مدخل

خلال متابعة حركية أنشطة التعافي المبكر في مناطق المعارضة في ريف حلب ومحافظة إدلب يمكن ملاحظة انحسار المشاريع المنفّذة ضمن قطاعات النقل والمواصلات والمياه والنزوح الداخلي والتجارة؛ مقابل محدودية التنفيذ في قطاعات استراتيجية أخرى لعلّ أهمها قطاع التمويل، ولأهمية هذا القطاع وأدواره الوظيفية في تشكيل أطر دعم محلياتية ستحاول ورقة التوصيات التالية تنبيه الفاعلين حول إشكالية قطاع التمويل في المنطقة وضرورة العمل على تنويع القنوات التمويلية وتوجيهها نحو تطوير البيئة التمويلية وتنفيذ مشاريع صغيرة ومتوسطة في قطاعات إنتاجية كالزراعة والصناعة والخدمات.

بيئةٌ تمويليةٌ ضعيفة

في إطار رصد نشاطات التعافي الاقتصادي المبكر ضمن القطاعات التالية[1]: المياه، والنقل، والكهرباء، والزراعة، والتجارة، والإسكان والتعمير، والنزوح الداخلي، والصناعة، والتمويل، والخدمات الاجتماعية؛ نفّذت المجالس المحلية بالتعاون مع المنظمات العاملة في مناطق المعارضة نحو 3204 مشروعاً في ريفيّ حلب وإدلب خلال 3 أعوام بين 2018 و2021.
وشكّل الوزن النسبي للمشاريع اهتماماً أكبر بالمرافق الأساسية؛ كتأمين مياه الشرب عبر تمديد شبكات جديدة وإصلاح أعطال الشبكات القديمة، ومد شبكات صرف صحي، وتعبيد الطرق الفرعية والرئيسية داخل المدن والبلدات وخارجها بالإسفلت، وتقديم خدمات داخل المخيمات لتخفيف معاناة النازحين، فضلاً عن مشاريع أخرى مرتبطة بقطاع التجارة. حيث بلغت نسبة المشاريع المنفّذة في قطاع المياه والصرف الصحي 19% من إجمالي المشاريع الكلي، و18% في النقل المواصلات، و17% في التجارة، بينما بلغت نسبة المشاريع في الزراعة 8%، وفي كل من الكهرباء والتمويل 4% لكل منهما وفي قطاعي الصناعة والاتصالات 0%.

 

وتعتمد المجالس المحلية والمنظمات في تنفيذ المشاريع وتوظيف الكوادر على المنح والمساعدات المالية (الريع) المقدّمة من الدول والمنظمات الأجنبية، وتكاد تكون هذه الرافعة المالية الوحيدة لتنفيذ النشاطات والمشاريع فضلاً عن كونها المشغّل الرئيسي للسكان، وهو ما ربط حركة التعافي الاقتصادي المبكر وتنفيذ المشاريع من جهة بقرارات المانح وطرق توزيع الأموال اتجاه قطاعات محددة، ومن جهة أخرى بمحددات تعامل المجتمع الدولي حيال الملف السوري والتي تؤثّر على جحم التمويل من جهة أخرى، وبالتالي تمحورت معظم الأموال الممنوحة حول  أطر الأعمال الإغاثية أو التي تخدمها بشكل غير مباشر، ما أفرز هشاشة في الاقتصاد المحلي، وانكشاف على الخارج (تركيا)، واعتمادية متزايدة على فكرة المنح المالية، وعدم الالتفات لتوفير عناصر البيئة التمويلية من مؤسسات وأسواق وأدوات وخدمات مالية والتي تُسهم بدورها في خلق قنوات تمويلية جديدة  تعود على المجتمع بالفائدة المرجوّة.

تدفع المنهجية القائمة باتجاه ضرورة تبني مقاربات أخرى تُخفّف نسب الاعتمادية على الآخر؛ وتتكئ على التحسّن الطفيف في مؤشر التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق المعارضة (انظر الشكل رقم 2)، وتقوم هذه المقاربات المقترحة باتجاه تحويل منهجية عمل الأجسام الرسمية وغير الرسمية بشكل تدريجي نحو رفد القطاعات الاقتصادية ذات الشأن بتجديد الإنتاج الاجتماعي وتعبئة رؤوس الأموال المحلية والممنوحة في قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية والصناعة والكهرباء والاتصالات والخدمات عموماً ودعم بيئة المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

 

ثلاث أدوات لتطوير بيئة التمويل

يمكن الاعتماد على عدة أدوات لإيجاد بيئة تمويلية ضمن الظروف الحالية، وخلق قنوات تمويلية خاصة لتنفيذ مشاريع كثيرة مثل: مشاريع الطاقة المتجددة ومعالجة النفايات والصناعات النسيجية والطبية والغذائية والتقنية والمعدنية والورقية فضلاً عن المشاريع الزراعية والثروة الحيوانية ومشاريع استراتيجية متمثلة بشبكات الكهرباء والمياه والهاتف والانترنت والنقل والمواصلات والإسكان والتعليم وغيرها، ويمكن الاعتماد على ما يلي لتطوير هذه البيئة:

أولاً: المجالس المحلية وغرف التجارة والصناعة

ينبغي أن تلعب المجالس المحلية وغرف التجارة والصناعة دوراً محورياً في تهيئة بيئة العمل وتأسيس المشاريع، وفي سبيل تحقيق هذا الدور، يمكن التوافق على تشكيل خلية موحّدة باسم "هيئة إدارة المشاريع" تتعاون مع خبراء إداريين واقتصاديين في اختيار منطقة آمنة مناسبة لتأسيس وعمل المشاريع والشركات. تعمل الهيئة على كتابة نظام إداري وقانوني مرن يتضمن تفاصيل الترخيص والرسوم والضرائب والتوظيف والواردات والصادرات وأية تفاصيل أخرى، وتضمن معالجة كافة المخاوف والمشاكل المرتبطة بتأسيس المشاريع والعمل، وما يحتاجه صاحب الفكرة لتنفيذ مشروعه، والمستثمر سواءً كان فرداً أو منظمة أو شركة لضمان حقوقه وأرباحه، مع التأكيد على تضمين القوانين التركية والدولية ذات الشأن، ووضع خطة استثمارية تهدف لسد الفجوات في الأمن الغذائي والمائي والطاقة، وإيجاد فرص عمل للشباب.

 وتعمل هذه الهيئة ضمن المحاور التالية:

  • الاتفاق مع الجانب التركي، والمنظمات الدولية، على قواعد عمل هذه المنطقة وطرق الاستثمار فيها؛
  • تأسيس محكمة توظّف قضاة ومحامين في القضايا والحقوق المالية والتجارية والاستثمارية والنزاعات المرتبطة بها لاستمرار العمل ضمن بيئة قانونية صحيّة، وضمان حقوق الملكية والأوراق المرتبطة بالديون ورأس المال؛
  • وضع خطة تسويقية للمنطقة تتضمن الاستفادة من تجارب حواضن استثمارية قائمة، وزيارة بلدان عربية وأجنبية وبلدان المغترب السوري، ومنظمات محلية وأجنبية بهدف التشبيك وتعزيز الثقة وبناء جسور التواصل وجذب الاستثمارات المنشودة إليها؛
  • الاستفادة من المدخرات المحلية المتوفرة بيد قلّة من الأشخاص بالمنطقة عوضاً عن تسربها إلى الخارج، بما يُسهم في تمويل مشاريع واستثمارات متنوعة؛
  • تشجيع المستثمرين على تأسيس شركات مصرفية وإدارة أموال واستثمارات، تفيد في جذب الأموال المحلية والخارجية وتشغيلها في مشاريع ربحية؛
  • قوننة عملية "التمويل الجماعي" التي قد تُنفّذ من قبل المجتمع المحلي.

ثانياً: المنظمات المحلية

يُمكن للمنظمات المحلية العمل على توسيع دائرة العمل لتشمل قطاعات إنتاجية وإيجاد مانحين ومتبرعين، أفراداً ومؤسسات ودولاً، بكافة السبل المتاحة لتمويل مشاريع في الصناعة والزراعة والخدمات، ومن أجل ضمان نجاح أكبر للمشاريع يمكن تبني فكرة "الاحتضان" وتدريب صاحب المشروع مالياً وإدارياً وتسويقياً، بهدف إنجاح المشروع وتذليل الصعوبات. والجدير بالذكر أن المنظمات راكمت خبرة خلال السنوات الماضية وتمكنت من التأقلم في ظل ظروف عمل صعبة، فضلاً عن رصيد العلاقات والخبرة والموارد البشرية التي تمتلكها، ما يُمكنّها من تسويق واحتضان مشاريع إنتاجية تسهم في رفد المنطقة بالنجاح المطلوب.

ثالثاً: المجتمع المحلي

بات التمويل والعمل اللامركزي مُنافِساً قوياً للأنظمة البيروقراطية والمركزية في العالم خلال السنوات الماضية، يمكن الاستفادة من هذه الطفرة وتوأمة التجربة في مناطق المعارضة، عبر تشجيع أفراد في الداخل على تصميم منصات تمويل على الانترنت تستهدف جذب أصحاب المشاريع لعرضها على المنصة، وإتاحة التفاعل مع العالم لمشاركة الفكرة وجمع التمويل اللازم لتنفيذها، وقد تبدأ الأفكار انطلاقاً من تمويل فرد أو عائلة لشراء دواجن أو أبقار بمبالغ مالية صغيرة بهدف الاستفادة ممّا يتنج عنها، إلى تمويل مجموعة أفراد لصناعة منتجات معقّدة تباع في الأسواق المحلية أو الخارجية عبر أسواق إلكترونية. وتتيح هذه الطريقة تجاوز الصعاب والتحديات المحلية التي تواجه عملية التمويل، وتشجيع أصحاب الأفكار على طرحها وتنفيذها، وتأسيس مشاريع صغيرة متنوعة قابلة للنمو والتطور مع مرور الوقت، فضلاً عن خلق فرص عمل في المنطقة.

وتُصمم هذه الطريقة وفق نموذج "الكل أو لا شيء" بمعنى؛ ينفّذ المشروع في حالة جمع كامل المبلغ المطلوب فقط. ويوضّح الجدول التالي أنواع التمويل الجماعي المتاح:

 

خلاصة ختامية

إنّ تطبيق هذه الأطر وتنويع مصادر التمويل سيساهم في تعزيز شروط فعالية البيئة التمويلية، وبالتالي تطوير الاقتصاد المحلي بالمحصلة، ونقل دور المجالس والمنظمات والمجتمع المحلي رويداً رويداً من دور إغاثي عاجل إلى دور تنموي أكثر استدامة، إضافة لتعزيز جملة من الأمور في المنطقة من بينها:

  • دفع عجلة الاقتصاد وإيجاد فرص عمل تساهم في تعزيز استقرار السكان في تلك المناطق، فضلاً عن تحفيز فئات كثيرة من السوريين في دول الجوار للعودة إلى الداخل؛
  • الانتقال بشكل تدريجي من وضعية الاعتماد على الغير في تأمين الاحتياجات إلى الاعتماد على الذات، واكتساب الأجسام الإدارية القائمة ثقة عالية وأوراق تفاوض مع باقي الأطراف؛
  • تعزيز دور القطاع الخاص في رفد عملية التعافي الاقتصادي المبكر بالأعمال والمشاريع، وبالتالي منافسة مدن النظام وجذب التجار والصنّاع والأموال إلى مناطق المعارضة.

يُمثّل قطاع التمويل عصب الاقتصاد والأسواق إذ لا يمكن للأفكار أن تتحول إلى مشاريع، ولا يمكن للحكومة والمجالس المحلية أن تتقاضى الرسوم والضرائب بدون إنعاش هذا القطاع الهام. ومن شأن تطوير الاقتصاد المحلي في المنطقة خلال السنوات القادمة، تعافي المنطقة أكثر وصياغة هوية اقتصادية والعودة للحياة الطبيعية وتوظيف الكفاءات والكوادر في المكان المناسب، وتوفير تعليم وحياة أفضل للسكان.


 

[1] للاطلاع أكثر أنظر: مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق المعارضة بين النصف الثاني 2018 والنصف الثاني 2020 على الروابط التالية: https://bit.ly/3jafNuC، https://bit.ly/2WzyRLb ، https://bit.ly/37donmN ، https://bit.ly/3ffE9BY 

التصنيف أوراق بحثية

تمهيد

يشهد قطاع الزراعة في مناطق المعارضة إشكالات عدّة منها ارتفاع كمية المعروض الزراعي بشكل يفوق الطلب المحلي أمام ضعف القوة الشرائية للمواطن وافتقار البيئة المحلية لمصانع غذائية تستوعب الفائض، فضلا عن قلة قنوات التصدير الخارجية، وانخفاض الأسعار مقابل ارتفاع تكاليف الإنتاج ما يؤدي إلى مشاريع بدون جدوى، ولا تزال حركة التصدير إلى تركيا بالحد الأدنى من حيث الحجم والاستمرارية، حالت هذه الإشكاليات كلها دون تعزيز الإنتاج الزراعي وتوظيف القوة العاملة على مدار السنوات القليلة الماضية، ولم تنفع الديناميات الحوكمية الراهنة في إيجاد حلول جذرية لتلك الإشكالات ما وضع المزارع أمام خسائر متراكمة انعكست عموماً على تطور القطاع الزراعي.

تطرح ورقة التوصيات التالية بعد محاولتها تفكيك الإشكالات المعرقِلة للتنمية الزراعية، اختبار توصية مباشرة من شأنها تحقيق حد أدنى لتطور للقطاع الزراعي وخلق مساحات تحرك جديدة تساعد في بلورة حلول ناجعة.

إشكالياتٌ متراكمة

تتلخص الإشكالات التي يعاني منها قطاع الزراعة سواءً من حيث العرض أو الطلب بما يلي:

ساهم عدم حساب قدرة السوق الاستيعابية (الطلب) من المحاصيل الزراعية في تزايد الخسائر المالية للفلاحين وعدم جدوى الزراعة أصلاً، كما في محصول البصل والبطاطا مثلاً، حيث قدّرت المؤسسة العامة لإكثار البذار الفائض من إنتاج البصل المحلي حوالي 25% ومن البطاطا 19% من إجمالي الإنتاج، وبالكاد يربح المزارع 100 دولار في الهكتار الواحد بدون احتساب أتعابه في مادة البصل، بينما تبلغ خسارته 1668 دولار في الهكتار الواحد من زراعة البطاطا، بحسب دراسة تقديرية للمؤسسة العامة لإكثار البذار في 2020.

ولا يعد تصدير منتجات زراعية من مناطق المعارضة إلى مناطق النظام أمراً سهلاً وذو جدوى بسبب ارتفاع تكاليف النقل والإتاوات على الطريق، ففي الوقت الذي يبلغ كيلو البصل في منطقة الباب 200 ليرة يصل إلى سوق الهال في دمشق بحوالي 500 ليرة للكيلو ([1]). أما صادرات مناطق المعارضة إلى تركيا فلا تزال أرقامها غير مشجعة على الإنتاج، إذ صدّرت مناطق المعارضة في حزيران 2018 نحو 4000 طن بطاطا إلى تركيا فيما يبلغ الإنتاج المحلي للبطاطا في مناطق المعارضة قرابة مليون طن. وتجدر الإشارة إلى محدودية أدوار المجالس المحلية في دفع حركة التصدير (المتواضعة) إلى تركيا، فعادةً ما تُبدي الجهات التركية اهتماماً باستيراد سلعاً مثل العدس، والحمص، والفستق الحلبي، والرمان، والكرز، والبطاطا والبصل، بحسب حاجتها وبعد إبلاغ المجالس المحلية التي تقوم بدورها بلعب وساطة بين الحكومة التركية والمزارعين ([2]).

من جهة أخرى؛ لم تُسهم إجراءات أجسام الحوكمة القائمة في ضبط ميزان السوق بين السلع المورّدة من الخارج مع السلع المنتجة محلياً، ما أدى إلى إغراق السوق المحلية بمنتجات ومحاصيل مستوردة أضرّ بالمنتج المحلي. لا سيما بعدما خفضت الحكومة المؤقتة في شهر آذار 2021 الرسوم الجمركية على البضائع التركية الداخلة إلى مناطق ريف حلب عبر معبر السلامة والراعي وجرابلس والحمام وتل أبيض ورأس العين، كما يُظهر الجدول التالي ([3])

أيضاً لا يمكن – بطبيعة الحال – إغفال عدة إشكاليات ضاغطة على قطاع الزراعة كجفاف منابع التمويل وأثره المسحوب على قطاع الصناعة والتي تضم الصناعات الغذائية على مختلف أنواعها، وارتفاع تكلفة المواد الأولية وعلى رأسها حوامل الطاقة من كهرباء ومياه ومحروقات، وإغلاق الطرقات، فضلاً عن انخفاض القوة الشرائية لدى المواطنين. ناهيك عن ارتباط كل ذلك ببيئة أمنية قلقة وبإشكاليات مرتبطة في مسألة المياه وجفاف المياه الباطنية في مدينة الباب وحفر آبار عشوائية تستنزف المخزون الاستراتيجي للمياه، والعمليات العسكرية المتكررة التي تقضم مساحات زراعية واسعة.

التجمع الفلاّحي خطوةٌ دافعة

للتخفيف من عبء الإشكالات الواردة أعلاه فإنه ينبغي التوجه إلى دعم مقاربة العمل المدني اللا حكومي لقطاع الزراعة، والتي من شأنها تعزيز وتثمير التواصل مع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية ووضع خطة لضبط الإنتاج الزراعي واتخاذ قرارات حاسمة لتحقيق المصلحة الوطنية واستدامة الإنتاج المحلي ورأس المال الزراعي.

وفي سبيل تحقيق هذا يمكن إنشاء "جمعية الزراعة الوطنية" National Agriculture Authority اختصاراً NAA؛ وهي جمعية زراعية مدنية غير ربحية تضم المزارعين والنقابات الفلاحية المنتشرة في المنطقة. تُوظّف خبرات وكفاءات وطنية وتبني علاقات وشبكات اتصال مع المؤسسات العاملة؛ كمديرية الزراعة في الحكومة السورية المؤقتة، ومؤسسة إكثار البذار، والمجالس المحلية، واتحاد الغرف التجارية والصناعية، والمنظّمات الإغاثية. وتعمل على وضع خطة متكاملة لإدارة قطاع الزراعة، كمّاً ونوعاً، عرضاً وطلباً، تعتمد علامة تجارية للمحاصيل الزراعية المحلية، ومواصفات صحية وإدارة جودة مُطابقة للمواصفات العالمية، كما يصدر عنها تقريرٌ ربعي، يحمل بين طيّاته مؤشراً اقتصادياً لقياس حجم النمو في القطاع الزراعي لتعزيز قيم الشفافية.

