مركز عمران للدراسات الاستراتيجية - Omran Center
Omran Center

Omran Center

الملخص التنفيذي

  • تستقي الأجساد العسكرية التابعة لـ “الإدارة الذاتية" مرجعيتها من تظافر مجموعة من العوامل المتسقة مع طبيعة التوجه السياسي الشمولي للحزب المسيطر على تفاعلات هذه الإدارة، أي لا تنبع هذه المرجعية من ضرورات شعبية وتمثيلية بقدر ما هي " متطلبات المشروع السياسي" و"التمكين المحلي"، وبالعموم يمكن اسناد تلك المرجعية لجهتين رئيسيتين الأول: المستندات السياسية لحزب الاتحاد الديمقراطي  ناهيك عن أدوار منظومتي" KCK ROJAVA”، و"TEV_DEM" في عملية التشكيل المرجعي للأجسام العسكرية والثاني: الربط الإداري مع المنظومة الإدارية أو لتشريعية والتنفيذية لـ"الإدارة الذاتية".
  • يمكن ارجاع بدايات التكوين العسكري للمنظومات العسكرية التابعة والموالية لـ PYD إلى فترتين زمنيتين، الأولى تتجلى في تشكيل خلايا بسيطة عقب انتفاضة 2004 في بعض القرى لكن لم تتطور لتشكيل اي فصيل عسكري تابعٍ لحزب PYD في الفترة السابقة للثورة في سورية، حيث كانت كافة نشاطات الحزب العسكرية مرتبطة بحزب العمال الكُردستاني كتجنيد الشباب والفتيات. أما الفترة الثانية فيمكن تتبع خيوطها الأولى بقيام PYD بتشكيل خلايا منظمة للعمل العسكري ضمن صفوف ما يعرف بـ"حركة شبيبة الثورة" بإمرة "خبات ديريكي.
  • وعلى الرغم السيطرة العسكرية للبنى العسكرية التابعة للإدارة الذاتية أتت نتيجة تظافر مجموعة من العوامل الداخلية (كتوظيف الازوداجية في البنى ما بين النظام والإدارة الذاتية في دعم الاستقرار) والخارجية (كدعم التحالف الدولي) إلا أن هذا لا ينفي البعد الذاتي لتلك البنى.
  • تمثل YPG وYGJعماد القوات العسكرية التابعة للإدارة الذاتية، واعتمدت الوحدات على عناصر حزب العمال الكُردستاني في التدريب الفكري والعسكري. ويقدر عدد مقاتليه ما بين 20 إلى 30 ألف وذلك بخلاف ما يتم الإعلان عنه. وفيما يتعلق بالتراتبية العسكرية والهيكل التنظيمي، فقد استنبطت هذه الوحدات ذلك من تجربة حزب العمال الكُردستاني. وضمن النظام الداخلي لوحدات حماية الشعب يتم الإقرار بوجود أكاديميتين إحداهما للرجال والأخرى للنساء باسم "أكاديمية الشهيدة شيلان "، كما استفاد الذراع النسوي العسكري من تجربة حزب العمال الكُردستاني والذي كان قد التحق بصفوفه المئات من الفتيات من المناطق الكُردية في سورية، وعادت الكثيرات منهن ليقمن بتدريب وتنظيم الجناح النسوي ضمن صفوف وحدات حماية الشعب بداية الثورة
  • اتجهت الإدارة الذاتية نحو إعادة الهيكلة والترويج لتشكيل أفواجٍ عسكرية منذ بداية العام 2017، هذا التوجه جاء بالتوازي مع التحالف الدولي وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية دعمها " لقوات سوريا الديمقراطية"، واتساع المساحات التي تسيطر عليها قوات حماية الشعب وقوات قسد، ولم يظهر حتى الآن اختلاف كبير بين هيكلية الافواج المعلنة عن تلك التي تقوم وحدات حماية الشعب بتطبيقها على عناصرها في الوقت الحالي وهي: الوحدة (Tîm)؛ الفصيل (Taxim) ويتألف من ثلاث وحدات؛ السرية (Belûk). وتتألف من أربع إلى ستة فصائل؛ الكتيبة Tabûr). من أربع إلى ثمانية فصائل، يكون عدد عناصرها من أربعين إلى خمسين عسكري؛ الفوج (Foc). من أربع إلى ثمانية كتائب، وسيصل عدد عناصرها من ثلاثمئة إلى أربعمائة عسكري.
  • ومن القوى الرئيسية العسكرية الفاعلة تبرز أيضاً قوات الدفاع الذاتي HPX والقوى "المسيحية"، كما يردف وحدات حماية الشعب أيضاً مجموعة من القوى الأجنبية أهمها: كتيبة الحرية العالمية في رأس العين/ سريه كانيه بتاريخ 10/06/2015، وينتمي أفرادها لجنسيات وخلفيات إيديولوجية متعددة في مقدمتها اليسار التركي وبشكل رئيسي من قبل الحزب الشيوعي الماركسي اللينيني MLKP التركي ”، وجيش العمال والقرويين لخلاص تركيا إضافةً إلى الحركات اليسارية المنتشرة في أوربا الشرقية وتنقسم الكتيبة إلى عدة تشكيلات أهمها لواء (بوب كرو BCB ) نسبةً إلى زعيم نقابي بريطاني. ولواء (هنري كرازوكي) نسبةً إلى قائد شيوعي فرنسي. وتابور العالميين المقاومين للفاشية   وطابور مناهضة الفاشية العالمية AIT.
  • أعلن عن تشكيل قوات الأسايش كقوة أمنية مركزية بالتزامن مع سيطرة "مجلس غربي كردستان" على المدن والمناطق ذات التواجد الكردي، وبدأت عملها بعد انسحاب قوات النظام من مدن عين العرب "كوباني" ومدن رميلان والمالكية "ديريك"، ومنذ اعلانها أعلنت الأسايش تبعيتها لسلطة الهيئة الكردية العليا والتي كانت قد تشكلت من المجلس الوطني الكُردي ومجلس غربي كردستان، والآن ترى نفسها تابعةً لمجلس سوريا الديمقراطية، وللمجلس التشريعي الخاص بالإدارة الذاتية.

ويتبع لها عدة مؤسسات كشرطة المرور (ترافيك) وقوات مكافحة الإرهاب HAT وأسايش المرأة و أمن الحواجز وجهاز الأمن العام وشعبة مكافحة الجريمة المنظمة.

  • مما لا شك فيه أن البنى الأمنية والعسكرية أعلاه تشكل العصب الرئيسي للإدارة الذاتية، إلا أن التحالف العسكري الذي أنشأته قوات وحدات حماية الشعب مع فواعل آخرين بالمنطقة شكلاً بعداً إضافياً ومهماً ضمن هذه البنى، وذلك نظراً لتنامي حضور هذا التحالف (الذي يشكل الـ YPG عصبه الرئيس والمتحكم) سياسياً وعسكرياً في المشهد السوري عامة وفي مشهد "معركة الإرهاب" خاصة بعد توكيله من قبل التحالف الدولي بالمهام الميدانية والبرية في هذه المعركة.
  • شارك في الاجتماع التأسيسي لقوات سوريا الديمقراطية بالإضافة إلى وحدات حماية الشعب YPG ووحدات حماية ال مرأةYPJ، وقوات السوتورو المتحالفة YPG كلاً من جيش الثوار والمجلس العسكري السرياني MFS وجيش الصناديد وجبهة ثوار الرقة (لواء ثوار الرقة) وكتائب شمس الشمال وتجمع ألوية الجزيرة ولواء التحرير ولواء 99 مشاة، كما انضم لاحقاً لقوات قسد عدة كتائب وفصائل أهمها تجمع الضباط الأحرار ، مجلس منبج العسكري المكون من (ثوار منبج، لواء جند الحرمين، تجمع ألوية الفرات، لواء القصي، كتيبة تركمان منبج، وكتائب شمس الشمال التي تم التوسع فيها أعلاه )، وجيش العشائر، أما قوات النخبة  فهي قوات متحالفة مع قسد.
  • يشكل الدعم الأمريكي لـ"قسد" أحد أهم أسباب استمراره، هذا الدعم الذي تم عبر عدة اتجاهات ساهمت في تمتين بناه وتطوير قدراته إذ يبدأ الدعم في تقديم الغطاء الجوي خلال المعارك وضمان عدم تعرض وحدات الحماية  خطواتٍ هجومية ضدها  والاستمرار في  إرسال الخبراء والمستشارين وعناصر قوات المارينز ووحدات أمريكية أخرى إلى المناطق الخاضعة لسيطرة " قسد" ورافق هذه الاتجاهات في الدعم استمرار قيادة التحالف بزيادة الدعم المسلح لقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب وبناء عدد من القواعد العسكرية والتي تقدر بين 5_6 قواعد في ريف الحسكة وريف حلب وريف الرقة.
  • يظهر العديد من الاختلافات البنيوية بين القوى الرئيسية المنضوية تحت مظلة قسد وكان بشكل دائم وحدات حماية الشعب أحد أطرافها وهي خلافات مستمرة إلى الآن، لكنها في وضعية التجميد، وتعود بعضها إلى المرحلة السابقة لتشكيل " قوات سوريا الديمقراطية"، خصوصاً تلك التي حدثت بين YPG وجيش الصناديد، وبعد تشكيل "قسد" حدثت خلافات كبيرة مع " جيش العشائر"، ولاحقاً لواء التحرير، وخلال معركة الرقة ظهرت الخلافات بين وحدات حماية الشعب وقوات " النخبة" التابعة لتيار الغد.
  • رغم الاتساق والتوافق الشكلي مع مبررات التكوين العسكري وضروراته الهيكلية، فإن الأجسام العسكرية والأمنية وحتى التحالف العسكري الذي تشكل قوات حماية الشعب عصبه الرئيس ترتبط وظيفياً وسياسياً بحزب الاتحاد الديمقراطي ذو الحضور الاشكالي في المشهد السوري والإقليمي وهو ما يجعله أذرع تابعة له ولأجندته التي يختلط فيها الأداء السياسي المحلي مع العابر للوطنية بطريقة تعود بآثار بالغة السلبية على المستوى المحلي والإقليمي.

 

*لقراءة المادة كاملة انقر هنا لتحميل الملف المرفق..

الإثنين, 30 تشرين1/أكتوير 2017 18:54

مقال: على طريق استعادة القرار الوطني

على طريق إنتاج الدولة البديلة، وفي سبيل إعادة تمثيل المجتمع المدني في عملية صنع القرار الوطني السياسي والإداري التنفيذي للمعارضة السورية، يجدر بنا إعادة النظر في  المشكلات البنيوية والوظيفية التي تفرز العطالة الحاصلة في بناء شرعية سياسية وقانونية منافسة ومهددة لسلطة الأسد، وفي حين أن عملية صنع القرار الإداري والتنفيذي لا تزال تشهد تفاعلاً متنامياً  ضمن أطر  الفواعل المحلية (على مستوى الخطط والمشاريع والتنسيق البيني من خلال المجلس الأعلى للإدارة المحلية، أو على مستوى التوجية والقوننة والمأسسة من خلال وزارة الإدارة المحلية في الحكومة السورية المؤقتة)، وبإشراف ومراقبة مجتمعية يتولى مهامها منظمات المجتمع المدني وقواه الفاعلة من الأدنى إلى الأعلى، فإن  الفعل السياسي المعبر عن تطلعات وآمال قطاعات كبرى من السوريين لايزال محكوماً بدرجة كبيرة من التشظي وغياب الرؤية وعدم الانسجام والفردية، و يمكننا الحديث عن ثلاثة أنماط من الفعل السياسي التي يمكن للقوى المدنية في مرحلة ما قبل الحياة الحزبية أن تضطلع بها من الأدنى إلى الأعلى ، فنتكلم عن "الدفع السياسي" و"الفعل والممارسة السياسية"  و"الهوية السياسية".

نتجنب في هذا المقال التناول المباشر للظروف الموضوعية الدولية والإقليمية الطارئة على الحالة السورية ونسهب أكثر ببعض أوجه القصور  في تمثيل الجزء الأكبر من المجتمع السوري الذي يقارع سلطة الأسد منذ أكثر من 7 سنوات، حيث تكمن إمكانية تجاوز هذا الخلل في مدى القدرة على تمثيل هذا المجتمع ضمن بنى تمثيلية إضافة إلى قوة منظمات المجتمع المدني وارتباطها الفعلي بمصالح المجتمعات المحلية نفسها لا بتوجهات الدول ورغبات المانحين، حيث تعكس العلاقة المضبوطة والممأسسة والمحوكمة (القدرة على الرقابة والإشراف المتبادل والشفافية والمساءلة والمشاركة والتشاركية) بين المجتمع المدني ومنظمات المجتمع المدني والمجالس المحلية مدى قدرة المجتمعات المحلية على التعبير عن تطلعاتها والدفع بمطالبها إلى سدة لائحة المطالب الضاغطة على الفاعل الوطني والدولي.

في المستويات الإدارية الدنيا ضمن الوحدات الإدارية الصغرى يصبح تمثيل السكان المحليين أكثر معقولية وفعالية، فيما يكتفى في المستويات الأعلى كمجالس المدن والمحافظات بتعيين ممثلين عن الوحدات الصغرى يحكم تعيينهم مجموعة من الشروط المتعلقة بالكفاءة والمقدرة والنزاهة، حيث يقتصر الانتخاب في هذه المستويات أو التوافق على عملية اختيار رئيس المجلس ونائبه ، أما من حيث الوظيفة السياسية فتتعاكس الأدوار السياسية أو أنماط الفعل السياسي كما أسميناها آنفاً من الأدنى إلى الأعلى فيتم التركيز على الدفع السياسي في المستويات الدنيا وتضطلع بهذا الفعل منظمات المجتمع المدني والمجالس المحلية والهيئات الثورية المحلية والتي تمثل بمجموعها هوية المحلة السياسية العامة بغض النظر عن التوجهات السياسية الجزئية الناشئة ضمن المحلة نفسها إذا ما تناولنا حالة الاستقطاب المتولدة بين مجتمعات معارضة للأسد وأخرى موالية له وثالثة ذات  رؤى إثنية أو طائفية.

 أما مستويات المحافظات فتستمد هويتها السياسية من هوية الوحدات الإدارية التابعة لها سواء كانت مهجرة أو قائمة ضمن حدودها الإدارية الأمر الذي يدفع بأهمية تمثيل أكثر من 7 مليون نازح داخل الأراضي السورية، حتى لا يضيع صوتهم السياسي ولا يحتكر نظام الأسد تمثيلهم وصبغ مناطقهم بهويته السياسية وخاصة حين يتم طرح شكل الحل السياسي من خلال شراكات محلية من الأدنى إلى الأعلى، وضمن هذا التفصيل تزداد أهمية تحول مجالس المحافظات من حالة الدفع السياسي وتمثيل الهوية السياسية إلى حالة المشاركة الفعلية في صنع القرار السياسي.

يمكن التمييز هنا بين سياقين أساسيين:  سياق المحافظات الخاضعة للسيطرة السياسية للنظام بأجزاء كبيرة منها (دمشق – حماه) أو كلياً (السويداء –طرطوس)؛  وسياق المحافظات الخارجة عن سيطرته كلياً (إدلب) أو بأجزاء كبيرة منها (درعا)،يزداد في السياق الأول دور مجالس المحافظات السياسي ومدى قدرتها على التعبير عن هوية المحافظة السياسية من خلال تمثيل الوحدات المحلية الأدنى الخاضعة للنظام (على مستوى الطبقة المناوئة للنظام )والخارجة عن سيطرته تمثيلاً يشمل هذه الوحدات جميعاً، في حين يتراجع دور هذه المحافظات في الإشراف على قطاع الخدمات والإدارة ويقتصر على عمليات المأسسة التحضيرية (للمرحلة القادمة) والإشراف على التوثيق المؤسسي والحقوقي ورعاية شؤون المهجرين والناشطين في المناطق الخاضعة لسلطة النظام السياسية قدر المستطاع وإدارة عمليات الإغاثة، فيما لا يقتصر الفعل السياسي في السياق الثاني على دور مجالس المحافظات بل تلعب الفصائل العسكرية بمجموعها  دوراً أساسياً في صناعة الفعل السياسي وعليه يجدر الاهتمام في هذا السياق بتشكيل مجالس لقيادة المحافظات تضم مجالس المحافظات  والفصائل العسكرية القائمة بها على أساس أن الفعل العسكري في الحالة السورية بشكل عام ينطلق من حالة محلية أو من حالة فصائلية عابرة للحدود الإدارية يقابلها في بنية النظام حالة محلية أيضاً وحالة الجيش الرسمي، وتأخذ مجالس المحافظات في هذا السياق دورها بشكل كامل في تمثيل كامل سكان المحافظة المدنيين (السكان الغير المسجلين في ذاتيات الفصائل العسكرية)،وفي إدارة الخدمة وتوفيرها  وفي الإشراف على الشرطة المحلية، في حين تشارك في مجلس القيادة على مستوى المحافظة في تمثيل القرار السياسي لهذه المحافظة إضافة إلى القوى العسكرية والشخصيات الوطنية الأخرى في المحافظة.

لقد تمكن الفاعلون الدوليون والإقليميون الرئيسيون من تطويع المسارات السياسية المعقدة، من خلال فتح خطوط التفاوض مع المستويات المحلية الدنيا (فصائل محلية بشكل أساسي)، في محاولة لتفكيك الكمون السياسي للكتلة الاجتماعية الممناعة لشكل الحل السياسي المطروح وبالشكل الذي يمنح هذا الحل مشروعية وديمومة، خاصة فيما يتعلق بالمسائل العالقة ( مسألة بقاء الأسد – تطبيق العدالة الانتقالية – اللامركزية ...إلخ) مما يعني تفريغ الفعل السياسي المعارض على المستوى الوطني العام من مضمونه ومحتواه وتبديد مصادر قوته وذلك ببناء الحل النهائي على مجموعة من الحلول الجزئية بعدد البلديات الصغرى التي يمكن أن تتواصل معها قاعدة حميميم أو مناطق خفض التصعيد التي ترسمها الأستانة.

في الحلول يمكن الحديث عن الحد من ظاهرة الهشاشة البنيوية التي تعتري هيكلة العلاقة بين مجالس المحافظات والمجالس المحلية الفرعية، وذلك من خلال إعادة النظر في تمثيل هذه الأخيرة بصورة حقيقية وشاملة في مستويات مجالس المحافظات كما يجب تفعيل الدور الرقابي الإلزامي لمجالس المحافظات في الرقابة على عمليات الانتخابات المحلية والحد من تشكيل مجالس محلية بأسلوب التعيين بدعوى وجود توافق هو في حقيقته غير واقعي في كثير من الأحيان وإنما مبني على التسلط الاجتماعي للمرجعيات والوجاهات العائلية والقيادات المجتمعية، إضافة إلى ضبط الدورات الانتخابية من قبل المحافظة للمجالس الفرعية ومن قبل وزارة الإدارة المحلية لمجالس المحافظات، يضاف إلى ذلك أهمية التشديد على مدنية المشاركين في هذه المؤسسات ، وقدرة مجالس المحافظات على ضبط عمل منظمات المجتمع المدني ضمن محددات وطنية، ووجود بيئة قانونية ناظمة للعمل المدني بجناحيه الرئيسيين (المجالس المحلية – منظمات المجتمع المدني)  وعلى مستوى القرار السياسي المحلي ينبغي انتزاع ملف المفاوضات المحلية من يد الفصائل المحلية والمجالس المحلية وإحالته إلى مجالس المحافظات أو مجالس قيادة المحافظات إن وجدت ، بهدف قطع الطريق على التفاوض المحلي وحصره بالمستويات السياسية العليا.

بقي أن نقول إن هذه الرؤية تمثل نقلة من حالة الصيغة المناطقية المحلية المفرطة التي تميز حالة القرار والفعل السياسي والإداري للغالبية المناهضة للأسد، إلى حالة أكثر تفاعلاً واتساقاً ومأسسة على المستوى السياسي (إطار سياسي وطني تمثيلي ) والتنفيذي (حكومة كفاءات )، والتي تنزاح فيها  الممارسة السياسية لمجالس المحافظات ومنظمات المجتمع المدني والهيئات الثورية لصالح الدفع السياسي وتتفرغ الفصائل المحلية لضمان الأمن المحلي، الأمر الذي يتاح المجال للتباحث الوطني في صيغ التفاعل والضبط السياسي  الجديد والذي ينبغي له أن يصاغ بمحددات وطنية واضحة يذوب فيه الفكر الفصائلي لصالح الأطر الوطنية.

الإثنين, 23 تشرين1/أكتوير 2017 18:30

كتاب: التغيير الأمني في سورية

يعمل هذا الكتاب على بلورة الشروط المعرفية والسياسية والاجتماعية والتقنية المؤثرة في عملية التغيير الأمني، واتّساقها مع الظرف السوري الراهن، وبالتالي القدرة على تصدير رؤية تنفيذية تراعي الضرورات الوطنية وتخرج هذا الملف من زوايا التنافس السياسي بين أطراف الصراع سواء المحليين أم الإقليمين أم الدوليين إلى متطلبات التماهي والتوافق ما بين الشروط الأمنية المحلية والتقاطعات مع النظام الأمني الإقليمي، وتقدم إجابات موضوعية لأسئلة حدود التغيير الأمني في سورية وطبيعته وما مستوياته وما أهدافه وما خطته التنفيذية؟

يقسم الكتاب إلى ثلاثة فصول رئيسة تبدأ بالتأسيس لمجموعة من المفاهيم والسياسات التي تتطلبها عملية التغيير الأمني، منطلقة في ذلك من برامج إعادة هيكلة القطاع الأمني وبرامج نزع السلاح وإعادة الدمج، وتجارب دول ما بعد الصراع واستعراض لأهم الدروس المستفادة منها، كما يوضح هذا الفصل الأدوار الرئيسة المؤثرة في عملية إعادة الهيكلة كدور المجتمع المدني وبرامج العدالة الانتقالية وأثرهما في جعل العملية مراقبة ومتوافقة مع التطلعات المجتمعية المتمثلة في خمسة تطلعات: المراقبة؛ المشاركة؛ الشفافية؛ المسؤولية؛ العدالة.

ويستعرض الكتاب في فصله الثاني الواقع الأمني في مناطق النظام والمعارضة والإدارة الذاتية، وذلك للوقوف على طبيعة البيئة والبنية الأمنية، وقياس مدى كفاءتها وقدرتها على تحقيق الوظائف الأمنية، ليصار بعدها لاستخلاص مقاربة تحوكم العمل الأمني بين هذه البنى، مقاربة يُختبر فيها كلٌ من أطروحاتي المركزية واللامركزية، وفق معايير لا تتعارض مع الغايات الأمنية الوطنية وضرورات الانطلاق من رؤية أمنية شاملة، ولا تتجاوز الواقع الراهن بما يؤسس لحالة استقرار تتطلبها مناطق النزاع كافة.

وفي سبيل تقديم مقاربة تنفيذية في إعادة الهيكلة الأمنية في سورية يفكك الفصل الثالث من هذا الكتاب التحديات التي ستواجهها عملية التغيير، إذ يبحث في العلاقة بين الظرف السياسي وتحولاته ومدى اقترابه أو ابتعاده عن تشكيل عملية سياسية تفضي لتغيير أمني حقيقي مع الغايات المتوقعة في الملف الأمني وفرضيات التغيير عامة، كما يبين مدى ارتباط أي تغيير بمدى توافر القدرة على مواجهة تحديات "الدولة الفاشلة" والسير وفق منظومة إصلاحات لا تستقم العملية دونها، بحيث لا يكون سيراً شكلياً والتفافاً على متطلبات هذا الملف، ويقدم المطلب الأخير في هذا الفصل رؤية تنفيذية للعملية الأمنية الموضوعية والتي تنطلق من جملة أهداف استراتيجية كفيلة بالوصول إلى بناء قطاع أمني متماسك قادر على القيام بمهامه الأمنية ويضمن المشاركة المجتمعية في صيانة الأمن ومراقبته، ويفصِّل  في هذا السياق الجدول الزمني ومراحل التنفيذ لهذه العملية بدءاً من مرحلة ما قبل الانتقال والتي بات يطلق عليها "مرحلة بناء السلام" ومروراً بالمرحلة الانتقالية وانتهاء بمرحلة الاستقرار.

 

 

ملخص تنفيذي

  • اتسمت حالة أغلب المجالس المحلية في المناطق التي خضعت للتهجير بهشاشة البنية وتواضع العمل المؤسسي ومحدودية التمثيل وهامشية الدور؛
  • تنبع أهمية إعادة تشكيل المجالس المحلية لنفسها في البيئات الجديدة التي هجرت إليها، من الحاجة إلى كسر احتكار النظام لتعريف الهوية السياسية للمناطق الخاضعة لسيطرته وتحقيق مصالح المهجرين وتمثيلهم؛
  • الناظم الأساسي بالنسبة لاعتماد مهام المجلس المهجر وأدواره المختلفة، هو الأدوار الفريدة التي يضطلع بها لصالح المهجرين، وهي أدوار تعجز عن القيام بها المجالس المستضيفة أو منظمات المجتمع المدني في البيئات الجديدة؛
  • هناك حاجة ملحة لسن القوانين واللوائح التنفيذية المناسبة لضبط العلاقة بين البنى والفواعل المهجرة من جهة، وتلك المستضيفة من جهة أخرى، بالإضافة لقوانين تحكم علاقتها بالمستويات الإدارية الأعلى؛
  • ممارسة المجالس المهجرة لأدوار تنسيقية مع منظمات المجتمع المدني والجهات المانحة والمجالس المستضيفة خيار متاح لا يتعارض من القوانين واللوائح التنفيذية ولا يتسبب بتضارب المصالح والأدوار مع المجالس المستضيفة؛
  • التأطير ضمن بنى مؤسسية تمثيلية، يضمن عدم خضوع المجالس والهيئات المهجرة لإملاءات القوى العسكرية أو الجهات المانحة، وتوظيفها لشرعيتها بما يخدم توجهاتها السياسية؛
  • أهمية قيام المجالس المهجرة بالعمل على إعادة تفعيل الحراك المدني كمحفز للمجتمعات المهجرة للاستمرار بالمطالبة بحقوقها والمشاركة الفاعلة بالقرار السياسي؛ وتفعيل المجلس المهجر للحوار المجتمعي بين كل أبناء الوحدة الإدارية وعقد الندوات التي تهدف إلى رفع الوعي الحقوقي والسياسي والمؤسسي لدى المجتمعات المهجرة.

مقدمة

أسفرت التسويات التي فرضها نظام الأسد على المجتمعات المحلية في عدة مناطق على امتداد خارطة الصراع في سورية عن تهجير عدد من أبناء هذه المناطق قسرياً باتجاه محافظتي إدلب وحلب، يضاف إلى ذلك تهجير جزء من أبناء حي القابون الدمشقي إلى الغوطة الشرقية، وقد تركزت سياسة النظام على تهجير الفواعل المحلية من مجالس محلية وهيئات مدنية إضافةً إلى الفصائل العسكرية، أو مطالبته في مرحلة من المراحل بحلّ المجلس المحلي نفسه كأسلوب من أساليب الضغط قبيل الوصول إلى الاتفاق النهائي كما في حالة معظمية الشام.

وقد تعددت سياقات هذه التسويات من حيث كونها شكلت نهاية لمرحلة صراع عسكري طويلة بين النظام وحلفائه من جهة وقوى المقاومة الوطنية في هذه المناطق من جهة أخرى، تعذر خلالها الحسم العسكري لصالح النظام فانتقل إلى اعتماد أسلوب الحصار والتجويع والقصف العشوائي، الأمر الذي شكل عاملاً ضاغطاً على القوى العسكرية والبنى الإدارية في هذه المناطق ومدخلاً لابتزازها بملفات إنسانية متعددة، فقد أسس النظام على حالة التصعيد العسكري المتواصل في حالة كلّ من داريا وشرق حلب وعمل على توظيفها في إرغام المناطق التي عقدت هدن معلنة أو ضمنية مع النظام مطلع عام 2014 كما في حالة عدد من المناطق (معظمية الشام، خان الشيح، زاكية، قدسيا، الهامة، وادي بردى، سرغايا، ديرخبية، الطيبة، الوعر، التل، دمر، كفرسوسة، برزة والقابون) للقبول باتفاقات مصالحة شاملة، أو ضمن اتفاقات منفصلة خارج سياق الهدن ثم المصالحات المحلية كما في الزبداني ومضايا المشمولتين باتفاقية المدن الأربعة، ورغم أن بعض المناطق مثل وادي بردى قاومت محاولات النظام لفرض الهدنة الشاملة، إلا أن الشكل العام لاتفاقيات المصالحة الشاملة حمل نفس الإطار العام مع اختلاف في بعض التفاصيل لكلّ منها.

نجم عن تطبيق هذه التسويات تهجير شامل أو جزئي لسكان هذه المناطق -ذات الموقع المهم جيوسياسياً- إلى الشمال السوري، حيث حددت مصالح حلفاء النظام الروس والإيرانيين حجم هذا التهجير والشرائح التي تم تهجيرها، ففي الوقت الذي اقتصر فيه التهجير على القيادات المحلية والعسكرية والأسر المرتبطة بها كما في حالة المعظمية والهامة وقدسيا وشرق حلب (على سبيل المثال لا الحصر) وفقاً لأولوية توجهات الفاعل الروسي في إعادة ترتيب الخرائط المحلية ديمغرافياً وتطويعها بما يلائم استراتيجية الروس في إنشاء مناطق خفض تصعيد، فإن توجه الحليف الإيراني والميليشيات التابعة له كان أكثر مباشرة في المضي نحو عمليات تجريف ديمغرافي لم تفضي إلى إحلال مكونات بشرية أخرى بقدر ما هدفت إلى تحصين مناطق نفوذ حلفائها من أي محاولة اجتماعية لإعادة إنتاج الثورة، وهو ما حدث في حمص وريفها الجنوبي الغربي وريف دمشق الغربي.

إن الثابت في اتفاقيات المصالحة الشاملة التي فرضها النظام على المناطق المذكورة هو تركيز النظام على تهجير الكوادر المحلية من مجالس محلية وهيئات مدنية إضافةً إلى الفصائل العسكرية، أو مطالبته في مرحلة من المراحل بحل المجلس المحلي نفسه كأسلوب من أساليب الابتزاز قبيل الوصول إلى الاتفاق النهائي كما في حالة معظمية الشام([1])، وهو توجه ينسجم مع موقف الرفض القطعي من قبل النظام للمجالس المحلية ولأي شكل من أشكال الحكم أو الإدارة المحليين، لأنها تمثل أنماط بديلة ذات شرعية متنامية.

بالمقابل، تنوعت استجابة الفواعل المحلية المهجرة لمتطلبات المهجرين وأسئلة ما بعد التهجير تبعاً لمستوى فاعليتها قبل التهجير في مجتمعاتها المحلية ومركزية دورها، وأيضاً بحسب قدرة المستويات الإدارية الأعلى على إعادة تمكينها في البيئات الجديدة.

تتناول هذه الورقة إشكالية إعادة تعريف المجالس المحلية لنفسها في البيئات الجديدة من حيث الأدوار الجديدة المنوطة بها، والاستحقاقات التي تواجهها سواء على المستوى السياسي أو المستوى الحقوقي أو المستوى الإداري، فتناقش دور هذه المجالس قبل التهجير ودورها في مفاوضات التسويات التي أفضت إلى التهجير كأحد شروط تلك التسويات، ومن ثم دورها في البيئات الجديدة وشكل علاقة كل منها مع الآخر وأيضاً مع الفواعل المحلية القائمة في البيئات الجديدة والأدوار الجديدة المنوطة بها والأدوار المأمولة منها، وتقتصر الورقة على تناول حالة المجالس المحلية المهجرة قسراً بحكم التسويات التي فرضها النظام وتلك التي رعتها روسيا وإيران نموذجاً، على اعتبار شمول الأدوار المنوطة بها لتلك المنوطة بالفواعل المهجرة بفعل الأعمال القتالية، وتزيد عليها بكونها تقف أمام استحقاقات حقوقية مرتبطة بملف التهجير القسري والتغيير الديمغرافي، وتعد أهم مخرج لسياسة الهدن والمصالحات والتسويات التي انتهجها النظام ورعتها روسيا وإيران، ثم تخلص إلى اقتراح حزمة من السياسات في ما يتعلق بالحوكمة والإدارة والتنمية والعلاقات الاجتماعية والسياسية.

المجالس المحلية المهجرة وضرورات إعادة التشكيل

تنعكس فعالية المجالس المحلية في مناطقها التي هجرت منها والأدوار التي اضطلعت بها إدارياً وسياسياً([2])، في مدى قدرتها على إعادة تعريف نفسها في البيئات الجديدة، وهو أمرٌ لم تكتمل عناصره ، إذ اتسمت بنى أغلب المجالس المحلية التي كانت قائمة في المناطق التي خضعت لتسويات وتعرضت لتهجير قسري جزئي أو كلي بالهشاشة وضعف إدارتها للخدمات، وتواضع قدراتها على المأسسة ومحدودية تمثيلها للسكان المحليين وهامشية دورها وخضوعها لمنظومات عسكرية وعدم فعاليتها في كثير من المناطق، كما يشير الجدول إلى غياب أغلب هذه البنى عن المفاوضات التي أفضت إلى التهجير، ويدفع كل ذلك إلى أهمية إيجاد مقاربات تجعل هذه المجالس أكثر فعالية وحضوراً في البيئات الجديدة، خصوصاً مع ضعف تأثير المنظومات العسكرية المحلية التي كانت مسيطرة قبل التهجير. ويمكن استعراض فاعلية تلك المجالس إدارياً وسياسياً في بعض المناطق التي خضعت لعمليات تهجير كلي أو جزئي وفق الجدول الآتي:

جدول فاعلية البنى الإدارية للمناطق المهجرة قبل التهجير([3])

جدول رقم (1)

من جهة أخرى، يعد سياق نشوء المجالس المحلية أحد أهم مبررات إعادة تفعيلها خارج حدودها الجغرافية، فقد نشأ الكثير منها خارج نطاقه الجغرافي منذ بدء مشروع المجالس المحلية، ومثلت تلك المجالس حاجة ملحّة لإيجاد أجسام تمثيلية تقوم بأدوار تنسيقية في المناطق الثائرة وتحقق المشروعية المحلية، ثم أُضيفت الأدوار الخدمية والإدارية والتنموية إليها بعد انحسار سيطرة النظام عن عدد من المناطق كاستجابة لحاجة المجتمعات المحلية لأدوار الدولة ومؤسساتها كما حدث في مدينة إدلب([5]).

وتنبع أهمية إعادة تشكيل المجالس المحلية في البيئات المهجرة بصرف النظر عن كونها خارج حدودها الإدارية، بما يلبي الحاجة إلى إعادة تعريف الهوية السياسية للمناطق التي خضعت لسيطرة النظام ولتمثيل سكانها في أي استحقاق من استحقاقات الانتقال السياسي قد يتطلب شراكة حتى على مستوى الوحدات الإدارية للمناطق بين المجالس التابعة للمعارضة وتلك التابعة للنظام بالنسبة لنفس المنطقة، أو في التعاطي مع الاستحقاقات الانتخابية القادمة التي تتطلب مشاركة جميع السوريين في مناطق النزوح ودول اللجوء والشتات، أو في التصدر لتلبية مطالب المهجرين قسرياً وحماية حقوقهم في مناطقهم التي هجروا منها ، ويلاحظ من خلال التواصل مع معظم المجالس المحلية التي تم تهجيرها إلى الشمال السوري عزوفها عن إعادة تشكيل مجالسها المحلية في مقابل توجهها إلى اعتماد مديريات ومنظمات وهيئات وظيفية بديلة غير تمثيلية وتفتقد لعنصر الإدارة والحوكمة، إذ تشكل المجالس المحلية المهجرة التي أعادت تشكيل نفسها في المناطق الجديدة أو حافظت على مجالسها دون إعادة انتخاب ما نسبته 20% من المجالس المهجرة قسرياً([6]).

