مركز عمران للدراسات الاستراتيجية - Displaying items by tag: الأستانة

تتسارع الأحداث والترتيبات باتجاه اقتراب بدء النظام وحلفائه فتح معركة إدلب. كما تتباين فيها السيناريوهات المتوقعة بحكم اختلاف المقاربات الأمنية لفواعل الأستانة من جهة؛ واحتمالات المشهد العسكري وانزلاقاته المتوقعة من جهة ثانية. لذا يستعرض تقدير الموقف هذا السياق السياسي والعسكري المفضي لهذه المعركة؛ ويتلمس ويختبر ملامح التفاهم ما بين دول الأستانة وحدوده وأثره على تغليب إحدى السيناريوهات. كما يوضح هذا التقدير في هذا السياق المتسارع ملمح الخيار الأنجع للقوى والفواعل المحلية والمتمثل في تمتين الجبهة المحلية عبر الانتقال من صيغ الإدارة المحلية إلى صيغ الحكم المحلي المنضبط.

سياق المعركة المحتملة: هدفٌ روسي دقيق الأدوات

شكّل اجتماع سوتشي بمخرجاته في مطلع هذا العام انعطافة محورية في حركية العملية السياسية المتعثرة بالأساس؛ إذ حدد أولوياتها واختصرها بعملية دستورية وانتخابات كما أرادها الروس. إلا أن هذه الانعطافة سبقتها مُحددات سياسية فرضتها الدول الخمسة (أمريكا وفرنسا وبريطانيا والسعودية والأردن) في مخرج اللاورقة في باريس. ورغم أن مضمون اللاورقة لا يختلف مع الطرح الروسي إلا أنها أكّدت على مركزية الأمم المتحدة في هذه العملية واعتبرتها المرجعية الرئيسية بشكل يُعيق الطموح الروسي في استحواذه التام على المرجعية السياسية. وشكَّل ذلك التأكيد دافعاً إضافياً لروسيا للانتقال من مقاربة "حرف جنيف" إلى "أستنة جنيف" وذلك عبر استراتيجية "إنهاء فاعلية المعارضة المسلحة".

فمنذ معارك الغوطتين وجنوب دمشق وريفَي حمص وحماه وانتهاء معارك الجنوب؛ والروس ماضون في تطبيق حلولهم الصفرية على كافة الأراضي السورية؛ مُزينة بمصالحات شكلية مليئة بالارتكاسات؛ وتجعل الكُل "متهم وتحت الطلب". إن كثرة التصريحات حول إدلب ليست إلا استمراراً حثيثاً لما يُريده بالدرجة الأولى المخيال الروسي الذي يرتجي إنهاء الكُلفة السياسية للتدخل العسكري عبر إنجاز الحل السياسي وفق تعريف موسكو، على الرغم مما يُطرح من خطط ومراحل "السيطرة عليها" سواء في الأستانة أو حتى عبر منصاتهم الإعلامية أو البحثية؛ وفي اللقاءات الدبلوماسية والسياسية المعلنة منها وغير المعلنة.

رافق هذا السياق تثبيطاً روسياً لأهم الاستحقاقات السياسية التي ينتظرها السوريون (كملف المعتقلين وعودة اللاجئين)؛ وذلك عبر تحويل تلك الاستحقاقات إلى "تحديات حكومية خالية من الشرط السياسي" لتخفيف حدة الانخراط الروسي الذي يتزايد عمقه في البنية السورية. حيثُ تهدف موسكو فيما تدَّعيه من ضمانات تحقيق أمرين: المساندة المالية التي تتطلب مبالغَ يصعب على موسكو وحلفائها تأمينها بمفردهم؛ وتأسيس مناخات سياسية تؤمن انخراط "أعداء" النظام في عملية شرعنة نظام الأسد بشكل تدريجي وفق منطوق البراغماتية والواقع العسكري الجديد.

وفي هذا السياق؛ وضمن الحركية الروسية أعلاه؛ تتعامل موسكو مع ملف إدلب بدقة وترتيب حذر. فهي من جهة أولى ووفقاً لمنظور موسكو ستُشكل إعلاناً روسياً لانتهاء ثنائية الصراع العسكري بين النظام والمعارضة، وبالتالي تغيراً كاملاً في مُوجِّهات العملية السياسية إن لم يكن نسفاً كلياً لها والتكيُّف مع النظام وبدء التطبيع معه. كما تسعى الإدارة الروسية لفرض "مقاربات المصالحة" المحلية مع الفصائل كإطار قابل للتسويق وبديل "ناجع" عن جنيف. ومن جهة ثانية، تسعى موسكو لأن تكون "عودة السيطرة على إدلب" امتلاكاً لمداخل التنمية والتبادل التجاري المحلي والخارجي الذي من شأنه البدء في تذليل "عقبات ما بعد الصراع". ومن جهة ثالثة، سيكون لعودة السيطرة المتخيلة تلك إنهاء لـ"كوابيس الدرون" وما حملته من استنزافات روسية وتهديداً مستمراً لقواعدها وضباطها وجنودها.

ومن جهة رابعة ورئيسية، فهي بالمقابل تحمل في تداعياتها تعطيلاً محتملاً لمسار الأستانة بحكم تضارب المصالح مع أنقرة التي يفرض عليها أمنُها القومي عدم جعل تلك المنطقة منصّة تهديد لها يستخدمها الأسد وحلفاؤه كورقة ابتزاز دائمة. وتتعقد هذه التداعيات الأمنية خاصة أن مفاوضات النظام مع "الإدارة الذاتية" قد تُفرز "زواج مصلحة" بينهما لا سيما في ظل تأرجح الموقف الأمريكي. كما أن التقرُّب الروسي والإيراني مع تركيا نتيجة سياسات العقاب الأمريكية التي تمارسها واشنطن اتجاههم قد تخسرهم الطرف التركي كمساهم في ترتيبات المشهد الأمني في سورية، وهو أمرٌ سيكون له تبعات تعود بالسلبية على سياسة “جذب" تركيا لصالح "محور الصد".

قمة طهران: تفاهم قلق وسيناريوهات مفتوحة

تأتي قمة طهران بعد سلسلة من المؤشرات المُدللة على أولوية ملف إدلب في سياسة موسكو وحلفائها. ومن هذه المؤشرات بدء القصف الروسي على عدة مناطق (انظر الجدول رقم (1) في الملحق)، وزيادة التمترس التركي في قواعده وما قابله من نشر لنقاط روسية تفصل بين قواعد أنقرة العسكرية وخطوط تمركز النظام وحلفائه (انظر الخريطة رقم (1) في الملحق)، وتصنيف أنقرة هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية، وتجهيزات وتحضيرات النظام والميليشيات الإيرانية لحرب كبرى وما استلزمته من حرب نفسية، والتصريحات الغربية والأمريكية المُحذرة من استخدام الكيماوي، واستعدادات المعارضة العسكرية. ودفعت هذه المؤشرات قمة طهران لتكون إطاراً دقيقاً لتحديد مستقبل هذه المحافظة. ومن ملامح هذا الإطار يمكن ذكر العنصرين الآتيين:

  1. خطوط تفاهم أمنية حذرة

تأتي التفاهمات الحذرة تحت عنوان استمرار هدنة أو تمديد اتفاقية خفض التصعيد أو إعطاء أنقرة فرصة إضافية لترتيب المشهد في المحافظة أمنياً. وعليه فإن هذا التفاهم يتمحور حول تحديد خارطة الأهداف المتعلقة "بهيئة تحرير الشام" و"حراس الدين" بما لا يؤثر على مقاربات أنقرة الأمنية التي تعتبر إدلب خطاً دفاعياً متقدماً لمنطقتي درع الفرات وغصن الزيتون ومجالاً حيوياً أمنياً ينبغي ألا يخضع لسلطة الأسد. كما ترشح عن هذه القمة أيضاً عدة أمور منها تعهُّد تركيا بضمان عدم جعل هذه المنطقة منصة تهديد للقواعد الروسية؛ وإرساء تعاون استخباري تركي مع روسيا وإيران ضد "القوى الإرهابية"؛ وإنشاء نقاط عسكرية روسية في المناطق التي تتواجد فيها النقاط التركية ودخول النظام لها إدارياً وليس عسكرياً.

  1. أجندةٌ في طريق التفاهم العام

لا تزال ملامح التفاهمات التي تُديرها موسكو وأنقرة والمتعلقة بالأمور الإدارية والاقتصادية وبما يتصل بإجراءات تحييد الطرق والمعابر غير مكتملة نظراً لارتباطها بالعنصر الأول من جهة؛ ولتبعيتها بالترتيبات اللازمة لتنفيذ أي اتفاق. فمن جهة تركية يُراد لهذا التفاهم المحتمل أن يكون عناوين استقرار ودافع باتجاه حل سياسي شامل. ومن جهة روسية فهي لا تزال تُعلي من شروط الاختبار للتموضع التركي، إذ تُريده بحجم متفق عليه لا يُشكل "خطراً على النظام".

وفقاً للمتابعات الميدانية والسياسية؛ فإنه يُعتقد أن الترتيبات الناشئة حول إدلب هي ترتيبات شديدة القلق ومفتوحة الاحتمالات. فمعادلة إدلب (كمعركة فاصلة) يتم صياغة تفاهماتها الأمنية والعامة مع إغفال لأي أدوار مقاومة وصادة متوقعة حيالها. حيث تَعزز هذا الإغفال بحكم سرعة تدحرج مناطق معارضة ذات ثقل عسكري نوعي كالغوطة الشرقية ودرعا؛ ناهيك عن اعتقاد موسكو أن جبهة إدلب هي استمرارٌ لعملياتها العسكرية. وهنا نُؤكد على أن هذا الإغفال لا يتسم بالدقة والموضوعية؛ فمن جهة أولى؛ تتجهز المعارضة المسلحة لـ "معركة وجود" فلا ترحيل أو تهجير بعد إدلب؛ وخياراتها تبدأ وتنتهي بالمقاومة. وعزز هذا الأمر تلك الإجراءات المتبعة من الفواعل المحلية في إدلب للتصدي لحالات الاختراق التي كانت إحدى سمات المشهد في الغوطة ودرعا وريفَي حمص وحماه، ناهيك عن وجود المظلة الجامعة للعمل العسكري (الجبهة الوطنية للتحرير) وعمليات التحصين والهندسة العسكرية والتجهيز لاحتمالية الضغط العسكري في جبهات أخرى.

ومن جهة ثانية؛ لن تكون بهذا المعنى إدلب استمراراً لما يتخيله الروس للعمليات العسكرية ومسارها؛ حيث أن اعتماد النظام الواضح على الميليشيات الإيرانية سواء بشكل مباشر أو المجموعات التي باتت جزءاً من بُنية جيشه سيكون عنصر اختبار للسياسة الأمريكية "المهتمة" وفق ادعاءاتها بتحجيم إيران. وتدلل إشارات الموافقة الحذرة التي أبدتها واشنطن وبعض العواصم الأوروبية تجاه العمليات الروسية على صعوبة المهمة أمام هذه الحاضنة الاجتماعية والقوة النوعية في إدلب خاصة في ظل لجوء النظام وحلفائه للسلاح الكيماوي كسلاح فيصل.

ووفقاً لما تقدم؛ لا تخرج السيناريوهات المتوقعة تجاه إدلب عن ثلاثة؛ أولها عمليات دقيقة ومحدودة (وهي المرجحة) إلا أنها غير مضمونة النتائج؛ وثانيها تدهور التفاهمات الأولية والانزلاق لعمليات شاملة (الأقل ترجيحاً) وهو ذو كلف سياسية وعسكرية بالغة التعقيد تبدأ بانهيار محتمل لإطار الأستانة الذي استثمرت به موسكو ولا تزال وقد تصل تلك الكلف إلى مأساة إنسانية وتدحرجات عسكرية قد تفضي لتدخلات دولية؛ وثالثها إخراج إدلب من معادلات الصراع العسكري (وهو الأضعف نسبياً) لأنه ينتظر مؤشرات أمنية وسياسية لم تظهر بعد.

وفي هذا السياق تؤكد التصريحات الأمريكية والغربية المحذرة من "معركة إدلب" على ثلاثة أمور؛ أولها: الموافقة المبطنة فيما يخص أجندة عمليات الروس المعلنة والتي تدعي توجيه ضربات عسكرية تجاه هيئة تحرير الشام دون أن تُقدم لها أي تنازل يصب في صالح سوتشي على حساب جنيف؛ وثانيها والأهم هو الاستمرار في منح الروس "وكالة التسيُّد" في سورية الذي له عدة غايات منها ما هو "دعوة لاستمرار الانزلاق الروسي" ومنها ما له علاقة بتحقيق غايات مشتركة متمثلة "بمحاربة الإرهاب"؛ وثالثها مرتبط بترقُّب أمريكي لتحركات طهران الطامحة لملء الفراغ، وتخوف أوروبي من موجات لجوء ونزوح كبيرة.

المطلوب محلياً: "لا مفر من مواجهة أسئلة 2015"

على الرغم من المسارات القلقة المتوقعة للمعركة إلا أن هذا لا ينفي نجاعة مقاربة "تحويل الأزمة لفرصة". لقد دلَّل الزخم الثوري الذي رافق التطورات الأخيرة بشكل واضح تمسك الحاضنة بخيار الصمود؛ وهذا من شأنه تعزيز الدوافع النفسية للقوى العسكرية للمُضي باتجاه تبني سياسات دفاعية مُحكَمة وتحويلها لقدرة مستمرة وتدعيم شروط الفاعلية وتحسين الشروط المحلية وما تستلزمه من استجابات تنموية وحوكمية.

