على الرغم من وضوح تمسك جل فواعل المنطقة بقواعد الاشتباك السائدة على مدار العقدين الماضيين، إلا أن توسيع هوامش تلك القواعد أفرز اضطراباً في شكل التفاعلات الأمنية قد ساهم في تعثر ديناميات إدارة الأزمات المتبعة عموماً، وفي هذا السياق يعد اغتيال حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني وما سبقه من ضرب الهيكلية وإحداث خلل في منظومة الاتصال والتواصل؛ حلقة مهمة في تقويض قدرة الحزب التي توسعت وتضخمت أدواره الإقليمية والمحلية من جهة، وفي إعادة تشكيل المعادلة الأمنية في النظام الإقليمي الذي سيختبر قدرة ما يسمى محور "المقاومة" لا سيما في ظل مؤشرات التصعيد المتزايدة من جهة أخرى.
منذ عام 2010 والهاجس الأمني هو السؤال الأكثر إلحاحاً لدى النظام الإقليمي والأزمات التي يشهدها من تونس إلى مصر مروراً بالسودان وليبا واليمن وسورية والعراق وليس انتهاءاً بفلسطين، نظامٌ أَلِفَ قواعد اشتباكٍ وتعاطٍ "منضبطة"، [1]وهو ما أدى لانشغال دول المنطقة في انتاج سياسات تعاطي مع مفرزات الربيع العربي (تهديدات لأنظمة حكم، بروز تيارات تطمح للتغيير، تحديات جمة للعقد الاجتماعي...إلخ) وتنوعت تلك السياسات ما بين "المواجهة" أو "صد الآثار" أو "إدارة الأزمة"، حاولت بمجموعها عودة عقارب الساعة وإيقافها في ذاك الزمن، عبر السياسات الآتية:
لم تقف "إسرائيل" متفرجة، وهي من توظف مؤسساتها ومجتمعها وعلاقاتها الدولية لصالح "أمن كيانها"، وهي التي تدري أن حسابات المصلحة الإقليمية والدولية كانت وستبقى تنطلق منها وإليها، إلا أن ذلك لم يمنعها من الحركة والتفاعل في الإقليم عبر ثلاث استراتيجيات:
وفي لحظة "أمانٍ إسرائيلية" ومسارات "تطبيع متنامية" و"لا مبالاة أمريكية بشرقٍ ملتهب" أتت عملية طوفان الأقصى العابرة للعمليات التقليدية، لتؤكد عجز الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية، وعودة طهران كطرفٍ رئيسي في طاولة التفاوض الإقليمية. الأمر الذي استوجب تغييراً في عقلية إدارة الحرب داخل إسرائيل التي استبعدت متغير الكلفة من الحسابات الأمنية الدقيقة، وهو ما تطلب نقل مستويات الصراع إلى مستويات عابرة للصراع التقليدي وتمتلك كل مؤشرات الانزلاق لمعارك خارج الحدود، فالهدف هو إنهاء صلاحية كل أوراق الضغط عليها. وتجلى تطبيقها العملي في تغيير الواقع العسكري والديمُغرافي في غزة وإخراجها سياسياً وعسكرياً وإدارياً من معادلات التأثير، وضرب الهيكل القيادي لـ"حزب الله" وتدمير شبكة الاتصالات والتواصل، وتدمير شبكات النقل والتخزين، وإعادة حوالي 60 ألف نازح إلى شمال إسرائيل وإقامة منطقة آمنة خالية من "حزب الله" وصواريخه. وبهذا تتعزز كل المؤشرات الدالة على دخول المنطقة مرحلة إعادة تشكل جديدة.
لعل التحليل الكمي للعملية الأمنية الإسرائيلية في جنوب لبنان والضاحية يُفيد بتلقي الحزب ضربة ثلاثية الأبعاد أعادته مبدئياً عقوداً إلى الخلف، كضرب البنية ضرباً متعدد الاتجاهات هزّ شبكاته وهيكليته الأمنية والاستخباراتية وأفقده عنصري المبادأة والتخطيط العسكريين. إلا أن التحليل النوعي والمراعي لهواجس إعادة التشكل للمعادلة الأمنية الناظمة؛ يَجعل النظر إلى هذه العملية باعتبارها "إعادة تعريف" وتغيير في سلم الأولويات للفواعل المناوئة لإسرائيل، وبالتالي تحجيم دور إيران وتجفيف منابع التهديد التي تستخدمها وذلك من خلال استراتيجية تأمين المحيط الحيوي وتفكيك ترابط الجبهات والفواعل التي تتحالف مع طهران بالمنطقة عبر:
بالمقابل تتراوح خيارات إيران بين الصعب والأصعب، فإما التصعيد ويعني المزيد من استخدام أدوات المواجهة وهي إما مباشرة لمرة واحدة عبر رد عسكري يحمل صيغة "الجهوزية لأي خيار" أو استخدام الجغرافية السورية من خلال فتح جبهات الجولان أمام الميليشيات الإيرانية وتعزيز الإسناد، أو كلاهما، وفي هذا مغامرة إيرانية فهي تسير باتجاه تقويض أوراق قوتها كلياً، وبالتالي ستقع بالمزيد من المطبات والأخطاء الاستراتيجية، فالمراهنة المطلقة على عدم عودة الولايات المتحدة الأمريكية للمنطقة وإيمانها بدور طهران الشرطي يبدو أنه رهان محفوف بالعديد من المتغيرات القلقة، ناهيك عن غياب النجاعة والقدرة لدى أدوات طهران الإقليمية. عموماً سيلقى خيار التصعيد ممانعة ومعارضة روسية فهذا أمر يهدد مكاسبها المتحصلة في سورية وينذر بالعودة إلى الميدان العسكري. لكن إن حصل فسيدخل الإقليم دوامة متعددة المتغيرات والتحولات.
أو الاحتواء والتماهي مع متطلبات إسرائيل وقد يستلزم هذا قبول المبادرة الدبلوماسية الأمريكية الفرنسية وتوجيه حزب الله لسحب وجوده العسكري إلى شمال نهر الليطاني. كما يعني هذا فصل جبهتي الحرب في لبنان وغزة وإنهاء معركة الاسناد. كل هذا من شأنه أن يوفر للحرس الثوري الإيراني الوقت والمساحة لإعادة بناء ترسانة حزب الله وإعادة هيكلة قيادته العسكرية، وهذا ما لن يُسمح به دولياً خاصة في ظل رفض الحزب نفسه الانخراط الإيجابي باللعبة السياسية اللبنانية وتحت "سيادة" الدولة.
إذاً تواجه طهران مأزقاً بالغ الأهمية فهي تتعرض لتهديد أركان استراتيجيها الإقليمية القائمة على حصر الملعب الاستراتيجي خارج مركزها وعبر أدوات محلياتية.
تعزز تلك السياسات مقاربة "التحكم بوظائف المحور" من جهة، وإغراق المنطقة بموجبات "التعافي والصيانة الذاتية" وما يرافقها من أزمات إنسانية من جهة ثانية، وبالتالي إجبار كافة عناصر هذا المحور على الالتفات لاستحقاقاتها المحلية.
فيما يرتبط بالتداعيات الأولية تتبلور عسكرياً في "خسارة السند" والحليف، إذ يمثّل استنزاف حزب الله بهذا الشكل إضعاف القوات البرية التي كان حزب الله رأس حربتها وأفضلها تدريباً وتخطيطاً وانضباطاً، ناهيك عن الخلل في عنصري القيادة والتخطيط، باعتبار أن الحزب هو المخطط العملياتي للعديد من القضايا العسكرية في سورية، وهذا سينعكس بدرجة ما على أداء قوات النظام وقدرته الدفاعية؛ إلا أنه وبحكم منطق وقف إطلاق النار غير المعلن في سورية سيجعل من التداعيات العسكرية رهينة التطورات الدافعة باتجاه الانزلاق إلى الميدان العسكري من جديد، وهذا ما لا تتوفر مؤشراته إلا في حال توسعت العملية الإسرائيلية لتشمل سورية أو في حال نجاح إيران باستخدام ورقتها الأخيرة والتي تتمثل بنظام الأسد.
أما سياسياً سيتراجع كثيراً الاهتمام الدولي والإقليمي في الملف السوري، وفي كل الأحوال يبدو أن مسار أستانة سيبقى مستيداً للتفاعلات الأمنية في سورية وسيتعزز أكثر مع سياسات مواجهة إيران وهو ما من شأنه الدفع باتجاه انجاز تفاهم أضنة المعدل من جهة، وتعزيز قواعد العمل المشترك بين النظام وتركيا (الأمنية والاقتصادية والسياسية) من جهة أخرى. وستجهد موسكو إلى ضبط إيران ضمن هذا المسار وعدم جعله منصة لتحسين شروطها الإقليمية في إطار النزاع مع إسرائيل.
كما تدلل المعطيات المتشكلة على احتمالية بروز الدور العربي مجدداً، وبالتالي عودة فعاليتها في الملف اللبناني والسوري، وهنا سيعزز النظام مؤشرات التماهي مع خطة التقارب التي يطرحها العرب وبالتالي سيبدي استجابة واضحة لا سيما فيما يتعلق بملف المخدرات، وبهذا يراهن النظام مرة أخرى على تقبله كفاعل "منضبط".
أيضاً؛ توحي عملية إعادة التشكل التي ستشهدها معادلات الأمن والاستقرار في الإقليم بتعزز مقاربة "إعلاء منطق سيادة الدولة" وعدم نجاعة التعاطي مع فواعل ما دون الدولة، فضرورة سيادتها (وفق منهجية الفواعل الإقليمية والدولية) حتى وإن كانت ضعيفة وفاشلة تبقى أقل الأخطار في ظل تعدد الفواعل وتباين المصالح المعقدة، وهذا يعلي من ضرورة إنجاز توافقات إقليمية حيال أزمات المنطقة لضمان عودة الاستقرار وإنهاء مرحلة السيولة الأمنية.
وبهذا الصدد، ينبغي على كافة القوى السورية الوطنية التركيز الاستراتيجي على الاهتمام بالمشروع والخطاب الوطني والعمل على انجاز تفاهمات مع كافة القوى حول المنظور السوري "للدولة" وأولوياتها وأدوارها المحلية والإقليمية، وإنجاز (وتصدير) رؤى وطنية حيال شكل الحكم في سورية بما يجعله ينسجم مع متطلبات التنمية والمشاركة ويتوافق مع الغاية الإقليمية في بناء الاستقرار وصيانته.
([1] ) يقصد بالمعادلة الأمنية الإقليمية: الصيغة المعبرة عن توازن القوى في الإقليم وما تستلزمه من تحالفات وتوافقات في إدارة الأزمات، وتتشكل عناصرها من فواعل مؤثرة + سياسات أمنية + قواعد تعاطٍ، وهي بطبيعة الحال تبقى انعكاساً لشكل النظام الدولي.
كما يعتمد المقال التحليل الأمني باعتباره مدخلاً مهماً في فهم تفاعلات الدول من جهة، ومقارباتها حيال أزمات المنطقة من جهة ثانية، ويرتكز هذا التحليل على النظرية الواقعية التي ترى أن المخاطر العسكرية لا سيما الخارجية هي أبرز تهديد لأمن الدول، وترصد مؤشري التهديد واستخدام القوى والسيطرة عليها باعتبارها من ابرز مؤشرات فهم التفاعلات الأمنية التي تتم في بيئة فوضوية فيها صراعات مركبة تجعل من فكرة الحرب احتمالية قائمة.
مُلخّصٌ تنفيذيّ
مدخل
تشهد مناطق الشمال السوريّ خرقاً أمنياً واضحاً، تتجلى أبرز جوانبه في وتيرة عمليات الاغتيال المستمرة ومعدلاتها المرتفعة، والتي تعد مؤشراً هاماً على تدهور حالة الاستقرار الأمني وتدني القدرة على ضبطها من قبل القوى المسيطرة، خاصة مع ازدياد محاولات الاغتيال ضمن تلك المناطق وتعدد دوافعها ومُنفذيها واختلاف أساليبها، وسط تجدد قصف النظام وحلفائه لبعض تلك المناطق، ما يزيد من تعقيد الوضع الأمني والقدرة على ضبطه.
