ومخابر للتأكد من سلامتها من الأمراض. بالإضافة لإنشاء وتفعيل مراكز الإرشاد الزراعي لنشر الوعي لدى المزارعين حول الإدارة الفنية الأمثل للحقول واستخدام التقنيات الزراعية الحديثة بغية زيادة الإنتاج([9]).
وقد برز نشاط واضح للمديرية العامة للزراعة والثروة الحيوانية في الحكومة السورية المؤقتة، والتي حاولت عبر الأعوام الماضية الاضطلاع بمهمة تعافي القطاع الزراعي وفق إمكاناتها المحدودة. وتعمل المديرية على تنفيذ مشاريع زراعية لدعم تعافي هذا القطاع، ففي مطلع عام 2021 بدأت بتنفيذ مشروع لدعم إنتاج الخضراوات في كل من إعزاز ومارع وصوران وأخترين والراعي والباب وقباسين وبزاعة والغندورة وجرابلس في منطقة درع الفرات. ويتجاوز عدد المستفيدين من المشروع 2000 مزارع، وتبلغ المساحة الكاملة للمشروع 500 هكتار، بمساحة 2.5 دونم لكل مزارع([10]).
كذلك يبرز في هذا الإطار جهود وحدة تنسيق الدعم من خلال مشاريعها الخاصة بالزراعة والأمن الغذائي، ومن أهمها مشاريع دعم زراعة القمح، وتأمين المستلزمات الزراعية ومكافحة الأمراض الزراعية وغيرها من المشاريع الزراعية الأخرى. وقد تمكنت وحدة تنسيق الدعم من خلال إحدى مشاريعها في عام 2019 والذي استهدف 30 ألف مزارع في مدن الباب وجرابلس واعزاز وعفرين بريف حلب الشمالي، من افتتاح 33 وحدة إرشادية في شمالي سورية، وتوزيع 2660 طناً من مادة السماد الزراعي لـ 13300 مزارع، إضافة لتنفيذ 1162 زيارة حقلية للكشف المبكر عن الآفات التي تصيب المحاصيل وتقديم الإرشادات اللازمة، و121 زيارة ميدانية للكشف عن أمراض الثروة الحيوانية وتقديم التشخيص المناسب من قبل أطباء بيطريين من كوادر الوحدات الإرشادية([11]).
لكن بشكل عام يمكن القول إن الكيانات الإدارية المعنية بالإشراف على النشاط الزراعي لم تحقق تلك الفاعلية المرجوة لأسباب ترتبط بقلة عددها ومحدودية تمويلها ومزاحمة المنظمات الإغاثية العاملة في هذه المناطق على تقلد هذا الدور. مما أسهم بشكل واضح وفقاً للمعنيين بالشأن الزراعي على تشتت جهود الدعم المقدمة للفلاحين، نظراً لغياب قاعدة إحصائية موحدة للقطاع الزراعي يمكن من خلالها رسم خارطة زراعية لهذه المناطق، وبالتالي وضع خطط محددة لأدوار الفاعلين في تعافي النشاط الزراعي وتنميته.
مع بداية وجودها في منطقة درع الفرات في عام2012، بدأت هذه المنظمات بتنفيذ العديد من البرامج الإغاثية، وكانت مشاريعها بمثابة دعامة رئيسية لتعزيز صمود السكان وتلبية احتياجاتهم الإنسانية المختلفة متضمنة المزارعين. لكن وخلال سنوات عملها في المنطقة بدا بشكل واضح افتقار غالبيتها إلى خطط تنموية شاملة للنهوض بواقع القطاع الزراعي داخلها. وتركيزها فقط على الجانب الإغاثي والإنساني، بسبب غياب الكفاءات البشرية المتخصصة في هذا المجال، بالإضافة لضعف الدعم اللازم لهذه البرامج وعدم استقراره خلال هذه السنوات. لكن وبحكم طول أمد وجود هذه المنظمات في هذه المناطق، فإن ذلك أكسب كوادر هذه المنظمات الخبرات اللازمة لتنفيذ مشاريع تعافي في القطاع الزراعي، بالإضافة لبناء شبكة علاقات تراكمية متينة مع الجهات المانحة المهتمة بدعم المشاريع الزراعية. كذلك أتاح إفساح الجانب التركي المجال لهذه المنظمات بترخيص أعمالها مجال أكبر لاستقبال الدعم من المؤسسات والمنظمات الدولية ذات الصلة([12]). إلا أن غياب التنسيق والتعاون بين هذه المنظمات، وغياب جهة مركزية قادرة على ضبط نشاطها ضمن هذه المناطق كان له دور كبير في انخفاض فاعلية المشاريع الزراعية المنفذة. إلى جانب فقدان هذه المناطق لحالة الاستقرار الأمني الكامل الذي يمَّكن من تنفيذ مشاريع كبرى ومستدامة لتعافي القطاع الزراعي. أضف إلى ذلك عدم تكافؤ الدعم المقدم لتنفيذ المشاريع مع الاحتياجات الفعلية المطلوبة لإحداث التعافي المبكر في هذا القطاع.
وهناك مجموعة من المنظمات العاملة في المنطقة في الوقت الحاضر في مجال المشاريع الزراعية من أهمها مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية ومؤسسة الشام الإنسانية ومنظمة تكافل شام الخيرية ومنظمة بنيان، وجميعها تملك برامج متقاربة تعمل على إقامة مشاريع الإرشاد الزراعي والعمل على توفير المدخلات الزراعية للمزارعين مجانا بالإضافة لتوزيع المواشي على الفئات الهشة في المجتمع. واستحداث برامج سبل عيش زراعية تتلاءم ومتطلبات السكان في هذه المناطق.
لم يكن حال المنظمات الدولية أفضل بكثير من المنظمات المحلية رغم فوارق الدعم المتاح لهما إلا أنها مازالت تفضل الحلول الإسعافية قصيرة الأجل على الانتقال إلى خطط تنموية حقيقية متذرعة بعدم تحقق الاستقرار بعد، مما أدى وفي كثير من الأحيان إلى إحجامها عن دخول هذه المناطق والاكتفاء بالتنسيق مع الشركاء المحليين، كما في بعض مشاريع سبل المعيشة والتعافي المبكر التي أقامتها منظمات UNDP و OCHA و FAO، أو حتى امتناعها بشكل كامل عن القيام بمشاريع في مناطق درع الفرات وعفرين وتحويل المشاريع إلى مناطق سيطرة النظام السوري كونها تعتبر المنطقة التي تقع تحت سيطرته ذات استقرار أكبر([13]).
بشكل عام لا يمكن إغفال الدور الذي لعبته هذه الفواعل في المنطقة خلال الأعوام الماضية، من حيث مساهمتها في تقديم الدعم لبرامج سبل العيش والتعافي المبكر التي ساهمت إلى حد ما في إعادة ترميم البنية التحتية للزراعة وإعادة إحياء هذا القطاع بعد تراجعه لسنوات، لكن لا يزال هذا الدعم دون المستوى المأمول إذا ما قورن بالاحتياجات الفعلية اللازمة لتوليد فرص العمل في القطاع الزراعي. ففي عام 2017 تم تغطية 20.5% من التمويل اللازم لتلبية احتياجات قطاع سبل المعيشة والتعافي المبكر. وفي عام 2018 تم تغطية 29.5% من التمويل اللازم، وفي عام 2019 تم تأمين حوالي 15.7%من الاحتياجات المطلوبة لهذا القطاع، بينما بلغت هذه النسبة 11.2% في عام 2020([14]).
ثمة مجموعة من العوامل التي كان لها تأثيراً هاماً في مدى نجاح برامج سبل العيش الزراعية في هاتين المنطقتين، ويمكن تصنيف هذه العوامل في ثلاث فئات تشمل البيئة المحلية الممكنة لنجاح هذه البرامج، ومدى كفاءة المنظمات المنفذة لهذه البرامج، ومدى فاعلية البرامج المنفذة بحد ذاتها.
يقدر عدد السكان في منطقتي درع الفرات وعفرين وفقاً لبعض الإحصاءات بحوالي 900.000 نسمة قبل عام 2011 وفقاً للإحصاءات الرسمية الحكومية. لكن هذا العدد تضاعف ضمن هاتين المنطقتين بعد هذا التاريخ بشكل يفوق طاقتها الاستيعابية نتيجة لحركات النزوح الداخلي، ويقدر العدد الحالي بحوالي (2.317.700) بينما يقدر عدد النازحين بحوالي (1.605.000) من إجمالي هذا العدد([15]). وكان من نتاج هذه الزيادة السكانية حدوث أزمة سكنية أدت إلى تفاقم في أسعار شراء وآجار العقارات، الأمر الذي مهد الطريق لحركة بيع كبيرة للأراضي الزراعية بهدف تلبية هذا الطلب الكبير على الإسكان. ونتيجة لغياب جهات حوكمية قادرة على ضبط انتشار هذه الظاهرة تحولت العديد من الأراضي الزراعية إلى أراضي سكنية. أضف إلى ذلك إنشاء العديد من مخيمات النزوح الداخلي على الأراضي الزراعية بسبب الحاجة لتوطين النازحين، واستغلال ملاك الأراضي لحاجة النازحين للسكن وفرضهم رسوم آجار مرتفعة على استخدام أراضيهم([16]).
فيما يتعلق بمقومات البنية التحتية اللازمة لتنفيذ البرامج الزراعية، يمكن القول إن منسوب المياه اللازمة للزارعة يعد جيد إلى حدٍ ما خاصة أن غالبية الأراضي الزراعية مستثمرة بمحاصيل بعلية تقدر نسبتها بـحوالي 46% من نسبة الأراضي المزروعة في منطقة درع الفرات([17])، في حين أن ما يقرب من نسبة 80% من الأرضي الزراعية في منطقة عفرين مزروعة بأشجار زيت الزيتون التي لا تتطلب كميات كبيرة من المياه([18])، بينما تقدر نسبة الأراضي الزراعية المروية بـ 15%([19]). لكن الآثار السلبية التي خلفتها العمليات العسكرية في هاتين المنطقتين على البنية التحتية للمياه بما فيها قنوات الري والآبار الجوفية، ألجأت بعض المزارعين لحفر المزيد من الآبار الجوفية عبر الحفر العشوائي لتعويض حاجاتهم من المياه التي يقدر عددها بحوالي 5952 بئر([20]). الأمر الذي حمل العديد من التداعيات السلبية على منسوب المياه الجوفية في هذه المناطق وما سيسببه من الجفاف المحتمل لهذه الموارد المائية الجوفية([21]). ومما فاقم أيضاً من نقص الموارد المائية للزراعة قلة الوقود المتوافر في الأسواق وارتفاع أسعاره إلى جانب عدم توفر الكهرباء في العديد من المناطق الزراعية، والتي كان لها تأثير كبير على المحاصيل المروية التي أحجم الكثير من المزارعين عن زراعتها، إلى جانب تأثير ذلك أيضا على تربية الثروة الحيوانية كالمداجن والمباقر([22]).