بناء عليه؛ ينبغي تدارُس خيار تحويل نمط الإدارة المحلية في إدلب إلى "حكم محلي منضبط"، وبصيغة أخرى استحضار أسئلة التحرير أواخر عام 2015 والبدء بتنفيذ سياسات ضبط تهدف بإطارها العام تثبيت الأمن والاستقرار المجتمعي، والبدء بتأسيس نظام حكم فعّال له معاييره وأدواته التنفيذية وأجندته الخدمية والاقتصادية. ولا يمكن أن تبدأ هذه العملية من دون إرادة سياسية محلية دافعة لتأطير التفاعلات المحلية في المحافظة المثخنة بالتحديات، مع مراعاة كسب الشرعية والقبول المجتمعي. وعليه يُقترح حزمة التوصيات التالية:

  1. تشكيل مرجعية سياسية محلية موحدة، تتكون وفق آليات التوافق المحلي الذي يضمن حسن التمثيل والشرعية؛ وتهدف إلى أن تكون الإطار العام لرسم السياسات العامة الخدمية منها والأمنية والعسكرية والمدنية والسياسية.
  2. التحول إلى نمط حكم محلي منضبط عبر تظافر كافة الجهود للفواعل المعنية وإنجاز صيغ عمل المؤسسات الحاكمة وقوننة علاقتها مع المجتمع والمؤسسات التنفيذية. وقد يكون هذا العمل بالتنسيق مع الحكومة المؤقتة وهيئات سياسية محلية أخرى تعمل في هذه الأثناء على مراجعة وتقييم أدائها.
  3. بلورة طرح محلي قائم على احتواء بعض السوريين من هيئة تحرير الشام وتفكيك أُطرها التنظيمية وفق ما يراعي الشرط المحلي الخاص والالتزامات التركية؛ وذلك بهدف سحب ذرائع من جهة، وتأمين اتساق عضوي بين الفواعل المحلية من جهة ثانية.
  4. تأسيس اللجنة المركزية للتنمية والاستجابات الإنسانية، وتنحصر مهمتها بمتابعة الشؤون المتعلقة بالموارد البشرية وسبل العيش وتحسين ظروفها، وتأمين تواصل فعّال مع كافة منظمات المجتمع المدني لتسهيل مهامها وحمايتها وفق أطر ناظمة صادرة عن المرجعية السياسية.
  5. تطوير آليات عمل الجبهة الوطنية للتحرير وتعزيز أُطرها التنظيمية لتغدو جسماً عسكرياً واضح العقيدة والبُنية والهرمية الإدارية؛ وربط استراتيجياتها وتكتيكاتها بمحددات تنظمها المرجعية السياسية؛ وتنحصر مهامها بالوظيفة الدفاعية.

قد يبدو الانتقال إلى صيغ "نظام الحكم المحلي" فعلٌ يعتريه ضيق الوقت وحساسية الظرف التي تمر به المحافظة؛ إلا أن العمل بالتوازي على التأسيس لهذا الانتقال هو حاجة مستعجلة واستراتيجية في آن معاً؛ من شأنها تحسين خيارات المحافظة وتوسيع هوامش حركتها. إن التحدي الأبرز أمام هذا الانتقال هو أن يكون وفق فلسفة تلاقي المصالح مع الحليف التركي وتعزيز مساحات العمل الوطني؛ ناهيك عن عوائق تتمثل بالقدرة على تجاوز حالة الفصائلية، وتعزيز دينامية بناء الدولة الأقدر على تحقيق الأمن المجتمعي وتوفير الخدمات المنظمة للمجتمعات المحلية؛ ومدى استطاعة ونجاعة المكونات المحلية في إدارة المرافق العامة وتنمية الموارد الاقتصادية لتحسين مستوى المعيشة والدخل وعدم تدهور العجلة الاقتصادية، وصولاً إلى تشكيل نموذج تنموي نوعي.

 

ختاماً يمكن القول بأن كل الاحتمالات مفتوحة؛ إلا أن ملمح استمرار الاختبار والتوافق الأمني الحذر بين فواعل الأستانة سيكون له أثر ما خلال المرحلة المقبلة؛ دون أن يعني ذلك انتفاء احتمالية الانزلاق لمعركة شاملة في حال تعثر التوصل لاتفاق عام (سياسي وإداري). وأمام كل هذه التحديات لا مفر للقوى المعارضة من تعزيز شروط صمودها وقوتها وتدارس كل الخيارات وعلى رأسها ضبط مشهد التفاعلات الأمنية والعسكرية والإدارية والسياسية في إدلب وما تستلزمه من أطروحات نوعية.

الملحق؛

جدول رقم (1) يوضح ضربات طيران الروسي والقصف المدفعي على مناطق إدلب وما حولها من 10 /آب حتى 10/أيلول

خريطة رقم (1) توضح نسب السيطرة والنفوذ في محافظة إدلب وتموضع القواعد والنقط الروسية والتركية

المصدر: وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية

التصنيف تقدير الموقف

ملخص تنفيذي

  • رغم تفاخر موسكو بسير العمليات العسكرية والتفاوضية التي قادتها في الجنوب السوري، إلا أن استمرارها بتعزيز مقاربة الاستحواذ وعودة السيطرة للأسد ستبقى مُعرضة للعديد من الهزات والارتكاسات طالما استمر التغييب المتعمد لضرورة وجود لحظة سياسية في سورية تؤسس لاستقرار مستدام.
  • تتنامى مؤشرات "القلق" الروسي حيال الدور التركي في الشمال، وهذا اختبار جدي لمسار الأستانة الذي سيشهد جولات صعبة فيما يتعلق بالترتيبات النهائية للشمال السوري.
  • شكل استهداف قاعدة حميميم هاجساً روسياً واضحاً في الآونة الأخيرة، خاصة في ظل عدم وجود وسائل فعّالة وغير مُكلفة للتصدي للطائرات المسيرة، مما يعزز تنامي مؤشر الاستنزاف.
  • تدفع روسيا باتجاه تعزيز مقاربة الأسد مقابل الضبط الإيراني؛ لتستثمر في وهمٍ لن يحصل، فالتغلغل الإيراني بِبُنى الأمن والدفاع بات عضوياً وأي إشارة لإمكانية هذا هي إشارة غير موضوعية ومنافية للواقع.
  • تمضي موسكو في منهجها الرافض كلياً لتفاعلات الملف الإنساني مستخدمة ذات المصطلحات التشكيكية في صحة التقارير الدولية وتحاول جاهدة إبعاد هذا الملف عن مسرح التأثير وهو ما لا يتوقع حدوثه مما سيعقد الموقف الروسي مستقبلاً.

تمهيد

تعددت قضايا الاهتمام الإعلامي والبحثي الروسي حيال سورية خلال الفترة الممتدة من 15حزيران – 15 تموز 2018. ويُمكن حصرها عدة محاور رئيسية منها: تطورات الجبهة الجنوبية الأخيرة؛ تزايد القلق الروسي حيال السياسة التركية في الشمال؛ السيناريوهات المتوقعة لمنطقة شرق النهر؛ القلق المتنامي من الهجمات ضد قاعدة حميميم؛ بالإضافة إلى مستجدات الملف الكيماوي. ويؤكد التعاطي الإعلامي والبحثي الروسي حيال كل هذه الملفات على التماهي المطلق مع الرؤية الرسمية للدولة، إذ تتلقف هذه الرؤية دون تكبد عناء البحث عن تفاصيلها في المشهد السوري التي تؤكد استمرار غياب عوامل الاستقرار المرتبط كلياً بمرحلة سياسية جديدة تنظرها البلاد وتعمل موسكو على إلغائها لصالح تعويم نظام الأسد.

"تسويات" في الجنوب و"ترقُّب" في الشمال

تشهد الساحة الميدانية في سورية هجوماً روسياً إيرانياً مع ميليشيات الأسد على الجنوب السوري أمام صمت دولي عامة وأميركي خاصة؛ على الرغم من كون المنطقة منطقة خفض تصعيد باتفاق الولايات المتحدة والأردن وروسيا بالتنسيق مع إسرائيل. ويأتي كل هذا كمؤشر صريح على احتمالية حدوث صفقة أولية ينتظر أن تكتمل ملامحها في قمة ترامب بوتين التي عقدت في 16/7/2018.

في بث مباشر من راديو سبوتنيك؛ أشاد الباحث مركز الدراسات الاستراتيجية فلاديمير فيتين بـ"النجاح" الذي حققه العسكريون الروس والسوريون في درعا نتيجة المفاوضات التي أجراها ضباط حميميم مع الفصائل المقاتلة والمراكز السكانية، والتي كانت نتيجتها حسب قوله "ترك الإرهابيين في منطقة خفض التصعيد لأسلحتهم المختلفة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة للجيش السوري". وأشار إلى أن الأسلحة تعود لعدة دول غربية كانت قد أُدخلت عبر الأردن، ومصرحاً "بعجز" محاولات الولايات المتحدة إيقاف هجوم القوات السورية التي يدعمها الطيران الروسي، وأن معظم البلدات يتم تسليمها دون قتال، مع أقل الخسائر البشرية وخاصة بين المدنيين. ويُتابع بالتركيز على إمكانية حل كثير من القضايا بواسطة المفاوضات على مدار الأسبوع الماضي([1]).

كما أوضح لافروف -وزير خارجية روسيا- الموقف الرسمي لموسكو بقوله أن اتفاقية خفض التصعيد قائمة بحكم الاتفاقات بين ترامب وبوتين وجوهر القضية تكمن في إبعاد "الإرهابيين عن الحدود الإسرائيلية وسيطرة الجيش السوري عليها"، وأن روسيا "نفّذت التزاماتها تجاه الاتفاقية" و"نأمل من الشركاء تنفيذ التزاماتهم، مما يظهر عدم رضى موسكو عن المحادثات التي تجريها الولايات المتحدة مع المعارضة([2]). وحول هذا الهجوم نشر آيغور سوبوتين في صحيفة نيزافيسمايا الروسية تحليلاً معمقاً حول تداعيات هذا الهجوم وهواجس موسكو حياله، حيث ركز على مجموعة من النقط أهمها ([3]):

  1. خشية تأثر المسار الدستوري بتطورات الجنوب؛ إذ تتبين مؤشراته من خلال لقاء غويتيرش (الأمين العام للأمم المتحدة) مع وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف الذي أوضح استمرار الانقسام في مجلس الأمن ومحاولة بعض الأطراف حل القضية من وجهة نظرها؛
  2. قلق إسرائيل المتزايد: إذ لا تزال تل أبيب تطالب موسكو بانسحاب القوات الموالية لإيران من المنطقة الحدودية معها لا سيما مع وضوح المشاركة الإيرانية؛
  3. تأكيد تصريحات أنطون مادراسوف عضو المجلس الروسي للشؤون الخارجية بأنه "ليس مستبعداً أن يشكل الهجوم الأخير مشكلة للدبلوماسية الروسية التي تُتّهم دائماً بالأخطاء التي يرتكبها الأسد.

إلا أن الحركية الروسية لا تلحظ هذه الهواجس؛ فهي ماضية باتجاه تعزيز سيطرة النظام العسكرية وإخراج حل سياسي يبدأ بالدستور وفق مخيالها السياسي؛ ومختبرة بذات الوقت هوامش تحركاتها في مناطق ذات النفوذ الأمريكي. وعلى الرغم من أن المشهد العام وإن بدا يسير باتجاه استحواذ الأسد على المزيد من مناطق سيطرة المعارضة إلا أن المُضي دون وجود استراتيجية خروج ولحظة سياسية جديدة تعيشها البلاد وتستطيع من خلالها مواجهة تحديات عميقة مرتبطة كلياً بمولدات الاستقرار فإن المشهد العام في سورية سيكون أسير الفوضى والسيولة الأمنية ومعززاً لعوامل التشظي الاجتماعي.

أما في الشمال السوري؛ ووفقاً لتحليل الخبير في الشأن السوري نيقولاي بلوتنيكوف، فإن مؤشرات عديدة تدلل على سعي "تركيا على تدمير الحكومة السورية" كما عنون مقاله؛ ودفع الخبير بتعزيز اتجاهات التحليل نحو ربط تصرفات الحكومة التركية ببوصلة "تدمير الدولة السورية التي تقاتل الإرهابيين"، والمساعدة في "إنشاء جيب للمعارضة في شمال سورية مع حكومتها". وأكد أن إنشاء مؤسسات موازية للسلطة في دولة ذات سيادة ينطوي على مشاكل قانونية ودبلوماسية لابد من حلها. ومن هذه المؤشرات الآتي([4]):

  1. إنشاء مؤسسات إدارة محلية وتعليمية باللغات الثلاث العربية والتركية والإنكليزية؛
  2. إنشاء مراكز بريد ولوحات طرقية باللغة التركية ومصارف وموظفين؛
  3. جمع الأموال بسبب الضرائب المحلية والإيجار والرسوم البلدية بالليرة التركية؛
  4. وجود العلم التركي وصورة أردوغان في المؤسسات الرسمي؛
  5. إنشاء جهاز للشرطة بقوام 7000 فرد يحملون الإشارات التركية؛
  6. تعيين مفتي للباب من الشؤون الدينية التركية.

تدلل هذه الرؤية حيال الفاعل التركي على أن التحالف التركي الروسي ضمن مسار الأستانة هو تحالف قلق تجمعه الهواجس الأمنية المشتركة وتعمل على تباعده في المنظور الإداري والسياسي. فعلى الرغم من أنَّ الحركية التركية في الشمال السوري أتت ضمن تفاهمات الأستانة إلا أن ملامح عدم التوافق على الشكل النهائي لترتيبات هذه المناطق مرشح لمزيد من التبايُنات وسيحتاج العديد من التفاهمات الجزئية.

رغبة متزايدة بسحب "الورقة الكردية"

فيما يرتبط بشرق النهر (مناطق سيطرة الإدارة الذاتية) نشرت صحيفة سفابودنايا بريسا مقالاً بعنوان "ترامب سيسلّم الأكراد السوريين لبوتين"؛ وسردت مجموعة من المعطيات الداعمة لهذا العنوان، ومما ذكرته الصحيفة([5]):

  • بدأ الاتصالات بين قوات الأسد والقوات الكردية، واستمرت المحادثات حوالي شهر. وربما كانت شرارة البدء بها المقابلة التي أجراها الأسد والذي أبدى فيها استعداده لمناقشة أي مقترحات بناءة مع الأكراد، ولكنه أضاف إذا فشلت الجهود فسيستعمل القوة لحلها.
  • تفاهم الدولتين اللتين ترعيان الأطراف المتنازعة وهما روسيا والولايات المتحدة، فهاتان القوتان كانت قد وصلتا إلى حد الاصطدام، حيث كان العالم يتوقع حرباً بينهما.
  • قيام بعض القوى الكردية المدعومة من أميركا بالحديث فجأة عن هدنة مع دمشق، وقد بدأت المفاوضات بزيارة وفد صغير من موالي الأسد إلى الحسكة والقامشلي وتكررت اللقاءات.
  • حديث صحيفة الوطن السورية عن اتفاق تم برفع الأعلام السورية في القامشلي والحسكة وتشكيل حواجز من قوات مشتركة في المدينة.