شكل رقم (1)

 

استجابات المجالس المحلية لمتطلبات البيئات الجديدة

تعددت استجابة المجالس المهجرة لمتطلبات البيئات الجديدة تبعاً لتماسكها وأدوارها التي كانت تضطلع بها في بيئاتها الأصلية وأيضاً لسياقات عملها في تلك البيئات وبحسب قدرتها على التواصل مع الفعاليات المختلفة القائمة في البيئات الجديدة، ويمكن استعراض نماذج من الفواعل المحلية المهجرة ومع خياراتها الجديدة.

1.   مجلس داريا: حل المجالس المهجرة مقابل هيئات بديلة لخدمة المهجرين

شهدت نهاية عام 2015 تصعيداً عسكرياً خطيراً على جبهات مدينة داريا تمكن خلالها النظام السوري من إحراز تقدم كبير على حساب فصائل المقاومة الوطنية في مدينة داريا، تخلل ذلك مرحلة اتفاق وقف إطلاق النار في ال11 من شباط من عام 2016 والذي رعته كل من روسيا والولايات المتحدة على امتداد جبهات القتال في سوريا، ليستأنف التصعيد العسكري بعد توقف العمل بهذا الاتفاق وتنحسر حدود سيطرة فصائل المقاومة الوطنية في داريا إلى مساحة 1 كم2 ، تم خلالها خسارة كامل الأراضي الزراعية التي يعتمد عليها المحاصرون في داريا، وتدمير آخر مشافي المدينة، كما تسبب القصف بالقنابل الحارقة والبراميل المتفجرة إلى شل قدرات المجلس المحلي لمدينة داريا وفرق الإنقاذ ووضعها في حالة من العجز التام([7])، وقد مثّل مجلس داريا حالة متقدمة من عمل المجالس المحلية من حيث الإدارة ومركزية الدور والقدرة على التنسيق بين مختلف الفواعل المدنية والعسكرية في داريا المحاصرة إضافة إلى حيازة دور أساسي في المفاوضات التي تمت مع النظام([8])،حيث أسفرت المفاوضات التي تمت بين اللجنة المشكلة من المجلس المحلي في داريا وفصيلي شهداء الإسلام والمقداد بن عمرو من جهة وممثلي النظام من جهة أخرى إلى التوصل لاتفاق بتاريخ 27/8/2016، يفضي إلى إجلاء 793 عائلة من المدينة إضافةً إلى ما تبقى من مقاتلين في المدينة ليتم إفراغ المدينة من سكانها بصورة كاملة باتجاه محافظة إدلب ومراكز الإيواء في الغوطة الغربية([9])، كما أشرف المجلس المحلي لمدينة داريا بعد التهجير على عمل غرفة الطوارئ الخاصة بداريا والتي ضمت ممثلين عن المنظمات الإغاثية والجهات المدنية المتواجدة في محافظة إدلب وفي خارج سورية والتي تطوعت لمساعدة مهجري داريا، حيث شكل المجلس لجنة الطوارئ المكلفة بالإشراف على عمل الغرفة من خلال([i])

  1. إجراء عمليات مسح وإحصاء للعائلات المهجرة من داريا إلى محافظة إدلب؛
  2. إجراء تقييم لاحتياجات ووضع خطة للتوزيع الدعم لمهجري داريا؛
  3. دعوة المنظمات الإغاثية والجهات المهتمة بإغاثة مهجري داريا لعرض احتياجات المهجرين؛
  4. إدارة توزيع الدعم المقدم من المنظمات وفق الخطة المرسومة؛

وقد استمر المجلس المحلي في داريا من خلال لجنة الطوارئ المنبثقة عنه بمتابعة شؤون المهجرين لمدة 4 أشهر، كما انبثق عنها لجنة إغاثية دائمة تعنى بشؤون مهجري داريا([10]).

ومع استمرار النقاشات حول جدوى بقاء المجلس المحلي كإطار تنفيذي بعد التجهير، عقد المجلس المحلي في 22/10/2016 اجتماعاً في محافظة إدلب بحضور هيئته العامة، حيث عرض المجلس تقارير أعمال مكاتبه أمام الهيئة العامة واتُخذ قرار نهائي بحل المجلس المحلي([11]). وتُعزى أهم أسباب حل المجلس المحلي لمدينة داريا من وجهة نظر بعض القائمين عليه إلى الآتي([12]):

  1. فقدان النطاق الجغرافي لعمل المجلس المحلي والمتمثل في الأجزاء المحررة من المناطق الوقعة ضمن الحدود الإدارية لمدينة داريا، الأمر الذي يهدد استقلالية عمل المجلس؛
  2. فقدان الكثير من المكاتب الخدمية للمجلس لدورها كونها أصبحت خارج النطاق الإداري لعمل المجلس؛
  3. "تراجع الشرعية" التي استمدها المجلس من صموده مع بقية سكان داريا على الأرض ضمن ظروف الحرب والحصار، وأنه لابد لأي مجلس مشكل في الخارج أن يحظى بتمثيل كل أهالي داريا المهجرين ومن هم في الشتات، وبالتالي تحمل المجلس لأعباء أكبر من قدرته وموارده؛
  4. عدم تحمس غالبية أهالي داريا في الشتات وفي أماكن التهجير والنزوح إلى فكرة إعادة تشكيل المجلس.

ويضاف إلى ذلك الرغبة بعدم مزاحمة المجالس المحلية المضيفة لأدوارها الخدمية([13]) وصعوبة تشكيل مجلس موحد نظراً لتوزع المهجرين في عدة مناطق وفي دول الشتات([14]).

وبالإضافة إلى اللجنة الإغاثية لمهجري داريا، استأنف كادر السجل المدني في داريا عمله في محافظة إدلب([15]) وهو الذي لم يكن مرتبطاً إدارياً بالمجلس المحلي لداريا([16]).

ويمكن أن يُؤخذ على فكرة حل مجلس داريا المحلي ما يلي:

  1. اتخاذ القرار دون العودة إلى وزارة الإدارة المحلية وهي الجهة التي تعمل على قوننة المجالس المحلية وتأطيرها والإشراف عليها؛
  2. غياب جهة سياسية تمثل أهالي داريا وتعبر عنهم، وتطالب بحقوقهم كونهم مهجرين قسرياً؛
  3. فتح المجال لبلدية داريا القائمة في مناطق النظام للقيام بدور تمثيل داريا والتعبير عن الهوية السياسية للمدينة؛
  4. غياب جهة محوكمة تمثيلية تدير مصالح أهل داريا في المناطق المهجرة وتعمل على إدارة شؤونهم وإدارة الدعم المقدم من خلال المنظمات الإغاثية لأهالي داريا بالتنسيق مع المجالس المضيفة؛
  5. غياب أي جهة تعبر عن الدائرة الانتخابية لداريا، ليتمكن المهجرون من التصويت عند أي استحقاق انتخابي مستقبلي في ظل غياب وظيفي شبه كامل للإطار المركزي الذي يضمن إمكانية تصويت المهجرين والنازحين؛
  6. غياب الجهة المؤسسية التي تعمل على توثيق مصالح سكان داريا وعقاراتهم وتراقب التعديات والسياسات التي تمارس من قبل النظام تجاه الأملاك الخاصة في داريا وتجاه تراث المدينة الثقافي وتاريخها؛
  7. غياب الجهة المؤسسية التي تعمل على توثيق عائلات الشهداء والمعتقلين والأضرار التي حصلت في الحيز الجغرافي الذي كان يديره المجلس المحلي؛
  8. ذوبان البنية المؤسسية التي تسهم في مسك الحالة الاجتماعية لأهل داريا في الشتات.

2.   مجلس مدينة حلب: الحفاظ على الشرعية والتجاوب المؤسسي مع الواقع الجديد

توصلت القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في الملف السوري إضافة إلى ممثلي فصائل المقاومة الوطنية في شرق مدينة حلب إلى اتفاق يقضي بإجلاء سكان شرقي مدينة حلب الغير راغبين بتسوية أوضاعهم، بعد قرابة العام على التصعيد العسكري لقوات النظام وحلفائه على المدينة والذي انتهى بإحكام الحصار عليها وغادرت آخر دفعة من سكان شرق مدينة حلب بنهاية يوم 21/12/2016، ليصل عدد مهجري المدينة إلى 150 ألف نسمة توزع معظمهم في ريف محافظة حلب الشرقي ومحافظة إدلب إضافة إلى أعداد قليلة نسبياً توجهت نحو ريف حلب الشمالي([17]). وقد تزامن البدء بتنفيذ اتفاق إجلاء المدنيين والفصائل من شرق حلب مع نهاية الدورة الانتخابية الرابعة لمجلس مدينة حلب، وبعد انقطاع لمدة شهر اجتمع ما تبقى من أعضاء المجلس وكان هناك خياران تمثل إحداهما بالدعوة إلى تفعيل مجلس مدينة حلب فيما تضمن الثاني اقتراح حل المجلس وتشكيل لجنة لمتابعة شؤون مهجري شرق مدينة حلب على غرار ما حصل مع داريا. وقد تمت دعوة الهيئة العامة لمدينة حلب المؤلفة من 140 شخص واختتمت النقاشات بالاتفاق على إعادة انتخاب مجلس مدينة حلب لدورة خامسة وذلك بالتنسيق مع مجلس محافظة حلب، وقد استفاد مجلس مدينة حلب من وجوده ضمن الرقعة الجغرافية لمجلس محافظة حلب وبقاء أجزاء من الحدود الإدارية للمدينة بيد المعارضة مثل حي الراشدين والليرمون وخان العسل وضاحية الكهرباء بالإضافة إلى افتتاح مكتبين للمتابعة شؤون سكان مدينة حلب المهجرين إلى ريف المحافظة أحدهما في الريف الشمالي لمحافظة حلب والآخر في الريف الغربي للمحافظة([18])، وقد استلزم تنوع نطاق عمل المجلس ضمن حدوده الإدارية وخارجها تنوعاً في شكل الاستجابة، من حيث الحد من التضارب الوظيفي بين المديريات اللامركزية التابعة للمجلس المهجر وتلك التابعة للمجلس المضيف([19])، واستمرار الدور الإشرافي للمجلس على المديريات المركزية في المحافظة كون نطاق عملها يشمل كل الوحدات الإدارية في المحافظة بغض النظر عن حالة التهجير ضمنها([20])، وقد شكل مجلس مدينة حلب بعد إلغاء عمل المديريات التابعة له في البيئات الجديدة لجنة مكونة من شخصين في كل منطقة تم التهجير إليها، تعنى بإدارة شؤون المهجرين ضمن الحدود الإدارية للمجلس المضيف وبالتنسيق الكامل معه([21])، وقد تحدد نطاق عمل مجلس مدينة حلب في الوضع الجديد ضمن نسقين([22]): الأول: خدمي ضمن ما تبقى من الحدود الإدارية لمدينة حلب؛ والثاني: تمثيلي يضطلع بأدوار اعتبارية وإغاثية من حيث إدارة الموارد الإغاثية خارج الحدود الإدارية لمدينة حلب.

ويمكن أن يؤخذ على مجلس مدينة حلب قيامه بإعادة التشكيل والهيكلة عقب التهجير دون الرجوع إلى المستويات الإدارية الأعلى بدايةً كجهات إشرافية([23]).

3.   مجلسا دمر وكفرسوسة: من العمل السري داخل الحدود الإدارية إلى إعادة التشكيل خارجها

لم يطرأ على أدوار بعض المجالس تغيرات تذكر في البيئات الجديدة التي هجرت إليها كونها هجرت من مناطق كانت قد اضطرت إلى الانتقال إليها بسبب سيطرة النظام على كامل الحدود الإدارية للوحدة الإدارية التي تمثلها هذه المجالس، ويمكن تصنيف كل من مجلسي كفرسوسة([24]) ودمر([25]) في محافظة دمشق كنموذجين عن هذه الحالة التي نشأت ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام كتطور طبيعي للتنسيقيات الثورية([26])، واقتصرت أدوار هذه المجالس في البدايات على تمثيل المجتمعات المحلية كتغليب للشق السياسي للمجالس المحلية على الشق الخدمي الذي ظلت البنى الإدارية التابعة للنظام تقوم به، إضافةً إلى استمرار تطوير العمل الإغاثي للتنسيقيات السابقة نحو إدارة العمل الإغاثي من خلال تنظيم الإحصاءات وتقييم الاحتياجات، إلى جانب النشاط الحقوقي التوثيقي من إحصاء للشهداء والمعتقلين والمختفين قسراً ([27])، وأيضاً رصد محاولات النظام لتغيير الخارطة الديمغرافية والعبث بالخارطة العمرانية للأحياء([28]) .

مع اشتداد القبضة الأمنية في دمشق وهجرة الكثير من الناشطين وعائلاتهم إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في دمشق وريفها ، نقلت عدد من المجالس المحلية مراكزها إلى هذه المناطق لتقوم برعاية شؤون المهجرين فيها، إضافةً إلى استمرار أنشطتها بصورة محدودة داخل المناطق المحتلة فأعاد المجلس المحلي لحي كفرسوسة تشكيل نفسه في مدينة داريا بصورة أساسية بريف دمشق بالإضافة إلى تواجد مهجري الحي في مناطق أخرى من غوطة دمشق الغربية كخان الشيح ومعظمية الشام، فيما أعاد المجلس المحلي لحي دمر تشكيل نفسه في بلدة قدسيا بريف دمشق مع وجود مهجرين في وادي بردى والهامة وبرزة والتل، وقد سهل زوال القبضة الأمنية للنظام عن المناطق الخارجة عن سيطرته من إمكانية هذه المجالس على إعادة تشكيلها ضمن معايير أكثر حوكمية من حيث الهيكلية والوظائف واعتماد القوانين الإدارية ولو بصورة محدودة أو جزئية([29]).

فرضت تسوية داريا ثم المعظمية تهجير سكان حي كفرسوسة المهجرين أصلاً إلى محافظة إدلب ، ثم أتت تسوية قدسيا والهامة ووادي بردى وبرزة والتل لتفرض تهجير مهجري حي دمر إلى محافظة إدلب أيضاً، وقد أعاد المجلسان تشكيل نفسيهما بعد التهجير إلى محافظة إدلب فقد اجتمعت الهيئة العامة لحي كفرسوسة في الخارج وفي إدلب والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام وانتخبت بشكل سري مجلساً محلياً جديداً أواخر نيسان 2017، فيما أعيدت هيكلة المجلس المحلي لحي دمر مطلع حزيران 2017، وقد عمل المجلسان على إحصاء المهجرين وتأمين احتياجاتهم من خلال التواصل مع الداعمين والمنظمات الإنسانية إضافة إلى استمرار المجلسين بالقيام بأدوارهما التي كانا يقومان بها في المناطق المحتلة والمناطق التي هجروا منها. وتعاني هذه المجالس من انعدام شبه كامل للموارد الأمر الذي تسبب في تعطيل أنشطتها بشكل مؤقت في المناطق التي هجرت إليها، إضافةً إلى هجرة الكثير من كوادرها إلى خارج سورية بعد الوصول إلى إدلب، أو انخراطهم ضمن كيانات أخرى([30]).

يمكن أن يؤخذ على هذه المجالس ما يلي:([31])

  1. قيامها بإعادة التشكيل والهيكلة من تلقاء نفسها ودون العودة إلى المستويات الإدارية الأعلى؛
  2. عدم انتظام دوراتها الانتخابية؛
  3. عدم سعيها لتوسيع هيئتها الناخبة عند كل استحقاق انتخابي بما يعزز مشروعيتها؛
  4. عودة هذه المجالس للتركيز على القيام بأدوار إغاثية على حساب الأدوار الأخرى بما فيها إدارة العمل الإغاثي؛
  5. ضعف الجانب الإعلامي والتسويقي لديها، وعدم التصريح بهيكليتها وخططها؛
  6. ضعف تواصل المجلسين مع الجهات الحقوقية والإعلامية فيما يخص قضايا المعتقلين والمفقودين والمهجرين قسرياً وقضايا التغيير الديمغرافي؛
  7. عدم قيامها بأدوار اجتماعية واضحة من خلال تعزيز الحوار المجتمعي عبر الدفع بتشكيل الروابط والمنتديات الأهلية؛
  8. غياب دورها في المفاوضات التي أدت إلى تهجير جزء كبير من المجتمع المحلي الذي تمثله إلى الشمال السوري.

4.   مجلسا مضايا والزبداني: من تغول العسكر إلى إعادة التشكل ضمن روابط أهلية ومنظومات وظيفية

أسفر استكمال تطبيق اتفاقية المدن الأربعة أواخر العام 2016 بين جيش الفتح والجانب الإيراني وبمساعي قطرية والذي وقعت الأحرف الأولى منها في أيلول 2015([32])، عن إجلاء 3500 مدني من أبناء مدينة الزبداني كانوا موزعين بين مدينة الزبداني وبلدة مضايا و قرية بقين اللتان تم تهجيرهما ضمن الاتفاق أيضاً، بعد اشتداد الحصار والتصعيد العسكري ضد منطقة الزبداني بشكل عام([33])، وقد عانت مجالس الزبداني ومضايا من تهميش كبير لدورها المحلي لصالح تغول كامل للقوى العسكرية المسيطرة قبل التهجير والمتمثلة بحركة أحرار الشام، ثم لتشكل الأخيرة مجلساً محلياً غير منتخب كما حصل في مضايا قبيل التهجير([34])، إضافةً إلى عدم إشراك القوى المدنية والمجالس المحلية السابقة في المفاوضات المفضية لاتفاق المدن الأربعة([35]) الذي لعبت فيه كتائب الحمزة التابعة لحركة أحرار الشام من جهة وحزب الله اللبناني دوراً تنفيذياً مباشراً وبإشراف مباشر من الهلال الأحمر السوري، في الوقت الذي لعبت فيه الفواعل المدنية بصورة عامة دوراً محورياً في مواجهة الحصار والمجاعة التي حلت ببلدة مضايا مطلع العام 2016، وذلك من خلال اللجان الإغاثية التي شكلت حينها ضمن منظومة طوارئ تحت إسم الهيئة الإغاثية الموحدة في مضايا والزبداني([36])، حيث ضمت بلدة مضايا إلى جانب سكانها المئات من مهجري مدينة الزبداني المجاورة، وقد تابعت الهيئة الإغاثية التي كانت منفصلة عن المجلس المحلي المسيطر عليه من قبل حركة أحرار الشام أنشطتها لحين التهجير حيث عمدت على تنظيم قوافل المهجرين وإحصائهم وأسهمت في توزيعهم على مراكز الإيواء في الشمال والهيئات الإغاثية في الشمال السوري بالإضافة للجنة إغاثية شكلتها القوى العسكرية المهجرة حيث قامت بالتواصل مع المنظمات والفعاليات المدنية المحلية لهذا الغرض([37])، وقد تم حل المجلس المحلي لبلدة مضايا المشكل من قبل أحرار الشام في مضايا بشكل كامل قبيل التهجير، فيما توجه أعضاء في المجلس المحلي القديم لبلدة مضايا إلى العمل على تشكيل المركز السوري لحقوق المهجرين قسرياً ومقره مدينة إدلب والذي سيعمل على عدة مهام منها: ([38])

  • توثيق أسماء المهجرين قسرياً بفعل الأعمال القتالية أو اتفاقيات الهدن أو الملاحقة الأمنية؛
  • مطالبة مجلس الأمن والأمم المتحدة من خلال حملات التحشيد والمناصرة لاعتبار المهجرين قسراً لاجئين في المناطق المهجرين إليها؛
  • المطالبة بحق العودة وتبنيها كقضية إنسانية وقانونية يتم العمل عليها بأدوات سياسية وحقوقية؛
  • الإبقاء على قضية العودة كقضية حية ومستمرة، إذ تم العمل على عزل المهجرين قسراً عن البيئة الحاضنة للمجتمعات المستضيفة؛
  • بناء تجمعات مستقلة للمهجرين من كل المناطق يتم تمثيلهم من خلالها وتكون في مناطق منفصلة عن التجمعات البشرية في المحافظة يحافظ فيها المهجرون على خصوصيتهم الاجتماعية وقضيتهم المتمثلة بحق العودة ويكون لهم إداراتهم الخاصة.

أما في مدينة الزبداني فقد سيطرت كتيبة الحمزة التابعة لحركة أحرار الشام على المجلس المحلي لمدينة الزبداني ولم يكن المجلس مفعلاً بالقدر الكافي لينتهي دوره بعد التهجير بشكل كلي رغم بعض المحاولات لإعادة تفعيله، بالمقابل تم تشكيل المجمع الإداري لمهجري الزبداني([39]) في 18/6/2016 والذي سيعمل على تأمين الحدود الدنيا من الاحتياجات الإغاثية والخدمية من تعليم وصحة وسكن وكهرباء وماء؛ وتحقيق الاستقرار الاجتماعي من تشكيل جهاز قضائي ودائرة للأحوال الشخصية. ([40])

وقد باشرت دائرة الأحوال الشخصية في المجمع الإداري لمهجري الزبداني بمنح مهجري الزبداني ممن تزيد أعمارهم عن ال14 عاماً بطاقات شخصية مؤقتة([41])،وفي سبيل تحقيق الحدود الدنيا من المشروعية توجه المجمع الإداري لمهجري الزبداني لتسمية مندوب عن كل عائلة لتشكيل هيئة عامة تمثل أهالي الزبداني وتنتخب مجلساً للأعيان يقوم بأدوار المراقبة والإشراف على عمل المكاتب التابعة للمجمع الإداري ومحاسبة المقصرين([42])، ليقوم مقام المجلس المحلي لمدينة الزبداني ، وقد تم انتخاب مجلس أعيان الزبداني([43]) ليصار فيما بعد إلى حل المجلس المحلي لمدينة الزبداني([44])، وتجدر الإشارة إلى أن ثمة تجمع مؤسسي آخر لمهجري دمشق وريفها يجري العمل على تأسيسه ولم تتبلور ملامحه المؤسسية بعد([45]).

ويمكن أن يؤخذ على توجهات الفواعل المدنية لمضايا والزبداني ما يلي:

  1. ضعف تنسيق المنظومات البديلة مع الهيئات المحلية القائمة، مما يهدد بتضارب الصلاحيات في تنفيذ المهام خاصة فيما يتعلق بالمهام التي ينوي المجمع الإداري للزبداني القيام بها ضمن قطاعي الخدمات والقضاء([46])؛
  2. الافتقار إلى الأطر المحوكمة التي تحكم عمل هذه المنظومات والتي تعزز شرعيتها، من حيث علاقتها بالحكومة المؤقتة ومجالس المحافظات التي تتبع مناطقها الأصلية لها، ومن حيث عدم اعتمادها للمستندات القانونية التي تحكم عملها وعلاقاتها العامودية والأفقية؛
  3. عدم وضوح الهوية المؤسسية لهذه المنظومات من حيث كونها بنى تمثيلية أو منظمات مجتمع مدني؛
  4. عدم التوافق على إدارة حكومية لامركزية تنسق عمل هذه المنظومات وتقوننه؛
  5. قيام هذه المنظومات على حساب الإدارات المحلية التي كان ينبغي أن تستمر وتدير مختلف أنشطتها وتنسق العلاقة فيما بينها([47]).

5.   اتحادات المهجرين: تحدي الإدارة وهواجس "توظيف الشرعية"

دفعت الظروف الصعبة للمهجرين وغياب آلية واضحة للتعبير عن مصالحهم وحماية حقوقهم وغياب دور فاعل لمجالس المحافظات التي تتبع لها المجالس المهجرة، إلى التوجه نحو نمط الاتحادات الخدمية التي تضم ممثلين عن كل المناطق المهجرة، فتشكلت بتاريخ 1/6/2017 هيئة مهجري دمشق وريفها التي عرفت عن نفسها بأنها "تجمع لجان مناطق دمشق وريفها وهي اللجان المنتخبة والمفوضة من المهجرين انفسهم بتفويض رسمي وتهدف الى تامين العيش الكريم للمهجرين والعمل على العودة المشرفة بكل الوسائل وتناضل من اجل ذلك"([48]) وقد شكلت الهيئة مجموعة من المكاتب التنفيذية كمكتب الإحصاء ومكتب المشاريع والمكتب الإغاثي والمكتب الإعلامي ومكتب الرعاية الاجتماعية ومكتب التعليم والمكتب الطبي والمكتب المالي ومكتب العلاقات العامة ومكتب الرقابة والتفتيش ومكتب الإسكان والمكتب القانوني([49])، حيث ستعمل الهيئة من خلال هذه المكاتب على الآتي([50]):

  1. إحصاء مهجري دمشق وريفها وأماكن تواجدهم واحتياجاتهم، من خلال المكتب الإحصائي؛
  2. رسم الخطط بناءً على الاحتياجات الواردة من مكتب الإحصاء واقتراح مشاريع صغيرة ومتوسطة وكبيرة بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي وتهيئة فرص عمل للمهجرين، من خلال مكتب المشاريع؛
  3. إغاثة مهجري دمشق وريفها وتأمين احتياجاتهم بناءً على احصائيات موثقة وبالتعاون مع الجهات الإغاثية([51])، من خلال المكتب الإغاثي؛
  4. المشاركة بالفعاليات والمنتديات والأنشطة الثورية والاجتماعية بهدف تطوير العلاقات الاجتماعية مع البيئات الجديدة، وتفعيل المهجرين في الحراك المدني([52])، إضافة إلى إنجاز بعض أعمال السجل المدني من خلال إحصاء الوقائع وتسجيلها (وفيات – طلاق - زواج) واصدار الوثائق المدنية (بطاقات عائلية – بطاقات شخصية)، ويتم العمل على كل ذلك من خلال مكتب الرعاية الاجتماعية؛
  5. تجهيز مشاريع السكن للمهجرين من خلال مكتب الإسكان؛
  6. متابعة الأمور القانونية الخاصة بالمهجرين وتثبيت ملكياتهم وحفظ حقوقهم وتمثيلهم أمام الجهات العدلية المحلية والدولية من خلال المكتب القانوني؛
  7. متابعة شؤون الطلاب وتوزيعهم على المدارس والمعاهد المتوفرة في الشمال السوري وذلك من خلال المكتب التعليمي.

كما تم في منتصف شهر آب من عام 2017 تشكيل إدارة مهجري دمشق وحمص وريفيهما بدفع من القوى العسكرية المسيطرة في محافظة إدلب([53])، ضمن توجه مكمّل للإدارة المدنية التي تعمل على تشكيلها في المحافظة([54])، بحيث يتم توظيف الشرعية المتنامية للفعاليات المدنية القائمة والمهجرة في التعاطي مع مختلف الاستحقاقات السياسية التي تنتظر محافظة إدلب.

ويمكن أن يؤخذ على هذه الاتحادات ما يلي:

  1. عدم وضوح بنيتها الإدارية وهيكلياتها ووضعها القانوني؛
  2. عدم وضوح هوية هذه الاتحادات من حيث كونها تحالف لمنظمات مجتمع مدني أم اتحاد لوحدات إدارية مهجرة؛
  3. تشكلها خارج إطار المنظومة الإدارية المتمثلة بالمجالس المحلية ومجالس المحافظات والمجلس الأعلى للإدارة المحلية ووزارة الإدارة المحلية، والتي تنظم عمل الوحدات الإدارية وتقوننها وتحدد شكل العلاقة فيما بينها؛
  4. عدم وضوح شكل علاقاتها البينية مع المجالس القائمة ومجالس المحافظات التي تتبع لها المناطق المهجرة؛
  5. تركيزها على العمل الإغاثي، في مقابل تراجع الأدوار الأخرى([55])؛
  6. قيام هذه الاتحادات على حساب الإدارات المحلية التي كان ينبغي أن تستمر وتدير مختلف أنشطتها وتنسق العلاقة فيما بينها([56])؛
  7. وجود بعض المحسوبين على بعض الفصائل العسكرية ضمن المبادرين لتشكيلها([57])، أو تشكيلها بدفع من القوى العسكرية المتنفذة في محافظة إدلب الأمر الذي يزيد من مخاوف توظيف شرعيتها لغايات فصائلية.

المجالس المهجرة: البيئة القانونية وضرورات التجديد الهيكلي والوظيفي والتمثيلي

تفتقد معظم الهيئات الجديدة التي شكلتها كوادر المجالس المحلية المهجرة في البيئات الجديدة إلى أطر إدارية وإشرافية ذات صيغة تمثيلية تحقق حوكمة هذه الهيئات من خلال تحقيق المشروعية المحلية المبنية على التشاركية والمساءلة والرقابة والإشراف المجتمعي وتحقيق الشرعية من خلال قوننة عمل هذه الهيئات واعتمادها، ويدفع هذا للتوجه نحو أهمية تشكيل الأطر الإدارية وربطها بالمستويات الإدارية المختلفة من خلال إعادة إحياء المجالس المهجرة في البيئات الجديدة وفق هيكليات ووظائف جديدة وجملة من القوانين الناظمة:

البيئة القانونية

توفر اللائحة التنفيذية لقانون الإدارة المحلية 107 والبلاغات الحكومية البيئة القانونية المناسبة لمنح المجالس المحلية المهجرة الشرعية القانونية، وإسباغ الصفة القانونية على بعض أدوارها وخاصة الدور المرتبط بالتمثيل([58])، وقد أشرفت وزارة الإدارة المحلية على انتخابات بعض مجالس المحافظات خارج حدودها الجغرافية، كمجلسي السويداء والرقة([59])، وهو ما يضع هذه المجالس على خارطة البنية الإدارية في سورية، ويزيد من فرص اعتمادها والاعتراف بها خارجياً، إلا أن تفاقم أزمة التهجير القسري والنزوح والأعباء التي تنوء عن حملها الفواعل المستضيفة، تجعل من الضروري بمكان استصدار المزيد من القرارات والأوامر الإدارية المناسبة التي تسهم في ضبط العلاقة بين المجالس المهجرة من جهة والفواعل المستضيفة من جهة أخرى، بما يكفل استثمار جهودها جميعاً في التعاطي مع تلك الأزمة، وتتركز الاحتياجات القانونية للمجالس المهجرة في قوننة صلاحياتها، وتحديد شكل علاقتها مع مجالس محافظاتها الأصلية وتمثيلها فيها، وشكل علاقتها بالمجالس القائمة.

تعديل الهيكلية

تفرض ظروف التهجير اختلافاً في الظروف الذاتية المتعلقة في البنية الداخلية للمجلس ووظائفه وفي الظروف الموضوعية لجهة تغير شكل العلاقات الاجتماعية والعلاقات مع المجالس المستضيفة ومنظمات المجتمع المدني وباقي الفواعل المحلية في البيئات الجديدة، فإلى جانب اختلاف نطاق العمل بانتقاله خارج الحدود الإدارية للمجلس، فإن أهم مظاهر هذا الاختلاف:

  • تغير في هيكلية المجلس المحلي: بسبب إلغاء بعض المديريات والإبقاء على أخرى، فقد ألغيت مهام عدد من المديريات اللامركزية في مجلس مدينة حلب كالخدمات الفنية والكهرباء والمياه والشرطة والاستعاضة عنها بتفاهمات مع المجالس المستضيفة في مقابل استمرار المديريات المركزية كالتعليم والصحة التي يشرف عليها المجلس المحلي([60])؛
  • تغير في بينة الهيئات الناخبة والكتلة الممثلة في المجلس وطبيعة ظروفها بسبب التهجير وتوزع السكان على عدد من مراكز الإيواء والمخيمات في عدة مناطق ([61]).

التعديل الوظيفي

تفرض ظروف التهجير استحقاقات وظيفية على المجالس المحلية القيام بها وتغليبها على حساب وظائف أخرى كان لها الأولوية قبل التهجير كقطاع الخدمات والبنى التحتية ولعل إعادة تجميع مهجري المنطقة المهجرة على أساس تمثيلي يمثل أحد أهم وظائف المجلس المحلي، إضافةً إلى الإشراف على عمل المديريات المركزية كالتعليم والصحة، والتعبير عن المطالب الحقوقية للمهجرين وتمثيلهم سياسياً وأمام الجهات المحلية في البيئات الجديدة.