في جانب النقل، تعاني الطرقات الزراعية في هذه المناطق من تدهور بنيتها التحتية نتيجة عدم صيانتها لفترات طويلة مما أثر على نقل المحاصيل الزراعية بين مدن وبلدات هذه المناطق([23]). ومن جانب آخر تشهد بعض هذه الطرقات ظروف غير آمنة لنقل المحاصيل الزراعية نتيجة انتشار ظاهرة الإتاوات سواء من قبل بعض العناصر في الفصائل العسكرية أو من قبل بعض الأفراد الخارجين عن القانون في بعض هذه المناطق.
أما فيما يتعلق بمدخلات الإنتاج الزراعي، فيمكن القول إن هذه المدخلات متوفرة إلى حداً ما، مع الجهود التي تبذلها كل من المجالس المحلية والمنظمات والجهات ذات الصلة. حيث تم العمل على تأمين الأسمدة والبذور بأسعار مدعومة تتناسب مع قدرات وإمكانات المزارعين، أضف إلى ذلك وجود سلاسل توريد زراعية جيدة، نظراً لقرب هذه المناطق من الحدود التركية وتوفرها في السوق المحلية. إلا أن غياب جهات رقابية فاعلة تشرف على استيراد المدخلات الزراعية خصوصاً البذار والمبيدات، سمح لبعض التجار من ضعاف النفوس بإدخال نوعيات رديئة من البذار ذات مردود إنتاجي منخفض.
تتجسد المشكلة الأبرز التي يواجهها القطاع الزراعي في هذه المناطق في عدم قدرة المزارعين على تصريف محاصيلهم. وتكمن أهم أسبابها في عدم وجود تناسب بين العرض والطلب على بعض المحاصيل الزراعية ضمن هذه المناطق، وبالتالي ضرورة إيجاد أسواق خارجية لتصريف الفائض عن الطلب المحلي([24]). كذلك يعد تصريف هذه المحاصيل من الصعوبة بمكان سواء إلى مناطق سيطرة النظام أو إلى مناطق الإدارة الذاتية لتبقى هذه المحاصيل رهن إشارة الحصول على الموافقة التركية لتوريدها إلى داخل حدودها. أضف إلى ذلك تحكم التجار المحليين بأسعار هذه المحاصيل وفرضها على المزارعين بشكل لا يتناسب مع الكلفة والجهد والمبذول لإنتاجها، مما أدى في كثير من الأحيان إلى عزوف شريحة من المزارعين عن زراعة أرضهم في ظل هذا الواقع. أما فيما يتعلق بالثورة الحيوانية فهي الأخرى تواجه العديد من التحديات في هذا السياق وعلى رأسها تفشي ظاهرة تهريب الثروة الحيوانية من هذه المناطق([25])، وارتفاع أسعار العلف والمواد اللازمة للعناية بالماشية، إلى جانب ذلك أثر استيراد اللحوم والدواجن بشكل كبير على المنتج المحلي. الأمر الذي ساهم في تدهور الثروة الحيوانية في هذه المناطق.
في هذا السياق كان لتواجد الفصائل العسكرية في هاتين المنطقتين تأثيراً واضحاً من حيث السلوكيات التي يقوم بها البعض من عناصر هذا الفصائل، والتي برزت بشكل واضح في منطقة عفرين من خلال قيامهم بالتعدي على المحاصيل الزراعية عبر فرض الإتاوات والرسوم على المزارعين وقيام البعض منهم باستلاب بعض الحقول الزراعية([26])، إلى جانب قيام البعض منهم بقطع أشجار الزيتون وبيعها كحطب في ظل ارتفاع أسعار الوقود في فصل الشتاء([27]). على الرغم من إصدار تعميمات عديدة من قادة هذه العناصر للحد من هذه التجاوزات([28])، إلا أن الكثير من هذه التعميمات لم يطبق بشكل فاعل. وبالتالي تشكل هذه الظاهرة أحد الجوانب المعيقة لتعافي القطاع الزراعي مع ضرورة قيام الجهات الحوكمية في هذه المنطقة بالتنسيق مع قيادات الجيش الوطني للحد من هذه التجاوزات. ومن جانب آخر لم يسجل بشكل عام قيام هذه الفصائل بعرقلة تنفيذ برامج سبل العيش الزراعية أو التدخل في تحديد المستفيدين منها، مع وجود بعض الحالات الفردية. أضف إلى ذلك ان هذا الدور السلبي لم يقتصر على العسكريين، حيث يقوم بعض النازحين من سكان المخيمات بالتعدي على الأراضي الزراعية ومحاولة الاستيلاء عليها وسرقة المحاصيل وغيرها من الممارسات الأخرى.
برز نشاط المنظمات السورية العاملة في هذه المناطق منذ تحررها، وكان نشاطها متمركزاً بشكل أساسي على الإغاثة نظراً للحاجة الماسة التي ألمت بسكان هذه المناطق إبان تحررها. فكان لزاماً مد يد العون لمساعدة السكان لتجاوز الآثار السلبية للنزاع عبر حملات الإغاثة بمختلف أنواعها. لكن استطالة النزاع في سورية وغياب أفق واضح لانتهاءه خلال الأعوام الماضية حملَ بعض هذه المنظمات للانتقال تدريجياً للتركيز على تنفيذ بعض البرامج التنموية بموازاة برامج الإغاثة، علها تسهم في إحداث التعافي المبكر وتمَّكن السكان المحليين والنازحين بالاعتماد على ذواتهم لكسب رزقهم. بعد أن أصبحت ثقافة الاعتماد على الإغاثة إحدى السمات البارزة في هذه المناطق. ويأتي هذا التوجه أيضاً في ظل تناقص التمويل الدولي المقدم من الجهات المانحة وضرورة إيجاد سبل عيش مستدامة للمواطنين ضمن هذه المناطق التي تمتاز بكون غالبية سكانها من المنخرطين في القطاع الزراعي.
وعليه ومع تقلد المنظمات لهذا الدور التنموي كان هناك اهتماماً ملحوظاً من قبلها في تطوير كوادرها البشرية العاملة في هذه المناطق وتأهيليها بما يتناسب ومتطلبات تنفيذ المشاريع الزراعية لضمان نجاحها واستدامتها. حيث أقامت العديد من هذه المنظمات الورش والتدريبات لتأهيل كوادرها من أبناء هذه المناطق والذي أسهم بشكل كبير في تطوير قدراتهم وإمكانياتهم التي انعكست على نجاح تنفيذ برامجها التنموية في القطاع الزراعي. أضف إلى ذلك قيام هذه المنظمات بتصميم هذه البرامج بما يتناسب والسياق المحلي لضمان قبولها مجتمعياً وتلقيها الدعم اللازم من قبل الفواعل المحليين لضمان نجاحها واستدامتها. وقد عملت هذه المنظمات كذلك على تنفيذ العديد من التدريبات للمستفيدين من مشاريعها والتي ساهمت بشكل كبير في خلق الوعي الجيد لديهم في كيفية الاستفادة منها وضمان استدامتها. وبالتالي شكلت هذه التدريبات حافزاً لدى السكان المحليين للتقدم للاستفادة من المشاريع الزراعية المقدمة في هذا الإطار وحرصهم على العمل ضمن الخطط التي تتضمنها هذه البرامج. ومن بين الأمثلة على هذه المشاريع ما قامت به مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية عبر تنفيذها لمشروع سبل العيش في القطاع الزراعي تم من خلاله توزيع عدد من رؤوس الماشية على المستفيدين مع تقديم التدريب اللازم وتأمين الأعلاف والعناية البيطرية، وقد تبين للمؤسسة بعد تنفيذ المشروع أن حوالي 80% من المستفيدين قد حافظوا على الأصول التي تم منحها لهم وقيامهم بالاعتماد عليها كمصدر دخل رئيسي([29]).
وقد حفّز هذا الأمر بعض المنظمات الدولية ذات الصلة على دعم الخطوات التي انتهجتها المنظمات المحلية في هذا المسار، عبر تدعيم إمكاناتها المادية والفنية لتسريع الانتقال من تقديم برامج الإغاثة الطارئة إلى التنفيذ التدريجي لمشاريع التعافي المبكر في القطاع الزراعي. إلا أن هذا الدعم لم يرتقِ إلى مستوى الحاجة الفعلية للعاملين في هذا القطاع، وبشكل لا يتناسب ومستوى المشاريع المطلوب تنفيذها لإحداث تعافي مبكر حقيقي ضمن هذه المناطق. حيث تتسم غالبية المشاريع الزراعية المنفذة بصغر حجمها وقلة عدد المستفيدين منها وعدم مراعتها للاحتياجات الفعلية للمزارعين. ويلاحظ أن معظم هذه المشاريع ماتزال تنفذ وتدار بذات العقلية الإغاثية، فالمستهدفون في أغلب المشاريع إما أن يحصلوا على قسائم شرائية للمدخلات الزراعية أو يتم توزيعها بشكل مباشر كسلل زراعية على شكل منح وهبات. وكان من الأجدر أن يتم العمل على حل مشكلات المزارعين بشكل شامل، ثم الانتقال إلى تأسيس كيانات زراعية داعمة تقدم المساعدة للمزارعين على شكل قروض تسترد بعد حصاد المحصول، مما يؤدي بداية إلى حصر المستفيدين بالدعم المقدم بالأكثر حاجة وتضرراً، ثم الانتقال إلى تحميل المسؤولية للمزارعين وبالتالي دفعه للعمل بجد أكبر حتى يتمكن من تسديد هذه القروض.
يمكن تقسيم البرامج التنموية المنفذة في القطاع الزراعي ضمن هذه المناطق إلى نوعين، يقوم النوع الأول منها على تمليك المستفيدين مفاتيح العمل وتطوير مهاراتهم من حيث رفع السوية المعرفية بطرق الزراعة والسقاية والعناية البيطرية للحفاظ على الأصول الموجودة، بالإضافة لإنمائها عن طريق تحقيق أكبر قدر من الاستفادة من الأراضي المزروعة. أما النوع الثاني فيقوم على المشاريع التي تزود المستفيدين منها بالمدخلات الزراعية، وهي غالباً ما تكون ذات تأثير محدود زمنياً، حيث أنها تعمل على زيادة الإنتاج وتحسين الجودة في موسم محدد فيعود بالفائدة المادية على المستفيد، لكن مشكلة عدم ثبات قيمة العملة وارتفاع أسعار المحروقات بشكل دائم يحرم المستفيدين من توظيف الفائض المالي المحقق في المواسم القادمة، مما يحد من استدامة المشاريع التي تنفذ بهذا الشكل.