وبينما يعتقد المستشرق السياسي الروسي "كارين جيفورجيان"، أنه لا يستحق أخذ مثل هذه الأخبار بتفاؤل مفرط، فقد تمت محاولات سابقة، وربما يتحول الوضع للأسوأ. كما شارك الخبير العسكري إيرك يلدريم التركي في حوار الصحيفة حيث قال: إن أميركا بهدف الحفاظ على علاقتها مع تركيا "التي تعتبر pyd مجموعات إرهابية" أجبرت القوات الكردية على الانسحاب من منبج، ويعتقد أن أميركا قد تعطي الأراضي التي تسيطر عليها لروسيا، ويعتبر ذلك صفقة مربحة للأسد الذي ليس لديه ما يواجه به تركيا. كما أن وجود القوات الروسية في الشمال سيحُد من العمليات العسكرية التركية في حال استمرارها شمالاً. ويُتابع الخبير بأن بوتين سيتفاهم مع أردوغان على ذلك قبل قبول عرض ترامب "تفادياً لعدم إساءة العلاقة مع تركيا". ويرى الخبير أنه قد تسمح قوات الحماية الشعبية YPG لقوات النظام بالتواجد في الأراضي التي تسيطر عليها ولكنها لن تتخل عن إدارتها لها([6]).

استنزاف "حميميم" وأسئلة "التنف"

وبسؤال مركزي إلى متى سيصمد دفاع قاعدة حميميم؟ تساءلت إيفان شفارتس التي حللت أخبار تعرض قاعدة حميميم لهجوم بطائرات مسيرة مجهولة التابعية، واستطاعت وسائط الدفاع الجوي "بانتيسير "للقاعدة من إسقاط الطائرات المهاجمة. ولكن السؤال إلى متى سيبقى إسقاط هذه الأهداف الرخيصة بواسطة منظومات الصواريخ المضادة غالية الثمن؟ وبالنظر لهذه المنظومة التي تضم 12 صاروخ إطلاق، فتستطيع إسقاط 12 طائرة، واستمرار الدفاع بهذه الطريقة سيؤدي إلى استهلاك هذه الصواريخ ونفادها، وفي حال تعرض القاعدة لموجات هجوم منظم قد تستطيع هذه الطائرات الوصول إلى مرابض الطائرات في القاعدة وتحقيق أهدافها. وسيصبح الدفاع عن القاعدة كمن يتصيّد العصافير بمدفع، ولكن إن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن الجيش الروسي يستخدم صواريخ مضادة للطائرات لتدمير طائرات بدون طيار، وهذا يعني عدم وجود وسائل فعالة من التدابير المضادة الإلكترونية ضد طائرات بدون طيار، كما يؤكد عدم فعاليّة الدفاع عن القاعدة([7]).

يؤكد المعطى أعلاه على مؤشرٍ بالغ الأهمية، ويتمثل بجعل الوجود الروسي وجوداً قلقاً تحده العديد من المخاوف الأمنية وتعرضه لاستنزافات مستمرة. وبغض النظر عن الجهة المستهدفة وما تحمله من تفسيرات محتملة، إلا أنه يكرس مقاربة الكلفة المرتفعة للانخراط الروسي في سورية الذي يشهد تزايداً ملحوظاً. فقد أُعلن مؤخراً عن شركة أمنية تُسمى "باتريوت" لها نفس مهمة "فاغنر" مع وجود أشخاص يعملون بعقود سرية مع وزارة الدفاع الروسية. وقد شاركت هذه القوات بشكل غير مباشر في تحرير دير الزور، حيث قامت بقطع خطوط الإمداد القادمة من شرق الفرات والتعامل مع قوات YPG عند اللزوم، كما شارك البعض مع قوات النمر([8]).

وفيما يرتبط بمصير قاعدة التنف الأميركية فقد بيَّنت الأوساط الإعلامية الروسية أنها ستكون حاضرة في نقاشات ترامب بوتين، وتوقعت دوراً كبيراً ستلعبه إسرائيل في هذا الموضوع (الدفع باتجاه تثبيت القاعدة)، ولهذا وصل رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى موسكو في 11/7 لمناقشة ذلك. وكان الحديث يدور على سحب القوات الإيرانية إلى 100 كم عن الحدود الإسرائيلية ثم إلى 80، بينما تُطالب إسرائيل بسحبها نهائياً، في الوقت الذي لا تستطيع فيه موسكو إعطاء مثل هذه الضمانات. وحسب الصحيفة فإن موسكو على استعداد لنشر قوات شرطة عسكرية في هذه المناطق، وأنها سعت لعدم مشاركة قوات إيرانية في الجنوب. ولكن مصادر المعارضة تُفيد باندماج هذه القوات مع الجيش السوري وارتداء زيّه العسكري، ولكن ماهي ردود فعل إيران؟ أجاب على ذلك حميد عزيري عضو نادي فالاداي وكبير المحاضرين في جامعة طهران بأنه لا يرى أي مؤشرات لمغادرة إيران سورية موضحاً أن إيران تُمارس أنشطتها عن طريق ميليشيات ليس لموسكو تأثير عليها([9]).

وفي هذا السياق وبحكم تغلغل الإيرانيين بشكل عضوي (عبر أفراد أو مجموعات محلية أو أجنبية) في بُنى الجيش والأمن، فإن موسكو ستبقى تعمل على عرض اتفاقات مع واشنطن وأن تبيعهم وهماً يسمى الانسحاب الإيراني؛ إلا أن هذا لا ينفي بالمقابل احتمالية رضا الأمريكان بضبط نفوذ إيران وتعميم نموذج الجنوب.

الملف الكيماوي وسياسة النكران الروسية

وفيما يتعلق بتطورات التحقيق في استخدام السلاح الكيماوي؛ تابعت الخارجية والدفاع الروسيتين اتهامها لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية بتحيُزها في التحقيق الذي يجري في سورية في دلالة على تشبُث موسكو بسياسة تحييد آثار الملف الإنساني مهما بلغت تداعياته. كان ذلك على لسان قائد السلاح الكيميائي والبيولوجي الروسي الجنرال أيغور غريلوف حين ساق التُهم التالية:

  1. عدم أخذ الأدلة من المواقع المشتبه بها، مما يؤدي إلى ظهور عبارات تحتمل تفسيرات متناقضة لمحتوى التقرير؛
  2. عدم تضمن هذه التقارير أدلة دامغة، وهذا يشير صراحة إلى العدائية ضد النظام السوري؛
  3. إن اتهام دمشق من خلال فكرة أن القنابل ألقيت من الطائرات على اعتبار أن الإرهابيين ليس لديهم طائرات، هو غير صحيح برأيه لأن البراميل كانت موجودة لدى الإرهابيين في مكان قصف الطيران مما أدى إلى انفجارها حسب رأيه.

في سياق متصل ووفقاً لبيانات وزارة الدفاع فإن "الخوذ البيضاء" هم من عملوا على تزييف الحقائق وافتعال الهجوم الكيميائي. وتُشير الصحيفة أن الولايات المتحدة تستبق التحقيق في كل مرة لتوجيه ضربات للنظام السوري، معتبراً أن "الخوذ البيضاء" تعمل لصالح القاعدة وجبهة النصرة. ويدَّعي كريلوف اكتشاف القوات الروسية مخبراً لدى الخوذ البيضاء لتصنيع الأسلحة الكيميائية بمعدات غربية وأمريكا الشمالية([10]).

بينما كتبت صحيفة كاميرسانت الروسية نقلاً عن صحيفة نيويورك تايمز إن تقرير اللجنة المشكلة لتقصي جرائم النظام السوري في حقوق الإنسان واستخدامه للأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية الذي نشر يوم الأربعاء بتاريخ 20/6 في صيغته النهائية يختلف كثيراً عن صيغة المسودة التي أعدتها اللجنة، حيث اختفت كثير من الحوادث المفصّلة عن استخدام الكلور المؤكد في مناطق الغوطة الشرقية، كاستبعاد اتهام النظام السوري عن مقتل 49 شخصاً بينهم 11 طفلاً في إلقاء قنبلة على مبنى سكني في الغوطة ومن استخدامه صواريخ أرض -أرض محملة بالغاز السام ألقيت على دوما التي ذهب ضحيتها  49 شخصاً وأصيب فيها 650 شخص، بينما يؤكد كاتب المقال المسؤولية الكاملة للجيش السوري وحلفائه عن الهجمات الكيميائية.

وتعليقاً على تقرير الأمم المتحدة أعرب لافروف عن شكوكه بنتائج التقرير لأن اللجنة اعتمدت على وسائل التواصل الاجتماعي والفيديوهات الصادرة عنها بدلاً من الذهاب إلى الموقع وهذه أدلة لا يمكن الوثوق بها حسب قوله([11]). ويذكر هنا أن موسكو ممثلة بنائب وزير الصناعة قد عارضت بشدة مشروع القرار الأممي الذي طالب بضرورة تحديد اللجنة إلا أنه تم إقرارها بعد موافقة 82 دولة واعتراض 24 دولة أخرى. والجدير بالذكر أن هذه القرارات لن تكون سارية المفعول قبل تشرين الثاني القادم موعد اجتماع الأعضاء في دورتهم العادية([12]).

لا تزال تمضي موسكو في منهجها الرافض كلياً لتفاعلات الملف الإنساني مستخدمة ذات المصطلحات التشكيكية في صحة التقارير الدولية وشيطنة كافة المنظمات الإنسانية السورية. وتحاول أن تفرض منهجية واحدة في عمل هذه التقارير عبر الاكتفاء بالوصف دون تحديد المسؤولية، وهذا يدل بشكل واضح على خطورة هذا الملف على إنجازاتها السياسية والعسكرية في المسرح السوري، لذا تحاول جاهدة إبعاده عن مسرح التأثير وهو ما لا يتوقع استمرار تغييبه مما سيعقد الموقف الروسي مستقبلاً.

وكخاتمة لهذا التقرير؛ يمكن القول:

إن معظم الأطروحات والتحليلات الروسية حيال تطورات المشهد السياسي والعسكري السوري تنطلق من ذات الفرضيات التي تُسوقها موسكو رسمياً؛ ولم تُشكل تلك الإشارات الخجولة التي يتم التطرق إليها بين الحينة والأخرى حيال مؤشرات الاستنزاف الروسي اتجاهاً إعلامياً أو بحثياً عاماً في روسيا، فلا تزال مفردات "الانتصار على الإرهابيين؛ تدمير الدولة؛ والسيادة الوطنية؛ والنظام الشرعي" هي الأكثر تحكماً بمخيال معظم المحللين والباحثين، وهذا يفسر تغييبهم المتعمد "لضرورة التأسيس لمرحلة سياسية جديدة" التي بدونها ستبقى المناخات العامة مرشحة للعديد من الارتكاسات والتحديات.


([1]) فلاديمير فيتين "نجاحات الروس والسوريين في درعا" مركز الدراسات الاستراتيجية، تاريخ: 5/7/2018 https://goo.gl/8KMzmT

([2]) مارينا بيلينكايا "الأردن يهيئ المناخ لقمة هلسنكي" كاميرسانت، تاريخ: 4/7/2018 https://goo.gl/3hLNoG

([3]) ايغور سوبوتين "الهجوم السوري الجديد في الجنوب يسبب صداعاً لروسيا" نيزافيسيمايا، تاريخ: 21/6/2018 https://goo.gl/2tuNyN

([4]) نيقولاي بلوتنيكوف "كيف تعمل تركيا على تدمير الحكومة السورية" نيزافيسيمايا، تاريخ 22/6/2018 https://goo.gl/czq9oa

([5]) نيكيتا سماغين "كيف سيغير ترامب إيران من الداخل" المجلس الروسي للشؤون الدولية، تاريخ: تاريخ 4/7/2018 https://goo.gl/k1kWz5

([6]) زاور كارييف "بوتين يسلم الاكراد السوريين لبوتين، سفابودنايا بريسا، تاريخ: 4/7/2018 https://goo.gl/b2uVgL

([7]) ايفان شفارتس "إلى متى سيصمد دفاع قاعدة حميميم" نيزافيسيمايا، تاريخ: 1/7/2018 https://goo.gl/Nx7Zuw

([8]) وتفيد صحيفة سفابودنايا بريسا أن من بين المشاركين ضابطين من داغستان برتبة نقيب ورائد سافروا إلى سورية بمعرفة قادتهم ولكن بدون علم وزارة الدفاع الروسية، قد يكون السبب الحصول على أجر مرتفع، وأحدهم حصل على لقب بطل ولكنه توفي والسبب في ظهور هذه التنظيمات التناقض في القوانين الروسية، أما عن عناصر "فاغنر" فهي تحصل على رواتب عالية بفضل مهنيتها، وما الاشاعات التي تفيد عن عدم معالجة جرحى هذه الشركات فهو غير صحيح لا بل ويتلقى ذويهم الدعم المالي والنفسي إذا لزم الأمر. في حين أشار أحد قادة فاغنر لم يذكر اسمه أنهم لا علاقة لهم بهذه المجموعة ولكن يقومون بأعمال مشتركة أحيانا، للمزيد أنظر: زاور كارييف "ارسال مرتزقة روس جدد إلى سورية" سفابودنايا بريسا، تاريخ: 7/7/2018 https://goo.gl/2tUKgH

([9]) ايلينا تشيرنينكو، ميخائيل كاراستيكوف "على ماذا يمكن ان يتفق الرئيسان بوتين وترامب في هلسنكي" كاميرسانت،9/7/2018 https://goo.gl/Xs1h8S

([10]) اولغا بوجييفا "روسيا تتهم منظمة حظر الأسلحة الكيماوية بالتحيز في التحقيق"، مسكوفسكايا كمسامولسكايا، تاريخ:22/6/2018https://goo.gl/gW22wa

([11]) ايكاترينا مارييفا "لماذا ظهر تقرير لجنة الكشف عن استخدام الكيماوي في سورية مخففا" كاميرسانت، 21/6/2018 https://goo.gl/3v6Eqd

([12]) ايكاترينا مارييفا "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ستعلن جهة استخدام السلاح الكيميائي" كاميرسانت، 27/6/12018  https://goo.gl/FKJr2a

التصنيف تقارير خاصة

بينما الحذر السياسي والعسكري يسيطر على الموقف في سورية بانتظار تبلور قرارات يتمخض عنها بدايات حل سياسي، وفي ظل تفاوت الآراء والمواقف حول ماهية وجوهر هذا الحل مع سعي الجانب الروسي بلورة حل سياسي وفق شروطه الجيوسياسية. تتابع الفعاليات الإعلامية والبحثية اهتمامها بالمشهد السوري وتداعياته الإقليمية والدولية، إذ ركزت خلال الشهر المنصرم العلاقات الروسية الإيرانية أوجه التوافق أوجه الخلاف والعلاقات الروسية التركية وما آلت اليه، بالإضافة لدواعي ودوافع التقارب الإيراني التركي، كما تركز الاهتمام على المشهد العسكري ومآلاته بعد انتهاء الجولة السادسة من محادثات الأستانة، كما اهتمت تلك الفعاليات على تفاعلات المشهد الكردي سواء "استفتاء استقلال" إقليم كردستان العراق أو تسليط الضوء على القوات الكردية وتبيان طبيعة مشروعها ومدى خطورته على الدولة السورية، وهذا ما سيقف هذا التقرير عند تلك القضايا مبيناً وجهة نظر المحللين والباحثين الروس حيالها بالإضافة إلى استعراض بعض قضايا الشأن الداخلي الروسي.