ولعل الناظم الأساسي بالنسبة لاعتماد مهام المجلس المحلي المهجر وأدواره التمثيلية والخدمية هو تفرده بالقيام بمهام لصالح المهجرين تعجز عن القيام بها على أكمل وجه المجالس المستضيفة أو منظمات المجتمع المدني أو أي من الفواعل المحلية في البيئات الجديدة، ويمكن تناول أهم الأدوار الوظيفية التي يمكن أن للمجلس المهجر أن يقوم بها:

  • الدور الإشرافي والرقابي على عمل المنظمات والجهات الفاعلة التي تقدم الخدمات للمهجرين وتنظيم العلاقة معها.
  • توقيع مذكرات تفاهم مع الجالس المستضيفة وضبط العلاقة معها من خلال لجان مشتركة حيث قام مجلس مدينة حلب بتوقيع مذكرات تفاهم مع المجالس المستضيفة وشكل لجان مشتركة معها في كل منطقة تم تهجير سكان مدينة حلب إليها([62]).
  • تقدير الاحتياجات والإحصاء والتخطيط: تنطلق المجالس المحلية المهجرة في تأمين الدعم والإغاثة وتوفير فرص العمل وبناء القدرات، بالاعتماد على تقييم احتياجات المهجرين عبر إجراء الاستبيانات ومتابعة الشكاوى والحوار مع المهجرين، ثم تقديم قوائم الاحتياجات للجهات المانحة لتوفير الدعم اللازم، وللمجالس المستضيفة لتضمينها ضمن قوائم احتياجاتها، ولمجالس المحافظات التي تتبع لها المجالس المهجرة من أجل صياغة الخطط على مستوى المحافظة، يضاف إلى ذلك الأدوار التي اضطلعت بها بعض المجالس المهجرة للمهجرين كما تتعاون مع الجهات والمنظمات التي أجرت إحصائيات لأعداد المهجرين وأماكن توزعهم وظروفهم.([63])
  • إدارة الخدمات والإغاثة والتنمية: تعمل المجالس المحلية المهجرة على تأمين الخدمات من ماء وكهرباء وتعليم وصحة بالتعاون مع المجالس المستضيفة بالنسبة للمجمعات التي يقطن بها المهجرون ومراكز الإيواء، بالإضافة لتوفير احتياجات المهجرين الموزعين في مناطق مختلفة عبر الاستجابة لشكواهم بالتنسيق أيضاً مع المجالس المستضيفة، كما تسهم المجالس المهجرة في تأمين فرص العمل ودعم المشاريع الصغيرة وتأمين المواد الإغاثية وإدارة توزيعها من خلال توقيع مذكرات التفاهم مع المنظمات التنموية والهيئات الإغاثية والمجالس المستضيفة([64]).
  • حفظ التاريخ والذاكرة والانتماء: باعتبار المسؤولية الملقاة على عاتق الوحدة الإدارية بكونها تمثل مصالح المقيمين ضمن حدودها الإدارية والأجيال القادمة([65])، فإن المجالس المحلية المهجرة كما المستقرة مدعوة للقيام بمهام مرتبطة بالتوثيق، الذي تعمل على مستويات منه مجالس محدودة كما في حالة مجالس أحياء دمر وكفرسوسة([66])، ومجلس مدينة حلب وغيرها، ويمكن استعراض بعض أهم الملفات والقطاعات التي ينبغي العمل على توثيقها:
    1. توثيق الأملاك الخاصة والعقارات من بيوت ومحال تجارية وغيرها وحفظ وثائق تمليكها عبر تفعيل دائرة السجل العقاري في المجلس المهجر([67])؛
    2. توثيق المرافق العامة والمساحات الخضراء والأوابد التاريخية للمناطق التي تم التهجير منها إضافة إلى توثيق الأضرار التي وقعت ضمن الحيز الجغرافي الذي كان المجلس المحلي يديره، من خلال تفعيل جزئي لدائرة الخدمات الفنية في المجلس المهجر وبإشراف مديرية الخدمات الفنية في مجلس المحافظة الذي يتبع له المجلس المهجر؛
    3. توثيق السجل المدني من خلال تفعيل مكتب الأحوال الشخصية في المجلس، وذلك لحفظ البنية الديمغرافية لسكان حلب، وبشكل أخص لضبط المستفيدين من خدمات المجلس في البيئات الجديدة([68])؛
    4. توثيق عائلات الشهداء والمفقودين والمعتقلين والمختفين قسرياً والمهجرين والمنفيين والملاحقين من خلال تفعيل المكتب الحقوقي في المجلس؛
  • التحشيد والمناصرة: يمكن أن تلعب المجالس المحلية أدواراً أساسية بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني والهيئات الثورية والمدنية في التحشيد والمناصرة للقضايا التي تتعلق بحقوق من تمثلهم ومطالبهم، بالإضافة لدعم تموضع المجالس المحلية نفسها على خارطة التأثير السياسي كلاعب أساسي، ومن أهم القضايا التي يمكن أن تعمل المجالس المحلية المهجرة على التحشيد لها ومناصرتها:
  1. التهجير القسري والتغيير الديمغرافي المتمثلان بإفراغ مناطق كاملة من سكانها، إضافةً إلى كون التهجير القسري جريمة حرب؛
  2. حق العودة وتبنيه كقضية رأي عام؛
  3. تمثيل المرأة في المجالس المحلية المهجرة؛
  4. إبطال كل مفاعيل القرارات الاستثنائية الصادرة بحق المهجرين وممتلكاتهم من قبل النظام؛
  5. معتقلي ومفقودي المناطق المهجرة؛
  6. اعتماد المجالس المهجرة كبنى رسمية تمثيلية من قبل المجالس المستضيفة والبنى السياسية الثورية والمنظمات الدولية والهيئات الإغاثية والفاعلين الدوليين والإقليميين؛
  7. تبني المهجرين لفكرة أهمية تمثيلهم ضمن بنى إدارية ولو كانت خارج الحدود الجغرافية؛
  8. إعادة بث روح الثورة في أوساط المهجرين.
  • العمل المجتمعي: تتسبب حالة التهجير في زيادة تشتيت البنية المجتمعية وتضييع الهوية الاجتماعية للمحلة، وتلعب المجالس المحلية دوراً هاماً في رأب هذا الصدع من خلال القيام ببعض الأدوار:
  1. تعزيز الحوار المجتمعي بين المهجرين من خلال إجراء ندوات متنقلة بين مناطق التهجير؛
  2. تعزيز التواصل بين المهجرين وبقية سكان المنطقة المهجرة في الشتات وتشجيع المغتربين من أبناء المنطقة على دعم المهجرين من خلال دعم المشاريع الصغيرة والإغاثة؛
  3. تجهيز رياض للأطفال ومدارس خاصة بالمهجرين وتأمين الرعاية الصحية للمرضى والمصابين منهم؛
  4. تمكين المرأة المهجرة وتعزيز قدرتها على المشاركة؛
  5. تشجيع الأنشطة التطوعية ورعاية الشباب المهجرين وتقديم البرامج التنموية التي تجنبهم الانزلاق نحو الجريمة أو الإرهاب؛

ثلاثية التمثيل والهوية السياسية والدفع السياسي

ينطلق التلازم بين أركان هذه الثلاثية من أهمية التمثيل في صياغة الهوية السياسية للمجتمع المحلي في ظل الاستقطاب الحاد الحاصل بين النظام والمعارضة وبالتالي تحسين قدرته على الدفع السياسي، ولكون القوانين الإدارية لا تسمح للمهجر بالتمثل ضمن المجالس المحلية المستضيفة([69])، فإن تعبئة المهجرين ضمن بنى تمثيلية يكون ضرورياً لكي لا يتم فقدان الوزن السياسي لمنطقة ما، لكون معظم سكانها أو جزء منهم قد تم تهجيرهم ولا يمكن تمثيلهم، فالاقتصار على تشكيل روابط ومؤسسات غير تمثيلية، سيعني تمكين النظام من تمثيل المنطقة واحتكار تعريف الهوية السياسية لها، وسيعني فقدان أحد مكونات الهيكلية التمثيلية للمنظومة المحوكمة البديلة التي تنافس الشرعية القانونية والسياسية للنظام، "فلن تستطيع منظمات المجتمع المدني ولا الجهات الحقوقية أن تدافع عن قضية الوحدة الإدارية والحوكمة في سورية لأن ذلك يحتاج إلى بنى إدارية تمثيلية من أصغر وحدة إدارية وصعوداً إلى أكبر مظلة سياسية"([70]) وبناءً على ذلك يمكن الإشارة إلى الآتي:

  • الاعتماد على انتماء المهجرين إلى قيود الأحوال المدنية للمناطق التي هجروا منها –حيث تشير اللائحة التنفيذية لقانون الإدارة المحلية إلى أولوية ذلك-في التأكيد على حقهم في التمثيل أو الترشح ضمن البنى الإدارية لهذه المناطق بغض النظر عن أماكن تواجدهم([71])؛
  • أهمية دعوة الهيئة الناخبة لكل منطقة مهجرة وتوسيعها قدر الإمكان من أجل انتخاب مجالس جديدة بسبب حدوث اختلاف في توزع سكان المنطقة وأدوار المجلس ونطاق عمله وشرعيته([72])؛
  • تمثيل المهجرين في أي استحقاق انتخابي يعتمد على وجود صوت سياسي لهم من خلال البنى التي تمثلهم؛
  • أهمية وجود بنى تمثيلية للمهجرين تمنحهم شرعية قانونية تعزز مطالبهم الحقوقية، وتزيد من قدرتهم على الدفع السياسي؛ كما تعزز لدى السكان المهجرين الانتماء إلى منظومة الدولة البديلة؛
  • الحفاظ على الوحدات الإدارية التمثيلية هو من يعطي الشرعية للمستويات الإدارية والكيانات السياسية الأعلى، ومع تهجير سكان كامل الوحدات الإدارية لمحافظة ما وشطب هذه الوحدات الإدارية لكون سكانها قد غدوا مهجرين، لن يكون هناك معنى لوجود مجلس محافظة وستفقد المستويات الأعلى أحد أهم مكوناتها؛
  • القبول بحل المجلس المحلي لوحدة إدارية مهجرة يعني تفرد النظام بتمثيلها وتمثيل مصالحها، ويعني استفراده بالمنطقة ككل إذا ما تم التعبير عن الانتقال السياسي من خلال مشاركة سياسية من الأدنى إلى الأعلى؛
  • المناطق التي تم التهجير منها غالباً ما يكون لها هوية سياسية مغايرة لتلك التي يريد النظام فرضها على المنطقة التي استولى عليها حرباً أو سلما ولابد من التعبير عنها؛
  • الدور الأساسي للمجالس المهجرة يركز على تمثيل الصوت السياسي والإداري لهذه البقعة الجغرافية التي تم التهجير منها إلى جانب بعض الأدوار الخدمية؛
  • التأطير ضمن بنى مؤسسية تمثيلية مرتبطة بالجسم الإداري المتشكل على امتداد مناطق المعارضة، يضمن عدم خضوع المجالس والهيئات المهجرة لإملاءات القوى العسكرية أو الجهات المانحة، وتوظيفها لشرعيتها بمايخدم توجهاتها السياسية.

 

العلاقات البينية للمجالس المهجرة والكيانات المدنية والحكومية

يزيد واقع التهجير والنزوح من أعباء البيئات الجديدة، التي تعاني أساساً من شح الموارد وضعف القدرة على تأمين الخدمات، وحالات من الانفلات الأمني ومظاهر الاقتتال الداخلي بين الفصائل، إضافةً إلى الآثار المترتبة على استمرار الأعمال القتالية بين أطراف الصراع في بعض المناطق التي تم التهجير إليها، وتتباين تقديرات أعداد المهجرين إذ يقدر مجلس محافظة إدلب عدد المهجرين في المحافظة بما يزيد عن 700 ألف نازح ومهجر([73])، منهم 24 ألف([74]) بنتيجة التسويات في ريف حلب وريف دمشق ودمشق وحمص، كما يقدر عدد النازحين والمهجرين من حي القابون إلى الغوطة الشرقية بحوالي 3000 نازح([75])، إضافة إلى عدد كبير من المهجرين سابقاً من دمشق وريفها، بالإضافة إلى 20 ألف من مهجري حي الوعر توزعوا بين محافظتي إدلب وحلب([76])، فيما تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى ما يقارب 36500 مهجر موزعين بحسب الجدول الآتي([77]):

 ويفرض وجود هذه الأعداد الضخمة تضافر جهود كافة مجالس المحافظات المستضيفة والمجالس الفرعية التابعة لها، والمجالس الفرعية المهجرة ومجالس المحافظات، والمنظمات الإغاثية والهيئات المدنية الأخرى والمديريات المركزية التابعة للحكومة المؤقتة، من أجل خدمة المهجرين والمستضيفين وتأمين الموارد الكافية وتوفير فرص العمل وغير ذلك، ويعتمد ذلك بشكل أساسي على ضبط العلاقات البينية والحد من تضارب الصلاحيات، ويمكن استعراض سيناريوهات المجالس المهجرة في البيئات الجديدة وفق توجهاتها وتوجهات المجالس المضيفة وفق الآتي:

  • الحل وتشكيل إدارات وظيفية غير تمثيلية تنسق مع المجالس المستضيفة من خلال مكتب مختص في المجلس المستضيف وتلبي مطالب السكان المهجرين ويحتمل هذا السيناريو إشكالية غياب المراقبة والإشراف والتقييم بما يخدم مصالح المهجرين فضلاً عن التخطيط والتمثيل، مما يلتقي مع رغبة بعض المجالس المستضيفة التي لديها هواجس من تنازع الصلاحيات ضمن نطاقها الجغرافي([78]).
  • الحل والاندماج ضمن المجالس المستضيفة وهذا متعذر قانونياً (لأنه مرفوض في قانون الإدارة المحلية وفي اللائحة التنفيذية([79]) ) ومتعذر سياسياً لأن التمثيل موضوع سياسي مرتبط بالسكان أنفسهم ومتعذر اجتماعياً لأنه يحتمل تغييب لتاريخ وخصوصيات وحقوق المجلس المهجر.
  • العمل بالتنسيق مع المجالس المستضيفة الفرعية على المستوى التنفيذي، بالإضافة لإشراف مجلس المحافظة الذي يتبع له المجلس المهجر على أنشطة المجلس المهجر وإشرافه أيضاً على تشكيله وحله، وهو خيار متاح لعدم تعارضه مع اللوائح التنفيذية والقرارات الوزارية([80]) في حال توقف المجلس المهجر عن مزاولة أدوار خدمية تتسبب بتعارض الصلاحيات مع المجالس المستضيفة إلا من خلال التنسيق معها([81]) (من خلال مذكرات تفاهم ولجان مشتركة)، واكتفائه بأدوار التمثيل والتوثيق والأدوار الحقوقية والاجتماعية والإغاثية.
  • ممارسة المجالس المهجرة لأدوار تنسيقية مع منظمات المجتمع المدني والجهات المانحة بما يضمن توزيع الدعم وفق خطط المجالس المحلية المبنية على احتياجات المهجرين، إضافة إلى الشراكات في القيام ببعض الأدوار كما في حالة وهو سيناريو لا يتسبب بتضارب المصالح والأدوار مع المجالس المستضيفة ولا يتعارض مع اللوائح التنفيذية والقرارات الوزارية.
  • قيام المجالس المهجرة بالتواصل مع لجان المديريات المركزية التابعة التي تشرف عليها مجالس المحافظات المستضيفة فيما يتعلق برفع قوائم احتياجاتها، حيث لا يمكن للمديريات المركزية في المحافظات التي تتبع لها المجالس المهجرة القيام بأي دور لخدمة المهجرين من أبناء هذه المحافظات إذ يحدد نطاق عملها بالحدود الجغرافية للمحافظة([82])، كما أن هناك بعض الأدوار التي يتم توزيعها بين الوزارة المختصة التي تتبع لها المديريتان في المهجر والمستضيف([83])، وهو سيناريو يحتمل غياب المحلس المحلي المهجر عن خارطة الداعمين والمانحين، لصالح تقديم المديريات المركزية والمجالس المستضيفة كفاعل أساسي ووحيد في خدمة المهجرين .

 

 

الإجراءات الضرورية لفاعلية أفضل للمجالس المحلية في البيئات الجديدة

يمكن اقتراح حزم من السياسات ضمن عدة مجالات: القوانين واللوائح التنفيذية؛ الحوكمة؛ الإدارة والتنمية والعلاقات الاجتماعية؛ السياسة والحقوق، بما يهدف إلى تمكين المجالس وتعزيز دورها وحضورها الاجتماعي والسياسي في البيئات الجديدة:

حزمة القوانين واللوائح التنفيذية

  • منح وزارة الإدارة المحلية التابعة للحكومة المؤقتة صلاحيات قانونية للمجالس المهجرة للقيام بأدوار خدمية ضمن تجمعات المهجرين، وبالتعاون مع المديريات المركزية للمحافظات التي تتبع لها المجالس المهجرة؛
  • قيام وزارة الإدارة المحلية بتوضيح شكل علاقة المجالس المهجرة بمجالس المحافظات التي تتبع لها؛
  • إعادة تسمية المجالس المحلية المهجرة من قبل وزارة الإدارة المحلية بما بتناسب مع كونها مهجرة ولم تعد محلية بانتقالها خارج حدوها الإدارية؛
  • قيام وزارة الإدارة المحلية بوضع محددات لشكل علاقة المجالس المهجرة بمجالس المحافظات المستضيفة والمجالس المستضيفة التابعة لها؛
  • اعتماد الحكومة المؤقتة لهيئة عامة للمهجرين قسرياً تتبع لها وترتبط بها لجان فرعية على مستوى المحافظات التي تضم مجالس فرعية مهجرة، وتنسق عملها مع المجالس المهجرة.

حزمة الحوكمة والتطوير الإداري والوظيفي

  1. الشرعية: من خلال استفادة المجالس المحلية المهجرة من بيئة القوانين الإدارية الناظمة لعمل المجالس المحلية والتي تمنح المرونة الكافية للمجالس المهجرة، إضافةً إلى تبنيها للنظام الداخلي للمجالس المحلية، واعتمادها من قبل المستويات الإدارية الأعلى (مجالس محافظات – حكومة مؤقتة)؛
  2. المشروعية: وترتبط بدايةً بقدرة المستوى الإداري الأعلى على إعادة تشكيل الهيئة الناخبة وفق أسس معيارية وبحيث تشمل أكبر شريحة من سكان المنطقة المهجرة والمنفيين والنازحين ومن هم ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، والذين ينتمون لنفس القيود المدنية للمنطقة التي كان المجلس المحلي المهجر يديرها أو تقع ضمن حدوده المنطقة الإدارية، ثم بقدرة المجلس المهجر على تلبية كل احتياجات المهجرين، وحسن تمثيل كل السكان المنتمين للوحدة الإدارية، إضافةً إلى تعزيز مشاركة المرأة ومتضرري الحرب في المجالس المحلية المهجرة؛
  3. تعديل المجالس المهجرة لهيكلياتها ووظائفها ضمن البيئات الجديدة؛
  4. تعزيز الشفافية في عمل المجلس، والخضوع للمساءلة المجتمعية وزيادة قدرة المجلس على المراقبة والتقييم، ووضع الخطط التنموية الكفيلة بتمكين المهجرين من الاعتماد على أنفسهم، وقدرة المجلس على القيام بمهامه بكفاءة وفعالية؛
  5. استفادة المجالس المحلية المهجرة من تجارب بعضها وآلياتها في التعاطي مع البيئات الجديدة، واستعراض المشكلات التي تواجهها، والاستفادة من النقاط الإيجابية التي تميز عمل ووضع كل منها؛
  6. تعزيز التواصل مع المجالس المستضيفة للتباحث بالصيغ الممكنة للتعاون مع المجالس المهجرة والمهجرين واعتماد مذكرات تفاهم معها وتشكيل لجان مشتركة ومندوبين لمتابعة شؤون المهجرين، والحد من تضارب الصلاحيات والتداخل الوظيفي، وتنظيم الموارد وفرص العمل؛
  7. إعادة تعريف الهيئات التي شكلها النشطاء وكوادر المجالس المهجرة في البيئات الجديدة، من حيث وضعها القانوني هل هي مجالس محلية تمثيلية أم منظمات مجتمع مدني، بالإضافة لتعريف شكل علاقتها بالمجالس المحلية.

حزمة الحقوق والسياسة

  1. تعزيز حضور المجالس المحلية سياسياً وفق صيغ تدعم دورها وهو ما يتطلب هيكلية متماسكة تؤطر المجالس بهدف دعم حضورها السياسي في مفاوضات الحل السياسي وبما يمكنها من القدرة على طرح ملفاتها؛
  2. الحرص على تمثيل كل المهجرين الذين ينتمون إلى الوحدة الإدارية نفسها ضمن المجلس المحلي لكيلا يتم فقدان الوزن السياسي لهذه الوحدة، ولأن ذلك سيعني تمكين النظام من تمثيل المنطقة وتغيير الهوية السياسية لها، وتمثيل حقوقها وإهدار حقوق أهلها المهجرين؛
  3. تطوير قدرة المجالس المهجرة على التوثيق لجرائم التهجير وجمع القرائن والأدلة اللازمة لتشكيل ملف قانوني متكامل، يتيح إمكانية متابعته دولياً لملاحقة ومحاسبة المسؤولين عن هذه العمليات باعتبارها جرائم حرب من خلال إنشاء المركز السوري لحقوق المهجرين قسراً؛
  4. إشراف الحكومة المؤقتة من خلال المركز السوري لحقوق المهجرين قسراً على إجراء مسح شامل للمهجرين قسرياً في مختلف المناطق الخارجة عن سلطة النظام بالتعاون مع المجالس المحلية المهجرة والمجالس المحلية المستضيفة والهيئات المدنية الفاعلة؛
  5. الاستفادة من التجربة الفلسطينية فيما يتعلق بحقوق المهجرين وكيفية الدفاع عنها، وتطوير أدوات المناصرة وتفعيل القضية إعلامياً وجعلها قضية ثورية وقضية رأي عام دولي؛
  6. قيام المجالس المهجرة بتوثيق حقوق مصالح السكان المهجرين في مناطقهم الأصلية، ومراقبة التعديات والسياسات التي تمارس من قبل النظام تجاه الأملاك الخاصة في هذه المناطق وتجاه التراث الثقافي والتاريخي لهذه المناطق؛
  7. تطوير الشراكة والتنسيق مع المنظمات الحقوقية بما يخدم قضايا المهجرين ويحفظ حقوقهم؛
  8. قيام المجالس المهجرة بإعادة تفعيل الحراك الثوري المدني كمحفز للمجتمعات المهجرة على الاستمرار بالمطالبة بحقوقها وملاحقة الجناة والمشاركة الفاعلة بالقرار السياسي على المستوى الوطني.

حزمة العلاقات المجتمعية

  1. تفعيل المجالس المحلية للحوار المجتمعي بين كل أبناء الوحدة الإدارية؛
  2. عقد المجالس المحلية للندوات التي تهدف إلى رفع الوعي الحقوقي والسياسي لدى المجتمعات المهجرة، وتعزيز قدرتها على التحشيد ومناصرة قضاياها؛
  3. إقامة الحفلات والمناسبات التي تحفظ الذاكرة الاجتماعية للسكان المحليين، وتذكرهم بمواطنهم الأصلية؛
  4. أهمية حرص المجالس المحلية على تطوير علاقة التعاون والتكامل بين المجتمع المهجر والمجتمع المضيف؛
  5. أهمية حرص المجلس المحلي على ضم المهجرين التابعين لوحدته الإدارية ضمن تجمعات سكنية ومراكز إيواء خاصة بهم، بالتنسيق مع المجالس المستضيفة والفواعل القائمة في البيئات الجديدة، من أجل حفظ الانتماء وعدم الذوبان في المجتمعات الجديدة؛
  6. توفير رياض خاصة للأطفال المهجرين بهدف تعريفهم بموطنهم الأصلي وتعزيز إيمانهم بحقهم بالعودة إليه؛
  7. تأسيس مديرية للأحوال الشخصية تتبع للمجلس المهجر وتعمل تحرير الوقائع المدنية

خاتمة

 توجه عدد كبير من المجالس المحلية المهجرة إلى حل نفسه بعد التهجير والتحول إلى هيئات واتحادات وظيفية، فيما حافظ عدد قليل من المجالس المحلية على نفسه بعد التهجير بعد إجرائه تعديلات هيكلية ووظيفية من تلقاء نفسه بما يلائم البيئة الجديدة ودون الرجوع إلى المستويات الإدارية الأعلى ، ويغلب على مجالس المهجرين وهيئاتهم البديلة عدم التوازن الوظيفي من حيث تركيزها على الدور الإغاثي وانخفاض اهتمامها بالأدوار الحقوقية والاجتماعية والسياسية والتنموية، وتفتقر الهيئات والاتحادات البديلة عن المجالس المحلية إلى وجود مستويات إدارية أعلى تقونن عملها وتشرف عليها وتنظم علاقاتها البينية ببقية مجالس المحافظات والمجالس المحلية والهيئات المدنية الأخرى القائمة في البيئات الجديدة والبيئات الأصلية، كما لاتزال هذه المنظومات البديلة تفتقر إلى وضوح البنية الإدارية، وتعاني من ضياع الهوية المؤسسية، فضلاً افتقارها إلى عامل التمثيل، وظهورها على حساب الإدارات التمثيلية، في الوقت الذي تتزايد فيه الحاجة إلى تظهير أصوات المهجرين والتعبير عن قضيتهم في المحافل الدولية والمطالبة بحقهم بالعودة إلى مناطقهم الأصلية، كما تظهر أهمية تأطير المهجرين ضمن مجالس تمثيلية في الحد من محاولات بعض القوى العسكرية المسيطرة في البيئات الجديدة توظيف الصوت المدني للمهجرين بما يخدم توجهاتها السياسية، ومصالحها الفصائلية، كل ذلك في مقابل الاستحقاقات التي المهجرين على المستوى الحقوقي والسياسي والإداري، والتي تزيد من الحاجة إلى إعادة التشكيل ضمن هيئات إدارية تحقق الحد الأدنى من التمثيل الذي يضمن بقاء المجتمعات المهجرة على خارطة الفعل المحلي سياسياً، ويمنحها حصانة جزئية من الاستحواذ الذي تمارسه بعض الفصائل العسكرية والجهات المانحة عليها، كما يحافظ على وجود هذه الوحدات الإدارية ضمن الخارطة الإدارية بغض النظر عن بقائها في نطاقها الجغرافي من عدمه، الأمر الذي يحافظ على الهوية السياسية للمناطق المهجرة كونها ماتزال موجودة ضمن بنية مؤسسية تكتسب مشروعيتها تدريجياً من الأدنى إلى الأعلى، وتسعى إلى اكتساب الشرعية الدولية قانونياً وسياسياً، كما تبرز أهمية تشكيل هذه المجالس في ظل الحاجة الماسة لإدارة ملف المهجرين وتأمين احتياجاتهم المعيشية والحفاظ على بنيتهم الاجتماعية في ظل تزايد أعباء المجالس القائمة في البيئات الجديدة، ومخاوف ذوبان المجتمعات المهجرة وتشظيها، وتبرز في نفس الوقت أهمية سن القوانين وإصدار القرارات اللازمة لقوننة عمل المجالس في البيئات الجديدة وتوضيح شكل علاقاتها بالمجالس المحلية ومجالس المحافظات والبنى المدنية والهيئات الحكومية،


 

([1]) اتصال هاتفي أجراه الباحث مع عضو المجلس المحلي لمدينة معظمية الشام السيد أبو خالد الصغير، تاريخ 3/8/2017.

([2]) مدى اتساق هذه المجالس ضمن بنى إدارية متماسكة لها أدوار خدمية وتنموية، مركزية أو تشاركية في مناطقها التي هجرت منها، وأدوارها السياسية المتمثلة في حضورها في مفاوضات الهدن والتسويات.

([3]) تم استخلاص الجدول من خلال تواصل الباحث مع كل من زياد المحمد رئيس مجلس مدينة حلب، وفادي دباس عضو المجلس المحلي لمدينة داريا وأبو خالد الصغير عضو المجلس المحلي لمدينة معظمية الشام وعرفان موصلي عضو المجلس المحلي لحي كفرسوسة وبراء الشيبي عضو المجلس المحلي لحي دمر، وعلاء نعمان عضو المجلس المحلي لحي القابون والدكتور مهند حبي مدير الهيئة الطبية في وادي بردى وأبو محمد البوشي من المجلس المحلي لمدينة قدسيا والدكتور حسام سكاف من المجلس المحلي للهامة وعامر برهان من المجلس المحلي لمدينة الزبداني، وأمجد المالح من المجلس المحلي لبلدة مضايا، إضافة صفحة لجنة التواصل في مدينة التل، الرابط الإلكتروني: https://goo.gl/E5fXo7 ، الكاتبة إيمان محمد من حي الوعر.

([4]) في حال كون المجلس غير فعال كلياً أو جزئياً أو غير موجود

([5]) خلاصة مداخلة الأستاذ يوسف نيرباني مدير المجالس المحلية في وزارة الإدارة المحلية بالحكومة المؤقتة خلال اللقاء الحواري الذي نظمه مركز عمران بعنوان "إمكانيات تفعيل البنى والفواعل المحلية المهجرة في البيئات الجديدة" بتاريخ 16/5/2017.

([6]) بلغ عدد المناطق المهجرة قسرياً منذ بدء اعتماد النظام سياسات الهدن والتسويات المحلية 18 منطقة هي (حمص القديمة – داريا – معظمية الشام – الهامة – قدسيا – التل – الزبداني – مضايا وبقين – سرغايا – برزة - القابون – مقيلبية – زاكية – الطيبة – خان الشيخ – ديرخبية – وادي بردى – حلب الشرقية ) حيث أعاد كل من مجلسي القابون وحلب الشرقية تشكيل أنفسهما، يضاف إليها مجاميع سكانية كانت في الأصل مهجرة إلى هذه المناطق وشكلت مجالسها المحلية فيها، ثم تم تهجيرها إلى إدلب لتحافظ على مجالسها كما في حالتي مجلس حيي دمر وكفرسوسة الدمشقيين وفقاً لما أفاد به عضوا المجلسين المحليين لحيي دمر وكفرسوسة في خلال اتصال هاتفي أجراه الباحث معهما بتاريخ 6/8/2017 .

([7])  حوار أجراه الباحث مع النقيب سعيد نقرش قائد لواء شهداء الإسلام بداريا بتاريخ 2/5/2017.

([8]) اتصال هاتفي أجراه الباحث مع عضو المجلس المحلي لمدينة داريا الأستاذ فادي دباس بتاريخ 4/8/2017.

([9]) المصدر نفسه.

(10) المصدر نفسه.

([11]) بيان إنهاء أعمال المجلس المحلي لمدينة داريا بتاريخ 22/10/2016، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/ERNwzt

([12]) اتصال هاتفي أجراه الباحث مع عضو المجلس المحلي لمدينة داريا الأستاذ فادي دباس، المصدر نفسه.

([13]) من مداخلة النقيب سعيد نقرش قائد لواء شهداء الإسلام في داريا ورئيس المكتب العسكري في المجلس المحلي لداريا، خلال اللقاء الحواري الذي نظمه مركز عمران بعنوان " إمكانيات تفعيل البنى والفواعل المحلية المهجرة في البيئات الجديدة" بتاريخ 16/5/2017.

([14]) اتصال هاتفي أجراه الباحث مع الأستاذ طارق معترماوي رئيس مجلس محافظة ريف دمشق، تاريخ 16/8/2017.

([15]) فريق سجل داريا المدني يتابع أعماله من ريف إدلب، جريدة عنب بلدي،25/9/2017، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/Qs1jNF

[16]) ) اتصال هاتفي أجراه الباحث مع عضو المجلس المحلي لمدينة داريا الأستاذ فادي دباس، مصدر سابق.

([17]) التهجير القسري والتغيير الديمغرافي في سورية، تقرير لوحدة تنسيق الدعم، 29/6/2016 ، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/tnLAqK

([18])استعراض الأستاذ زياد المحمد رئيس مجلس مدينة حلب للإجراءات الإدارية التي قام بها المجلس عقب التهجير، خلال اللقاء الحواري الذي نظمه مركز عمران بعنوان "إمكانيات تفعيل البنى والفواعل المحلية المهجرة في البيئات الجديدة" بتاريخ 16/5/2017.

([19])  " حافظت الإدارات المركزية التي كان يشرف المجلس عليها كالتعليم على دورها من حيث حجم الأعمال والرواتب على اعتبار مسؤولية المجلس عنها لا تتعدى الشق الإشرافي "،"مجلس مدينة حلب يتابع المهجرين في شتاتهم"، موقع جيرون، تاريخ 10/2/2017، الرابط الإلكتروني: https://goo.gl/mTYugo

([20]) "توقفت الإدارات اللامركزية عن العمل تماماً خارج الحدود الإدارية للمجلس المحلي كما في قطاعات المياه والكهرباء"،"مجلس مدينة حلب يتابع المهجرين في شتاتهم"، موقع جيرون،المصدر نفسه.

([21]) "مجلس مدينة حلب يتابع المهجرين في شتاتهم"، موقع جيرون، تاريخ 10/2/2017، الرابط الإلكتروني: http://www.geroun.net/archives/74904

([22]) المصدر نفسه.

([23]) مجلس محافظة حلب ووزارة الإدارة المحلية في الحكومة المؤقتة.

([24])  " تأسس أول مجلس محلي لحي كفرسوسة في شهر أكتوبر عام 2012 " ، اتصال هاتفي أجراه الباحث بالاستاذ سفيان الأسود عضو المجلس المحلي لحي كفرسوسة ، تاريخ 10/8/2017.

([25]) " تم تشكل أول مجلس محلي في حي دمر بداية عام 2013" ، اتصال هاتفي أجراه الباحث بالاستاذ براء الشيبي عضو المجلس المحلي لحي دمر ، تاريخ 6/8/2017.

([26]) ظهر هذا النموذج من المجالس في إطار توجه البنى الثورية لإثبات وجودها سياسياً في مواجهة النظام من حيث وعملت في ظروف أمنية استثنائية، وبحسب عضو المجلس المحلي لحي كفرسوسة سفيان الأسود وعضو المجلس المحلي لحي دمر الأستاذ براء الشيبي، فقد تعرض الكثير من كوادر هذه المجالس للتصفية في معتقلات النظام السوري حيث اتسم عملها بالسرية المطلقة .

([27]) اتصال هاتفي أجراه الباحث بالرئيس السابق للمجلس المحلي لحي دمر الأستاذ براء الشيبي، مصدر سابق.

([28]) يشار إلى الجهود التي بذلها ناشطوا مجلسي المزة وكفرسوسة لرصد عمليات التغيير الديمغرافي في حي كفرسوسة وبساتين حي المزة والمشاريع العمرانية التي يعتزم النظام انجازها هناك بعد تهجيرالأهالي الأصليين وعقب إصداره المرسوم 66 القاضي بتنظيم هذه المناطق والتي تم تزويد مجلس محافظة دمشق الحرة بتقارير عنها واطلاع الباحث على هذه التقارير بوصفه عضوا في المكتب التنفيذي للمجلس .

([29]) من متابعات الباحث لملف المجالس الفرعية القائمة في محافظة دمشق بوصفه عضوا في المكتب التنفيذي لشؤون المجالس الفرعية بمجلس محافظة دمشق.

([30]) اتصال هاتفي أجراه الباحث بعضوي مجلسي دمر وكفرسوسة الأستاذ براء الشيبي والأستاذ عرفان الموصللي بتاريخ 10/8/2017.

([31]) تولى لواء المقداد بن عمرو الذي يضم المقاتلين من أبناء حي كفرسوسة المهجرين إلى داريا تمثيل أهل كفرسوسة المهجرين إلى داريا في الوفد المفاوض المشكل خلال تفاوضات مدينة داريا مع النظام، بحسب ماقاله الاستاذ عرفان الموصلي عضو مجلس كفرسوسة للباحث .

([32]) وقعت الأحرف الأولى لاتفاق المدن الأربعة في أيلول 2015 واستكمل تنفيذه في 12/4/2017 حيث تم الاتفاق بين هيئة تحرير الشام وحركة أحرار الشام من جهة، والنظام السوري وحزب الله اللبناني والجانب الإيراني من جهة أخرى،وتضمن اتفاق لإجراء عملية تبادل للمدنيين المقمين في بلدتي كفريا والفوعة العلويتين الموجودتين في إدلب مقابل خروج المدنيين الراغبين والمسلحين من بلدتي مضايا والزبداني الواقعتين في ضواحي العاصمة دمشق،للمزيد مراجعة الرابط الالكتروني: https://goo.gl/cz8sz.

([33]) منطقة الزبداني وحدة إدارية تضم ناحية مضايا وناحية مدينة الزبداني وناحية سرغايا، https://goo.gl/Y8ba9k .

 ([34]) "قامت الحركة بتعيين أعضاء المجلس من الشخصيات القريبة منها "، اتصال هاتفي أجراه الباحث بالاستاذ أمجد المالح عضو المجلس المحلي لبلدة مضايا سابقاً وأحد مؤسسي الهيئة السورية للمهجرين قسرياً، تاريخ 4/8/2017.

([35]) اتصال هاتفي أجراه الباحث بالأستاذ عامر برهان عضو المجلس المحلي لمدينة الزبداني سابقاً، تاريخ 4/8/2017.

([36]) الهيئة الإغاثية الموحدة في مضايا والزبداني كما جاء في تعريفها عبر صفحتها الرسمية :" منظمة مجتمع مدني، وهيئة اعتبارية ذات طابع مستقل عن أي جهة عسكرية أو سياسية. تُعنى بالشأن الإغاثي والإجتماعي في منطقة الزبداني بريف دمشق، تأسست في 4/1/2016" ، الرابط الالكتروني:

https://www.facebook.com/pg/UROMZ/about/?ref=page_internal

([37]) اتصال هاتفي أجراه الباحث بالأستاذ أمجد المالح عضو المجلس المحلي لبلدة مضايا سابقاً وأحد مؤسسي المركز السوري للمهجرين قسرياً، مصدر سابق.

([38]) اتصال هاتفي أجراه الباحث بالأستاذ أمجد المالح عضو المجلس المحلي لبلدة مضايا سابقاً وأحد مؤسسي المركز السوري للمهجرين قسرياً، مصدر سابق.

([39]) المجمع الإداري لمهجري الزبداني: مؤسسة اجتماعية مدنية لا تتبع لأي تنظيم عسكري أو سياسي، بيان تأسيس المجمع، تاريخ 18/6/2017، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/Gizmmj

([40]) المصدر نفسه.

([41]) إعلان البدء بتوزيع البطاقات الشخصية، دائرة الأحوال الشخصية في المجمع الإداري لمهجري الزبداني، تاريخ 18/7/2017، الرابط الإلكتروني: https://goo.gl/udp8te

([42]) بيان دعوة المجمع الإداري لمهجري الزبداني أهالي الزبداني لاختيار مندوبيهم في الهيئة العامة لمجلس أعيان الزبداني، تاريخ 12/7/2017،الرابط الألكتروني : https://goo.gl/WG77v6

([43]) بيان انتخاب مجلس أعيان الزبداني ، تاريخ 31/7/2017، الرابط الإلكتروني : https://goo.gl/rQ7Kda

([44]) بيان حل المجلس المحلي لمدينة الزبداني، تاريخ 14/8/2017، الرابط الإلكتروني: https://goo.gl/aB5Qvf

([45]) اتصال هاتفي أجراه الباحث مع الأستاذ طارق معترماوي رئيس مجلس محافظة ريف دمشق، تاريخ 18/8/2017.

([46]) " المجلس المحلي مثلا لمضايا والزبداني موجود في حيز جغرافي آخر لا يعطيه الحق في ممارسة أي دور يؤثر على إدارة المنطقة " من مداخلة الأستاذ محمد سرور المذيب خلال اللقاء الحواري الذي نظمه مركز عمران بعنوان " إمكانيات تفعيل البنى والفواعل المحلية المهجرة في البيئات الجديدة" بتاريخ 16/5/2017.