أما من ناحية الملاءمة بالنسبة للمشاريع الزراعية المنفذة في هذه المناطق، فلم تكن المشكلة في إشراك المستفيدين في هذه المشاريع عند دراسة احتياجات المنطقة بهدف إكسابها المرونة اللازمة لتكون ملائمة لاحتياجات القطاعات المنفذة ضمنها، بغض النظر عن حجمها كبيراً كان أم صغيراً. لكن تكمن المشكلة في أنه عادة ما يتم الضخ المالي للمشاريع في أوقات متقاربة فيحدث نشاط كبير في السوق المحلي على حساب أوقات أخرى يكون فيها التمويل ضعيفاً مما يسبب ركود عام في هاتين المنطقتين. إلا أنها ورغم كل الجهود المبذولة لإنجاحها فما تزال دون المأمول، كونها تدار بنفس العقلية الإغاثية، ولم تُطرح خطة تنموية شاملة قادرة على توليد مؤسسات زراعية إشرافية تعمل باستدامة ولا تتأثر بتقلبات الدعم الموجه وغير المستقر، وقد أدى عدم الاستقرار هذا إلى جعل هذه المشاريع محدودة التأثير وذات شروط صعبة التحقيق للاستفادة منها. مما وضع الجهات المنفذة أمام خيارين صعبين فإما تلبية كامل احتياجات عدد صغير من المستفيدين، أو تلبية جزئية بسيطة للاحتياجات المطلوبة مقابل تحقيق أكبر عدد من المستفيدين، فحتى عام 2020 لم تغطي هذه البرامج بأفضل الحالات أكثر من 25% من الاحتياجات([30]). ويبين الشكل (1) حجم التدخلات في قطاع سبل العيش والأمن الغذائي في الاستجابة الإنسانية لسورية بين عامي 2018 و2020. وعدد المستفيدين من هذه التدخلات خلال هذه الأعوام.
لقياس مدى تأثير برامج سبل العيش الزراعية وفقاً للفئات المستهدفة بها ومدى قدرتها على تلبية احتياجات كل فئة من هذه الفئات، فقد حدد منظمة الأمم المتحدة ثلاث فئات رئيسية للمستفيدين من هذه البرامج([1]). ووفقاً لهذه التصنيفات يمكن عرض ما قامت به المنظمات من خلال برامجها لدعم القطاع الزراعي في منطقتي درع الفرات وعفرين. فقد عملت بعض المنظمات على تنويع الأنشطة التي تقوم بها من خلال برامجها، بحيث تستهدف النازحين الذين لا يملكون المقدرة على زراعة الأراضي لعدم امتلاكهم لها أو لعدم وجود الخبرة الكافية عن طريق إنشاء برامج النقد مقابل العمل. كذلك تم تقديم ورشات تدريبية حول بعض الجوانب المرتبطة بالنشاط الزراعي للمساعدة على توليد الدخل مثل تربية النحل وزراعة الفطر في المنزل وصنع الألبان والأجبان منزلياً. ومن ثم تقديم الأدوات اللازمة للانطلاق بهذه المشاريع الصغيرة، بحيث يؤمن المستفيد من هذه البرامج الحد الأدنى من الدخل للاستغناء عن المساعدات الإغاثية. وقد أمنت هذه البرامج وبشكل مباشر حوالي 11600 فرصة عمل في عام 2018، وحوالي 18350 فرصة عمل في عام 2019([2]). بالإضافة لإسهامها في تخفيف نسبة البطالة بشكل غير مباشر، فطبيعة الأنشطة الزراعية تعطي إمكانية للمزارعين المستفيدين من تشغيل عمال إضافيين في أراضيهم بسبب زيادة الإنتاج في المساحات المزروعة الناتجة عن الدعم بالمدخلات الزراعية اللازمة.
إلى جانب ذلك فقد ساهمت هذه البرامج في تخفيف معدل الفقر من خلال القيام بمشاريع تستهدف ذوي الدخل المحدود من المزارعين ومالكي الثروة الحيوانية لتمكينهم اقتصادياً ومنع تدهور أصولهم الإنتاجية. ومن بين هذه المشاريع مشروع دعم أصحاب رؤوس الماشية ممن لا يملكون المقدرة على الاحتفاظ بأصولهم الإنتاجية في الأوقات التي ترتفع فيها أسعار الأعلاف واللقاحات، وقد استفاد من هذه البرامج في عام 2018 حوالي 2050 أسرة، وفي عام 2019 حوالي 16930 أسرة([3]). وكون النشاط الزراعي بشقيه النباتي والحيواني يعد النشاط الاقتصادي الأول في منطقة درع الفرات وعفرين فإن أي دعم مقدم لهذا القطاع بمختلف أشكاله يؤدي بشكل غير مباشرة إلى دعم السوق المحلية وتنشيط دورة الإنتاج.
يعكس الواقع الزراعي الذي تعيشه مناطق الشمال السوري خلال الأعوام الماضية بشكل عام بعض الدلائل التي تؤشر لوجود حركية تعافي مبكر ضمن القطاع الزراعي. ومع تباين مستوى التدخلات التنموية لدعم حركية التعافي المبكر، يبدو من المهم تحليل واقع هذه التدخلات وقياس أثرها على المجتمعات المحلية ضمن هذه المناطق. ووفقاً لذلك حاولت هذه الورقة الإضاءة على إحدى هذه التدخلات وهي برامج سبل العيش الزراعية، عبر استعراض واقع هذه البرامج ومستوى الفاعلية المتحققة منها خلال الأعوام الماضية، وإبراز أهم المعوقات التي حدت من فاعليتها، إلى جانب الإضاءة على أهم الفواعل الرئيسيين ذوي الصلة بهذه البرامج.
تعكس المؤشرات المرتبطة ببرامج سبل العيش الزراعية في منطقتي درع الفرات وعفرين أن هناك جملة من التحديات يبرز في مقدمتها عدم وجود كيانات حوكمية متخصصة بالجانب الزراعي وهو ما أفقد فاعلية الكثير من البرامج المنفذة ضمن هذه المناطق. أضف إلى ذلك أن هذه البرامج لم ترق إلى المستوى الاستراتيجي الذي يمكن القطاع الزراعي من التعافي بشكل أكبر لأسباب ترتبط بضعف التمويل وعدم استدامته، وغياب التنسيق الكامل بين الكيانات المسؤولة عن النشاط الزراعي في هذه المناطق. أضف إلى ذلك غلبة التماثل في نوعية المشاريع الزراعية المنفذة مما يقلل من الأثر المرجوة منها. وكذلك شيوع حالة عدم الاستقرار الأمني الكامل الذي تشهده هذه المناطق والذي أضعف من قابلية الجهات الممولة من تنفيذ مشاريع استراتيجية كبيرة لتعافي القطاع الزراعي.
وبناءً على ما سبق، فإن نجاح عملية التعافي المبكر في القطاع الزراعي في هاتين المنطقتين يعتمد في جانب كبير منه على وجود جهة متخصصة تكون قادرة على تشخيص مقومات واحتياجات هذه المناطق بشكل دقيق، بحيث يتم وضع خطط تعافي تتلاءم والسياق المحلي عبر تعظيم الاستفادة من الموارد المحلية، وتفعيل الدعم المقدم من الخارج بما يخدم تنفيذ هذه الخطط على شكل برامج زراعية مفصلة ومتناسبة مع هذا السياق بالتعاون والتنسيق مع الجهات الدولية الداعمة. أضف إلى ذلك ضرورة العمل على خلق نوع من التكامل والتوازن بين التدخلات التنموية الموجهة للقطاع الزراعي من قبل المنظمات المنفذة. بحيث يتم تعظيم الفائدة من هذه التدخلات عبر الحفاظ على مستوى الأمن الغذائي الملائم، ورفع مستوى دخل العاملين في القطاع الزراعي واستدامته، وتذليل جميع المشكلات المرتبطة بسلسة القيمة ذات الصلة بالنشاط الزراعي.
([1]) تمثل التصنيفات التالية التصنيفات الثلاث الرئيسية ويتفرع عنها مجموعة من الفئات الفرعية:
([2]) Syria Humanitarian Response Plan 2018, 2019, OCHA: https://rb.gy/rcrw3q
([1]) مقابلة هاتفية أجريت مع مسؤول برامج سبل المعيشة والتعافي المبكر في مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية بتاريخ: 28/09/2020.
([2]) آلت هاتين المنطقتين للنفوذ التركي إثر عملية درع الفرات في عام 2017، والتي سميت المنطقة باسمها وشملت كل من مدن اعزاز والباب وجرابلس والراعي واخترين ومارع والتي بلغت مساحتها 2692 كم2، إلى جانب عملية غصن الزيتون في عام 2018 للسيطرة على منطقة عفرين والتي تبلغ مساحتها 2055كم2.لكن لا تزال هذه المناطق تشهد بعض عمليات التفجير والاغتيالات، من قبل جهات ذات صلة بقوات سورية الديمقراطية ونظام الأسد وبعض الخلايا النائمة لتنظيم "داعش" في المنطقة. ويعزى عدم الاستقرار الأمني في جزء كبير منه إلى ضعف الجهات المسؤولة عن القطاع الأمني سواء من حيث التجهيزات اللوجستية أو من حيث الكوادر المؤهلة.
([3]) مجلس محافظة حلب الحرة، غرفة زراعة منطقة درع الفرات.
([4]) مجلس محافظة حلب الحرة، غرفة زراعة منطقة غصن الزيتون.
([6]) يبلغ عدد المجالس المحلية في منطقة درع الفرات 10 مجالس، في حين يبلغ عددها في منطقة عفرين 7 مجالس. ويتبع لكل منها مجالس فرعية تتلقى الدعم منها ويتصدر مجلس مدينة الباب قائمة المجالس الأكثر نشاطا من حيث الدعم المقدم، وكان بداية ظهور هذه المجالس في عام 2012.
([7]) محمد العبدالله، المقاربة التركية للتعافي الاقتصادي المبكر في سورية: دراسة حالة منطقة درع الفرات، في كتاب: التعافي الاقتصادي في سورية: خارطة الفاعلين وتقييم السياسات الراهنة، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 25-09-2019: https://bit.ly/3oyi1GI
([8]) مقابلة أجريت مع مسؤول برامج سبل العيش والأمن الغذائي في مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية، مرجع سابق.