طبيعة العلاقات بين الضامنين الثلاث

فيما يتعلق بطبيعة العلاقة الإيرانية الروسية في سورية، فقد حاورت صحيفة "سفابودنايا بريس" بتاريخ 2/8/2017، رئيس مركز البحوث الإسلامية في معهد التطوير المبتكر الخبير "كيريللا سيمينوف" وتحت عنوان "الحلفاء في سورية يتباعدون... إيران تحاول أن تجر روسيا للحرب دون أن تنجح" حلل فيه الخبير طبيعة العلاقات بين الضامنين الثلاث وفق اتفاق موسكو ومدى اتساقها مع التصريحات الروسية الرسمية، وأهم النقاط التي تضمنتها هذا المحاورة([1]):

  • إن التصريحات الروسية لا تعكس حقيقة ما يجري على الأرض، فالتوافق الروسي الإيراني إنما هو على المواقف التكتيكية فهناك خلاف أكيد على المواقف الاستراتيجية.
  • إن مشاركة طهران لمحادثات الأستانة ما هي إلا تظاهرٌ بالدعم للمفاوضات بينما فعلياً هي تدفع باتجاه تسخين مناطق جديدة بعيد تسكين لمناطق معينة كما حصل مؤخرا" في البادية السورية.
  • تتعمد طهران إثارة الخلافات الأميركية الروسية. وبدا ذلك جلياً عندما تم الاتفاق مع أميركا على منطقة تخفيض التوتر في الجنوب وتضمين الاتفاق إبعاد الميليشيات الشيعية 40 كم عن الحدود الأردنية الإسرائيلية، وكذلك في المفاوضات مع جيش الإسلام في مصر برعاية روسية وبدء التنفيذ على الأرض، إذ شعرت إيران وكأنها المستهدفة من وراء ذلك ففي دمشق تتمركز كثير من ميليشياتها وكذلك الحرس الثوري، تعتبر دمشق من مناطق نفوذها.
  • إن انتشار الشرطة العسكرية الروسية في شرق حلب وتعاونها مع الأهالي لا يروق لإيران التي لا تترك فرصة لهيمنة ميليشياتها التي تحمل العقيدة الخمينية.
  • إن أهداف إيران في سورية ومحاولتها تشييع أبناء المنطقة لا تساعد على إحلال السلام في منطقة تقطنها غالبية سنية.
  • لكي تستطيع موسكو دفع مبادراتها لإنهاء الحرب الأهلية في سورية فلا بد لها من اتباع سياسة متوازنة بعيدة عن رغبات إيران وكذلك نظام بشار الأسد والمساهمة في بدء العملية السياسية.
  • إن موسكو التي أخذت على عاتقها تحقيق السلام في سورية تسعى لعدم تحويلها لمستعمرة إيرانية تعمل طهران من خلالها إلى تشييع سكانها وإذكاء النعرات الدينية والطائفية، والتحكم بما بقي من الجيش السوري والانخراط بالتشكيلات التي انشأها الروس كالفيلق الخامس وإدخال فيه ميليشيا تابعة لها كحزب الله.
  • لم تظهر الخلافات الإيرانية الروسية للعلن، رغم تعطيل طهران النظام السوري لمفاوضات أستانا رغبة منهما في إبرام صفقات إفرادية أو كسب المزيد من الأراضي من خلال الادعاء بمحاربة الجماعات المتطرفة فيما يلوم العالم روسيا لعدم مقدرتها على ضبط حلفائها. وفي هذا السياق نوه الخبير إلى أنه لا بد لتركيا وروسيا من اتخاذ الإجراءات السريعة لضبط الوضع في إدلب حيث تتواجد مجموعات متطرفة وإلا ستكون ذريعة للنظام وإيران بشن هجوم عل إدلب بذريعة القضاء على المتطرفين هناك.
  • إن إيران لا ترى إلا الحل العسكري وتحقيق الانتصار على المعارضة وتطلب من موسكو تقديم الدعم، بينما تسعى موسكو إلى التوصل إلى حل سياسي سلمي للصراع سيؤدي فشله إلى وقوع ضحايا جديدة.

أما فيما يرتبط بالعلاقات الروسية التركية وما آلت اليه، تحت عنوان "هل يمكن لتركيا بيع روسيا ثانية؟ "ذكرت صحيفة "سفابودنايا برس" بقلم "زاور كاراييف" 20/8/2017 أنه << في الآونة الأخيرة وبعد تحول العالم من القطبية الواحدة الأميركية إلى متعدد القطبيات، بدأت تتغير المعطيات، فعلى سبيل المثال تركيا التي لعبت دورا" هاما" في القضية السورية بتعاونها مع روسيا وإيران ولعبت هذا الدور من خارج التحالف الدولي بعد حادث اسقاط الطائرة الروسية وتسوية الوضع وحقق هذا التعاون نوعاً من الاستقرار، وقادت تركيا بعدها عملية درع الفرات غير ملتفةً للانتقادات الغربية لها وحققت أهدافها بمنع اتحاد حزب العمال الكردستاني مع باقي الميليشيات الكردية وهو الأهم بالنسبة لتركيا>>.

 وبهدف استطلاع العلاقة التركية الروسية أجرت الصحيفة حوارا" مع الخبير التركي "كيرام يلدريم" الذي ذكر أن تركيا تفضل الآن العمل مع روسيا وإيران في إشارة واضحة لأميركا بأنها تستطيع الابتعاد عنها، لأنه وفقاً للخبير فالأمريكان يبدو من تصرفاتهم قادرين على العرقلة والتعطيل أكثر من فعل شيء على الأرض من أجل السلام على الأقل في هذا الوقت وبالتالي فهذه العلاقة تحوي رسائل "ابتزاز" لأميركا. واستطرد الخبير قائلاً: "لا شك فإن أميركا وحلفائها يحققون انتصارات سريعة على التنظيم والواقع أظهر أن تنظيم الدولة ما هم إلا مجموعات لا تجيد القتال بقدر اجادتهم للقتل فهم غير مقاتلين وليسوا مسلمين، وأردوغان يعي الموقف الأميركي هذا، لذلك فانه يحضر للعمل ضد حزب العمال الكردستاني مستقبلا" -الخطر الأكبر على تركيا-وهو يعلم جيداً أن أميركا لن تدير ظهرها لتركيا، عندما يصبح الخيار تركيا أو الأكراد، فستختار تركيا بالتأكيد"([2]).

بالمقابل وفيما يتعلق بالتقارب الإيراني التركي بين موقع "بلاكستونبيت الإلكتروني" أن زيارة محمد باقري -رئيس للأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية-الذي زار تركيا منذ الثورة الإسلامية عام 1979سيجعلها دون شك زيارة فريدة ومهمة. وبالإضافة إلى ذلك، هناك عدد من الجوانب التي تعزز الطابع التاريخي لهذه الزيارة. والتي نتج عنها مجموعة من المواقف الجديدة والهامة لتطوير العلاقة بين البلدين وتتلخص هذه المواقف بوقوف البلدين ضد تقسيم العراق في إشارة للاستفتاء إقليم كردستان العراق في 25/9/2017، وركزت الصحيفة على تصريح رئيس مجلس الامن القومي التركي السابق "كيلينتش" الذي اعتبر أن الزيارة ضربة لحلف الأطلسي كما أنها تُعد معلماً هاماً في السياسة المحلية التركية والدبلوماسية الإقليمية في إيران. وإذا عملت تركيا وإيران معاً، فإنه يمكن فتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة وتجري هذه الزيارة في ظل التغيرات الجذرية التي تشهدها تركيا من تقربها من الصين وروسيا وابتعادها عن الرياض وأبو ظبي وواشنطن وبروكسل كما نوقش الوضع السوري أيضا" وخاصة في إدلب حيث ناقش رؤساء الأركان في الدول الثلاث الاتراك والروس والإيرانيون آخر التطورات في سورية وخاصة تلك المعلومات([3])، كما ركزت صحيفة بارتس توداي الروسية على إشادة باقري بالزيارة ونتائجها لا سيما تطابق في وجهات النظر حول محاربة الإرهاب وخاصة تنظيم الدولة وكذلك الأوضاع في العراق والوقوف ضد الآثار السلبية لتواجد قوة عظمى في المنطقة([4]).

من جهة أخرى فقد تزايدت التحاليل المتعلقة بصفقة منظومة الدفاع الجوي الروسية S-400 وآثارها على تركيا، فقد ركزت الفعاليات الإعلامية الروسية على ردة الفعل الأمريكي مستعرضة رسالة النائب الأميركي بين كاردين الموجهة إلى الرئيس ترامب يطالب فيها بفرض عقوبات على تركيا بسبب شرائها منظومة الدفاع الجوي s 400 ويطالب بتطبيق قانون العقوبات عليها باعتبار أن تركيا تشجع الصناعات العسكرية الروسية، وقد أوضح السيناتور أنه في هذا الوقت الحرج الذي تحتاج فيه أميركا لجمع حلفائها تعمد تركيا إلى التحالف مع روسيا وأضاف بأن نص قانون العقوبات يقضي بالتطبيق التلقائي للعقوبات ضد أنقرة لدعمها التصنيع العسكري الروسي، ويتوقع ايغور غاكشوف في صحيفة روسيا اليوم أنه في حال تطبيق مثل هذه العقوبات سيؤدي إلى نقل القواعد العسكرية الأميركية إلى دول أخرى . ويذكر ايغور أنه وفي نفس السياق وفي أيلول تم فتح تحقيق أميركي ضد وزير الاقتصاد التركي السابق ظفر كاجلايان المتهم بإجراء اتفاقات سرية مع إيران مخالفاً قانون العقوبات ضدها وهكذا تشمل تركيا قانوني عقوبات. بينما في أنقرة ترتفع أصوات حول العلاقة مع أميركا حيث أعرب أردوغان عن سروره بتطوير التقنية الخاصة بالعربات العسكرية التي لم يتمكن تركيا من الحصول عليها من أميركا، كما تعتبر تركيا قضية الوزير التركي موجهة ضدها وإن كان وزيراً سابقاً وتابع أردوغان لقد جن الناتو من شرائنا المنظومة من روسيا وخاطبهم ماذا تريدون أن نفعل هل ننتظركم يجب أن نهتم بأنفسنا؟

وقد أشار نائب رئيس مركز التقنيات اليكسي ماركا ركين إلى خيبة أمل أردوغان من السياسة الأميركية حيث كانت التوقعات أعلى من ذلك بكثير إذ كانت تربط تركيا بمستشار الأمن القومي مايكل فيلين علاقة متميزة، وتوقع أردوغان أن يكون له دور في تغيير السياسة الأميركية بما يخص الأكراد ولكن لا شيء حدث من هذا القبيل إضافة لترك فيلين لموقعه في البيت الأبيض، ويذكر ماركا انه تاريخياً يرتبط الجيش التركي ارتباطاً وثيقاً بالولايات المتحدة وبالناتو إلا أن فشل الانقلاب عام 2016 أعطى أردوغان حرية المناورة السياسية وأصبح تأثير جنرالات الجيش أقل، لذلك عمد إلى طلب الدعم التقني من روسيا. وعلق الخبير "فياتشسلاف شليكوف" بوصف العلاقة التركية الحالية بالناتو بأنها تمرد والأكثر جرأة هو شراء منظومة الدفاع الجوي وفاجأت الجميع. كما علق المستشرق "سيمون بغداساروف" قائلا": بالعودة إلى تصريحات أردوغان حول اميركا والناتو لا نعتقد انها ستذهب بعيدا ويمكن اعتبارها في سياق الابتزاز والتسخين إرضاء لأولئك الراغبين من الخروج من حلف الأطلسي وهم موجودون بكثرة حاليا "([5]).

تطورات المشهد السياسي والعسكري في سورية

تركز الاهتمام الإعلامي والبحثي الروسي فيما يتعلق بالمشهد السياسي والعسكري على ثلاثة قضايا رئيسية الأولى سياسية وترتبط بمحادثات الأستانة وآثارها على الملف السوري من جهة وعلى تموضع موسكو السياسي من جهة ثانية، والثانية عسكرية متصلة بمعارك دحر الإرهاب في دير الزور، والثالثة عسكرية أمنية فرضها هجوم بعض الفصائل المسلحة على جبهات النظام في ريف حماه الشمالي وما تضمنته من غايات أمنية.

محادثات الآستانة والتسيّد الروسي

في مقالته "ماذا فعلت روسيا في سورية بحيث لم تعد أميركا دولة عظمى" المنشورة في صحيفة كمسامولسكايا الروسية بتاريخ 16/9/2017 والتي استعرض من خلالها هذه النتيجة كمحصلة لاتفاقات الأستانة، ذكر الكاتب "ألكسندر بوبكو" أن العالم بدأ يعرف ان سياسة روسيا في الشرق الأوسط أكثر فعالية من سياسة واشنطن في العراق وأفغانستان. واستدل على تلك النتيجة من خلال استعراضه لـ “اعترافات" العديد من الصحافة الغربية ومنها صحيفة لو فيغاور الفرنسية بنجاعة العمليات العسكرية الروسية بالمقارنة مع الأميركية في أفغانستان والعراق وهذا ما أكده "ايغور كورتشينكو" -المحرر الرئيس في مجلة الدفاع الوطني عضو المجلس الاجتماعي في وزارة الدفاع الروسية-وقد فند الكاتب النتائج المتحصلة من محادثات أستانة الآتي([6]):

  • اعتبارها أكثر واقعية وفاعلية من محادثات جنيف إذ استطاعت فصل المعارضة المعتدلة عن المتطرفين، ودمج المقاتلين في العملية السياسية على أساس القرارات الدولية، وتحول القادة الميدانيين من مقاتلين في البزة العسكرية إلى مفاوضين باللباس المدني.
  • انتاج مناطق خفض التصعيد التي يمكن للحياة الطبيعية العودة إليها، وأصبح الجو مهيأً لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وانتهاء الحرب.
  • اعتراف وسائل إعلامية دولية بكون محطة استانا كانت اختراق خطير للدول الراعية لعملية السلام.
  • الغياب (ولأول مرة) الحديث عن دور للولايات المتحدة إذ أن وجودها كمراقب لا يليق بمكانتها الدولية، وبدورها لا تستطيع الاعتراض على القرارات كون المتفاوضين لديهم تفويض من الأمم المتحدة.
  • اعتراف أغلب المحللين السياسيين بالدور الروسي في سورية والذي كان أكثر فاعلية من التدخل الأميركي، واستطاع خلق أجواء إيجابية في اتفاق إدلب لا يمكن اخفاؤها واعتبرت استانا نقطة حاسمة في مصير سورية.