وتتصف عمليات الاغتيال بالسريّة عادة، لناحية الجهة المنُفِّذة، إلا أن هناك نسبة كبيرة من تلك العمليات ضمن مناطق سيطرة الفصائل المعارضة تتبناها جهات محددة بشكل علني كـ "قوات تحرير عفرين([1])" و"تنظيم الدولة"، في اختراق أمني واضح وصريح لتلك المناطق. وبالرغم من اختلاف وتيرة ومُعدّل عمليات الاغتيال من منطقة إلى أخرى ضمن الشمال السوري؛ إلا أنها تتقاطع في الإشارة إلى التراجع العام لمؤشرات الاستقرار الأمني.
وفي متابعة لملف الاغتيالات ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة في الشمال السوري؛ صَمّمَتْ وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات، نموذجاً خاصاً لرصد تلك العمليات وتحليل البيانات المتعلقة بها، كمؤشرات للاستقرار الأمني([2]). ضمن تقرير دوريّ يرصد وتيرة عمليات الاغتيال، موضّحاً نتائجها، وما أسفرت عنه، مقابل الجهات المُنفِّذة - إن عُلِمت - وكذلك الجهات المُستَهدَفة. كما يسعى التقرير إلى تحليل تلك البيانات ومقاطعتها بين مختلف المناطق، في محاولة لرسم الملامح العامة للوضع الأمنيّ وقياس أوليّ لمؤشرات الاستقرار.
وعليه، يرصد هذا التقرير عمليات الاغتيال ضمن مناطق عدة في الشمال السوري، منها: ريف حلب الشمالي، الذي شكّل نطاق العمليات العسكرية: "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، مقابل مدينتي تل أبيض ورأس العين "نبع السلام" في الشمال الشرقي، إضافة إلى ما تبقى من محافظة إدلب وريف حلب شمال غربي سورية. وذلك خلال الفترة الممتدة ما بين (تموز/يوليو وكانون الأول/ديسمبر 2022)، إذ بلغ عددها 68 عملية اغتيال، خلّفت 215 ضحية. وتوضّح البيانات انخفاضاً طفيفاً في معدل الاغتيالات، مقارنة بالتقرير السابق، الذي أصدره مركز عمران: (الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى حزيران 2022)، والتي بلغت 70 عملية، خلّفت 263 ضحية([3]).
وقد توزعت عمليات الاغتيال الـ 68 المرصودة ضمن التقرير الحالي، بحسب الأشهر، على الشكل التالي: 12 عملية اغتيال خلال شهر تموز/يوليو، في حين بلغت خلال آب/أغسطس 11 عملية، فيما سُجِّلت 13 عملية خلال أيلول/سبتمبر، وشهد تشرين الأول/أكتوبر 12 عملية، لتنخفض في تشرين الثاني/نوفمبر إلى 6 عمليات، بينما بلغت في كانون الأول/ ديسمبر 14 عملية. ويسعى التقرير بعد رصد تلك العمليات، إلى دراستها وتحليلها واستعراضها بحسب مناطق السيطرة، والجهات المُستَهدَفة والمُنفِّذة، وطبيعة أداة التنفيذ، ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها، مقابل أثرها على مستوى الأمن والاستقرار في المنطقة.
أولاً: "درع الفرات" (ارتفاع ملحوظ)
تُظهر عملية الرصد الخاص بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي/"درع الفرات"، بلوغ معدل عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 29 عملية (الشكل 1). نُفِّذَت 12 منها عبر الطلق الناري، وأسفرت عن سقوط 34 ضحية، إذ حققت 11 عملية من 12 غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، فيما فشلت عملية واحدة في تحقيق هدفها. أما بالنسبة للجهة التي تقف وراء تنفيذ تلك العمليات، فتشير البيانات إلى تنفيذ "قوات تحرير عفرين" لـ 5 عمليات([4]). كما نُفِّذت عملية وحيدة من قبل عناصر "فرقة الحمزة" في المنطقة([5])، بينما نُفِّذَت عمليتان عن طريق أشخاص مدنيين([6])، في حين بقيت 4 عمليات مجهولة المُنفِّذ. وقد كانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك الاغتيالات بواقع 4 عمليات، فيما استُهدِفت عناصر الجيش التركي في محاولة وحيدة، مقابل 7 عمليات استهدفت جهات مدنية، من ناشطين وأطباء وكوادر مدنية.
بالمقابل، نُفِّذَت 13 من 29 عملية عبر العبوات الناسفة، مخلّفةً بمجموعها 48 ضحية (13 قتيلاً، 35 جريحاً)، منهم 30 مدنياً، مقابل 18 من عناصر "الجيش الوطني" (الشكل 2). واستهَدَفَت أغلب تلك العبوات شخصيات أو مجموعات عسكرية وسط تجمعات المدنيين، إضافة إلى استهداف تجمعات مدنية خالصة. وقد تبنّت "قوات تحرير عفرين" تنفيذ 4 عمليات([7])، لتبقى 9 عمليات من مجمل عمليات العبوات الناسفة والمفخخات مجهولة المُنفِّذ. كما نُفِّذَت 3 عمليات من 29، عبر اللغم الأرضي، خلَّفَت 12 ضحية (3 قتلى، 9 جرحى)، جميعهم من المدنيين. فيما نَفَّذَت القوات الأمريكية عملية وحيدة عن طريق الطائرة المُسيّرة، نجا منها أحد قادة "تنظيم الدولة"([8]).
ويتضّح من خلال أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي، ارتفاعاً في مُعدّل عمليات الاغتيال مقارنة بالتقرير السابق، الذي أصدره مركز عمران وغطى الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى تموز 2022، إذ سجّل التقرير السابق 23 عملية اغتيال في تلك الفترة، في حين رصد التقرير الحالي 29 عملية.
بالمقابل، تُبيّن الأرقام ارتفاعاً في معدل عدد الضحايا، مقارنة بالتقرير السابق، الذي سجّل 87 ضحية، بينما بلغ مجموع عدد الضحايا خلال فترة الرصد الحالية 95 ضحية. ويُعزى ذلك إلى ارتفاع معدل العمليات من جهة، مقابل اختلاف أهدافها وأدوات التنفيذ المستخدمة فيها من جهة أخرى، إذ اعتمدت بنسبة 50% على العبوات الناسفة، التي استهدف أغلبها شخصيات عسكرية/مدنية بعينها وسط تجمعات مدنيين، إضافة لاستهداف تجمعات مدنية خالصة. ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا، شكّلَت نسبة المدنيين منهم 59%، مقابل 34% من عناصر "الجيش الوطني"، و6% من عناصر الجيش التركي، بينما شكّل عناصر "تنظيم الدولة" 1% (الشكل 3)
أما بالنسبة للجهات المُنفِّذَة، فيُلحَظ من بيانات الرصد، تبني "قوات تحرير عفرين" لـ 31% من العمليات، مقابل إعلان مسؤولية القوات الأمريكية عن 4%، وعناصر فرقة "الحمزة" التابعة لـ"الجيش الوطني" عن 4% من العمليات المرصودة، إضافة إلى تنفيذ جهات مدنية لـ 6% من مجموع العمليات، في حين بقيت 55% من عمليات الاغتيال مجهولة المُنفِّذ، الأمر الذي يشير إلى استمرار تردي الواقع الأمني، وضعف قدرة الجهات المسيطرة على تتبع تلك العمليات والكشف عن منفذيها والحد منها.
ووفقاً للبيانات الخاصة برصد المنطقة؛ فإن الواقع ما يزال يشير إلى اتساع الخرق الأمني، مقابل عدم تقدم القوى المُسيطرة في ضبطه وتضييق حجم هذا الخرق، خاصة في ظل اتهامات لأطراف وجهات عدة بالسعي إلى زعزعة الأمن والاستقرار، وتقاطع مصالحها في ذلك؛ كحزب الاتحاد الديمقراطي"PYD" وخلاياه النشطة في المنطقة، الذين يعدون المنطقة امتداداً للنفوذ التركي، وجميعُ من فيها "أهدافٌ مشروعة"، دون التمييز بين مدنيين وعسكريين، إضافة إلى النظام الذي يسعى إلى زعزعة أمن المنطقة وإفشال أي نموذج أمني/حوكمي فيها.
ثانياً: عفرين (تبنٍ صريح)
من خلال رصد وتحليل البيانات لعمليات الاغتيال الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها من المناطق، يتضح أنها شهدت بالعموم: 13 عملية اغتيال خلال 6 أشهر من الرصد، أسفرت عن 54 ضحية بين قتيل وجريح. وقد نُفِّذَت 7 من مجموع العمليات الـ 13عبر الطلق الناري، حققت 5 منها غايتها في تصفية الجهة المُستَهدَفة، بينما فشلت محاولتان.
وكان 8 من عناصر "الجيش الوطني" هدفاً للعمليات الـ 5، والتي تبنّت تنفيذ 4 منها "قوات تحرير عفرين"(([9]، بينما تبنّت "هيئة تحرير الشام" محاولة وحيدة([10])، كما تبنّت " قوات تحرير عفرين" استهداف عناصر الجيش التركي في عملية وحيدة خلفت 11 جريحاً([11]).
بالمقابل، وبحسب البيانات المرصودة، نُفِّذت 5 عمليات من مجمل العمليات الـ 13 عبر العبوات الناسفة (الشكل 4)، والتي استَهدَفَت عناصر ومجموعات لـ "الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، في حين استَهدَفَت عبوات أخرى عناصر للجيش التركي المتواجد في المنطقة، وتجمعات مدنية خالصة. ما أدى إلى وقوع 28 ضحية (17 قتيلاً و11 جريحاً) (الشكل 5). موزعين بين: 11مدنياً، و13من عناصر "الجيش الوطني"، مقابل 4 من عناصر الجيش التركي. وقد تبنّت "قوات تحرير عفرين" جميع عمليات العبوات الناسفة([12]).
بالمقابل، استَخدَمَت القوات الأمريكية الطائرة المُسيّرة في تنفيذ عملية اغتيال ضمن عفرين، استهدفت خلالها قيادياً في "تنظيم الدولة الإسلامية"، ما أسفر عن مقتل المُستَهدَف ومرافقه([13]).
تُبيّن أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها، أن معدل عمليات الاغتيال لم يتغير مقارنة بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران، وغطى الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى حزيران 2022. إذ سجّل التقرير السابق 13 عملية اغتيال في تلك الفترة، كما رصد التقرير الحالي تنفيذ 13 عملية. إلا أن هذا التساوي في معدل عمليات الاغتيال لا يعني تطابقاً في نسب الضحايا، فقد بلغت خلال أشهر الرصد الحالي 54 ضحية، في حين سجّل التقرير السابق 40 ضحية. وقد يُردّ ذلك إلى اختلاف الأهداف وأدوات التنفيذ في أغلب العمليات الحالية، فقد اعتمدت بنسبة 54% منها على الطلق الناري، في حين نُفِّذ 8% عبر الطائرة المُسيّرة، بينما اعتمد 38% منها على العبوات الناسفة، التي استهدفت شخصيات عسكرية بعينها، وأخرى استهدفت مجموعات عسكرية وسط تجمعات مدنيين، مقابل عمليات استهدفت تجمعات مدنية. وقد شكّلت نسبة المدنيين من الضحايا 20%، مقابل 48% من عناصر "الجيش الوطني"، و28% من عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة، و4% من عناصر المجموعات "الجهادية" (الشكل 6).
وبحسب البيانات، تبنّت القوات الأمريكية لـ 8% من مجموع العمليات المرصودة، في حين تبنّت "هيئة تحرير الشام" 8% من مجموع العمليات، فيما يُلحَظ من خلال البيانات نشاط واضح ومتصاعد لـ "قوات تحرير عفرين"، التي تبنّت تنفيذ 84% من مجمل عمليات الاغتيال في المنطقة، بشكل يشير إلى تركُّز عملياتها ونشاطها الأمني في عفرين ومناطق "درع الفرات". وقد استهدفت تلك العمليات في أغلبها عناصر "الجيش الوطني"، الذين تحولوا إلى أهداف متحركة داخل مدينة عفرين، سواء على المستوى الفردي عبر تصفية أفراد بعينهم، أم على مستوى جماعي عبر استهداف مجموعاتهم العسكرية. وغالباً ما يتم هذا الاستهداف وسط تجمعات مدنية، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين. وتنسجم طبيعة تلك العمليات مع الرؤية المعلنة لقوات "تحرير عفرين"، والتي تعد المنطقة "امتداداً للنفوذ التركي" وتضع المقاتلين المحليين والعوائل المهجّرة ضمن الإطار ذاته، وبالتالي تكثّف من عملياتها وتشرعنها تحت هذا الغطاء، دون تمييز بين مدني وعسكري.