([47]) " غير مسموح بوحدات إدارية جديدة للمهجرين ولا نريد إنشاء أجسام أخرى وروابط على حساب الإدارات المحلية " من مداخلة الأستاذ محمد سرور المذيب وزير الإدارة المحلية في الحكومة السورية المؤقتة، خلال اللقاء الحواري الذي نظمه مركز عمران بعنوان " إمكانيات تفعيل البنى والفواعل المحلية المهجرة في البيئات الجديدة" بتاريخ 16/5/2017.

([48] ) تعريف مكتوب بهيئة مهجري دمشق وريفها ومكاتبها وأهم إنجازاتها، أرسل به رئيس الهيئة الأستاذ أبو محمد داريا للباحث، تاريخ 10/9/2017، مادة غير منشورة.

([49]) المصدر نفسه.

([50]) المصدر نفسه.

([51]) توزيع الخبز على الأهالي المهجرين ضمن مراكز تابعة لها موزعة في مدينة إدلب تقدمة منظمتي ( IHH ) وركين بالتعاون مع هيئة مهجري دمشق وريفها، تاريخ1/10/2017، الرابط الإلكتروني: https://goo.gl/2zdypN .

([52]) مشاركة هيئة مهجري دمشق وريفها في حملة تنظيف مدينة معرة النعمان بمحافظة إدلب، إضافة إلى المشاركة في الإعداد للمارثون الذي سيقام في المدينة، تعريف بمنجزات هيئة مهجري دمشق وريفها وأنشطتها أرسل به للباحث، رئيس الهيئة الأستاذ أبو محمد داريا، تاريخ 10/9/2017، مادة غير منشورة، الرابط الإلكتروني لحملة تنظيف مدينة معرة النعمان: https://goo.gl/6HXhGd .

([53]) تواصل الباحث بتاريخ 1/9/2017 مع عدد من الناشطين المدنيين من المهجرين والذين رفضوا الإفصاح عن أسمائهم وأعلموه بوجود مساعي لدى هيئة تحرير الشام لتأطير مهجري محافظتي حمص ودمشق ضمن إدارة مدنية واحدة، وقد تمت دعوة مختلف الفعاليات المدنية المهجرة من المحافظتين وريفيهما لحضور المؤتمر التأسيسي لإدارة مهجري دمشق وحمص وريفيهما وحضر المؤتمر القيادي في هيئة تحرير الشام في القلمون أبو مالك التلي وذلك في محافظة إدلب، بتاريخ 14/9/2017، وقد وضعت وكالة إباء التابعة لهيئة تحرير الشام على قناتها عبر برنامج التلغرام صوراً لهذا المؤتمر، الرابط الإلكتروني للقناة. https://web.telegram.org/#/im?p=@Ebaa_Agency

([54]) "تحرير الشام تريد فرض نفوذها على مجالس إدلب"، جريدة عنب بلدي، تاريخ 22/8/2017، الرابط الإلكتروني: https://goo.gl/cpTLq3

([55]) تعريف بهيئة مهجري دمشق وريفها ومكاتبها وأهم إنجازاتها، والتي تركزت على الشق الإغاثي إلى جانب الأدوار الأخرى، مصدر سابق.

([56]) " غير مسموح بوحدات إدارية جديدة للمهجرين ولا نريد إنشاء أجسام أخرى وروابط على حساس الإدارات المحلية " من مداخلة الأستاذ محمد سرور المذيب وزير الإدارة المحلية في الحكومة السورية المؤقتة، اللقاء الحواري لمركز عمران، مصدر سابق.

([57]) تواصل الباحث بتاريخ 3/10/2017 مع مصادر في حركة أحرار الشام والتي أكدت ارتباط عدد من مؤسسي هيئة مهجري دمشق وريفها بالحركة والذين شاركوا بالتأسيس بصفتهم الشخصية، وأكدت المصادر عدم وجود علاقة للحركة بتشكيل هيئة مهجري دمشق وريفها.

([58]) أصدرت وزارة الإدارة المحلية في النصف الأول من عام 2017 أمراً تنفيذياً يقضي باعتماد تمثيل المجالس القائمة خارج حدودها الإدارية في مجالس المحافظات، بنصف عدد المقاعد الممنوحة لها في حال وجودها ضمن حدودها الإدارية، ويمثل هذا اعتماداً ضمنياً للمجالس المهجرة من قبل الوزارة، اتصال هاتفي أجراه الباحث مع الأستاذ يوسف نيرباني مدير المجالس المحلية في وزارة الإدارة المحلية، تاريخ 25/9/2017.

([59]) من مداخلة الأستاذ يوسف نيرباني مدير المجالس المحلية في وزارة الإدارة المحلية بالحكومة المؤقتة خلال اللقاء الحواري لمركز عمران، مصدر سابق.

([60]) "مجلس مدينة حلب يتابع المهجرين في شتاتهم"، مصدر سابق.

([61]) سيتم تناولها في الفقرة المتعلقة بثلاثية التمثيل والهوية السياسية والدفع السياسي.

([62]) مجموعة من الأفكار التي قدمها الأستاذ زياد المحمد رئيس مجلس مدينة حلب خلال اللقاء الحواري الذي نظمه مركز عمران بعنوان " إمكانيات تفعيل البنى والفواعل المحلية المهجرة في البيئات الجديدة" بتاريخ 16/5/2017.

([63]) "نجري إحصاء كمجلس محلي مهجر للنازحين ضمن حدود المجلس المحلي المضيف " من مداخلة الأستاذ زياد المحمد رئيس مجلس مدينة حلب خلال اللقاء الحواري الذي نظمه مركز عمران بعنوان " إمكانيات تفعيل البنى والفواعل المحلية المهجرة في البيئات الجديدة" بتاريخ 16/5/2017.

([64]) عملت منظمة بنفسج بالتعاون والتنسيق مع المكتب الخدمي ومكتب التواصل الاجتماعي في المجلس المحلي لمدينة مارع بريف حلب على تنفيذ مشروع "المال مقابل العمل" والذي يهدف إلى تشغيل أكبر شريحة من أبناء المدينة والمهجرين، الرابط الإلكتروني: https://goo.gl/5g33rM

([65]) اللائحة التنفيذية لقانون الإدارة المحلية، الباب الثالث، الفصل الأول، المادة الثامنة، ص8، قرارت وزارة الإدارة المحلية في الحكومة السورية المؤقتة، حزيران 2014، مادة غير منشورة.

([66]) اتصال هاتفي أجراه الباحث مع عضوي المجلس المحلي لحي دمر الأستاذ براء الشيبي، والمجلس المحلي لحي كفرسوسة الأستاذ عرفان الموصلي، تاريخ 10/8/2017.

([67]) "مجلس مدينة حلب يتابع المهجرين في شتاتهم"، مصدر سابق.

([68]) المصدر نفسه.

([69]) اللائحة التنفيذية لقانون الإدارة المحلية، الباب الثالث، الفصل الثاني، المادة 14، ص9، قرارات وزارة الإدارة المحلية في الحكومة السورية المؤقتة، مصدر سابق.

([70]) من مداخلة الأستاذ يوسف نيرباني مدير المجالس المحلية في وزارة الإدارة المحلية بالحكومة المؤقتة خلال اللقاء الحواري الذي نظمه مركز عمران بعنوان " إمكانيات تفعيل البنى والفواعل المحلية المهجرة في البيئات الجديدة" بتاريخ 16/5/2017.

([71]) اللائحة التنفيذية لقانون الإدارة المحلية، الباب الثالث، الفصل الثاني، المادة 14، ص9، قرارات وزارة الإدارة المحلية في الحكومة السورية المؤقتة، مصدر سابق.

([72]) يمكن الإشارة إلى مبررات حل مجلس داريا المحلي المذكورة في فقرة سابقة والمتمثلة بفقدان شرعية الصمود في وجه الحصار والقصف ولخدمة المحاصرين والانتقال إلى بيئة جديدة سيتوجب على المجلس فيها تمثيل وخدمة كل سكان داريا أينما كانوا، بحسب ما أشار إليه عضو المجلس المحلي لداريا الأستاذ فادي دباس خلال اتصال الباحث معه بتاريخ 4/8/2017.

([73]) اتصال هاتفي أجراه الباحث مع الأستاذ محمد سليم الخضر مدير العلاقات العامة في مجلس محافظة إدلب، تاريخ 12/8/2017.

([74]) اتصال هاتفي أجراه الباحث مع الأستاذ يامن جيرو مدير المكتب الإغاثي في مجلس محافظة إدلب، تاريخ 6/8/2017.

([75]) اتصال هاتفي أجراه الباحث مع الأستاذ علاء نعمان عضو المجلس المحلي لحي القابون المهجر، تاريخ 6/8/2017.

([76]) "آخر مهجري الوعر إلى إدلب والنظام يسيطر على حمص"، الجزيرة. نت، تاريخ 22/5/2017، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/o2F5Xc

([77]) "خطة الاستجابة: النازحين إلى الشمال السوري"، مسودة خطة الاستجابة الصادرة عن مجموعة تنسيق وإدارة المخيمات CCCM، وهي تحالف للمنظمة الدولية لشؤون الهجرة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تاريخ أيار 2017، مادة غير منشورة.

 اتصال هاتفي أجراه الباحث مع الأستاذ محمد سليم الخضر مدير العلاقات العامة في مجلس محافظة إدلب، المصدر نفسه.([78])

([79]) اللائحة التنفيذية لقانون الإدارة المحلية، الباب الثالث، الفصل الثاني، المادة 14، ص9، مصدر سابق.

([80]) " وزارة الإدارة المحلية تحض المناطق على تشكيل مجالسها في مناطقها المحررة أو حتى في المحتل أوالمهجر"، يوسف نيرباني مدير المجالس المحلية في وزارة الإدارة المحلية، خلال اللقاء الحواري لمركز عمران، مصدر سابق.

([81]) " يستطيع المجلس المحلي المهجر التنسيق مع المستضيف لتقديم الخدمات اللازمة للمهجرين بما يحقق العدالة في التوزيع بالتنسيق مع المجلس المحلي " من مداخلة الأستاذ محمد سرور المذيب وزير الإدارة المحلية، خلال اللقاء الحواري لمركز عمران، مصدر سابق.

([82]) يوجد بعض الاستثناءات المتعلقة بالمناطق الواقعة على الحدود الإدارية للمحافظات والتي لايمكن للمديريات الموجودة ضمن الحدود الإدارية أن تخدمها ففي أطراف محافظة إدلب هناك بعض المناطق التي لا تتمكن مديرية تربية إدلب من تغطيتها ويشغلها مهجرون من محافظة اللاذقية، حيث تعمل مديرية تربية اللاذقية على تخديمها بالتعاون مع مجلس محافظة اللاذقية وبالتفاهم مع مديرية تربية إدلب ،اتصال هاتفي أجراه الباحث مع الدكتور براء هاشم مدير تربية محافظة دمشق الحرة ، حول صلاحيات المديرية في مناطق من محافظة ريف دمشق والتي هجرإليها سكان من محافظة دمشق، تاريخ 19/8/2017.

([83]) يمكن للمهجرين من محافظتي دمشق وريفها تقديم امتحاناتهم في المراكز القائمة في محافظة إدلب رغم كونهم ضمن الملاك الامتحاني لمحافظة دمشق أو محافظة ريف دمشق، فيما يحصلون على شهاداتهم من مديرة التربية القائمة في محافظتهم، ويتم هذا من خلال التنسق مع وزارة التربية في الحكومة المؤقتة، اتصال هاتفي أجراه الباحث مع الدكتور براء هاشم مدير تربية محافظة دمشق الحرة، المصدر نفسه.

 

 

بينما الحذر السياسي والعسكري يسيطر على الموقف في سورية بانتظار تبلور قرارات يتمخض عنها بدايات حل سياسي، وفي ظل تفاوت الآراء والمواقف حول ماهية وجوهر هذا الحل مع سعي الجانب الروسي بلورة حل سياسي وفق شروطه الجيوسياسية. تتابع الفعاليات الإعلامية والبحثية اهتمامها بالمشهد السوري وتداعياته الإقليمية والدولية، إذ ركزت خلال الشهر المنصرم العلاقات الروسية الإيرانية أوجه التوافق أوجه الخلاف والعلاقات الروسية التركية وما آلت اليه، بالإضافة لدواعي ودوافع التقارب الإيراني التركي، كما تركز الاهتمام على المشهد العسكري ومآلاته بعد انتهاء الجولة السادسة من محادثات الأستانة، كما اهتمت تلك الفعاليات على تفاعلات المشهد الكردي سواء "استفتاء استقلال" إقليم كردستان العراق أو تسليط الضوء على القوات الكردية وتبيان طبيعة مشروعها ومدى خطورته على الدولة السورية، وهذا ما سيقف هذا التقرير عند تلك القضايا مبيناً وجهة نظر المحللين والباحثين الروس حيالها بالإضافة إلى استعراض بعض قضايا الشأن الداخلي الروسي.

طبيعة العلاقات بين الضامنين الثلاث

فيما يتعلق بطبيعة العلاقة الإيرانية الروسية في سورية، فقد حاورت صحيفة "سفابودنايا بريس" بتاريخ 2/8/2017، رئيس مركز البحوث الإسلامية في معهد التطوير المبتكر الخبير "كيريللا سيمينوف" وتحت عنوان "الحلفاء في سورية يتباعدون... إيران تحاول أن تجر روسيا للحرب دون أن تنجح" حلل فيه الخبير طبيعة العلاقات بين الضامنين الثلاث وفق اتفاق موسكو ومدى اتساقها مع التصريحات الروسية الرسمية، وأهم النقاط التي تضمنتها هذا المحاورة([1]):

  • إن التصريحات الروسية لا تعكس حقيقة ما يجري على الأرض، فالتوافق الروسي الإيراني إنما هو على المواقف التكتيكية فهناك خلاف أكيد على المواقف الاستراتيجية.
  • إن مشاركة طهران لمحادثات الأستانة ما هي إلا تظاهرٌ بالدعم للمفاوضات بينما فعلياً هي تدفع باتجاه تسخين مناطق جديدة بعيد تسكين لمناطق معينة كما حصل مؤخرا" في البادية السورية.
  • تتعمد طهران إثارة الخلافات الأميركية الروسية. وبدا ذلك جلياً عندما تم الاتفاق مع أميركا على منطقة تخفيض التوتر في الجنوب وتضمين الاتفاق إبعاد الميليشيات الشيعية 40 كم عن الحدود الأردنية الإسرائيلية، وكذلك في المفاوضات مع جيش الإسلام في مصر برعاية روسية وبدء التنفيذ على الأرض، إذ شعرت إيران وكأنها المستهدفة من وراء ذلك ففي دمشق تتمركز كثير من ميليشياتها وكذلك الحرس الثوري، تعتبر دمشق من مناطق نفوذها.
  • إن انتشار الشرطة العسكرية الروسية في شرق حلب وتعاونها مع الأهالي لا يروق لإيران التي لا تترك فرصة لهيمنة ميليشياتها التي تحمل العقيدة الخمينية.
  • إن أهداف إيران في سورية ومحاولتها تشييع أبناء المنطقة لا تساعد على إحلال السلام في منطقة تقطنها غالبية سنية.
  • لكي تستطيع موسكو دفع مبادراتها لإنهاء الحرب الأهلية في سورية فلا بد لها من اتباع سياسة متوازنة بعيدة عن رغبات إيران وكذلك نظام بشار الأسد والمساهمة في بدء العملية السياسية.
  • إن موسكو التي أخذت على عاتقها تحقيق السلام في سورية تسعى لعدم تحويلها لمستعمرة إيرانية تعمل طهران من خلالها إلى تشييع سكانها وإذكاء النعرات الدينية والطائفية، والتحكم بما بقي من الجيش السوري والانخراط بالتشكيلات التي انشأها الروس كالفيلق الخامس وإدخال فيه ميليشيا تابعة لها كحزب الله.
  • لم تظهر الخلافات الإيرانية الروسية للعلن، رغم تعطيل طهران النظام السوري لمفاوضات أستانا رغبة منهما في إبرام صفقات إفرادية أو كسب المزيد من الأراضي من خلال الادعاء بمحاربة الجماعات المتطرفة فيما يلوم العالم روسيا لعدم مقدرتها على ضبط حلفائها. وفي هذا السياق نوه الخبير إلى أنه لا بد لتركيا وروسيا من اتخاذ الإجراءات السريعة لضبط الوضع في إدلب حيث تتواجد مجموعات متطرفة وإلا ستكون ذريعة للنظام وإيران بشن هجوم عل إدلب بذريعة القضاء على المتطرفين هناك.
  • إن إيران لا ترى إلا الحل العسكري وتحقيق الانتصار على المعارضة وتطلب من موسكو تقديم الدعم، بينما تسعى موسكو إلى التوصل إلى حل سياسي سلمي للصراع سيؤدي فشله إلى وقوع ضحايا جديدة.

أما فيما يرتبط بالعلاقات الروسية التركية وما آلت اليه، تحت عنوان "هل يمكن لتركيا بيع روسيا ثانية؟ "ذكرت صحيفة "سفابودنايا برس" بقلم "زاور كاراييف" 20/8/2017 أنه << في الآونة الأخيرة وبعد تحول العالم من القطبية الواحدة الأميركية إلى متعدد القطبيات، بدأت تتغير المعطيات، فعلى سبيل المثال تركيا التي لعبت دورا" هاما" في القضية السورية بتعاونها مع روسيا وإيران ولعبت هذا الدور من خارج التحالف الدولي بعد حادث اسقاط الطائرة الروسية وتسوية الوضع وحقق هذا التعاون نوعاً من الاستقرار، وقادت تركيا بعدها عملية درع الفرات غير ملتفةً للانتقادات الغربية لها وحققت أهدافها بمنع اتحاد حزب العمال الكردستاني مع باقي الميليشيات الكردية وهو الأهم بالنسبة لتركيا>>.

 وبهدف استطلاع العلاقة التركية الروسية أجرت الصحيفة حوارا" مع الخبير التركي "كيرام يلدريم" الذي ذكر أن تركيا تفضل الآن العمل مع روسيا وإيران في إشارة واضحة لأميركا بأنها تستطيع الابتعاد عنها، لأنه وفقاً للخبير فالأمريكان يبدو من تصرفاتهم قادرين على العرقلة والتعطيل أكثر من فعل شيء على الأرض من أجل السلام على الأقل في هذا الوقت وبالتالي فهذه العلاقة تحوي رسائل "ابتزاز" لأميركا. واستطرد الخبير قائلاً: "لا شك فإن أميركا وحلفائها يحققون انتصارات سريعة على التنظيم والواقع أظهر أن تنظيم الدولة ما هم إلا مجموعات لا تجيد القتال بقدر اجادتهم للقتل فهم غير مقاتلين وليسوا مسلمين، وأردوغان يعي الموقف الأميركي هذا، لذلك فانه يحضر للعمل ضد حزب العمال الكردستاني مستقبلا" -الخطر الأكبر على تركيا-وهو يعلم جيداً أن أميركا لن تدير ظهرها لتركيا، عندما يصبح الخيار تركيا أو الأكراد، فستختار تركيا بالتأكيد"([2]).

بالمقابل وفيما يتعلق بالتقارب الإيراني التركي بين موقع "بلاكستونبيت الإلكتروني" أن زيارة محمد باقري -رئيس للأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية-الذي زار تركيا منذ الثورة الإسلامية عام 1979سيجعلها دون شك زيارة فريدة ومهمة. وبالإضافة إلى ذلك، هناك عدد من الجوانب التي تعزز الطابع التاريخي لهذه الزيارة. والتي نتج عنها مجموعة من المواقف الجديدة والهامة لتطوير العلاقة بين البلدين وتتلخص هذه المواقف بوقوف البلدين ضد تقسيم العراق في إشارة للاستفتاء إقليم كردستان العراق في 25/9/2017، وركزت الصحيفة على تصريح رئيس مجلس الامن القومي التركي السابق "كيلينتش" الذي اعتبر أن الزيارة ضربة لحلف الأطلسي كما أنها تُعد معلماً هاماً في السياسة المحلية التركية والدبلوماسية الإقليمية في إيران. وإذا عملت تركيا وإيران معاً، فإنه يمكن فتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة وتجري هذه الزيارة في ظل التغيرات الجذرية التي تشهدها تركيا من تقربها من الصين وروسيا وابتعادها عن الرياض وأبو ظبي وواشنطن وبروكسل كما نوقش الوضع السوري أيضا" وخاصة في إدلب حيث ناقش رؤساء الأركان في الدول الثلاث الاتراك والروس والإيرانيون آخر التطورات في سورية وخاصة تلك المعلومات([3])، كما ركزت صحيفة بارتس توداي الروسية على إشادة باقري بالزيارة ونتائجها لا سيما تطابق في وجهات النظر حول محاربة الإرهاب وخاصة تنظيم الدولة وكذلك الأوضاع في العراق والوقوف ضد الآثار السلبية لتواجد قوة عظمى في المنطقة([4]).

من جهة أخرى فقد تزايدت التحاليل المتعلقة بصفقة منظومة الدفاع الجوي الروسية S-400 وآثارها على تركيا، فقد ركزت الفعاليات الإعلامية الروسية على ردة الفعل الأمريكي مستعرضة رسالة النائب الأميركي بين كاردين الموجهة إلى الرئيس ترامب يطالب فيها بفرض عقوبات على تركيا بسبب شرائها منظومة الدفاع الجوي s 400 ويطالب بتطبيق قانون العقوبات عليها باعتبار أن تركيا تشجع الصناعات العسكرية الروسية، وقد أوضح السيناتور أنه في هذا الوقت الحرج الذي تحتاج فيه أميركا لجمع حلفائها تعمد تركيا إلى التحالف مع روسيا وأضاف بأن نص قانون العقوبات يقضي بالتطبيق التلقائي للعقوبات ضد أنقرة لدعمها التصنيع العسكري الروسي، ويتوقع ايغور غاكشوف في صحيفة روسيا اليوم أنه في حال تطبيق مثل هذه العقوبات سيؤدي إلى نقل القواعد العسكرية الأميركية إلى دول أخرى . ويذكر ايغور أنه وفي نفس السياق وفي أيلول تم فتح تحقيق أميركي ضد وزير الاقتصاد التركي السابق ظفر كاجلايان المتهم بإجراء اتفاقات سرية مع إيران مخالفاً قانون العقوبات ضدها وهكذا تشمل تركيا قانوني عقوبات. بينما في أنقرة ترتفع أصوات حول العلاقة مع أميركا حيث أعرب أردوغان عن سروره بتطوير التقنية الخاصة بالعربات العسكرية التي لم يتمكن تركيا من الحصول عليها من أميركا، كما تعتبر تركيا قضية الوزير التركي موجهة ضدها وإن كان وزيراً سابقاً وتابع أردوغان لقد جن الناتو من شرائنا المنظومة من روسيا وخاطبهم ماذا تريدون أن نفعل هل ننتظركم يجب أن نهتم بأنفسنا؟

وقد أشار نائب رئيس مركز التقنيات اليكسي ماركا ركين إلى خيبة أمل أردوغان من السياسة الأميركية حيث كانت التوقعات أعلى من ذلك بكثير إذ كانت تربط تركيا بمستشار الأمن القومي مايكل فيلين علاقة متميزة، وتوقع أردوغان أن يكون له دور في تغيير السياسة الأميركية بما يخص الأكراد ولكن لا شيء حدث من هذا القبيل إضافة لترك فيلين لموقعه في البيت الأبيض، ويذكر ماركا انه تاريخياً يرتبط الجيش التركي ارتباطاً وثيقاً بالولايات المتحدة وبالناتو إلا أن فشل الانقلاب عام 2016 أعطى أردوغان حرية المناورة السياسية وأصبح تأثير جنرالات الجيش أقل، لذلك عمد إلى طلب الدعم التقني من روسيا. وعلق الخبير "فياتشسلاف شليكوف" بوصف العلاقة التركية الحالية بالناتو بأنها تمرد والأكثر جرأة هو شراء منظومة الدفاع الجوي وفاجأت الجميع. كما علق المستشرق "سيمون بغداساروف" قائلا": بالعودة إلى تصريحات أردوغان حول اميركا والناتو لا نعتقد انها ستذهب بعيدا ويمكن اعتبارها في سياق الابتزاز والتسخين إرضاء لأولئك الراغبين من الخروج من حلف الأطلسي وهم موجودون بكثرة حاليا "([5]).

تطورات المشهد السياسي والعسكري في سورية

تركز الاهتمام الإعلامي والبحثي الروسي فيما يتعلق بالمشهد السياسي والعسكري على ثلاثة قضايا رئيسية الأولى سياسية وترتبط بمحادثات الأستانة وآثارها على الملف السوري من جهة وعلى تموضع موسكو السياسي من جهة ثانية، والثانية عسكرية متصلة بمعارك دحر الإرهاب في دير الزور، والثالثة عسكرية أمنية فرضها هجوم بعض الفصائل المسلحة على جبهات النظام في ريف حماه الشمالي وما تضمنته من غايات أمنية.

محادثات الآستانة والتسيّد الروسي

في مقالته "ماذا فعلت روسيا في سورية بحيث لم تعد أميركا دولة عظمى" المنشورة في صحيفة كمسامولسكايا الروسية بتاريخ 16/9/2017 والتي استعرض من خلالها هذه النتيجة كمحصلة لاتفاقات الأستانة، ذكر الكاتب "ألكسندر بوبكو" أن العالم بدأ يعرف ان سياسة روسيا في الشرق الأوسط أكثر فعالية من سياسة واشنطن في العراق وأفغانستان. واستدل على تلك النتيجة من خلال استعراضه لـ “اعترافات" العديد من الصحافة الغربية ومنها صحيفة لو فيغاور الفرنسية بنجاعة العمليات العسكرية الروسية بالمقارنة مع الأميركية في أفغانستان والعراق وهذا ما أكده "ايغور كورتشينكو" -المحرر الرئيس في مجلة الدفاع الوطني عضو المجلس الاجتماعي في وزارة الدفاع الروسية-وقد فند الكاتب النتائج المتحصلة من محادثات أستانة الآتي([6]):

  • اعتبارها أكثر واقعية وفاعلية من محادثات جنيف إذ استطاعت فصل المعارضة المعتدلة عن المتطرفين، ودمج المقاتلين في العملية السياسية على أساس القرارات الدولية، وتحول القادة الميدانيين من مقاتلين في البزة العسكرية إلى مفاوضين باللباس المدني.
  • انتاج مناطق خفض التصعيد التي يمكن للحياة الطبيعية العودة إليها، وأصبح الجو مهيأً لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وانتهاء الحرب.
  • اعتراف وسائل إعلامية دولية بكون محطة استانا كانت اختراق خطير للدول الراعية لعملية السلام.
  • الغياب (ولأول مرة) الحديث عن دور للولايات المتحدة إذ أن وجودها كمراقب لا يليق بمكانتها الدولية، وبدورها لا تستطيع الاعتراض على القرارات كون المتفاوضين لديهم تفويض من الأمم المتحدة.
  • اعتراف أغلب المحللين السياسيين بالدور الروسي في سورية والذي كان أكثر فاعلية من التدخل الأميركي، واستطاع خلق أجواء إيجابية في اتفاق إدلب لا يمكن اخفاؤها واعتبرت استانا نقطة حاسمة في مصير سورية.

ومن جهته أوضح الكاتب "روبرت فرانتسيف" في صحيفة "فيسترو" بتاريخ 16/9/2017 أن أميركا قدمت تنازلات للصين وروسيا حتى استطاعت فرض هيمنتها على العراق وحل الجيش العراقي وحاولت دعم الثورات في أوكرانيا وجورجيا وسورية وفرضت عقوبات على كوريا الشمالية وكل ذلك يعني فقدان اميركا لمكانتها الدولية، وفيما يتعلق بالأستانة أكد الكاتب على الآتي([7]):

  • وضعت جولة الأستانة الأخيرة حدود مناطق خفض التصعيد الأربع على الخارطة ولم يبق سوى المسائل التقنية.
  • لم تعد مسألة مشاركة المعارضة المسلحة قابلة للنقاش، خاصة بعد النجاحات الأخيرة للجيش السوري وروسيا وأصبحت مشاركتها حتمية وبدون شروط مسبقة منها، والزي الميداني الذي يرتديه ممثل المعارضة ما هو إلا مظهر تهديد وهمي.
  • إن الحدود التي رسمت لمناطق خفض التصعيد هي حدود مؤقتة – وفق تصريحات ألكسندر لافيرنتييف ممثل الرئيس الروسي للمفاوضات -ولا تعني أي تقسيم لسورية في المستقبل.
  • وضوح الخطوط الفاصلة بين المعارضة المسلحة والإرهابيين ولم تعد تظهر فيها الرايات السوداء.

وختم روبرت مقالته قائلاً: "وما تم في أستانة في بضعة أشهر، يحتاج لبضع سنوات في الأمم المتحدة، مع الإشارة أن الخطوط التي وضعت في أستانة ليست لسورية فقط وإنما للعالم كما يتضح أيضاً أن جميع الأزمات العالمية يمكن حلها بطريق المفاوضات وليس عن طريق الهيمنة"([8]).

على الرغم من أن محادثات الآستانة قد أحدثت تبديلاً واضحاً في عناصر العملية السياسية، إذ استطاع الروس ومن خلال فكرة الضامنين أن يهندسوا أطر هذه العملية عبر اتفاقات أمنية عسكرية تفضي لخفض التصعيد، إلا أن حركية الفواعل الدولية والإقليمية ليست على تناغم متطابق مع الفاعل الروسي، سواء في الجبهة الجنوبية أو في معارك البادية وترتيبات ما قبل تحرير الرقة ودير الزور وما بعدهما أو حتى في جبهات أخرى كإدلب وريف حماه، حيث سيشكل ظهور أي متغير جديد انتكاسة واضحة لهذا المسار هذا من جهة، ومن جهة أخرى فأن الاستنزاف الحاد في بنى النظام تجعله فاقداً لعنصر المبادرة الاستراتيجية ويهدد دفاعاته العسكرية والأمنية، مما يجعل فكرة "استدامة نصره" غير قائمة، كل هذه العوامل بالإضافة إلى عوامل تتعلق بالجوهر الحقيقي للقضية السورية يجعل هذا المسار مساراً قلقاً قابلاً للتدهور على عكس ما تحاول وسائل الإعلام الروسي تأكيده.

معركة ريف حماه وهشاشة دفاعات النظام

أما فيما يتعلق بالتطورات العسكرية فقد نشرت وزارة الدفاع الروسية في 20/9/2017 تقريراً لقائد العمليات العسكرية الروسية في سورية حول الأحداث الأخيرة في منطقة إدلب، اعتمد مبادئ التهويل والتضخيم الإعلامي في الأرقام وأكد في ذات الوقت –استدلالاً- على هشاشة دفاعات قوات النظام المتمركزة في تلك المناطق وعدم استطاعتها على الحفاظ على "المكتسبات العسكرية " المتأتية من التدخل العسكري الروسي، وهو أمر يعزز من مقاربة تزمين التدخل العسكري للقوات الروسية في حال عدم نجاح خططها السياسية في تسكين الجبهات وهذا ما يعمق الكلف السياسية لتدخلها، إذ جاء في هذا البيان:

شنت بعض الفصائل الموقعة على اتفاقية وقف العمليات القتالية مع "جبهة النصرة" في 19/9/2017 هجوماً على "القوات الحكومية" على نطاق واسع في الشمال والشمال الشرقي من مدينة حماه في منطقة خفض التصعيد بإدلب، ومدعماً بمدرعات وبتمهيد ناري مدفعي كثيف، وخلال يوم تمكن "المسلحون" من اختراق دفاعات القوات الحكومية بعمق 12 كم وبجبهة 20 كم، ووفقا للتقارير فإن الهجوم تم بإيعاز من المخابرات المركزية الأميركية لعرقلة تحرير دير الزور، إذ أنه كان من مهام الهجوم أسر 29 جندياً من مفرزة الشرطة العسكرية الروسية التي تراقب وقف النار في المنطقة. وبعدها قام قائد المجموعة العملياتية في سورية بتشكيل مجموعة فك الحصار وقوامها القوات الروسية الخاصة والشرطة العسكرية التي يعمل فيها عسكريون من شمال القوقاز وبمشاركة القوات الخاصة السورية وترأس المجموعة اللواء شولياك فيكتور فاسيلييفيتش نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة، وشارك في الهجوم زوج من طائرات سو-25، ومن ارتفاعات منخفضة تم قصف "الإرهابيين" ومدرعاتهم وتم كسر الحصار.

وأشار التقرير إلى أنه: "أثناء العملية تم جرح ثلاث جنود، وتم قتل 850 "إرهابياً و11 دبابة 4 BMB، وتدمير 187 هدفاً مع 6 رشاشات و20 عربة شحن و38 مستودع ذخيرة وبالاستفادة من الضربات النارية قامت وحدات الانزال من الفيلق الخامس بالتحول إلى الهجوم المعاكس واستعادة النقاط كافة ومازالت العمليات مستمرة([9]).

كما نشرت وزارة الدفاع الروسية مجموعة من الأخبار الإعلامية والمذكرات، أهمها قيام الغواصة (فيليكي نوفوكورد) التابعة لأسطول البحر الأبيض المتوسط بإطلاق صواريخها (كاليبر) من وضعيتها تحت الماء وقصفت مراكز تجمع الإرهابيين المشاركين في محاولة أسر الجنود الروس مع العتاد المدرع غطت الصواريخ مساحة 300كم. ولقد كان للضربات المفاجئة أثر كبير في إحداث تدمير مقرات السيطرة وقواعد التدريب ومدرعات الإرهابيين([10]). كما توقعت الأركان العامة الروسية أن تقوم قوات سورية الديمقراطية، وبدعم من الولايات المتحدة، بمنع تحرير دير الزور، وقد أطلق مسلحون من هذه القوات النار على مواقع الجيش السوري عدة مرات. وبهذا الصدد أصدرت وزارة الدفاع الروسية مذكرة احتجاج "شديدة اللهجة" وأبلغتها لقيادة القوات المسلحة الأمريكية في قطر. وكما قال قائد العمليات الروسية في سورية إيغور كوناشينكو، إنه إذا تم القصف من مرة أخرى، فسيتم التعامل معها بوسائل التدمير المناسبة([11]).

معارك دير الزور وأطروحات أمريكية حول تقاسم النفوذ

 وفيما يتعلق بمعارك دير الزور فإن الصحف الروسية تتحدث عن مقترح أميركي لتقاسم مناطق النفوذ في دير الزور إذ عرضت الولايات المتحدة الامريكية حسب هذه التقارير عقد اجتماع لمناقشة مستقبل مدينة دير الزور، ووفقا لوكالة نوفوستي فقد اعد الجانب الروسي ردا" على ذلك([12]). ومن جهتها نقلت وكالة تاس الروسية تصرح الجنرال جيفري هاريجان قائد القوات الجوية الأميركية في الشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا قائلا نحن لسنا في حالة حرب مع الروس ولا مع السوريين إلا أننا في حالة حرب مع تنظيم الدولة وأضاف أن روسيا وأميركا تعتزمان مواصلة عقد اجتماعات لكبار ضباطهما لمنع وقوع حوادث مختلفة بسبب سوء الفهم أحيانا([13]).

وتعقيباً على هذه أحداث دير الزور بيّن نائب مدير معهد الدراسات الاستراتيجية ديمتري ايغورشينكو أن الهجوم على دير الزور سار بوتيرة سريعة، بحيث فقدت الولايات المتحدة المبادرة الاستراتيجية ولهذا يحاولون استعادتها بكل الوسائل ولذلك يمكن ربط الاحداث الأخيرة في دير الزور ومحافظة حماه في سلسلة واحدة، ومن هنا يمكن تفسير هدف هجوم حماه بأسر جنود روس بحيث يمكن استغلال هذه الحادثة ضد روسيا([14]).