ومن جهته أوضح الكاتب "روبرت فرانتسيف" في صحيفة "فيسترو" بتاريخ 16/9/2017 أن أميركا قدمت تنازلات للصين وروسيا حتى استطاعت فرض هيمنتها على العراق وحل الجيش العراقي وحاولت دعم الثورات في أوكرانيا وجورجيا وسورية وفرضت عقوبات على كوريا الشمالية وكل ذلك يعني فقدان اميركا لمكانتها الدولية، وفيما يتعلق بالأستانة أكد الكاتب على الآتي([7]):

  • وضعت جولة الأستانة الأخيرة حدود مناطق خفض التصعيد الأربع على الخارطة ولم يبق سوى المسائل التقنية.
  • لم تعد مسألة مشاركة المعارضة المسلحة قابلة للنقاش، خاصة بعد النجاحات الأخيرة للجيش السوري وروسيا وأصبحت مشاركتها حتمية وبدون شروط مسبقة منها، والزي الميداني الذي يرتديه ممثل المعارضة ما هو إلا مظهر تهديد وهمي.
  • إن الحدود التي رسمت لمناطق خفض التصعيد هي حدود مؤقتة – وفق تصريحات ألكسندر لافيرنتييف ممثل الرئيس الروسي للمفاوضات -ولا تعني أي تقسيم لسورية في المستقبل.
  • وضوح الخطوط الفاصلة بين المعارضة المسلحة والإرهابيين ولم تعد تظهر فيها الرايات السوداء.

وختم روبرت مقالته قائلاً: "وما تم في أستانة في بضعة أشهر، يحتاج لبضع سنوات في الأمم المتحدة، مع الإشارة أن الخطوط التي وضعت في أستانة ليست لسورية فقط وإنما للعالم كما يتضح أيضاً أن جميع الأزمات العالمية يمكن حلها بطريق المفاوضات وليس عن طريق الهيمنة"([8]).

على الرغم من أن محادثات الآستانة قد أحدثت تبديلاً واضحاً في عناصر العملية السياسية، إذ استطاع الروس ومن خلال فكرة الضامنين أن يهندسوا أطر هذه العملية عبر اتفاقات أمنية عسكرية تفضي لخفض التصعيد، إلا أن حركية الفواعل الدولية والإقليمية ليست على تناغم متطابق مع الفاعل الروسي، سواء في الجبهة الجنوبية أو في معارك البادية وترتيبات ما قبل تحرير الرقة ودير الزور وما بعدهما أو حتى في جبهات أخرى كإدلب وريف حماه، حيث سيشكل ظهور أي متغير جديد انتكاسة واضحة لهذا المسار هذا من جهة، ومن جهة أخرى فأن الاستنزاف الحاد في بنى النظام تجعله فاقداً لعنصر المبادرة الاستراتيجية ويهدد دفاعاته العسكرية والأمنية، مما يجعل فكرة "استدامة نصره" غير قائمة، كل هذه العوامل بالإضافة إلى عوامل تتعلق بالجوهر الحقيقي للقضية السورية يجعل هذا المسار مساراً قلقاً قابلاً للتدهور على عكس ما تحاول وسائل الإعلام الروسي تأكيده.

معركة ريف حماه وهشاشة دفاعات النظام

أما فيما يتعلق بالتطورات العسكرية فقد نشرت وزارة الدفاع الروسية في 20/9/2017 تقريراً لقائد العمليات العسكرية الروسية في سورية حول الأحداث الأخيرة في منطقة إدلب، اعتمد مبادئ التهويل والتضخيم الإعلامي في الأرقام وأكد في ذات الوقت –استدلالاً- على هشاشة دفاعات قوات النظام المتمركزة في تلك المناطق وعدم استطاعتها على الحفاظ على "المكتسبات العسكرية " المتأتية من التدخل العسكري الروسي، وهو أمر يعزز من مقاربة تزمين التدخل العسكري للقوات الروسية في حال عدم نجاح خططها السياسية في تسكين الجبهات وهذا ما يعمق الكلف السياسية لتدخلها، إذ جاء في هذا البيان:

شنت بعض الفصائل الموقعة على اتفاقية وقف العمليات القتالية مع "جبهة النصرة" في 19/9/2017 هجوماً على "القوات الحكومية" على نطاق واسع في الشمال والشمال الشرقي من مدينة حماه في منطقة خفض التصعيد بإدلب، ومدعماً بمدرعات وبتمهيد ناري مدفعي كثيف، وخلال يوم تمكن "المسلحون" من اختراق دفاعات القوات الحكومية بعمق 12 كم وبجبهة 20 كم، ووفقا للتقارير فإن الهجوم تم بإيعاز من المخابرات المركزية الأميركية لعرقلة تحرير دير الزور، إذ أنه كان من مهام الهجوم أسر 29 جندياً من مفرزة الشرطة العسكرية الروسية التي تراقب وقف النار في المنطقة. وبعدها قام قائد المجموعة العملياتية في سورية بتشكيل مجموعة فك الحصار وقوامها القوات الروسية الخاصة والشرطة العسكرية التي يعمل فيها عسكريون من شمال القوقاز وبمشاركة القوات الخاصة السورية وترأس المجموعة اللواء شولياك فيكتور فاسيلييفيتش نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة، وشارك في الهجوم زوج من طائرات سو-25، ومن ارتفاعات منخفضة تم قصف "الإرهابيين" ومدرعاتهم وتم كسر الحصار.

وأشار التقرير إلى أنه: "أثناء العملية تم جرح ثلاث جنود، وتم قتل 850 "إرهابياً و11 دبابة 4 BMB، وتدمير 187 هدفاً مع 6 رشاشات و20 عربة شحن و38 مستودع ذخيرة وبالاستفادة من الضربات النارية قامت وحدات الانزال من الفيلق الخامس بالتحول إلى الهجوم المعاكس واستعادة النقاط كافة ومازالت العمليات مستمرة([9]).

كما نشرت وزارة الدفاع الروسية مجموعة من الأخبار الإعلامية والمذكرات، أهمها قيام الغواصة (فيليكي نوفوكورد) التابعة لأسطول البحر الأبيض المتوسط بإطلاق صواريخها (كاليبر) من وضعيتها تحت الماء وقصفت مراكز تجمع الإرهابيين المشاركين في محاولة أسر الجنود الروس مع العتاد المدرع غطت الصواريخ مساحة 300كم. ولقد كان للضربات المفاجئة أثر كبير في إحداث تدمير مقرات السيطرة وقواعد التدريب ومدرعات الإرهابيين([10]). كما توقعت الأركان العامة الروسية أن تقوم قوات سورية الديمقراطية، وبدعم من الولايات المتحدة، بمنع تحرير دير الزور، وقد أطلق مسلحون من هذه القوات النار على مواقع الجيش السوري عدة مرات. وبهذا الصدد أصدرت وزارة الدفاع الروسية مذكرة احتجاج "شديدة اللهجة" وأبلغتها لقيادة القوات المسلحة الأمريكية في قطر. وكما قال قائد العمليات الروسية في سورية إيغور كوناشينكو، إنه إذا تم القصف من مرة أخرى، فسيتم التعامل معها بوسائل التدمير المناسبة([11]).

معارك دير الزور وأطروحات أمريكية حول تقاسم النفوذ

 وفيما يتعلق بمعارك دير الزور فإن الصحف الروسية تتحدث عن مقترح أميركي لتقاسم مناطق النفوذ في دير الزور إذ عرضت الولايات المتحدة الامريكية حسب هذه التقارير عقد اجتماع لمناقشة مستقبل مدينة دير الزور، ووفقا لوكالة نوفوستي فقد اعد الجانب الروسي ردا" على ذلك([12]). ومن جهتها نقلت وكالة تاس الروسية تصرح الجنرال جيفري هاريجان قائد القوات الجوية الأميركية في الشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا قائلا نحن لسنا في حالة حرب مع الروس ولا مع السوريين إلا أننا في حالة حرب مع تنظيم الدولة وأضاف أن روسيا وأميركا تعتزمان مواصلة عقد اجتماعات لكبار ضباطهما لمنع وقوع حوادث مختلفة بسبب سوء الفهم أحيانا([13]).

وتعقيباً على هذه أحداث دير الزور بيّن نائب مدير معهد الدراسات الاستراتيجية ديمتري ايغورشينكو أن الهجوم على دير الزور سار بوتيرة سريعة، بحيث فقدت الولايات المتحدة المبادرة الاستراتيجية ولهذا يحاولون استعادتها بكل الوسائل ولذلك يمكن ربط الاحداث الأخيرة في دير الزور ومحافظة حماه في سلسلة واحدة، ومن هنا يمكن تفسير هدف هجوم حماه بأسر جنود روس بحيث يمكن استغلال هذه الحادثة ضد روسيا([14]).

وفي الفترة الزمنية بين 8 و12 أيلول 2017 في منطقة تواجد مسلحي تنظيم الدولة وبحسب وزارة الدفاع الروسية، لوحظ تواجد أعداد كبيرة من عربات الهمر الأميركية المدرعة التي تستخدم من قبل الجيش الأميركي، وبتدقيق بالصور يلاحظ أن القوات الخاصة الأميركية متواجدة في نقاط الاستناد المجهزة مسبقا من قبل تنظيم الدولة مع بيان انه لم يلاحظ حول هذه النقاط آثار لعمليات اقتحام أو اشتباكات أو نتائج قصف جوي لقوات التحالف الدولي. "النص مترجم من الروسية كما ورد في تقرير وزارة الدفاع الروسية"، للمزيد انظر الشكل أدناه الصادر عن وزارة الدفاع الروسي:

والجدير بالذكر فيما يرتبط بالشأن العسكري هو خبر إقالة الجنرال قائد القوى الجوية الروسية، إذ ذكرت على سبيل المثال البوابة القانونية للأخبار على أنه أمر رئاسي وقد تضمن الأمر أيضا إقالة نائب قائد أسطول البحر الأسود الأدميرال "فاليري كوديكوف" الذي عين أيضا نائبا في البرلمان الروسي وإقالة مدير الأمن الداخلي في منطقة سارا توف جنرال شرطة سيرغي أربينا. أما صحيفة كاسباروف. رو أفادت بأن قائد القوى الجوية المقال سيصبح نائبا عن منطقة "كيروفسكي" في البرلمان الروسي وتم توقيع أمره من قبل قائد منطقة "كيروفسكي" بتاريخ 19/9/2017 وسيتم انتخابه يوم الأربعاء 27/9 كرئيس لجنة الدفاع والأمن في المجلس بعد أن أصبح نائباً، أما صحيفة "ميرتيسن" وصحيفة "ارغومينتي وفاكتي" فقالت أنه سيتم تعيين قائد المجموعة العملياتية في سورية الجنرال "سيرغي سورونيكن" قائدا للقوى الجوية الروسية بدلا" من باندارييف، وفي نفس الوقت تجري إقلات بين المحافظين كما سمتها إحدى الصحف بحملة تنظيف، كما اعفي رئيس هيئة مكافحة الفساد أيضاً.

عموماً: إن تركيز الفعاليات الإعلامية على الدور الأمريكي في عمليات ريف حماه الأخيرة ومحاولتها تقليل أعباء فقدانها للمبادرة الاستراتيجية في دير الزور، يدلل على تنامي المؤشرات التالية:

  1. عدم الاستكانة الأمريكية للهندسة السياسية والعسكرية الروسية من جهة، وتطويعها في تحقيق مكتسباتها في معارك تنظيم الدولة من جهة أخرى.
  2. ارتفاع مؤشرات التعارض الأمني الأمريكي الروسي، فالاتهام الروسي الصريح للولايات المتحدة الامريكية بمحاولة أسر جنود روس إنما تعتبره "استفزاز لموسكو وكشف حقيقي عن نوايا واشنطن التعطيلية".
  3. احتمالية زيادة نوعية التدخل الروسي شرق النهر، وازياد احتمالية ضربها لحلفاء واشنطن في تلك المنطقة لاسيما قوات سورية الديمقراطية.

الشأن الكردي الإقليمي والمحلي

انصب الاهتمام الإعلامي الروسي فيما يتعلق بالشأن الكردي على قضية استفتاء كردستان العراق إذ يلمح مؤشرات الرفض العام لهذا الاستفتاء، وعلى إشكالية القوات الكردية في الشمال السوري، وفي حين يبدو الأول طبيعياً بحكم أنه تطور غاية في الأهمية في تفاعلات منطقة الشرق الأوسط، فإن الاهتمام بالثاني وتسليط الضوء على "خطورتها" فإن تطور مهم في العلاقة الروسية مع حزب الاتحاد الديمقراطي ويدلل على تنامي اتجاه العلاقة نحو التوتر والاضطراب.

استفتاء يهدد الاستقرار الهش

فيما يتعلق بالاستفتاء في كردستان العراق فقد ردّ الخبير "أيغور بوروكوف" أسباب الاستفتاء المزمع أجراؤه في كردستان العراق لأسباب داخلية، كالناحية الاقتصادية وما تسببته انخفاض أسعار النفط والنفقات على تداعيات اقتصادية لوحدات البشمركة. إضافة لنواحي سياسية عدة أهمها يتعلق بطموح البرزاني، إذ يرغب مسعود البرزاني أن يبقى في ذاكرة الاكراد كرجل قاد شعبه إلى الاستقلال.