([9]) يمكن الاطلاع على نموذج من بعض المشاريع التي نفذتها المؤسسة عبر الرابط: https://rb.gy/a5adz4
([10]) يحظى المشروع بدعم من صندوق الائتمان لإعادة إعمار سوريا، وتبلغ مدته 18 شهراً ويتم بموجبه تسليم المزارعين المستهدفين في مناطق عمل المشروع بذور خضراوات، وسماد كيميائي عضوي، وبكرات ري بالتنقيط، ونايلون ملش، ومبيدات حشرية وفطرية، وأقفاص بلاستيكية لجني المحصول. فيما يُجري عدة مهندسين جولات على الأراضي، لتقديم الخدمات الإرشادية وتبادل الخبرات بين الفنيين والمزارعين وتقديم النصائح. المرجع:
ثائر المحمد، مشاريع دعم الزراعة شمالي سوريا وانعكاساتها على الفرد والمجتمع، موقع تلفزيون سوريا، 11-06-2021: https://rb.gy/rg9zir
([11]) ثائر المحمد، نفس المرجع السابق.
([12]) محمد العبدالله، المقاربة التركية للتعافي الاقتصادي المبكر في سورية: دراسة حالة منطقة درع الفرات، مرجع سابق.
([13]) محمد العبدالله، تنمية سبل العيش في المناطق السورية المحررة: دراسة تحليلية، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 17-12-2015: https://bit.ly/3hDKold
([15]) Humanitarian Response, IDPs Tracking, August 2020, OCHA: https://rb.gy/9m7iwh
([16]) محمد العبدالله، واقع سبل العيش في مخيمات النزوح: دراسة حالة في مناطق الشمال السوري، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 07-11-2018: https://bit.ly/3v0QOyA
([17]) مجلس محافظة حلب الحرة، غرفة زراعة منطقة درع الفرات، احصاءات 2020.
([18]) مقابلة أجراها الباحث مع مدير برنامج سبل العيش والأمن الغذائي في مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية، مرجع سابق.
([19]) عفرين خمس سنوات من التنمية الاقتصادية، مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا، 14/02/2019: https://rb.gy/01dif4
([20]) مجلس محافظة حلب الحرة، غرفة زراعة منطقة درع الفرات وعفرين، احصاءات 2020.
([21]) زينب مصري وصالح ملص، أزمة مياه في سوريا.. من يدفع الثمن، جريدة عنب بلدي، 20/09/2020: https://rb.gy/02r9q8
([22]) المداجن في ريف حلب الشمالي ودور المعابر، قناة حلب اليوم، 05/10/2019: https://rb.gy/faawto
([23]) الطرق الرئيسية في ريفي حلب الشمالي الشرقي، قناة حلب اليوم، 29/06/2019: https://rb.gy/fg2q6m
([24]) الزراعة في إعزاز.. تحديات وصعوبات، قناة حلب اليوم، 10/7/2019: https://rb.gy/lcx9yw
([25]) معتصم الطويل، مهنة رائجة… تهريب الأغنام من مدن الشمال إلى مناطق النظام، موقع الحل، 19/07/2019 https://rb.gy/ulxg7h
([26]) انتهاكات الفصائل الموالية لتركيا في عفرين بين النهب والإتاوات، مؤسسة The Levant ،10/10/2019: https://rb.gy/wevrdd
([27]) جانو شاكر، بعد أشجار الزيتون القطع الجائر يطال الغابات الحراجية في عفرين، موقع الحل، 16/03/2020: https://rb.gy/cjeasy
([28]) محلي عفرين يصدر قرارا بمنع قطع الأشجار وبيعها، موقع زيتون، 1/10/2020 https://rb.gy/wndqu1
([29]) مقابلة هاتفية أجريت مع مسؤول برامج سبل المعيشة والتعافي المبكر في مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية، مرجع سابق.
([30]) مقابلة هاتفية أجراها الباحث مع منسق برامج سبل العيش في منظمة تكافل شام بتاريخ: 23/09/2020.
مع تراجع حدة النزاع المسلح في منطقتي درع الفرات وعفرين، الواقعتين تحت النفوذ التركي، بدأت هاتان المنطقتان تشهدان مؤخراً بضعة خطوات تدريجية نحو التعافي المبكر، ومحاولة الجهات القائمة على هذه المناطق توفير متطلبات البيئة الآمنة، لضمان نجاح هذه الخطوات. وتبرز عمليات إزالة مخلفات النزاع في هذا السياق، كأحد التحديات التي توجه لها الجهود في سبيل تحقيق التعافي المبكر، رغم التحديات الكبيرة التي فرضتها المعطيات المرتبطة بهذه العمليات. ففي فترة خضوعها لكل من "تنظيم الدولة" و"قوات سورية الديمقراطية" قبل عام 2016، قام كل منهما بتفخيخها بالألغام الأرضية، إلى جانب الألغام الأرضية القديمة المتواجدة على طول الحدود التركية المحاذية لها. الأمر الذي شكَّل ويشّكِل مصدر تهديد كبير لحياة السكان واستقرارهم الاجتماعي والاقتصادي ضمن هذه المناطق.
تأتي أهمية الورقة من محاولة الإحاطة بالتقدم المنجز في عملية إزالة الألغام، في ضوء قلة المعلومات المتوافرة عن الإجراءات التي تتم في هذا الصدد، وأعداد الإصابات، والدعم المقدم لبرنامج إزالة الألغام، والآثار السلبية المرتبطة بها، كأحد الجوانب الهامة في توفير البيئة الآمنة للمواطنين، ونجاح عملية التعافي المبكر. ويتمثل الهدف الرئيس لهذه الورقة في محاولة تشخيص واقع عملية إزالة الألغام، من خلال التعرف إلى برامج الفاعلين المحليين والدوليين، وتحليل أدوارهم وجهودهم في هذا الصدد، وتفكيك التحديات التي تواجه هذه العملية. والتعرف إلى الآثار التي تشكلها الألغام الأرضية على الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات المحلية في هاتين المنطقتين.
ختاماً، تحاول الورقة وضع مجموعة من التوصيات التي يمكن أن تسهم في زيادة فاعلية هذا البرنامج، بما يخدم هدف تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، اللازم لنجاح عملية التعافي المبكر.
تشكل الذخائر غير المنفجرة بمختلف أنواعها أحد أبرز التحديات التي تواجه عملية التعافي المبكر، في الدول الخارجة من النزاعات. وفي تقريرها الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2020، أشارت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن سورية تعد من أسوأ دول العالم في كمية الألغام المزروعة منذ عام 2011([1])، وصنفت منظمة "الحملة الدولية لتحريم الألغام الأرضية"، في تقريرها الصادر عام 2019 سورية في المرتبة الرابعة من بين الدول المتلقية للمساعدات الدولية لإزالة الألغام. كذلك حذرت الأمم المتحدة في شهر يوليو/تموز 2019 من تعرض حياة أكثر من عشرة ملايين سوري للتهديد بسبب تواجدهم في مناطق ملوثة بالألغام، داعية جميع أطراف النزاع في سورية، للسماح بإزالة مخلفات النزاع من المتفجرات، وضمان احترام وسلامة العاملين في المجال الإنساني، المسؤولين عن إزالة الألغام([2]). مما يدل على مدى تلوث البلد بهذا النوع من الذخائر، غير المنفجرة، وكونها مصدر خطر كبير.
مع تحول النزاع في سورية إلى الطابع العسكري في عام 2012، بدأت القوى العسكرية باللجوء إلى استخدام الذخائر المنفجرة كأداة حرب، ووسيلة لفرض نفوذها العسكري في مناطقها، وعرقلة أي تقدم للقوى المتحاربة معها. ونظراً لسيولة الوضع الأمني في عموم المناطق، واستمرار النزاع في بعضها، فإن من الصعب وضع تقدير دقيق للعدد الإجمالي للألغام المزروعة، مع وجود توقعات بوصول هذا العدد إلى عشرات الآلاف. وتصدرت مناطق الشمال السوري بشكل عام المناطق السورية في مستوى انتشار الذخائر المنفجرة، في محافظات حلب وإدلب واللاذقية، للفترة الممتدة ما بين يوليو/تموز 2013 ومايو/أيار 2019. إذ سُجِلَ ما لا يقل عن 113.107 استخدام للذخائر المتفجرة، شكلت نسبة الذخائر الأرضية المنفجرة منها ما يقارب 50%. وفي محافظة حلب وحدها سُجلَ ما لا يقل عن 58.084 استخدام لهذه الذخائر([3]).
في تناولنا لواقع الألغام الأرضية في منطقتي درع الفرات وعفرين، الواقعتين في الشمال الغربي من سورية، فإن الوقوف على الإحصاءات الفعلية المرتبطة بهذه الألغام يعد صعباً، نظراً لتعدد القوى العسكرية التي خضعت لها هاتان المنطقتان بعد عام 2011، وقيامها بزرع أنواع مختلفة من الألغام الأرضية والمفخخات. ففي منطقة درع الفرات، وإبان سيطرة تنظيم "داعش" عليها، لجأ الأخير إلى الاعتماد بشكل كبير على زراعة الألغام في غالبية مدنها، معتمداً على خبرة عناصره الأجانب في هذا المجال، لاستهداف المقاتلين على جبهاته. ووفقاً للعديد من الخبراء العسكريين؛ فإن الألغام العائدة للتنظيم تعد من بين الألغام الأشد فتكاً وخطورة، بنوعيها المضادة للأفراد، والمضادة للآليات. ومن بين أنواع هذه الألغام: المسطرة، والمسبحة، واللغم الليزري، والدوسة، والحجر([4]). ويصف بعضهم ألغام تنظيم الدولة بأنها مثلت "فناً عسكرياً" بحد ذاته، من ناحية أنواعها، وطرق وأماكن زرعها، ومدى استفادته منها في مواجهة أعدائه، قبل وبعد خروجه من المناطق التي سيطر عليها([5]). لكنها بالمقابل أودت بحياة العشرات من المدنيين، وسببت إصابات خطيرة للعديد منهم([6])، بعد أن تمكنت قوات المعارضة السورية بمساندة الجيش التركي من تحرير هذه المنطقة من تنظيم داعش في 29 مارس/آذار من عام 2017.