وتتكون الجمعية كما يظهر في الشكل أدناه: من هيئة عامة تضم مزارعين ونقابات فلاحية من كل مدينة وبلدة، ينتخبون إدارة عامة، تعمل الأخيرة على تأسيس مكتب قانوني؛ للاهتمام بشؤون التراخيص الزراعية وحقوق الملكية وضبط عملية الاستثمار وإصدار الصكوك وضبط المخالفات، ومكتب تسويقي؛ لترويج المنتجات والمشاريع للمستثمرين الأفراد والمؤسسات والتفاوض مع الحكومات وتوقيع مذكرات التفاهم وبروتوكولات العمل لتسويق المحاصيل الزراعية وتأمين قنوات تصريف، ومكتب إدارة الإنتاج؛ يُعنى بحجم ما سيتم زراعته وتوزيعه على القنوات المختلفة من استهلاك محلّي للغذاء وصناعات غذائية وتخزين وتصدير، أما المكتب المالي فهو المسؤول عن حركة التقابض والسيولة المالية والعملية التمويلية والائتمانية.

ويمكن للجمعية العمل على أربعة محاور كخطة أولية كما يلي:

  • علامة تجارية مسجلة للزراعة السورية

يتضمن هذا المحور تأطير العملية الزراعية وهيكلة القطاع الزراعي برمته، وإصدار شهادة للمزارع تعبيراً عن ثقة الجمعية والمجتمع به وتقديراً لجهوده، وتتيح هذه العملية إحصاء كافة المزارعين ومتابعتهم بشكل حثيث والعمل على حل مشاكلهم والاستماع لشكاويهم. والخطوة الأخرى ختم المحصول بـ"دمغة" خاصة بالجمعية للدلالة على أن المنتج مطابق للمواصفات الصحية والزراعية العالمية وخاضع لرقابة الجمعية وثقتها، ومن شأن هاتين الخطوتين تحفيز المزارع للعودة إلى أراضه واكتساب ثقة أكبر بعمله وبمنتجه.

  • ضبط عملية الإنتاج

عدم حساب نقطة التعادل بين عرض المنتج وطلبه سيؤدي إلى ارتفاع أو انخفاض في الأسعار بشكل كبير، لذا ستعمل الجمعية مسبقاً على حسابات دقيقة لتحديد كمية الإنتاج بالنظر إلى حجم الطلب سواءً للاستهلاك أو التصنيع أو التصدير، كما ستعمل الجمعية في هذا الإطار لإدارة تكاليف عملية الإنتاج والحؤول دون خسارة المزارع في نهاية المطاف.

  • حماية المنتج المحلي

إصدار توصيات ورفعها للحكومة المؤقتة والفاعلين بالمجال الحوكمي لسن سياسات حمائية تحد من استيراد أي منتج مشابه لمواصفات المنتج المحلي، تجنباً لإغراق الأسواق والإضرار بالمنتج المحلي، وفرض ضرائب ورسوم على المنتج المستورد الشبيه بالمنتج المحلي، ومن شأن هذا حماية المنتج المحلي ورفع تنافسيته وتنويع الأسواق.

  • تسويق المنتج

ستعمل الجمعية في سياق عملية التسويق على بندين، الأول: مرتبط بالأساس القانوني للعقود والمواثيق التي تُبرم بين أي طرفين وفق الأطر القانونية المعمول بها في التسويات الدولية. والثاني: تعزيز أوراق القوة والتفاوض مع تركيا حول الواردات والصادرات من وإلى مناطق المعارضة وعبور المنتجات المحلية عبر الأراضي التركية لتصديرها للخارج.

  • تطوير بيئة التمويل والدفع

عدم توفر مؤسسات مالية مثل البنوك في مناطق المعارضة ساهم في تجفيف منابع الائتمان وهشاشة بيئة التمويل والدفع وألقى بظلاله على حركة سعر الصرف والأسعار، وعليه سيكون لزاماً على جمعية الزراعة الوطنية تصميم برنامج مالي ينظّم العملية الائتمانية والتمويلية، وتوقيع بروتوكولات عملٍ مع المنظمات والشركات والمصارف وفتح اعتمادات بنكيةٍ في تركيا ودولٍ أخرى بهدف تيسير عملية الدفع والاستلام، وإصدار صكوك مزارعة([4]) خاصة تُباع لمستثمرين سوريين في الداخل والخارج بضمانة الجمعية والمشروع الزراعي، فضلاً عن توجيه الأموال نحو دعم قطاع الصناعات الغذائية وصناعات متنوعةٍ في قطاع الزراعة.

خاتمة

لابد أن ولادة جسم جديد على شاكلة ما تقدم "جمعية الزراعة الوطنية" سيكون تحدياً كبيراً للمجتمع المحلي ولكن حساب تكلفة إنشاء الجسم والعملية برمّتها، ستكون ولا شك أقل من حالة الاستنزاف الحاصل في قطاع الزراعة، وستقطف المنطقة ثمار هذا العمل لا من خلال إيجاد أسواق قريبة وبعيدة لتصريف المنتجات وحسب، بل عبر زيادة الثقة بالمنتج السوري، وتنظيم العملية الإنتاجية للزراعة، وتمويل منشآت ومعامل غذائية، وإيجاد سلسة توريد محلية للمنظمات والشركات العاملة في الداخل عوض الاعتماد على الخارج، وأخيراً دفع عملية التعافي الاقتصادي المبكر نحو الأمام وصناعة نموذج حوكمي للمعارضة قادر على صناعة "الاستقرار".  

 

 

 ([1]) الفلاح يبيع كيلو البصل بـ 200 ليرة وكلفة نقله إلى دمشق 300 ليرة، تلفزيون سوريا، 26-1-2021 رابط: https://bit.ly/3CSLdyA

([2])Turkey starts importing potato from war-torn Syria, 27-6-2018, link: https://cutt.ly/zRC8lhw

([3]) “الحكومة المؤقتة” تعلن تخفيض الرسوم الجمركية للبضائع التركية، موقع السورية نت: 14-3-2021، رابط: https://cutt.ly/XRC3zs3

([4] الصكوك: أوراق مالية من أدوات التمويل المتوافقة مع الشريعة الإسلامية يرتبط الصك بمشروعات محددة وفرص استثمارية قائمة فعلياً أو قيد الإنشاء، ويساوي الصك قيمة حصة في ملكية ما ويحصل حامله على أرباح والحق في المشاركة بالإدارة ورأس المال والتداول، ومن بين أنواع الصكوك، صك المضاربة، والمرابحة، والاستصناع، والمساقاة، والمزارعة، والإجارة، والخدمات، وغيرها. 

التصنيف أوراق بحثية

ملخص تنفيذي

  • تم تنفيذ 870 مشروعاً ونشاطاً في مناطق المعارضة بالشمال، ريف حلب الشمالي والشرقي ومحافظة إدلب، خلال النصف الأول من 2021، بارتفاع 7% عن النصف الثاني 2020 أو بواقع 58 مشروعاً. وفي رصد لأعداد المشاريع في التعافي الاقتصادي المبكر أظهر التقرير تنفيذ 3304 مشروعاً بين 2018 و2021 في مناطق المعارضة.
  • استحوذ قطاع التجارة على النسبة الأكبر للمشاريع المنفّذة بواقع (185 مشروعاً) ثم قطاع المياه (182مشروعاً) ويليه قطاع النزوح الداخلي بواقع (143 مشروعاً)، وقطاع النقل والمواصلات (141 مشروعاً).
  • يلحظ التقرير قضايا عدة منها ارتفاع الأعمال المنفّذة في إدلب وريفها بواقع 51% لإدلب (448 مشروعاً) مقارنة بالمشاريع المنفّذة في حلب وريفها بواقع 49% (434 مشروعاً)؛ بالإضافة إلى استمرار التعاون والتنسيق بين المجالس المحلية والمنظمات العاملة فقد تم عقد 13 مذكرة تفاهم في مجالات عدة، بينها بناء مدرسة شرعية في بزاعة بين المجلس المحلي ومنظمة صكاريا. كما تلمّس التقرير ارتفاع فرص العمل التي تركز معظمها في القطاع الطبي وقطاع النزوح الداخلي لتنفيذ أعمال متعلقة بالمخيمات والبنية التحتية الخاصة بها، إذ تم تسجيل 1030 فرصة عمل تتراوح مدة الالتزام بها بين شهر و6 أشهر وسنة.
  • من بين نقاط الضعف التي أوردها التقرير عدم ذكر المنظمات والمجالس المحلية لتفاصيل الأعمال المنجزة ما يضيف ضبابية على عملية الرصد والتحليل، وبناء مناطق صناعية وأسواق "هال" تجارية قبل تأمين بيئة قانونية وضبط السياسات العامة والقوانين اللازمة لجذب الأموال وأصحاب المعامل والمصانع.
  • ومن بين نقاط القوة التي لحظها التقرير؛ استمرار العمل على مشاريع إنارة الطرقات وتركيب أنظمة طاقة شمسية لتوليد الكهرباء في مئات المنازل بالمنطقة، فضلاً عن تعبيد وتأهيل المزيد من الطرقات والساحات والأسواق، بالإسفلت وحجر الأنترلوك، وكذلك زيادة أعداد المناقصات والعطاءات في قطاع التجارة.
  • ويوصي التقرير بتوجيه المجالس المحلية المنظمات لبناء مجمعات سكنية، ونقل النازحين إليها بشكل منظّم، ووفق خطة ممنهجة يتم التخلص من المخيمات بعد فترة محددة، وبدء المجالس المحلية عملية تنظيم متكاملة لأوراق ومأسسة قطاعات الصناعة والزراعة والتمويل بما يسهم في تنظيم عملها أكثر، وإعطاء هوية أوضح للمنطقة، وتدفق أموال الاستثمار في المشاريع.

 

حول التقرير: المنهجية والأدوات

يحاول تقرير التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق المعارضة في مدن وبلدات "درع الفرات"، و"عفرين"، ومحافظة إدلب استكمال ما بدأه منذ النصف الثاني لعام 2018 عبر رصد نشاطات الفاعلين من مجالس محلية ومنظمات خلال النصف الأول لعام 2021 بين كانون الثاني وحزيران. ويهدف التقرير لتشخيص وفهم ثلاث أذرع ضمن التعافي الاقتصادي المبكر وهي:

  1. حركية النشاطات والأعمال المنجزة في المنطقة المحددة وبالتالي قياس تطور الاقتصادات المحلية ومقارنة المناطق والقطاعات مع بعضها بعضاً؛
  2. قدرة الفواعل على إيجاد بيئة آمنة للعمل والاستثمار تؤدي إلى خلق فرص عمل والقيام بأعمال ونشاطات متنوعة وتحريك الطلب المحلي؛
  3. قدرة المجالس المحلية على لعب دور حوكمي وتوقيع مذكرات تفاهم مع الشركات والمنظمات تسهم في رفد عملية التعافي المبكر بالنشاطات اللازمة؛
  4. معرفة حجم ما تصدره المجالس من تشريعات وقرارات وتعميمات والدور التشريعي الذي تلعبه المجالس في مأسسة العمل، وضبط آليات العمل فيها.

وتتشكل أهمية هذا التقرير من قدرته على تشخيص حركة الإنجاز في المشاريع الاقتصادية والتنموية المنفّذة بعموم المناطق التي يتم رصدها وتقييم الإيجابيات والسلبيات، مما يشكل دافعاً وإسهاماً لصنّاع القرار والفواعل لتوجيه الدعم وسد الثغرات في القطاعات الاقتصادية.

ركّز التقرير خلال عملية الرصد على المدن الرئيسية والبلدات المبين في الجدول رقم (2) التي شهدت نشاطاً اقتصادياً ملحوظاً، ووفقاً للتصنيف الصناعي المعياري الدولي، كما تم الاعتماد على المعرّفات الرسمية للمجالس المحلية والمنظّمات العاملة على "فيس بوك" و"تليغرام" وتسجيل نشاطاتها وتقاريرها الدورية الموضّحة بالجدول رقم (1)، وفق معادلة رصد مضبوطة تؤمّن القدرة على تحليل البيانات وفق مستويين، المستوى الأول مستوى القطاعات الاقتصادية، والثاني وفقاً للمستوى الجغرافي.

يوضّح الجدول أدناه خارطة الفواعل التي يرصد التقرير أنشطتها التنموية والخدمية والاقتصادية

 

 كما يظهر الجدول أدناه القطاعات ونوعية النشاطات/ القرارات المرصودة:

 

أولاً: مؤشرات التعافي الاقتصادي المبكر في النصف الأول من عام 2021

تم تنفيذ 870 مشروعاً ونشاطاً في مناطق المعارضة بالشمال، ريف حلب الشمالي والشرقي ومحافظة إدلب، بارتفاع عن النصف الأول بنسبة 7% أو بواقع 58 مشروعاً. وحسب الشكل رقم (1) فإن النسبة الأكبر للمشاريع المنفّذة كانت ضمن قطاع التجارة (185 مشروعاً) وقطاع المياه والصرف الصحي (182مشروعاً) وقطاع النزوح الداخلي (143 مشروعاً) وقطاع النقل والمواصلات في المرتبة الرابعة بواقع (141 مشروعاً) وقطاع الزراعة والثروة الحيوانية خامساً (64 مشروعاً).

ارتفعت الأعمال المنفّذة في إدلب وريفها كما يظهر في الشكل رقم (2) بواقع 51% لإدلب (448 مشروعاً) على المشاريع المنفّذة في حلب وريفها بواقع 49% (434 مشروعاً).

وبشكل أكثر تفصيلاً يُظهر الشكل رقم (3) توزع المشاريع على المناطق المرصودة، فقد حلّت مدينة إدلب في المرتبة الأولى (131 مشروعاً) في المؤشر، وجاءت مدن الدانا (89 مشروعاً) والباب (81 مشروعاً) في المراتب الثانية والثالثة على التوالي إضافة إلى اعزاز وسرمدا وعفرين، ويعود تركز المشاريع في هذه المدن إلى عوامل عدة لعلّ أبرزها تمركز معظم المنظمات المحلية والأجنبية فيها، وحجم الكثافة السكانية سواءً لأهل المنطقة والنازحين فيها، واحتوائها على أسواق تجارية ومعامل، ومن جانب آخر احتضانها لمخيمات ومساكن نازحين.

 

ويُظهر الشكل أدناه النسب المئوية لكل قطاع من القطاعات الأحد عشر التي تم رصدها، فقد حاز قطاعا التجارة والمياه على نسبة 21% من إجمالي المشاريع (870 مشروعاً)، و17% لقطاع النزوح الداخلي، و16% لقطاع النقل والمواصلات، فيما تباينت القطاعات الأخرى بين 3 و7%.

 

وفيما يخص القرارات التي اتخذتها المجالس المحلية في القطاعات المرصودة، بلغت عدد القرارات في هذه الفترة 36 قراراً وتعميماً في القطاعات كافة، ومن بين أبرز القرارات التي اتخذتها المجالس المحلية خلال هذه الفترة: منع تداول الليرة السورية فئة 2000 و5000 ليرة في مارع، ومنع المكاتب والمطابع بيع كتب ومذكرات ولوازم قرطاسية تشير إلى النظام وشعاراته وعباراته، وتنبيه المنشآت والعاملين في القطاع الصحي والرياضي للحصول على رخصة في الباب وأخترين، وتأسيس جمعية مصنعي الأحذية والمنتجات الجلدية في الراعي، وتفعيل رقم خاص لاستقبال الشكاوى ضد ارتفاع الأسعار في قباسين.

وتم عقد 13 مذكرة تفاهم في عموم المنطقة بينها: بناء مدرسة شرعية في بزّاعة، ومذكرة بين المجلس المحلي لسرمدا وجامعة الشمال الخاصة، ومذكرات عدة بين جامعة حلب الحرة وجامعات تركية ومراكز دراسات تهدف لتطوير الجامعة والعملية التعليمية. كما ارتفعت فرص العمل إلى 1030 فرصة، بنسبة 8% عن النصف الثاني 2020، جلّها عقود مؤقتة بين شهر و6 أشهر وسنة، تركزت في القطاع الطبي والنزوح الداخلي لتنفيذ أعمال متعلقة بالمخيّمات والبنية التحتية الخاصة بها.

استحوذ قطاع التجارة على المرتبة الأولى ضمن مؤشر التعافي بواقع 185 مشروعاً، أقل بـ8 مشاريع عن النصف السابق، حازت فيه إدلب على المرتبة الأولى بنحو 62 مشروعاً. يدفع حجم المناقصات لتوريد سلع وخدمات من قبل المنظمات في زيارة أعداد المشاريع في هذا القطاع، مثل توريد المياه والمازوت والمعدّات الكهربائية وطباعة الكتب وتوريد قرطاسية وتجهيزات عديدة أخرى.

 

وفيما يتعلق بقطاع المياه والصرف الصحي تم تنفيذ 182 مشروعاً في المنطقة كما يُظهر الشكل أدناه، بارتفاع 17 مشروعاً عن النصف السابق. وتربّعت مدينة الدانا في إدلب على رأس القائمة بواقع 30 مشروعاً، بعدها مدينتي سرمدا (17 مشروعاً) وعفرين (17 مشروعاً) وبعدها اعزاز وإدلب بواقع 15 و14 مشاريع لكل منهما.

 

وبالانتقال إلى قطاع النزوح الداخلي، حافظ هذا القطاع على معدل مرتفع للمشاريع بالمقارنة مع الفترات السابقة، بواقع 143 مشروعاً ما نسبته 17% من مجموع المشاريع المنجزة، وبارتفاع 24 مشروعاً عن النصف السابق، وحازت فيه كل من إدلب، وأطمة، وسرمدا على المراتب الثلاثة الأولى في المؤشر، نظراً لكثافة أعداد النازحين والمخيمات فيها، وشملت الأعمال تقديم خدمات البنية التحتية في المخيمات وترميم المنازل لتحسين الظروف المعيشية للنازحين القاطنين فيها.

 

ارتفعت أعمال قطاع الكهرباء في هذه الفترة عن النصف السابق بواقع 24 مشروعاً، إذ تم تنفيذ 43 مشروعاً في المنطقة. جاءت مدينة الباب على رأس القائمة بـ7 مشاريع وبعدها بزاعة، والراعي، تم خلالها إيصال الكهرباء للبلدات والمدن وتأهيل البنية التحتية في الكهرباء فضلاً عن إنارة الطرقات وصيانة المحوّلات، وتركيب طاقة شمسية في طرقات البلدات والمدن.