بالمقابل، فإن حركة الاغتيالات في عفرين والتبني الواضح لها، يتناسب طرداً مع مستوى القدرة الأمنية للجهات المُسيطرة، فعلى الرغم من تسجيل مناطق "درع الفرات" نسبة أكبر بعمليات الاغتيال (29)، بينما في عفرين ومحيطها (13)؛ إلا أن ذلك لا يعني اختلافاً كبيراً في مستوى الضبط الأمني، خاصة وأن أغلب العمليات التي نُفِّذَت في عفرين كانت "نوعيّة"، ناهيك عن تبني أغلبها بشكل علني من قبل ما تدعى "قوات تحرير عفرين"، وتصاعد نشاطها بشكل يشير إلى ارتفاع مستوى تلك العمليات وتوسيع دائرة أهدافها، مقابل عدم إحراز تقدم كبير على مستوى الضبط الأمني من قبل الجهات المسيطرة.
يشير الرصد الخاص بمنطقتي رأس العين وتل أبيض، واللتين شكلتا نطاق العملية العسكرية "نبع السلام"، إلى بلوغ عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 13 عملية اغتيال، أسفرت عن 42 ضحية بين قتيل وجريح، نُفِّذَت 6 عمليات منها عبر الطلق الناري، ما أسفر عن سقوط 16 ضحية، وحققت 5 منهم غايتها في تصفية الجهة المُستَهدَفة، في حين فشلت محاولة (الشكل 7). بالمقابل، كانت العبوة الناسفة أداة لتنفيذ 7 عمليات، استهدفت عناصر ومجموعات "الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، بينما استهدَفَت أخرى جهات مدنية، ما أدى إلى وقوع 26 ضحية بين قتيل وجريح (الشكل 8)، 12 من المدنيين، و14من عناصر "الجيش الوطني". وقد كانت جهات مدنية هدفاً لتلك العبوات في 3 عمليات، فيما استَهدَفَت 4 عمليات عناصر "الجيش الوطني".
ويتضح من خلال البيانات الخاصة بمدينتي رأس العين وتل أبيض "نبع السلام"، ثبات وتيرة عمليات الاغتيالات، قياساً بالتقرير السابق، والذي سجّل 13 عملية اغتيال، كما سجّل التقرير الحالي 13 عملية. بالمقابل يُلحظ انخفاض في معدل ضحايا تلك العمليات، قياساً بالتقرير السابق، والذي سجّل وقوع 69 ضحية بين قتيل وجريح، في حين رصد التقرير الحالي وقوع 42 ضحية بين قتيل وجريح. ويُعزى ذلك إلى تغيير نوعية الأهداف وأدوات التنفيذ، فقد نُفِذَت 6 من 13 عملية عبر الطلق الناري، مستهدفة أشخاصاً بعينهم. بينما نُفِذَت 7 عمليات عبر العبوات الناسفة، التي استهدَفَت تجمعات مدنية متوسطة الكثافة، أو عناصر من "الجيش الوطني" وسط تجمعات مدنية. ما أدى إلى وقوع عدد من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 57%، في حين شكّلت نسبة عناصر "الجيش الوطني" 43% (الشكل 9).
أما بالنسبة للجهات المُنفِّذة، فعلى الرغم من عدم وجود تبنٍ علني لتلك العمليات، إلا أن مصادر جمع البيانات تشير إلى اتهامات لخلايا حزب العمال الكردستاني "PKK" في الضلوع بأغلب تلك العمليات، خاصة وأن طبيعة العمليات لا تختلف عن سابقاتها في مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، من ناحية الأهداف والأدوات وأساليب التنفيذ، الأمر الذي يشير إلى ارتفاع مستوى العمليات الأمنية من جهة، وقد ينذر بازديادها من جهة أخرى.
ومن خلال الأرقام السابقة لمختلف المناطق المرصودة، يتضح أن مناطق سيطرة "الجيش الوطني" في ريف حلب الشمالي الغربي "درع الفرات" الأكثر تردياً أمنياً، قياساً بمناطق (عفرين، تل أبيض، رأس العين) وذلك لناحية ارتفاع وتيرة الاغتيالات، واتساع الخرق الأمني، وتعدد الجهات المُنفِّذة، واختلاف مصالحها وارتباطاتها، مقابل ضعف قدرة القوى المُسيطرة على ضبط الأمن وتضييق حجم هذا الخرق.
ولعلّ ارتفاع معدل العمليات إلى هذا الحد لا يُعدُّ مؤشراً على عجز التشكيلات الأمنية لـ "الجيش الوطني" على ضبط الأمن والاستقرار بالنسبة للمدنيين فحسب، وإنما ضعف قدرتها أيضاً على تأمين وحماية عناصرها، وهذا ما تدلل عليه طبيعة تلك العمليات الممتدة إلى مختلف مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، والتي شهدت عمليات اغتيال لا تختلف كثيراً عن سابقتها، لناحية طبيعتها والجهات المُنفِّذة والمُستَهدَفة. بالمقابل، يُلحَظ خلال فترة الرصد الحالية ازدياد استهداف القوات التركية المتواجدة في الشمال على اختلاف مناطقه، إذ تم استهدافهم في منطقة "درع الفرات" وعفرين، وكذلك في إدلب كما ستوضح البيانات اللاحقة. وذلك بشكل يشير إلى تصاعد هذا الاستهداف بشكل ممنهج ضمن مختلف مناطق انتشارهم.
ومهما اختلفت دوافع تنفيذ تلك العمليات والجهات التي تقف وراءها؛ فإن الحد منها وتحمُّل مسؤولية نتائجها يقع في النهاية على عاتق القوى والتشكيلات العسكرية والأمنية المُسيطرة في تلك المناطق، سواء "الجيش الوطني" أم القوات التركية.
بحسب البيانات المرصودة، يتضح أن عدد عمليات الاغتيال فيما تبقى من محافظة إدلب وما حولها بلغ 13 عملية، خلال 6 أشهر من الرصد، حققت 10 عمليات منها غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، بينما فشلت 3 محاولات في ذلك بعد نجاة الطرف المُستَهدَف. وقد أسفَر مجموع العمليات عن 24 ضحية، منهم 20 قتيلاً و4 جرحى.
أما بالنسبة لأدوات التنفيذ، فقد اعتمدت 8 عمليات اغتيال على الطلق الناري، نجحَت 6 منها في تصفية الهدف، بينما فشلت عمليتان في ذلك، وأسفر مجموع عمليات الطلق الناري عن 9 ضحايا، بينهم 8 من المدنيين، مقابل عنصر من عناصر فصيل "حراس الدين". بينما نُفِّذَت عمليتان عن طريق العبوات الناسفة، أسفرت عن 6 ضحايا، منهم عنصران من عناصر "الجبهة الوطنية للتحرير"، و4 من المدنيين المتواجدين في المنطقة. فيما نُفِّذَت 3 من العمليات المرصودة عن طريق اللغم الأرضي، ما أسفر عن مقتل 9 من الجهات المدنية (الشكل 10).
ومن مُجمل عمليات الاغتيال الـ 13، استُهدِف عنصر من فصيل "حراس الدين" بعملية وحيدة، في حين تم استهداف عناصر الجبهة "الوطنية للتحرير" بـمحاولة وحيدة أيضاً، بينما استُهدِفَت الجهات المدنية بواقع 11 عملية (الشكل 11). أما بالنسبة للجهة التي تقف وراء تلك العمليات، فقد تبنّى عناصر "تنظيم الدولة" تنفيذهم لعملية اغتيال وحيدة من مجموع العمليات، استهدفت مدنيين([14]). في حين تبنَّت "هيئة تحرير الشام" محاولة وحيدة([15])، لتبقى المحاولات الـ 11 الأخرى مجهولة المُنفِّذ، حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.
يتّضح من خلال بيانات الرصد الخاصة بمناطق إدلب وماحولها، انخفاضٌ في معدل عمليات الاغتيال، قياساً بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران، وغطى الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى حزيران 2022، إذ سجّل التقرير السابق 21 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 13 عملية، بالمقابل يُلحظ انخفاض في معدل ضحايا تلك العمليات، قياساً بالتقرير السابق، والذي سجّل وقوع 67 ضحية بين قتيل وجريح، في حين رصد التقرير الحالي وقوع 24 ضحية بين قتيل وجريح. ويعزى ذلك إلى طبيعة العمليات واختلاف أهدافها وأدوات تنفيذها، فقد اعتمدت أغلب العمليات المرصودة خلال التقرير الحالي، على الطلق الناري 62% الذي استهدف أشخاص محددين. كما تشير البيانات إلى تعدد الجهات محل الاستهداف، فقد كانت الجهات المدينة الأكثر استهدافاً خلال فترة الرصد الحالي بمعدل 88% من مجموع العمليات، بينما استُهدِفَت فصائل جهادية بمعدل 4%، في حين كان عناصر الجبهة "الوطنية للتحرير" هدفاً في 8% من عمليات الاغتيال المُنفَّذة خلال فترة الرصد.
ورغم تعدد أدوات تنفيذ عمليات الاغتيال؛ إلا أن الجزء الأكبر من تلك العمليات كان انتقائياً، فقد اعتمدت بنسبة 62% منها على الطلق الناري، مقابل 15% اعتمدت العبوة الناسفة، فيما بلغت نسبة اللغم الأرضي 23% كأداة للتنفيذ (الشكل 10). مستهدفاً أشخاصاً بعينهم بطريقة غير عشوائية، سواء بالنسبة للعسكريين أم للمدنيين، ما أدى إلى وقوع ضحايا إضافيين ضمن محيط التفجير، أو من مرافقي الشخصية المُستَهدَفة. إذ بلغت نسبة الضحايا المدنيين 88%، مقابل 4% من مجموعات "جهادية"، في حين شكّلت نسبة الجبهة "الوطنية للتحرير" 8%.
وتشير طبيعة العمليات وأدوات التنفيذ المستخدمة ضمنها، إلى اختلاف واضح في طبيعة الاغتيالات المُنفّذة في إدلب عن باقي مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، والتي تغلب عليها العمليات العشوائية بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، بينما تبدو العمليات في إدلب أقل عشوائية وأكثر انتقائية، سواء باستهداف المدنيين أو العسكريين، وذلك ضمن بيئة معقدة أمنياً، ومتعددة اللاعبين ذوي المصالح المتضاربة.
خاتمة
تفيد القراءة العامة لهذا التقرير بما يحمله من أرقام وبيانات عن عمليات الاغتيال، باستمرار ضعف الحالة الأمنية في جميع المناطق المرصودة ضمن الشمال السوري، وضعف قدرة القوى الفاعلة وتعثرها في الحد من تلك العمليات، التي تسهم في تراجع مؤشرات الأمن والاستقرار على مختلف المستويات.
وعلى الرغم من محاولات بعض الفصائل والتشكيلات العسكرية المعارضة تطوير أدواتها في ضبط الأمن، من خلال أجهزة الشرطة والشرطة العسكرية، وازدياد أعداد المنتسبين لتلك الأجهزة، وتخريج عدد من الدورات؛ إلا أنها ما تزال غير قادرة على الحد من تلك العمليات، ولا تملك قدرة الوصول إلى مُنفّذيها، الأمر الذي يستدعي إعادة هيكلة تلك الأجهزة، ورفع مستوى التدريب الخاص بعناصرها، ورفدهم بالتجهيزات اللوجستية والتقنية كافة، التي تساعد في الحد من تلك العمليات. إضافة إلى رفع مستوى التنسيق الأمني بين المناطق المختلفة، وتشكيل لجان أمنية مشتركة للتنسيق بين تلك المناطق من جهة، وإعادة هيكلة آليات التنسيق الأمني بين الجانبين التركي والسوري من جهة أخرى، خاصة مع وجود عوائق إدارية تحول دون الوصول للشكل الأمثل لهذا التنسيق، وبالتالي تسهم بشكل مباشر وغير مباشر بتوسيع هامش الخرق الأمني.
بالمقابل، لا بد من الدفع بإشراك المجتمع المحليّ والتنسيق مع فعالياته ومؤسساته المدنيّة في هذا الإطار، والسعي لتجسير أي هوة بين تشكيلات قوى الأمن الداخلي والمجتمعات المحلية العاملة ضمنها، بما يُسهّل مهمتها ويعزز من حالة الأمن، ويرفع المسؤولية بأهميتها للجميع، وبشكل يسهم في تأمين بيئة أمنيّة مناسبة لنشاط المؤسسات المدنية.