وفي الفترة الزمنية بين 8 و12 أيلول 2017 في منطقة تواجد مسلحي تنظيم الدولة وبحسب وزارة الدفاع الروسية، لوحظ تواجد أعداد كبيرة من عربات الهمر الأميركية المدرعة التي تستخدم من قبل الجيش الأميركي، وبتدقيق بالصور يلاحظ أن القوات الخاصة الأميركية متواجدة في نقاط الاستناد المجهزة مسبقا من قبل تنظيم الدولة مع بيان انه لم يلاحظ حول هذه النقاط آثار لعمليات اقتحام أو اشتباكات أو نتائج قصف جوي لقوات التحالف الدولي. "النص مترجم من الروسية كما ورد في تقرير وزارة الدفاع الروسية"، للمزيد انظر الشكل أدناه الصادر عن وزارة الدفاع الروسي:

والجدير بالذكر فيما يرتبط بالشأن العسكري هو خبر إقالة الجنرال قائد القوى الجوية الروسية، إذ ذكرت على سبيل المثال البوابة القانونية للأخبار على أنه أمر رئاسي وقد تضمن الأمر أيضا إقالة نائب قائد أسطول البحر الأسود الأدميرال "فاليري كوديكوف" الذي عين أيضا نائبا في البرلمان الروسي وإقالة مدير الأمن الداخلي في منطقة سارا توف جنرال شرطة سيرغي أربينا. أما صحيفة كاسباروف. رو أفادت بأن قائد القوى الجوية المقال سيصبح نائبا عن منطقة "كيروفسكي" في البرلمان الروسي وتم توقيع أمره من قبل قائد منطقة "كيروفسكي" بتاريخ 19/9/2017 وسيتم انتخابه يوم الأربعاء 27/9 كرئيس لجنة الدفاع والأمن في المجلس بعد أن أصبح نائباً، أما صحيفة "ميرتيسن" وصحيفة "ارغومينتي وفاكتي" فقالت أنه سيتم تعيين قائد المجموعة العملياتية في سورية الجنرال "سيرغي سورونيكن" قائدا للقوى الجوية الروسية بدلا" من باندارييف، وفي نفس الوقت تجري إقلات بين المحافظين كما سمتها إحدى الصحف بحملة تنظيف، كما اعفي رئيس هيئة مكافحة الفساد أيضاً.

عموماً: إن تركيز الفعاليات الإعلامية على الدور الأمريكي في عمليات ريف حماه الأخيرة ومحاولتها تقليل أعباء فقدانها للمبادرة الاستراتيجية في دير الزور، يدلل على تنامي المؤشرات التالية:

  1. عدم الاستكانة الأمريكية للهندسة السياسية والعسكرية الروسية من جهة، وتطويعها في تحقيق مكتسباتها في معارك تنظيم الدولة من جهة أخرى.
  2. ارتفاع مؤشرات التعارض الأمني الأمريكي الروسي، فالاتهام الروسي الصريح للولايات المتحدة الامريكية بمحاولة أسر جنود روس إنما تعتبره "استفزاز لموسكو وكشف حقيقي عن نوايا واشنطن التعطيلية".
  3. احتمالية زيادة نوعية التدخل الروسي شرق النهر، وازياد احتمالية ضربها لحلفاء واشنطن في تلك المنطقة لاسيما قوات سورية الديمقراطية.

الشأن الكردي الإقليمي والمحلي

انصب الاهتمام الإعلامي الروسي فيما يتعلق بالشأن الكردي على قضية استفتاء كردستان العراق إذ يلمح مؤشرات الرفض العام لهذا الاستفتاء، وعلى إشكالية القوات الكردية في الشمال السوري، وفي حين يبدو الأول طبيعياً بحكم أنه تطور غاية في الأهمية في تفاعلات منطقة الشرق الأوسط، فإن الاهتمام بالثاني وتسليط الضوء على "خطورتها" فإن تطور مهم في العلاقة الروسية مع حزب الاتحاد الديمقراطي ويدلل على تنامي اتجاه العلاقة نحو التوتر والاضطراب.

استفتاء يهدد الاستقرار الهش

فيما يتعلق بالاستفتاء في كردستان العراق فقد ردّ الخبير "أيغور بوروكوف" أسباب الاستفتاء المزمع أجراؤه في كردستان العراق لأسباب داخلية، كالناحية الاقتصادية وما تسببته انخفاض أسعار النفط والنفقات على تداعيات اقتصادية لوحدات البشمركة. إضافة لنواحي سياسية عدة أهمها يتعلق بطموح البرزاني، إذ يرغب مسعود البرزاني أن يبقى في ذاكرة الاكراد كرجل قاد شعبه إلى الاستقلال.

 كما تطرق الخبير إلى احتمالية منع الاستفتاء من قبل الجيش العراقي فاستبعد الفكرة كون الجيش خارج لتوه من معركة الموصل منهكاً، حيث تكبد خلالها خسائر كبيرة ولم يعد بقوته السابقة، بالإضافة إلى ذلك فلديهم عدو مشترك للجيش والأكراد وهو "جيش النقشبندية" وهم ثاني أكبر قوة في تنظيم الدولة والذي أسسه ضباط عراقيين سابقين في الجيش والأمن الذين فقدوا مصدر رزقهم بعد حل الجيش العراقي من قبل أميركا بعد دخولهم العراق على حد تحليل الخبير، ويضيف الخبير إمكانية زعزعة الاستقرار الهش في المنطقة بسبب الاستفتاء كون العراق متعدد العرقيات والطوائف حيث يتواجد الآشوريون والكلدانيون واليزيديون وهؤلاء يحتاجون إلى دولة واحدة تصون حقوقهم فماذا لو رغب كل منهم الاستقلال فسيتم تفتيت البلاد واقتتالها واراقة الدماء.

يتابع الخبير: لا شك أن هناك كثير من المؤيدين في الولايات المتحدة لإعادة رسم حدود الشرق الأوسط وهم المحافظون الجدد وهم ليسوا بعيدين عن الأفكار المتطرفة، وهم لا يؤيدون استقلال كردستان العراق لكنهم يريدون وبالقوة إقامة حكم ذاتي لهم في سورية الذين يتمتعون الآن بحكم ذاتي ضمن كنتوناتهم وهذا سؤال هام ويخص كثير من الدول. ويتساءل الخبير أنه "إذا ما اعتمد مبدأ زرع الديمقراطية في القوة كما في العراق وأفغانستان سيؤدي بالفعل إلى ظهور بؤر للإرهاب، وماذا لو تعرضت مساحات أخرى في الشرق الأوسط للتوزيع فمن الصعب التنبؤ بما سيحدث"([15]).

وفي سياق الحديث عن الاستفتاء في كردستان العراق تحدث الخبير التركي مدير معهد الطاقة والسياسة في أنقرة "فولكان اوزدمير" للوكالة الوطنية الروسية للأنباء РИА قائلا": << يتعرض الاستفتاء لمزيد من الضغوط الخارجية من جانب إيران والجامعة العربية وتركيا مضيفاً>>، وأضاف أن << المحكمة العراقية العليا اتخذت قرار بإيقاف الاستفتاء. وستعلن تركيا عن الإجراءات التي ستتخذها بعد اجتماع مجلس الأمن القومي ومجلس الوزراء في 22/9/2017>>، وحسب رأي الخبير فإن الورقة الأقوى في يد تركيا حيث تستطيع إيقاف ضخ النفط من كركوك مما يجعل أحلام اكراد العراق تذهب هباء وتعتقد تركيا بان الطرفين سيتوصلان إلى حل بتأجيل الاستفتاء، ويشرح الخبير تعاقدات حكومة كردستان مع الشركات النفطية ومنها جينيل وشركة الطاقة التركية وغيرها، لكنه شرح مستفيضا عن عقدها المبرم مع شركة(روسنفت) الروسية الموقع في حزيران عام 2017 لمد خط أنابيب عبر تركيا والذي سيبدأ العمل بالضخ المحلي في عام 2019 وللتصدير في عام 2020، ويرى الخبير ان مسعود البرزاني يسعى من وراء هذه الصفقة الحصول على دعم الروس للاستفتاء واعتقد الخبير أنه إذا ما قررت تركيا إيقاف ضخ النفط كركوك عبر أراضيها ستضطر حكومة البرزاني لتأجيل الاستفتاء([16]).

"القوات الكردية" خطر وتهديد على الدولة

برسالة واضحة، أكدت بعض الفعاليات الإعلامية الروسية على أن :"القوات الكردية في دير الزور لا تختلف كثيرا عن تنظيم الدولة وتشكل تهديداً جديداً، إذ أكد الباحث الرئيسي في مركز الأبحاث العربية والإسلامية التابع لمعهد الاستشراق "بوريس دولغوف" أن: << "قوات الحكومة السورية" وخلال فترة طويلة تعمل على تحرير مدينة دير الزور بالتعاون مع الروس، وقد بدأ الأكراد عملياتهم في المحافظة بدعم أميركي دون التنسيق مع القوات السورية وترافق ذلك مع اشتباكات لهم مع المواطنين العرب السنة، وهذا ما يذكر بعملياتهم المتعلقة بالتطهير العرقي أكثر من كونها تحرير مدينة محتلة. فعمليات الأكراد في هذه المحافظة ضد العرب السنة تعمق وتعقد الوضع في هذه المحافظة ولا بد أن يؤثر ذلك على عمليات الجيش السوري المدعوم من القوات الجوية الروسية، ولا شك ومن المنطقي أن سياسة الاكراد هذه في قتالهم تلقى مباركة من الولايات المتحدة الأميركية، ورغم أن هذه القوات لعبت دوراً ما في قتال تنظيم الدولة إلا أن أفعالها الحالية لا تختلف كثيرا عما يفعله تنظيم الدولة>>.([17])

من جهتها ذكرت المحررة "أفرورا زوريتا" في صحيفة "سفابودنايا" أن: << كل أفعال القوات الكردية في الشمال السوري توحي بإصرارهم على إقامة حكمهم الذاتي، فالقوات الكردية التي لم تنه عملها في الرقة بعد اتجهت إلى دير الزور عندما لاحظت تقدم القوات السورية باتجاه منابع النفط التي تعتبرها موردا" لدولتهم في حين أنها ضرورية لإعادة إعمار سورية المدمرة ، والملاحظ ان القوات الكردية تتعامل بوحشية ظاهرة مع السكان المحليين يشبه إلى حد بعيد تعامل إرهابيي تنظيم الدولة، عدا عن ذلك فقد عانى أكثر من 180000 من اللاجئين في الرقة من ظروف قاسية أثناء العمليات واستخدام القوات لأسلحة محرمة دولياً مثل الفسفور الأبيض وفق تصريح منظمة الصحة العالمية>>([18]).

وفي هذا السياق تحدث الخبير العسكري فلاديمير ايفيسييف نائب مدير معهد دول رابطة الدول المستقلة بقوله: على خلفية الانتصار على تنظيم الدولة سيتحول الأكراد تدريجيا" إلى القوة الوحيدة التي تشكل تهديدا" حقيقيا" وخطيرا" لسلامة سورية، مضيفاً أن << الأكراد حددوا في الخريف موعدا لسلسلة انتخابات لمستويات حكمهم الذاتي بعيداً عن دمشق>>، ويتابع الخبير قوله: يلاحظ اهتمام أميركا في الأكراد في هذه المنطقة وإقامة 13 قاعدة عسكرية لهم على الأراضي التي ستقام عليه دولتهم ويذكرنا ذلك بالسيناريو الأمريكي في العراق وإقامة كردستان العراق الذي أدى إلى تقسيم العراق، علما" أن الحكومة السورية طلبت التنسيق مع الجيش السوري في أية عمليات أو مناورات تجري على الأرض السورية على خلاف ما تقوم به القوات الكردية حاليا في دير الزور([19]).

حنين للسوفياتية بحكم الظلم والفقر

في مقالة مليئة بالسخط على الواقع المحلي الروسي افتتحت الكاتبة "مارغريتا ايفانتوفا" مقالتها في صحيفة "سفابودنايا برس" تاريخ 27/8/2017: << على الرغم من أن قسما" كبيرا" من الشعب الروسي كان يؤمن بالأفكار الليبرالية التي حملها يلتسن إلا أنه أصبح الآن أكثر حنينا" إلى الفترة السوفييتية ليس إيمانا بالأفكار الشيوعية بقدر إحساسه بالظلم الواقع عليه من حكومته التي لم تقدم له أي شيء>>، وتقوم الكاتبة بسرد بعض الأمثلة على سبيل المثال وليس الحصر:

  • المتقاعدين: فالمعاشات التقاعدية لا تسمح لهم حتى عيش الكفاف ولولا مساعدة ذويهم وبعض مدخراتهم لأصبحوا بالويل.
  • الخدمات الاجتماعية: على الرغم من وجود بعض الإصلاحات التي أدخلت في مجال التعليم والصحة فإنه بدون مال لا تستطيع الحصول عليها وبالمقارنة مع خدمات الطب والتعليم في دول أخرى حتى مع الاتحاد السوفييتي السابق فقد تدهورت كثيرا".
  • عدم وجود خطة واضحة لتنمية الإنتاج فقد تحولت روسيا من دولة صناعية كبرى إلى دولة تهتم بالصناعات الزراعية ومواد الخام في غضون ربع قرن.

وتذكر الكاتبة أن ما يميز المرحلة الحالية هو خوف المواطن من الأيام القادمة، وهذا نابع من حالة الظلم المنتشرة في بلادنا، فإطلاق النار صار عادياً في وسط موسكو، سرقة الملايين بدون حساب، حوادث السيارات التي تودي بحياة المواطنين بدون رادع، والأهم من ذلك أن فئة قليلة تجني الأرباح الطائلة من الأنشطة المصرفية وبيع المواد الخام في الخارج والعيش في النعيم في حين يرزح بقية الشعب في الفقر، وتتابع الكاتبة قولها (ساخرة): << أحيانا توجد فرص العمل ولكن بشرط ألا تمرض لأنه إذا مرضت فستحتاج لبيع كل ما تملك للمعالجة. هذا ما يجعلنا نفكر بأن شيئا خطأ حصل في البلاد حيث حفنة من البشر تعيش وتبصق على الباقي>>.

من هنا –ووفقاً للكاتبة -جاء قول إن الحياة في الحقبة السوفييتية أفضل في كل المعايير، وأن الحنين طبع انساني، إلا أنه تأصل وأخذ بعداً جديداً هذه الأيام. وتختم الكاتبة قائلة: << بالتأكيد نحن غير قادرين على إعادة الاتحاد السوفييتي إلا أننا نريد أن نعيش في وطن يشعر فيه المواطن بثقته في مستقبله، هذا الطلب يتزايد يومأ" بعد يوم طبعا" ينشد في هذا الوطن دولة العدالة والنمو المستمر. بينما الدولة منشغلة الآن بالبحث عن خطة استراتيجية لإعادة انتخاب بوتين>>. وتتساءل: <<كيف يمكن أن نثق بالعدالة عندما تقوم شركة (روسا) بإرسال عمالها إلى منجم (مير) لاستخراج الماس وهو يفتقد لأدنى ظروف الأمان، حيث غمرته المياه وفقد ثمانية من العمال دون حساب، والشركة تحقق الأرباح الطائلة هل هي هذه العدالة؟ إنها غير موجودة ولم يبق لدينا قول للمواطن إلا (انتظر وعود السماء) بعد أن أدرك الجميع أن الانتخابات لن تقدم شيئا" للوطن والمواطن طالما الحكومة باقية>>([20]).

الخاتمة

تشير الأوساط الإعلامية والبحثية الروسية إلى الآستانة كإنجاز مهم، ورغم تجمع الحلفاء في سورية على بعض الأهداف المشتركة المعلنة وكثير من الأهداف المتناقضة غير المعلنة، فقد بيّن رصد بعض وسائل الإعلام وتحليل بعض الخبراء أن هناك توافق روسي إيراني على مواقف تكتيكية متعلقة بمناطق خفض التصعيد والحفاظ على المؤسسات في سورية وتفرق بينهم قضايا استراتيجية هامة وكلا الطرفين مضطر للتعامل مع الطرف الآخر للوصول إلى أهدافه، فروسيا -وفق هذا الرصد - تحاول إقامة دولة مؤسسات علمانية والحد من النفوذ الإيراني الذي يسعى إلى بسط سيطرته على القرار السياسي السوري مع محاولة الحد من طموحها بخرق وقف اطلاق النار إلى أن تحين ساعة القرار بينما تضطر تركيا للتعامل مع كل من إيران وروسيا لتحقيق هدفها الأهم وهو منع إقامة الحكم الكردي على حدودها، وتنظر بنفس الوقت بعين الأمل لواشنطن لتغيير موقفها من تسليح الأكراد والتخلي عنهم بعد القضاء عل تنظيم الدولة تسهيلا" لهدف تركي بطرد "الأكراد" من المناطق المتواجدين فيها، ويبدو أن تركيا تعد العدة لهذه اللحظة بحشد قواتها في بعض المناطق الكردية، وما التقارب التركي الإيراني إلا ردة فعل على الخطر المشترك وهم الأكراد ولا تعتقد تلك الأوساط أن لديهم رؤى مشتركة للحل في سورية.

من جهة عسكرية ركزت تلك الأوساط على دلالات هجوم فصائل مسلحة على ريف حماه الشمالي كانهيار دفاعات النظام وملامح الدفع الأمريكي لهذه المعركة، ورغم قدرة الألة العسكرية الروسية على فك الحصار عن تلك المناطق، إلا إن هذا كشف عمق أزمة النظام على المستوى البنيوي والهيكلي وعدم قدرته على الحفاظ على المكتسبات وهو امر يعد انزلاق مستمر للتدخل العسكري الروسي وهو ما سيعود بتبعات سياسية بالغة على موسكو، ومن جهة أخرى فإن تسليط الضوء الروسي على خطورة "القوات الكردية" واعتبارها مهدداً امنياً اكثر من تنظيم الدولة فما هو إلا مؤشراً على تحول العلاقة في قادمات الأيام إلى أشكال أكثر تصعيدية.

 


 

([1]) انتون مادراسوف: "الحلفاء في سورية يتباعدون... إيران تحاول أن تجر روسيا للحرب دون أن تنجح"، صحيفة سفابودنايا بريس تاريخ 2/8/2017، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/bAAvYs

([2]) زاور كاراييف ، صحيفة سفابودنايا برس 20/8/ 2017، الرابط الالكتروني: http://svpressa.ru/war21/article/17951

([3]) زاور كاراييف، صحيفة الصحافة الحرة 20/8/2017، الرابط الالكتروني http://svpressa.ru/war21/article/17951

([4]) المصدر: صحيفة بارتس توداي، تاريخ 18/8/2017، الرابط الالكتروني: http://parstoday.com/ru/news/iran-i73090

([5]) ايغور غا كشوف، صحيفة روسيا اليوم تاريخ 16/9/2017، الرابط الالكتروني: https://ria.ru/world/20170916/1504884251.html

([6]) ألكسندر بويكو، صحيفة كمسامولسكايا برافدا تاريخ 16/9/2017، الرابط الالكتروني: https://www.kp.ru/daily/26732.5/3759136/

([7]) المرجع نفسه.

([8]) روبرت فرانتسيف، صحيفة فيستي رو 16/9/2017، الرابط الالكتروني: https://www.vesti.ru/doc.html?id=2933024

 

([9]) وزارة الدفاع الروسية 20/9/2017، الرابط الالكتروني: http://syria.mil.ru/news/more.htm?id=12143004@egNews

([10]) وزارة الدفاع الروسية 22/9/2017، الرابط الالكتروني: http://syria.mil.ru/news/more.htm?id=12143227@egNews

([11]) صحيفة فيستي. رو 21/9/2017، الرابط الالكتروني: http://www.vesti.ru/doc.html?id=2934737&tid=95994

([12]) صحيفة النجم الأحمر تاريخ 18/9/2017، الرابط الالكتروني: https://tvzvezda.ru/news/vstrane_i_mire/content/201709181758-zoww.htm

([13]) وكالة تاس الروسية 22/9/2017، الرابط الالكتروني: https://www.vesti.ru/doc.html?id=2935410

([14]) افرورا زورينا، صحيفة بليت اكسببيرت، تاريخ21/9/2017، الرابط الكتروني: https://goo.gl/yq6w2H

([15]) ايغور بوروكوف، معهد الدراسات الاستراتيجية، تاريخ 19/9/2017، الرابط الالكتروني https://riss.ru/events/43844

([16]) فيدور سميرنوف، روسيا اليوم (الوكالة الوطنية الروسية للأنباء)، تاريخ: 19/9/2017، الرابط الالكتروني: https://ria.ru/world/20170918/1505018569.html

([17]) مجلة بليت اكسببيرت 17/9/2017، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/pDqoHr

([18]) افرورا زورينا، صحيفة سفابودنايا بريس، تاريخ 19 /9/2017 الرابط الالكتروني: https://goo.gl/QNTGCi

([19]) مجلة بليت اكسببيرت، تاريخ 17/9/2017، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/ELqQ5W

 

([20]) مارغريتا ايفانتوفا، صحيفة سفابودنايا برس، تاريخ 27/8/2017، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/2i8fxA

الخميس, 14 أيلول/سبتمبر 2017 01:20

مقاربة معركة "إدلب وتحدياتها الوطنية"

لا يزال مسار "الأستانة" -بعد معركة حلب الشرقية-ماضياً في إعادة هندسة المشهد العسكري عبر فكرة الضامنين وتجميد مناطق خفض التصعيد وتوزيع النفوذ المباشر على مناطق سورية. كما يدفع هذا المسار باتجاه الضبط العسكري مع غموض في آليات تحويل ذلك إلى صفقة سياسية تنظُم عمل المرحلة الانتقالية. فبعد اتفاقيات التهدئة ومناطق خفض التصعيد، عمل على تعزيز هذه الاتفاقات بتفاهمات أمنية مع دول الجوار لـ"تذليل" المهددات الأمنية؛ وبترتيبات داخلية مع الفواعل المحلية للدفع باتجاه من حيثيات محلياتية كإدارة المعابر ونوع الهيئات المدنية والإدارية وتوزيع نقاط مرور إنسانية، وانتشار جديد للقوى العسكرية، وهذا ما دفع به المسار في الجنوب السوري وفي ريف حمص الشمالي وفي الغوطة الشرقية و"يرتجي" أن تتحول لمناطق استقرار نسبي.  ووفقاً لهذه الصيرورة يتركز حالياً اهتمام هذا المسار على جبهة إدلب، التي لا تزال تشهد تحديات جمة ناجمة عن كونها محط تهجير محلي وفق اتفاقات هدن عدة؛ واقتتال محلي أفرز تحولات بنيوية وانشقاقات وتحالفات جديدة وبروز هيئة تحرير الشام كقوة رئيسية تنحو باتجاه التحكم الإداري بعدما أحكمت السيطرة على معبر الهوى. وعليه يطمح التنبيه الاستراتيجي هذا لتبيان ما هو شكل السيناريو العسكري الذي سيدفع باتجاهه اجتماع الأستانة حيال معركة إدلب؟ ومنوهاً لطبيعة الاستحقاقات والتحديات الوطنية المتوقعة وسبل مواجهتها.

مقاربة المناطق الثلاثة

تعددت المؤشرات الدالة على نية أنقرة تعزيز ولوجها في الجبهة الشمالية ضمن سياق مسار الأستانة الذي أمن لها منصة مهمة لتعزيز قواعد التوافق مع الفاعل الروسي كمعادل لعلاقتها المتأرجحة مع واشنطن في سورية ولا سيما بعد الاتكاء الأمريكي الكامل على قوات PYD من جهة ولعدم اهتمامها بمناطق غرب النهر لصالح شرقه ومعارك الرقة ودير الزور من جهة أخرى، وتسارعت تلك المؤشرات بعد تنامي "قوة " هيئة تحرير الشام وامتلاكها لمفاصل حيوية في هذه الجبهة لا سيما على المستوى الإداري والاقتصادي، وبدء ظهور التصدع في بنى حلفائها المحليين، وهذا ما يُسرّع من سيناريوهات المواجهة مع الهيئة. وفي هذا السياق بدأت تتشكل حالياً العناصر الأولية لهذه المعركة والتي تقوم – وفقاً للعديد من التصريحات والمعلومات –على أدوار عسكرية واضحة لأنقرة وموسكو (الأكثر فاعلية في هذه المنطقة)؛ تفاهم أمني مع طهران والذي بدت ملامحه بالتشكل عبر مقاربة "إدلب مقابل ريف دمشق الجنوبي" ذو الحيوية الهامة لطهران لتشكيل طوق سيطرة يمتد من داريا إلى منطقة السيدة زينب؛ المواجهة العسكرية المباشرة مع هيئة تحرير الشام؛ بالإضافة لأدوار عسكرية محلية منسجمة مع حركية المعركة.

وعليه؛ تبدو الملامح الأكثر توقعاً لتلك المعركة بأن تقوم على مقاربة المناطق الثلاث، وهي جميعها مناطق تسيطر عليها قوى المعارضة وهيئة تحرير الشام (انظر الخريطة أدناه)، وتهدف لحصر هيئة تحرير الشام في المنطقة الوسطى بين المنطقة (1 و3)، وهذه المناطق مُبينة بالآتي:

  • المنطقة 1/ شرق سكة القطار خط حلب-دمشق: وهي منطقة منزوعة السلاح، تحت "حماية روسية" تُقاتل فيه هيئة تحرير الشام من طرف القوات الروسية، ويُطلب من المسلحين من الفصائل الأخرى مغادرتها، وتُدار من طرف المجالس المحلية للمعارضة بشكل قريب من نمط الإدارة الذاتية المحاطة بمعابر حدودية مع المناطق المجاورة لها مع المنطقة 2 غرباً أو مع مناطق سيطرة الميليشيات الإيرانية شرقاً. وتمتد من جنوب حلب حتى شمال حماه.
  • المنطقة 2 / ما بين السكة والأتوستراد: وهي منطقة يتوقع أن تنحصر فيها هيئة تحرير الشام وتقاتل فيها من طرف تحالف روسي وتركي مع السماح لنزوح المدنيين سواء باتجاه المنطقة 1 أو 3، وبالتالي دفعها إما لمواجهة عسكرية وجودية أو تفاهم يفضي لحلها وإنهاء تشكيلها السياسي والإداري والعسكري.
  • المنطقة 3 /غرب الأتوستراد – طريق حلب-دمشق: وهي منطقة تفيد المؤشرات والتفاهمات الدولية بأنها من ضمن النفوذ التركي بحيث يشن الجيش التركي هجوماً ميدانياً للسيطرة على هذا القطاع بالتعاون مع فصائل عسكرية محلية معارضة. وتمتد من الحدود التركية حتى أوتوستراد حلب -دمشق الدولي، وهذا يتطلب هيكلة عسكرية جديدة تحوي الفصائل المسلحة المنخرطة في قتال الهيئة أو إيجاد تفاهمات تقضي بإخلاء مقاتلي الهيئة من هذه المنطقة. وستدفع انقرة في معارك هذه المنطقة باتجاه تحجيم حزب الـ PYD وصد محاولاته في تحقيق الاتصال الجغرافي بين “الكنتونات" الثلاثة.

 

خريطة رقم (1)

تحديات المحافظة واستحقاقاتها

من المرجح أن تصطدم آلية تنفيذ هذه المقاربة بعدة عراقيل تمتد من مرحلة ما قبل التنفيذ حتى لما بعده، ووفقاً لهذه المقاربة المتوقعة، وبحكم تقلص هوامش القرار الوطني، فإنه ستتزايد تحديات المحافظة والتي يمكن شملها في ثلاث حزم، سيشكل حسن التعاطي معها فرصة لتعزيز تموضع المحافظة كمنطقة معارضة مدنية مدعمة بمنظومة عسكرية وطنية، وهي:

أولا: التحديات الإنسانية: تدلل المعلومات الواردة في الجدول أدناه إلى حجم المعاناة الإنسانية المتوقعة جراء تلك المعركة وهو ما يتطلب فاعلية مدنية تعمل على تحييد المدنيين سواء بمطالبة تواجد قوات أو منظمات دولية، أو بالدفع باتجاه مناطق محايدة وهي مناطق منزوعة السلاح يشرف عليها – أمنياً وإدارياً – فعاليات محلية. وفي حال تم اتخاذ قرار باستخدام الحل الصفري مع هيئة تحرير الشام في المنطقة 2 فسينجم عنه نزوح داخلي تجاه المناطق الأخرى.

 

جدول رقم (1)

ثانياً: تحديات الإدارة المحلية: تهدد هذه المقاربة ما تم إنجازه ضمن مجال الحكم والإدارة المحلية، وهو ما يفرض ضرورة ضمان (حماية ونقل) كوادر المجالس المحلية والنقاط الطبية والجهات الخدمية مع كافة معداتهم، بالإضافة لسياسات الاستجابة والفاعلية وتحييد المجالس المحلية عن الآلة العسكرية وحمايتهم من الاستهداف الروسي، وتحصينهم لتكون الجهة الوحيدة المخولة بإدارة الشؤون العامة في المناطق الثلاث وضمان تنقل كوادرهم عبر المعابر الروسية.

ثالثاً: تحديات عسكرية: وتتمثل في أمران، الأول: تحول معارك المنطقة لمعركة استنزاف طويلة، وهو أمر تعززه الخصائص القتالية النوعية لهيئة فتح الشام وما ستلجأ إليه من تكتيكات وأساليب مواجهة واختراق اللجوء للانشقاق لضمان اختراق صف المعارضة، والثاني: عدم انضباط الميليشيات المدعومة من إيران ومحاولتها تعطيل أي اتفاق، والتي تتمركز بدورها في ريف حلب الجنوبي وعلى طول امتداد طريق خناصر وصولاً إلى ريف حماه الشرقي.

مما لا شك فيه سيركز اجتماع " الأستانة 6" على سيناريو معركة إدلب والتي تدل المؤشرات على أنه قد يكون أقرب لسيناريو المناطق الثلاثة أعلاه، تلك المقاربة التي ستفرض مجموعة من التحديات العسكرية والإدارية والإنسانية، تزيد من أعباء وتحديات المحافظة إلا أن حسن التعاطي معها سيشكل فرصةً لتعزيز هوية المحافظة المدنية /المعارضة والمدعمة بمنظومة عسكرية وطنية.

شنّت "هيئة تحرير الشام" سلسلة من معارك الإلغاء ضد منافسيها، كان آخرها ضد حركة "أحرار الشام الإسلامية"، والتي أثارت نتائجها تساؤلات حول مستقبل محافظة إدلب وإدارتها المحلية في ظل هيمنة "هيئة تحرير الشام" عليها، ورعايتها تشكيل إدارة مدنية للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، في محاولة وصفها البعض بمبادرة اللحظة الأخيرة.

تمكنت "هيئة تحرير الشام" من بسط هيمنتها العسكرية على مناطق واسعة من محافظة إدلب عقب معركتها ضد "أحرار الشام"، الأمر الذي دق ناقوس الخطر بالنسبة للدول الإقليمية والدولية، ودفعها لإعادة النظر بسياساتها وتقييم خياراتها تجاه الوضع الناشئ في المحافظة، خاصة في ظل محاولات "الهيئة" بسط سيطرتها على الإدارة المحلية. وهو ما عبرت عنه "الهيئة" صراحةً من خلال إصدارها بياناً دعت فيه إلى تشكيل إدارة مدنية للمناطق المحررة، وقد لاقى البيان تأييداً من قبل "حركة نور الدين الزنكي"، إضافة إلى عدد من مجالس الشورى في محافظتي إدلب وحماة.

لم تتوقف مساعي "الهيئة" عند إصدار البيان، بل عملت على الدفع بمبادرتها من خلال رعاية عدد من الفاعليات المدنية بغية الترويج لمشروعها، واستقطاب مؤيدين له ودمجهم في هيئة عامة تتولى إشهار الإدارة المدنية. كما عقدت "الهيئة" اجتماعاً مع "الحكومة المؤقتة" لإقناعها بالانضمام للمبادرة، إضافةً لمحاولتها التواصل مع عدد من الشخصيات المعارضة لها لإقناعهم بالعدول عن رأيهم الهجومي تجاه "الهيئة" والانضمام للمشروع. وهو ما لاقى رفضاً صريحاً من معظمهم.

علاوةً على ما سبق، نظمت "الهيئة" عدداً من التظاهرات الداعمة لمشروعها، في أسلوب مشابه لما قامت به عند كل تحول لها؛ من "جبهة النصرة" وصولاً إلى "هيئة تحرير الشام". ونظمت عدداً من المبادرات الداعية للتوحد، لتعلن على إثرها عن مشروعها الجديد، وتبريره بكونه استجابة "لمطالب الشارع المحلي وصوناً للثورة".

بالتوازي مع الخطوات السابقة، عملت "الهيئة" على تقوية جهازها الخدمي المسمى بـ"الإدارة المدنية للخدمات" ليكون الحامل الأساسي لمشروعها. واستحدثت عدداً من الهيئات والمؤسسات والمديريات الخدمية ليبلغ عددها 18 جهازاً. ويُلحظ هنا تركيز الهيئة على الهيئات التي تؤمن لها إيرادات مالية كالكهرباء والنقل والمعابر، في حين لم تهتم حالياً بإحداث مديريات للصحة والتعليم أو إلحاق القائمة منها بجهازها الخدمي، وذلك رغبة منها في استمرار تدفق الدعم الخارجي لها، في ظل محدودية مواردها عن تحمل نفقاتها. كما عززت جهازها الخدمي من خلال إلحاق عدد من المجالس المحلية بإدارتها المدنية، ويقدر عدد تلك المجالس بـ35 مجلساً من أبرزها حارم ودركوش.

كذلك عملت "الهيئة" على تعزيز مركزية إدارتها الخدمية، كسلطة مرجعية في مناطق سيطرتها، وطالبت المجالس المحلية بوضع الدوائر التابعة لها تحت تصرف إدارتها المدنية، كما اعتبرت مديريتها العامة للإدارة المحلية، الجهة المسؤولة عن المجالس في المناطق المحررة.

وفي ظل مساعي "الهيئة" للدفع بمبادرتها وفق ما توحي به المؤشرات الراهنة، وما يحدق بإدلب من سيناريوهات قاتمة، يُطرح التساؤل حول مدى قدرة مشروع الإدارة المدنية على النجاح في اختبارات الإدارة والشرعية، وبالتالي تجنيب إدلب مخاطر ما يحاك لها.

نجاح مبادرة الإدارة المدنية مرهون بمدى قدرتها على نيل الشرعية المحلية وكذلك على تمتعها بمظلة خارجية، ومما يلحظ في هذا الشأن انقسام الشارع المحلي وقواه المدنية والعسكرية تجاه الإدارة المدنية. إذ أعلن ما يقارب 45 مجلساً محلياً تأييدهم للمبادرة، في حين تبنت مجالس أخرى موقفاً مغايراً من خلال تأكيدها على طابعها المدني واستقلاليتها عن الفصائل العسكرية وتبعيتها لـ"مجلس محافظة إدلب الحرة" ومنها مجالس إدلب وجرجناز ومعرة النعمان وسراقب. ويمكن تفسير رفض هذه المجالس، بقوتها، على اعتبار أنها ممثلة لمراكز الثقل الكبرى في إدلب، إضافةً إلى تمتعها برأي عام مؤيد لها ومناهض لـ"الهيئة"، فضلاً عن تمتعها بشبكة علاقات واسعة مع الجهات الداعمة. أما الحكومة المؤقتة، فقد أصدرت وزارتها للإدارة المحلية بياناً أكدت فيه بأنها الجهة الوحيدة المخولة تشكيل واعتماد المجالس والإشراف عليها.

كذلك عبّرت فصائل من الجيش الحر، لاسيما تلك المنضوية في "درع الفرات"، عن موقفها الرافض لهذه المبادرة. أما الهيئات المدنية الأخرى كالنقابات والمنظمات المحلية، فقد شارك عدد منها في اللقاءات الترويجية للمبادرة من دون أن تتبنى موقفاً صريحاً تجاهها. وفي هذا الشأن يقول الناشط السياسي أبو محمد، من محافظة إدلب لـ"المدن"، إن "المبادرة غير متكاملة وينقصها الوضوح. وفي حال أعلنت المبادرة عن تمسكها بمشروع الثورة، وقبلت الهيئة تحويل محاكمها الشرعية إلى مدنية، ورفعت تسلطها العسكري عن المدنيين وقبلت الاحتكام للقانون، عندئذ يمكن القبول بهذه المبادرة".