 كما تطرق الخبير إلى احتمالية منع الاستفتاء من قبل الجيش العراقي فاستبعد الفكرة كون الجيش خارج لتوه من معركة الموصل منهكاً، حيث تكبد خلالها خسائر كبيرة ولم يعد بقوته السابقة، بالإضافة إلى ذلك فلديهم عدو مشترك للجيش والأكراد وهو "جيش النقشبندية" وهم ثاني أكبر قوة في تنظيم الدولة والذي أسسه ضباط عراقيين سابقين في الجيش والأمن الذين فقدوا مصدر رزقهم بعد حل الجيش العراقي من قبل أميركا بعد دخولهم العراق على حد تحليل الخبير، ويضيف الخبير إمكانية زعزعة الاستقرار الهش في المنطقة بسبب الاستفتاء كون العراق متعدد العرقيات والطوائف حيث يتواجد الآشوريون والكلدانيون واليزيديون وهؤلاء يحتاجون إلى دولة واحدة تصون حقوقهم فماذا لو رغب كل منهم الاستقلال فسيتم تفتيت البلاد واقتتالها واراقة الدماء.

يتابع الخبير: لا شك أن هناك كثير من المؤيدين في الولايات المتحدة لإعادة رسم حدود الشرق الأوسط وهم المحافظون الجدد وهم ليسوا بعيدين عن الأفكار المتطرفة، وهم لا يؤيدون استقلال كردستان العراق لكنهم يريدون وبالقوة إقامة حكم ذاتي لهم في سورية الذين يتمتعون الآن بحكم ذاتي ضمن كنتوناتهم وهذا سؤال هام ويخص كثير من الدول. ويتساءل الخبير أنه "إذا ما اعتمد مبدأ زرع الديمقراطية في القوة كما في العراق وأفغانستان سيؤدي بالفعل إلى ظهور بؤر للإرهاب، وماذا لو تعرضت مساحات أخرى في الشرق الأوسط للتوزيع فمن الصعب التنبؤ بما سيحدث"([15]).

وفي سياق الحديث عن الاستفتاء في كردستان العراق تحدث الخبير التركي مدير معهد الطاقة والسياسة في أنقرة "فولكان اوزدمير" للوكالة الوطنية الروسية للأنباء РИА قائلا": << يتعرض الاستفتاء لمزيد من الضغوط الخارجية من جانب إيران والجامعة العربية وتركيا مضيفاً>>، وأضاف أن << المحكمة العراقية العليا اتخذت قرار بإيقاف الاستفتاء. وستعلن تركيا عن الإجراءات التي ستتخذها بعد اجتماع مجلس الأمن القومي ومجلس الوزراء في 22/9/2017>>، وحسب رأي الخبير فإن الورقة الأقوى في يد تركيا حيث تستطيع إيقاف ضخ النفط من كركوك مما يجعل أحلام اكراد العراق تذهب هباء وتعتقد تركيا بان الطرفين سيتوصلان إلى حل بتأجيل الاستفتاء، ويشرح الخبير تعاقدات حكومة كردستان مع الشركات النفطية ومنها جينيل وشركة الطاقة التركية وغيرها، لكنه شرح مستفيضا عن عقدها المبرم مع شركة(روسنفت) الروسية الموقع في حزيران عام 2017 لمد خط أنابيب عبر تركيا والذي سيبدأ العمل بالضخ المحلي في عام 2019 وللتصدير في عام 2020، ويرى الخبير ان مسعود البرزاني يسعى من وراء هذه الصفقة الحصول على دعم الروس للاستفتاء واعتقد الخبير أنه إذا ما قررت تركيا إيقاف ضخ النفط كركوك عبر أراضيها ستضطر حكومة البرزاني لتأجيل الاستفتاء([16]).

"القوات الكردية" خطر وتهديد على الدولة

برسالة واضحة، أكدت بعض الفعاليات الإعلامية الروسية على أن :"القوات الكردية في دير الزور لا تختلف كثيرا عن تنظيم الدولة وتشكل تهديداً جديداً، إذ أكد الباحث الرئيسي في مركز الأبحاث العربية والإسلامية التابع لمعهد الاستشراق "بوريس دولغوف" أن: << "قوات الحكومة السورية" وخلال فترة طويلة تعمل على تحرير مدينة دير الزور بالتعاون مع الروس، وقد بدأ الأكراد عملياتهم في المحافظة بدعم أميركي دون التنسيق مع القوات السورية وترافق ذلك مع اشتباكات لهم مع المواطنين العرب السنة، وهذا ما يذكر بعملياتهم المتعلقة بالتطهير العرقي أكثر من كونها تحرير مدينة محتلة. فعمليات الأكراد في هذه المحافظة ضد العرب السنة تعمق وتعقد الوضع في هذه المحافظة ولا بد أن يؤثر ذلك على عمليات الجيش السوري المدعوم من القوات الجوية الروسية، ولا شك ومن المنطقي أن سياسة الاكراد هذه في قتالهم تلقى مباركة من الولايات المتحدة الأميركية، ورغم أن هذه القوات لعبت دوراً ما في قتال تنظيم الدولة إلا أن أفعالها الحالية لا تختلف كثيرا عما يفعله تنظيم الدولة>>.([17])

من جهتها ذكرت المحررة "أفرورا زوريتا" في صحيفة "سفابودنايا" أن: << كل أفعال القوات الكردية في الشمال السوري توحي بإصرارهم على إقامة حكمهم الذاتي، فالقوات الكردية التي لم تنه عملها في الرقة بعد اتجهت إلى دير الزور عندما لاحظت تقدم القوات السورية باتجاه منابع النفط التي تعتبرها موردا" لدولتهم في حين أنها ضرورية لإعادة إعمار سورية المدمرة ، والملاحظ ان القوات الكردية تتعامل بوحشية ظاهرة مع السكان المحليين يشبه إلى حد بعيد تعامل إرهابيي تنظيم الدولة، عدا عن ذلك فقد عانى أكثر من 180000 من اللاجئين في الرقة من ظروف قاسية أثناء العمليات واستخدام القوات لأسلحة محرمة دولياً مثل الفسفور الأبيض وفق تصريح منظمة الصحة العالمية>>([18]).

وفي هذا السياق تحدث الخبير العسكري فلاديمير ايفيسييف نائب مدير معهد دول رابطة الدول المستقلة بقوله: على خلفية الانتصار على تنظيم الدولة سيتحول الأكراد تدريجيا" إلى القوة الوحيدة التي تشكل تهديدا" حقيقيا" وخطيرا" لسلامة سورية، مضيفاً أن << الأكراد حددوا في الخريف موعدا لسلسلة انتخابات لمستويات حكمهم الذاتي بعيداً عن دمشق>>، ويتابع الخبير قوله: يلاحظ اهتمام أميركا في الأكراد في هذه المنطقة وإقامة 13 قاعدة عسكرية لهم على الأراضي التي ستقام عليه دولتهم ويذكرنا ذلك بالسيناريو الأمريكي في العراق وإقامة كردستان العراق الذي أدى إلى تقسيم العراق، علما" أن الحكومة السورية طلبت التنسيق مع الجيش السوري في أية عمليات أو مناورات تجري على الأرض السورية على خلاف ما تقوم به القوات الكردية حاليا في دير الزور([19]).

حنين للسوفياتية بحكم الظلم والفقر

في مقالة مليئة بالسخط على الواقع المحلي الروسي افتتحت الكاتبة "مارغريتا ايفانتوفا" مقالتها في صحيفة "سفابودنايا برس" تاريخ 27/8/2017: << على الرغم من أن قسما" كبيرا" من الشعب الروسي كان يؤمن بالأفكار الليبرالية التي حملها يلتسن إلا أنه أصبح الآن أكثر حنينا" إلى الفترة السوفييتية ليس إيمانا بالأفكار الشيوعية بقدر إحساسه بالظلم الواقع عليه من حكومته التي لم تقدم له أي شيء>>، وتقوم الكاتبة بسرد بعض الأمثلة على سبيل المثال وليس الحصر:

  • المتقاعدين: فالمعاشات التقاعدية لا تسمح لهم حتى عيش الكفاف ولولا مساعدة ذويهم وبعض مدخراتهم لأصبحوا بالويل.
  • الخدمات الاجتماعية: على الرغم من وجود بعض الإصلاحات التي أدخلت في مجال التعليم والصحة فإنه بدون مال لا تستطيع الحصول عليها وبالمقارنة مع خدمات الطب والتعليم في دول أخرى حتى مع الاتحاد السوفييتي السابق فقد تدهورت كثيرا".
  • عدم وجود خطة واضحة لتنمية الإنتاج فقد تحولت روسيا من دولة صناعية كبرى إلى دولة تهتم بالصناعات الزراعية ومواد الخام في غضون ربع قرن.

وتذكر الكاتبة أن ما يميز المرحلة الحالية هو خوف المواطن من الأيام القادمة، وهذا نابع من حالة الظلم المنتشرة في بلادنا، فإطلاق النار صار عادياً في وسط موسكو، سرقة الملايين بدون حساب، حوادث السيارات التي تودي بحياة المواطنين بدون رادع، والأهم من ذلك أن فئة قليلة تجني الأرباح الطائلة من الأنشطة المصرفية وبيع المواد الخام في الخارج والعيش في النعيم في حين يرزح بقية الشعب في الفقر، وتتابع الكاتبة قولها (ساخرة): << أحيانا توجد فرص العمل ولكن بشرط ألا تمرض لأنه إذا مرضت فستحتاج لبيع كل ما تملك للمعالجة. هذا ما يجعلنا نفكر بأن شيئا خطأ حصل في البلاد حيث حفنة من البشر تعيش وتبصق على الباقي>>.

من هنا –ووفقاً للكاتبة -جاء قول إن الحياة في الحقبة السوفييتية أفضل في كل المعايير، وأن الحنين طبع انساني، إلا أنه تأصل وأخذ بعداً جديداً هذه الأيام. وتختم الكاتبة قائلة: << بالتأكيد نحن غير قادرين على إعادة الاتحاد السوفييتي إلا أننا نريد أن نعيش في وطن يشعر فيه المواطن بثقته في مستقبله، هذا الطلب يتزايد يومأ" بعد يوم طبعا" ينشد في هذا الوطن دولة العدالة والنمو المستمر. بينما الدولة منشغلة الآن بالبحث عن خطة استراتيجية لإعادة انتخاب بوتين>>. وتتساءل: <<كيف يمكن أن نثق بالعدالة عندما تقوم شركة (روسا) بإرسال عمالها إلى منجم (مير) لاستخراج الماس وهو يفتقد لأدنى ظروف الأمان، حيث غمرته المياه وفقد ثمانية من العمال دون حساب، والشركة تحقق الأرباح الطائلة هل هي هذه العدالة؟ إنها غير موجودة ولم يبق لدينا قول للمواطن إلا (انتظر وعود السماء) بعد أن أدرك الجميع أن الانتخابات لن تقدم شيئا" للوطن والمواطن طالما الحكومة باقية>>([20]).

الخاتمة

تشير الأوساط الإعلامية والبحثية الروسية إلى الآستانة كإنجاز مهم، ورغم تجمع الحلفاء في سورية على بعض الأهداف المشتركة المعلنة وكثير من الأهداف المتناقضة غير المعلنة، فقد بيّن رصد بعض وسائل الإعلام وتحليل بعض الخبراء أن هناك توافق روسي إيراني على مواقف تكتيكية متعلقة بمناطق خفض التصعيد والحفاظ على المؤسسات في سورية وتفرق بينهم قضايا استراتيجية هامة وكلا الطرفين مضطر للتعامل مع الطرف الآخر للوصول إلى أهدافه، فروسيا -وفق هذا الرصد - تحاول إقامة دولة مؤسسات علمانية والحد من النفوذ الإيراني الذي يسعى إلى بسط سيطرته على القرار السياسي السوري مع محاولة الحد من طموحها بخرق وقف اطلاق النار إلى أن تحين ساعة القرار بينما تضطر تركيا للتعامل مع كل من إيران وروسيا لتحقيق هدفها الأهم وهو منع إقامة الحكم الكردي على حدودها، وتنظر بنفس الوقت بعين الأمل لواشنطن لتغيير موقفها من تسليح الأكراد والتخلي عنهم بعد القضاء عل تنظيم الدولة تسهيلا" لهدف تركي بطرد "الأكراد" من المناطق المتواجدين فيها، ويبدو أن تركيا تعد العدة لهذه اللحظة بحشد قواتها في بعض المناطق الكردية، وما التقارب التركي الإيراني إلا ردة فعل على الخطر المشترك وهم الأكراد ولا تعتقد تلك الأوساط أن لديهم رؤى مشتركة للحل في سورية.

من جهة عسكرية ركزت تلك الأوساط على دلالات هجوم فصائل مسلحة على ريف حماه الشمالي كانهيار دفاعات النظام وملامح الدفع الأمريكي لهذه المعركة، ورغم قدرة الألة العسكرية الروسية على فك الحصار عن تلك المناطق، إلا إن هذا كشف عمق أزمة النظام على المستوى البنيوي والهيكلي وعدم قدرته على الحفاظ على المكتسبات وهو امر يعد انزلاق مستمر للتدخل العسكري الروسي وهو ما سيعود بتبعات سياسية بالغة على موسكو، ومن جهة أخرى فإن تسليط الضوء الروسي على خطورة "القوات الكردية" واعتبارها مهدداً امنياً اكثر من تنظيم الدولة فما هو إلا مؤشراً على تحول العلاقة في قادمات الأيام إلى أشكال أكثر تصعيدية.

 


 

([1]) انتون مادراسوف: "الحلفاء في سورية يتباعدون... إيران تحاول أن تجر روسيا للحرب دون أن تنجح"، صحيفة سفابودنايا بريس تاريخ 2/8/2017، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/bAAvYs

([2]) زاور كاراييف ، صحيفة سفابودنايا برس 20/8/ 2017، الرابط الالكتروني: http://svpressa.ru/war21/article/17951

([3]) زاور كاراييف، صحيفة الصحافة الحرة 20/8/2017، الرابط الالكتروني http://svpressa.ru/war21/article/17951

([4]) المصدر: صحيفة بارتس توداي، تاريخ 18/8/2017، الرابط الالكتروني: http://parstoday.com/ru/news/iran-i73090

([5]) ايغور غا كشوف، صحيفة روسيا اليوم تاريخ 16/9/2017، الرابط الالكتروني: https://ria.ru/world/20170916/1504884251.html

([6]) ألكسندر بويكو، صحيفة كمسامولسكايا برافدا تاريخ 16/9/2017، الرابط الالكتروني: https://www.kp.ru/daily/26732.5/3759136/

([7]) المرجع نفسه.