 

أما قطاع النقل والمواصلات فقد شهد تنفيذ 141 مشروعاً في المنطقة أقل بـ 13 مشروعاً عن النصف السابق في 2020، وحازت الدانا وقباسين وأخترين وسرمدا على المراتب الأربعة الأولى كما يظهر في الشكل أدناه. ومن بين المشاريع المنفذة استمرار رصف الطرقات والساحات بحجر الأنترلوك في العديد من البلدات والمدن مثل اعزاز، وأخترين، وعفرين، وقباسين، والدانا، وغيرها، كما تم تنفيذ تعبيد طرقات بالإسفلت مثل طريق اعزاز – كفركلبين، وطرق المحلق الشمالي في بزاعة، وتوسيع طريق بين إسقاط وحارم، وطريق بين سرمدا والدانا، ودير حسان والدانا، وطريق في كفرلوسين، وإصلاح طرقات بالبحص في سرمدا وأطمة والعديد من البلدات الأخرى.

 

سجّل قطاع الإسكان والتعمير تنفيذ 52 مشروعاً بزيادة 13 مشروعاً عن النصف السابق، وبقيت مدينة الباب في قمة المؤشر بواقع 25 مشروعاً كما يظهر في الشكل أدناه، واستمرت مشاريع نقل المخيمات إلى مجمعات سكنية مؤلّفة من مبانٍ  عدة تتسع لمئات العائلات ومجهّزة بكافة الخدمات، كما حصل في إدلب واعزاز والباب وحارم، بإشراف العديد من المنظمات بينها؛ منظمة إحسان للإغاثة والتنمية، وفريق ملهم التطوعي، ومنظمة بنيان، ومنظومة وطن، ومن بين المشاريع المهمة التي تم تنفيذها، ترميم السوق العام في اعزاز وبناء المنطقة الصناعية في جرابلس واعزاز والراعي، وتشييد مبنى الحكومة السورية المؤفتة في الراعي، وبناء سوق بديل عن البسطات في إدلب، وسوق شعبي يتضمن 50 نقطة بيع في سرمدا.

 

فيما يتعلق بقطاع الخدمات الاجتماعية فقد تم تنفيذ 26 مشروعاً أقل بـ 7 مشاريع عن النصف السابق، فقد نُفذت 3 مشاريع في كل من بزّاعة واعزاز والباب، ومن بين المشاريع التي نفّذت؛ إنشاء وترميم مدارس وجامعات ومشافٍ ومستوصفات ومراكز صحية ومرافقها وصالات ومراكز صحية.

 

بالنسبة لقطاع الزراعة والثروة الحيوانية فقد تم تنفيذ 64 مشروعاً بزيادة 8 مشاريع عن النصف السابق، بينها توزيع علف وبذار وسماد وتلقيح أغنام وأبقار في المنطقة تهدف إلى دعم الثروة الحيوانية في المنطقة ومساعدة الأهالي في تكاليف المواد الطبية، وكانت كل من عفرين وإدلب وريف حلب وقباسين في المراتب الأربعة الأولى ضمن هذا القطاع.

وفيما يتعلق بقطاع التمويل، تم تنفيذ 27 مشروعاً أقل بـ4 مشاريع عن النصف السابق، حازت فيه مدينة الباب على المرتبة الأولى، ومن بين المشاريع التي يتم تنفيذها في هذا القطاع، النقد مقابل العمل التي تستهدف أعمال النظافة العامة والمشاريع الخدمية، وتأسيس مشاريع تجارية صغيرة للمستفيدين، وطرح مزادات لاستثمار محال وصالات تجارية.

تم تنفيذ 6 مشاريع في قطاع الاتصالات، بينها تمديد الخط الضوئي إلى صوران واعزاز ومارع وإصلاح نقاط عدة من الكبل، وتركيب كاميرات مراقبة في شوارع أخترين، وتوسيع شبكة النت والهاتف في قباسين وإدلب. أما في قطاع الصناعة فقد تم تنفيذ مشروع واحد فقط في مجال تصنيع كمامات في ريف حلب.

أخيراً، يمكن القول إن النصف الأول من 2021 شهد تطوراً ملحوظاً في أعداد المشاريع المنفّذة، إذ ارتفعت المشاريع من 812 مشروعاً في النصف الثاني 2020 إلى 870 مشروعاً في النصف الأول 2021، بنسبة 7%. وبقي تركز المشاريع في قطاعات التجارة والمياه والنقل والنزوح الداخلي، وللمرة الثانية تجاوزت محافظة إدلب ريف حلب في تنفيذ الأعمال والمشاريع بواقع 51% لإدلب مقابل 49% لريف حلب، وشكلت زيادة الأعمال في إدلب رافعة مهمة لمؤشر التعافي في المنطقة، على رأسها تخديم النازحين في المخيمات وتحسين بنيتها التحتية، والعمل على إنشاء مجمعات سكنية للنازحين.

بالنسبة لفرص العمل فقد زادت هي الأخرى بشكل مطّرد، فقد ارتفعت من 224 (النصف الثاني 2019) إلى 891 في النصف الأول 2020 إلى 947 في النصف الثاني 2020 إلى 1030 فرصة مؤقتة ودائمة خلال النصف الأول 2021 مدفوعةً من ارتفاع فرص العمل في القطاع الطبي، سواءً في المدن والبلدات أو حتى ضمن المخيمات، فضلاً عن زيادة مشاريع البنى التحتية في قطاعات المياه والصرف الصحي وزيادة الطلب على أعمال النظافة والتعقيم بعد انتشار وباء كورونا.

ثانياً: التقييم العام

يُظهر الشكلان أدناه بيانات التعافي الاقتصادي المبكر بين 2018 والنصف الأول لعام 2021 ويمكن استخلاص مجموعة من النتائج من بينها:

  • تسير عملية التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق المعارضة في الشمال، ريف حلب وإدلب، بوتيرة بطيئة وبخطى ثابتة في تنفيذ المزيد من المشاريع والأعمال وتقديم الخدمات للسكان بالأخص الأساسية. إذ وصل مجموع المشاريع المنجزة بين 2018 والنصف الأول 2021 إلى نحو 3304 مشروعاً في القطاعات الأحد عشر المرصودة، كما في الشكل رقم (15)، ويظهر الشكل ارتفاع المشاريع من 338 مشروعاً في 2018 إلى 870 مشروعاً في 2021.
  • شكّلت قطاعات المياه والنقل والمواصلات والتجارة قاطرة عملية التعافي في المنطقة على مدار الفترة الماضية، وحازت على 19% 18و% و17% على التوالي من مجموع المشاريع التي تم تنفيذها خلال الفترة كلها كما يظهر في الشكل رقم (14)، وتشكل هذه المشاريع اللبنة الأولى نحو تحريك العجلة الاقتصادية والتمهيد لبيئة مستقرة أكثر وعدم العودة إلى العنف، وبالرغم من الحركة النشطة في هذه القطاعات إلا أن انحسارها فيه يؤشر لمواطن ضعف في قطاعات أخرى، مثل الصناعة، والتمويل، والاتصالات، والزراعة.

 

  • ولوحظ أيضاً أن قطاعات مثل التمويل والصناعة والخدمات الاجتماعية والاتصالات ما تزال تشكل مواطن ضعف مؤشر التعافي الاقتصادي في المنطقة، نتيجة انصراف المجالس والمنظمات إلى سد ثغرة كبيرة تتعلق بفقدان الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وطرقات، ولا شك أن تنفيذ مثل هذه المشاريع في هذه القطاعات ساهم في تسهيل معيشة السكان وإيصال الخدمات لهم.
  • حافظ قطاع النزوح الداخلي على ارتفاع مطّرد وبلغ مجموع المشاريع في كل الفترة نحو 473 مشروعاً، ما نسبته 14% من مجموع المشاريع كلها، ويشير هذا الرقم إلى ارتفاع أعداد النازحين جراء استمرار المعارك من جهة واستخدام موارد متزايدة من قبل المنظمات لتخديم النازحين في المخيمات من جهة أخرى.
  • تؤثر عوائق عدة على رأسها الأمنية، والسياسية، والمالية، على قطاعات التمويل، والصناعة، والزراعة، يُمثل هذا الثالوث دعامةً كبيرةً للاقتصاد المحلي، إلا أن المجالس والمنظمات لم تستطع تخطي العقبات الكثيرة التي تقف عائقاً أمام تنفيذ مشاريع فيها.

  • يُظهر الشكل رقم (16) توزع المشاريع على البلدات والمدن في مناطق المعارضة، إذ حلّت مدينة إدلب على رأس قائمة المدن الأكثر تنفيذاً للمشاريع بواقع 437 مشروعاً، وتلتها مدينتا الباب واعزاز 402 و306 على التوالي. ويشير تركز المنظمات المحلية والأجنبية من جانب، والمخيمات من جانب آخر إلى استقطاب هذه المدن للمشاريع بشكل أكثر من غيرها. ومن جانب آخر يلحظ التقرير التغيرات الجذرية التي حلّت على بعض القرى والبلدات الصغيرة التي باتت مع تدفق النازحين وتموضع المخيمات والمنظمات ونشاط المجالس المحلية فيها وظروف الحرب، حواضر كبيرة تحظى بأهمية وذات كثافة سكانية عالية، مثل بزّاعة والدانا وسرمدا، وأخيراً يتضح من الشكل أيضاً؛ صعود بعض البلدات والمدن إلى أعلى الترتيب جراء ارتفاع سوية الأعمال المنفّذة فيها خلال الفترة القريبة الماضية، مثل الدانا وعفرين.

تبين نتائج الرصد في النصف الأول لعام 2021 جملة من نقاط القوة والضعف قي القطاعات المرصودة في مناطق "درع الفرات" و"عفرين" ومحافظة إدلب، فبالنسبة لنقاط الضعف يمكن شملها بالنقاط الآتية:

  • ما تزال العديد من المنظمات والمجالس المحلية لا تصرّح بأعمالها المنجزة في المنطقة، أو لا تذكر تفاصيل ووصف المشروع ومكانه عند نشر صور تنفيذها لمشاريع لأسباب عديدة بينها أمنية، ومع عدم وجود مركز إحصاء مركزي، يحيل هذا إلى ضبابية في عملية الرصد قد ينعكس على تحليل القطاعات والمدن بشكل أو بآخر.
  • تم الإعلان عن تنفيذ مشاريع مدن صناعية، وأسواق هال تجارية، وتجاوز خطوات تسبق هذا الإعلان وهذه المشاريع، مثل تجهيز بيئة قانونية ذات قوانين وتشريعات تساعد هذه القطاعات الاستراتيجية، والتسويق لها لجذب الأموال والمصانع إلى المنطقة.
  • تشكل المخيمات المتناثرة في المنطقة عبئاً ليس على ساكنيها وحسب، بل على المنظمات والمجالس المحلية أيضاً، بسبب استهلاكها العالي للموارد المالية التي يمكن توجيهها إلى قطاعات وبلدات أخرى، أو يمكن ضخها في بناء مجمعات سكنية يقيم فيها النازحون ويهنئون بحياة أكثر أمناً واستقراراً.


أما بالنسبة لنقاط القوة التي يسجلها التقرير:

  • خلال هذه الفترة استمرت المجالس المحلية في إنارة المزيد من الطرقات في بلدات ومدن عدة، سواءً من خط الكهرباء الرئيسي أو من ألواح شمسية، فضلاً عن تركيب أنظمة طاقة شمسية لتوليد الكهرباء في مئات المنازل كما في كفر تخاريم وسلقين ومعرة مصرين.
  • إذا كانت هناك فروقات يمكن لحظها في المنطقة بين كل نصف عام، فهي تعبيد وتأهيل الطرقات والساحات والأسواق، بالإسفلت وحجر الأنترلوك، إذ يتم تشبيك المدن والقرى بعضها بعضاً بالشكل الذي يسهّل عملية تنقل المدنيين والتجارة المحلية.
  • زيادة اعتماد المنظمات في تنفيذ المشاريع على منح المناقصات والعطاءات، وهو ما ساهم في ارتفاع أعداد المشاريع في قطاع التجارة والمنطقة عموماً.

توصيات ختامية

في ظل ارتفاع مؤشر التعافي الاقتصادي المبكر خلال النصف الأول من 2021 يورد التقرير توصيتين من شأنهما رفد العملية بمزيد من التنسيق في المنطقة وفواعلها، ومزيد من العمل في القطاعات غير الفاعلة حتى الآن:

  • توجه المجالس المحلية والمنظمات لبناء مجمعات سكنية ونقل النازحين إليها بشكل منظّم ووفق خطة ممنهجة، يتم التخلص من المخيمات بعد فترة محددة، سيسهم هذا الأمر في إعادة توزيع رأس المال المتوفر نحو قطاعات اقتصادية أخرى مثل الصناعة والتمويل والزراعة والثروة الحيوانية والاتصالات والإسكان والتعمير، وتخليص النازح من عبء حياة المخيمات البالية، وسوء ظروفها المعيشة.
  • أن تبدأ المجالس المحلية عملية تنظيم للبيئة التمويلية والصناعية عبر مأسسة متكاملة للأوراق والقوانين والهيئات الناظمة لعمل هذه القطاعات، بالشكل الذي يقدم المنطقة بيئة جاذبة للاستثمار تحتوي على كل المرغّبات التي يبحث عنها رأس المال، وصاحب المصنع، والمعمل، والورشة.

 

التصنيف التقارير

 

تمهيد

ما تزال مناطق سيطرة المعارضة في شمال وشمال غرب سورية تواجه العديد من المشكلات المركبة، والتي تعيق تحقيق الاستقرار، بعد أكثر من ثلاثة أعوام على تحرير المنطقة من تنظيم "داعش" و"قوات سوريا الديمقراطية"، عبر عمليتي"درع الفرات" و"غصن الزيتون"، فمع استتباب الأوضاع العسكرية نسبياً بقيت الأحوال الاقتصادية تشكل هاجساً كبيراً للسلطات الحوكمية التي تشرف على إدارة المنطقة.

تهدف عملية التعافي الاقتصادي كجزء من عملية التعافي المبكر إلى مساعدة المجتمعات المحلية للعودة إلى نوع من الحياة الطبيعية، واستقرار الوضع لمنعه من العودة إلى العنف والأزمة، ويتمثل الهدف العام للتعافي المبكر في شقين، الأول: استرجاع البنية التحتية الأساسية المادية والاجتماعية، التي تساعد على استئناف السكان لأنشطتهم الاقتصادية والاجتماعية؛ والثاني: توفير حلول مستدامة للمشكلات التي تعاني منها المنطقة، والتفكير بأهداف التنمية بعيدة المدى.

ويتكون برنامج التعافي الاقتصادي المبكر بحسب الأمم المتحدة من 3 مسارات، تبدأ بالتوازي بسرعات وكثافة مختلفة أثناء عملية التفاوض على اتفاق سلام أو تسوية سياسية. والمسارات الثلاث هي([1]): إحلال الاستقرار، توفير الدخل والتوظيف الطارئ، والمسار الثاني إعادة الدمج المحلي، والمسار الانتقالي، خلق وظائف مستدامة وعمل لائق في المسار الثالث. وبينما ينشغل المسار الثاني والثالث في خضم المرحلة الانتقالية، تنظر الورقة التالية في المسار الأول الذي يستهدف المقاتلين السابقين والشباب واللاجئين والعائدين إلى مناطق النزاع، وتُعطى الأولوية في هذا المسار للإجراءات قصيرة المدى، التي تخلق فرص عمل وتدعم العمل الحر، كما يوصي هذا المسار بالبرامج الضرورية لتحسين سبل العيش وتدعيم الاستقرار، مثل تقديم النقد مقابل العمل، والتوظيف الطارئ في القطاع العام والتدريب وتمويل الأعمال والمشاريع الناشئة.

تحاول هذه الورقة تلمس ملامح الاستقرار الاقتصادي في مناطق المعارضة، ضمن ظروفها السياسية والعسكرية والاقتصادية، منطلقة من أن بناء الاستقرار سيكفل وضع المنطقة في مصاف المرحلة الأولى من مراحل التعافي الاقتصادي المبكر، وينقل البلاد من النزاع إلى السلم، ويمهّد لإعادة الإعمار، دون نسيان شروط تحقيق السلام: البيئة الآمنة، والاتفاق السياسي.

واقع التعافي المبكر وفق القطاعات الاقتصادية والتنموية

بالنظر إلى ما تم جمعه من بيانات وإحصاءات، حول المشاريع والنشاطات في "درع الفرات" وعفرين وإدلب بين 2018 و 2020، فقد عملت المجالس المحلية والمنظّمات على إرساء قواعد الاستقرار، وفق منظورٍ ونطاقٍ ضيّقٍ، يتناسب وطبيعة وظروف المنطقة، فقد تركز اهتمامها على تأمين الخدمات الأساسية للسكان، على الرغم من عدم توفر أبسط المتطلبات والظروف الملائمة للعمل، جراء البيئة الهشّة المهدَدَة بعودة العنف، وعدم توافر الموارد المالية لتمويل المشاريع، وصرف جزء كبير من الأموال والجهد على العمل الإغاثي لمساعدة النازحين، والمهددات الأمنية المتمثلة بالاغتيالات والتفجيرات والخلافات بين الفصائل، واشتعال الجبهات بين الفينة والأخرى. يوضّح الجدول أدناه([2]) أرقاماً مفصّلةً حول المشاريع المنفّذة في القطاعات الأحد عشر([3])، نسوق من خلاله أبرز الملاحظات والنتائج وفقاً للقطاعات والمدن على مدار عامين ونصف بين 2018 و2020:

- بلغ إجمالي الأعمال والمشاريع التي تم تنفيذها في "درع الفرات" وعفرين وإدلب نحو 2434 مشروعاً، موزعاً على قطاعات اقتصادية عدة، لوحظ فيها ارتفاع الأعمال المنفّذة بشكل مطّرد، من 338 مشروعاً في النصف الثاني لـ 2018، إلى 812 مشروعاً في النصف الثاني لـ 2020. حاز خلالها قطاع النقل والمواصلات على الاهتمام الأوسع في تنفيذ المشاريع، إذ تم تنفيذ 451 مشروعاً، ساهمت في ترميم ما دمرته الحرب من طرقات رئيسية وفرعية، ووصل القرى والمدن بعضها ببعض، وتسهيل حركة المدنيين والتجارة البينية.