إضافة لذلك، من المهم أن تعمل القوى الأمنية والعسكرية المسؤولة عن تلك المناطق، على التعاطي مع الاغتيالات والتفجيرات بشفافية أعلى، عبر إعلان بيانات وأرقام رسميّة عن طبيعة تلك العمليات والمسؤولين عنها ونِسب العمليات التي نُفِذّت مقارنة بالمحاولات التي تم إحباطها قبل وقوعها. وذلك بشكل دوري يوضَح وتيرة الاغتيالات والجهد المقابل في مكافحتها والحد منها، ويضع الرأي العام المحلي- الدولي بصورة الواقع الأمني في المنطقة.
ولا يُعد تردي الأوضاع الأمنية محلياً، ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة، أمراً منفصلاً عن السياق العام للملف السوري وتعقيداته، والتي ترمي بظلالها محلياً على مختلف المناطق السورية، بغض النظر عن القوى المسيطرة، إذ إن حالة الفوضى الأمنية التي تجلّت بصورة الاغتيالات في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، تتكرّر بصور وأدوات وكثافة مختلفة ضمن مناطق سيطرة نظام الأسد([16])، وكذلك في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، بالرغم من المركزية الأمنية التي تحكم تلك المناطق، والمفتقَدة في مناطق سيطرة فصائل المعارضة.
ملحقات:
([1] ) "قوات تحرير عفرين": هي مجموعة من المقاتلين الكرد، الذين يصفون تجمعهم بــ "حركة مقاومة" عبر شن هجمات تستهدف الجيش التركي و"الجيش الوطني" السوري المدعوم من تركيا في عفرين ومناطق أخرى، ولا تقول الحركة صراحة إنها تتبع لـحزب الاتحاد الديمقراطي "PYD" أو "قسد". للمزيد حول طبيعة عمليات تلك الحركة راجع: مجموعة "تحرير عفرين" تتبنى استهداف نقطة تركية بريف حلب، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 13 أيلول/سبتمبر 2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/2f6xU
([2]) تنوعت مصادر بيانات التقرير وفقاً لما يلي: نقاط الرصد الخاصة بمركز عمران للدراسات في الشمال السوري. المُعرّفات الرسمية للجهات التي تم استهدافها (مدنية، عسكرية). المُعرّفات الرسمية للجهات المُنفِذة، أو التي تعلن تبنيها للعمليات كـ "غرفة عمليات غضب الزيتون" أو "قوات تحرير عفرين". المُعرّفات والمواقع الرسمية للوكالات ووسائل الإعلام المحليّة، التي تقوم بتغطية الأحداث في مناطق الرصد.
([3]) للاطلاع على التقرير السابق "الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى حزيران 2022 "، راجع الرابط التالي: https://bit.ly/3I7n6S6
([4]) فيديو يوضح تبني "قوات تحرير عفرين" عمليات اغتيال ضد عناصر "الجيش الوطني" والجيش التركي. للمزيد راجع: قوات تحرير عفرين تعلن مقتل وإصابة 17 من جنود الاحتلال التركي بينهم ضباط، 11 آب 2022، https://bit.ly/3HakGRc
([5]) اغتيال الناشط محمد أبو غنوم من قبل عناصر تابعين لفرقة الحمزة. للمزيد راجع: الباب... اعتقال كامل أفراد خلية اغتيال الناشط "أبو غنوم"، تلفزيون سوريا، 10 تشرين الأول 2022، https://bit.ly/3MQ1M5V
([6]) مسلحون مدنيون يغتالون متهماً باغتيال طبيب بيطري في مدينة الباب، تلفزيون سوريا، 22 أيلول 2022، https://bit.ly/3MJKbfK، https://bit.ly/409F5MY
([7]) فيديو يوضح تبني "قوات تحرير عفرين" عمليات اغتيال ضد عناصر "الجيش الوطني" والجيش التركي، 23 آيلول 2022، https://bit.ly/41TpwKM
([8]) إصابة قيادي في "داعش" بغارة أميركية على مدينة الباب شرقي حلب، تلفزيون سوريا، 20 كانون الأول 2022، https://bit.ly/41ou3Ew
([9]) للمزيد حول عمليات "قوات تحرير عفرين" ضد عناصر "الجيش الوطني" راجع الروابط التالية: https://bit.ly/3KNsM3d، https://bit.ly/41CQ8PW
([10]) "الهيئة" تقتل قيادياً في الفيلق الثالث وتهدّد باقتحام اعزاز، تلفزيون سوريا، 17 تشرين الأول 2022، https://bit.ly/3KQanmt
([11]) للمزيد حول عمليات "قوات تحرير عفرين" ضد عناصر الجيش التركي راجع الرابط التالي: https://bit.ly/40tOkYt
([13]) أمريكا تعلن عن مقتل قيادي ثان بـ"تنظيم الدولة" في سورية، تلفزيون سوريا، 15 تموز 2022، https://bit.ly/41DDXCl
([14]) جهاز الأمن العام" يكشف هوية مرتكبي جريمة قتل "مسنين وشاب" من الطائفة الدرزية بإدلب، شبكة شام ،24 آب 2022، https://bit.ly/4408JHy
([15]) عناصر الهيئة يحاولون اغتيال أحد عناصر فيلق الشام، للمزيد أنظر الرابط: https://bit.ly/3L4dXcD
([16]) الاعتقالات والاغتيالات في درعا: مقاربة النظام الأمنية عقب تسوية 2021، فاضل خانجي، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 15 كانون الأول 2022، https://bit.ly/3YuUTdx
مُلخّصٌ تنفيذيّ
مدخل
تشهد مناطق الشمال السوريّ خرقاً أمنياً واضحاً، تتجلى أبرز جوانبه في وتيرة عمليات الاغتيال المستمرة ومعدلاتها المرتفعة، والتي تعد مؤشراً هاماً على تدهور حالة الاستقرار الأمني وتدني القدرة على ضبطها من قبل القوى المسيطرة، خاصة مع ازدياد محاولات الاغتيال ضمن تلك المناطق وتعدد دوافعها ومُنفذيها واختلاف أساليبها، وسط تجدد قصف النظام وحلفائه لبعض تلك المناطق، ما يزيد من تعقيد الوضع الأمني والقدرة على ضبطه.
وتتصف عمليات الاغتيال بالسريّة عادة لناحية الجهة المنُفِّذة، إلا أن هناك نسبة كبيرة من تلك العمليات ضمن مناطق سيطرة الفصائل المعارضة تتبناها جهات محددة بشكل علني كـ "قوات تحرير عفرين ([1])" و"تنظيم الدولة"، في اختراق أمني واضح وصريح لتلك المناطق. وبالرغم من اختلاف وتيرة ومعدل عمليات الاغتيال من منطقة إلى أخرى ضمن الشمال السوري؛ إلا أنها تتقاطع في الإشارة إلى التراجع العام لمؤشرات الاستقرار الأمني.
وفي متابعة لملف الاغتيالات ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة في الشمال السوري؛ صَمّمَتْ وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات، نموذجاً خاصاً لرصد تلك العمليات وتحليل البيانات المتعلقة بها، كمؤشرات للاستقرار الأمني ([2]). ضمن تقرير دوريّ يرصد وتيرة عمليات الاغتيال، موضّحاً نتائجها، وما أسفرت عنه، مقابل الجهات المُنفّذة -إن عُلِمت -وكذلك الجهات المُستَهدَفة. كما يسعى التقرير إلى تحليل تلك البيانات ومقاطعتها بين مختلف المناطق، في محاولة لرسم الملامح العامة للوضع الأمنيّ وقياس أوليّ لمؤشرات الاستقرار.
وعليه، يرصد هذا التقرير عمليات الاغتيال ضمن مناطق عدة في الشمال السوري، منها: ريف حلب الشمالي، الذي شكّل نطاق العمليات العسكرية: "درع الفرات" و"غصن الزيتون". مقابل مدينتي تل أبيض ورأس العين "نبع السلام" في الشمال الشرقي، إضافة إلى ما تبقى من محافظة إدلب وريف حلب شمال غربي سورية. وذلك خلال الفترة الممتدة ما بين (كانون الثاني/يناير وحزيران/يونيو 2022)، إذ بلغ عددها 70 محاولة اغتيال، خلّفت 263 ضحية. وتوضّح البيانات انخفاضاً طفيفاً في معدل الاغتيالات، مقارنة بالتقرير السابق، الذي أصدره مركز عمران: (الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من تموز حتى كانون الأول 2021)، والتي بلغت 73 عملية، خلّفت 322 ضحية ([3]).
وقد توزعت عمليات الاغتيال الـ 70 المرصودة ضمن التقرير الحالي، بحسب الأشهر، على الشكل التالي: 13 محاولة اغتيال خلال شهر كانون الثاني/يناير، في حين بلغت خلال شباط/فبراير 12 محاولة، فيما سُجِّلت 11 محاولة خلال أذار/مارس، وشهد نيسان/أبريل 13 محاولة، بينما بلغت في أيار/مايو 12 محاولة، لتنخفض في حزيران/يونيو إلى 9 محاولات. ويسعى التقرير بعد رصد تلك العمليات، إلى دراستها وتحليلها واستعراضها بحسب مناطق السيطرة، والجهات المُستَهدَفة والمُنفِّذة، وطبيعة أداة التنفيذ، ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها، مقابل أثرها على مستوى الأمن والاستقرار في المنطقة.
أولاً: "درع الفرات" (كثافة عمليات)
تُظهر عملية الرصد الخاص بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي "درع الفرات"، بلوغ معدل عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 23 عملية (الشكل 1)، نُفِّذَت 7 منها عبر الطلق الناري، وأسفرت عن سقوط 20 ضحية، إذ حققت 4 عمليات من 7 غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، فيما فشلت 3 عمليات في تحقيق هدفها. أما بالنسبة للجهة التي تقف وراء تنفيذ تلك العمليات، فتشير البيانات إلى تنفيذ "قوات تحرير عفرين" لـمحاولتين ([4]). كما نُفِّذت محاولة وحيدة من قبل خلايا تنظيم "الدولة الإسلامية" في المنطقة ([5]). في حين بقيت المحاولات الـ 4 مجهولة المُنفِّذ. وكانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك الاغتيالات بواقع 5 عمليات، مقابل عمليتين استهدفت كوادر شرطة مدنية.
بالمقابل، نُفِّذَت 16 من 23 عملية عبر العبوات الناسفة، مخلّفةً بمجموعها 67 ضحية (44 قتيلاً، 23 جريحاً)، منهم 23 مدنياً مقابل 37 من عناصر "الجيش الوطني"، إضافة لـ 7 من عناصر الجيش التركي (الشكل 2). واستهَدَفَت أغلب تلك العبوات شخصيات أو مجموعات عسكرية وسط تجمعات المدنيين، إضافة إلى استهداف تجمعات مدنية خالصة، كما استُهدِفَ عناصر الجيش التركي المتواجدين في المنطقة بمحاولتين. وقد تبنّت "قوات تحرير عفرين" تنفيذ 4 عمليات ([6])، لتبقى 12 عملية من مجمل عمليات العبوات الناسفة والمفخخات مجهولة المُنفِّذ.
يتضح من خلال أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي، انخفاض في معدل عمليات الاغتيال مقارنة بالتقرير السابق، الذي أصدره مركز عمران وغطى الفترة الممتدة من تموز وحتى كانون الأول 2021، إذ سجّل التقرير السابق 31 عملية اغتيال في تلك الفترة، في حين رصد التقرير الحالي 23 عملية.
بالمقابل، تُبيّن الأرقام انخفاضاً في معدل عدد الضحايا، مقارنة بالتقرير السابق، الذي سجّل 166ضحية، بينما بلغ مجموع عدد الضحايا خلال فترة الرصد الحالية 87 ضحية. ويُعزى ذلك إلى انخفاض معدل العمليات من جهة، مقابل اختلاف أهدافها وأدوات التنفيذ المستخدمة فيها من جهة أخرى، والتي اعتمدت بنسبة 69% على العبوات الناسفة، التي استهدف أغلبها شخصيات عسكرية/مدنية بعينها وسط تجمعات مدنيين، إضافة لاستهداف تجمعات مدنية خالصة. ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 34%، مقابل 55% من عناصر "الجيش الوطني"، و11% من عناصر الجيش التركي (الشكل 3).