في منطقة عفرين، عمدت قوات "قسد" الجناح العسكري للإدارة الذاتية، على زرع وتفخيخ المنطقة بأعداد كبيرة من الألغام الأرضية، منذ استيلائها على المنطقة في أغسطس/آب لعام 2015، في محاولة منها لصد أي تقدم للجيش التركي وقوات المعارضة السورية نحو المنطقة. ومع اقتراب معركة "غصن الزيتون" في عام 2018، زادت هذه القوات من كمية الألغام المزروعة في الأحياء والمساكن والمناطق الزراعية، بهدف إحداث أكبر ضرر ممكن بالقوات المهاجمة، ومنع المدنيين من مغادرة المنطقة، للاحتماء بهم في حال نشوب المعركة، وهو ما كشفت عنه العديد من التقارير الميدانية([7]). وبعد هزيمة قسد في مارس/آذار 2018، شكلت عملية إزالة هذه الألغام تحدياً كبيراً، تطلب تدخل قوات متخصصة من الجيش التركي لتنظيف المدن والأحياء من هذه الألغام، وتجنيب المدنيين المخاطر الناتجة عن انفجارها. ووفقاً للخبراء المختصين في هذا المجال؛ فإن طبيعة الألغام التي تم زرعها في منطق عفرين هي من الأنواع التقليدية، ذات التصميم الروسي. وفي شهر يناير/كانون الثاني في عام 2018 تمكنت القوات المسلحة التركية من تفكيك 80 لغم أرضي، و650 عبوة ناسفة وفقاً لبعض المصادر([8]).
تمثلت أبرز التحديات التي واجهت الجهات القائمة على إزالة الألغام في هذه المناطق، في نوعية الألغام المزروعة، من قبل كل من تنظيم داعش وقوات قسد، وكثافتها، والتكتيكات المستخدمة في زرعها، والتي تطلبت وجود خبراء مختصين للقيام بإزالتها. إلى جانب عدم وجود خارطة يمكن الاسترشاد بها لإزالة هذه الألغام، بأقصر فترة زمنية، وانخفاض مستوى كفاءة الكوادر المحلية التي أوكلت إليها هذه المهمة، في جانبيها العسكري والمدني، سواء من ناحية عدم توفر المستلزمات الحديثة للكشف عن الألغام، أم لعدم توفر برامج التدريب اللازمة لتأهيل هذه الكوادر، وغياب الدعم الدولي اللازم لبرنامج إزالة الألغام في هاتين المنطقتين لأسباب سياسية. أضف إلى ذلك ضعف حملات التوعية للمواطنين في كيفية تجنب أخطار هذه الألغام([9]). وبالتالي ما تزال تشكل بقايا هذه الألغام خطراً يهدد المجتمعات المحلية، مع ما يفرضه ذلك من العمل على زيادة حملات التوعية، والعمل على نزعها بشكل كامل.
أضف إلى ذلك فإن بعض المصادر تشير إلى وجود كميات كبيرة من الألغام على طول الأراضي المحاذية للحدود التركية، زرعها الجيش التركي في الفترة ما بين (1957-1998)([10])، والتي تقدر كميتها ما بين (613.000-715.000) لغماً مضاداً للأفراد، لمنع العبور غير المشروع للحدود([11]). وقد نتج عنها العديد من الضحايا المدنيين، الذين اضطروا للهرب بعد تصاعد حدة النزاع في هاتين المنطقتين([12]). وما تزال هذه الألغام إلى الوقت الحاضر تمثل خطراً يهدد حياة السكان المحليين، سواء منهم العاملين بالزراعة، أم الذين يحاولون اجتياز الحدود التركية عن طريق شبكات التهريب.
مع شيوع حالة شبه الاستقرار الأمني في عدد من المناطق السورية، بدأت تظهر جهود العديد من الفواعل المدنية والعسكرية في عمليات إزالة الألغام، ومخلفات الحرب. وعلى الرغم من وجود التمايز في هذه الجهود، سواء من حيث الدعم المحلي والدولي المقدم لها، أم من حيث كفاءة الكوادر العاملة وتجهيزاتها، إلا أنها تُظهِر مدى أهمية هذه العمليات، كأحد عناصر البيئة الآمنة اللازمة لاستقرار السكان المحليين، على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، والتعافي من تبعات النزاع. وكغيرها من المناطق السورية؛ فقد برز عدد من الفواعل الذين أسهموا خلال الأعوام الماضية في هذه الجهود، في منطقتي درع الفرات وعفرين، ونستعرض فيما يلي أهم الإسهامات التي قدمها كل منهم:
كان لمنظمة الدفاع المدني منذ تأسيسها في عام 2015 دور هام في تأمين متطلبات البيئة الآمنة، فقد عملت على محاور عدة في هذا السياق. وفي إطار تناولنا لموضوع الذخائر غير المنفجرة، كان للمنظمة خطوات ملموسة في مناطق سيطرة المعارضة السورية، عبر قيامها بإزالة هذه الذخائر، وتجنيب المواطنين مخاطرها. وكان لهذه الخطوات أثر كبير في توفير العودة الآمنة للنازحين في هذه المناطق، وتوفير مقومات الحياة الأساسية، عبر إعادة تأهيل المرافق العامة، كالمدارس، والطرقات وغيرها، ووفقاً لآخر إحصاءاتها المنشورة على موقعها الإلكتروني، فقد تمكنت الفرق المتخصصة في المنظمة من إزالة 1243 جسماً قابلاً للانفجار، من مخلفات الحرب منذ 1 يناير/كانون الثاني 2019 حتى نهاية شهر مارس/ آذار لعام 2021، بينها 986 قنبلة عنقودية.
ومنذ عام 2017، كان هناك تواجد فعلي لفريق الدفاع المدني في منطقة درع الفرات، بعد تحريرها من تنظيم داعش، فقد عمل على إزالة آلاف الذخائر غير المنفجرة في المدن والبلدات الرئيسية، وقد بلغ عدد الذخائر غير المنفجرة التي تم إزالتها منذ عام 2015 في مناطق الشمال السوري عن طريق منظمة الدفاع المدني 23000([13]). ومع تحرير منطقة عفرين من قوات "قسد" في عام 2018، عمل الدفاع المدني كذلك على الإسهام في إزالة الذخائر غير المنفجرة فيها. وعلى الرغم من المتطلبات التي تحتاجها عملية إزالة هذه الذخائر، عملت المنظمة بما أوتيت من إمكانات محدودة، على تأهيل الكوادر المحلية للإسهام في هذه العملية([14])، إذ يضم كادر المنظمة العامل في إزالة الذخائر مزيجاً من العسكريين، ذوي الخبرة، إلى جانب المدنيين، الذين يتم تدريبهم للعمل على الإزالة بشكل مباشر([15]). وخلال الأعوام الماضية، كان هناك عدد من الإصابات، التي طالت هذا الكادر، وأودت بحياة عدد من طواقمه([16]). إلا أن التحدي الأبرز الذي تواجهه منظمة الدفاع المدني في هذا السياق، يتجسد في قلة الدعم المقدم، على الصعيدين اللوجستي والمادي. إلى جانب محدودية كفاءة وخبرة الكادر العامل، الذي لم يتلقَ التدريب الكافي للعمل في هذا المجال. وفي إطار سعيها لزيادة فاعلية نشاطها، تعمل المنظمة على التعاون والتنسيق مع المجالس المحلية والمجتمعات المحلية للمساعدة على إزالة الذخائر غير المنفجرة، من خلال عمليات تلقي الإبلاغ من قبل المواطنين، في حال اشتباههم بوجود ألغام في مناطقهم، والقيام بالمسح غير التقني، بهدف تقليل الإصابات التي يمكن أن تنتج عن هذه الذخائر إلى الحد الأدنى، وتأمين العودة الآمنة للسكان إلى مناطقهم([17]). لكن من جانب آخر، ووفقاً لمنظمة الدفاع المدني، لا يوجد علاقات تنسيق وتعاون مع الفصائل العسكرية في هذا الصدد، لأسباب خاصة بالمنظمة، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تشرذم الجهود، وعدم تكاملها في إطار سياسة موحدة لإزالة ما تبقى من هذه الذخائر.
باعتبارها أحد الفواعل الأساسيين لتوفير مقومات البيئة الآمنة، عملت الفصائل العسكرية التابعة للمعارضة السورية منذ تواجدها في منطقتي درع الفرات وعفرين، في عامي 2016 و2018 على التوالي، على إزالة مخلفات النزاع العسكري لتمهيد العودة الآمنة للنازحين، وتجنيب السكان المحليين أخطار هذه المخلفات. ومع بدء عملية هيكلة هذه الفصائل في جسم عسكري واحد "الجيش الوطني"، تم تخصيص العناصر ذوي الخبرة في هذا المجال، ضمن ما يعرف بـ"سرية الهندسة" المتخصصة بتفكيك الألغام الأرضية.
بعد تحرير منطقتي درع الفرات وعفرين عملت فرق الهندسة التابعة للجيش الوطني على تفكيك الألغام الأرضية التي خلفها تنظيم داعش وقوات قسد. ووفقاً لتقديرات الجيش الوطني، فإن العدد الإجمالي للألغام بعد انسحاب داعش يقدر بحوالي 60 ألف لغم، هناك حوالي 20 ألف لغم تمت إزالته من قبل سرية الهندسة، التي عملت بإمكانيات بسيطة، ومعدات بدائية، وأجهزة كشف معادن، في حين أن الأعداد الباقية والتي يقدر عددها بـ 40 ألفاً، تم إزالة نسبة كبيرة منها من قبل الفلاحين، والأفراد المدنيين، وجهات أخرى. ويعمل الجيش الوطني على التعاون مع المجالس المحلية والسكان المحليين، وبشكل خاص الفلاحين، لأنهم الأكثر عرضة لمواجهة الألغام، وذلك لكون مناطق الاشتباك كانت في أراضيهم الزراعية([18]).
في جانب التحديات التي تواجه الجيش الوطني في هذا الإطار، يمثل نقص التمويل لتأمين المعدات اللازمة لإزالة الذخائر غير المنفجرة، وانخفاض مستوى الكفاءات البشرية، وقلة خبرتها في هذا المجال، أحد أهم هذه التحديات، والتي كلفته العديد من الخسائر المادية والمعنوية، لذا تحاول إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني العمل على توعية المقاتلين، بشكل دوري ومستمر، بمخاطر المفخخات والألغام، سواء من خلال الندوات، أم التقارير التوعوية، أم المنشورات. والعمل بشكل متوازٍ على التدريب المستمر للعناصر في مجال إزالة الألغام([19]).