  • تنفيذ 441 مشروعاً في قطاع المياه والصرف الصحي، تتضمن إصلاح الشبكات القديمة، وتمديد شبكات جديدة، وإجراء ورشات دورية في إصلاح الأعطال، وقد وفرت هذه المشاريع في مختلف المناطق خدمة إيصال المياه النظيفة للسكان بدلاً عن شراء المياه من الآبار. كما تم إيصال الكهرباء عبر التعاقد مع ثلاث شركات تركية، هي: AK ENERGY وEST والشركة السورية التركية للكهرباء، عملت على استجرار الكهرباء من تركيا إلى مناطق عدة في المنطقة، أنارت المنازل والشوارع بعد خروج شبكة الكهرباء في المنطقة عن العمل، فتم تنفيذ 91 مشروعاً.
  • بلغ عدد المخيمات نحو 1293 مخيماً، بينها 282 مخيماً عشوائياً، وعدد سكان تلك المخيمات 1,043,869مليون نازح، من أصل أكثر من 4 ملايين شخص يسكنون المنطقة. وفي سبيل خدمة النازحين في تلك المخيمات؛ تم تنفيذ 330 مشروعاً، على شاكلة تمهيد الطرقات بين الخيم، وتمديد شبكات مياه وصرف صحي، وإيصال الكهرباء، وكانت المشاريع الأبرز في هذا القطاع بناء عشرات التجمعات السكنية، التي تضم آلاف الوحدات السكنية، ومن شأنها توفير منازل آمنة ومستدامة للنازحين، تقيهم حر الصيف وبرد الشتاء، وتخفّض من فاتورة إغاثة المخيمات.
  • تنفيذ 295 مشروعاً في قطاع الإسكان والتعمير، مثل استخراج تراخيص وإنشاء أبنية سكنية وتجارية، و150 مشروعاً في قطاع الخدمات الاجتماعية، ممثلة ببناء المدارس، والمشافي، والمستوصفات، والملاعب، والحدائق، وترميم الأسواق التاريخية، والمرافق العامة الأخرى.
  • 198 مشروعاً تم تنفيذها في قطاع الزراعة والثروة الحيوانية، يتركز معظمها في دعم المزارعين بالبذار والأعلاف والسماد، وتلقيح الأبقار، والأغنام، والدجاج. وتبع الزراعة قطاع التجارة بواقع 191 مشروعاً على مدار عامين ونصف، بالاستفادة من تطور حالة الطرق، والتشبيك الحاصل بين القرى والمدن من جهة، وبين المنطقة وتركيا من جهة أخرى، فضلاً عن زيادة أعداد المناقصات والعطاءات من قبل المنظمات. وأخيراً بقي قطاعات، مثل التمويل، والصناعة، والاتصالات، الأضعف في مؤشر التعافي الاقتصادي المبكر، محققة 91 و12 و7 مشاريع لكل منها على التوالي، على الرغم من إنشاء غرف تجارة وصناعة، وإنشاء 3 مناطق صناعية في الباب والراعي وإعزاز.

واقع التعافي المبكر وفق المدن

وعلى مستوى المدن، يُلاحظ بالنظر إلى الجدول رقم (2) مدينة الباب في قمة المؤشر، بواقع 321 مشروعاً، نُفذت في مختلف القطاعات الاقتصادية، معظمها جاء من مشاريع الإسكان والتعمير، وجاء بعد الباب مدينة إدلب بـ306 مشاريع، معظمها في النزوح الداخلي وقطاع المياه والزراعة، ومن ثم مدينة إعزاز بـ259 مشروعاً، بفضل مشاريع الكهرباء والمياه والنقل. ومن بين الأسباب التي ساهمت في تنفيذ مشاريع أكثر من غيرها من المدن: الكثافة السكانية المتأتية من النازحين؛ وتواجد كثيف للمنظمات، والفصائل العسكرية، والتجار، والمستثمرين الأفراد؛ ومركزية هذه المدن وأهميتها ما قبل الثورة، ما يجعلها تحذو نحو التطور أكثر من غيرها من المدن. وقد ساهم تركز المشاريع في مدن محددة مثل إعزاز والباب وإدلب في أن تكون حواضر المنطقة، من حيث النشاط العمراني، وحركة الأسواق التجارية.

وغابت العديد من البلدات والمدن في العام 2018 و2019، لكنها شهدت نشاطاً أكثر في قطاعات عدة، كما في سرمدا والدانا ومعرة مصرين وحارم وأطمة، بفضل أعمال قطاع المياه والنقل والنزوح الداخلي. فيما اختفت مدن من المؤشر لاحقاً بعد سيطرة النظام على بلدات ومدن عدة في جنوب إدلب، مثل معرة النعمان وسراقب.

ومما يمكن لحظه أيضاً على المستوى الإداري، تشكيل غرف تجارة وصناعة، واتحاد لتلك الغرف، وتعاونيات، وجمعيات متخصصة في الحرف والمهن، مثل جمعية للصيّاغ والملابس والنسيج، تعمل على مساعدة التجار والصناعيين في إصدار إذن عبور بين سورية وتركيا، وتأسيس وترخيص الشركات، والتواصل مباشرة مع الولاة الأتراك المسؤولين عن المنطقة. كما حاولت المجالس المحلية لعب أدوار نقدية في المنطقة، عبر استبدال الليرة السورية بالليرة التركية، ومنع التعامل مع النظام، ومنع استيراد أو تصدير بعض المواد من وإلى تركيا، حفاظاً على استقرار الأسعار، فضلاً عن توقيع عقود ومذكرات تفاهم مع العديد من الشركات والمنظمات لتنفيذ مشاريع وتقديم خدمات.

التحديات والتوصيات الختامية

نجحت المجالس المحلية والمنظمات في تنفيذ المشاريع والنشاطات ما دفع ببدء عملية التعافي الاقتصادي المبكر، وتلمس ملامح استقرار نسبي على مستويات عدة، ومع تجاوز 3 أعوام على تحرر المنطقة من تنظيم "داعش" في 2017، ورصد نشاطات وأعمال عامين ونصف في المنطقة، تواجه المنطقة تحديات عدة، يمكن تقسيمها وفق الأطر التالية:

إطار أمني عسكري

ما تزال المعارك تشكل مثبطاً رئيسياً لأي نشاط اقتصادي وعملية استقرار في المنطقة، إذ أسهمت المعارك في ريف إدلب الجنوبي في سيطرة النظام على مدن كبيرة، مثل معرة النعمان وسراقب، ساهمت في زيادة أعداد النازحين، وقضم مساحات زراعية كبيرة. ومن جانب آخر، ما يزال مؤشر الاغتيالات يسجل ارتفاعاً في المنطقة، يسهم في زعزعة أمن المنطقة واستقرارها، وزيادة شعور التجار والأهالي بالتهديد، إذ شهدت مناطق "درع الفرات" وعفرين 67 عملية اغتيال وتفجير بعبوات ناسفة، أسفرت عن 39 ضحية من قبل غرفة عمليات غضب الزيتون، وخلايا تنظيم "داعش"، وأخرى مجهولة المنفّذ، استهدفت عناصر الجيش الوطني والجيش التركي. أما في إدلب فهناك 25 عملية بين اغتيال وتفجير بعبوة ناسفة وطيران مسير، أسفرت عن 51 ضحية، استهدفت عناصر وقيادات جهادية، وفصائل الجبهة الوطنية للتحرير والجيش التركي.

إطار قانوني وإداري

ما تزال البيئة القانونية تعاني من مواطن ضعف نتيجة تعدد السلطات القضائية؛ بين من يتّبع شكل الجهاز القضائي السوري في منطقة "درع الفرات" وعفرين، ومن يتبع مجلساً أعلى للقضاء، مكون من المشايخ، ويعتمد على أحكام الشريعة الإسلامية في إدلب وريفها، فضلاً عن احتكام المنطقة للقوى العسكرية والفصائلية. كما يسبب ترهّل القضاء وضعف القوانين الناظمة للأعمال والشركات والأموال والحقوق والعقود، في بطء عملية الاستقرار، ودخول الرساميل، وزيادة الاحتكار، والفساد. ومن ناحية ثانية ما تزال حالة التشظي بين المجالس المحلية والحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ تظهر المنطقة بهويات عدة، ومنهجيات مختلفة، في الإدارة وصناعة القرار.

إطار سياسي

تسبب تأخير الحل السياسي وفق القرارات الدولية ذات الشأن بالملف السوري، في تشكيل هاجس كبير لدى سكان المنطقة، والمغتربين الراغبين بالعمل والاستثمار فيها، وللدول الفاعلة والصديقة للمعارضة السورية، إذ يرتبط مصير مناطق المعارضة بشكل الحل السياسي، والتوافقات الإقليمية والدولية حولها.

تشكل الأطر الآنفة الذكر دافعاً في تأخير أي عملية استقرار وتعافٍ اقتصادي مبكر في المنطقة، وهي تحديات لا يسع للأجسام الحوكمية إلا أخذها بالاعتبار، والتواءم معها، وترتيب أوراقها الداخلية، إذا أرادت جذب المزيد من الاستثمارات والأعمال والأموال، ودفع عملية الاستقرار نحو الأمام. وتبعاً لتموضع المنطقة في المسار الأول من عملية التعافي الاقتصادي المبكر، إحلال الاستقرار، وتبعاً لأرقام وبيانات ما تم رصده على مدار عامين ونصف وللتحديات أعلاه؛ توصي الورقة بما يلي:

  • بعد إقدام غرف التجارة والصناعة في المنطقة على تشكيل اتحاد لها، سيكون من المفيد جداً إتباع هذه العملية بسياسات من شأنها توحيد شكل الإجراءات والقوانين فيما بينها، وإصدار قرارات استثمارية تغطي الفجوة القانونية والقضائية، وترسم آليات حفظ الحقوق والذمم المالية، وشكل العقود والتراخيص وأنواعها وشروطها، ووضع هيئة مختصة تتبع للاتحاد، لتنفيذ هذه المهمة.
  • تأسيس جمعية مالية ذات مساهمة محدودة بين اتحاد غرف التجارة والصناعة، وتحوز على ثقة وضمان رجال الأعمال، والوجهاء، والمجالس المحلية، والمنظمات، ويعمل فيها أصحاب الاختصاص، تقدم خدمات مالية محلية، من قبيل إيداع الأموال وسحبها، وتصريف العملات الأجنبية، وتعمد إلى فتح اعتمادات مالية في بنوك، مثل تركيا، وأربيل، وقطر، لتسهيل تحويل الأموال بين المنطقة وتلك الدول لأغراض تجارية.
  • نقل نشاط المنظمات الإغاثي، ولو جزءٌ منه، إلى نشاط تنموي، عبر تأسيس أذرع حاضنات أعمال خاصة Business Incubator، تهتم بدعم الصناعات الخفيفة، والحرف، والمهن اليدوية، وإحلال ما يمكن إنتاجه محلياً، عبر تقديم قروض متناهية الصغر، والدخول في عقود تشاركية مع تلك الأعمال.

ختاماً، تشكل عملية التعافي الاقتصادي المبكر الركيزة الأساسية في إخراج المنطقة من دائرة العنف والعودة للحياة الطبيعية، ولا يتم هذا إلا بتوفر الإرادة، وتكاتف جهود المؤسسات الرسمية مع المجتمع المدني؛ لتحقيق الأهداف المرسومة، والصعود في سُلّم مستويات التعافي المبكر. بعد ثلاثة أعوام يمكن القول إن المنطقة، وبفضل مشاريع وخدمات المجالس والمنظمات المحلية العاملة في سورية، استطاعت التقدم في المستوى الأول من التعافي المبكر، إحلال الاستقرار، عبر تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، وتنظيم شؤون الحياة المختلفة، ولا شكّ، يعد هذا دافعاً لاستقرار الأهالي، وتحريك عجلة الاقتصاد. من شأن استمرار عمل المجالس المحلية والمنظمّات على هذه الوتيرة، والأخذ بالتحديات بعين الاعتبار، والتشاور مع الكفاءات الوطنية؛ التطور أكثر ضمن المستوى الأول في عملية التعافي الاقتصادي المبكر، والمضي قدماً نحو المستوى الثاني، إعادة الدمج المحلي.


 

 

 

([1])  United Nations (2009), United Nations Policy for Post-Conflict Employment Creation, Income Generation and Reintegration, UN system-wide policy paper: https://bit.ly/337K7xb

([2] ) انظر مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق المعارضة بين النصف الثاني 2018 والنصف الثاني 2020 على الروابط التالية: https://bit.ly/3jafNuC، https://bit.ly/2WzyRLb ، https://bit.ly/37donmN ، https://bit.ly/3ffE9BY 

 ([3]) القطاعات الأحد عشر التي تم رصدها هي: التجارة، والصناعة، والزراعة والثروة الحيوانية، والتمويل، والاتصالات، والإسكان والتعمير، والخدمات الاجتماعية، والكهرباء، والمياه والصرف الصحي، والنقل والمواصلات، وأخيراً النزوح الداخلي.

 
التصنيف أوراق بحثية

ملخص تنفيذي

  • تهدف الورقة إلى التعرف على جهود الفاعلين في برامج سبل العيش في القطاع الزراعي من هيئات دولية ومنظمات محلية ودولية ومجالس محلية، وقياس أثر هذه البرامج في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للسكان المحليين في منطقتي درع الفرات وعفرين. وإبراز أهم المعوقات التي حدت من فاعلية هذه البرامج، والإضاءة على أهم الفواعل الرئيسيين ذوي الصلة بها.
  • يواجه القطاع الزراعي في هاتين المنطقتين جملة من التحديات من أهمها عدم فاعلية الكيانات الحوكمية الناظمة للنشاط الزراعي، وارتفاع كلفة مدخلات الإنتاج الزراعي، وصعوبة تصريف المحاصيل والمنتجات الزراعية، إلى جانب غيرها من التحديات الأخرى التي أدت إلى انخفاض عوائد الإنتاج الزراعي وتأخر تعافيه.
  • لم ترق برامج سبل العيش في القطاع الزراعي إلى المستوى الاستراتيجي الذي يمكن القطاع الزراعي من التعافي بشكل أكبر لأسباب ترتبط بضعف التمويل وعدم استدامته، وغياب التنسيق الكامل بين الكيانات المسؤولة عن النشاط الزراعي في هذه المناطق.
  • يلاحظ وجود تحسن مستمر في حركة تعافي القطاع الزراعي في هاتين المنطقتين خلال الأعوام الماضية، مع تباين مستوى التدخلات التنموية لدعم حركية هذا التعافي. ويرجع ذلك بشكل أساسي للجهود المبذولة من قبل الفواعل ذوو الصلة بهذا القطاع وتوفر البيئة الأمنية شبه المستقرة.
  • إن نجاح عملية التعافي المبكر في القطاع الزراعي في هاتين المنطقتين يعتمد في جانب كبير منه على وجود جهة متخصصة تكون قادرة على تشخيص مقومات واحتياجات هذه المناطق بشكل دقيق، بحيث يتم وضع خطط تعافي تتلاءم والسياق المحلي عبر تعظيم الاستفادة من الموارد المحلية، وتفعيل الدعم المقدم من الخارج.

 

مقدمة

مع الانحسار التدريجي للاشتباكات العسكرية داخل مناطق درع الفرات وعفرين مؤخراً، وشيوع حالة من الهدوء النسبي الذي تشهده الحدود المتاخمة لها، بدأت هذه المناطق تشهد ملامح عودة تدريجية إلى طبيعتها المدنية، ولتبدأ مرحلة التعافي المبكر من التبعات التي خلفتها هذه الاشتباكات، وإعادة بث الحياة الاقتصادية والاجتماعية داخلها بالتعاون والتآزر ما بين السكان المحليين والمنظمات والمجالس المحلية التي لم تألُ جهداً في ذلك. 

نظراً لغلبة الطابع الزراعي على هاتين المنطقتين اللتان تمتازان بوجود مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والأشجار المثمرة والثروة الحيوانية، كان الاهتمام منصباً على تعافي القطاع الزراعي عبر استهدافه بمجموعة من البرامج التي تسعى لتنمية سبل العيش وتحقيق الأمن الغذائي لسكان هذه المناطق من خلال حزمة من المشاريع ذات الصلة. وذلك لما لهذا القطاع من أهمية في الاستقرار المجتمعي والاقتصادي، وكونه ركيزة أساسية من ركائز التعافي الاقتصادي المبكر في حال تمكنت كل من الجهات الداعمة والجهات القائمة على هذا القطاع من تحقيق النجاح المنشود من هذه البرامج وإزالة جميع المعوقات التي تحول دون ذلك. ومن هنا تأتي أهمية هذه الورقة في محاولتها تفنيد العوامل المؤثرة على نجاح هذه البرامج للتعرف على نقاط القوة وتعزيزها في البرامج القادمة ونقاط الضعف والأخطاء للعمل على تلافيها حتى تتحقق الفاعلية المتوخاة منها أثناء تنفيذها.

وعليه فإن الهدف الرئيسي لهذه الورقة يتمثل في التعرف على جهود الفاعلين في برامج سبل العيش في القطاع الزراعي من منظمات محلية ودولية ومجالس محلية، وقياس أثر هذه البرامج في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للسكان المحليين من خلال مجموعة من المؤشرات أهمها عدد فرص العمل الموفرة وتخفيف معدل الفقر، وتعافي القطاع الزراعي بشكل عام، وغيرها من المؤشرات الأخرى ذات الصلة. وختاماً قدمت الورقة بعض التوصيات التي يمكن أن تسهم في زيادة فاعلية هذه البرامج وتزيد من قيمتها المضافة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للسكان، وفي نجاح عملية التعافي الاقتصادي المبكر.

أولاً: الواقع الزراعي وحركية التعافي المبكر

تعد المناطق في شمال غرب سورية بشكل عام، ومنها المناطق المحاذية للحدود التركية، من المناطق الزراعية التي تمتاز بوجود مقومات عدة أهمها المناخ الملائم وخصوبة تربتها وتوافر المياه الجوفية والسطحية والعمالة الزراعية المؤهلة، والتي تشير بعض التقديرات إلى أن هناك ما لا يقل عن 85% من السكان كانوا منخرطين في النشاط الزراعي قبل عام 2011([1]). وعليه فقد مثَّل هذا القطاع مصدر دخلٍ أساسي للسكان المحليين.

بعد عام 2011 تأثرت هذه المناطق بتبعات العمليات العسكرية، وكغيره من القطاعات الاقتصادية الأخرى تأثر القطاع الزراعي بشكل كبير بآثار هذه العمليات وهجرة المزارعين لأراضيهم وغيرها من العوامل الأخرى ذات الصلة التي أدت إلى تدهور الواقع الزراعي في هذه المناطق. وقد لعب عدم الاستقرار الأمني بعد عام 2011 كذلك دوراً هاماً في هذا التدهور مع تبدل السيطرة العسكرية عليها، وعدم وجود جهات حوكمية قادرة على الإشراف على هذا القطاع واتخاذ الإجراءات اللازمة لتعافيه. 