أما بالنسبة للجهات المُنفِّذة، فيُلحظ من البيانات، تبني "قوات تحرير عفرين" لـ 26% من العمليات. مقابل إعلان مسؤولية تنظيم "الدولة الإسلامية" عن 4% من العمليات المرصودة، في حين بقيت 70% من عمليات الاغتيال مجهولة المُنفِّذ. الأمر الذي يشير إلى، استمرار تردي الواقع الأمني وضعف قدرة الجهات المسيطرة على تتبع تلك العمليات والكشف عن منفذيها والحد منها.
ووفقاً للبيانات الخاصة برصد المنطقة؛ فإن الواقع ما يزال يشير إلى اتساع الخرق الأمني، مقابل عدم تقدم القوى المسيطرة في ضبطه وتضييق حجم هذا الخرق، خاصة في ظل اتهامات لأطراف وجهات عدة بالسعي إلى زعزعة الأمن والاستقرار، وتقاطع مصالحها في ذلك؛ كحزب الاتحاد الديمقراطي"PYD" وخلاياه النشطة في المنطقة، التي يعدونها امتداداً للنفوذ التركي، ومن فيها "أهدافاً مشروعة"! إضافة إلى النظام الذي يسعى إلى زعزعة أمن المنطقة وإفشال أي نموذج أمني/حوكمي فيها.
ثانياً: عفرين (تبنٍّ علنيّ)
من خلال رصد وتحليل البيانات لعمليات الاغتيال الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها من المناطق، يتضح أنها شهدت بالعموم: 13 عملية اغتيال خلال 6 أشهر من الرصد، أسفرت عن 40 ضحية بين قتيل وجريح. وقد نُفِّذَت 5 عمليات من مجموع العمليات الـ 13 عبر الطلق الناري، حققت 3 منها غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، بينما فشلت في محاولتين. وكان 9 من عناصر "الجيش الوطني" هدفاً للعمليات الـ 5، والتي تبنّت تنفيذ محاولتين منها "قوات تحرير عفرين"، فيما بقيت 3 محاولات مجهولة المُنفِّذ. إذ اُستُهدِفَت في إحدى العمليات سيارة تقل قائد ميداني و2 من مرافقته من "الجيش الوطني"، ما أدى إلى مقتلهم جميعاً.
بالمقابل، وبحسب البيانات المرصودة، نُفِّذت 8 عمليات من مجمل العمليات الـ 13 عبر العبوات الناسفة (الشكل 4)، والتي استَهدَفَت عناصر ومجموعات لـ "الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، في حين استَهدَفَت عبوات أخرى عناصر للجيش التركي المتواجد في المنطقة، وتجمعات مدنية خالصة. ما أدى إلى وقوع 31 ضحية (17 قتيلاً و14 جريحاً) (الشكل 5). موزعين بين: 12 مدنياً، و10من عناصر "الجيش الوطني"، مقابل 9 من عناصر الجيش التركي. وقد تبنّت "قوات تحرير عفرين" 4 من مجموع عمليات العبوات الناسفة، فيما بقيت الـ 4 محاولات الأخرى مجهولة المُنفِّذ.
تُبيّن أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها انخفاضاً طفيفاً في معدل عمليات الاغتيال، مقارنة بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران، وغطى الفترة الممتدة من تموز وحتى كانون الأول 2021. إذ سجّل التقرير السابق 14 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 13 عملية. ولعلّ هذا الانخفاض الطفيف في معدل عمليات الاغتيال، أدى إلى انخفاض نسبة الضحايا، فقد بلغت خلال أشهر الرصد الحالي 40 ضحية، في حين سجّل التقرير السابق 95 ضحية. وقد يُردّ ذلك إلى اختلاف الأهداف وأدوات التنفيذ في أغلب العمليات الحالية، حيث اعتمدت بنسبة 38% منها على الطلق الناري، بينما اعتمد 62% منها على العبوات الناسفة، التي استهدفت شخصيات عسكرية بعينها، وأخرى استهدفت مجموعات عسكرية وسط تجمعات مدنيين، مقابل عمليات استهدفت تجمعات مدنية. وقد شكّلت نسبة المدنيين من الضحايا 39%، مقابل 32% من عناصر "الجيش الوطني"، و29% من عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة (الشكل 6).
بالمقابل، يُلحَظ من خلال البيانات نشاط واضح لـ "قوات تحرير عفرين"، فقد تبنّت تنفيذ 46% من مجمل عمليات الاغتيال في المنطقة، إذ يبدو أنها تركّز عملياتها ونشاطها الأمني في عفرين ومناطق "درع الفرات". بينما بقي 54% من مجموع العمليات مجهولة المُنفِّذ. وقد استهدفت تلك العمليات في أغلبها عناصر "الجيش الوطني"، الذين تحولوا إلى أهداف متحركة داخل مدينة عفرين، سواء على المستوى الفردي عبر تصفية أفراد بعينهم، أم على مستوى جماعي عبر استهداف مجموعاتهم العسكرية. وغالباً ما يتم هذا الاستهداف وسط تجمعات مدنية، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين. وتنسجم طبيعة تلك العمليات مع الرؤية المعلنة لقوات "تحرير عفرين"، والتي تعتبر المنطقة "امتداداً للنفوذ التركي" وتنظر للمقاتلين المحليين والعوائل المهجّرة بالإطار ذاته، وبالتالي تكثّف من عملياتها وتشرعنها تحت هذا الغطاء، دون تمييز بين مدني وعسكري.
بالمقابل، فإن حركة الاغتيالات في عفرين والتبني الواضح لها، يتناسب طرداً مع مستوى القدرة الأمنية للجهات المُسيطرة، فعلى الرغم من تسجيل مناطق "درع الفرات" نسبة أكبر بعمليات الاغتيال (23)، بينما في عفرين ومحيطها (13)؛ إلا أن ذلك لا يعني اختلافاً كبيراً في مستوى الضبط الأمني، خاصة وأن أغلب العمليات التي نُفِّذَت في عفرين كانت "نوعيّة"، ناهيك عن تبني أغلبها بشكل علني من قبل ما تدعى "قوات تحرير عفرين"، وتصاعد نشاطها بشكل يشير إلى ارتفاع مستوى تلك العمليات وتوسيع دائرة أهدافها. مقابل عدم إحراز تقدم كبير على مستوى الضبط الأمني من قبل الجهات المسيطرة.
يشير الرصد الخاص بمنطقتي رأس العين وتل أبيض، واللتين شكلتا نطاق العملية العسكرية "نبع السلام"، إلى بلوغ عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 13 عملية اغتيال، أسفرت عن 69 ضحية بين قتيل وجريح، نُفِّذَت عمليتان منها عبر الطلق الناري، أسفرتا عن ضحيتين، وحققت إحداهما غايتها في تصفية الجهة المستهدفة (الشكل 7). في حين كانت العبوة الناسفة أداة لتنفيذ 11 عملية، استهدفت عناصر ومجموعات "الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، بينما استهدفت أخرى جهات مدنية، ما أدى إلى وقوع 67 ضحية بين قتيل وجريح (الشكل 8)، 40 منهم من المدنيين، و27 من عناصر "الجيش الوطني". حيث كانت الجهات المدنية هدفاً لتلك العبوات في 5 محاولات، فيما استهدفت 6 محاولات عناصر من "الجيش الوطني".
ويتضح من خلال البيانات الخاصة بمدينتي رأس العين وتل أبيض "نبع السلام"، ارتفاعاً ملحوظاً في وتيرة عمليات الاغتيالات، قياساً بالتقرير السابق، والذي سجّل 6 عمليات اغتيال، في حين سجّل التقرير الحالي 13 عملية. بالمقابل يُلحظ ارتفاع في معدل ضحايا تلك العمليات، قياساً بالتقرير السابق، والذي سجّل وقوع 20 ضحية بين قتيل وجريح، في حين رصد التقرير الحالي وقوع 69 ضحية بين قتيل وجريح. ويُعزى ذلك من جهة إلى الارتفاع الواضح في معدل عمليات الاغتيال عن سابقتها في التقرير الفائت، ومن جهة أخرى إلى تغيير نوعية الأهداف وأدوات التنفيذ، حيث نُفِذَت 11 من 13 عملية عبر العبوات الناسفة، التي استهدفت تجمعات مدنية متوسطة الكثافة أو عناصر من "الجيش الوطني" وسط تجمعات مدنية. ما أدى إلى وقوع عدد من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 61%، في حين شكّلت نسبة عناصر "الجيش الوطني" 39% (الشكل 9).
أما بالنسبة للجهات المُنفِّذة، فعلى الرغم من عدم وجود تبنٍ علني لتلك العمليات، إلا أن مصادر جمع البيانات تشير إلى اتهامات لخلايا حزب العمال الكردستاني "PKK" في الضلوع بأغلب تلك العمليات، خاصة وأن طبيعة العمليات لا تختلف عن سابقاتها في مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، من ناحية الأهداف والأدوات وأساليب التنفيذ، الأمر الذي يشير إلى ارتفاع مستوى العمليات الأمنية من جهة، وقد ينذر بازديادها من جهة أخرى.
ومن خلال الأرقام السابقة لمختلف المناطق المرصودة، يتضح أن مناطق سيطرة "الجيش الوطني" في ريف حلب الغربي "درع الفرات" الأكثر تردياً أمنياً، قياساً بمناطق (عفرين، تل أبيض، رأس العين). وذلك لناحية ارتفاع وتيرة الاغتيالات واتساع الخرق الأمني وتعدد الجهات المُنفِّذة واختلاف مصالحها وارتباطاتها، مقابل ضعف قدرة القوى المُسيطرة على ضبط الأمن وتضييق حجم هذا الخرق.
ولعلّ ارتفاع معدل العمليات إلى هذا الحد لا يُعدُّ مؤشراً على عجز التشكيلات الأمنية لـ "الجيش الوطني" على ضبط الأمن والاستقرار بالنسبة للمدنيين فحسب، وإنما ضعف قدرتها أيضاً على تأمين وحماية عناصرها. وهذا ما تدلل عليه طبيعة تلك العمليات الممتدة إلى مختلف مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، والتي شهدت عمليات اغتيال لا تختلف كثيراً عن سابقتها، لناحية طبيعتها والجهات المُنفِّذة والمُستَهدَفة. بالمقابل، يُلحَظ خلال فترة الرصد الحالية ازدياد استهداف القوات التركية المتواجدة في الشمال على اختلاف مناطقه، حيث تم استهدافهم في منطقة "درع الفرات" وعفرين وكذلك في إدلب كما ستوضح البيانات اللاحقة. وذلك بشكل يشير إلى تصاعد هذا الاستهداف بشكل ممنهج ضمن مختلف مناطق انتشارهم.
ومهما اختلفت دوافع تنفيذ تلك العمليات والجهات التي تقف وراءها؛ فإن الحد منها وتحمُّل مسؤولية نتائجها يقع في النهاية على عاتق القوى والتشكيلات العسكرية والأمنية المُسيطرة في تلك المناطق، سواء "الجيش الوطني" أم القوات التركية.
بحسب البيانات المرصودة، يتضح أن عدد عمليات الاغتيال فيما تبقى من محافظة إدلب وما حولها بلغ 21 عملية، خلال 6 أشهر من الرصد، حققت 8 عمليات منها غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، بينما فشلت 13 محاولة في ذلك بعد نجاة الطرف المُستَهدَف. وقد أسفَر مجموع العمليات عن 67 ضحية، منهم 29 قتيلاً و38 جريحاً.
أما بالنسبة لأدوات التنفيذ، فقد اعتمدت 7 عمليات اغتيال على الطلق الناري، نجحَت 5 منها في تصفية الهدف، بينما فشلت عمليتين في ذلك، وأسفر مجموع عمليات الطلق الناري عن 21 ضحية، بينهم 13من عناصر هيئة "تحرير الشام" وقيادي في "تنظيم الدولة". مقابل 3 من عناصر "الجبهة الوطنية للتحرير" بينهم قيادي أيضاً. بينما نُفِّذَت 14 عملية عن طريق العبوات الناسفة، أسفرت عن 46 ضحية، منهم عنصر من الجيش التركي المتواجد في المنطقة، مقابل 31 مدنياً، و6 من عناصر "الجبهة الوطنية للتحرير"، و8 من عناصر هيئة "تحرير الشام" (الشكل 10).