منذ بدء العمليات العسكرية للجيش التركي في منطقتي درع الفرات وعفرين، عملت وحدة تفكيك المتفجرات في الدرك التركي على تفجير عدد من الألغام وإزالتها، وعملت كذلك على تعليم قوات الشرطة المحلية على تفكيك المتفجرات، والتعامل مع الأجسام المشبوهة. ففي منطقة الراعي تم إزالة حوالي 10 آلاف و438 جسم متفجر، في عام 2017([20]). كذلك فإن هناك تعاون مستمر بين عناصر الجيش الوطني السوري والجيش التركي في إزالة الألغام، التي زرعتها قوات قسد، في إطار أنشطة تعزيز الأمن في منطقة عفرين. إضافة إلى ردم الخنادق، التي تم تلغيمها، وإزالة أكوام الأتربة التي تؤثر سلبًا على الحياة اليومية للمدنيين في المنطقة، وذلك بمساهمة من المجلس المحلي لعفرين، وولاية هاتاي التركية([21]).
في السياق ذاته، تنشط القوات المسلحة التركية بتطهير مناطق عدة، بينها الحدود التركية مع سورية، من الألغام، بواسطة فريق مهام خاصة يعرف باسم "صيادي الألغام". يتم العمل على تطهير حقول الألغام التي جرى تحديدها مسبقاً، والتي هي على طول الشريط الحدودي الذي يبلغ حوالي 150كم2، إضافة إلى الحقول التي يجري اكتشافها. ولتتماشى مع أهداف الأمم المتحدة في "عالم خال من الألغام لعام 2025"، تستمر تركيا في العمل على إزالة جميع الألغام المدفونة، وإزالة الألغام والذخيرة غير المنفجرة، وقد أحرزت تقدماً هاماً في هذا الصدد على حدودها مع سورية([22]). يضاف إلى ذلك تعاونها المستمر مع الجيش الوطني، لتدريب العديد من العناصر بموضوع إزالة الألغام([23]).
إبان تحرر منطقة درع الفرات برزت مبادرات محلية لإزالة الألغام، كان من أبرزها مبادرة المركز السوري للأعمال المتعلقة بالألغام ومخلفات الحرب (في أيد أمينة)، الذي تأسس في نهاية عام 2016، وضم أكثر من 50 متطوعاً، يملك بعضهم خبرة سابقة أثناء "الخدمة الإلزامية" في جيش النظام. وقد وضع القائمون عليه سياسات ومعايير وبرامج منظمة، بما يتوافق مع برامج الأمم المتحدة للألغام (UNMAS). وطرح المركز خمسة برامج للتعامل مع مخلفات الحرب في المناطق المحررة، وهي: الاستجابة السريعة، ومساعدة الأهالي، ونزع الألغام، والتوعية بمخاطر الألغام، ودعم ضحايا الألغام، إضافةً إلى تدمير المخزون. وكان للمركز جهود واضحة في عمليات إزالة الألغام، على الرغم من محدودية إمكانياته اللوجستية والمادية. وكان له تنسيق وتعاون واضح مع الهيئات المدنية، متضمنة المجالس المحلية، ولجنة إعادة الاستقرار، والشرطة الوطنية([24]).
إلى جانب ما سبق، فقد سُجِلَ وجود بعض المبادرات من المجتمع المحلي، ومنها قيام بعض الصناعيين في المنطقة بتصنيع جرار خاص للحراثة وإزالة الألغام بآن واحد، للمساهمة في تذليل الواقع الذي يعاني منه المزارعون([25]). إضافة إلى العديد من المبادرات الفردية التطوعية، من ذوي الخبرة بنزع الألغام، لتجنيب الأهالي الوقوع كضحايا محتملين لهذه الذخائر غير المنفجرة([26]).
خلف النزاع في سورية عشرات الآلاف من الألغام والعبوات الناسفة. وما يزال بعضها مدفوناً في أماكن مجهولة، إلى جانب بعض الذخائر غير المنفجرة، وانتشارها في مساحات واسعة من المناطق المأهولة بالسكّان، مما يشكل تهديداً للمدنيين. وما يفرضه هذا الأمر من أثر سلبي مباشر على استقرارهم الاجتماعي والاقتصادي.
على الرغم من عدم وجد آلية شاملة لجمع بيانات دقيقة عن ضحايا الألغام والذخائر غير المنفجرة، فقد أوردت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها السنوي لعام 2020 تقديرات للخسائر البشرية بين صفوف المدنيين السوريين التي تسبَّبت بها هذه الألغام، وذلك منذ مارس/آذار 2011 حتى ديسمبر/كانون الأول/ 2020، وأوردت حصيلة الضحايا بمن فيهم الأطفال والنساء، والكوادر الطبية والإعلامية، وكوادر الدفاع المدني، وتوزعهم بحسب المحافظات التي قتلوا فيها، كما استعرضت بعضاً من أبرز الحوادث التي وقعت إثر انفجار الألغام.
وسجَّل التقرير مقتل ما لا يقل عن 2601 مدنياً، من بينهم 598 طفلاً، و267 سيدة، قتلوا عبر المئات من حوادث انفجار الألغام في مختلف المحافظات السورية، منذ عام 2011، وكان من بينهم 8 من الكوادر الطبية، و6 من كوادر الدفاع المدني، و9 من الكوادر الإعلامية. وأشار التقرير أن 703 ضحية من العدد الإجمالي للضحايا كان في محافظة حلب([27]). وقد سجل عام 2018 وفقاً لبعض المصادر، العدد الأكبر من ضحايا الألغام في منطقة عفرين، إذ قتل 55 شخصاً، بينهم 39 طفلاً، فيما تجاوزت عدد الإصابات الكلية إلى 360 شخصاً، وفي عام 2019 كان عدد الأشخاص الكلي 125 شخصاً، أغلبهم في منطقة عفرين وتل رفعت، فيما سُجل العشرات من الضحايا، كذلك في مناطق الباب وجرابلس والبلدات والقرى التابعة لها([28]).
أما على الصعيد الاجتماعي والصحي، وكغيرها من المناطق الأخرى، فإن لهذه الذخائر آثار سلبية على الأفراد القاطنين في منطقتي درع الفرات وعفرين، بزيادة حالات الخوف والقلق لدى فئات كبيرة من المجتمع، إلى جانب انتشار بعض الأمراض النفسية، والاضطرابات السلوكية الناجمة عن ذلك، ومدى القدرة على التعايش والعودة إلى الحياة الطبيعية. وذلك نتيجة للإصابات التي خلفتها هذه الذخائر، والتي أدت في كثير من الأحيان إلى الموت او التشوهات الخلقية، التي وثقتها بعض التقارير الميدانية من هاتين المنطقتين([29]). فأخطار هذه الألغام تطال جميع الفئات السكانية، مع وجود تمايز بين هذه الفئات، من حيث تعرضها لهذه المخاطر، إما بسبب العمر، أو الدور الاجتماعي، أو نمط النشاط الذي تقوم به. أضف إلى ذلك قلة الدعم المقدم من قبل المنظمات المهتمة بمصابي الحرب، بسبب الكلفة المرتفعة الواجب تقديمها لهم لإعادة المصابين إلى حياتهم بشكل طبيعي. وغياب البرامج الخاصة بذلك على الأمد الطويل الأجل، وخاصة ما يرتبط منها بالعلاج الفيزيائي، والدعم النفسي، وتركيب الأطراف الصناعية، وغيرها من المستلزمات الأخرى، التي تعد جزءاً أساسياً في التراتبية العلاجية للمصابين، وخاصة لمن بترت أطرافهم([30])، والذين تقدر أعدادهم بالآلاف في مناطق شمال سورية، بين مدنيين وعسكريين، تتنوع إصاباتهم بين الخفيفة والمتوسطة، والإعاقات الدائمة، التي تحتاج لرعاية طبية على المدى الطويل. ويبين الشكل توزع أعداد الضحايا وفقاً للأعوام في عموم مناطق سورية.
إلى جانب ما سبق، ما تزال حملات التوعية الخاصة بمخاطر الألغام والذخائر غير المنفجرة دون المستوى المأمول، سواء من ناحية كيفية التحوط منها، أم من ناحية التعامل مع الإصابات الناجمة عنها، والتي تتسبب في كثير من الأحيان بعاهات جسدية ونفسية دائمة للمصابين، ما لم يتم التعامل معها بالأسلوب الطبي الصحيح. ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى النقص الكبير في عمل المنظمات الإنسانية، العاملة في جميع أنحاء المناطق السورية، والمهتمة بهذا الجانب من جوانب التعافي المبكر للمجتمعات المحلية، فقد فشلت العديد منها في رفع مستوى الوعي حول مخاطر الألغام ومخلفات الحرب، ناهيك عن كيفية التعامل معها([31]).
في الجانب الاقتصادي، بدا واضحاً التأثير السلبي للألغام على الحياة الاقتصادية في هاتين المنطقتين، إذا ما علمنا بأن أكثر الأشخاص المعرضين لخطر الوقوع ضحية لحوادث الألغام هم: المزارعون، ورعاة الماشية، والبناؤون، وجامعو الخردة المعدنية، وعمال البناء، والعاملون في المجال الإنساني، والأطفال في طريقهم إلى المدرسة، والمشردون داخلياً، والعائدون إلى منازلهم.
وقد تجلى هذا بشكل واضح في هاتين المنطقتين، اللتين تعتمدان على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل لنسبة جيدة من سكانها، لعدم قدرة المزارعين على استغلال قسم من أراضيهم، بعد أن أصبحت هذه الأراضي مسرحاً للعمليات العسكرية، وقيام الأطراف المتحاربة بزرع الألغام الأرضية كأداة حرب ضد بعضهم. الأمر الذي خلق تحدياً كبيراً للمزارعين، وللجهات القائمة على القطاع الزراعي، في كيفية تنظيف الأراضي الزراعية، والطرقات المستخدمة للنقل الزراعي من الذخائر غير المنفجرة، بما فيها الألغام الأرضية. ومدى قدرتها على تأمين المتطلبات اللوجستية والمادية اللازمة لنزع هذه الذخائر، نظراً لقلة الخبرات المحلية في هذا المجال والكلفة المادية المرتفعة التي تتطلبها عمليات الإزالة([32]).