مع خضوع هاتين المنطقتين للنفوذ التركي بدأتا تشهدان حالة من الاستقرار الأمني النسبي الذي أتاح إلى حداً ما الشروع بعملية تعافي اقتصادي مبكر، مثَّل القطاع الزراعي أحد محركاته الأساسية، لاسيما أن النسبة الأكبر من الأفراد المقيمين في هاتين المنطقتين سواء من السكان المحليين أو من النازحين ضمنها هم من العمالة الزراعية([2]). أضف إلى ذلك وجود المقومات المناسبة للاستثمار في المشاريع الزراعية ومشاريع الثروة الحيوانية. إذ تقدر المساحة المزروعة في منطقة درع الفرات بحوالي 224.030 هكتار، 70% منها مزروعة بالقمح والشعير وحوالي 9% أشجار زيتون، في حين أن بقية الأراضي تزرع بمحاصيل خضرية متنوعة مثل البطاطا والفول والعدس والحمص وغيرها من المحاصيل الأخرى.([3]) أما في منطقة عفرين فتقدر المساحة المزروعة بـ 92.981 هكتار تمثل أشجار الزيتون نسبة 90% مع عدد يقارب 14 مليون شجرة، في حين بلغت مساحة الأراضي المزروعة بالمحاصيل الأخرى 10% تقريباً. أضف إلى ذلك أن المنطقة تمتاز بوجود ثروة حيوانية جيدة تعد مكمل أساسي للنهوض بواقع عملية التعافي المبكر. حيث يقدر عدد رؤوس الماشية في منطقتي درع الفرات وعفرين بحوالي 530,452([4]).

يواجه القطاع الزراعي جملة من التحديات في هاتين المنطقتين من أهمها عدم فاعلية الهياكل الحوكمية الناظمة للنشاط الزراعي، وارتفاع كلفة مدخلات الإنتاج الزراعي، وصعوبة تصريف المحاصيل والمنتجات الزراعية، وتسجيل حالات لتغول بعض عناصر الفصائل العسكرية المنضوية تحت الجيش الوطني على المزارعين، إلى جانب غيرها من التحديات الأخرى التي أدت إلى انخفاض عوائد الإنتاج الزراعي وتأخر تعافيه([5]). إلا أن المتتبع لواقع القطاع الزراعي في هاتين المنطقتين يلاحظ وجود تحسن مستمر في حركة تعافيه، ويرجع ذلك بشكل أساسي للجهود المبذولة من قبل الفواعل ذوو الصلة بهذا القطاع كالمجالس المحلية والمنظمات المحلية والدولية وغيرها والتي أسهمت جهودها على مدار الأعوام الماضية في المضي قدماً لتدارك الصعوبات وتذليل التحديات التي تواجه عملية التعافي المبكر في هذا القطاع. ونستعرض فيما يلي أهم هؤلاء الفواعل:

 

 

1.   المجالس والمؤسسات المحلية

بقيت المجالس المحلية ذات دورٍ ثانويٍ مع هيمنة الفصائل العسكرية على المفاصل الرئيسية في المنطقة منذ عام 2012 حتى دخولها تحت النفوذ التركي وخضوعها لإشرافه([6])، حيث كان هناك نقلة نوعية في الدور المناط بها لممارسة العمل الحوكمي بمعزل عن تدخل الفصائل العسكرية، بعد أن أصبحت هذه المجالس تابعة إدارياً إلى كل من ولايات غازي عنتاب وكلس وشانلي أورفة لتسهيل عملية الاشراف والمراقبة والمتابعة الإدارية. وقد بدا واضحاً وجود تفاوت ملحوظ من حيث حجم الدعم المقدم من كل منها لتنفيذ مشاريع التعافي المبكر، ومن حيث الإمكانات الفنية لكل من هذه الولايات لتنفيذ مشاريع التعافي الاقتصادي المبكر([7]). 

نظراً لأهمية الزراعة في الحياة الاقتصادية لهاتين المنطقتين، قامت هذه المجالس بإحداث مكاتب زراعية مهمتها القيام بتقييم الأوضاع الزراعية وإدارة الملف الزراعي، بالإضافة للتنسيق مع المنظمات التي تريد إقامة مشاريع في المنطقة والمستفيدين، وفق آلية محددة واضحة عبر تقييم احتياجات المنطقة وصوغها على شكل مشاريع ليتم تقديمها إلى الجهات المانحة للموافقة عليها. ومن ثم يتم اعلام إعلام الجانب التركي بتفاصيل المشروع لأخذ الموافقة والسماح  بالتنفيذ، ومن ثم شرح فكرة المشروع للمجالس المحلية و توضيح معايير المستفيدين منه، لتقوم المجالس بتقديم قوائم مرشحين للمستفيدين من المشروع وفق المعايير التي وضعتها الجهة المنفذة. ومن ثم تقوم الجهات المنفذة بالتأكد من استحقاق المرشحين للإشراك في المشروع، وإعلان القوائم النهائية للمرشحين المستحقين للدعم، ليتم بعدها البدء ببرنامج المشروع وفق الجدول الزمني المحدد له. وعند انتهاء المشروع تقام ورشة عمل مع المجالس المحلية والمستفيدين من المشروع للوقوف على نقاط القوة والضعف والدروس المستفادة للعمل عليها في حال تكرار المشروع([8]). 

إلى جانب ذلك، برزت بعض الكيانات المتخصصة في الجانب الزراعي ومن أهمها المؤسسة العامة لإكثار البذار التي تأسست في عام 2013 وتمثل إحدى أهم المؤسسات الإنتاجية التابعة لوزارة الزراعة في الحكومة السورية المؤقتة. وتضطلع بدور هام في دعم المشاريع الزراعية وتقديمها الدعم للمزارعين، من خلال تقديم الخدمات الفنية لهم وتأمين كافة مستلزمات الإنتاج الزراعي من البذار المحسن والمغربل والمعقم والأسمدة وغيرها من مستلزمات الإنتاج، سواءً من الإنتاج المحلي أو عن طريق الاستيراد، والحفاظ على أصناف البذار المحلية للمحاصيل الزراعية عن طريق إكثارها ومنع انقراضها وفقدانها من خلال عملها على إنشاء بنك وراثي لحفظ الأصناف ومخابر للتأكد من سلامتها من الأمراض. بالإضافة لإنشاء وتفعيل مراكز الإرشاد الزراعي لنشر الوعي لدى المزارعين حول الإدارة الفنية الأمثل للحقول واستخدام التقنيات الزراعية الحديثة بغية زيادة الإنتاج([9]).

وقد برز نشاط واضح للمديرية العامة للزراعة والثروة الحيوانية في الحكومة السورية المؤقتة، والتي حاولت عبر الأعوام الماضية الاضطلاع بمهمة تعافي القطاع الزراعي وفق إمكاناتها المحدودة. وتعمل المديرية على تنفيذ مشاريع زراعية لدعم تعافي هذا القطاع، ففي مطلع عام 2021 بدأت بتنفيذ مشروع لدعم إنتاج الخضراوات في كل من إعزاز ومارع وصوران وأخترين والراعي والباب وقباسين وبزاعة والغندورة وجرابلس في منطقة درع الفرات. ويتجاوز عدد المستفيدين من المشروع 2000 مزارع، وتبلغ المساحة الكاملة للمشروع 500 هكتار، بمساحة 2.5 دونم لكل مزارع([10]).

كذلك يبرز في هذا الإطار جهود وحدة تنسيق الدعم من خلال مشاريعها الخاصة بالزراعة والأمن الغذائي، ومن أهمها مشاريع دعم زراعة القمح، وتأمين المستلزمات الزراعية ومكافحة الأمراض الزراعية وغيرها من المشاريع الزراعية الأخرى. وقد تمكنت وحدة تنسيق الدعم من خلال إحدى مشاريعها في عام 2019 والذي استهدف 30 ألف مزارع في مدن الباب وجرابلس واعزاز وعفرين بريف حلب الشمالي، من افتتاح 33 وحدة إرشادية في شمالي سورية، وتوزيع 2660 طناً من مادة السماد الزراعي لـ 13300 مزارع، إضافة لتنفيذ 1162 زيارة حقلية للكشف المبكر عن الآفات التي تصيب المحاصيل وتقديم الإرشادات اللازمة، و121 زيارة ميدانية للكشف عن أمراض الثروة الحيوانية وتقديم التشخيص المناسب من قبل أطباء بيطريين من كوادر الوحدات الإرشادية([11]).

 لكن بشكل عام يمكن القول إن الكيانات الإدارية المعنية بالإشراف على النشاط الزراعي لم تحقق تلك الفاعلية المرجوة لأسباب ترتبط بقلة عددها ومحدودية تمويلها ومزاحمة المنظمات الإغاثية العاملة في هذه المناطق على تقلد هذا الدور. مما أسهم بشكل واضح وفقاً للمعنيين بالشأن الزراعي على تشتت جهود الدعم المقدمة للفلاحين، نظراً لغياب قاعدة إحصائية موحدة للقطاع الزراعي يمكن من خلالها رسم خارطة زراعية لهذه المناطق، وبالتالي وضع خطط محددة لأدوار الفاعلين في تعافي النشاط الزراعي وتنميته. 

2.   منظمات الإغاثة المحلية

مع بداية وجودها في منطقة درع الفرات في عام2012، بدأت هذه المنظمات بتنفيذ العديد من البرامج الإغاثية، وكانت مشاريعها بمثابة دعامة رئيسية لتعزيز صمود السكان وتلبية احتياجاتهم الإنسانية المختلفة متضمنة المزارعين. لكن وخلال سنوات عملها في المنطقة بدا بشكل واضح افتقار غالبيتها إلى خطط تنموية شاملة للنهوض بواقع القطاع الزراعي داخلها. وتركيزها فقط على الجانب الإغاثي والإنساني، بسبب غياب الكفاءات البشرية المتخصصة في هذا المجال، بالإضافة لضعف الدعم اللازم لهذه البرامج وعدم استقراره خلال هذه السنوات. لكن وبحكم طول أمد وجود هذه المنظمات في هذه المناطق، فإن ذلك أكسب كوادر هذه المنظمات الخبرات اللازمة لتنفيذ مشاريع تعافي في القطاع الزراعي، بالإضافة لبناء شبكة علاقات تراكمية متينة مع الجهات المانحة المهتمة بدعم المشاريع الزراعية. كذلك أتاح إفساح الجانب التركي المجال لهذه المنظمات بترخيص أعمالها مجال أكبر لاستقبال الدعم من المؤسسات والمنظمات الدولية ذات الصلة([12]). إلا أن غياب التنسيق والتعاون بين هذه المنظمات، وغياب جهة مركزية قادرة على ضبط نشاطها ضمن هذه المناطق كان له دور كبير في انخفاض فاعلية المشاريع الزراعية المنفذة. إلى جانب فقدان هذه المناطق لحالة الاستقرار الأمني الكامل الذي يمَّكن من تنفيذ مشاريع كبرى ومستدامة لتعافي القطاع الزراعي. أضف إلى ذلك عدم تكافؤ الدعم المقدم لتنفيذ المشاريع مع الاحتياجات الفعلية المطلوبة لإحداث التعافي المبكر في هذا القطاع. 

وهناك مجموعة من المنظمات العاملة في المنطقة في الوقت الحاضر في مجال المشاريع الزراعية من أهمها مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية ومؤسسة الشام الإنسانية ومنظمة تكافل شام الخيرية ومنظمة بنيان، وجميعها تملك برامج متقاربة تعمل على إقامة مشاريع الإرشاد الزراعي والعمل على توفير المدخلات الزراعية للمزارعين مجانا بالإضافة لتوزيع المواشي على الفئات الهشة في المجتمع. واستحداث برامج سبل عيش زراعية تتلاءم ومتطلبات السكان في هذه المناطق.

3.   المنظمات الدولية

لم يكن حال المنظمات الدولية أفضل بكثير من المنظمات المحلية رغم فوارق الدعم المتاح لهما إلا أنها مازالت تفضل الحلول الإسعافية قصيرة الأجل على الانتقال إلى خطط تنموية حقيقية متذرعة بعدم تحقق الاستقرار بعد، مما أدى وفي كثير من الأحيان إلى إحجامها عن دخول هذه المناطق والاكتفاء بالتنسيق مع الشركاء المحليين، كما في بعض مشاريع سبل المعيشة والتعافي المبكر التي أقامتها منظمات  UNDP و OCHA و FAO، أو حتى امتناعها بشكل كامل عن القيام بمشاريع في مناطق درع الفرات وعفرين وتحويل المشاريع إلى مناطق سيطرة النظام السوري كونها تعتبر المنطقة التي تقع تحت سيطرته ذات استقرار أكبر([13]).

بشكل عام لا يمكن إغفال الدور الذي لعبته هذه الفواعل في المنطقة خلال الأعوام الماضية، من حيث مساهمتها في تقديم الدعم لبرامج سبل العيش والتعافي المبكر التي ساهمت إلى حد ما في إعادة ترميم البنية التحتية للزراعة وإعادة إحياء هذا القطاع بعد تراجعه لسنوات، لكن لا يزال هذا الدعم دون المستوى المأمول إذا ما قورن بالاحتياجات الفعلية اللازمة لتوليد فرص العمل في القطاع الزراعي. ففي عام 2017 تم تغطية 20.5% من التمويل اللازم لتلبية احتياجات قطاع سبل المعيشة والتعافي المبكر. وفي عام 2018 تم تغطية 29.5% من التمويل اللازم، وفي عام 2019 تم تأمين حوالي 15.7%من الاحتياجات المطلوبة لهذا القطاع، بينما بلغت هذه النسبة 11.2% في عام 2020([14]).

 

 

ثانياً: العوامل المؤثرة على برامج سبل العيش الزراعية

ثمة مجموعة من العوامل التي كان لها تأثيراً هاماً في مدى نجاح برامج سبل العيش الزراعية في هاتين المنطقتين، ويمكن تصنيف هذه العوامل في ثلاث فئات تشمل البيئة المحلية الممكنة لنجاح هذه البرامج، ومدى كفاءة المنظمات المنفذة لهذه البرامج، ومدى فاعلية البرامج المنفذة بحد ذاتها.

1.   البيئة المحلية

يقدر عدد السكان في منطقتي درع الفرات وعفرين وفقاً لبعض الإحصاءات بحوالي 900.000 نسمة قبل عام 2011 وفقاً للإحصاءات الرسمية الحكومية. لكن هذا العدد تضاعف ضمن هاتين المنطقتين بعد هذا التاريخ بشكل يفوق طاقتها الاستيعابية نتيجة لحركات النزوح الداخلي، ويقدر العدد الحالي بحوالي (2.317.700) بينما يقدر عدد النازحين بحوالي (1.605.000) من إجمالي هذا العدد([15]). وكان من نتاج هذه الزيادة السكانية حدوث أزمة سكنية أدت إلى تفاقم في أسعار شراء وآجار العقارات، الأمر الذي مهد الطريق لحركة بيع كبيرة للأراضي الزراعية بهدف تلبية هذا الطلب الكبير على الإسكان. ونتيجة لغياب جهات حوكمية قادرة على ضبط انتشار هذه الظاهرة تحولت العديد من الأراضي الزراعية إلى أراضي سكنية. أضف إلى ذلك إنشاء العديد من مخيمات النزوح الداخلي على الأراضي الزراعية بسبب الحاجة لتوطين النازحين، واستغلال ملاك الأراضي لحاجة النازحين للسكن وفرضهم رسوم آجار مرتفعة على استخدام أراضيهم([16]). 

فيما يتعلق بمقومات البنية التحتية اللازمة لتنفيذ البرامج الزراعية، يمكن القول إن منسوب المياه اللازمة للزارعة يعد جيد إلى حدٍ ما خاصة أن غالبية الأراضي الزراعية مستثمرة بمحاصيل بعلية تقدر نسبتها بـحوالي 46% من نسبة الأراضي المزروعة في منطقة درع الفرات([17])، في حين أن ما يقرب من نسبة 80% من الأرضي الزراعية في منطقة عفرين مزروعة بأشجار زيت الزيتون التي لا تتطلب كميات كبيرة من المياه([18])، بينما تقدر نسبة الأراضي الزراعية المروية بـ 15%([19]). لكن الآثار السلبية التي خلفتها العمليات العسكرية في هاتين المنطقتين على البنية التحتية للمياه بما فيها قنوات الري والآبار الجوفية، ألجأت بعض المزارعين لحفر المزيد من الآبار الجوفية عبر الحفر العشوائي لتعويض حاجاتهم من المياه التي يقدر عددها بحوالي 5952 بئر([20]). الأمر الذي حمل العديد من التداعيات السلبية على منسوب المياه الجوفية في هذه المناطق وما سيسببه من الجفاف المحتمل لهذه الموارد المائية الجوفية([21]). ومما فاقم أيضاً من نقص الموارد المائية للزراعة قلة الوقود المتوافر في الأسواق وارتفاع أسعاره إلى جانب عدم توفر الكهرباء في العديد من المناطق الزراعية، والتي كان لها تأثير كبير على المحاصيل المروية التي أحجم الكثير من المزارعين عن زراعتها، إلى جانب تأثير ذلك أيضا على تربية الثروة الحيوانية كالمداجن والمباقر([22]). 

في جانب النقل، تعاني الطرقات الزراعية في هذه المناطق من تدهور بنيتها التحتية نتيجة عدم صيانتها لفترات طويلة مما أثر على نقل المحاصيل الزراعية بين مدن وبلدات هذه المناطق([23]). ومن جانب آخر تشهد بعض هذه الطرقات ظروف غير آمنة لنقل المحاصيل الزراعية نتيجة انتشار ظاهرة الإتاوات سواء من قبل بعض العناصر في الفصائل العسكرية أو من قبل بعض الأفراد الخارجين عن القانون في بعض هذه المناطق. 

أما فيما يتعلق بمدخلات الإنتاج الزراعي، فيمكن القول إن هذه المدخلات متوفرة إلى حداً ما، مع الجهود التي تبذلها كل من المجالس المحلية والمنظمات والجهات ذات الصلة. حيث تم العمل على تأمين الأسمدة والبذور بأسعار مدعومة تتناسب مع قدرات وإمكانات المزارعين، أضف إلى ذلك وجود سلاسل توريد زراعية جيدة، نظراً لقرب هذه المناطق من الحدود التركية وتوفرها في السوق المحلية. إلا أن غياب جهات رقابية فاعلة تشرف على استيراد المدخلات الزراعية خصوصاً البذار والمبيدات، سمح لبعض التجار من ضعاف النفوس بإدخال نوعيات رديئة من البذار ذات مردود إنتاجي منخفض.