من جهته، وصف ناشط محلي من أطمة، المبادرة، بالمتأخرة ولن تغير شيئاً، في حين عبر عضو المجلس المحلي في الركايا والنقير أبو محمد، عن تفاؤله بالمشروع، نافياً ما يشاع عن تبيعته لـ"الهيئة".

أما عن الموقف الإقليمي والدولي، لم تحظَ المبادرة بقبول الولايات المتحدة الأميركية وهو ما عبر عنه بشكل صريح المبعوث الأميركي إلى سوريا مايكل راتني، في حين أعادت الجهات الأوروبية تقييم سياساتها تجاه الوضع الناشئ في محافظة إدلب، وأوقف عدد منها دعمه للمناطق المسيطر عليها من قبل "الهيئة". أما من جهة تركيا، فقد أبقت أنقرة على تدفق المساعدات للمحافظة، مع اتخاذها تدابير أمنية وإعلانها الاستعداد للتدخل لحماية أمنها.

لكي تنجح الإدارة المدينة فلا بد من حيازتها على الموارد الكفيلة لتوفير الخدمات، ولا يعتقد بتوفرها لدى "الهيئة" والتي ستواجه ضغوط كبيرة ناجمة عن توقف الدعم الخارجي للمحافظة، الأمر الذي سينعكس سلباً على حياة ما يقارب مليوني نسمة في محافظة إدلب. كذلك يعتبر تماسك "هيئة التحرير" محدداً لنجاح الإدارة المدنية باعتبارها الحامل الأساسي للمشروع، في ظل الحديث عن رفض تيارات داخلها لهذه المبادرة.

في النهاية، لا تتوافر لدى مشروع الإدارة المدنية في شكله الراهن مقومات النجاح في ظل افتقاده للإجماع المحلي ولمظلة خارجية، فضلاً عن افتقاده للموارد الأساسية لإدارة الخدمات، إضافة للمخاطر الداخلية التي تعتريه. وفي ظل ما سبق يغدو طرح الإدارة المدنية للخدمات في ظل المؤشرات الراهنة قفزة في المجهول من شأنها أن تعقد الموقف في محافظة إدلب.

 

اسم المصدر جريدة المدن الإلكترونية: https://goo.gl/asavJo

مُلخص تنفيذي

  • تعتبر البادية السورية اليوم نموذجاً مصغراً يعكس ما يجري في سورية عموماً من صراع نفوذ دولي-إقليمي بأدوات محلية؛ والسباق المحموم بين تلك الأطراف للسيطرة على الفراغ الاستراتيجي الذي سيتركه تنظيم الدولة.
  • بعد تأمين القسم الأكبر من "سورية المفيدة"؛ يبدو أن البادية السورية تقع في قلب استراتيجية النظام الجديدة للتوسع باتجاه "سورية غير المفيدة"؛ فالنظام السوري بدأ يخسر مواقعه في البادية مع نهاية العام 2011، ثم خسرها بشكل كامل في العام 2015 لتعود أنظاره وحلفائه إليها مع بداية العام 2017، إذ سبقت هذه الالتفاتة هزيمة المعارضة في حلب وإفراغ بعض الجيوب و"بؤر التوتر" من مقاتليها وفرض مناطق خفض التصعيد، مقابل تأمين القسم الأكبر من حزام العاصمة، سواء عبر المعارك أو المصالحات.
  • ترتكز استراتيجية موسكو في سورية على عدم الصدام المباشر مع واشنطن، وإنما اللعب على هوامش الصراع بين أصحاب المصالح لتحقيق أهدافها بأقل التكاليف، حيث تشترك موسكو وطهران من ناحية في الرغبة بتطويق الوجود الأمريكي في البادية السورية وإحاطته بتواجد عسكري إيراني روسي، ومن ناحية أخرى تنسجم مصالح موسكو مع سعي واشنطن لمنع إيران من الوصول إلى المتوسط عبر العراق وسورية.
  • زاد التصعيد العسكري في البادية من احتمالية وقوع صدام مباشر بين القوات الأمريكية وقوات النظام والمليشيات الإيرانية المدعومة من موسكو، وهو ما لا يرغب فيه الطرفين الروسي والأمريكي، لذا كان لزاماً عليهما الدخول في تفاهمات تحتوي التداعيات المحتملة في البادية، التفاهمات التي ترجمت على ما يبدو وفق عدة اتفاقات منها المعلن وغير المعلن.
  • يبدو أن التفاهمات الأمريكية الروسية غير المعلنة شملت محافظة دير الزور، والتي قد يتم تقاسمها بين الطرفين عبر توسيع تفاهمات تقاسم النفوذ في الشمال السوري، والتي يعتبر نهر الفرات هو حدها الفاصل.
  • بحسب المعطيات العسكرية على الأرض والتقدم الذي يحرزه النظام ميدانياً، يبدو أن الوعود الأمريكية لفصائل دير الزور المتعاونة معها بتسليمها معركة تحرير المحافظة انطلاقاً من الشدادي غير واقعية، فمن غير الممكن عزل النظام عن المعركة وفقاً للمعطيات الحالية السياسية منها والعسكرية، بالإضافة إلى جملة من الأسباب التي تجعل انفراد المعارضة بمعركة دير الزور أشبه بالمستحيل.

مدخل

منذ مطلع العام 2017 عادت بادية الشام بقوة إلى واجهة الأحداث الميدانية العسكرية في سورية، لتشهد صراعاً على عدة جبهات بين قوات النظام و"المليشيات الإيرانية([1])" الداعمة لها من جهة وبين قوات المعارضة المسلحة العاملة في المنطقة من جهة أخرى، بالإضافة إلى خوض الطرفين معارك ضد تنظيم الدولة "داعش"، والذي يَعتبرُ المنطقة عقدة ربط بين مناطقه في سورية وما تبقى له من جغرافيا في العراق. وازى هذا التصعيد العسكري لمعارك البادية تصعيد سياسي بين الولايات المتحدة من جهة وإيران من جهة أخرى حول السيطرة على معبر التنف الاستراتيجي، والذي كاد أن يودي إلى مواجهة مباشرة، ما أتاح الفرصة لموسكو لاستغلال احتمالات المواجهة والدخول كوسيط بين الطرفين واللعب على هوامش الخلاف لتحقيق أهدافها في البادية والتقدم على حساب مناطق تنظيم الدولة فيها وصولاً إلى مشارف محافظة دير الزور وفرض نفسها كشريك للتحالف الدولي في حرب الإرهاب.

لذلك تعتبر البادية السورية اليوم نموذجاً مصغراً يعكس ما يجري في سورية عموماً من صراع نفوذ دولي-إقليمي بأدوات محلية؛ والسباق المحموم بين تلك الأطراف للسيطرة على الفراغ الاستراتيجي الذي سيتركه تنظيم الدولة. وبناءً عليه تحاول هذه الدراسة التحليلية رسم ملامح المشهد السياسي والعسكري في البادية السورية، وتفكيك المصالح المتضاربة للأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة فيها، و استنتاج التفاهمات غير المعلنة التي توصلت إليها الولايات المتحدة وروسيا فيما يخص تقاسم النفوذ ضمن مناطق تنظيم الدولة، مقابل الموقف من المشروع الإيراني على الحدود العراقية السورية؛ وصولاً لتقديم قراءة استشرافية لمعركة دير الزور المرتقبة، وذلك عبر تحليل التحركات العسكرية  للنظام والمليشيات الداعمة له على جبهات البادية المختلفة، و التي تشكل مفتاحاً لمعركة دير الزور ذات الأهمية الاستراتيجية لجميع الأطراف المنخرطة في معارك البادية.

أولاً: البادية السورية والفاعلون (أصحاب المصالح)

بادية الشام أو البادية السورية، هي منطقة صحراوية تقع في جنوب شرق سورية وشمال شرق الأردن وغرب العراق، يسمى القسم الجنوبي الأوسط منها "الحماد"، أما في الشمال تحدها منطقة تسمى بالهلال الخصيب.

يجتاز بادية الشام من جهتها الجنوبية خط الأنابيب الذي أنشأته شركة أرامكو السعودية لإيصال النفط من رأس تنورة في السعودية عبر الجمهورية العربية السورية إلى ميناء صيدا على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وترتبط البادية السورية برياً بالعراق والأردن بشريط حدودي تصل مسافته إلى أكثر من 240 كم، ولكن لا ترتبط بمعبر رسمي إلا مع العراق، وهو معبر (التنف)، والذي يقع على أوتوستراد دمشق- بغداد. كما أنها تعتبر عقدة للاتصال بين شرق سورية وشمالها الشرقي (دير الزور والرقة) مع وسطها (حمص وحماه) وجنوبها الغربي (القلمون الشرقي والسويداء)، بالإضافة إلى غناها بآبار النفط والغاز ومناجم الفوسفات، وما زاد من الأهمية الاستراتيجية للبادية اليوم هو احتواؤها على عدة جبهات للاشتباك مع تنظيم الدولة "داعش" في عدة محافظات سورية، الأمر الذي جعلها مفتاحاً للسيطرة على مساحات واسعة من الأرض السورية الغنية بالموارد، وبالتالي فإن السيطرة عليها قد تغير موازين القوى لصالح الطرف المسيطر.

وعليه شكلت البادية السورية ساحة للصراع بين ثلاثة أطراف رئيسية من أصحاب المصالح (روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية، إيران) المدعومين بالوكلاء المحليين، بالإضافة إلى الأردن وإسرائيل اللتين تمثل الولايات المتحدة مصالحهما. ويمكن تفكيك مصالح كل منهم على الشكل التالي:

1.   الولايات المتحدة وحلفاؤها: (الهواجس الأمنية)

تنظر الولايات المتحدة باهتمام شديد إلى البادية، والتي تُشكل نقطة تلتقي فيها جملة من الأهداف الأمريكية في سورية، وهو ما يثبته السلوك الأمريكي الحاسم اتجاه محاولات إيران وروسيا الاقتراب من مناطق نفوذها في البادية، ويمكن إجمال أسباب الاهتمام الأمريكي بالتواجد في البادية السورية بالنقاط التالية:

  • حماية أمن الحلفاء (إسرائيل-الأردن)

تسعى الولايات المتحدة من خلال اهتمامها بمناطق (الجنوب الغربي-الجنوب الشرقي) لسورية، والممتدة على مساحة ثلاث محافظات، وهي (القنيطرة-درعا-السويداء) وصولاً إلى معبر التنف على زاوية الحدود السورية العراقية الأردنية؛ إلى حماية حدود كل من الأردن وإسرائيل من محاولات إيران للوصول إليها عبر المليشيات الشيعية، أو من أي تهديد محتمل من قبل التنظيمات المتشددة وعلى رأسها "داعش"، وبخاصة بعد خسائره المتلاحقة في سورية والعراق وإمكانية تسلل عناصره إلى الأردن عبر البادية السورية.

  • دعم معاركها ضد الإرهاب

تُشكل البادية السورية عقدة ربط بين مناطق تنظيم الدولة في سورية والعراق، ومنفذاً مهماً لتحرك عناصر التنظيم بين مناطق سيطرته وبخاصة التي يخوض فيها المعارك، لذلك يُعتبر تأمين البادية ضرورة عسكرية قصوى بالنسبة للولايات المتحدة لدعم عمليات التحالف ضد التنظيم وقطع طرق تحركه وإمداده.

  • تطويق النفوذ الإيراني في المنطقة

تعتبر القاعدة العسكرية التي أنشأتها الولايات المتحدة في التنف عقبة أمريكية في وجه تحقيق إيران مشروعها الاستراتيجي في امتلاك طريق بري يصل طهران بلبنان عبر العراق وسورية، إذ يبدو أن واشنطن تسعى عبر توزع قواعدها الجديدة في العراق وسورية إلى تطويق النفوذ الإيراني عبر الحد من سيطرة طهران على المناطق السُنية التي تشكل ممرها البري إلى المتوسط.

خريطة بتاريخ 25 أغسطس/آب توضح الطرق البرية التي عملت إيران على تأمينها للوصول إلى لبنان مروراً بالعراق وسورية

  • العودة الأمريكية إلى المنطقة

يبدو أن واشنطن التي شكل انسحابها من العراق في العام 2011 تراجعاً عسكرياً لدورها في المنطقة لصالح تمدد النفوذ الإيراني والروسي اليوم في سورية، تسعى للعودة من جديد إلى المنطقة، وبخاصة في عهد الإدارة الجديدة، لذلك يبدو أنها تسعى إلى تكثيف وتثبيت تواجدها العسكري في سورية والعراق وتحديداً في المناطق السُنية (العربية والكردية)( [2]) ، حيث بلغ تعداد ما أنشأته في العراق من قواعد عسكرية 12 قاعدة([3])، 8 قواعد في سورية من ضمنها قاعدة التنف في البادية السورية([4])، والتي تشكل نقطة ارتباط هامة بين مناطق التواجد الأمريكي في العراق وسورية.

خريطة توضح انتشار القواعد العسكرية للفاعلين في سورية (أمريكا، روسيا، تركيا)

2.   روسيا وحلفاؤها (اللعب على التناقضات)

ترتكز استراتيجية موسكو في سورية على عدم الصدام المباشر مع واشنطن، وإنما اللعب على هوامش الصراع بين أصحاب المصالح لتحقيق أهدافها بأقل التكاليف، وعلى هذا الأساس استثمرت موسكو الخلاف بين واشنطن وأنقرة في الشمال السوري، وتحاول إعادة الكرة في البادية السورية عبر اللعب على هوامش المشروعين الإيراني والأمريكي في محاولة للوصول إلى تفاهمات تخدم مصالح حليفها (النظام السوري) في السيطرة على مساحات واسعة من الأرض السورية، وبخاصة المناطق الغنية بالنفط والغاز.

حيث تشترك موسكو وطهران من ناحية في الرغبة بتطويق الوجود الأمريكي في البادية السورية وإحاطته بتواجد عسكري إيراني روسي، ومن ناحية أخرى تنسجم مصالح موسكو مع سعي واشنطن لمنع إيران من الوصول إلى المتوسط عبر العراق وسورية، وعليه يبدو أن موسكو تهدف من خلال الانخراط في العمليات العسكرية في البادية السورية إلى ما يلي:

  1. تطويق النفوذ الأمريكي في البادية السورية، وحصره في قاعدة التنف.
  2. السيطرة على حقول النفط والغاز والفوسفات الواقعة في البادية وبخاصة في حمص وحماه.
  3. فرض نفسها كشريك في الحرب على الإرهاب رغم المحاولات الأمريكية لعزلها، وتعويم النظام السوري كشريك في تلك الحرب عبر خوض معركة دير الزور.
  4. احتكار جبهات محافظة دير الزور تمهيداً للسيطرة عليها، الأمر الذي سيدعم موقف النظام السوري السياسي والاقتصادي، وسيعزز من قدرة موسكو على فرض رؤيتها للحل السياسي في سورية، كما سيقطع الطريق على قوات سورية الديمقراطية حلفاء الولايات المتحدة في الوصول إلى دير الزور وتوسيع نفوذها في سورية.

ثانياً: تقاسم النفوذ (التفاهمات)

سعى كلٌ من الأطراف المتنازعة على النفوذ في البادية السورية إلى تعزيز تواجده العسكري فيها، كما ترجمت المصالح المتضاربة بين الولايات المتحدة وإيران إلى احتكاكات عسكرية أنذرت بإمكانية التصعيد إلى مواجهة مباشرة، خصوصاً بعد أن دعَّم الطرفان تواجدهما في البادية بقواعد عسكرية جديدة، حيث عززت الولايات المتحدة وجودها العسكري شرق سورية عبر إقامة قاعدة جديدة في منطقة الزكف على بعد 50 كيلومتراً شمال شرق معسكر التنف([5])، وذلك لإقفال الطريق أمام قوات النظام والميليشيات الإيرانية الساعية للتقدم إلى زاوية الحدود السورية - العراقية - الأردنية من جبهتين: الأولى؛ من منطقة السبع بيار شرق تدمر، و الثانية؛ من الريف الشرقي للسويداء جنوب دمشق، والتي كانت إيران قد عززت وجود ميليشياتها فيها([6])، كما أن اختيار مكان قاعدة الزكف تم بطلب من الفصائل العاملة على الأرض لأسباب متعددة؛ ومنها أن تكون نقطة متقدمة لـ"جيش مغاوير الثورة" المدعوم من الولايات المتحدة في قتاله ضد "الدولة الإسلامية"، بالإضافة إلى اعتبار المنطقة بوابة لمحافظات حمص و دير الزور والسويداء ومدينة تدمر([7])، إلى جانب أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة في عرقلة الطريق البري لإيران بمحيط تلك المنطقة.

وبعد أيام من تعزيز واشنطن معسكر التنف قرب حدود العراق، قامت إيران بتحويل مطار "السين" المجاور والذي يعد ثالث أكبر مطار عسكري في سورية إلى قاعدة لـلحرس الثوري الإيراني، حيث أن طائرات "يوشن 76" إيرانية بدأت بالهبوط فيه، إضافة إلى تمركز طائرتي نقل عسكريتين في المطار([8]).

كما حاولت ميليشيات إيرانية التقدم من منطقة السبع بيار باتجاه معسكر التنف، بالتزامن مع تقدم "الحشد الشعبي" العراقي من الطرف الآخر للحدود، وزيارة قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري قاسم سليماني لمناطق الحدود([9])، الأمر الذي أثار قلق الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أبلغت رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بضرورة وقف محاولات "الحشد" لعبور الحدود، كما انتشرت قوات أمريكية في جنوب الروضة في محافظة الأنبار قرب الحدود مع سورية والأردن مدعومين بمظلة جوية من المروحيات وطائرات الاستطلاع([10])، وعلى الجانب السوري حذرت الولايات المتحدة قوات النظام والمليشيات الإيرانية عبر منشورات ألقتها طائراتها من التقدم نحو التنف، كما أنها أبلغت روسيا خلال المحادثات في عمان بـضرورة وقف تقدم الإيرانيين في البادية السورية، و لكن الإيرانيين استمروا في الحشد؛ ما أدى إلى توجيه ضربتين أمريكيتين للقوات المتقدمة نحو التنف خلال أقل من شهر([11])، تزامنت تلك الضربات الأمريكية مع تصريحات لمسؤولي التحالف الدولي بأنهم سيستمرون بالدفاع عن مواقعهم في حال استمرت المحاولات الإيرانية بالتقدم نحو التنف، بينما رد النظام وداعموه على تلك التصريحات بالتهديد باستهداف القواعد الأمريكية في إشارة إلى التنف والزكف، الأمر الذي أدى إلى توتر كبير في البادية زاده إصرار موسكو على استمرار دعمها الجوي لقوات النظام والمليشيات الإيرانية للتقدم نحو الشرق السوري ومنع تشكيل منطقة عازلة أمريكية شرقي سورية عبر تصريحات صدرت عن قاعدة حميميم الروسية([12])، الأمر الذي يبدو أنه هدد اتفاق "منع التعارض" الذي يعود إلى 15 أكتوبر 2015 بين الولايات المتحدة وروسيا، والذي أنشأ خطاً ساخناً لتفادي المواجهة العسكرية المباشرة بين القوات الروسية والأمريكية في سورية، وبالتالي زاد احتمالية وقوع صدام مباشر بين القوات الأمريكية وقوات النظام والمليشيات الإيرانية المدعومة من موسكو، وهو ما لا يرغب فيه الطرفين الروسي والأمريكي، لذا كان لزاماً عليهما الدخول في تفاهمات تحتوي التداعيات المحتملة في البادية، التفاهمات التي تُرجمت على ما يبدو وفق عدة اتفاقات منها المعلن وغير المعلن، ولعل أبرزها:

  • الاتفاق على معالم منطقة "تخفيف تصعيد" جديدة تبقي التركيز منصباً على "داعش"، وتحتوي الطموحات الإيرانية في إقامة ممر أرضي من العراق عبر سورية وصولاً إلى البحر المتوسط، وهو ما تم ترجمته في اجتماع هامبورج بين الرئيسين الأمريكي والروسي على هامش قمة العشرين، والذي نتج عنه إقامة منطقة خفض تصعيد في الجنوب السوري من القنيطرة إلى ريف السويداء الغربي تضمن إبعاد المليشيات الإيرانية لـ 30كم عن الحدود الإسرائيلية الأردنية، وهو ما تسعى إليه الولايات المتحدة.
  • ولعل اتفاقاً آخراً غير معلن قد تم مقابل التنازل الإيراني الروسي في الجنوب -يشمل وضع البادية-، إذ يبدو أن موسكو قد نجحت في عقد صفقة مقايضة تشمل دير الزور مقابل الرقة، ومعبر التنف مقابل البوكمال، ودرعا مقابل ريفها والقنيطرة، كما حصل سابقاً في ريف حلب لدى مقايضة جرابلس بشرق حلب، ثم منبج مقابل الباب([13]) .وعليه قامت واشنطن بتفكيك قاعدة الزكف شمال التنف مقابل انسحاب حاجز لموالين للنظام من دائرة حددها الأميركيون للتنف بعمق 60 كيلومتراً، و تقدمت ميليشيات إيرانية من شمال غربي الموصل ملتفة حول معسكر التنف للقاء قوات النظام وحلفائها من الطرف الآخر للحدود، حيث التفت قوات النظام والمليشيات الإيرانية حول معسكر التنف أيضاً باتجاه محافظة دير الزور، ودخلت منطقة حميمة بعد انسحاب فصيل مغاوير الثورة المدعوم أمريكياً تحت ضغط من التحالف الدولي([14])، كما لم يفت موسكو استغلال دور الوساطة الذي تلعبه بين واشنطن وطهران لتعزيز وجودها في البادية السورية لتطويق نفوذ الطرفين، حيث بدأ الجيش الروسي بناء قاعدة في بلدة خربة رأس الوعر قرب بئر القصب([15]).

ثالثاً: الواقع الحالي:(الطريق إلى دير الزور)

بموجب التفاهمات الروسية الأمريكية في البادية، والتي أفضت إلى تفكيك الأخيرة قاعدة الزكف التي كانت مدخل قوات المعارضة إلى محافظة دير الزور وريف حمص الشرقي، ومنع الفصائل المدعومة أمريكياً من قتال قوات النظام وإيقاف الدعم عن بعضها([16]) ونقل قوات "مغاوير الثورة" من البادية إلى الشدادي في الحسكة([17])، أصبحت جبهات البادية تُشكل ممرات سالكة لقوات النظام للتقدم على محاور عدة مستفيدة من اتفاقات خفض التصعيد التي تم عقدها، والهدوء النسبي الذي تشهده باقي المناطق التي تنتظر أن تشمل باتفاقات خفض التصعيد كجبهة حماه والساحل، والتي أتاحت للنظام والمليشيات الداعمة له تعزيز قواتهم في البادية السورية، في محاولة لتحقيق سيطرة واسعة وتقليص المسافة التي تفصلهم عن دير الزور في خضم التسابق الدولي على المحافظة، انطلاقاً من الحدود الإدارية لدير الزور مع محافظتي حمص والرقة إلى جانب تقدم في ريف مدينة البوكمال من الجهة الجنوبية بمحاذاة الحدود السورية العراقية. ويمكن تقسيم محاور تقدم النظام باتجاه محافظة دير الزور، وفقاً لما يلي:

  • المحور الأول:التقدم من الحدود العراقية السورية باتجاه مدينة البوكمال، حيث تقدم الجيش السوري وحلفاؤه على مسافة عشرات الكيلومترات قرب الحدود العراقية السورية انطلاقاً من النقاط التي تم تثبيتها خلال الفترة الماضية في منطقة أم الصلابة (شمال موقع الزكف) وشرقها وصولاً إلى الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور، كما تمكنت قوات النظام من دخول أجزاء من وادي الوعر، بما في ذلك سد الوعر، مروراً بوادي اللويزية المجاور في أقصى ريف البوكمال، فارضاً بذلك سيطرته على 122 كيلومتر في عمق البادية ضمن حدود دير الزور الإدارية.
  • المحور الثاني:التقدم من بادية حمص الشرقية؛ فبالتزامن مع التقدم الذي حققته قوات النظام على الحدود العراقية باتجاه مدينة البوكمال، تقدمت قوات أخرى تابعة للنظام مدعومة بمسلحين موالين لها ومليشيات إيرانية إلى الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور من جهة الغرب، وسيطرت قوات النظام على عدد من القرى بعد "حقل آراك" في البادية السورية في مسعى منها للتقدم باتجاه بلدة السخنة أبرز معاقل تنظيم "داعش" في ريف حمص الشرقي ومفتاح التوغل باتجاه مدينة دير الزور، وتمكنت من دخول السخنة بتاريخ 3 آب بعد اشتباكات عنيفة مع تنظيم الدولة على أطرافها الجنوبية وجبل الربيعيات([18]).
  • المحور الثالث:يمتد من ريف حماة الشرقي إلى ريف الرقة مروراً بحمص، وينقسم المحور إلى:

- محور أثريا باتجاه عقيربات؛ حيث تحاول قوات النظام فتح جبهة جديدة في ريف السلمية مع تنظيم داعش، وينصب تركيز العمليات المرحلي على إتمام السيطرة على طريق أثريا ــ الرقة، بما يؤمن مرونة في خطوط إمداد تلك القوات، كبديل عن الخط الطويل الممتد من ريف حلب الشرقي، كما يتيح إطباق الحصار على مواقع "داعش" شرق طريق أثريا ــ خناصر، وإنهاء تهديدها المتكرر لطريق حلب الوحيد، ويمهد لتحرير بلدة عقيربات التي تعد آخر معاقل "داعش" في الريف الحموي.

- محور ريف الرقة؛ تهدف قوات النظام من خلال هذا المحور إلى التقدم باتجاه دير الزور، عبر طريقين؛ شمالي غربي قادم من ريف حلب الشرقي مروراً بريف الرقة الجنوبي، ومحور جنوبي شرقي، بهدف الوصول إلى مدينة السخنة للالتقاء مع قوات النظام، التي تتقدم من المحور الأوسط القادم من مدينة تدمر، والتوجه بعد ذلك نحو مدينة دير الزور شمالاً والحدود السورية العراقية بالقرب من مدينة البوكمال شرقاً، حيث تمكنت قوات النظام وميليشياته من التقدم في ريف الرقة الجنوبي الشرقي بعد "اتفاق العكيرشي" مع قوات "سورية الديمقراطية"، والذي سمحت بموجبه الأخيرة لقوات النظام والمليشيات المساندة لها بالتقدم عبر مناطق سيطرتها([19])، ليتمكنوا بذلك من السيطرة على ثلاثة قرى غرب مدينة معدان، وبعد هذا التقدم باتت قوات النظام وميليشياته تبعد 2 كم من الجهة الغربية لمدينة معدان، التي تعتبر آخر مدينة تحت سيطرة تنظيم "داعش" في ريف الرقة، ومفتاح جديد بيد قوات النظام وحلفائها باتجاه الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور من الجهة الشمالية الغربية.

 

خريطة بتاريخ 22 أغسطس/آب توضح المحاور العسكرية المختلفة التي يحاول نظام الأسد وحلفائه التقدم عبرها إلى دير الزور

وتسعى قوات النظام والميليشيات الداعمة لها عبر تحركاتها المتناسقة قرب الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور انطلاقاً من ريفي حمص الشرقي والجنوب الشرقي وريف حماة الشمالي قرب قرى السلمية إلى إطباق سيطرتها على جبهات الاشتباك مع تنظيم الدولة في محافظة دير الزور وعزل باقي القوى المنافسة عن خوض المعركة. وهذا ما تمكن من تحقيقه عبر عزل قوات المعارضة في البادية، وذات الأمر بالنسبة لقوات سورية الديمقراطية المتواجدة في ريف الرقة.  وعلى الرغم من نجاح سعي النظام للوصول إلى مشارف دير الزور قبل باقي الأطراف؛ إلا أن هذا السباق جعل مواقع النظام المتقدمة باتجاه المحافظة رخوة وطرق إمدادها غير آمنة، الأمر الذي زاد من خسائر قواته التي تعرضت لهجمات عنيفة من تنظيم "داعش"، ففي 19 تموز/ يوليو الفائت شنت داعش هجمات على مواقع النظام المتقدمة باتجاه مدينة البوكمال في منطقة وادي الوعر أسفرت عن قتل أكثر من 70 عنصراً من قوات النظام، كما تم أسر ثلاثة عناصر أعدمهم التنظيم في مدينة البوكمال([20]). وشهد يوم 9 آب/ أغسطس هجمات معاكسة لتنظيم "داعش" على مواقع قوات النظام في ريف حمص الشرقي في مناطق حميمة وصوامع تدمر والمحطة الثالثة والسخنة أسفرت عن قتل ما يقارب 75 عنصراً من قوات النظام بينهم ضابط برتبة لواء([21])، وكذلك الأمر بالنسبة لجبهة ريف حماه الشرقي ومحيط مدينة السلمية التي تشهد هجمات معاكسة ودامية من تنظيم "داعش"، ويهدف التنظيم من خلال تلك الهجمات إلى عرقلة تقدم قوات النظام وإشغالها بتعزيز مواقعها المتقدمة وطرق إمدادها عن التقدم باتجاه دير الزور وبدء المعركة، والتي يبدو أنها ستحتاج إلى مدة أطول مما يعتقد النظام وحلفاؤه لكي تبدأ.

رابعاً: نتائج الدراسة

من خلال دراسة تحركات النظام وتكتيكاته العسكرية على جبهات البادية المتعددة، وبقراءة التفاهمات الروسية الأمريكية في سورية؛ يمكن الوصول إلى النتائج التالية:

  1. توسيع "سورية المفيدة": شكلت اتفاقات خفض التصعيد فرصة ذهبية للنظام لتحريك قواته باتجاه جبهات جديدة خارج نطاق تحركاته المعتادة، الأمر الذي يعكس استراتيجية جديدة للنظام وحلفائه تهدف إلى اللعب خارج حدود "سورية المفيدة"، وتوسيع هذا المفهوم ليشمل المناطق الغنية بالثروات الباطنية في البادية السورية ودير الزور، مستفيداً من التوافقات الدولية ومناطق تقاسم النفوذ بين الفاعلين الإقليميين والدوليين.
  2. تفويض النظام: يبدو من خلال تحركات النظام في القسم الجنوبي والجنوبي الشرقي من البادية السورية الواقع بين محافظتي ريف دمشق والسويداء وشمال معسكر التنف، بأن التفاهمات الأمريكية الروسية قضت بتسليم المنطقة للنظام وبخاصة الحدود مع الأردن بما فيها معابر المنطقة، وهو ما يؤكده انسحاب فصيل "أحرار العشائر" المدعوم من "غرفة الموك" من المنطقة وتقدم قوات النظام دون قتال إلى الحدود الأردنية. كما تشير العمليات العسكرية في المنطقة بأن النظام عازم على استعادة هذا الجزء من البادية بالكامل ما عدا دائرة بقطر 55 كم حول معسكر التنف تم التوافق عليها بين الولايات المتحدة وروسيا، والتي سيتم حصر نشاط الفصائل العاملة في البادية ضمنها بشكل يُحولُها إلى وحدات حماية لمعسكر التنف فقط.
  3. احتكار الجبهات: نجح النظام من خلال تحركاته في أجزاء البادية الواقعة في حدود محافظتي حمص وحماه من استعادة مساحات واسعة من مناطق "تنظيم الدولة" والسيطرة على حقول النفط والغاز الواقعة في المنطقة، وبالتالي احتكار جبهات دير الزور الجنوبية والجنوبية الشرقية وقطع الطريق على قوات المعارضة، والتي سيتم نقلها من جبهة البادية بتوجيهات أمريكية إلى جبهة الشدادي في الحسكة. أما بالنسبة للنظام فهو يعتمد حالياً على تعزيز تواجده في المنطقة وتنظيفها من أي وجود للتنظيم لتأمين طرق إمداده قبل معركة دير الزور التي باتت على رأس أولوياته كما يبدو.
  4. عزل وتطويق قسد: إن النظام عبر قواته القادمة من ريف حلب الشرقي إلى الريف الجنوبي للرقة، وبالتعاون مع قواته المقاتلة في البادية ضمن الجزء الواقع بين محافظات حمص وحماه والرقة؛ استطاع تطويق قوات "سورية الديمقراطية" في ريف الرقة ومدينة الطبقة، وعزلها عن جبهة البادية مع محافظة دير الزور، كما أن تقدمه عبر الريف الجنوبي للرقة باتجاه الريف الغربي لدير الزور حرمها من هذه الجبهة أيضاً، وإذا كانت الولايات المتحدة جدية في عرضها لنقل قوات معارضة عربية مدعومة من قبلها إلى الشدادي لتحويلها إلى مركز لانطلاق عملية تحرير دير الزور؛ فهذا يعني أن قوات "سورية الديمقراطية" قد خسرت جميع احتمالات مشاركتها في تحرير محافظة دير الزور.
  5. الفرات كفاصل للنفوذ: يبدو أن التفاهمات الأمريكية الروسية غير المعلنة شملت محافظة دير الزور، والتي قد يتم تقاسمها بين الطرفين عبر توسيع تفاهمات تقاسم النفوذ في الشمال السوري، والتي يعتبر نهر الفرات هو حدها الفاصل، بحيث يكون شرق الفرات بداية من جرابلس إلى البوكمال تحت سيطرة الولايات المتحدة وحلفاءها من الفصائل، وكذلك الأمر بالنسبة لغرب الفرات الذي يشمل أجزاء من محافظات حلب والرقة ودير الزور، والذي سيكون منطقة نفوذ لروسيا تنشط في جزئها الشمالي الفصائل المدعومة من تركيا، وفي الجنوبي قوات النظام السوري وحلفاؤه.