([8]) روبرت فرانتسيف، صحيفة فيستي رو 16/9/2017، الرابط الالكتروني: https://www.vesti.ru/doc.html?id=2933024

 

([9]) وزارة الدفاع الروسية 20/9/2017، الرابط الالكتروني: http://syria.mil.ru/news/more.htm?id=12143004@egNews

([10]) وزارة الدفاع الروسية 22/9/2017، الرابط الالكتروني: http://syria.mil.ru/news/more.htm?id=12143227@egNews

([11]) صحيفة فيستي. رو 21/9/2017، الرابط الالكتروني: http://www.vesti.ru/doc.html?id=2934737&tid=95994

([12]) صحيفة النجم الأحمر تاريخ 18/9/2017، الرابط الالكتروني: https://tvzvezda.ru/news/vstrane_i_mire/content/201709181758-zoww.htm

([13]) وكالة تاس الروسية 22/9/2017، الرابط الالكتروني: https://www.vesti.ru/doc.html?id=2935410

([14]) افرورا زورينا، صحيفة بليت اكسببيرت، تاريخ21/9/2017، الرابط الكتروني: https://goo.gl/yq6w2H

([15]) ايغور بوروكوف، معهد الدراسات الاستراتيجية، تاريخ 19/9/2017، الرابط الالكتروني https://riss.ru/events/43844

([16]) فيدور سميرنوف، روسيا اليوم (الوكالة الوطنية الروسية للأنباء)، تاريخ: 19/9/2017، الرابط الالكتروني: https://ria.ru/world/20170918/1505018569.html

([17]) مجلة بليت اكسببيرت 17/9/2017، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/pDqoHr

([18]) افرورا زورينا، صحيفة سفابودنايا بريس، تاريخ 19 /9/2017 الرابط الالكتروني: https://goo.gl/QNTGCi

([19]) مجلة بليت اكسببيرت، تاريخ 17/9/2017، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/ELqQ5W

 

([20]) مارغريتا ايفانتوفا، صحيفة سفابودنايا برس، تاريخ 27/8/2017، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/2i8fxA

التصنيف تقارير خاصة

ملخص تنفيذي

  • هدفت جولة الأستانة الأخيرة إلى تهدئة الجبهات الغربية من أجل التركيز على الجبهات الشرقية في الرقة ودير الزور، حيث أن الأخيرة باتت أكثر أهمية للنظام وللروس من إدلب والغوطة.
  • انتهت جنيف 6 بدون نتائج بانتظار الحسم العسكري في الشرق، ولا يتوقع لجنيف استعادتها لاعتبارها دون وضوح الموقف الميداني ورغبة القوى الكبرى في الحل.
  • لن يكون حسم المعارك في الشرق سهلاً ولا سريعاً نظراً لهشاشة وعدم احتراف القوى المحلية المستخدمة للسيطرة من قبل الروس والأمريكان.
  • لن تهدأ الجبهات الغربية أيضاً مع محاولات هيئة تحرير الشام التمدد وإنهاك القوى المعتدلة.
  • سيكون هناك سباق محموم من الغرب وكذلك الروس على التواصل مع المجالس المحلية من أجل توسيع النفوذ أثناء المرحلة الانتقالية.
  • على المعارضة السياسية توحيد وفود التفاوض والعمل على زيادة كفاءتها وشرعيتها، وعلى المعارضة العسكرية دعم المعارضة السياسية في جهودها وتقدم رؤى حول دورها في المستقبل.
  • على المجالس المحلية التركيز على دورها الخدمي وتعزيز كفاءتها وقدراتها لمواجهة متطلبات المرحلة والابتعاد عن التسييس المحلي وعن التجاذبات الإقليمية والدولية للمحافظة على دورها في المستقبل.

خريطة رقم (1) معركة شرق حمص وصحراء الشام

مقدمة

انتهت جولتان تفاوضيتان جديدتان بخصوص سورية إلى تأجيل الحديث الجاد في التسوية إلى ما بعد وضوح نتائج المعركة على الشرق السوري. وأخرجت الأستانة اتفاق مناطق التهدئة بضمان الروس والأتراك والإيرانيين وبدون وجود أي من السوريين من ضمن الموقعين. كذلك لم تخرج جولة جنيف 6 عن إطار التوقعات بعدم الجدية. وقد وظف الروس مخرجات تفاوض الأستانة كتكتيك للتغطية على تحويل العمليات العسكرية من الغرب للشرق، ولتفويت جولة جنيف الأخيرة. يرى الروس والإيرانيين والنظام السوري أن الأولوية الآن لصد التمدد الأمريكي على الحدود السورية العراقية، باعتبار أن الجبهات الغربية يمكن العودة لها لاحقاً. يتسابق الجميع نحو الرقة ودير الزور بحجة طرد داعش، لكن الهدف هو الاستحواذ على أكبر مساحة استراتيجية ممكنة تتحول إلى أوراق في جولات تفاوضية قادمة. ولا يبدو أن المعركة ستكون سريعة في الشرق، كما لا يتوقع أن تكون الأمور هادئة في الغرب.

تُعالج هذه الورقة سياق اتفاق مناطق التهدئة وتستشرف مآلات الوضع في كامل سورية، بينما تنتهي بتوصيات للمعارضة السورية (السياسية والعسكرية والمجالس المحلية) لتطوير شرعيتها وآليات تفاوضها. وترى الورقة أن كلاً من الروس والأمريكان يستعينون بقوات محلية غير مدربة وغير محترفة ما يجعل السيطرة على مسار العمليات صعباً للغاية ومستحيل التوقع، إضافة إلى ارتفاع تكلفة الضحايا من المدنيين. هذا الوضع المضطرب سيستمر لفترة ليست بالقصيرة خصوصاً مع عدم وجود إطار سياسي لاستيعاب الأوضاع بعد هزيمة داعش وهروب عناصرها إلى مناطق جديدة. في المقابل، ستستمر التفاعلات في الغرب خصوصاً مع استمرار هيئة تحرير الشام في إنهاك العناصر المعتدلة واستقطاب أفرادها أو القضاء عليها. كذلك سيكون هناك سباق دولي على المجالس المحلية باعتبارها الحصان الأسود لجلب الاستقرار في مناطق التهدئة عبر توزيع المساعدات، وإدارة عودة اللاجئين وإعادة الإعمار حال استقرار الأوضاع.

تهدئة في الغرب واشتعال في الشرق

بينما نتنقل الأنظار نحو الرقة ودير الزور في شرق سورية يتم تهدئة الأوضاع في غربها لتوفير الجهود وتركيزها على المعركة المقبلة. لم تكن مناطق التهدئة الأربع المقترحة في مؤتمر الأستانة الأخير، والواقعة جميعاً في غرب سورية، إلا تعبيراً عن احتياج الروس والإيرانيين لتجميد الصراع هناك حتى يتسنى لهم تأمين الحدود الشرقية مع العراق وضمان ألا تقع دير الزور في يد الأمريكيين. فبالنسبة للروس، لابد أن تكون السيطرة على الحدود العراقية من نصيب دمشق من منطلق سيادي، وبالنسبة للإيرانيين فإن دير الزور أساسية لتأمين طريق من طهران إلى بيروت عبر دمشق. وفي خضم هذا التحول الكبير في مسار المعارك انتهى مؤتمر جنيف كما بدأ، بانتظار استقرار موازين القوى العسكرية التي ستفرز وضعاً تفاوضياً ولاعبين جدد.

التفت النظام وحلفاؤه متأخراً إلى خطر سقوط الحدود مع العراق في يد قوات الجبهة الجنوبية والأكراد الممولين والمسلحين أمريكياً. وقد أنهكت الحرب النظام وأجهزت على قواته، وشتت الجبهات المفتوحة بطول الغرب السوري جهود حلفاءه. فكان لابد من إعادة تموضع القوات الروسية والمليشيات العراقية واللبنانية لتتمكن من السيطرة على دير الزور قبل وصول الأمريكان إليها. كذلك تسارعت جهود الإيرانيين والروس للسيطرة على القبائل الشرقية وإدماج قواتهم في الفيلق الخامس. يضاف إلى ذلك هروع حزب الله إلى إخلاء مواقعه على الحدود اللبنانية السورية للجيش اللبناني، وفي الجنوب السوري للقوات الروسية متوجهاً إلى تدمر. فلا تخلوا تحركات حزب الله الأخيرة من رسائل تهدئة للداخل اللبناني وكذلك لإسرائيل، لكنها أيضا تهدف إلى حماية خط إمداده الاستراتيجي.

ركزت الأخبار القادمة من سورية على نبأ قصف طيران التحالف الأمريكي لقافلة عسكرية لأحد حلفاء النظام عند اقترابها من معبر التنف الذي سيطرت عليه فصائل معارضة مؤخراً. وقد يُؤشر هذا لطبيعة التصميم الأمريكي على حماية حلفائها والتقدم نحو دير الزور واستكمال السيطرة على الحدود السورية العراقية. أمام هذا التطور لا توجد مؤشرات على نجاح المليشيات الإيرانية بدعم روسي في ضمان خلو المسار من إيران إلى بيروت من أي معوقات. قد يتفاوض الروس نيابة عن الإيرانيين لفتح الطريق، لكن هذا سيكون بثمن باهظ حال حيازة الأمريكيين لأوراق حيوية مثل الحدود ودير الزور.

لم تُعبر اتفاقية مناطق التهدئة من المنظور الروسي إذاً عن نوايا لتقسيم سورية بأكثر مما عبرت عن رغبة في تهدئة مؤقتة لستة شهور أو سنة لمناطق لا جدوى من القتال فيها مثل محيط دمشق، أو بحاجة إلى تهدئة إسرائيل فيها مثل الجنوب، أو بتولي الأتراك والفصائل المعتدلة مسؤوليتها مثل إدلب. ولا يرى الروس في إدلب أولوية مقارنة بدير الزور، كما لا يرون النصرة خطراً حالاً مقارنة بتمدد القوى المدعومة أمريكياً في الشرق وسيطرتها على الحدود مع العراق، حيث أن هذا يُغير كثيراً من معادلات استقرار النظام في دمشق ويهدد سيطرة إيران على سورية. ففي لحظة ما قد يغري الأمريكيين قوتهم فيبدأوا في التحرك غرباً باتجاه مناطق النظام بعد استبدالهم داعش بالأكراد أو الفصائل الموالية لهم. ولن يكون ذلك وضعاً مؤاتياً للنظام ولا لحلفائه.

قد تُغري وعود الاتفاق الأخير بالتفاؤل، لكن هذا يتلاشى مع عدم وجود أي آليات للتطبيق ولا للمتابعة والتقويم. وهناك دوماً حديث عن قوات دولية وآليات للمراقبة وضامنين وإمكانية لدخول المساعدات وعودة اللاجئين وإعادة إعمار البنية التحتية، لكن كل هذا مرهون بتثبيت التهدئة والتعاون في محاربة المتطرفين. هنا يكمن مثار الخلاف المستقبلي حول مدى التزام الفصائل بالتهدئة التي ستكون ضمناً قرينة لقتالهم لهيئة تحرير الشام. أن تحالف النصرة الأخير لا يمكن التصدي له بدون حل سياسي أشمل يعمل على إزالة دوافع العديد من الفصائل الصغيرة والأفراد للعمل معهم أو الاحتماء بهم، إضافة إلى توفير حوافز لهم للانخراط في عمل وطني عسكري أو سياسي يحقق أهداف الثورة.

هذا الفخ ينسحب إلى تركيا التي من المتوقع أن تضطلع بدور أكبر في تحقيق الاستقرار في إدلب. فبدون غطاء سياسي يتمثل في حل شامل للقضية قد تجد تركيا نفسها في مواجهة غير محسوبة ولا مرغوبة مع تشكيلات عسكرية يمكنها أن تهدد العمق بسهولة نسبية. ولا يوجد في الاتفاق ذاته ما يبرر وجود تركيا فيه ولا سكوتها عن وجود إيران كضامن فيه. لكن بالنظر إلى حاجة تركيا لقطع الطريق على قوات سورية الديمقراطية ومنع تمددهم باتجاه الرقة يمكن فهم تضامن الأتراك مع الروس في ذلك. ولا ينظر الأتراك إلى دعم الأمريكان لقوات حماية الشعب الكردية بعين الرضا ولا يسعدهم ازدياد قوتهم العسكرية وانخراطهم في ترتيبات إقليمية تسمح لهم بمقعد دائم على موائد الحل في المستقبل. إضافة إلى أن سيطرة الأمريكان، سواء عبر قوات حماية الشعب الكردية (PYD) المهيمنة على تحالف "قسد" أو عبر فصائل الجنوب، على الحدود السورية العراقية يزيد من النفوذ الأمريكي في كلتا البلدين وبالتالي يثير الكثير من مخاوف الأتراك حول تقليص نفوذهم الإقليمي. في هذه اللحظة يجد الأتراك أنفسهم في جانب الروس والإيرانيين، أمام قوات حماية الشعب الكردية (PYD)، وبالتالي الأمريكان، ولو ضمناً.

لم يهتم الأمريكان والأوروبيون بالأستانة من البداية لعدم رغبتهم في التخلي عن قيادة التفاوض للروس، وللمحافظة على مسار جنيف، وكذلك اتساقاً مع استراتيجية تهميش إيران في الصراع. ولم يهتم كذلك الأمريكان بسقوط حلب ولا بأمر إدلب لعدم سيطرتهم الكاملة على فصائلها الوطنية منها والراديكالية. في المقابل ركزوا كل جهودهم مؤخراً لانتزاع الشرق من داعش وتعزيز وجودهم وشرعية القوات المتحالفة معهم. هذا التحرك يخلق وضعاً جديداً لا يجد فيه النظام وحلفاؤه فيه بداً من التفاوض بجدية. تجسد هذا الموقف الأمريكي من اتفاق مناطق التهدئة عبر تشكيكهم في تطبيقه وانتقادهم لوجود إيران كضامن فيه. وفي اتساق تام مع موقفهم المتجاهل لمسار الأستانة، لم يعلق الاتحاد الأوروبي على الاتفاق ولم يلتقط أياً من الطعوم التي مررها الروس في الاتفاق مثل الحديث عن دخول المساعدات وعودة اللاجئين أو إعادة الإعمار.

عدم الحسم في الشرق ونيران هادئة في الغرب

بالنظر إلى تشكيلات القوات المتسابقة نحو الرقة ودير الزور نجد أن أغلبها غير نظامية وغير محترفة باستثناء قوات حزب الله. وهذا سيؤثر بشكل كبير على مسار المعارك الذي سيكون متعرجاً وكذلك على سرعة الحسم الذي سيستغرق وقتاً. كما لن يتمكن مقاتلو قوات سورية الديمقراطية من تحقيق الاستقرار في المناطق التي سيسيطروا عليها حتى لو تمكنوا من طرد داعش. فمن المحتمل أن يكون هناك مقاومة عربية كبيرة لوجودهم خصوصاً في حالة ارتكابهم لمجازر أو لانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان ضد المدنيين العرب. وسيعيق هذا تقدمهم لما بعد الرقة باتجاه الجنوب، وقد يعجل بانسحابهم منها تاركين وراءهم فراغاً سيُربك الأمريكان كما المكونات المحلية في هذه المناطق. أيضاً هناك مغاوير الثورة وأسود الشرقية وكتائب الشهيد أحمد العبدو، وقوات أحمد الجربا في الحسكة، وكلها تتمتع بنفس عدم الاحتراف وعدم الانضباط.