تتجسد المشكلة الأبرز التي يواجهها القطاع الزراعي في هذه المناطق في عدم قدرة المزارعين على تصريف محاصيلهم. وتكمن أهم أسبابها في عدم وجود تناسب بين العرض والطلب على بعض المحاصيل الزراعية ضمن هذه المناطق، وبالتالي ضرورة إيجاد أسواق خارجية لتصريف الفائض عن الطلب المحلي([24]). كذلك يعد تصريف هذه المحاصيل من الصعوبة بمكان سواء إلى مناطق سيطرة النظام أو إلى مناطق الإدارة الذاتية لتبقى هذه المحاصيل رهن إشارة الحصول على الموافقة التركية لتوريدها إلى داخل حدودها. أضف إلى ذلك تحكم التجار المحليين بأسعار هذه المحاصيل وفرضها على المزارعين بشكل لا يتناسب مع الكلفة والجهد والمبذول لإنتاجها، مما أدى في كثير من الأحيان إلى عزوف شريحة من المزارعين عن زراعة أرضهم في ظل هذا الواقع. أما فيما يتعلق بالثورة الحيوانية فهي الأخرى تواجه العديد من التحديات في هذا السياق وعلى رأسها تفشي ظاهرة تهريب الثروة الحيوانية من هذه المناطق([25])، وارتفاع أسعار العلف والمواد اللازمة للعناية بالماشية، إلى جانب ذلك أثر استيراد اللحوم والدواجن بشكل كبير على المنتج المحلي. الأمر الذي ساهم في تدهور الثروة الحيوانية في هذه المناطق.

في هذا السياق كان لتواجد الفصائل العسكرية في هاتين المنطقتين تأثيراً واضحاً من حيث السلوكيات التي يقوم بها البعض من عناصر هذا الفصائل، والتي برزت بشكل واضح في منطقة عفرين من خلال قيامهم بالتعدي على المحاصيل الزراعية عبر فرض الإتاوات والرسوم على المزارعين وقيام البعض منهم باستلاب بعض الحقول الزراعية([26])، إلى جانب قيام البعض منهم بقطع أشجار الزيتون وبيعها كحطب في ظل ارتفاع أسعار الوقود في فصل الشتاء([27]). على الرغم من إصدار تعميمات عديدة من قادة هذه العناصر للحد من هذه التجاوزات([28])، إلا أن الكثير من هذه التعميمات لم يطبق بشكل فاعل. وبالتالي تشكل هذه الظاهرة أحد الجوانب المعيقة لتعافي القطاع الزراعي مع ضرورة قيام الجهات الحوكمية في هذه المنطقة بالتنسيق مع قيادات الجيش الوطني للحد من هذه التجاوزات. ومن جانب آخر لم يسجل بشكل عام قيام هذه الفصائل بعرقلة تنفيذ برامج سبل العيش الزراعية أو التدخل في تحديد المستفيدين منها، مع وجود بعض الحالات الفردية. أضف إلى ذلك ان هذا الدور السلبي لم يقتصر على العسكريين، حيث يقوم بعض النازحين من سكان المخيمات بالتعدي على الأراضي الزراعية ومحاولة الاستيلاء عليها وسرقة المحاصيل وغيرها من الممارسات الأخرى.

2.   المنظمات المنفذة للمشاريع

برز نشاط المنظمات السورية العاملة في هذه المناطق منذ تحررها، وكان نشاطها متمركزاً بشكل أساسي على الإغاثة نظراً للحاجة الماسة التي ألمت بسكان هذه المناطق إبان تحررها. فكان لزاماً مد يد العون لمساعدة السكان لتجاوز الآثار السلبية للنزاع عبر حملات الإغاثة بمختلف أنواعها. لكن استطالة النزاع في سورية وغياب أفق واضح لانتهاءه خلال الأعوام الماضية حملَ بعض هذه المنظمات للانتقال تدريجياً للتركيز على تنفيذ بعض البرامج التنموية بموازاة برامج الإغاثة، علها تسهم في إحداث التعافي المبكر وتمَّكن السكان المحليين والنازحين بالاعتماد على ذواتهم لكسب رزقهم. بعد أن أصبحت ثقافة الاعتماد على الإغاثة إحدى السمات البارزة في هذه المناطق. ويأتي هذا التوجه أيضاً في ظل تناقص التمويل الدولي المقدم من الجهات المانحة وضرورة إيجاد سبل عيش مستدامة للمواطنين ضمن هذه المناطق التي تمتاز بكون غالبية سكانها من المنخرطين في القطاع الزراعي.

وعليه ومع تقلد المنظمات لهذا الدور التنموي كان هناك اهتماماً ملحوظاً من قبلها في تطوير كوادرها البشرية العاملة في هذه المناطق وتأهيليها بما يتناسب ومتطلبات تنفيذ المشاريع الزراعية لضمان نجاحها واستدامتها. حيث أقامت العديد من هذه المنظمات الورش والتدريبات لتأهيل كوادرها من أبناء هذه المناطق والذي أسهم بشكل كبير في تطوير قدراتهم وإمكانياتهم التي انعكست على نجاح تنفيذ برامجها التنموية في القطاع الزراعي. أضف إلى ذلك قيام هذه المنظمات بتصميم هذه البرامج بما يتناسب والسياق المحلي لضمان قبولها مجتمعياً وتلقيها الدعم اللازم من قبل الفواعل المحليين لضمان نجاحها واستدامتها. وقد عملت هذه المنظمات كذلك على تنفيذ العديد من التدريبات للمستفيدين من مشاريعها والتي ساهمت بشكل كبير في خلق الوعي الجيد لديهم في كيفية الاستفادة منها وضمان استدامتها. وبالتالي شكلت هذه التدريبات حافزاً لدى السكان المحليين للتقدم للاستفادة من المشاريع الزراعية المقدمة في هذا الإطار وحرصهم على العمل ضمن الخطط التي تتضمنها هذه البرامج. ومن بين الأمثلة على هذه المشاريع ما قامت به مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية عبر تنفيذها لمشروع سبل العيش في القطاع الزراعي تم من خلاله توزيع عدد من رؤوس الماشية على المستفيدين مع تقديم التدريب اللازم وتأمين الأعلاف والعناية البيطرية، وقد تبين للمؤسسة بعد تنفيذ المشروع أن حوالي 80% من المستفيدين قد حافظوا على الأصول التي تم منحها لهم وقيامهم بالاعتماد عليها كمصدر دخل رئيسي([29]).

وقد حفّز هذا الأمر بعض المنظمات الدولية ذات الصلة على دعم الخطوات التي انتهجتها المنظمات المحلية في هذا المسار، عبر تدعيم إمكاناتها المادية والفنية لتسريع الانتقال من تقديم برامج الإغاثة الطارئة إلى التنفيذ التدريجي لمشاريع التعافي المبكر في القطاع الزراعي. إلا أن هذا الدعم لم يرتقِ إلى مستوى الحاجة الفعلية للعاملين في هذا القطاع، وبشكل لا يتناسب ومستوى المشاريع المطلوب تنفيذها لإحداث تعافي مبكر حقيقي ضمن هذه المناطق. حيث تتسم غالبية المشاريع الزراعية المنفذة بصغر حجمها وقلة عدد المستفيدين منها وعدم مراعتها للاحتياجات الفعلية للمزارعين. ويلاحظ أن معظم هذه المشاريع ماتزال تنفذ وتدار بذات العقلية الإغاثية، فالمستهدفون في أغلب المشاريع إما أن يحصلوا على قسائم شرائية للمدخلات الزراعية أو يتم توزيعها بشكل مباشر كسلل زراعية على شكل منح وهبات. وكان من الأجدر أن يتم العمل على حل مشكلات المزارعين بشكل شامل، ثم الانتقال إلى تأسيس كيانات زراعية داعمة تقدم المساعدة للمزارعين على شكل قروض تسترد بعد حصاد المحصول، مما يؤدي بداية إلى حصر المستفيدين بالدعم المقدم بالأكثر حاجة وتضرراً، ثم الانتقال إلى تحميل المسؤولية للمزارعين وبالتالي دفعه للعمل بجد أكبر حتى يتمكن من تسديد هذه القروض.

3.   فاعلية البرامج المنفذة

يمكن تقسيم البرامج التنموية المنفذة في القطاع الزراعي ضمن هذه المناطق إلى نوعين، يقوم النوع الأول منها على تمليك المستفيدين مفاتيح العمل وتطوير مهاراتهم من حيث رفع السوية المعرفية بطرق الزراعة والسقاية والعناية البيطرية للحفاظ على الأصول الموجودة، بالإضافة لإنمائها عن طريق تحقيق أكبر قدر من الاستفادة من الأراضي المزروعة. أما النوع الثاني فيقوم على المشاريع التي تزود المستفيدين منها بالمدخلات الزراعية، وهي غالباً ما تكون ذات تأثير محدود زمنياً، حيث أنها تعمل على زيادة الإنتاج وتحسين الجودة في موسم محدد فيعود بالفائدة المادية على المستفيد، لكن مشكلة عدم ثبات قيمة العملة وارتفاع أسعار المحروقات بشكل دائم يحرم المستفيدين من توظيف الفائض المالي المحقق في المواسم القادمة، مما يحد من استدامة المشاريع التي تنفذ بهذا الشكل.

أما من ناحية الملاءمة بالنسبة للمشاريع الزراعية المنفذة في هذه المناطق، فلم تكن المشكلة في إشراك المستفيدين في هذه المشاريع عند دراسة احتياجات المنطقة بهدف إكسابها المرونة اللازمة لتكون ملائمة لاحتياجات القطاعات المنفذة ضمنها، بغض النظر عن حجمها كبيراً كان أم صغيراً. لكن تكمن المشكلة في أنه عادة ما يتم الضخ المالي للمشاريع في أوقات متقاربة فيحدث نشاط كبير في السوق المحلي على حساب أوقات أخرى يكون فيها التمويل ضعيفاً مما يسبب ركود عام في هاتين المنطقتين. إلا أنها ورغم كل الجهود المبذولة لإنجاحها فما تزال دون المأمول، كونها تدار بنفس العقلية الإغاثية، ولم تُطرح خطة تنموية شاملة قادرة على توليد مؤسسات زراعية إشرافية تعمل باستدامة ولا تتأثر بتقلبات الدعم الموجه وغير المستقر، وقد أدى عدم الاستقرار هذا إلى جعل هذه المشاريع محدودة التأثير وذات شروط صعبة التحقيق للاستفادة منها. مما وضع الجهات المنفذة أمام خيارين صعبين فإما تلبية كامل احتياجات عدد صغير من المستفيدين، أو تلبية جزئية بسيطة للاحتياجات المطلوبة مقابل تحقيق أكبر عدد من المستفيدين، فحتى عام 2020 لم تغطي هذه البرامج بأفضل الحالات أكثر من 25% من الاحتياجات([30]). ويبين الشكل (1) حجم التدخلات في قطاع سبل العيش والأمن الغذائي في الاستجابة الإنسانية لسورية بين عامي 2018 و2020. وعدد المستفيدين من هذه التدخلات خلال هذه الأعوام.

 

لقياس مدى تأثير برامج سبل العيش الزراعية وفقاً للفئات المستهدفة بها ومدى قدرتها على تلبية احتياجات كل فئة من هذه الفئات، فقد حدد منظمة الأمم المتحدة ثلاث فئات رئيسية للمستفيدين من هذه البرامج([1]). ووفقاً لهذه التصنيفات يمكن عرض ما قامت به المنظمات من خلال برامجها لدعم القطاع الزراعي في منطقتي درع الفرات وعفرين. فقد عملت بعض المنظمات على تنويع الأنشطة التي تقوم بها من خلال برامجها، بحيث تستهدف النازحين الذين لا يملكون المقدرة على زراعة الأراضي لعدم امتلاكهم لها أو لعدم وجود الخبرة الكافية عن طريق إنشاء برامج النقد مقابل العمل. كذلك تم تقديم ورشات تدريبية حول بعض الجوانب المرتبطة بالنشاط الزراعي للمساعدة على توليد الدخل مثل تربية النحل وزراعة الفطر في المنزل وصنع الألبان والأجبان منزلياً. ومن ثم تقديم الأدوات اللازمة للانطلاق بهذه المشاريع الصغيرة، بحيث يؤمن المستفيد من هذه البرامج الحد الأدنى من الدخل للاستغناء عن المساعدات الإغاثية. وقد أمنت هذه البرامج وبشكل مباشر حوالي 11600 فرصة عمل في عام 2018، وحوالي 18350 فرصة عمل في عام 2019([2]). بالإضافة لإسهامها في تخفيف نسبة البطالة بشكل غير مباشر، فطبيعة الأنشطة الزراعية تعطي إمكانية للمزارعين المستفيدين من تشغيل عمال إضافيين في أراضيهم بسبب زيادة الإنتاج في المساحات المزروعة الناتجة عن الدعم بالمدخلات الزراعية اللازمة.

إلى جانب ذلك فقد ساهمت هذه البرامج في تخفيف معدل الفقر من خلال القيام بمشاريع تستهدف ذوي الدخل المحدود من المزارعين ومالكي الثروة الحيوانية لتمكينهم اقتصادياً ومنع تدهور أصولهم الإنتاجية. ومن بين هذه المشاريع مشروع دعم أصحاب رؤوس الماشية ممن لا يملكون المقدرة على الاحتفاظ بأصولهم الإنتاجية في الأوقات التي ترتفع فيها أسعار الأعلاف واللقاحات، وقد استفاد من هذه البرامج في عام 2018 حوالي 2050 أسرة، وفي عام 2019 حوالي 16930 أسرة([3]). وكون النشاط الزراعي بشقيه النباتي والحيواني يعد النشاط الاقتصادي الأول في منطقة درع الفرات وعفرين فإن أي دعم مقدم لهذا القطاع بمختلف أشكاله يؤدي بشكل غير مباشرة إلى دعم السوق المحلية وتنشيط دورة الإنتاج.

توصيات ختامية

يعكس الواقع الزراعي الذي تعيشه مناطق الشمال السوري خلال الأعوام الماضية بشكل عام بعض الدلائل التي تؤشر لوجود حركية تعافي مبكر ضمن القطاع الزراعي. ومع تباين مستوى التدخلات التنموية لدعم حركية التعافي المبكر، يبدو من المهم تحليل واقع هذه التدخلات وقياس أثرها على المجتمعات المحلية ضمن هذه المناطق. ووفقاً لذلك حاولت هذه الورقة الإضاءة على إحدى هذه التدخلات وهي برامج سبل العيش الزراعية، عبر استعراض واقع هذه البرامج ومستوى الفاعلية المتحققة منها خلال الأعوام الماضية، وإبراز أهم المعوقات التي حدت من فاعليتها، إلى جانب الإضاءة على أهم الفواعل الرئيسيين ذوي الصلة بهذه البرامج.

تعكس المؤشرات المرتبطة ببرامج سبل العيش الزراعية في منطقتي درع الفرات وعفرين أن هناك جملة من التحديات يبرز في مقدمتها عدم وجود كيانات حوكمية متخصصة بالجانب الزراعي وهو ما أفقد فاعلية الكثير من البرامج المنفذة ضمن هذه المناطق. أضف إلى ذلك أن هذه البرامج لم ترق إلى المستوى الاستراتيجي الذي يمكن القطاع الزراعي من التعافي بشكل أكبر لأسباب ترتبط بضعف التمويل وعدم استدامته، وغياب التنسيق الكامل بين الكيانات المسؤولة عن النشاط الزراعي في هذه المناطق. أضف إلى ذلك غلبة التماثل في نوعية المشاريع الزراعية المنفذة مما يقلل من الأثر المرجوة منها. وكذلك شيوع حالة عدم الاستقرار الأمني الكامل الذي تشهده هذه المناطق والذي أضعف من قابلية الجهات الممولة من تنفيذ مشاريع استراتيجية كبيرة لتعافي القطاع الزراعي.

وبناءً على ما سبق، فإن نجاح عملية التعافي المبكر في القطاع الزراعي في هاتين المنطقتين يعتمد في جانب كبير منه على وجود جهة متخصصة تكون قادرة على تشخيص مقومات واحتياجات هذه المناطق بشكل دقيق، بحيث يتم وضع خطط تعافي تتلاءم والسياق المحلي عبر تعظيم الاستفادة من الموارد المحلية، وتفعيل الدعم المقدم من الخارج بما يخدم تنفيذ هذه الخطط على شكل برامج زراعية مفصلة ومتناسبة مع هذا السياق بالتعاون والتنسيق مع الجهات الدولية الداعمة. أضف إلى ذلك ضرورة العمل على خلق نوع من التكامل والتوازن بين التدخلات التنموية الموجهة للقطاع الزراعي من قبل المنظمات المنفذة. بحيث يتم تعظيم الفائدة من هذه التدخلات عبر الحفاظ على مستوى الأمن الغذائي الملائم، ورفع مستوى دخل العاملين في القطاع الزراعي واستدامته، وتذليل جميع المشكلات المرتبطة بسلسة القيمة ذات الصلة بالنشاط الزراعي. 

 


 

([1])  تمثل التصنيفات التالية التصنيفات الثلاث الرئيسية ويتفرع عنها مجموعة من الفئات الفرعية:

  • المزارعين المحليين: ممن يملكون أراضيهم الزراعية ويقسمون إلى ثلاث فئات بحسب مساحة الأراضي والتي أقلها 5 دنم، وعادة يتم استهدافهم بالبرامج الخاصة بالدعم بالمدخلات الزراعية من بذار صيفية وشتوية بالإضافة للأسمدة والمبيدات الحشرية والآلات الزراعية اللازمة للحصاد بالإضافة لبع البرامج التدريبية الخاصة بالإرشاد والتوجيه الزراعي.
  • غير المزارعين ممن يمتلكون حيازات زراعية صغيرة لا تزيد مساحتها عن 1000 متر مربع، ويتم استهدافهم بالمقام الأول بالورشات التدريبية والارشاد الزراعي حول الزراعة العضوية والتسميد والاستخدام الفعال لمياه السقاية ويتبعها توزيع كميات مناسبة من المدخلات الزراعية الأولية لتصبح حيازاتهم الزراعية منتجة بالإضافة لمشاريع توزيع الدواجن بما لا يزيد عن 15 دجاجة مع أعلاف وأدوية تكفي لمدة 4 أشهر.
  • النازحين غير المزارعين ممن لا يملكون حيازات زراعية أو مواشي: ويتم استهدافهم عادة بالبرامج التدريبية حول تربية والمواشي والدواجن.