ومن مُجمل عمليات الاغتيال الـ 21، استُهدِف عناصر هيئة "تحرير الشام" بواقع 4 عمليات، مقابل عملية إنزال جوي وحيدة استهدفت قيادي في "تنظيم الدولة". في حين تم استهداف عناصر الجبهة "الوطنية للتحرير" بـ 5 محاولات أيضاً، فيما استُهدِفَت الجهات المدنية بواقع 10 عمليات، كما تم استهداف الجيش التركي في محاولة وحيدة (الشكل 11). أما بالنسبة للجهة التي تقف وراء تلك العمليات، فقد تبنّت القوات الأمريكية محاولة وحيدة من مجموع المحاولات استهدفت قيادي في تنظيم "الدولة الإسلامية"([7])، في حين بقيت المحاولات الـ 20 الأخرى مجهولة المُنفِّذ، حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.
ويتضح من خلال بيانات الرصد الخاصة بمناطق إدلب وما حولها، انخفاض طفيف في معدل عمليات الاغتيال، قياساً بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران، وغطى الفترة الممتدة من تموز وحتى كانون الأول 2021. إذ سجّل التقرير السابق 22 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 21 عملية. كما تشير البيانات إلى تعدد الجهات محل الاستهداف، فقد كانت الجهات المدينة الأكثر استهدافاً خلال فترة الرصد الحالي بمعدل 48% من مجموع العمليات. بينما استُهدِفَت فصائل جهادية بمعدل 24%، وبذات النسبة استُهدِفَت الجبهة "الوطنية للتحرير"، في حين كان عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة هدفاً في 4% من عمليات الاغتيال المُنفَّذة خلال فترة الرصد.
ورغم تعدد أدوات تنفيذ عمليات الاغتيال؛ إلا أن الجزء الأكبر من تلك العمليات كانت انتقائية، فقد اعتمدت بنسبة 33% منها على الطلق الناري، مقابل 67% اعتمدت العبوة الناسفة كأداة للتنفيذ، مستهدفة أشخاصاً بعينهم بطريقة غير عشوائية، سواء بالنسبة للعسكريين أم للمدنيين، ما أدى إلى وقوع ضحايا إضافيين ضمن محيط التفجير، أو من مرافقي الشخصية المُستَهدَفة. إذ بلغت نسبة الضحايا المدنيين 67%. مقابل 17% من مجموعات جهادية، في حين شكّلت نسبة الجبهة "الوطنية للتحرير" 13%، و3% من عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة. (الشكل 12).
وتشير طبيعة العمليات وأدوات التنفيذ المستخدمة ضمنها، إلى اختلاف واضح في طبيعة الاغتيالات المُنفّذة في إدلب عن باقي مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، والتي تغلب عليها العمليات العشوائية بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، بينما تبدو العمليات في إدلب أكثر انتقائية باتجاه تصفية شخصيات مدنية وعسكرية محددة، وذلك ضمن بيئة معقدة أمنياً، ومتعددة اللاعبين ذوي المصالح المتضاربة.
خاتمة
تفيد القراءة العامة لهذا التقرير بما يحمله من أرقام وبيانات عن عمليات الاغتيال، باستمرار ضعف الحالة الأمنية في جميع المناطق المرصودة ضمن الشمال السوري، وضعف قدرة القوى الفاعلة وتعثرها في الحد من تلك العمليات، التي تسهم في تراجع مؤشرات الأمن والاستقرار على مختلف المستويات.
وعلى الرغم من محاولات بعض الفصائل والتشكيلات العسكرية المعارضة تطوير أدواتها في ضبط الأمن، من خلال أجهزة الشرطة والشرطة العسكرية، وازدياد أعداد المنتسبين لتلك الأجهزة، وتخريج عدد من الدورات؛ إلا أنها ما تزال غير قادرة على الحد من تلك العمليات، ولا تملك قدرة الوصول إلى مُنفّذيها، الأمر الذي يستدعي إعادة هيكلة تلك الأجهزة، ورفع مستوى التدريب الخاص بعناصرها، ورفدهم بكافة التجهيزات اللوجستية والتقنية التي تساعد في الحد من تلك العمليات. إضافة إلى رفع مستوى التنسيق الأمني بين المناطق المختلفة، وتشكيل لجان أمنية مشتركة للتنسيق بين تلك المناطق من جهة، وإعادة هيكلة آليات التنسيق الأمني بين الجانبين التركي والسوري من جهة أخرى، خاصة مع وجود عوائق إدارية تحول دون الوصول للشكل الأمثل لهذا التنسيق، وبالتالي تسهم بشكل مباشر وغير مباشر بتوسيع هامش الخرق الأمني.
مقابل كل ذلك، لا بد من الدفع بإشراك المجتمع المحليّ والتنسيق مع فعالياته ومؤسساته المدنيّة في هذا الإطار، والسعي لتجسير أي هوة بين تشكيلات قوى الأمن الداخلي والمجتمعات المحلية العاملة ضمنها، بما يُسهّل مهمتها ويعزز من حالة الأمن، ويرفع المسؤولية بأهميتها للجميع، وبشكل يسهم في تأمين بيئة أمنيّة مناسبة لنشاط المؤسسات المدنية.
إضافة لذلك، من المهم أن تعمل القوى الأمنية والعسكرية المسؤولة عن تلك المناطق، على التعاطي مع الاغتيالات والتفجيرات بشفافية أعلى، عبر إعلان بيانات وأرقام رسميّة عن طبيعة تلك العمليات والمسؤولين عنها ونِسب العمليات التي نُفِذّت مقارنة بالمحاولات التي تم إحباطها قبل وقوعها. وذلك بشكل دوري يوضَح وتيرة الاغتيالات والجهد المقابل في مكافحتها والحد منها، ويضع الرأي العام المحلي-الدولي بصورة الواقع الأمني في المنطقة.
ولا يُعد تردي الأوضاع الأمنية محلياً ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة أمراً منفصلاً عن السياق العام للملف السوري وتعقيداته، والتي ترمي بظلالها محلياً على مختلف المناطق السورية، بغض النظر عن القوى المسيطرة، إذ إن حالة الفوضى الأمنية التي تجلّت بصورة الاغتيالات في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، تتكرّر بصور وأدوات وكثافة مختلفة ضمن مناطق سيطرة نظام الأسد([8])، وكذلك في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، بالرغم من المركزية الأمنية التي تحكم تلك المناطق، والمفتقَدة في مناطق سيطرة فصائل المعارضة.
ملحقات:
([1] ) "قوات تحرير عفرين": هي مجموعة من المقاتلين الكرد، الذين يصفون تجمعهم بــ "حركة مقاومة” عبر شن هجمات تستهدف الجيش التركي و"الجيش الوطني" المدعوم من تركيا في عفرين ومناطق أخرى، كما أن الحركة لا تقول صراحة إنها تتبع لـحزب الاتحاد الديمقراطي PYD أو "قسد". للمزيد حول طبيعة عمليات تلك الحركة راجع: مجموعة "تحرير عفرين" تتبنى استهداف نقطة تركية بريف حلب، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 13 أيلول/سبتمبر 2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/2f6xU
([2]) فيما يتعلق بمصادر التقرير فهي على الشكل التالي: نقاط الرصد الخاصة بمركز عمران للدراسات في الشمال السوري. المُعرّفات الرسمية للجهات التي تم استهدافها (مدنية، عسكرية). المُعرّفات الرسمية للجهات المُنفِذة، أو التي تعلن تبنيها للعمليات كـ "غرفة عمليات غضب الزيتون" أو "قوات تحرير عفرين". المُعرّفات والمواقع الرسمية للوكالات ووسائل الإعلام المحليّة، والتي تقوم بتغطية الأحداث في مناطق الرصد.
([3]) للاطلاع على التقرير السابق "الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من تموز حتى كانون الأول 2021 "، راجع الرابط التالي: http://bit.ly/3GmgEDF
([4]) أعلنت "قوات تحرير عفرين عن تبنيها لعمليات نفذت في منطقتي الباب ومارع واستهدفت عناصر من الجيش الوطني، (سوريا: مقتل 4 جنود أتراك و8 مسلحين في عمليات لقوات "تحرير عفرين")، الميادين نت، 19 أيار 2022، https://bit.ly/3HDmaED
([5]) اغتيل 5 عناصر من "الجيش الوطني" وجرح 6 أخرين، بعد أن أطلقت خلية تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" النار على عناصر فصيل الجبهة الشامية. للمزيد راجع: بينهم قيادي ...قتلى وجرحى في استهداف حاجز للجبهة الشامية بريف حلب الشمالي"، تلفزيون سوريا،6 نيسان 2022، http://bit.ly/3Ap4nwx
([6]) "قوات تحرير عفرين" تتبنى عمليات اغتيال لجنود أتراك في مناطق درع الفرات، (قوات "تحرير عفرين" تعلن مقتل جنود أتراك في ريف حلب)، الميادين نت، 30 أيار 2022، https://bit.ly/3jaLcB7، https://bit.ly/3FWeITL
([7]) تنظيم "الدولة الإسلامية" يؤكد مقتل زعيمه أبو إبراهيم القرشي ويعين خلفاً له"، فرانس 24، 10 أذار 2022، متوافر على الرابط التالي: https://bit.ly/3V5bPnY
([8]) الاعتقالات والاغتيالات في درعا: مقاربة النظام الأمنية عقب تسوية 2021،فاضل خانجي، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 15 كانون الأول 2022، https://bit.ly/3YuUTdx
مدخل
تشهد مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة في الشمال السوريّ خرقاً أمنياً واضحاً، يتجلى في أبرز جوانبه بوتيرة عمليات الاغتيال المستمرة ومعدلاتها المرتفعة، والتي تعد مؤشراً هاماً على تدهور حالة الاستقرار الأمني وتدني القدرة على ضبطها من قبل القوى المسيطرة، خاصة مع ازدياد محاولات الاغتيال ضمن تلك المناطق وتعدد دوافعها ومُنفذيها واختلاف أساليبها، وسط استمرار قصف النظام وحلفائه لبعض تلك المناطق، الأمر الذي يزيد من تعقيد الوضع الأمني والقدرة على ضبطه.
وعادةً ما تتصف عمليات الاغتيال بالسريّة لناحية الجهة المنُفذّة؛ إلا أن هناك نسبة كبيرة من تلك العمليات ضمن مناطق سيطرة الفصائل المعارضة تتبناها جهات محددة بشكل علني كغرفة عمليات "غضب الزيتون"([1]) و"سرية أنصار أبي بكر الصديق"([2]) و "قوات تحرير عفرين"([3]). في اختراق أمني واضح وصريح لتلك المناطق، خاصة "نبع السلام" وعفرين. وبالرغم من اختلاف وتيرة ومعدل عمليات الاغتيال من منطقة إلى أخرى ضمن الشمال السوري؛ إلا أنها تتقاطع في التدليل على التراجع العام لمؤشرات الاستقرار الأمني.
وفي متابعة لملف الاغتيالات ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة في الشمال السوري؛ صَمّمَتْ وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، نموذجاً خاصاً لرصد تلك العمليات وتحليل البيانات الخاصة بها، كمؤشرات للاستقرار الأمني ([4])، وإخراجها ضمن تقرير دوريّ يرصد وتيرة عمليات الاغتيال، موضّحاً نتائجها، وما أسفرت عنه، مقابل الجهات المُنفّذة -إن عُلِمت-وكذلك الجهات المُستهدَفة. كما يسعى التقرير إلى تحليل تلك البيانات ومقاطعتها بين مختلف المناطق، في محاولة لرسم الملامح العامة للوضع الأمنيّ وقياس أوليّ لمؤشرات الاستقرار.
وعليه، يرصد هذا التقرير عمليات الاغتيال ضمن مناطق عدة في الشمال السوري، منها: ريف حلب الشمالي، والذي شكّل نطاق العمليات العسكرية: "درع الفرات" و"غصن الزيتون". مقابل مدينتي تل أبيض ورأس العين "نبع السلام" في الشمال الشرقي، إضافة إلى ما تبقى من محافظة إدلب وريف حلب شمال غربي سورية، وذلك خلال الفترة الممتدة ما بين (كانون الثاني/ يناير وحتى حزيران/ يونيو 2021)، إذ بلغ عددها 70محاولة اغتيال، خلّفت 342 ضحية. وتوضّح البيانات انخفاضاً طفيفاً في معدل الاغتيالات، مقارنة بالتقرير السابق، الذي أصدرته وحدة المعلومات في مركز عمران، (الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من تموز حتى كانون الأول 2020)، إذ بلغت 74 عملية، خلّفت 471 ضحية ([5]).