في المقابل تعتمد قوى الروس والإيرانيين والنظام على تشكيلات لا تزيد كثيراً في احترافها وعدم انضباطها. مع هذا الفراغ حول دير الزور لن تتمكن القوات المدعومة روسياً من ملئه بسهولة بواسطة قوات غير مدربة من القبائل أو بمليشيات شيعية تخلق مقاومة حيثما حلت أو حتى بقوات حزب الله الأكثر تدريباً. تؤشر هذه المعطيات أن هذا الوضع القلق قد يستمر لفترة ما من الزمن، وأن عدم الحسم قد يكون سيد الموقف لفترة ليست بالقصيرة.

لا يعني الانشغال العسكري عن الغرب خروجه الكامل من دائرة التفاعل. فمن المتوقع أن تستمر تفاعلات الفصائل المعتدلة منها والراديكالية لكسب مزيد من النفوذ والتأييد الشعبي. فمع تدريب الأتراك لفصائل درع الفرات ومحاولة توحيدهم قد تظهر فرصة لبناء كيان منظم يمثل المعارضة ويستطيع أن يفرض سيطرته على إدلب في لحظة ما. قد يبدو هذا بعيداً، لكن لا مفر منه للحفاظ على ما تبقى من مناطق تحت سيطرة قوى المعارضة. ولن تنتظر هيئة تحرير الشام حتى تتوحد الفصائل ضدها، بل ستستمر في إنهاكها وقضم مناطق وموارد منها حتى تستحوذ عليها تماماً قبل أن تنتقل لمواجهة العالم كما تتخيل. لحسن حظ القوى المعتدلة، لا لحسن تخطيطها ولكن لظروف موضوعية، لا يوجد أفق لهذا المشروع. بل على العكس، قد يكون أحد أهداف مناطق التهدئة الأساسية هو إتاحة الفرصة لسيادة المتطرفين قبل تبرير إبادتهم لاحقاً عندما تنضج الظروف. هنا قد يجد المعتدلين أنفسهم وجهاً لوجه أمام المتشددين، والخاسر هي قوى المعارضة.

إن أحد التفاعلات الهامة أيضاً هو تفعيل دور المجالس المحلية كعنصر قادر على بناء شرعية محلية وكمنسق للمساعدات الإنسانية وكلاعب تنموي مستقبلي حال استقرار الأوضاع سواء في ظل انتقال سياسي شامل أو تحت هدن مطولة. يتسابق جميع اللاعبين الآن، بما فيهم الروس، لتوثيق العلاقة مع مجالس إدلب المحلية. ويريد الأوروبيون والأمريكان أن يعمقوا التعاون القائم بينهم وبين المجالس لتطوير إداراتها وتعزيز مواردها. ولا يخلو الأمر من توسيع لنفوذهم لما وراء العسكريين الذين سيخفت نفوذهم بمجرد انتفاء الحاجة لخدماتهم. هذا أيضاً هو مقصد الروس من سعيهم للتواصل مع المجالس، فهم يحتاجون إلى توسيع دائرة نفوذهم لتشمل مناطق المعارضة سواء لاستيعابها سياسياً، أو لاستخدامها ضد الإيرانيين والأسد في وقت من الأوقات، أو حتى لتدميرها حالما انتفت الحاجة إليها أو كانت عقبة أمام طموحاتهم.

توصيات للمعارضة واللاعبين الدوليين

  1. المعارضة السياسية

لم تكن المعارضة السورية ضمن الموقعين على الاتفاق كما الحكومة السورية. ويعكس هذا التجاهل للسوريين مدى سيطرة القوى الدولية والإقليمية على الأوضاع ومدى هوان السوريين، نظاماً ومعارضة، في أعين حلفائهم. جدير بالملاحظة هنا أن مؤتمر الأستانة لم يُقدم للمعارضة السورية منصة لتقدم طلباتها وتمثيل شعبها وتحوَّل وفدها إلى مراقب للتفاعلات بين القوى الدولية والإقليمية كما الوضع في جنيف. لا حاجة إلى بيان غياب التأثير لكليهما بأكثر من ذلك. إن هناك الكثير من الهوامش والمساحات يمكن للمعارضة السياسية التركيز عليها، نقترح بعضه هنا:

  • الحوار مع الحلفاء لتشكيل وفد موحد للأستانة وجنيف: قد يكون من الضيم مطالبة المعارضة السورية بتوحيد جهودها في ظل تجاهل حلفائها لها، لكن الواقع يؤكد على ضرورة الضغط على الحلفاء من أجل تحقيق التوحيد. وهناك حاجة للحديث مع السعوديين والأتراك لتمكين إعادة بناء وفد موحد للأستانة وجنيف يعمل على التكامل بين المؤتمرين وعلى تشكيل المسار التفاوضي. قد يقلل كلا الوفدين من أهمية ذلك، لكن الحد الأدنى من القوة التفاوضية يفترض التوحد وهذا لا يتوافر حتى الآن. سيستغرق توحيد الوفدين جهوداً كبيرة ووقتاً ليس بالقصير، حتى يتحقق هذا يجب التنسيق بين الوفود على المستوى السياسي والفني.
  • رفع الجاهزية الفنية للتفاوض حول الملفات المتخصصة: هناك حاجة لتوفير المتخصصين في تنسيق العمليات الإنسانية، وملفات عودة اللاجئين وإعادة الإعمار مع وفود التفاوض. إن هناك اعتقاد خاطئ بأن التفاوض مع النظام وحلفائه سيكون حول الدستور والانتخابات، لكن في الحقيقة هناك الكثير من التفاصيل المتعلقة، على سبيل المثال، بتنفيذ وقف إطلاق النار مثل رسم خطوط التماس وتحديد المناطق العازلة وتشكيل قوات المراقبة، والتي تحتاج إلى متخصصين على إطلاع كامل بالأوضاع وعلى تواصل بوفد التفاوض وكذلك مع اللاعبين على الأرض.

كذلك يسود تصور بأن أحد العسكريين من الفصائل أو الضباط المنشقين قد يقوم بهذه المهمة، وهذا خطأ كبير. حيث أن المعرفة والمهارات الفنية المتعلقة بوقف إطلاق النار تتجاوز في كثير من الأحيان الخبرة العسكرية إلى ضرورة الإلمام بخبرات دولية في وقف إطلاق النار، ومعرفة بآليات المراقبة ومتطلباتها المادية، وإلمام بأوليات القانون الدولي الناظمة للعملية وكافة أطرافها. وبدون وجود هذه الجاهزية الفنية بشكل ملائم سيقوم الوفد إما بالتوقيع على ما لا يتوافق مع مصلحة السوريين، أو رفض التوقيع على اتفاقيات كان بالإمكان تحسينها في حال وجود خبرات فنية ملاءمة. خياران أحلاهما مر.

  • زيادة شرعية الوفد التفاوضي: إن أحد المعضلات الأساسية للمعارضة السورية هي عدم تحدثها للشعب السوري الذي من المفترض أنها تمثله، وضعف تواصلها مع اللاعبين المحليين.
    • الحديث للشعب السوري: هناك حاجة لتحسين التواصل مع السوريين في الداخل والخارج عبر توجيه خطابات ورسائل مستمرة قبل جولات التفاوض توضح الأهداف وأثناء التفاوض توضح القضايا وبعد التفاوض لتوضيح النتائج وشرح المسار المستقبلي. ومن الطبيعي جداً في حالة تشرذم وفود التفاوض وعدم قدرتها على تحقيق الحد الأدنى من انضباط أعضائها أن تضيع الرسالة الموجهة إلى السوريين ويضيع معنى تمثيل الوفد لمطالب السوريين.
    • التواصل مع المكونات المحلية: هناك حاجة للحصول على دعم الفصائل المعتدلة وإظهار ذلك في رسائل الوفد. هذه مهمة سياسية للوفد تتحقق بمساعدة الحلفاء وبدونها تنتفي سلطة الوفد الرمزية والعملية على طاولة التفاوض أمام النظام. أيضاً لابد من تمثيل مكونات الحوكمة المحلية بتأمين احتياجاتها عبر التشكيلات السياسية للمعارضة. فعندما يعجز التشكيل السياسي عن توفير احتياجات قاعدته المؤسسية والشعبية تصبح شرعيته محل شك كبير.
  1. المعارضة العسكرية

قد ترى المعارضة العسكرية في السياسيين أنهم غير جديرين بتمثيل تضحيات السوريين على الأرض، لكن دون بناء بديل سياسي يحظى بشرعية دولية لن تستطيع المعارضة العسكرية تحويل تضحياتها إلى بناء سياسي مستدام. ولا تبدو مهمة المعارضة العسكرية سهلة على الإطلاق، فبجوار مهمتهم للدفاع عن الأرض والعرض ومكافحة المعتدين والمتطرفين، يجب عليهم أيضاً أن يدعموا العملية السياسية عبر فريق تفاوض واحد. لا يسمح الوزن التفاوضي لجسم المعارضة ككل بتشتيت الجهود بين أكثر من فريق على أكثر من مائدة. كما لا يوجد هناك وزن سياسي، ولا إمكانات مادية ولا دعم فني كافيين. في مثل هكذا وضع ستضطر المعارضة لقبول ما يفرض عليهم ولا عزاء للشهداء. ولتلافي مثل هذا المصير، يمكن لجسم المعارضة العسكرية عمل التالي:

  • الضغط لتشكيل وفد تفاوضي موحد: لا يمكن لضغط من المعارضة السياسية على دول الإقليم والداعمين أن ينجح دون مشاركة الفصائل على الأرض لهذه الجهود. فلابد من توضيح الحاجة الماسة لذلك والرغبة في الدعم المادي والمعنوي لجهد تفاوضي موحد يمثل المعارضة بأغلب تياراتها.
  • تقديم رؤية عن دورهم في المرحلة الانتقالية: يتوقع من الفصائل أن تقدم رؤية تُجيب على أسئلة محورية بخصوص قدرتهم على توفير الأمن، والاندماج في جيش موحد، والسيطرة على السلاح، وكذلك مستقبل المقاتلين بعد انتهاء الحرب. إن عدم وجود أو وضوح الإجابة على هذه الأسئلة سيصعب عملية التفاوض، وكذلك سيهدر حقوق هؤلاء المقاتلين بما سيحبطهم ويحولهم لمشكلة أخرى برسم الانفجار.
  1. المجالس المحلية

من أجل أن يتم الحفاظ على المجالس المحلية ورفع قدراتها ومنع الاستغلال السياسي الإقليمي والدولي لها يقترح التالي:

  • التركيز على الطابع الاحترافي للمجالس في تقديم خدماتها وخدمتها لجميع السوريين بدون تمييز.
  • تعزيز شرعية المجالس عبر الحفاظ على دورية الانتخابات والنأي بها عن التجاذبات السياسية الأيديولوجية المحلية.
  • الحفاظ على الطابع المدني لعضوية ولوظيفة المجالس بعيداً عن تدخلات المعارضة العسكرية، وبما يكفل لكافة المواطنين المشاركة والتفاعل معها.
  • ينبغي أن تطالب المجالس المحلية بتحييدها عن الصراع العسكري وتحريم استهدافها من أي جهة كانت، وألا يخضع وجود وحماية المجالس لعملية التفاوض السياسي.
  • تعزيز العلاقات البينية بين المجالس المحلية في المحافظات ومع مجالس المحافظات.
  • الشفافية في جميع تعاملات المجالس مع المانحين لتجنب شبهة الانخراط في تحالفات إقليمية أو دولية تضر في المستقبل.
  1. الولايات المتحدة وأوروبا

يمكن للولايات المتحدة وأوروبا المساهمة في تحسين مضمون المفاوضات الجارية في الأستانة وجنيف وكذلك تسهيل الانتقال المؤسسي في المرحلة الانتقالية عبر التالي:

  • الانخراط أكثر في مفاوضات الأستانة ولو على مستوى تحسين الاتفاقات وضمان وجود آليات تنفيذية لها ومتابعة التنفيذ. حيث سيضعف هذا الأمر من إمكانية تجاهل نتائج الاتفاقات من قبل الدول الموقعة وسيعزز من الموقف المسؤول للولايات المتحدة وأوروبا تجاه القضية السورية.
  • دعم تشكيل وفد سوري واحد ورفده بالإمكانات المادية والفنية المطلوبة. ومن المهم هنا التأكيد على أهمية إتاحة تشكيل كفاءات سورية فنية داخل الوفد بدلاً من فرض شركات استشارات أجنبية بتكاليف مرتفعة ونتائج مشكوك في جدواها.
  • احترام مهنية واحتراف المجالس المحلية ودعمها بما لا يضعها في مرمى نيران التجاذب الدولي والإقليمي.
  1. روسيا

يمكن لروسيا أن تصل لنتائج أفضل وأسرع في جهودها الدبلوماسية لحل النزاع وتحسين مضمون المفاوضات الجارية في الأستانة وجنيف وكذلك تسهيل الانتقال المؤسسي في المرحلة الانتقالية عبر التالي:

  • عدم تقويض شرعية وفد المعارضة بإظهار حسن النية بعدم قصف قوات المعارضة ومنع النظام وحلفائه الإيرانيين من قصفهم.
  • التواصل مع الوفد قبل الجولات التفاوضية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عبر الأتراك، وذلك من أجل تحسين محتوى النقاشات وبالتالي مخرجات التفاوض. يجب أن يحصل وفد المعارضة على كافة المعلومات التي تمكنه من تمثيل مطالبه بشكل فعّال وتحويلها لنتائج ملموسة بعد التفاوض.
  • تسهيل وصول المساعدات الإنسانية لمناطق المعارضة لبناء الثقة مع المواطنين السوريين المعارضين للأسد وكذلك تدعيم شرعية وفد التفاوض.
  • التعامل مع المجالس المحلية باعتبارها ممثلة شرعية للسكان وتدعيم دورها كمقدم للخدمات والأمن في مناطق المعارضة وعدم محاولة استقطابها بما سيؤدي لفقدانها لشرعيتها وكذلك للدعم المحلي والمالي لها.
التصنيف أوراق بحثية