([2]) Syria Humanitarian Response Plan 2018, 2019, OCHA: https://rb.gy/rcrw3q

([3]) مرجع سابق.

 

([1]) مقابلة هاتفية أجريت مع مسؤول برامج سبل المعيشة والتعافي المبكر في مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية بتاريخ: 28/09/2020.

([2]) آلت هاتين المنطقتين للنفوذ التركي إثر عملية درع الفرات في عام 2017، والتي سميت المنطقة باسمها وشملت كل من مدن اعزاز والباب وجرابلس والراعي واخترين ومارع والتي   بلغت مساحتها 2692 كم2، إلى جانب عملية غصن الزيتون في عام 2018 للسيطرة على منطقة عفرين والتي تبلغ مساحتها 2055كم2.لكن لا تزال هذه المناطق تشهد بعض عمليات التفجير والاغتيالات، من قبل جهات ذات صلة بقوات سورية الديمقراطية ونظام الأسد وبعض الخلايا النائمة لتنظيم "داعش" في المنطقة. ويعزى عدم الاستقرار الأمني في جزء كبير منه إلى ضعف الجهات المسؤولة عن القطاع الأمني سواء من حيث التجهيزات اللوجستية أو من حيث الكوادر المؤهلة.

([3]) مجلس محافظة حلب الحرة، غرفة زراعة منطقة درع الفرات.

([4]) مجلس محافظة حلب الحرة، غرفة زراعة منطقة غصن الزيتون.

([5]) حسين الخطيب، الزراعة في الشمالي السوري تشهد تحسناً بعد سبع عجاف، موقع نون بوست، 16-04-2019: https://rb.gy/vakrcx

 

([6]) يبلغ عدد المجالس المحلية في منطقة درع الفرات 10 مجالس، في حين يبلغ عددها في منطقة عفرين 7 مجالس. ويتبع لكل منها مجالس فرعية تتلقى الدعم منها ويتصدر مجلس مدينة الباب قائمة المجالس الأكثر نشاطا من حيث الدعم المقدم، وكان بداية ظهور هذه المجالس في عام 2012.

([7])  محمد العبدالله، المقاربة التركية للتعافي الاقتصادي المبكر في سورية: دراسة حالة منطقة درع الفرات، في كتاب: التعافي الاقتصادي في سورية: خارطة الفاعلين وتقييم السياسات الراهنة، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 25-09-2019: https://bit.ly/3oyi1GI

([8])  مقابلة أجريت مع مسؤول برامج سبل العيش والأمن الغذائي في مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية، مرجع سابق. 

([9]) يمكن الاطلاع على نموذج من بعض المشاريع التي نفذتها المؤسسة عبر الرابط: https://rb.gy/a5adz4

([10])  يحظى المشروع بدعم من صندوق الائتمان لإعادة إعمار سوريا، وتبلغ مدته 18 شهراً ويتم بموجبه تسليم المزارعين المستهدفين في مناطق عمل المشروع بذور خضراوات، وسماد كيميائي عضوي، وبكرات ري بالتنقيط، ونايلون ملش، ومبيدات حشرية وفطرية، وأقفاص بلاستيكية لجني المحصول. فيما يُجري عدة مهندسين جولات على الأراضي، لتقديم الخدمات الإرشادية وتبادل الخبرات بين الفنيين والمزارعين وتقديم النصائح. المرجع: 

      ثائر المحمد، مشاريع دعم الزراعة شمالي سوريا وانعكاساتها على الفرد والمجتمع، موقع تلفزيون سوريا، 11-06-2021: https://rb.gy/rg9zir

([11])  ثائر المحمد، نفس المرجع السابق.

([12]) محمد العبدالله، المقاربة التركية للتعافي الاقتصادي المبكر في سورية: دراسة حالة منطقة درع الفرات، مرجع سابق.

([13]) محمد العبدالله، تنمية سبل العيش في المناطق السورية المحررة: دراسة تحليلية، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 17-12-2015: https://bit.ly/3hDKold

([14])  Syria Humanitarian Response Plan, 2017: https://fts.unocha.org/appeals/526/summary

([15]) Humanitarian Response, IDPs Tracking, August 2020, OCHA: https://rb.gy/9m7iwh

([16]) محمد العبدالله، واقع سبل العيش في مخيمات النزوح: دراسة حالة في مناطق الشمال السوري، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 07-11-2018: https://bit.ly/3v0QOyA  

([17]) مجلس محافظة حلب الحرة، غرفة زراعة منطقة درع الفرات، احصاءات 2020.

([18]) مقابلة أجراها الباحث مع مدير برنامج سبل العيش والأمن الغذائي في مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية، مرجع سابق. 

([19]) عفرين خمس سنوات من التنمية الاقتصادية، مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا، 14/02/2019: https://rb.gy/01dif4

([20]) مجلس محافظة حلب الحرة، غرفة زراعة منطقة درع الفرات وعفرين، احصاءات 2020.

([21]) زينب مصري وصالح ملص،  أزمة مياه في سوريا.. من يدفع الثمن، جريدة عنب بلدي، 20/09/2020: https://rb.gy/02r9q8

([22]) المداجن في ريف حلب الشمالي ودور المعابر، قناة حلب اليوم، 05/10/2019: https://rb.gy/faawto

([23]) الطرق الرئيسية في ريفي حلب الشمالي الشرقي، قناة حلب اليوم، 29/06/2019: https://rb.gy/fg2q6m

([24]) الزراعة في إعزاز.. تحديات وصعوبات، قناة حلب اليوم، 10/7/2019: https://rb.gy/lcx9yw

([25]) معتصم الطويل، مهنة رائجة… تهريب الأغنام من مدن الشمال إلى مناطق النظام، موقع الحل، 19/07/2019 https://rb.gy/ulxg7h

([26]) انتهاكات الفصائل الموالية لتركيا في عفرين بين النهب والإتاوات، مؤسسة The Levant ،10/10/2019: https://rb.gy/wevrdd

([27]) جانو شاكر، بعد أشجار الزيتون القطع الجائر يطال الغابات الحراجية في عفرين، موقع الحل، 16/03/2020: https://rb.gy/cjeasy

([28]) محلي عفرين يصدر قرارا بمنع قطع الأشجار وبيعها، موقع زيتون، 1/10/2020 https://rb.gy/wndqu1

([29])  مقابلة هاتفية أجريت مع مسؤول برامج سبل المعيشة والتعافي المبكر في مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية، مرجع سابق.    

([30])  مقابلة هاتفية أجراها الباحث مع منسق برامج سبل العيش في منظمة تكافل شام بتاريخ: 23/09/2020.

التصنيف أوراق بحثية

بتاريخ 12 / 2/2021 ؛ عقد  مركز عمران للدارسات الاستراتيجية ندوة بحثية  عبر منصة زووم الافتراضية حول "التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق المعارضة"، حضرها مجموعة من المهتمين والمطلعين والفاعلين في الشأن الاقتصادي والتنموي كبعض المجالس المحلية وغرف التجارة والصناعة وممثلي منظمات إغاثية وتنموية.

تناولت  الندوة عدة محاور ، استعرض الباحث المساعد في مركز عمران مناف قومان في المحور الأول  نتائج وخلاصات وتوصيات تقارير التعافي في مناطق سيطرة المعارضة التي يصدرها  المركز منذ منتصف عام 2018 ، سواء على صعيد القطاعات الاقتصادية أو على صعيد حركية التعافي في المناطق المرصودة، وفي المحور الثاني وضح د. عبد الحكيم المصري وزير الاقتصاد في الحكومة المؤقتة معوقات البيئة الاستثمارية وملامح الخطط الحكومية في مجالات التنسيق والتخطيط والاحصاء، كما بيّن أ. منذر سلال المدير التنفيذي لوحدة إعادة الاستقرار في المحور الأخير دور منظمات المجتمع المدني في التعافي الاقتصادي المبكر ونوه على العلاقة العضوية بين المشهد الامني ونشاطات التعافي المبكر في المناطق المرصودة.

التصنيف الفعاليات

أظهرت تقارير التعافي الاقتصادي المبكر المنجزة في مناطق "درع الفرات" وعفرين ومحافظة إدلب([1])، منذ النصف الثاني من 2018 وحتى النصف الأول من 2020 تطوراً ملحوظاً في حركية المشاريع الاقتصادية بالشكل الذي ساهم في تنشيط القطاعات وتخديم السكان في الكثير من الخدمات الرئيسية وتوفير فرص عمل على الرغم من التحديات الكثيرة. ولكن اعترتها عدة إشكاليات تمركزت في قطاعات الصناعة والتمويل والزراعة والثروة الحيوانية والنزوح الداخلي، تسببت بهشاشة مستمرة في تلك القطاعات وفي آلية اتخاذ القرارات وحالة التنظيم، وهو ما أدى لاختلال التوازن في عملية التعافي المبكر واعتماد رافعة مالية قاصرة في تمويل المشاريع قد تنتكس في أي لحظة.

لذا لابد من التنبه لتلك الإشكاليات وإلّا قد تستمر حالة العجز في الوفاء بالاستحقاقات المعيشية وتثبط من تنمية المنطقة والانتقال بها من مرحلة التعافي المبكر لمرحلة اقتصادية تنضج فيها الأسواق والقطاعات الاقتصادية كافة.

من أبرز تلك الإشكالات عدم اتخاذ الأجسام الإدارية المسؤولة، الحكومة السورية المؤقتة والمجالس المحلية وحكومة الإنقاذ، آلية موحّدة في صياغة القوانين وصناعة القرارات لإدارة دفة الاقتصاد وفق استراتيجية واضحة المعالم تحقق رؤية المعارضة، وتوازن بين القطاعات الاقتصادية، وتدير نفسها بعيداً عن النظام وأزماته الاقتصادية، وتتجنب التبعية المفرطة للمنظمات والمانحين، وحالة التشرذم في الإدارة وتشظي الموارد جراء تعدد الأجسام الإدارية. فالأجدى بها لمعالجة هذا الإشكال تهيئة مناخ قانوني ذو نظم وقوانين موحدة في المنطقة تقرها، الحكومة السورية المؤقتة بالتعاون والتنسيق مع المجالس المحلية، كسبيل لمواجهة اللاتنظيم واتجاهات الفوضى المتزايدة، من شأنها أن تحفظ الحقوق وتنعش مناخ الأعمال، وتنشئ الحكومة مؤسسة إحصائية تُعنى بضبط كافة الإحصاءات المتعلقة بالموارد والأعمال والسكان، وتصدر مؤشرات اقتصادية مثل التضخم والإنتاج والإنفاق والسكان والشفافية ونوعية الخدمات وغيرها.

على الرغم من الأهمية الاستراتيجية لقطاع الزراعة والثروة الحيوانية، ومن هوية المنطقة الزراعة بامتياز، مع ذلك لم ينجز سوى 142 مشروعاً على مدار العامين الماضيين. فلم يتم تصميم برنامج يحقق الاكتفاء الذاتي في العديد من المحاصيل الزراعية التي تتمتع بها المنطقة وعلى رأسها القمح، ما حرمها من تثبيت سعر ربطة الخبز كمسؤولية اجتماعية واجبة في ظل ما تعانيه المنطقة من صعوبات معيشية وفقر مدقع. وتم استيراد مادة الطحين بالعملة الصعبة ليرتبط ثمن الخبز، الغذاء الرئيسي للعوائل، بتقلبات أسعار صرف الدولار والليرة التركية والليرة السورية، ويعرّضه لارتفاع مطّرد، وهو ما زاد من حنق المواطن ضد الأجسام المسؤولة عن إدارة المنطقة ومن تزايد الصعوبات المعيشية. فبلغ سعر الربطة في منطقة "درع الفرات" ليرة تركية واحدة وليرتين للخبز غير المدعوم، وفي إدلب بلغ سعر الربطة 600 ليرة سورية. كما لم يتم استغلال الفائض في إنتاج المحاصيل الأخرى من زيتون وبطاطا وغيرها عبر إيجاد أسواق تصريف خارجية. وفي إطار الثروة الحيوانية عانت الأعمال من ضعف الإنتاج وانخفاض تنافسيته أمام المنتج الأجنبي، كما هو الحال في مادة البيض التي ارتفع سعرها بواقع 50% إبان قرار منع استيرادها من تركيا. والأفضل في هذا الإطار إيجاد هيئة استشارية عابرة للمجالس المحلية بعضوية ممثلين عنها تُعنى بتقديم النصح في مواضيع الخطط والتكامل التنموية في هذا القطاع ترفع من أولوية الاكتفاء الذاتي وبالذات من مادة القمح، ومن حجم الصادرات بالشكل الذي يدر عملة صعبة ويعيد الثقة للمزارعين ويزيد من حجم المشاريع الزراعية المنفّذة.

وعطفاً على قطاع الصناعة وما تم تنفيذه من مشاريع بلغ عددها 11 مشروعاً فقط من بينها تصنيع أعمدة للضوء وحاويات ومعامل للأعلاف والاسمنت والملابس والأحذية. ويعزى جفاف هذا القطاع لغلاء مدخلات الإنتاج من المواد الأولية وضحالة رؤوس المال، وانخفاض القوة الشرائية للمواطن، وضعف البنية التنظيمية من قوانين وتنظيمات في المنطقة التي تسهم في حفظ الحقوق وضمان حركية وأمان رأسمال، فضلا عن العمليات العسكرية والحالة الأمنية المضطربة. ولتحريك هذا القطاع بالمشاريع، على المؤسسات الرسمية في هذا القطاع إنضاج مقاربة مختلفة في علاج هذا الخلل عبر توحيد غرف الصناعة المنشأة في المنطقة في غرفة واحدة تعمل على توحيد القوانين والأنظمة الصناعية والإدارية والمالية وتنظيم شؤون المدن الصناعية والارتباط بمذكرات تفاهم مع غرف الصناعة التركية في إطار التوأمة وتذليل التحديات، والبدء بتسويق استثمار مشاريع صناعية عبر الأدوات الاستثمارية المتنوعة، وسيكون جذب أحد الأفرع البنكية التركية للداخل بمثابة منح ثقة للأسواق المحلية للاستثمار فيها.

وبلغ عدد المشاريع المنفّذة في قطاع التمويل على مدار رصد عملية التعافي المبكر، 60 مشروعاً، تركزت في دعم سبل العيش وتقديم قروض حسنة ودعم المشاريع الصغيرة ومشاريع العمل مقابل النقد ودعم مشاريع نسائية ومزادات علنية. على الرغم من أهمية قطاع التمويل في إدارة الموارد وتسهيل حركة المال والأعمال والسيطرة على الأسعار، إلا أنه لم يشغل حيزاً كبيراً في هامش المشاريع واهتمامات المجالس المحلية. وليصبح هذا القطاع مرتكزاً تعتمد عليه المنطقة في تطوير المشاريع الصناعية والزراعية والتجارية وتمويل المشاريع. على الحكومة السورية المؤقتة بوزارتها المعنية إيجاد مؤسسة أشبه بحاضنة الأعمال Business Incubator  تُعنى بتمويل مشاريع صغيرة ومتوسطة الحجم، ذو أهداف ربحية، ووفق منهجية رصينة، تساهم في تنويع دائرة المشاريع المنفّذة في كافة القطاعات.

أخيراً، في إطار توفير حياة كريمة للنازحين سواءً في المخيمات أو خارجها تم تنفيذ 218 مشروع في قطاع النزوح الداخلي إلا أن هذا الأمر قد يشكل وبالاً على المنطقة إذا استمر الحال بهذه المنهجية التي تقوم على التبعية المفرطة للمنظمات والمانحين في توفير احتياجات النازحين المتنوعة. فالأفضل عوض اعتماد المخيم على المساعدات الإغاثية مساعدته على إنتاج احتياجاته بكافة السبل الممكنة، فبدل إعطاء كرتونة مساعدات تحتوي على مواد متنوعة يمكن إيجاد دورة إنتاج متكاملة بالحد الأدنى، مثل منح قطعة أرض لزراعة المحاصيل الرئيسية لتأمين احتياجات المخيم من الغذاء تضمن توفير عمل لشباب المخيمات ومنح تمويل لإنشاء ورشات عمل بسيطة تعنى بوضع خطة لتحويل المخيم من خيمة إلى منزل يضمن حياة كريمة للنازحين. ولتحقيق ذلك ينبغي أن تتكاتف منظمات الإغاثة والتنمية الفاعلة في الشمال السوري لتشكيل وحدة تنسيق مشتركة لهذا الخصوص (انتاج الاحتياجات).

عموماً، أظهرت عملية التعافي المبكر حتى الآن، بما لها وما عليها، تقدماً نسبياً في بعض القطاعات لعلّ أبرزها الكهرباء والمياه والنقل والمواصلات وتأخرت في قطاعات أخرى، وستكون الشهور المقبلة فرصة سانحة لتلافي الأخطاء وعلاج الإشكالات الواردة أعلاه بما يضمن استقراراً أكثر وتنفيذ مشاريع متنوعة وتوفير فرص عمل. ومن جملة التوصيات التي يمكن عرضها للفترة القادمة ما يلي:

  • تأطير أواصر التنسيق والتعاون بين المجالس المحلية والحكومة السورية المؤقتة لتوحيد آليات تدارس المشاكل وتنفيذ القرارات وسن التشريعات والقوانين، والإسراع في تنفيذ مشاريع الإحصاء بالشكل الذي يصدر عنها مؤشرات اقتصادية شهرية عن المنطقة فضلا عن قوننة كافة جوانب بيئة العمل بهدف حماية الأسواق ورأس المال والعمال؛
  • دراسة أوجه العجز الحاصل في توليفة القطاعات وبالأخص التمويل والزراعة والصناعة، لإعادة التوازن وصرف الانتباه نحو الاكتفاء الذاتي وإيجاد قنوات لتصريف المنتجات المحلية في الخارج، والعمل على ترويج هذه المشاريع وفق دراسات جدوى اقتصادية وتراخيص قانونية مناسبة، لرجال أعمال سوريين في المغترب، وإن تعذر فيمكن العمل وفق آلية "بناء، تشغيل، نقل" مع مؤسسات ودول مانحة وإن تعذر فالعمل على اقتراض أموال من دول صديقة للمعارضة السورية بهدف تأسيس تلك المشاريع الإنتاجية التي تضمن سداد القروض وتطوير السوق والنهوض بالمنطقة وساكنيها.