إلى جانب ذلك، فقد سُجِلَ العديد من الإصابات في صفوف المزارعين، الذين حاول بعضهم إزالة هذه الألغام بشكل شخصي، إلى جانب الإصابات التي تعرض لها بعضهم وذويهم، نتيجة جهلهم بوجود هذه الألغام، وعدم اتخاذ إجراءات الوقاية اللازمة، بسبب قلة حملات التوعية في هذا الصدد. ففي منطقة درع الفرات لوحظ أن الجهات المعنية بإزالة مخلفات الحرب كانت جهودها مركزة على المباني السكنية والطرق العامة، وعدم منحها الأهمية المطلوبة للأراضي الزراعية، بسبب كثافة الألغام المزروعة فيها، مما كان له تداعيات سلبية على الحياة الاقتصادية للسكان المحليين، الذين تعتمد نسبة كبيرة منهم على الزراعة كمصدر للدخل، وكان جراء ذلك امتناع بعض المزارعين عن زراعة حقولهم خوفاً من التهديد المحتمل لهذه الألغام([33]). ولكن ذلك لا ينفي وجود بعض التجارب الناجحة في إزالة الألغام الأرضية من الأراضي الزراعية في بعض البلدات، كما في بلدة أخترين، والتي تم الإعلان أنها آمنة ونظيفة من الألغام بشكل كامل، بتاريخ 26-01-2017([34]). أما في منطقة عفرين، والتي يتركز الإنتاج الزراعي فيها على زيت الزيتون، فقد شهدت كذلك العديد من الإصابات بعد أن تم تلغيم الحقول الزراعية، على خطوط التماس بين قوات قسد والجيش الوطني، مما كان له أثر كبير على عدم تمكن المزارعين من الوصول إلى حقولهم، وجني محاصيلهم ضمن هذه المنطقة([35]).
إن المخاطر والآثار المرتبطة بالألغام والذخائر غير المنفجرة لا تنتهي بمجرد وجود جهات قائمة للعمل على إزالتها في هذه المناطق. بل إن الأمر يرتبط في جانب كبير منه بمدى وجود جهات قادرة على بث التوعية اللازمة بفاعلية، للحد من الأخطار المحتملة لهذه الذخائر، وقادرة أيضاً على تقديم المساعدة الطبية اللازمة للأفراد المصابين، ليتمكنوا من تجاوز آثار هذه الإصابات البدنية والنفسية.
في عام 2015، وفي ذروة انتشار الإصابات بالذخائر غير المنفجرة في منطقة درع الفرات، أدركت بعض المنظمات ضرورة العمل على نشر حملات التوعية للتنبيه على الأخطار المرتبطة بالألغام، كما قام بعضها أيضاً بتقديم الدعم للمصابين بها. ونظراً للخبرة التي يمتلكها بعض الفاعلين في إزالة الألغام الذين تم الإشارة لهم سابقاً، فقد كان لهم دور ملموس في نشر حملات التوعية بما أوتوا من إمكانات. فقد قامت منظمة الدفاع المدني بحملات توعية ممنهجة، لزيادة فاعلية إزالة الألغام في هاتين المنطقتين، وكان لهذه الحملات آثار إيجابية ملموسة، بتقليلها لعدد الإصابات بين المدنيين. وتم تسجيل استجابة جيدة من قبل المدنيين لهذه الحملات على أرض الواقع، الذين أدركوا المخاطر المرتبطة بهذا النوع من الذخائر غير المنفجرة. كذلك لعبت الفصائل العسكرية التابعة للجيش الوطني دوراً في الأنشطة المرتبطة بحملات التوعية، والندوات الثقافية، بالتعاون مع اتحاد جمعيات الفلاحين والمدارس. وكان لهذه الحملات أثر جيد في زيادة توعية المواطنين، خاصةً أنها تنفذ من قبل بعض العسكريين المختصين بالذخائر غير المنفجرة والألغام الأرضية. وهي ما تعتبر ميزة لهذه الحملات، مقارنة بحملات التوعية التي يقوم عليها بعض المدنيين، ذوي الخبرة القليلة في هذا المجال. إلا أن هذه الحملات لم تتلق الدعم اللازم، إذا ما قورنت بحملات التوعية المنفذة من قبل المنظمات الأخرى، وذلك لأسباب ترتبط بإحجام الداعمين عن التعامل مع فصائل الجيش الوطني، كجهة عسكرية داخل هذه المناطق([36]).
كذلك لوحظ نشاط واضح للمركز السوري للأعمال المتعلقة بالألغام ومخلفات الحرب (SMAC)، في منطقة درع الفرات منذ عام 2015، فيما يتعلق بالتوعية من أخطار الألغام، إذ استهدفت حملاتها: المدارس، ومخيمات النازحين، واللاجئين في دول الجوار، والتي هدفت للمساهمة في رفع الوعي حول الألغام ومخلفات الحرب، ومخاطرها وآليات الوقاية منها([37]). فقد قام المركز بتصميم كتيبات صغيرة لتنشر في إطار هذه الحملات. كذلك قام المركز بتنظيم عدد من الندوات والمحاضرات التوعوية([38]).
في السياق ذاته، شهدت منطقتي درع الفرات وعفرين وجود عدد من منظمات المجتمع المدني، الفاعلة في عمليات التوعية، تجاه أخطار الألغام، ومن بينها منظمة "بهار"، التي تنشط في منطقة عفرين منذ ثمان سنوات. إذ قامت بتنفيذ العديد من حملات التوعية للمدنيين، من مخلفات الحرب، عن طريق قيامها بجولات في القرى، والشوارع، والمنازل، مع توزيع منشورات عن آلية الإبلاغ في حال الاشتباه بوجود جسم غريب في المنطقة([39]). إلى جانب ذلك، يقوم فريق التوعية التابع للمنظمة بالمساهمة في عملية إزالة الألغام، من خلال تأشير المناطق الملوثة بالألغام وإغلاقها، والتنسيق مع فرق الهندسة التابعة للجيش الوطني، عبر إبلاغهم للقيام بمسح المنطقة وإزالتها لاحقاً([40]). كما كان لمؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية، العاملة في هاتين المنطقتين، مساهمة جيدة في هذا الصدد، من خلال برنامج الحماية التي تعمل عليه المؤسسة، والذي تقوم من خلاله بتدريب أعضاء الفرق الجوالة ضمن هذه المناطق، على نشر التوعية من مخلفات الحرب، باستخدام البروشورات والكتيبات التوضيحية في القرى والبلدات ومخيمات النزوح الداخلي.
كذلك لوحظ تواجد للمنظمة الإنسانية لمكافحة الألغام التركية (IMFAD) في منطقة درع الفرات، منذ يناير/كانون الثاني 2019، بمشروع توعوي يستهدف 6000 شخص، 95% منهم أطفال، تتراوح أعمارهم ما بين (6-17) سنة، إلى جانب 5% من البالغين، بما في ذلك قادة المجتمع، والإداريون، وموظفو المؤسسات والمنظمات غير الحكومية، من أجل زيادة الوعي بالمخاطر التي تسببها الألغام والذخائر غير المنفجرة، لمنع تعرضهم للأذى بسبب هذه المخاطر([41]).
في جانب الدعم الصحي المقدم لمصابي مخلفات الحرب، فإن الملاحظ غياب البرامج والمناهج المختصة لرعاية مصابي الحرب في هاتين المنطقتين، ويقتصر تقديم الدعم الطبي لهم على مراكز ومؤسسات طبية غير معنية بهم بشكل أساسي، بالإضافة إلى منظمات خصصت جزءاً من عملها للعلاج الفيزيائي ورعاية المتضررين، بشكل لا يتناسب والحاجة الفعلية لهذه الخدمات الطبية. إذ تعد مشكلة قلة مراكز العلاج الفيزيائي من أبرز المشكلات التي يعاني منها المصابون بمخلفات الحرب، الذين تتفاوت إصابتهم بين الخفيفة والمتوسطة، والإعاقات الدائمة التي تحتاج لرعاية طبية طويلة الأمد.
وفيما يرتبط بالدعم المقدم لهذه الشريحة من الأفراد، فقد كان لمركز الخطوات السعيدة في مخيّم باب السلامة على الحدود السورية التركية دور هام في مساعدة مبتوري الأطراف في الشمال السوري، كونه كان المركز الوحيد في منطقة أعزاز لتقديم الأطراف الصناعية المجانية للمصابين، وما يزال المركز يقدم خدماته، بما يتوفر لهم من الدعم والتدريب، لخدمة سكان المنطقة([42]). ونشط أيضاً مركز "في أيد أمينة" في تقديم الدعم، عن طريق رفع أسماء المصابين والمتضررين للمنظمات الدولية والحكومة التركية، وقد تمكن من إجراء بعض العمليات الجراحية للمتضررين في أعينهم.
كذلك كان للمجالس المحلية لمناطق درع الفرات إسهام في هذا الصدد، فقد قدم المجلس المحلي لبلدة جرابلس بالتعاون مع الحكومة التركية بالإعلان عن مشروع خيري وإنساني للمتضررين من مخلفات الحرب. تم التركيز من خلاله على تركيب الأعضاء المبتورة كالأرجل والأيدي، يضاف إلى ذلك قيامه بجمع أسماء المتضررين وتسجيلها، عبر مكتبه الإغاثي، لتقديم العلاج لهم في تركيا([43]). وبتاريخ 13-12-2019 افتتحت الرابطة الطبية للمغتربين السوريين "سيما" بالتعاون مع شركاء عدة، مركزاً للأطراف الصناعية في مدينة الباب([44])، لإحياء هذا الجانب الخدمي، ومساعدة فاقدي الأطراف، لإعادة تأهيلهم جسدياً ونفسياً، بشكل مجاني، وتلبية لحاجة السكان والنازحين لخدمات إعادة التأهيل، وتركيب الأطراف الصناعية، التي تخفف عن فاقدي الأطراف صعوبات التنقل لمراكز بعيدة لتلقي العلاج([45]).
مثلت الذخائر غير المنفجرة بما فيها الألغام الأرضية عبر الأعوام الماضية أحد العوامل التي حدّت نسبياً من أنشطة التعافي الاقتصادي المبكر، في مناطق درع الفرات وعفرين. وأفرزت كذلك العديد من التداعيات السلبية على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للسكان، سواء من تعرض منهم للإصابة بهذه المخلفات بشكل مباشر، أم حتى أولئك الذين شكلت هذه الذخائر تهديداً أمنياً على حياتهم وعلى سبل عيشهم.
إن المتتبع للجهود المبذولة لإزالة هذا النوع من الذخائر عبر الأعوام الماضية، يلحظ بشكل واضح غياب التنسيق بين الجهات الفاعلة في هذا الإطار. سواء من ناحية تكوين جهة واحدة، يعهد إليها استلام هذه المهمة، تكون قادرة على تصدير أرقام فعلية لما تم إزالته وما هو متبقٍ من الذخائر غير المنفجرة، أم من ناحية تنسيق جميع الجهود والإمكانات والخبرات المحلية واستثمارها بشكل فاعل، لتنظيف هاتين المنطقتين بشكل كامل، من هذه الذخائر، مع غياب الدعم الدولي اللازم في هذا الجانب لأسباب سياسية. وبالتالي لا بد من العمل على تشكيل لجنة عابرة للمجالس والمنظمات، لتنسيق الجهود وحوكمتها في هذا الإطار بما يسهم في معالجة هذا الملف بشكل فاعل.