وقد توزعت عمليات الاغتيال الـ 70 المرصودة ضمن التقرير الحالي، بحسب الأشهر، على الشكل التالي: 21 محاولة اغتيال خلال شهر كانون الثاني/ يناير، في حين بلغت خلال شباط/ فبراير 14 محاولة، فيما بلغت المحاولات خلال آذار/مارس 9 محاولات، بينما شهد نيسان/ أبريل 14 محاولة، لتنخفض في أيار/ مايو إلى 11 محاولة، في حين بلغت في حزيران/ يونيو محاولة وحيدة. ويسعى هذا التقرير بعد رصد تلك العمليات، إلى دراستها وتحليلها واستعراضها بحسب؛ مناطق السيطرة، والجهات المُستَهدَفة والمُنفِّذة، طبيعة أداة التنفيذ، ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها، مقابل أثرها على مستوى الأمن والاستقرار في المنطقة.
أولاً: "درع الفرات" (خرقٌ مستمر)
تُظهر عملية الرصد الخاص بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي "درع الفرات"، بلوغ معدل عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 25 عملية (الشكل 1)، نُفّذت 9 منها عبر الطلق الناري، وأسفرت عن 10 ضحايا، إذ حققت 8 عمليات من 9 غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، فيما فشلت عملية وحيدة في تحقيق هدفها. وقد بقيت المحاولات جميعها مجهولة المُنفِّذ. وكانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك الاغتيالات بواقع 3 عمليات، مقابل 6 عمليات استهدفت كوادر إدارية مدنية من المجالس المحليّة والإعلاميين.
بالمقابل، نُفِّذت 11 من 25 عملية عبر العبوات الناسفة، مخلّفةً بمجموعها 30 ضحية (4 قتلى، 26 جريحاً)، منهم 24 مدنياً مقابل 6 من عناصر "الجيش الوطني". فيما نُفِذت 5 عمليات من 25 عبر آليات نقل مُفخّخة، حيث خلَفت 65 ضحية (21 قتيلاً، 44 جريحاً)، منهم 46 مدنياً مقابل 19 من عناصر "الجيش الوطني" (الشكل 2)، واستهَدَفَت أغلب تلك العبوات والمفخخات شخصيات أو مجموعات عسكرية وسط تجمعات المدنيين، إضافة إلى استهداف تجمعات مدنية خالصة. وقد اتهمت وزارة الدفاع التركية عبر بيان رسمي "قوات سوريا الديمقراطية" بتنفيذ عمليتين ([6])، بينما بقيت 14 من مجمل عمليات العبوات الناسفة والمفخخات مجهولة المُنفِّذ.
ويتضح من خلال أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي، انخفاض طفيف في معدل عمليات الاغتيال مقارنة بالتقرير السابق، الذي أصدره مركز عمران وغطى الفترة الممتدة من تموز/ يوليو وحتى كانون الأول/ ديسمبر 2020، إذ سجّل التقرير السابق 27 عملية اغتيال في تلك الفترة، في حين رصد التقرير الحالي تنفيذ 25 عملية. بالمقابل، توضّح الأرقام انخفاضاً في معدل عدد الضحايا، مقارنة بالتقرير السابق، الذي سجّل 240 ضحية، بينما بلغ مجموع عدد الضحايا خلال فترة الرصد الحالية 105 ضحايا. وقد يُردّ ذلك إلى اختلاف أهداف العمليات الحالية وأدوات التنفيذ المستخدمة فيها، والتي اعتمدت بنسبة 36% على الطلق الناري، كما أن أغلب العمليات المُنفَّذة عبر العبوات الناسفة استهدفت شخصيات عسكرية/مدنية بعينها، في حين استهدفت آليات النقل المفخخة في أغلبها تجمعات مدنية خالصة، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 72%، مقابل 28% من عناصر "الجيش الوطني" (الشكل 3).
أما بالنسبة للجهات المُنفِّذة، فيُلحظ من البيانات، إعلان وزارة الدفاع التركية مسؤولية "قوات سوريا الديمقراطية" عن 8% من مجموع العمليات المرصودة. في حين بقيت 92% من عمليات الاغتيال مجهولة المُنفِّذ، الأمر الذي يشير إلى استمرار تردي الواقع الأمني، وضعف قدرة الجهات المسيطرة على تتبع تلك العمليات والكشف عن منفذيها والحد منها.
وبالرغم من أن التقرير سجّل تراجعاً طفيفاً في معدل عمليات الاغتيال في المنطقة، مقارنة بالتقرير السابق؛ إلا أن الواقع ما يزال يشير إلى اتساع الخرق الأمني، مقابل عدم تقدم القوى المسيطرة في ضبط الاستقرار وتضييق حجم هذا الخرق. خاصة في ظل اتهامات لأطراف وجهات عدة بالسعي إلى زعزعة الأمن والاستقرار، وتقاطع مصالحها في ذلك، كحزب الاتحاد الديمقراطي"PYD" وخلاياه النشطة في المنطقة، التي يعدونها امتداداً للنفوذ التركي ومن فيها "أهداف مشروعة"، إضافة إلى النظام الذي يسعى إلى زعزعة أمن المنطقة وإفشال أي نموذج أمني/حوكمي فيها.
ثانياً: عفرين (تبنٍ علنيّ)
من خلال رصد وتحليل البيانات لعمليات الاغتيال الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها من المناطق، يتضح أنها شهدت بالعموم: 16 عملية اغتيال خلال 6 أشهر من الرصد، أسفرت عن 140 ضحية بين قتيل وجريح. وقد نُفِّذت عمليتان من مجموع العمليات الـ 16 عبر الطلق الناري، حققتا غايتهما في تصفية الجهة المستهدفة، وكان عناصر "الجيش الوطني" هدفاً لهاتين العمليتين اللتين بقيتا مجهولتي المُنفِّذ.
بالمقابل، وبحسب البيانات المرصودة، نُفِّذت 14 عملية من مجمل العمليات الـ 16 عبر العبوات الناسفة (الشكل 4)، واستهدفت عناصر ومجموعات لـ "الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، في حين استهدفت أخرى تجمعات مدنية خالصة، ما أدى إلى وقوع 28 قتيلاً و110جرحى (الشكل 5)، 110منهم من الضحايا المدنيين، و28 من عناصر "الجيش الوطني"، وقد تبنّت "غرفة عمليات غضب الزيتون" عبر معرفاتها الرسميّة 3 من مجموع عمليات العبوات الناسفة، كما تبنّت "قوات تحرير عفرين" 3 من مجموع العمليات أيضاً، فيما بقيت 8 محاولات مجهولة المُنفِّذ.
وتبيّن أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها، ارتفاعاً طفيفاً في معدل عمليات الاغتيال، مقارنة بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران، وغطى الفترة الممتدة من تموز وحتى كانون الأول 2020، إذ سجّل التقرير السابق 14 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 16 عملية. وعلى الرغم من ارتفاع معدل عمليات الاغتيال مقارنة بالتقرير السابق؛ إلا أن نسبة الضحايا في التقرير الحالي كانت أكبر، فقد بلغت خلال أشهر الرصد الحالي 140 ضحية، في حين سجّل التقرير السابق 95 ضحية. وقد يُردّ ذلك إلى اختلاف الأهداف وأدوات التنفيذ في أغلب العمليات الحالية، حيث اعتمدت بنسبة 88% على العبوات الناسفة، التي استهدفت شخصيات أو مجموعات عسكرية وسط تجمعات مدنيين، مقابل أخرى استهدفت تجمعات مدنية كالأسواق والأفران، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 79%، مقابل 21% من عناصر "الجيش الوطني" (الشكل 6).
بالمقابل، يُلحظ من خلال البيانات نشاط واضح لغرفة عمليات "غضب الزيتون" و "قوات تحرير عفرين"، فقد تبنّتا تنفيذ 38% من مجمل عمليات الاغتيال المُنفَّذة في المنطقة، إذ يبدو أنها تركّزان عملياتهما ونشاطهما الأمني في عفرين، التي شهدت أكبر عمليات اغتيال تبنتها الغرفة قياساً بباقي المناطق. بينما بقيت 62% من مجموع العمليات مجهولة المُنفذ. وقد استهدفت تلك العمليات في أغلبها عناصر "الجيش الوطني"، والذين تحولوا إلى أهداف متحركة داخل مدينة عفرين، سواء على المستوى الفردي عبر تصفية أفراد بعينهم، أم على مستوى جماعي عبر استهداف مجموعاتهم العسكرية وسط تجمعات مدنية، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين. وتنسجم طبيعة تلك العمليات مع الرؤية المعلنة لـ"غرفة عمليات غضب الزيتون"، والتي تعتبر المنطقة "امتداداً للنفوذ التركي" وترى المقاتلين المحليين والعوائل المهجّرة بالإطار ذاته، وبالتالي تكثف من عملياتها وتشرعنها تحت هذا الغطاء، دون تمييز بين مدني وعسكري.
بالمقابل، فإن حركة الاغتيالات في عفرين والتبني الواضح لها، يتناسب طرداً مع مستوى القدرة الأمنية للجهات المُسيطرة، فعلى الرغم من تسجيل مناطق "درع الفرات" نسبة أكبر بعمليات الاغتيال (25) من عفرين ومحيطها (16)؛ إلا أن ذلك لا يعني اختلافاً كبيراً في مستوى الضبط الأمني، خاصة وأن أغلب العمليات التي نُفّذت في عفرين كانت "نوعيّة"، ناهيك عن وضوح الجهات التي تقف خلفها، وهي "غرفة عمليات غضب الزيتون" و"قوات تحرير عفرين"، وتوسيعهما لنشاطهما بشكل يشير إلى ارتفاع مستوى تلك العمليات وتوسيع دائرة أهدافهما، وزيادة النشاط الأمني لبقايا خلايا حزب الاتحاد الديمقراطي"PYD". مقابل استمرار الخرق الأمني في المنطقة، وعدم إحراز تقدم كبير على مستوى الضبط من قبل الجهات المسيطرة.
ثالثاً: "نبع السلام" (اتهامات لـ PKK)
يشير الرصد الخاص بمنطقتي رأس العين وتل أبيض، واللتين شكلتا نطاق العملية العسكرية "نبع السلام"، إلى بلوغ عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 12عملية اغتيال، نُفّذت عمليتان منها عبر الطلق الناري، حقتتا غايتهما في تصفية الجهة المستهدفة (الشكل 7). في حين كانت العبوة الناسفة أداة لتنفيذ 10 عمليات، استهدفت عناصر ومجموعات "الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، بينما استهدفت أخرى جهات مدنية، ما أدى إلى وقوع 58 ضحية بين قتيل وجريح (الشكل 8)، منهم 42 مدنياً، و16 من عناصر "الجيش الوطني". وكانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك العبوات بواقع 5 محاولات، مقابل 5 محاولات أيضاً استهدفت جهات مدنية.
ويتضح من خلال البيانات الخاصة بمدينتي رأس العين وتل أبيض "نبع السلام"، انخفاض طفيف في عمليات الاغتيالات، قياساً بالتقرير السابق، والذي سجّل 15 عملية اغتيال، في حين سجّل التقرير الحالي 12 عملية، بالمقابل يُلحظ انخفاض في معدل ضحايا تلك العمليات، قياساً بالتقرير السابق، والذي سجّل وقوع 97 ضحية بين قتيل وجريح، في حين رصد التقرير الحالي وقوع 60 ضحية بين قتيل وجريح. وقد يُردّ ذلك من جهة إلى الانخفاض الطفيف في معدل عمليات الاغتيال عن سابقتها في التقرير الفائت، ومن جهة أخرى إلى تغيير نوعية الأهداف التي باتت تركز على استهداف أفراد بعينهم سواء كانوا مدنيين أم عسكرييين عبر العبوات الناسفة والطلق الناري، مقابل عمليات أخرى استهدفت تجمعات مدنية متوسطة الكثافة أو عناصر من "الجيش الوطني" وسط تجمعات مدنية. ما أدى إلى وقوع عدد من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 70%، في حين شكّلت نسبة عناصر "الجيش الوطني" 30% (الشكل 9).
أما بالنسبة للجهات المُنفِّذة، فعلى الرغم من عدم وجود تبنٍ علني لتلك العمليات، إلا أن مصادر جمع البيانات تشير إلى اتهامات لخلايا حزب العمال الكردستاني "PKK" في الضلوع بأغلب تلك العمليات، خاصة وأن طبيعة العمليات لا تختلف عن سابقاتها في مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، من ناحية الأهداف والأدوات وأساليب التنفيذ.