  1. هشاشة الوعود الأمريكية: حسب المعطيات العسكرية على الأرض والتقدم الذي يحرزه النظام ميدانياً باتجاه دير الزور، يبدو أن الوعود الأمريكية لفصائل دير الزور المتعاونة معها بتسليمها معركة دير الزور منفردة انطلاقاً من الشدادي غير واقعية، فمن الصعب عزل النظام عن المعركة وفقاً للمعطيات الحالية السياسية منها والعسكرية، بالإضافة إلى جملة من الأسباب التي تجعل انفراد المعارضة بمعركة دير الزور أشبه بالمستحيل، وهي:
  • النقص العددي للفصائل التي تعتمد عليها الولايات المتحدة، فأعداد فصائل دير الزور من "مغاوير الثورة" و"أسود الشرقية" وتجمع الشعيطات غير قادرة على خوض معركة دير الزور، والتي ستكون آخر معاقل تنظيم الدولة في سورية والعراق.
  • انعدام التواجد العسكري لفصائل المعارضة داخل محافظة دير الزور، على العكس من قوات النظام والتي تسيطر على ثلاثة أحياء داخل مدينة دير الزور وعدة قواعد عسكرية رئيسية، وهي معسكر "الطلائع" ومعسكر "قرية عياش" في الريف الغربي لدير الزور المشرف على طريق دير الزور الرقة، والذي تتقدم باتجاهه قوات النظام من ريف الرقة الجنوبي، "اللواء 137" و"الفرقة 17" على طريق دير الزور دمشق والذي تتقدم باتجاهه قوات النظام من السخنة، "مطار دير الزور العسكري" في بداية الريف الشرقي لدير الزور الواصل إلى مدينة البوكمال، والذي تتقدم باتجاهه قوات النظام من منطقة حميمة، وبهذا الشكل يتفوق النظام على قوات المعارضة بامتلاكه نقاط عسكرية في الجبهات التي يحاول التقدم منها إلى دير الزور بشكل يمكنه من تطويق التنظيم وحصاره في الجبهات الثلاثة التي يحاول النظام التقدم منها.
  • الخطة الأمريكية لنقل قوات المعارضة إلى الشدادي تعني أن نشاط فصائل المعارضة سينحصر فقط في الضفة اليسرى لنهر الفرات (الجزيرة)، وذلك بسبب تدمير قوات التحالف لجميع الجسور الواصلة بين ضفتي الفرات في محافظة دير الزور، الأمر الذي يجعل عبور قوات المعارضة إلى الضفة الأخرى للنهر للهجوم على مدينة البوكمال أو مدينة دير الزور مستحيلاً كون الوسيلة الوحيدة المستخدمة حالياً هي "العبّارات" النهرية وفي هذه الحالة ستكون قوات المعارضة مكشوفة بالنسبة لعناصر التنظيم وسهلة الاستهداف، وكذلك الأمر إذا تم الاعتماد على إنزالات جوية لقوات المعارضة في المدن الواقعة على الضفة اليمنى من النهر (الشامية)، والتي تشكل مراكز ثقل التنظيم، فأي عملية نقل لقوات المعارضة حتى ولو نجحت في السيطرة على مدينة معينة فتلك السيطرة ستكون مؤقتة، وذلك لانعدام طرق الإمداد.
  1. تقاسم المعركة: من المرجح أن الولايات المتحدة وروسيا اتفقتا على تقاسم معركة دير الزور بين قوات النظام وفصائل المعارضة، بحيث تكون الضفة اليمنى من النهر (الشامية) ومدينة دير الزور من نصيب النظام، في حين تخوض قوات المعارضة معاركها في الضفة اليسرى من النهر (الجزيرة)، وهي مناطق صحراوية وذات كثافة سكانية منخفضة وأقل أهمية قياساً بالضفة اليمنى للنهر (الشامية)، والتي تحوي كثافة سكانية أكبر وتتركز بها المدن الرئيسية في محافظة دير الزور، وبذلك يكون النظام قد حاز القسم الأكثر أهمية من المحافظة.
  2. استغلال المعارضة: يبدو أن أهداف الولايات المتحدة الأمريكية من نقل قوات معارضة عربية مدعومة من قبلها إلى منطقة الشدادي والسماح لها بالمشاركة في معركة دير الزور، تتركز على:
  • عزل قوات "سورية الديمقراطية" عن معركة دير الزور والحد من تمددها أكثر في أراضي عربية لا وجود للكرد فيها، وقد يكون هذا عائداً إلى:
  • الاعتراضات التركية والتفاهمات الجديدة مع موسكو.
  • عدم امتلاك النظام السوري لأي وجود عسكري في الضفة اليسرى لنهر الفرات (الجزيرة) أو أي إمكانية للوصول إليها كونها أقرب إلى مناطق سيطرة قوات "سورية الديمقراطية" التي تمتلك نقاط عسكرية فيها استحوذت عليها قوات النخبة "العربية" المنضوية سابقاً في صفوف "سورية الديمقراطية" عبر عملية إنزال بالتعاون مع القوات الأمريكية، فكان لا بد للولايات المتحدة من نقل قوات عربية مدعومة من قبلها إلى الشدادي لتقوم بمهمة تحرير (الجزيرة).
  • تجميع القوات المدعومة من قبلها في منطقة نفوذها في سورية، والتي يبدو أنه تم التفاهم عليها مع موسكو.
  • حماية مثلث يقع بين منطقة الشدادي والضفة اليسرى لنهر الفرات المقابلة لكل من مدينتي البوكمال ودير الزور، والتي من المحتمل أن تشكل نقطة تجمع لمقاتلي "داعش" المنسحبين من معارك الضفة اليمنى للنهر، وللرقابة أيضاً على جزء من الحدود العراقية السورية الواقع في هذا المثلث لقطع الطريق على مشروع إيران البديل في تمرير طريقها البري عبر البوكمال بعد خسارتها معبر التنف.
  1. "داعش" من الدفاع إلى الهجوم: يحاول تنظيم داعش تأخير معركة دير الزور عبر هجمات شرسة و أكثر عدداً وقوة من سابقاتها على قوات "سورية الديمقراطية"، حيث كان التنظيم يعتمد تكتيك التراجع والتمترس في المدن، أما في حالة دير الزور فالتنظيم اعتمد على شن هجمات دامية على قوات النظام المتقدمة نحو دير الزور على مختلف جبهات الهجوم، كما أن معاركه للدفاع عن مواقعه في البادية كانت أكثر شراسة قياساً بمعاركه السابقة، وكبدت قوات النظام خسائر كبرى، مما يشير إلى أن وصول النظام إلى المدن الرئيسية للمحافظة لن يكون سريعاً وستكون تكلفته باهظة على صعيد الأرواح، وكذلك الأمر بالنسبة لقوات المعارضة التي ستكون مهمتها التصدي لقوات التنظيم في الضفة الأخرى من النهر( الجزيرة)، فعلى ما يبدو أن التنظيم قد غير تكتيكاته للدفاع عن آخر معاقله في دير الزور بحيث لن تكون دفاعية هذه المرة، وإنما سيغلب عليها طابع الهجمات الخاطفة على مواقع القوات المهاجمة بواسطة المفخخات والمجموعات الصغيرة لتكبيدها أكبر قدر من الخسائر وتعطيل تقدمها، وهذا ما سيطيل أمد معركة دير الزور المنتظرة .
  2. تحرك شعبي محتمل: قد يلعب المدنيون من أهالي دير الزور الدور الأكبر في تسريع عملية تحريرها وانهيار التنظيم فيها، ففي الآونة الأخيرة شهدت مناطق سيطرة التنظيم في دير الزور عمليات هجوم متفرقة على عناصر التنظيم واغتيالات لبعض قياداته، وخاصة جهاز الحسبة التابع للتنظيم، مما يشير إلى تململ الأهالي واستعدادهم للتحرك إذا ما اقتربت قوات المعارضة أو حتى قوات النظام المدعومة بقوات من العشائر المحلية الموالية للنظام، والتي يجري تحضيرها للمشاركة في عملية تحرير المحافظة، مما قد يشكل ضمانة للأهالي بعدم وقوع أعمال انتقامية من قبل قوات النظام.

الخاتمة

بعد تأمين "سورية المفيدة"؛ يبدو أن البادية السورية تمثل استراتيجية جديدة لنظام الأسد للتوسع باتجاه "سورية غير المفيدة"؛ فالنظام السوري بدأ يفقد مواقعه في البادية مع نهاية العام 2011، ثم خسرها بشكل كامل في العام 2015، لتعود أنظاره وحلفائه إليها مع بداية العام 2017، حيث سبقت هذه الالتفاتة هزيمة المعارضة في حلب وإفراغ بعض الجيوب و"بؤر التوتر" من مقاتليها وفرض مناطق "خفض التصعيد"، مقابل تأمين القسم الأكبر من حزام العاصمة سواء عبر المعارك أو المصالحات. إذ شكلت اتفاقات "خفض التصعيد" مقدمة لمرحلة جديدة دخلها الصراع السوري تعكس ميلاً لدى الفاعلين الدوليين (الولايات المتحدة- روسيا) للوصول إلى تفاهمات على الأرض تفضي إلى تقاسم مناطق نفوذ ومصالح بينهما، يلعب كل طرف فيها دور الضامن لأمن حلفائه الإقليميين و وكلائه المحليين بشكل يضمن توجيه نفوذ هؤلاء الوكلاء نحو حرب الإرهاب تمهيداً لفرض الحل السياسي، وعليه شكلت البادية السورية التعبير الأكثر وضوحاً عن تلك التفاهمات بما تشهده من تقدم لقوات النظام والمليشيات الداعمة لها، الأمر الذي سينعكس بالضرورة على مسار التفاوض السياسي ويشكل ضغطاً إضافياً على المعارضة السورية إلى جانب التغيرات في المواقف الإقليمية الداعمة لها باتجاه فرض القبول بصيغة الحل الروسية القاضية ببقاء الأسد في المرحلة الانتقالية .

خامساً: ملاحق الدراسة (سير معارك البادية في عام 2017)

1.   ما قبل التفاهمات

أعلنت قوات المعارضة في البادية السورية والقلمون الشرقي عن بدء المرحلة الأولى من معركة "رد الاعتبار" والتي أطلق عليها لاحقاً اسم معركة " سرجنا الجياد لتطهير الحماد" يوم الخميس بتاريخ 29 كانون الأول 2017 ضد مواقع "تنظيم الدولة" في المنطقة، والتي يوضح الجدول التالي القوى شاركت بها:

جاء انطلاق المعركة متزامناً مع قرب انعدام جبهات قوات المعارضة مع تنظيم الدولة، وذلك بعد الإعلان عن انتهاء معارك درع الفرات، فبات من الضروري على قوات المعارضة وبالتنسيق مع غرفة الموك في البادية من فتح معركة البادية وتأمين معبر التنف الاستراتيجي، وذلك لتحقيق جملة من الأهداف، وهي:

  1. تحرير البادية من تنظيم الدولة، والتي تعتبر الخطوة الأولى باتجاه التقدم نحو محافظة دير الزور، حيث تعتبر منطقة البادية ممر حيوي واستراتيجي لتنظيم الدولة من الجنوب إلى الشرق والشمال الشرقي، ومنها يمر خط إمداد التنظيم بالمقاتلين والسلاح.
  2. فتح طريق القلمون الشرقي، وعدم السماح لتنظيم الدولة بالاستيلاء على المنطقة.
  3. تأمين البادية الشرقية من محافظة السويداء.
  4. تأمين الحدود البرية مع الأردن من محافظة السويداء وصولاً إلى معبر التنف.

في 13 آذار 2017 أعلن المكتب الإعلامي لقوات "الشهيد أحمد العبدو" عن انطلاق المرحلة الأولى من معركة "طرد البغاة" بهدف استعادة السيطرة على مواقع التنظيم في القلمون الشرقي، وذلك بشن هجوم على عدة محاور. فيما أعلنت قوات المعارضة في 23 آذار 2017، عن بدء المرحلة الثانية من معركة "سرجنا الجياد لتطهير الحماد" والمرحلة الثانية من معركة "طرد البغاة"، وذلك استكمالاً لأهداف المرحلة الأولى من المعركتين، حيث استهدفت معركة "سرجنا الجياد" مواقع التنظيم في محور بادية الشام، أما معركة "طرد البغاة" فقد استهدفت محور القلمون الشرقي، وذلك لوصل البادية الشامية بالقلمون.

أ‌.     رد فعل النظام: (الهجوم المعاكس)

كانت المعركتين قريبتين من تحقيق كافة أهدافها، والتي يعتبر فك الحصار عن القلمون الشرقي أهمها،  إلا أن قوات النظام استطاعت في الأسبوع الثاني من شهر أيار 2017 التقدم في منطقة السبع بيار على طريق دمشق بغداد القديم، في سعيٍ منها على ما يبدو لتأمين مطار السين العسكري ومحيطه ومحاولة لوصل مناطق سيطرتها بالبادية السورية من جهة القلمون الشرقي بمناطق سيطرتها جنوب مدينة تدمر في ريف حمص الشرقي، الأمر الذي يمكنها من تضييق الخناق على قوات المعارضة في القلمون الشرقي ومحاصرتهم بشكل كامل تمهيداً لإقامة تسوية في المنطقة تفضي بطرد مقاتلي المعارضة منها، كما حاولت قوات النظام التقدم من محور مطار خلخلة في السويداء، حيث حشدت قواتها من أجل التقدم في البادية السورية وصولاُ إلى منطقة التنف لإفشال مشروع المعارضة في الوصول إلى دير الزور والسيطرة على معبر التنف الحدودي مع العراق. وتتكون قوات النظام والمليشيات الرديفة في البادية السورية من التشكيلات التالية:

ب‌. تسلسل زمني لأبرز الأحداث في البادية السورية في الربع الأول والثاني من عام 2017

  • 21 كانون الأول 2017: قٌتل 6 أفراد، وإصابة 14 جريحاً من حرس الحدود الأردني والأجهزة الأمنية في هجوم بسيارة مفخخة على الحدود الشمالية الشرقية بالقرب من الساتر الترابي المقابل لمخيم اللاجئين السوريين في منطقة الركبان.
  • 13 آذار 2017: قوات المعارضة تبدأ المرحلة الثانية من معركتي "سرجنا الجياد" و"طرد البغاة".
  • 14 أيار 2017: انسحبت قوات المعارضة (مغاوير الثورة – أسود الشرقية) من المناطق التي سيطرت عليها في الجهة الجنوبية من محافظة دير الزور "وادي صواب"، حيث أكد مصادر خاصة للوحدة أن الهدف كان من السيطرة المؤقتة هو سحب جواسيس يتبعون لتشكيل اسمه "أشباح الصحراء" وذلك لقرب العمل العسكري الضخم على مدينة الميادين والبوكمال.
  • 15 أيار 2017: الميليشيات الإيرانية تقوم بشن هجوم على قوات المعارضة في البادية، وتسيطر على حاجز الظاظا والسبع بيار.
  • 18 أيار 2017: ميليشيات لبيك يا سلمان "الدرزية" والممولة من إيران تتقدم 35 كم في بادية السويداء بعد معارك عنيفة مع قوات المعارضة.
  • 18أيار 2017: طيران التحالف يستهدف رتل لميليشيات الأبدال العراقية، وذلك لاقترابها من معبر التنف بعد سيطرتها على خربة الشحمي.
  • 5 حزيران 2017: فصيل أسود الشرقية التابع للمعارضة يعلن عن إسقاط طائرة ميغ23 تابعة للنظام بالقربة من "تل دكوة".
  • 6 حزيران 2017: طيران التحالف يستهدف قاعدة للميليشيات الشيعية بالقرب من الشحمه.
  • 8 حزيران 2017: طيران التحالف يستهدف تجمع لمليشيات الفاطميين بالقرب من معبر التنف.
  • 9 حزيران 2017: أعلن الإعلام الحربي التابع للنظام السوري عن سيطرته على سرية الوعر، والتي تبعد 17 كلم عن الحدود العراقية.
  • 28 حزيران 2017: بدأت الميليشيات الشيعية معركة تهدف إلى السيطرة على قرية حميمة، والتي تعتبر مدخل محافظة دير الزور من الجهة الجنوبية الشرقية.

ت‌. غارات ضربات التحالف في البادية السورية من شهر (نيسان حتى حزيران) 2017

2.   ما بعد التفاهمات

في 10 تموز 2017، بدأت قوات النظام والميليشيات الموالية المرحلة الثانية من عملية "الفجر الكبرى"، وفيها تم شن هجوم على مواقع قوات المعارضة شرق قاعدة خلخلة الجوية، وسيطرت على قمة تل الأصفر، إلى جانب العديد من التلال الصغيرة المطلة على قرية الأصفر. وفي الوقت نفسه، شن هجوم آخر على مواقع قوات المعارضة في محافظتي السويداء وريف دمشق بالقرب من قاعدة السين الجوية، وخلال اليوم الأول من العملية، استولت قوات النظام على ثلاثة آلاف كيلومتر مربع من الأراضي التي كانت تسيطر عليها قوات المعارضة المدعومة من غرفة الموك، وبحلول 13 تموز، سيطرت قوات النظام والميليشيات الموالية على 200 كيلومتر مربع إضافي.

بعد وقف إطلاق النار مع الجيش السوري الحر في منطقة البادية الجنوبية الغربية في سورية، التي تم بوساطة روسيا والولايات المتحدة، بدأت القوات الحكومية إعادة الانتشار إلى الشرق من تدمر لشن هجوم جديد.

أ‌.     تسلسل زمني لسير المعارك

  • 9 حزيران 2017: أعلن الإعلام الحربي التابع للنظام السوري عن سيطرته على سرية الوعر، والتي تبعد 17 كلم عن الحدود العراقية.
  • 13 حزيران 2017: سيطرت قوات النظام والميليشيات الشيعية على بلدة أراك وحقول أراك للغاز القريبة. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، تم نشر اللواء 103 بالكامل من الحرس الجمهوري في المنطقة القادم من محافظة اللاذقية للمشاركة في هجوم واسع النطاق لكسر حصار تنظيم الدولة في مدينة دير الزور.
  • 18 حزيران 2017: أطلقت قوات الحرس الثوري الإيراني في غرب إيران ستة صواريخ متوسطة المدى سطح -أرض مستهدفة قوات داعش في محافظة دير الزور.
  • 22 حزيران 2017: أعلنت قوات النظام عن بدأ معركة السخنة، والتي ما زالت قائمة حتى تاريخ إعداد التقرير وبات يفصل قوات النظام عن السخنة أقل من 1 كلم.
  • 28 حزيران 2017: بدأت الميليشيات الشيعية معركة تهدف إلى السيطرة على قرية حميمة، والتي تعتبر مدخل محافظة دير الزور من الجهة الجنوبية الشرقية.
  • 17 تموز 2017: وصل عدد كبير من التعزيزات الموالية للنظام السوري إلى شرق حمص، والقوات الجديدة أتت من المنطقة الصحراوية الجنوبية الغربية في سورية، وبالتحديد من منطقة البادية وشرق السويداء، وذلك بعد الاتفاق الأمريكي –الروسي والذي بموجبه توقفت العمليات العسكرية في تلك المنطقة، وباتت محصورة بمناوشات خفيفة بين الطريفين. وتشمل القوات الجديدة التي تم نقلها إلى شرق حمص فوج 800 النخبة من الحرس الجمهوري في الجيش السوري، ومجموعات ميليشيا الجعفرية، وسرايا العرين فضلاً عن العناصر الرئيسية في الفرقة المدرعة الأولى والفرقة الثالثة المدرعة.
  • 1 أغسطس 2017: أعلنت قوات المعارضة عن بدأ هجوم جديد ضد قوات النظام والميليشيات الموالية له في المنطقة الصحراوية السورية. وذكرت قوات المعارضة بأنهم سيواصلون محاربة الميليشيات على الرغم من رفض الدعم الأمريكي لمعركتهم.
  • 4 أغسطس 2017: استأنف الميليشيات الموالية للنظام في ريف السويداء الشرقي معركتها ضد قوات المعارضة، وأحرز تقدما بالقرب من الحدود الأردنية، الأمر الذي دفع كل من أحرار العشائر وأسود الشرقية من إطلاق عمل عسكري مضاد باسم "رد الكرامة" لاسترجاع تلك المناطق.
  • 12 أغسطس 2017: قوات النظام والميليشيات الموالية له تسيطر على بلدة السخنة، وفي 14 أغسطس تمكنت قوات النظام من التقدم في المحور الجنوبي للرصافة والسيطرة على واحة الكوم، مقلصة بذلك المسافة بين محور الرقة ومحور السخنة إلى أقل من 20 كلم، وتهدف قوات النظام من هذا التقدم إلى قطع خطوط إمداد التنظيم بين دير الزور وريف حماه الشرقي، مما يسهل عملية سيطرتها على مناطق التنظيم في ريف حماه الشرقي في المراحل القادمة
  • 20 أغسطس 2017: قوات النظام والميليشيات الموالية له تسيطر على قرية حميمة، وتقترب من السيطرة على مضخة الـ T2 والمدرج الزراعي فيها، استراتيجية هذه المنطقة تكمن بأنها أخر مضخة في سورية وبذلك تكون الميليشيات قد فرضة سيطرتها على كافة المضخات، واقتربت خطوة أخرى من بدأ المعركة على المدن الحيوية في محافظة دير الزور.

3.   تغيرات نسب مواقع السيطرة بين شهري آذار وتموز 2017 (ما قبل التفاهمات وما بعدها)

 

 


([1]) مجموعة من التشكيلات العسكرية المليشياوية الأجنبية والمحلية الممولة من إيران، للاطلاع على تلك المليشيات بأسمائها ونفوذها وتفاصيل أكثر، راجع الجدول الخاص بها في ملحق الدراسة.

([2]) فابريس بالونش، تنامي خطر اندلاع مواجهة دولية في البادية السورية، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، 29/5/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/AqmMq4

([3]) 12 قاعدة عسكرية أمريكية في العراق ..الغايات والأبعاد، موقع عربي 21، 16 مارس 2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/mhcezo

([4]) تركيا تكشف معلومات سرية عن 10 قواعد أمريكية في سوريا، موقع روسيا اليوم، 19/7/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/kvPQBz

([5]) البادية السورية: قاعدة الزكف "الأميركية" لإفشال المشروع الإيراني؟، موقع جريدة المدن، 6/6/2017، متوافر على الرابط التالي: https://goo.gl/CJtQhz

([6]) صراع أميركي ـ إيراني على «البادية السورية» بانتظار تفاهمات مع روسيا، موقع جريدة الشرق الأوسط، 8/6/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/5WkFZs

([7]) البادية السورية: قاعدة الزكف "الأميركية" لإفشال المشروع الإيراني؟، موقع جريدة المدن، مرجع سبق ذكره.

([8]) قاعدة روسية تدخل الصراع الأميركي ـ الإيراني على «البادية السورية»، موقع جريدة الشرق الاوسط، 26/6/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/5zdeSC

([9]) صراع أميركي ـ إيراني على «البادية السورية» بانتظار تفاهمات مع روسيا، موقع جريدة الشرق الأوسط، مرجع سبق ذكره.

([10]) قاعدة روسية تدخل الصراع الأميركي ـ الإيراني على «البادية السورية»، موقع جريدة الشرق الاوسط، مرجع سبق ذكره.

([11]) التحالف يقصف قافلة لميلشيات إيرانية فيها 60 مقاتلاً جنوب سوريا.. ثاني ضربة أمريكية لها بأقل من شهر، موقع السورية نت، 6/6/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/J3vgrI

([12]) مؤشرات بداية مواجهات عسكرية مباشرة روسية أمريكية على أرض الشام من يركب سياسة حافة الهاوية حتى النهاية ؟، موقع رأي اليوم، 8/6/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/CDwBXU

([13]) قاعدة روسية تدخل الصراع الأميركي ـ الإيراني على «البادية السورية»، موقع جريدة الشرق الاوسط، مرجع سبق ذكره.

([14]) البادية السورية: هل قطع النظام طريق المعارضة إلى دير الزور؟، موقع جريدة المدن، 12/6/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/Qqr8mY

([15]) تبعد خربة رأس الوعر، 50 كيلومترا عن دمشق و85 كيلومتراً عن خط فك الاشتباك في الجولان و110 كيلومترات عن جنوب الهضبة. وتبعد 96 كيلومتراً من الأردن و185 كيلومتراً من معسكر التنف التابع للجيش الأميركي في زاوية الحدود السورية -العراقية -الأردنية.

([16]) مجموعة مسلحة سورية تعيد الأسلحة إلى أمريكا، موقع سبوتنيك عربي، 3/8/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/91YUi1

([17]) أنباء عن تشكيل واشنطن "جيشاً وطنياً" لمعركة دير الزور، موقع العربية نت، 5/8/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/sLP52Z

([18]) قوات النظام تدخل مدينة السخنة شرق حمص، وكالة قاسيون للأنباء، 3/8/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/tepwAz

([19]) "اتفاق العكيرشي": "قسد" تُسلم ريف الرقة الجنوبي للنظام، موقع جريدة المدن، 22/7/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/kNPibE

([20])نحو 70 قتيل من قوات النظام والمسلحين الموالين لها وتنظيم “الدولة الإسلامية” خلال 48 ساعة من القتال في البادية السورية، المرصد السوري لحقوق الإنسان، 19/7/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/UAEjhf

([21])نحو 75 قتيلاً وعشرات الجرحى خلال 24 ساعة من العمليات العسكرية في بادية حمص أكثر من نصفهم من قوات النظام والمسلحين الموالين لها، المرصد السوري لحقوق الإنسان، 9/8/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/R6aTj

يعرض هذا التقرير أهم خلاصات المتابعة والرصد اليومي للفعاليات الإعلامية والبحثية الروسية خلال شهر تموز المنصرم، والتي اتضح تركيزها على ثلاثة قضايا، أولها اتفاقات خفض التصعيد وتطوراتها ومدلولات الموقف الأمريكي والإسرائيلي حياله، وثانيها تتبع بعض القضايا والسياسات الأمريكية مثل قضية اتهام روسيا بالتدخل بالانتخابات الأمريكي، وتلمس حدود تغيير سياسة واشنطن في سورية وتفسيراتها، وأولوية محدد "الغاز" في توجهات أمريكا الدولية، أما ثالث هذه القضايا فيتعلق بتقديرات موسكو للموقف القتالي في سورية بدءاً من متابعة التطورات العسكرية ومروراً بنشرات مركز حميميم وانتهاء بملامح السياسة الروسية حيال قوات سورية الديمقراطية.

المتابعة الروسية لتطورات مناطق خفض التصعيد

ركزت الفعاليات الإعلامية الروسية على اتفاقات مناطق خفض التصعيد في سورية، معتبرة إياها مخرجاً مهماً للقاء بوتين وترامب على هامش قمة العشرين، إذ أشار الخبراء الروس إلى أن الاتفاق خطوة لعودة أمريكا للمشاركة في العملية السلمية في سورية وأولها تأييد نتائج لقاءات أستانة. وفيما يلي جملة من التصريحات والتحليلات الروسية حول هذه الاتفاقات:

  • تصريح وزير الخارجية الروسي لافروف: "إن أمريكا وروسيا أخذت على عاتقها تأمين وقف إطلاق النار وتأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى هذه المناطق، وتأمين التواصل بين المجموعات المقاتلة هناك ودعم مركز الرصد الموجود في العاصمة الأردنية وأن إسرائيل والأردن سيشاركون في المحافظة عليه أيضاً. ويدخل في الاتفاق محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة.
  • اعتبار تصريحات وزير الخارجية الأمريكي تيرلسون أن هذا الاتفاق سيفضي في نهاية المطاف إلى ترك الأسد للسلطة، لا يكون له أي أثر طالما لم يتحدث حول كيف ومتى؟ وهذه إشارة لإزالة مصير الأسد من جدول أعمال أمريكا وهو أمرٌ قد يريح موسكو.
  • اعتقاد جون هيرست مدير المركز الأوروبي (المجلس الأوراسي) أن الاتفاق قد أعد مسبقاً بدليل إشراك إسرائيل والأردن. وأوضح الاتفاق أن تمكين وقف إطلاق النار سيتم بداية "بمساعدة الشرطة العسكرية الروسية بالتعاون مع الأردنيين والأمريكان ([1]).
  • استمرار القوات الروسية باتخاذ الإجراءات اللازمة لمصالحة الأطراف المتنازعة، وفي سياق الجولة الخامسة من مباحثات أستانة في بداية شهر تموز تمت الموافقة على حدود ومناطق تخفيف التوتر في ريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية وتستمر المشاورات بشأن منطقة جديدة في ريف إدلب، وعند انتهائها ستعقد المباحثات في الأستانة والمتوقع لها مع بداية آب.
  • يستمر العمل في تثبيت وقف إطلاق النار في المنطقة الجنوبية بناء على الاتفاق الموقع في 7 تموز والذي تضمن التزام الأطراف بوحدة وسلامة الأراضي السورية. إذ حددت الاتفاقية المذكورة المناطق المشمولة بمنطقة تخفيف التوتر بكل من درعا والقنيطرة والسويداء وكذلك قوام القوات المسؤولة عن مراقبة ووقف الأعمال القتالية، ولتحقيق هذا الهدف تم في 21-22 تموز إنشاء ممرين للمرور والتفتيش و10 نقاط مراقبة من قبل الشرطة العسكرية الروسية مع الإشارة إلى أن أقرب نقطة تبعد 13 كم عن خط التماس بين القوات الإسرائيلية والسورية في هضبة الجولان كما تساهم هذه الاتفاقية على إيصال المساعدات وتأمين عودة المهجرين .أبلغنا كل من أميركا والأردن وإسرائيل عبر القنوات العسكرية والدبلوماسية عن وصول قواتنا إلى المنطقة وانتشارها.
  • جرت في مصر مباحثات بين الجانب الروسي والمعارضة السورية تم الاتفاق من خلالها على تفعيل منطقة تخفيف التوتر في الغوطة الشرقية. وفي إطار هذه الاتفاقية تم في 24/7/2017 فتح ممرين للمرور والتفتيش و4 نقاط مراقبة في الغوطة الشرقية من قبل الشرطة العسكرية ([2]).

عموماً، لعل المكسب الروسي الكامن وراء هذه الاتفاقات يتمثل في خلق ظروف تنسيق عمل مشترك مع الولايات المتحدة الأمريكية الذي يبدو أن الملف السوري لديها ليس ذو أهمية، وذلك لتحقيق أمرين: الأول انعكاس هذا الاتفاق إيجاباً على بؤر التوتر مع الولايات المتحدة خارج إطار الملف السوري، والثاني تطويع هذا اللاهتمام الأمريكي لإنجاز مقاربات سياسية متوافقة مع الشروط والأهداف الروسية.

في المقابل تصدر بعض الصحف الروسية مثل (صحيفة ريفان) بأن الموافقة الأميركية على المنطقة الآمنة في الجنوب السوري هي تكتيك مرحلي لتحقيق أهدافها مدعمين هذا الاستنتاج بآراء البروفسور في الجامعة الأميركية في بيروت جمال واكيم في مقال له في صحيفة فارس نيوز، إن موافقة الولايات المتحدة الأميركية على إقامة منطقة آمنة في الجنوب السوري ماهي إلا مناورة منها لإرجاء مخططها الحقيقي لها والمتمثل بإسقاط الأسد ومحاولة لاستعادة دورها الغائب عن الساحة السورية، وأن الاستراتيجية الروسية في سورية منعت الولايات المتحدة من نشر قواعد صواريخها في الأردن بالقدر الكافي لإسقاط الأسد، مضيفاً إن الولايات المتحدة غير مهتمة بقتال تنظيم الدولة قدر اهتمامها بإسقاط الأسد لذلك ستعمد في هذه المرحلة إلى قطع التواصل بين بغداد ودمشق للحد من النفوذ الإيراني في سورية وكذلك تحريك أدواتها في الشمال (الأكراد) ونشر قواعد صواريخها الفعالة والحديثة في تلك المنطقة تمهيداً " لتوجيهها لاحقاً" للجيش السوري حيث سيتأجج الصراع وتكون فرصة لأميركا لتنفيذ مخططاتها([3]).

وفيما يتعلق بالموقف الإسرائيلي، رصدت الصحف الروسية باهتمام واضح هذا الموقف وتطوراته وفق الآتي:

  • انتقاد علني للاتفاق: فعلى الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية قد رحبت بالاتفاق الأميركي الروسي، لوقف إطلاق النار في الجنوب السوري، إلا أن الامتعاض الإسرائيلي منه قد بدأ عبر القنوات الدبلوماسية أولاً، ليظهر إلى العلن مؤخراً بعد محادثات نتنياهو مع الرئيس الفرنسي. حيث أعلن نتنياهو للصحفيين أن أميركا وروسيا لم تراعي المصالح الإسرائيلية في الاتفاق. وأنه ووفقاً لتصريحات نتنياهو فإن نص الاتفاق لم يراعي مصالح "الدولة اليهودية" فمازال حزب الله وإيران قريبين من الحدود الإسرائيلية كما أن مراقبة وقف إطلاق النار يتم عبر الجنود الروس، وإسرائيل تدرك تماماً التحالف القائم بين الروس وكل من حزب الله وإيران في سورية. وفي نفس السياق تحدث الخبير الروسي قسطنطين دوشينكوف عن خيبة أمل إسرائيل في الاتفاق([4]).

والجدير بالذكر هنا، فقد ركزت تلك الصحف على مطالب نتنياهو التي دفع الحكومة الفرنسية على تقديمها للحكومة اللبنانية، حيث طلب من ماكرون إبلاغ سعد الحريري قلق إسرائيل المتزايد من تغلغل النفوذ الإيراني في لبنان ودعمه لحزب الله ومحاولة إقامة مصانع أسلحة في الجنوب اللبناني ملفتاً انتباه الحريري بأن لبنان بغنى عن الصدام مع إسرائيل، كما ذكر نتنياهو بأن حركة حماس قد تبدأ العمل من لبنان أيضاً وبذلك يزرعون بذور حرب كبرى في لبنان([5]).

  • المزيد من الطمأنة الروسية لإسرائيل ورداً على ما نشرته صحيفة هآرتس حول تصريحات نتنياهو وانتقاده للاتفاق الروسي الأميركي، نشرت وكالة تاس الروسية تصريحاً للافروف في مؤتمر صحفي بعد الاجتماع مع أعضاء معاهدة الأمن الجماعي، بقوله بأننا عملنا كل ما بوسعنا لمراعاة المصالح الإسرائيلية في الاتفاقية بين روسيا وأمريكا بخصوص منطقة خفض التوتر في الجنوب السوري ووقف إطلاق النار فيها ([6]).
  • حرية الحركة الإسرائيلية: إذ أعلن افيغادور ليبرمان في لقاء مع الصحفيين في مستعمرة اشكلون بأن الاتفاقية الأميركية الروسية لوقف إطلاق النار في الجنوب لن تمنعنا من حرية الحركة في سورية وفقا لمصالحنا ونحن نحتفظ لأنفسنا بهذا الحق بغض النظر عن الاتفاقية حيث قال: وفقاً للاتفاقية فإنه من المفروض الحفاظ على وقف إطلاق النار بين الجيش السوري وفصائل المعارضة، إلا أن ذلك لم يحصل فمعارك عنيفة جرت على امتداد 20 كم مع حدودنا حتى أن شظايا وقذائف وصلت إلى المواطنين الإسرائيليين في هضبة الجولان، والأمر الأهم المقلق لنا هو التواجد الإيراني والشيعي بالقرب من حدودنا".

تشير تلك المواقف إلى أن اتفاقات وقف التصعيد رغم أهميتها روسياً لكونها جزء رئيسي من مقارباتها لحل الأزمة في سورية، إلا أن عدم صلابة الموقف الأمني الأمريكي أو الإسرائيلي يجعلها تمتلك مؤشرات عدم الاستقرار وبالتالي بقاء احتمالية تهديد "المنجز الروسي"،

متابعات لقضايا وسياسات أمريكية

ركزت الفعاليات الإعلامية والبحثية الروسية على العديد من القضايا والسياسات الأمريكية في المنطقة والعالم، إلا أن أهمها يتمثل في ثلاثة أمور:

أولاً: "الغاز هو الهدف الأبرز وراء حروب الولايات المتحدة"، إذ سلطت صحيفة كمسامولسكايا الضوء على هذا الأمر، مبينة ( وفقاً لميخائيل يكروتين من شركة الطاقة الروسية) أن أميركا تعتمد مبدأ العقوبات أيضاً في حرب الغاز، إذ أن الغاز الروسي عبر الخطوط الممتدة في سيبيريا لا يمكن تصديره إلى الصين دون إعادة تصنيعه من قبل شركات غربية التي لن تستطيع القيام بهذا في ظل العقوبات، وتركز الصحيفة في هذا السياق على حديث وزير خارجية ألمانيا غابرييل ورئيس النمسا كريستيان كيرن في بيان مشترك أنهم ضد فرض الولايات المتحدة العقوبات غير القانونية على الشركات الغربية التي تتعاون مع شركات الطاقة الروسية سواء مالياً أو تقنياً وهذا يتعارض مع السوق التنافسية الدولية وحرية التجارة، وتختم الصجيفة أنه "تحت غطاء العقوبات تسعى أميركا إلى إزاحة موسكو من السوق الأوربية بعد أن بدأت بتصدير الغاز بأسعار مخفضة، هذا باختصار الهدف الأميركي من العقوبات أو الازمات الأخرى التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية"([7]).

ثانياً: "تفاعلات التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية"، حيث أفردت  قناة  РБК التلفزيونية الروسية حلقة تلفزيونية حول ذلك، موضحة أنه انتشرت في الآونة الأخيرة معلومات تفيد أن أعضاء الحملة الانتخابية لترامب حاولوا الحصول على دعم روسيا، وبناءً عليه قام النائب الديمقراطي براد شيرمان ويدعمه آل غرين بإعلان بيان في الكونغرس يطالبان به استجواب الرئيس الأمريكي ترامب بتهمة عرقلة سير العدالة المتعلق بعلاقة أعضاء حملته الانتخابية بروسيا، إذ قال شيرمان في بيانه أننا بذلك سنرغم (حسب البيان) اللجنة القانونية في الكونغرس على استجواب ترامب بتهمة عرقلة العدالة. مضيفاً "أن ترامب لديه شيء ما يخفيه من خلال عزل مساعده للأمن القومي مايكل فيلين وكذلك محادثاته مع مدير مكتب التحقيقات الفدرالي جيمس كومي. كلها أمور تعرقل القضاء وتشكل أساساً للاتهام.  وفي نفس السياق ذكرت محطة أنه بتاريخ 9 حزيران 2017 بأن لقاء جمع كل ابن المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية جيرالد ترامب ورئيس الحملة الانتخابية بول مانا فورت وصهره جارد كوشنير مع المحامية الروسية نتاليا فيلينسكوي، وقد أكد هذا اللقاء صحيفة نيويورك تايمز تحت عنوان (الاتصالات مع الكرملين) وكان ذلك أول تأكيد للقاء مقربين لترامب مع مواطن روسي قبيل الانتخابات الرئاسية([8]).