أضف إلى ذلك أن حملات التوعية التي تتم في هذا الصدد لم تحقق تلك الفاعلية المطلوبة، لأسباب ترتبط بقلة عدد المنظمات المهتمة بهذا الجانب، واقتصارها على عدد محدود جداً. إلى جانب غياب التنسيق بين المنظمات، ووكالات الإعلام، والجهات العاملة، والمجالس المحلية، لتنظيم حملات إعلامية كبيرة، تستهدف جميع السكان المحليين، والقاطنين في مخيمات النزوح الداخلي، أو القادمين إلى هذه المناطق من خارجها. وبالتالي لا بد من العمل على تكاتف جهود كلّ الجهات المعنية بمختلف إمكاناتها وخبراتها، في ظل غياب الخرائط التي تحدد مواقع هذه الألغام، وهو ما يمثل تحدٍ بحد ذاته لهذه الجهات، وما يتطلبه من جهد ووقت طويل لإزالتها، ومدى القدرة على توفير الدعم الكافي لإنجاز هذه المهمة.
أما على الصعيد الاجتماعي، فإن توفير الدعم الطبي والنفسي والمادي للمتضررين من هذه الذخائر يعد متطلباً أساسياً للتعافي المبكر ضمن المجتمعات المحلية، وهو الشيء الذي ما تزال تفتقده نسبة كبيرة منهم. لتكون هذه الشريحة من الأفراد قادرة على تجاوز آثار هذه الإصابات، التي لا يستطيع الغالبية منهم تغطية تكاليفها المرتفعة. وبالتالي لا بد من تضافر جميع الجهود لاستجرار الدعم الدولي اللازم لتنفيذ برامج رعاية طبية طويلة الأمد، وتوفير جميع مستلزماتها. بما يمّكِن المتضررين من ممارسة حياتهم الطبيعية، والتعافي من هذه الآثار.
([1]) الشبكة السورية لحقوق الإنسان، 10-12-2020: https://bit.ly/2SF2Ek9
([2]) محمد طارق، الأمم المتحدة: الألغام ومخلفات الحرب تهدد حياة 10 ملايين سوري: متحدث أممي دعا أطراف النزاع في سورية للسماح بإزالة مخلفات الحرب من المتفجرات، وكالة الأناضول للأنباء، 22-07-2019: https://rb.gy/qrnnqt
([4]) المسطرة والليزري والحجر.. "فن الألغام" لدى "تنظيم الدولة"، جريدة عنب بلدي، 09-03-2017: https://bit.ly/3dTd5YZ
([5]) أين يزرع "داعش" ألغامه، جريدة عنب بلدي، 09-03-2017: https://bit.ly/2QreVYv
([6]) لا توجد أرقام موثقة لحصيلة القتلى بسبب هذه الألغام، إلا أنها تقدر بالعشرات، إضافة إلى وجود الكثير من حالات الإعاقة التي تسببت بها لسكان هذه المنطقة، وفقاً لبعض التقارير الميدانية من هذه المناطق خلال الأعوام الماضية.
([7]) الجيشان التركي و"السوري الحر" يواصلان إزالة الألغام في عفرين، موقع شام، 09-05-2018: https://rb.gy/mjxmzp
([9]) مداخلة مجدولة لـلسيد هشام اسكيف من إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الوطني، تم إجراؤها في جلسة مناقشة نتائج الورقة البحثية في مدينة غازي عنتاب بتاريخ: 09-12-2020.
([10]) سورية/تركيا – ألغام أرضية تودي بحياة المدنيين الفارين من كوباني، هيومن رايتس ووتش، -04-12-2020: https://rb.gy/noqqzm
([11]) Thousands of landmines planted along Turkish-Syrian border, Middle East Monitor, 10-01-2014: https://rb.gy/rsdov5
([12]) انضمت تركيا إلى اتفاقية حظر الألغام في 2003، وهي ملزمة كدولة طرف، بضرب نطاق حول جميع المناطق الملغومة، ورصدها، وتسويرها في أقرب موعد ممكن، "لضمان استبعاد المدنيين على نحو فعال. كما أنها كانت ملزمة بموعد نهائي مبدئي في مارس/آذار 2014، لرفع جميع الألغام، إلا أنها حصلت على تمديد حتى مارس/آذار 2022. وصرحت وزارة الدفاع التركية أنها أوقفت في عام 1998 زرع الألغام الأرضية، وبدأت أنشطتها في العام نفسه لإزالة الألغام الأرضية، التي تم زرعها على حدودها مع سورية.
([13]) من مقابلة تم إجراؤها مع منسق ملف الذخائر المنفجرة لدى منظمة الدفاع المدني محمد سامي المحمد، بتاريخ: 18-09-2020.
([14]) قامت المنظمة بتدريب 6 فرق، مكونة من 72 عنصر مؤهل، للتعامل مع الذخائر غير المنفجرة، موزعةً بين ريف حماة وإدلب ومنطقة درع الفرات وعفرين منذ 2016 حتى الوقت الحاضر.
([15]) من مقابلة تم إجراؤها مع منسق ملف الذخائر المنفجرة في الدفاع المدني السوري، مرجع سابق.
16 لغم أرضي يودي بحياة 3 من متطوعي "الخوذ البيضاء"، زمان الوصل، 14 كانون الأول 2019: https://www.zamanalwsl.net/news/article/118887/
([17]) من مقابلة تم إجراؤها مع منسق ملف الذخائر المنفجرة في الدفاع المدني السوري، مرجع سابق.
([19]) من مقابلة تم إجراؤها عبر الهاتف مع أحد عناصر الجيش الوطني السوري، بتاريخ: 25-09-2020.
([20]) الدرك التركي يدمر 10 آلاف جسم متفجر في بلدة "جوبان باي" السورية، موقع Yeni Şafak، 26 ديسمبر2017: https://bit.ly/3aH2C15
([21]) عمر قوباران، الجيشان "التركي" و"السوري الحر" يواصلان إزالة الألغام في "عفرين"، وكالة الأناضول للأنباء، 09.-05-2018: https://bit.ly/3edJzxA
([22]) كرم قوجه لر، عزت ماضي، "عين الأناضول" ترصد أنشطة "صيادي الألغام" على الحدود السورية، وكالة الأناضول، 22.06.2020 : https://bit.ly/37o1y0R
([23]) من مقابلة تم إجراؤها عبر الهاتف مع أحد عناصر الجيش الوطني، مرجع سابق.
([24]) حسن مطلق، مركز ناشئ يزيل الألغام ومخلفات الحرب شمال سورية، جريدة عنب بلدي، 12-03-2017: https://cutt.ly/2biuF0u
([25])مزارعو ريف حلب يحجمون عن الموسم.. الألغام لا ترحم، جريدة عنب بلدي، 2017-10-29 : https://rb.gy/v0ncj3 ,
([27]) سورية من أسوأ دول العالم في كمية الألغام المزروعة منذ عام 2011 على الرغم من حظر القانون الدولي استخدامها، تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، 10-12-2020: https://bit.ly/3nmW6AV
([28]) الألغام غير المنفجرة ما تزال تدمّر حياة الأطفال في شمال وشرق سورية، موقع مركز توثيق الانتهاكات في شمال سورية، 10-04-2019: https://bit.ly/2RmEREo
([29]) عمر قوباران، إصابة طفلين شمالي سورية إثر انفجار لغم من مخلفات "داعش، الانفجار وقع في مدينة الباب بحسب مصادر محلية، وكالة الأناضول للأنباء، 29-06-2020: https://bit.ly/3aGseei
([30]) نور عبد النور وآخرون، مصابو الحرب في سورية .... ضحايا على قيد الحياة، جريدة عنب بلدي، 12-08-2018: https://bit.ly/3eDwcp8
([31]) ""monitorينشر تقريراً عن ضحايا الألغام في سورية، موقع السوري اليوم، 12-04-2021: https://bit.ly/3e7Vr46
([32]) تتراوح كلفة إنتاج لغم مضاد للأفراد بين (3 -30) $، بينما كلفة تعطيله او نزعه بين (300 -1000) $، وهذا بدوره يستنزف الاقتصاد المحلي، ما لم يتم الاتفاق على خطة دولية للعمل عليه.
([33]) مزارعو ريف حلب يحجمون عن الموسم.. الألغام لا ترحم، مرجع سابق.
([34]) ريف حلب.. إزالة 400 لغم من مخلفات التنظيم في "أخترين"، جريدة زمان الوصل، 30-01-2017: https://cutt.ly/cbuKC11
([35]) حسين الخطيب وحفصة جودة، موسم الزيتون في سورية.. تراث قديم ومصدر رزق ولكن، موقع نون بوست، 08-11-2018: https://rb.gy/3kgeha
([36]) في مقابلة تم إجراؤها عبر الهاتف مع أحد العناصر في الجيش الوطني، مرجع سابق.
([37]) للاطلاع أكثر يمكنك زيارة موقع المنظمة على شبكة الانترنت، http://www.syrmac.org/
([38]) “المركز السوري للألغام” يبدأ حملة لتوعية أطفال مدارس حلب، جريدة عنب بلدي، 09-05-2017: https://bit.ly/2RgdVpZ
([39]) للاطلاع أكثر يمكنك زيارة موقع المنظمة على شبكة الانترنت: https://bahar.ngo/home
([40]) من مقابلة تم إجراؤها عبر الهاتف مع مدير المكتب الإعلامي في منظمة بهار أمير خربوطلي بتاريخ: 20-09-2020.
([41]) للاطلاع أكثر يمكنك زيارة موقع المنظمة على شبكة الانترنت، https://www.imfad.org/
([42]) لبنى سالم، أطراف صناعية محلية... سوريون يأملون بأيدٍ وأرجل بديلة، موقع العربي الجديد، 21-03-2017: https://bit.ly/3gVXQ3G
([43]) مشروع لتركيب أعضاء لمبتوري الأطراف شمالي حلب، جريدة عنب بلدي، 25-09-2017: https://enabbaladi.net/archives/174867
([44]) يعد هذا المركز أحد فروع المشروع الوطني السوري للأطراف الصناعية، المنشأ في عام 2013، في مدينة الريحانية جنوب تركيا، وذلك بدعم من الرابطة الطبية للمغتربين السوريين سيما ومجموعة من الشركاء.
([45]) "سيما " تفتتح مركزاً للأطراف الصناعية في ريف حلب الشمالي، موقع سيما العالمية، 14-12-2019: https://bit.ly/339yAyS