ومن خلال الأرقام السابقة لمختلف المناطق المرصودة، يتضح أن مناطق سيطرة "الجيش الوطني" في ريف حلب الغربي "درع الفرات" الأكثر تردياً أمنياً، قياساً بمناطق (عفرين، تل أبيض، رأس العين). وذلك لناحية ارتفاع وتيرة الاغتيالات واتساع الخرق الأمني وتعدد الجهات المُنفِّذة واختلاف مصالحها وارتباطاتها، مقابل ضعف قدرة القوى المُسيطرة على ضبط الاستقرار وتضييق حجم هذا الخرق. ولعل ارتفاع معدل العمليات إلى هذا الحد لا يُعدُّ مؤشراً على عجز التشكيلات الأمنية لـ "الجيش الوطني" على ضبط الأمن والاستقرار بالنسبة للمدنيين فحسب، وإنما ضعف قدرتها أيضاً على تأمين وحماية عناصرها، وهذا ما تدلل عليه طبيعة تلك العمليات، الممتدة إلى مختلف مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، والتي شهدت عمليات اغتيالات لا تختلف كثيراً عن سابقتها، لناحية طبيعتها والجهات المُنفِّذة والمُستَهدَفة. ومهما اختلفت دوافع تنفيذها والجهات التي تقف وراءها؛ فإن الحد منها وتحمُّل مسؤولية نتائجها يقع في النهاية على عاتق القوى والتشكيلات العسكرية والأمنية المُسيطرة في تلك المناطق، سواء "الجيش الوطني" أم القوات التركية.
رابعاً: إدلب وما حولها (أهداف متعددة)
من خلال البيانات المرصودة، يتضح أن عدد عمليات الاغتيال فيما تبقى من محافظة إدلب وما حولها بلغ 17 عملية، خلال 6 أشهر من الرصد، حققت 5 عمليات منها غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، بينما فشلت 12 محاولة في ذلك بعد نجاة الطرف المُستَهدَف. وقد أسفر مجموع العمليات عن 37 ضحية، منهم 12 قتيلاً و25 جريحاً.
أما بالنسبة لأدوات التنفيذ، فقد اعتمدت 6 عمليات اغتيال على الطلق الناري، نجحت 3 منها في تصفية الهدف، بينما فشلت 3 عمليات في ذلك، وأسفر مجموع عمليات الطلق الناري عن 7 ضحايا، بينهم قاضٍ و 4 من الفصائل الجهادية ضمنهم قائد ميداني. بينما نُفِّذَت 11 عملية عن طريق العبوات الناسفة، أسفرت عن 30 ضحية، منهم 7 من فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير" ضمنهم قياديون ميدانيون، مقابل 6 مدنيين ضمنهم عضو مجلس محلي، في حين استُهدِف عناصر "هيئة تحرير الشام" في عملية أسفرت عن قتيلين، كما استُهدِف عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة بـ 4 محاولات أسفرت عن 15 بين قتيل وجريح (الشكل 10).
ومن مُجمل عمليات الاغتيال الـ 17، استُهدِف عناصر وقيادات "مجموعات جهادية" بواقع 5 عمليات، بينما كانت فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير" هدفاً في 3 منها، في حين تم استهداف جهات مدنية بواقع 5 عمليات، كما تم استهداف الجيش التركي في 4 محاولات (الشكل 11). أما بالنسبة للجهة التي تقف وراء تلك العمليات، فقد تبنّت سرية "أنصار أبي بكر الصديق" محاولة وحيدة استهدفت عناصر الجيش التركي، في حين بقيت المحاولات الـ 16 الأخرى مجهولة المُنفِّذ، حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.
ويتضح من خلال بيانات الرصد الخاصة بمناطق إدلب وما حولها، انخفاض طفيف في معدل عمليات الاغتيال، قياساً بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران، وغطى الفترة الممتدة من تموز وحتى كانون الأول 2020. إذ سجّل التقرير السابق 18 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 17 عملية. كما تشير البيانات إلى تعدد الجهات محل الاستهداف، فقد كانت الجهات المدينة والفصائل الجهادية الأكثر استهدافاً خلال فترة الرصد الحالي بمعدل 29% لكل منهما من مجموع العمليات. بينما كان عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة هدفاً في 24% من عمليات الاغتيال المُنفَّذة خلال فترة الرصد، إذ يلحظ التقرير الحالي ازدياداً واضحاً في استهدافهم، قياساً بالتقرير السابق، الذي لم يرصد أية محاولة ضدهم. في حين مثلت "الجبهة الوطنية للتحرير" هدفاً في 18% من مجموع العمليات.
وبالرغم من تعدد أدوات تنفيذ عمليات الاغتيال؛ إلا أن الجزء الأكبر من تلك العمليات كانت انتقائية، فقد اعتمدت بنسبة 35% على الطلق الناري، مقابل 65% اعتمدت العبوة الناسفة كأداة للتنفيذ، مستهدفة أشخاصاً بعينهم بطريقة غير عشوائية، سواء بالنسبة للعسكريين أم المدنيين، ما أدى إلى وقوع ضحايا إضافيين ضمن محيط التفجير، أو من مرافقي الشخصية المستهدَفة. حيث بلغت نسبة الضحايا المدنيين 22% مقابل 78% من العسكريين (الشكل 12).
وتشير طبيعة العمليات وأدوات التنفيذ المستخدمة ضمنها، إلى اختلاف واضح في طبيعة الاغتيالات المنفذة في إدلب عن باقي مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، التي تغلب عليها العمليات العشوائية بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، بينما تبدو العمليات في إدلب منتظمة ومدروسة باتجاه تصفية شخصيات مدنية وعسكرية محددة، وذلك ضمن بيئة معقدة أمنياً، ومتعددة اللاعبين ذوي المصالح المتضاربة، في مؤشر لفوضى البيئة أمنياً وتراجع القدرة على الضبط والسيطرة. ولعل ما يؤكد ذلك هو انخفاض نسبة الضحايا المدنيين في المنطقة مقارنة بالعسكريين، الأمر الذي يختلف كلياً عن باقي مناطق سيطرة الجيش الوطني حيث يشكل المدنيون النسبة الأكبر من حصيلة عمليات الاغتيال ضمنها.
خاتمة
تفيد القراءة العامة لهذا التقرير بما يحمله من أرقام وبيانات عن عمليات الاغتيال، باستمرار ضعف الحالة الأمنية في جميع المناطق المرصودة ضمن الشمال السوري، وضعف قدرة القوى الفاعلة وتعثرها في الحد من هذه العمليات، التي تسهم في تراجع مؤشرات الأمن والاستقرار على مختلف المستويات.
وعلى الرغم من محاولات بعض الفصائل والتشكيلات العسكرية المعارضة تطوير أدواتها في ضبط الأمن، من خلال أجهزة الشرطة والشرطة العسكرية، وازدياد أعداد المنتسبين لتلك الأجهزة، وتخريج عدد من الدورات؛ إلا أنها ما تزال غير قادرة على الحد من تلك العمليات، ولا تملك قدرة الوصول إلى مُنفّذيها، الأمر الذي يستدعي إعادة هيكلة تلك الأجهزة، ورفع مستوى التدريب الخاص بعناصرها، ورفدهم بكافة التجهيزات اللوجستية والتقنية التي تساعد في الحد من تلك العمليات، إضافة إلى رفع مستوى التنسيق الأمني بين المناطق المختلفة، وتشكيل لجان أمنية مشتركة للتنسيق بين تلك المناطق من جهة، ولإعادة هيكلة آليات التنسيق الأمني بين الجانبين التركي والسوري من جهة أخرى، خاصة مع وجود عوائق إدارية تحول دون الشكل الأمثل لهذا التنسيق، وبالتالي تسهم بشكل مباشر وغير مباشر بتوسيع هامش الخرق الأمني.
مقابل كل ذلك، لا بد من الدفع لإشراك المجتمع المحليّ والتنسيق مع فعالياته ومؤسساته المدنيّة في هذا الإطار، والسعي لتجسير أي هوة بين تشكيلات قوى الأمن الداخلي والمجتمعات المحلية العاملة ضمنها، بما يسهّل مهمتها ويعزز من حالة الأمن، ويرفع المسؤولية بأهميتها للجميع، وبشكل يسهم في تأمين بيئة أمنيّة مناسبة لنشاط المؤسسات المدنية. إضافة لذلك، من المهم أن تعمل القوى الأمنية والعسكرية المسؤولة عن تلك المناطق، على التعاطي مع الاغتيالات والتفجيرات بشفافية أعلى، عبر إعلان بيانات وأرقام رسميّة عن طبيعة تلك العمليات والمسؤولين عنها ونِسب العمليات التي نُفِذّت مقارنة بالمحاولات التي تم إحباطها قبل وقوعها، وذلك بشكل دوري يوضَح وتيرة الاغتيالات والجهد المقابل في مكافحتها والحد منها، ويضع الرأي العام المحلي-الدولي بصورة الواقع الأمني في المنطقة.
ولا يُعد تردي الأوضاع الأمنية محلياً ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة، أمراً منفصلاً عن السياق العام للملف السوري وتعقيداته، والتي ترمي بظلالها محلياً على مختلف المناطق السورية، بغض النظر عن القوى المسيطرة، إذ إن حالة الفوضى الأمنية التي تجلت بصورة الاغتيالات في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، تتكرر بصور وأدوات وكثافة مختلفة ضمن مناطق سيطرة نظام الأسد، وكذلك مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، على الرغم من المركزية الأمنية التي تحكم تلك المناطق، والمفتقَدة في مناطق سيطرة فصائل المعارضة.
([1] ) "غرفة عمليات غضب الزيتون": وهي بحسب توصيفها لنفسها عبر معرفاتها الرسميّة؛ "مجموعة من شباب وشابات عفرين، مختصة بالعمليات ضد "مرتزقة الاحتلال التركي"، وتقوم باغتيال المقاتلين المحليين المدعومين من تركيا، بالإضافة إلى المقاتلين الأتراك المتواجدين في المنطقة، للاطلاع والتعرف أكثر على هذه المجموعة راجع الرابط التالي: http://www.xzeytune.com
([2] )"سرية أنصار أبي بكر الصديق": فصيل عسكري ينشط في إدلب، "يدّعي استقلاليته وعدم تبعيته لأي جهة"، ينشط في عمليات أمنية ضد عناصر الجيش التركي في محافظة إدلب، للمزيد راجع: ما هوية "السرية" التي نفذت 19 هجوماً ضد القوات التركية في إدلب، السورية.نت، 24 تشرين الأول/أكتوبر، متوافر على الرابط التالي: https://bit.ly/3r92NuR
([3] ) "قوات تحرير عفرين": هي مجموعة من المقاتلين الكرد، الذين يصفون تجمعهم بــ "حركة مقاومة” عبر شن هجمات تستهدف الجيش التركي و"الجيش الوطني" المدعوم من تركيا في عفرين ومناطق أخرى، كما أن هذه الحركة لا تقول صراحة إنها تابعة لـحزب الاتحاد الديمقراطي PYD أو "قسد". للمزيد حول طبيعة عمليات تلك الحركة راجع: مجموعة "تحرير عفرين" تتبنى استهداف نقطة تركية بريف حلب، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 13 أيلول/سبتمبر 2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/2f6xU
([4]) فيما يتعلق بمصادر التقرير فهي على الشكل التالي: 1) نقاط الرصد الخاصة بمركز عمران للدراسات الاستراتيجية في الشمال السوري. 2) التقرير الأمني الخاص الصادر عن مكاتب منظمة "إحسان الإغاثية" في الشمال السوري. 3) المُعرّفات الرسمية للجهات التي تم استهدافها (مدنية، عسكرية). 4) المُعرّفات الرسمية للجهات المُنفِذة، أو التي تعلن تبنيها للعمليات كـ "غرفة عمليات غضب الزيتون". 5) المُعرّفات والمواقع الرسمية للوكالات ووسائل الإعلام المحليّة، والتي تقوم بتغطية الأحداث في
مناطق الرصد.
([5]) للاطلاع على التقرير السابق "الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من تموز حتى كانون الأول 2020"، راجع الرابط التالي: https://bit.ly/3l8pagk
[6])) بيان صادر عن وزارة الدفاع التركية تعلن من خلاله تنفيذ "قوات سوريا الديمقراطية" لعمليتي اغتيال في مناطق "درع الفرات"، متوافر على الرابط: https://bit.ly/3FQzWzx