ثالثاً: السياسة الأمريكية في سورية، وتحت عنوان "هل السياسة الأميركية في سورية تغير حقيقي أم لعبة سياسية؟" حرر إيغور بارينتسيف مقالاً “مرفق بتحليل قائد قوات الدفاع الجوي الروسية السابق سيرغي خاتلييفا عن السياسة الأميركية في سورية تضمن مجموعة من الأسئلة والإجابة عليها وفق الآتي:

  • ذكرت صحيفة الواشنطن بوست أن الرئيس ترامب أعلن منذ فترة عن قيامه بتسليح المعارضة السورية المسلحة التي تقاتل الجيش السوري وتعمل على إسقاط الأسد، وبذلك يكون ترامب مناهضاً لسياسة سلفه أوباما، إلا أن الوضع تغير على خلفية الاتفاق في هامبورغ والمتضمن، واعتبر الكثيرون أن ذلك اعترافاً أميركياً بالدور المحوري لروسيا في سورية كما أنه بداية لبدء تعاون حقيقي بين الدولتين لحل الأزمة السورية.
  • يطرح الكاتب سؤالا" هل يمكن القول بأن تغيراً حقيقياً في السياسة الأميركية في سورية قد حصل؟، وبالتالي اعتراف بشرعية الأسد كرئيس لسورية، واعتبار الاتفاقية تبني لمستقبل علاقة ثنائية بناءة بين الطرفين. يجيب على هذا التساؤل القائد السابق لقوات الدفاع الجوي الروسية الخبير سيرغي خاتلييفا حيث قال: "إن ما يميز السياسة الأميركية ومجتمعها المخابراتي، ومن خلال خبرتنا في التعامل مع الأمريكان فإننا يجب أن نأخذ تصريحات الأميركيين بحذر مع عدم التفاؤل"
  • تعمل واشنطن على خداع العدو بانتظار الوقت المناسب للهجوم أو لضربات جوية جديدة، فقبل القيام بأية عملية سرية جديدة تعمد واشنطن إلى الدهاء من خلال التصريحات الخداعة والكاذبة، كما أننا يجب ألا ننسى تصريحات ترامب غير البعيدة عن موافقة واشنطن على تسليح المعارضة السورية التي تقاتل جيش الأسد وتسعى للإطاحة به، وكذلك الدعم الأميركي للجماعات الكردية السورية، الأمر الذي لا يريح دمشق.

ويكمل المحرر مقالته قائلاً "إذا سلمنا بوجود تحرك يبدو إيجابياً من قبل أميركا إلا أنه بتحليل الوقائع على الأرض نستخلص الآتي "أن حل الأزمة السورية سيستغرق عدة سنوات، بكلمات أخرى يمكننا القول بأنه توجد حركة إيجابية أميركية ولكن كما تعلم أميركا مسبقاً ستكون بدون نتائج، ولمعرفة ذلك بوضوح أكثر يجب أن نطرح الأسئلة التالية: هل يمكن القول إن سورية قد اقتربت ولو بشكل بسيط من الاستقرار؟ هل يمكن الحديث عن توحد السلطتين العسكرية والإدارية؟ هل هناك نمو اقتصادي وعودة إلى الحياة الطبيعية؟ فالإجابة على هذه الأسئلة هو بـ (لا) ولن يتم في السنوات العشر القادمة، وهنا يمكن الحديث وبغض النظر عن التنازل الأميركي الظاهري فإنهم لن يغيروا موقفهم ويبقى هدفهم الأول استمرار الاضطرابات في سورية خاصة والشرق الأوسط بشكل عام"([9]).

الموقف القتالي في سورية خلال شهر تموز 2017

  • قدم رئيس إدارة العمليات العامة الفريق أول سيرغي روتسكوي تقريراً عن آخر التطورات القتالية في سورية متحدثاً عن إنجازات القوات الروسية ومركز المصالحة في سورية خلال شهري تموز وحزيران وفق الآتي:
  • ساهم وقف إطلاق النار ودعم القوات الجوية الروسية في تعزيز قدرة القوات السورية التي استطاعت إرسال تعزيزات إلى مناطق الاشتباكات المتعددة، ففي بداية التدخل الروسي كانت القوات السورية تسيطر على 19 ألف كم2، فيما تسيطر الآن على 74.2الف كم2 من الأراضي.
  • نفذت القوات الجوية الروسية 2010 طلعة قتالية وتم توجيه 5850 ضربة جوية على مقرات القيادة ومستودعات الذخيرة والأسلحة ومراكز تدريب المسلحين.
  • توجيه ضربات من أسلحة ذات الدقة العالية ومن القاذفات الاستراتيجية على تنظيم الدولة حيث دمرت 10 منشآت للتنظيم، معظمها في ريف حمص الشرقي ومحافظة دير الزور، فيما تستمر المعارك بريف الرقة الجنوبي بالقرب من نهر الفرات من بداية حزيران حيث تم السيطرة على 55 قرية.
  • في تدمر تم تحقيق نجاحات أيضا باستعادة حقل الشاعر النفطي ومحطة T3 ويستمر الهجوم باتجاه السخنة أما في ريف تدمر الشمالي فتستمر قوات النظام بمحاولة التقدم نحو بلدة عقيربات.
  • أكد سيرغي روتسكوي في نهاية حديثه أن هذه النجاحات ما كانت لتتحقق لولا التعاون والتنسيق الكبير بين القوات الروسية والقوات السورية، وستستمر هذه العمليات "لتطهير الأراضي السورية من إرهابيي داعش وجبهة النصرة وعودة السلام إلى الأراضي السورية([10]).

كما يشير التقرير الصادر عن "غرفة حميميم" بتاريخ 24/7/2017 أن مناطق خفض التصعيد باتت مناطق مستقرة، وبيّن هذا التقرير ما يلي:

  • رصدت اللجنة الروسية ثلاث خروقات لوقف العمليات القتالية خلال ال 24 ساعة في محافظة دمشق، بينما اللجنة التركية رصدت خرقين في محافظة دمشق. وتشكل تلك الخروقات رمايات عشوائية من الأسلحة التقليدية من مناطق سيطرة جبهة النصرة وتنظيم الدولة.
  • تنفيذ عمليات مساعدة إنسانية: 3 عمليات في مدينة حلب 3.6 طن مياه للشرب مواد غذائية، شملت 1130 شخصاً وبلغ مجموع العمليات 1524 عملية، كما تم تقديم المساعدة الطبية 277 شخص من الأطباء الروس، وفيما يتعلق بمجال التعاون مع الأمم المتحدة تم إسقاط 21 طن من المواد الغذائية في دير الزور بواسطة المظلات.
  • لم يتم توقيع أية اتفاقيات جديدة في مجال المصالحة بين الأطراف المتنازعة أو الانضمام إلى وقف العمليات القتالية، ونوه التقرير أنه قد بلغ مجموع المراكز السكنية المنضمة لوقف الأعمال القتالية 2043 مركز سكني، وتستمر المفاوضات لضم فصائل مسلحة لوقف إطلاق النار في كل من حلب دمشق حماه حمص القنيطرة. مجموع الفصائل الملتزمة بقف العمليات القتالية 228.

وفيما يتعلق بالحركية الروسية بخصوص الأكراد، فقد حذرت روسيا الأكراد بضرورة مغادرة خمس مدن وقرى في ضواحي حلب لسببين: الأول فتح طريق حلب إدلب والثاني لإيصال المساعدات وسحب ذريعة تركيا لمهاجمة الأكراد في عفرين، وفي هذه المواقع بالذات (وفقاً للروس) تريد تركيا "إقامة ثلاث قواعد عسكرية ليتاح لها مهاجمة الأكراد تحت ذريعة محاربة الإرهاب"، وهذا ما تم الاتفاق عليه في عفرين. وكما تفيد الصحيفة فإن روسيا تقصد من وراء ذلك "وقف المزيد من إراقة الدماء الكردية في عفرين".

وتدل هذه التنبيهات على أن موسكو تولي المزيد من الاهتمام في هذه المنطقة وهذا ما سيدركه الأتراك، وبالتالي وفقاً للصحيفة فإنه "قد تبتعد تركيا عن إقامة قواعد عسكرية فيها"، ومن جهة أخرى "يجب على الأكراد أن يعرفوا أن هذه المنطقة ستحرر وتعود للجيش السوري في وقت ما"، لذلك يجب عليهم اغتنام فرصة العرض الروسي، لأن الأكراد يعلمون أن YPG هو الجناح العسكري للمجلس الكردي الأعلى الذي تعتبره تركيا جزء "من حزب العمال الكردستاني وبالتالي ستتعرض للهجوم التركي.

وفي إطار هذا الموقف وعملية التدخل العسكري الروسي في سورية، رصد هذا التقرير اعتراض عضو مجلس الدوما الروسي ايغور سوخاروف على هذه قائلاً: "هل نفقات العملية العسكرية الروسية في سورية أهم من دفع ورفع رواتب الأطباء الروس متابعاً بأنه طالما العملية مستمرة فإن الحكومة تتكبد نفقات كبيرة جراءها.  آثارت هذه التصريحات حفيظة عدد من المراكز البحثية والخبراء العسكريين وتنافسوا في الرد على المذكور، مستندين على توضيح بوتين مع بدء العملية أن ليس لها من نفقات إضافية لأن مخصصات التدريب حولت لصالح العملية، وممن تطوعوا للرد على عضو المجلس بليخانوف مدير كلية العلوم الاجتماعية والسياسية في جامعة الاقتصاد في موسكو وكذلك الخبير العسكري ألكسندر بيريندجييف واللذين وصفا التصريحات بالمحرضة وتحريض الشعب الروسي ضد العملية متسائلين: لماذا يطلق العضو هذه التصريحات ومن الذي فوضه بذلك؟ أو ماذا يريد من وراء ذلك؟ مستنتجين أن مثل هذه التصريحات تحرض الرأي العام ضد العملية وأنها تدخل في سياق الحقد فقط. لأن زاخاروف كعضو مجلس الدوما لا يعمل من أجل وحدة الشعب والمجتمع والاستقرار وبذلك يكون بشكل طبيعي ضد مصالح الدولة بما فيها الحرب على الإرهاب. كما قال بوريس دولغوف عضو رئيسي في مركز الدراسات العربية والإسلامية التابع لمعهد الدراسات الشرقية إن العملية ليست ضرورية فقط ولكن لابد منها لأنه بدونها لا يمكن القضاء على الإرهاب الإسلامي المتطرف وبالتالي لا يمكن المحافظة على المصالح القومية لروسيا. أما عن ربط العملية بالرواتب التي يتقاضاها الأطباء أو غيرهم فهو غير معقول متسائلاً هل عدم وجود العملية سيؤدي إلى دفع إو رفع رواتب الأطباء أو غيرهم وهذين شيئين مختلفين تماماً وهذا يدخل ضمن العدالة الاجتماعية، مضيفاً وقد تحدث كثير من الأعضاء سابقاً عن ضعف الرواتب دون ربطها بالعملية في سورية([11]).

على الرغم من أن تلك النجاحات والتقدمات العسكرية ساهمت في تغيير العديد من المعطيات الميدانية لصالح تعديل كفة النظام، إلا أن إغفال الإعلام الروسي لعدم قدرة النظام على الحفاظ على هذه المكتسبات أو استطاعته فتح جبهات بمفرده يساهم في عدم إيصال حقيقة البنية العسكرية المتهاوية للنظام والتي يدعمها الروس، وحتى في حال ظهور أصوات روسية معارضة لهذه العملية تنبري العديد من الفعاليات للرد عليه ونقده، ورغم ذلك فإن تلك الأسئلة وغيرها مما يتعلق باستراتيجية الخروج الروسي سياسياً من سورية ستبقى تفرض نفسها على عملية التدخل التي طالما أنها تغيب ضرورة إعادة تعريف موسكو للأزمة في سورية ستبقى كل "منجزاتها" قلقة وتزيد من حجم وعمق انخراطها وما يحتويه من تحديات.

خاتمة

يدلل هذا التقرير على أن تركيز الفعاليات الروسية منصبة بدرجة رئيسية على سياسة الولايات المتحدة في سورية على وجه الخصوص سواء فيما يرتبط بقياس أي مؤشر دال على تغيير ما في هذه السياسة، رغم قناعتهم بأن واشنطن  تنتهج سياسات الخداع والتضليل  وأن جميع ما تم من ترتيبات لا تنذر بتغيير حقيقي في خارطة الأهداف الأمريكية في سورية، خاصة إذا ما تم ربط هذه السياسة بسياسة العقوبات الاقتصادية، والأزمة الدبلوماسية، وما يرشح من ملف اتهام موسكو بالتدخل في الانتخابات الأمريكية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يبين  التقرير تقدير موسكو القتالي في سورية والذي يصدر صورة الاقتراب من تحقيق المقاربة الروسية بعد عملية التطويع العسكري واستثمار معادلات الميدان في السياسية، ويغفل هذا التقرير ضرورة اتساق هذه الحركية مع بنية الحليف وقدرته على القيام بوحده بوظائف عسكرية وأمنية، وهو ما من شأنه زيادة عمق الانخراط وتزمينه.


  1. صحيفة نيزافيسيمايا بتاريخ 8/7/ 2017، https://goo.gl/nfHTko
  2. المصدر: صحيفة ريفان 14/7/2017، https://goo.gl/qkFJh7
  3. المصدر: صحيفة بليت اكسبورت تاريخ 16/7/2017، https://goo.gl/C4n9Px
  4. صحيفة بليت اكسبورت تاريخ 15/7/2017، https://goo.gl/k52MiF
  5. صحيفة (إسرائيل انفو) بتاريخ 16/7/2017 و 17/7/2017، https://goo.gl/fekZDT
  6. روسيا اليوم 17/7/2017، https://goo.gl/Aj4gxv    
  7. صحيفة كمسامولسكايا برافدا تاريخ   24/6/ 2017، https://goo.gl/NzHSNT
  8. محطة القناة التلفزيونية الروسية РБК بتاريخ 9 حزيران 2017، https://goo.gl/rTdNhK
  9. وكالة نوفوستي بقلم ايغور بارينتسيف تاريخ 21/7/2017)،  https://goo.gl/wD4UM1
  10. تقرير غرفة حميم في 24/7/2017، https://goo.gl/CEq4py
  11. وكالة نوفوستي الإخبارية تاريخ312/7/2017، https://goo.gl/rGjfY2

ملخص تنفيذي

  • اكتسبت مساعي الدفع الروسية لاتفاقيات التهدئة زخماً عقب انتكاسة حلب، وحدوث انزياحات في المواقف الدولية والإقليمية تجاه الملف السوري.
  • غُيبت المجالس المحلية عن اتفاقيات التهدئة الأولى، بحكم غلبة الاعتبارات الأمنية ذات الصلة بمكافحة الإرهاب وتلك العسكرية المتصلة بوقف العمليات العسكرية، في حين برز دورها وبشكل ملحوظ في اتفاقي عمان والقاهرة نتيجة غلبة الاعتبارات الخدمية والإنسانية المفضية لإعادة الاستقرار.
  • يشكل حضور المجالس المحلية في اتفاقيات التهدئة فرصة سياسية يمكن استغلالها للدفع بمشروعها، لكنها بالمقابل تجد نفسها مهددة بمقاربات مصلحية أو إقصائية تستهدف تواجدها ودورها على المدى البعيد، كما تجد نفسها محاطة بكم من الاستحقاقات الكبيرة التي تفرضها اتفاقيات التهدئة.
  • يوجب تحصين المجالس المحلية ضد المخاطر والتحديات الناشئة عن اتفاقيات التهدئة، العمل على ثلاثية متكاملة تشمل الخدمات والشرعية والأمن، ويشكل نجاح المجالس في التصدي لاختبارات التهدئة مكسباً لها على طريق الدفع بمشروعها الوطني القادر على جسر هوة الانقسام المجتمعي، وإعادة لحم الجغرافية السورية وتوطين الدولة فيها.

تمهيد

أثمر الانخراط الروسي المدعم بأدوات عسكرية وأخرى سياسية في سورية عدداً من اتفاقيات التهدئة بمسميات عدة "وقف إطلاق النار، وقف الأعمال العدائية، تخفيف التوتر"، كانت بدايتها الاتفاق الروسي _ الأمريكي لوقف الأعمال العدائية في سورية (22-2-2016)، ليعقبه الاتفاق الروسي _ الأمريكي الثاني لوقف الأعمال العدائية (9-9-2016)، لتكتسب هذه الاتفاقيات زخماً عقب انتكاسة الفصائل العسكرية في حلب الشرقية (13-12-2016)، وحدوث انزياحات في المواقف الدولية تجاه الملف السوري، حيث تمكنت روسيا من عقد أربعة اتفاقيات تهدئة في الفترة الممتدة بين كانون الأول 2016- إلى تموز 2017 وهي: اتفاق أنقرة لوقف إطلاق النار (30-12-2016)، مسار الأستانة واتفاق مناطق تخفيف التصعيد (4-5-2017)، اتفاق الجنوب "عمان" (8-7-2017)، وأخيراً وليس آخراً اتفاق تخفيف التوتر في الغوطة الشرقية "القاهرة" (22-7-2017).

وعلى الرغم من فشل بعض هذه الاتفاقيات، لا تزال أخرى قائمةً تحت الاختبار في ظل مؤشرات حول إمكانية استمراريتها وتطورها، الأمر الذي يوجب البحث عن تموضع القوى الفاعلة في الترتيبات الناشئة عن هذه الاتفاقيات، وفي مقدمتها المجالس المحلية المعارضة والتي يقدر عددها بــ 404،  وذلك من خلال استعراض حضورها في نصوص اتفاقيات التهدئة، وطبيعة المهام والاستحقاقات الملقاة على عاتقها، وماهية التحديات التي تعترض دورها واستمراريتها كبنى إدارية، وصولاً إلى اقتراح جملة من التوصيات لتمكين المجالس وتعزيز دورها في مرحلتي التهدئة وكذلك الانتقالية.

المجالس المحلية في اتفاقيات التهدئة: حضور متنامي لدور يراد تطويعه

تدرك روسيا الطبيعة المركبة والمعقدة للأزمة السورية الناجمة عن انخراط القوى الإقليمية والدولية وتضارب مصالحها، إضافةً إلى تشابك الأزمات الاجتماعية والإنسانية والأمنية والاقتصادية وكذلك السياسية المولدة للأزمة، واستناداً لما سبق يمكن تحديد الملامح العامة للمقاربة الروسية لتسوية الأزمة، بمحاولات موسكو تبريد الأزمة وصولاً إلى حلها من خلال تفكيكها إلى مسارات متعددة تجنباً للتعقيد، وبما يمنحها القدرة على الحركة وتجنب تضارب المصالح بين القوى الفاعلة وتحقيقاً للتوازن فيما بينها، وذلك بالإقرار بمصالحها في الجغرافية السورية من خلال اتفاقيات جزئية تشكل أرضية للحل السياسي على المستوى الكلي.

وإن كانت روسيا تدرك أهمية إشراك فصائل المعارضة العسكرية في الترتيبات الأمنية والعسكرية الناشئة عن تلك الاتفاقيات، فإنها لم تغفل أهمية إشراك المجالس المحلية في الترتيبات الخدمية والإدارية لاتفاقيات التهدئة، ولكن بعد تطويع دور كل منهما بما يتسق مع رؤيتها للحل في سورية.

غلبت الاعتبارات الأمنية والعسكرية على اتفاقي التهدئة الروسي _ الأمريكي، حيث انصب تركيزهما على إيجاد ترتيبات عسكرية لتجنيب الطرفين مخاطر الانزلاق لصدام عسكري، وأخرى أمنية تتصل بعمليات مكافحة الإرهاب في الجغرافية السورية، الأمر الذي يفسر غياب المجالس المحلية في نص كلا الاتفاقيتين، ومحدودية دورها في الترتيبات الميدانية لصالح التركيز أكثر على الفصائل العسكرية.

استمر تغييب المجالس في نص اتفاق أنقرة المؤسس لانطلاق مسار الأستانة (23-1-2017)، إذ نص الاتفاق على وقف إطلاق النار وتشكيل وفد تفاوضي من ممثلي الفصائل العسكرية الموقعة على الاتفاق، تمهيداً لانخراطها في مفاوضات مع ممثلي النظام بغية التوصل لحل سياسي، على أن يتم ذلك بضمانة روسية وتركية، لتقوم موسكو قبيل انطلاق مؤتمر الأستانة بالإفصاح عن نيتها القبول بمجالس محلية منتخبة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، على أن تدار من ضامني اتفاق أنقرة ([1])، وهو ما يمثل تحولاً في الموقف الروسي من رفض التعامل مع المجالس واتهامها بتأجيج العنف ([2])، إلى القبول بها، الأمر الذي يفسر بإعادة تعريف موسكو لأدوار قوى المعارضة عقب انتكاسة حلب بما يتسق مع رؤيتها لتسوية الصراع، وهنا  تدرك روسيا واقعية طرح المجالس في ظل تفتت سلطة المركز على عدد من مناطق النفوذ، كما تعي أهميتها في تدعيم بنية الدولة السورية، وإنجاز الاستحقاقات الخدمية لاستعادة الاستقرار، علاوةً على رغبتها في الارتكاز عليها لشرعنة اتفاق الحل السياسي([3]).

برزت مؤشرات على تبلور الطرح الروسي للمجالس بحسب ما أفادت به مصادر صحفية، لجهة عزم موسكو تقديم مقترح مكمل لاتفاقية مناطق تخفيف التصعيد يتضمن، إنشاء مناطق إدارة محلية (حكم ذاتي) على شكل مجالس محلية تدعم من قبل الدول الضامنة للاتفاق ومن الحكومة المركزية أيضاً ([4])، وذلك بغية تسهيل تطبيق الترتيبات المنصوص عليها في الاتفاق، وتمهيداً لإنجاز رؤيتها للامركزية المتضمنة في مقترحها للدستور السوري ([5]).

لم تطرح موسكو أي مبادرة رسمية بهذا الخصوص بخلاف ما ذهبت إليه المصادر الصحفية، وهو ما يمكن أن يفسر برغبتها في إنضاج الشروط الموضوعية لهكذا طرح، من خلال استكمال اتفاقيات التهدئة وتقاسم النفوذ والترتيبات ذات الصلة في مناطق أخرى "الجنوب، الغوطة الشرقية، ريف حمص الشمالي، البادية"، إضافةً إلى سعيها لتجاوز معارضة النظام وإيران لهذا الطرح، علاوةً على رغبتها في فتح قنوات تواصل مع المجالس قبل طرح أي مبادرة بشأنها.

شكلت مذكرة تفاهم الجنوب بين روسيا وأمريكا والأردن، وكذلك اتفاق تخفيف التوتر في الغوطة الشرقية "القاهرة" الموقع بين ممثلين عن وزارة الدفاع الروسية والفصائل السورية المعتدلة في الغوطة الشرقية وبوساطة مصرية، تطوراً ملحوظاً لجهة تضمين المجالس المحلية في نصي كلا الاتفاقين، والتأكيد على دورها في إنجاز الترتيبات الناشئة، حيث نص اتفاق الجنوب على تواجد المجالس في المنطقة المشمولة بالاتفاق، على أن يتم العمل وفق آليات تنفيذية على تسهيل دخول المساعدات الإنسانية وعودة اللاجئين من الأردن، مع القبول بتواجد رمزي للنظام في المؤسسات العامة ([6])، على أن يدار المعبر الحدودي من قبل إدارة مشتركة بين النظام والمعارضة. كذلك أكد اتفاق القاهرة على إدارة شؤون مدن وبلدات الغوطة الشرقية بواسطة مجالس محلية مشكلة من قبل سكانها، إضافةً إلى تشكيل مجلس العدالة الوطنية لتسوية الخلافات بشكل سلمي بين الأهالي.

تنبهت روسيا الاتحادية إلى الأهمية التي تتمتع بها المجالس المحلية، وما تحوزه من نقاط قوة تجعلها فاعلاً رئيسياً في الترتيبات المفضية لاستعادة الأمن والاستقرار في مرحلتي التهدئة وكذلك الانتقالية، الأمر الذي يفسر تحول موقف موسكو تجاهها ورغبتها في تطويعها بما يتسق مع رؤيتها لتسوية الصراع.

مخاطر واستحقاقات اتفاقيات التهدئة على المجالس المحلية

يشكل حضور المجالس المحلية في اتفاقي عمان والقاهرة لتخفيف التوتر فرصة سياسية يمكن استغلالها للدفع بمشروعها، إلا أن ذلك لا يخفي المخاطر المحدقة بها والناجمة عن مقاربات القوى لدورها، حيث تميل مقاربة الدول الداعمة للمجالس إلى التحكم بها وتحويلها لوكلاء محليين ليس إلا، وأداتهم في ذلك التمويل لتطويع المجالس بما يضمن حضورهم في ترتيبات التهدئة وتلك الخاصة بالمرحلة الانتقالية من بوابة السياسة المحلية. بينما تسعى المقاربة الروسية لتوظيف المجالس ضمن رؤيتها القائمة على تدعيم النظام القائم واستعادة الدولة السورية وفق شكل من أشكال اللامركزية، وأدواتهم في ذلك اتفاقيات التهدئة والضغط العسكري على مناطق المجالس.

بالمقابل يستهدف النظام نسف المجالس المحلية غير التابعة له واستعادة البنى الإدارية القديمة الموالية له، ويفسر إصراره على ذلك بتخوفه من قدرة المجالس على إيجاد مجال عام ديمقراطي لطالما سعى إلى إجهاضه، أما سياسته في تصفية المجالس فتقوم على القبول بها بحكم المضطر مبدئياً، ثم ممارسة الضغوط الخدمية والأمنية عليها بهدف انهاكها بما يفضي بالضرورة إلى ضعفها وتلاشيها.

كذلك تفرض اتفاقيات التهدئة عدداً من الاستحقاقات الكبيرة على المجالس المحلية وفي مقدمتها:

  • معالجة ملف عودة النازحين واللاجئين لمناطق تخفيف التوتر وما يطرحه من مطالب اجتماعية واقتصادية وإنسانية.
  • التعاطي مع الاستحقاق الخدمي وما يتطلبه من موارد مالية كبيرة تفتح الباب مشرعاً أمام انكشاف المجالس على شروط المانحين أو الضغوط الروسية لتتبيعها للحكومة المركزية لنيل الدعم.
  • المطالب الناشئة عن إعادة اشتقاق شرعيتها لتمثل جميع شرائح المجتمع الجديد (المواليين، النازحين، المهجرين، النساء، الشباب).
  • تعزيز الإدارة الرشيدة واستقطاب الكفاءات التخصصية بما يزيد من فاعليتها على الاستجابة أكثر للاستحقاقات التي تفرضها مرحلة التهدئة وما بعدها.
  • إدارة العلاقات مع الفصائل العسكرية المعتدلة القائمة في مناطق تواجدها، والتي يتوقع أن يزداد انخراطها في الجانب المدني في إطار مسعاها لتحصيل الموارد (الضرائب المحلية، أموال إعادة الإعمار) والشرعية لضمان استمراريتها، إضافةً إلى التعاطي مع إشكالية القوى الجهادية القائمة في مناطقها، والتي يتأتى خطرها من تهديدها للمجالس وإعاقة دورها من جهة، وتوظيفها كحجة من قبل النظام وحلفائه للتملص من اتفاقيات التهدئة والتصعيد بحق مناطق المجالس من جهة أخرى، كما يرجح ذلك في محافظة إدلب والغوطة الشرقية.
  • مدى قدرة المجالس على الدفع بمشروعها الوطني القائم على اللامركزية الإدارية الموسعة في ظل طغيان مقولات إعادة إنتاج المركز أو التقسيم.

تمكين المجالس المحلية: ثلاثية الخدمات والشرعية والأمن

تفرض اتفاقيات التهدئة نفسها على المجالس المحلية بما تثيره من مخاطر واستحقاقات، توجب على المجالس التعاطي معها بوعي قادر على تحويل مكامن الخطر إلى فرص ومكاسب، تمكنها من دفع مشروعها وتجاوز مقاربات تصفيته أو تطويعه، الأمر الذي يتم بداية بإدراك المجالس لنقاط قوتها المتمثلة بــ:

  • حاجة القوى الإقليمية والدولية للمجالس كإحدى آليات تنفيذ ترتيبات التهدئة، وذلك نظراً للخبرة التي راكمتها خلال الصراع في إدارة الأزمات الخدمية والإنسانية.
  • شرعية المجالس المستمدة من تمثيلها للسكان المحليين، وإدارة شؤونهم وتلبية احتياجاتهم وفق إمكانياتها.
  • تبنيها لطرح اللامركزية الإدارية الموسعة الذي يمثل حالة وسطية بين ضدين مهلكين للدولة والمجتمع السوريين (المركزية، الفيدرالية غير التوافقية).

وفي سبيل تعزيز نقاط قوة المجالس المحلية بما يمكنها من انجاز الاستحقاقات التي تفرضها اتفاقيات التهدئة، ويقيها مخاطر المقاربات السلبية (التوظيف المصلحي، الإقصاء) التي تتهددها، فإن ينصح بالعمل على المحاور التالية:

  1. الخدمات: يتحدد دور المجالس المحلية ومستقبلها بمدى قدرتها على إنجاز الاستحقاقات الخدمية والإنسانية الناشئة عن اتفاقيات التهدئة، وفي سبيل تمكين المجالس من الأدوات القادرة على أدائها لهذه الاستحقاقات، فإنه ينصح بالعمل على النقاط التالية:
  • تعزيز تماسك المنظومة الإدارية التي تنتمي لها المجالس المحلية، من خلال تعزيز العلاقات البينية بين المجالس الفرعية ومع مجالس المحافظات والحكومة المؤقتة باعتبارهما المنظومة الإدارية التي تتبع لها المجالس المحلية، بما يقيها محاولات إلحاقها بمؤسسات النظام.
  • تحقيق الاستقرار المؤسساتي للمجالس المحلية من خلال زيادة مدة ولايتها، ورفدها بمنهجية متكاملة لبناء قدراتها.
  • توفير الدعم اللوجستي والفني للمجالس المحلية، خاصة فيما يتصل بتأمين الآليات والمعدات والتجهيزات المكتبية.
  • تعزيز احترافية المجالس في توفير الخدمات لجميع السكان دون تمييز، وذلك بالاعتماد على كوادر تخصصية، مع التأكيد على قيم الشفافية والتشاركية والحرفية في توفير الخدمات.
  • التأكيد على دور المجالس المحلية كجهات شرعية لها الحق الكامل في إدارة شؤون مناطقها وتنفيذ ترتيبات التدخل الخدمي والإنساني المنصوص عليها في اتفاقيات التهدئة.
  1. الشرعية: تشكل الشرعية إحدى مرتكزات القوة التي تستند إليها المجالس، وفي إطار تعزيز شرعيتها فإنه ينصح بالعمل على:
  • التأكيد على الانتخابات كآلية مؤسساتية وقانونية لتشكيل المجالس المحلية المنتهية ولايتها.
  • تجنب إقصاء الشرائح المجتمعية (المرأة، النازحين، المهجرين، الشباب، المواليين) في عمليات تشكيل المجالس، وهو ما يتم بتنظيم المجالس للسجل المدني والانتخابي، بشكل يضمن لكافة شرائح المجتمع المشاركة في عملية انتخاب المجالس المحلية.
  • إنشاء قنوات ومنتديات للحوار المجتمعي بين المجالس والفاعلين محلياً، بغية تعزيز التواصل فيما بينهم وتنسيق الأدوار، وتسوية ما قد ينشئ بينهم من خلافات.
  • دعم تشكيل مبادرات مدنية من مهامها الرقابة على أعمال المجالس وحشد التأييد لها بين السكان.
  • تأكيد المجالس على الدول الضامنة لاتفاقيات التهدئة بضرورة الإقرار بحالة الأمر الواقع للمجالس، وبأن لا يخضع تواجدها أو شرعيتها أو توفير الحماية لها لاعتبارات التفاوض السياسي.
  1. الأمن: يشكل ملف الأمن المحلي إحدى هواجس المجالس المحلية، وذلك لإدراكهم للانعكاسات السلبية لحالة الفلتان الأمني على دورهم واستمراريتهم، فضلاً عن كونه مدخلاً للقوى التخريبية الساعية لنسف اتفاقيات التهدئة (النظام، إيران وميليشياتها الطائفية، القوى الجهادية)، ولمعالجة هذا الاستحقاق فإنه ينصح بالعمل على:
  • إعداد قوى شرطة محلية على أن ترتبط بالمجالس المحلية.
  • بناء شبكة إنذار وتدخل لمواجهة التهديدات الأمنية تضم كلاً من الشرطة المحلية والمجالس والفصائل العسكرية.
  • وضع ميثاق عمل يحدد دور ومسؤوليات الفصائل والمجالس في ملف الأمن المحلي.
  • مطالبة المجالس المحلية للدول الضامنة لاتفاقيات التهدئة بضرورة تحييدها عن العمليات العسكرية التي ستستمر بحجة مكافحة الإرهاب، وتوفير الضمانات الأمنية اللازمة لها لممارسة وظائفها بحرية.

الخاتمة

فرضت اتفاقيات التهدئة نفسها على المجالس المحلية، وتميل المؤشرات ذات الصلة إلى ترجيح استمرارية هذه الاتفاقيات والبناء عليها سيما في ظل الدفع الروسي الحثيث لها لتصب في رؤيتها لحل الأزمة السورية، وفي حين غُيبت المجالس عن اتفاقيات التهدئة الأولى لصالح الفصائل العسكرية بحكم غلبة الاعتبارات الأمنية والعسكرية ذات الصلة بمكافحة الإرهاب ووقف إطلاق النار، تم التأكيد على دورها في اتفاقي عمان والقاهرة للتهدئة، بما يعكس إدراك القوى المنخرطة في تلك الاتفاقيات للقيمة المضافة للمجالس في إنجاز ترتيبات إعادة الاستقرار.

وعلى الرغم مما يمثله ذلك الحضور من مكاسب سياسية وميدانية للمجالس، تجد المجالس نفسها مهددة بمقاربات مصلحية أو إقصائية تستهدف تواجدها ودورها على المدى البعيد، كما تجد نفسها محاطة بكم من الاستحقاقات الكبيرة التي تفرضها اتفاقيات التهدئة. وأمام هذا الواقع الجديد وما يفرضه من تحديات ومخاطر، وسعياً لتعزيز نقاط القوة التي تتمتع بها المجالس، ودفعاً لمشروعها الوطني القادر على جسر هوة الانقسام المجتمعي، وإعادة لحم الجغرافية السورية وتوطين الدولة فيها، ينصح بالعمل على ثلاثية متكاملة تشمل الخدمات والأمن والشرعية.


([1]) روسيا تقترح مجالس محلية بمناطق سيطرة المعارضة السورية، العربية نت، تاريخ 27-12-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/5ZesvD

([2]) زاخاروفا: قطر لم تعد ممولا رئيسيا للمجالس المحلية بحلب، قناة روسيا اليوم، تاريخ 8-11-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/uGBZlN

([3]) Anton Mardasov. Why Moscow now sees value in Syrian local councils. Date: 20-2-2017. Link: https://goo.gl/xYr57E

([4]) كامل صقر، موسكو ستقترح إنشاء مجالس محلية مدعومة من الحكومة المركزية السورية في مناطق تخفيف التوتر، القدس العربي، تاريخ 6-5-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/KMp2fj

([5]) المواد من 34 إلى 47 الناظمة لجمعية الشعب وجمعية المناطق، للمزيد مراجعة مقترح روسيا للدستور السوري، رابط https://goo.gl/ivPtd2

([6]) إبراهيم الحميدي، اتفاق أميركي ـ روسي على إبعاد إيران عن الأردن، جريدة الشرق الأوسط، تاريخ 22-6-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/BFZhh8