 

التصنيف أوراق بحثية

ملخص تنفيذي

  • أثرت الحملة العسكرية التي تشنها قوات النظام وميليشاته والقوات الروسية في ريف إدلب على أنشطة التعافي المبكر بشكل سلبي خلال الفترة المرصودة (1 تموز حتى 31 كانون الأول 2019 )، وساهمت في زيادة أعداد النازحين بسبب القصف والحملة العسكرية، ومع بداية عام 2020 خرجت العديد من المناطق عن سيطرة المعارضة في ريف إدلب الجنوبي مثل جرجناز وخان شيخون ومعرة النعمان وسراقب وباتت تهدد خطوط متقدمة في عمق إدلب وصولا إلى الحدود السورية التركية وسقطت عندان وحريتان وحيان وبيانون وكفر حمرة ومعارة الأرتيق في ريف حلب الغرب وهو ما مكن النظام من السيطرة على الطريق الدولي دمشق - حلب (إم 5).
  • أظهرت البيانات أن عدد المشاريع التي تم تنفيذها في مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي وإدلب في الفترة المرصودة نحو 568 مشروع، وتركزت معظم المشاريع في قطاعات النقل والمواصلات والنزوح الداخلي والمياه والإسكان والتعمير، وحازت ريف حلب على النسبة الأكبر من المشاريع بمقدار 399 مشروع، مقابل 169 مشروع في إدلب وريفها.
  • تظهر البيانات بين النصف الأول والثاني من 2019 ارتفاع مؤشر التعافي المبكر في المنطقة بدعم من مشاريع النقل والمواصلات والنزوح الداخلي، بعد نزوح أعداد كبيرة من الأهالي من ريف إدلب الجنوبي جراء الحملة العسكرية على مناطقهم، حيث ارتفع عدد المشاريع المنفذة خلال النصف الثاني في قطاع النزوح الداخلي إلى 90 مشروع عن 10 مشاريع في النصف الأول.
  • على الرغم من المعيقات الموضوعية التي تفرضها الهيكلية الإدارية المضطربة في مناطق المعارضة؛ تمكنت المجالس المحلية عبر حالتها التنظيمية من تأسيس شركات مساهمة واستجرار الكهرباء والسلع والخدمات الضرورية، فيما لا تزال تلك المجالس تحتاج لحقن كوادرها بكفاءات ومختصين قادرين على قراءة الواقع وحل الأزمات الاقتصادية للنهوض بالمنطقة؛ كما تمكنت المجالس المحلية والفعاليات المدنية العاملة من خلق نحو 224 فرصة عمل في المنطقة، وتوقيع 19 مذكرة تفاهم في القطاعات الاقتصادية المرصودة.
  • من بين نقاط القوة التي بيّنها التقرير إيصال الكهرباء للعديد من القرى والمدن عقب توقيع مذكرات تفتهم لاستجرار الكهرباء من تركيا. فضلا عن الاستجابة السريعة للنازحين والعمل على خدمتهم بشكل جديد.
  • أوصى التقرير بجملة من التوصيات من شأنها توفير أطر رئيسية لعملية التعافي المبكر وتنسيق جهودها بشكل أوثق للمحاولة لدفع عملية الاستثمارات وترسيخ حالة الاستقرار أكثر في المنطقة.

حول التقرير: المنهجية والأدوات

استكمل التقرير التالي رصد عملية التعافي المبكر في مناطق المعارضة خلال النصف الثاني من عام 2019 بين تموز وكانون الأول، بعد رصد النصف الثاني من عام 2018 والنصف الأول من عام 2019، بغرض تشخيصها وتتبع أنشطتها وعمل مقارنة بين المناطق للوقوف على مستوى التعافي المبكر فيها، وبالتالي خلق اتجاه (Trend) يمثل قراءة شاملة للعملية برمتها ومفصلة للقطاعات الاقتصادية، بالشكل الذي يفيد رسم تصورات مستقبلية لاتجاه التعافي ومداها الزمني بشكل مرحلي.

وتتأتى أهمية هذا التقرير من محاولته تلمس أثر التعافي المبكر وسط تقارير دولية ومحلية لا تزال تقيس حركة النزوح وتقييم احتياجات النازحين والسكان ومراقبة السوق وإحصاء نشاطات المجالس المحلية، ويفتح التقرير المجال نحو انعكاس هذه المرحلة على مستوى معيشة السكان والثغرات التي تعاني منها القطاعات الاقتصادية في المجتمع وأخيراً توجيه الدعم لسد تلك الثغرات. ويهدف التقرير إلى إعطاء وصف شامل للتعافي الاقتصادي المبكر في المنطقة وتقديم معلومات صحيحة بغية تحديد وجهة التعافي ونسب انخراط المناطق بالعملية. وتتلخص الأهداف الأساسية للتقرير بالنقاط التالية:

  • تشخيص واقع عملية التعافي الاقتصادي المبكر داخل سورية من حيث حركية الأعمال والنشاطات في القطاعات الاقتصادية وحجم فرص العمل الموفرة ومذكرات التفاهم الموقعة.
  • تتبع أنشطة التعافي المبكر في القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية.
  • عمل مقارنة بين المناطق للوقوف على مستوى التعافي المبكر فيها.
  • إبراز نقاط القوة والضعف في المنطقة وفق واقع عملية التعافي المكبر الذي يبينه التقرير.
  • رسم تصورات مستقبلية لاتجاه عملية التعافي الاقتصادي المبكر ومداها الزمني بشكل مرحلي.

شملت عملية الرصد مدن وبلدات "درع الفرات"، و"عفرين"، ومحافظة إدلب ووفقاً للتصنيف الصناعي المعياري الدولي فقد تم تصنيف القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية التي سيتضمنها التقرير كما يلي: قطاع الإسكان والتعمير، قطاع الكهرباء والمياه، قطاع النقل والاتصالات، قطاع الصناعة، قطاع التجارة، قطاع التمويل، قطاع الزراعة والثروة الحيوانية، قطاع الخدمات الاجتماعية، وقطاع النازحين داخلياً.

تم اتباع عدة أدوات في إطار عملية الرصد ممثلة بـ1) مكاتب المنتدى السوري المنتشرة في المناطق المحررة بإدلب وريف حلب وهي خمسة مكاتب؛ 2) متابعة المعرفات الرسمية للمجالس المحلية على الفيس بوك والتليغرام؛ 3) متابعة المنظمات العاملة، المحلية والأجنبية، في المنطقة ورصد نشاطاتها على الفيس بوك وتقاريرها الدورية؛ 4) متابعة التقارير الدولية الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى ذات الشأن في سورية والتقارير الصحفية التي تحدثت عن المنطقة.

من بين المجالس المحلية التي تم رصدها في محافظة إدلب: معرة النعمان، كفرنبل، بداما، أريحا، إدلب، حارم، سرمدا، سراقب، جسر الشغور؛ وفي ريف حلب تم رصد المجالس المحلية التالية: مارع، اعزاز، الباب، جرابلس، أخترين، قباسين، بزاعة، عفرين، صوران، الأتارب. أما المنظمات والمؤسسات التي تم رصدها: إحسان للإغاثة والتنمية، هيئة ساعد الخيرية، لجنة إعادة الاستقرار، منظمة شفق، منظمة بنفسج، منظمة IHH، منظمة بنيان، تكافل الشام، منظومة وطن، وهيئة الإغاثة الإنسانية، الدفاع المدني السوري، وحدة تنسيق الدعم، لجنة إعادة الاستقرار، منظمة التنمية المحلية، منظمة بنيان، منظمة رؤية العالمية، منظومة وطن، منظمة عطاء الخيرية، الرابطة الطبية للمغتربين السوريين، المؤسسة الدولية للتنمية الاجتماعية، تكافل الشام، حكومة الإنقاذ، مؤسسة أورينت للأعمال الإنسانية، مؤسسة بناء للتنمية، مؤسسة يدا بيد للتنمية، اتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية، منظمة اقرأ الخيرية، منظمة رحمة بلا حدود، غراس النهية، مؤسسة قطر الخيرية، منظمة المساعدة السورية، منظمة نقطة، منظمة مضمار، مديرية صحة إدلب، مديرية تربية إدلب، الاستجابة الإنسانية.

يظهر الجدول أدناه القطاعات ونوعية النشاطات/ القرارات المرصودة:

القطاع

النشاط /القرار

الخدمات الاجتماعية

·         ترميم وتعديل وصيانة وبناء المدارس والروضات والجامعات والمشافي والحدائق والملاعب والمرافق الإدارية العامة.

·         تنظيف وإزالة النفايات والأنقاض من شوارع المدينة.

·         تجميل أرصفة وطرقات المدينة.

النقل والمواصلات

·         ترميم وتعبيد الطرق في المداينة وخارجها بالبحص والاسفلت.

·         ترخيص المركبات، وتسجيل شهادات السواقة.

الكهرباء

·         ترميم وتعبيد وإصلاح أعمدة وشبكة الكهرباء.

·         تركيب أعمدة وكابلات وشبكة كهرباء.

·         تركيب أعمدة وأضواء تعمل على الطاقة الشمسية.

الماء والصرف الصحي

·         ترميم وتعديل وإصلاح شبكات المياه والصرف الصحي.

·         تمديد شبكات المياه والصرف الصحي.

الإسكان والتعمير

·         ترميم وتأهيل وبناء المنازل والأسواق والمحال التجارية.

·         ترخيص بناء سكني وتجاري (اعتبر البيان الذي يحوي على ترخيص لعدة مساكن أو أبنية على أنه بيان واحد).

·         تنفيذ أعمال العزل وإزالة الأنقاض.

·         مناقصات مشاريع ترميم المنازل.

الزراعة والثروة الحيوانية

·         مشاريع الزراعة ومنح دعم المزارعين بالبذار والمحاصيل والأسمدة والأدوية والأعلاف.

·         تلقيح الأغنام والأبقار.

·         طرح أراضي زراعية للأجار عن طريق المزايدة.

التمويل

·         القروض الحسنة للمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر.

·         النقد مقابل العمل.

·         دعم النفقات التشغيلية.

·         دعم المشاريع التجارية الصغيرة.

·         منح مالية للمجالس المحلية.

الصناعة

·         استدراج عروض لتصنيع أدوات ومعدات.

·         المشاغل والمعامل والمصانع.

التجارة

·         مناقصات لتزويد المجلس بالمياه والمازوت ومواد القرطاسية والطباعة.

·         مزايدة لتأجير محال وأكشاك وأراضي.

·         طرح أصول للاستثمار.

النزوح الداخلي

·         تأهيل المخيمات.

·         تعبيد الطرقات داخل المخيمات.

·         توريد مواد للمخيمات.

·         إنارة الطرق في المخيمات.

·         مشاريع للمياه والصرف الصحي والكهرباء في المخيمات.

الاتصالات

·         ترميم وإصلاح شبكة الاتصالات.

·         تمديد شبكة اتصالات.

 

واجه الراصد عدة صعوبات تمثلت في بعدين مهمين؛ البعد الأول متعلق بتأزم الأوضاع العسكرية في إدلب من جهة، وهو ما أسهم في تأخير عملية جمع المعلومات واهتمام المجالس والمنظمات بنشاطات الإغاثة. والبعد الثاني مرتبط بصعوبة التواصل مع بعض المجالس وعدم تسجيلها لكل أعمالهم ونشاطاتهم على معرفاتهم الرسمية، أو عدم توضيح تلك النشاطات بشكل مفصل عند نشرها، ناهيك عن عدم التمكن من الحصول على البيانات المتعلقة بالقطاع الخاص كما يجدر التنويه إلى أن المجالس المحلية لم توثق جميع مذكرات التفاهم المعقودة مع المجالس المحلية، وأن عدد فرص العمل المعروضة في التقرير هي المنشورة في المعرفات المرصودة مع التأكيد أن هذا العدد قد لا يعبر عن الرقم الحقيقي لفرص العمل بسبب تغييب القطاع الخاص والصعوبات التي واجهها الراصد.

أولاً: مؤشرات التعافي المبكر في النصف الثاني من عام 2019

تبين البيانات في الشكل رقم (1) توزع المشاريع على القطاعات المرصودة على منطقتي ريف حلب الشمالي والشرقي وإدلب، حيث تظهر أن النسبة الأكبر للمشاريع المنفذة كانت ضمن قطاعات النقل والمواصلات (123 مشروع) بارتفاع بنسبة 95% عن النصف الأول من 2019، وقطاع النزوح الداخلي (90 مشروع) وقطاع والمياه والصرف الصحي (87 مشروع) بارتفاع بنسبة 107% عن النصف الأول، والإسكان والتعمير (86 مشروع) بارتفاع بنسبة 79% عن النصف الأول. فيما حلت قطاعات الصناعة والتمويل والاتصالات والكهرباء في مراتب متأخرة، واللافت للانتباه هنا ارتفاع حجم قطاع التجارة والنزوح الداخلي عن النصف الأول، إذ حلت عدد المشاريع المنفذة لصالح النازحين في المرتبة الثانية (90 مشروع) بينما كانت في المرتبة قبل الأخيرة في النصف الأول بواقع 10 مشاريع فقط، أما في قطاع التجارة فقد ارتفع عدد المشاريع المنفذة من 24 في النصف الأول إلى 54 في النصف الثاني.

فيما يظهر الشكل رقم (2) توزيع المشاريع على المناطق بتنفيذ 399 مشروع في ريف حلب الشمالي والشرقي بنسبة 70%، وحازت محافظة إدلب وريفها على 169 مشروع بنسبة 30% مرتفعة عن النصف الأول من العام الحالي لسببين: ارتفاع نسبة المشاريع المنفذة لصالح النازحين داخليا من ريف إدلب وريف حماة في المخيمات للتحضير لفصل الشتاء، والسبب الآخر متعلق باعتماد المنظمات والمؤسسات على نظام المناقصات في تنفيذ المشاريع المتنوعة لتوريد الوقود ومياه الشرب وتنظيف الحفر الفنية وتوريد قرطاسية للمدارس وطباعة مناهج تعليمية واحتياجات أخرى حفزت التجار على التقدم للمناقصات المعروضة بهدف التربح.

ويشكل مفصل أكثر يُظهر الشكل رقم (3) توزع المشاريع على المناطق المرصود حيث مدينتي الباب واعزاز في المرتبتين الأولى والثانية بـ 99 و 90 مشروع على التوالي لتحافظ كلا المدينتين على مرتبتيهما مقارنة بالنصف الأول من العام 2019، مدفوعة بزخم المشاريع في قطاعي الإسكان والتعمير والنقل والمواصلات فيما قفزت إدلب إلى واجهة المدن التي شهدت أعمالا ونشاطات متنوعة في قطاعات التجارة والنزوح الداخلي بالدرجة الأولى.

فيما يخص القرارات التي اتخذتها المجالس المحلية في القطاعات المرصودة، يفيد هذا المؤشر معرفة حجم ما تصدره المجالس من تشريعات وقرارات وتعميمات في كل قطاع، والدور التشريعي الذي تلعبه في قيادة القطاع نحو مزيد من المأسسة والتنظيم. وقد حاز قطاع التجارة والزراعة والثروة الحيوانية على المرتبة الأولى والثانية بواقع 15 و 14 قرار على التوالي. متفوقة على قطاعي النقل والمواصلات والتجارة في النصف الأول من 2019.                                                                           

يظهر الشكل رقم (5) بشكل جليّ الأثر الذي خلفته الزيادة في المشاريع والأعمال والذي أثر بدوره على خلق فرص عمل أكثر فمن 262 مشروع في النصف الأول إلى 557 مشروع في النصف الثاني، وبالمثل ارتفعت أيضاً مذكرات الأعمال الموقعة من قبل المجالس المحلية مع المنظمات والمؤسسات لتنفيذ مشاريع متنوعة.

فيما يتعلق بقطاع المياه والصرف الصحي يظهر الشكل أدناه تربع مدينة اعزاز بـ18 مشروع في مقدمة المدن والبلدان في تنفيذ المشاريع في هذا القطاع، الحيوي والهام، مقارنة بـ 7 مشاريع في النصف الأول، حيث يُسهم استقرار معدل تدفق المياه إلى المنازل والمشاريع في توطين السكان واستقرار معيشتهم فضلا عن رفد الواقع الاقتصادي بمزيد من المشاريع. وبينما كانت معرة النعمان في إدلب في مقدمة المدن في النصف الأول تراجعت لمؤخرة المؤشر بواقع مشروع واحد فقط وهذا يوضح حجم ما تعرضت له مدينة المعرة ومجلسها المحلي بسبب الحملة العسكري عليها، وسقوطها لاحقاً في نهاية كانون الثاني 2020. 

 

أما في قطاع الكهرباء فقد ارتفع إجمالي المشاريع عن النصف الأول من 13 مشروع إلى 22 مشروع في النصف الثاني، استحوذت مدينة مارع في ريف حلب الشمالي على أكثر المشاريع استعداداً لتغذيتها بالكهرباء من شركة تركية بالتعاون مع "شركة الشمال المساهمة للكهرباء" المحلية، حيث تركزت المشاريع في تأهيل البنية التحتية وصيانة الأضرار في الشبكة المحلية وتشغيل المحطة الرئيسية للكهرباء.

 

بالنسبة لقطاع النقل والمواصلات والذي سبق وحاز على أغلب المشاريع المنفذة في النصف الأول من بين القطاعات الأخرى، حافظ هذا القطاع في النصف الثاني على صدارة المشاريع مرتفعاً من 63 مشروع في النصف الأول إلى 123 مشروع في النصف الثاني ما نسبته 95%، وبقيت مدينة اعزاز صاحبة المرتبة الأولى بين المدن والبلدات المرصودة بواقع 51 مشروع عن 21 مشروع في النصف الأول. وفي المرتبة الثانية والثالثة حلت صوران وأخترين بواقع 20 و11 مشروع على التوالي. والملاحظ ارتفاع الاهتمام بهذا القطاع الاستراتيجي الذي يلعب دوراً محورياً في عملية نقل السلع والخدمات بما يعزز عملية التبادل التجاري بين بعضها من جهة وبينها وبين المدن التركية الحدودية من جهة أخرى، فضلا عن الأهمية التي تشكلها الطرق في تنقل المواطنين بسهولة ويسر بين القرى والمدن. 

 

وبالنظر إلى قطاع الإسكان والتعمير الذي حاز على المرتبة الثالثة من حيث حجم المشاريع المنفذة بين القطاعات المرصودة، بواقع 86 مشروع مرتفعا عن 48 مشروع في النصف الأول. ولا تزال مدينة الباب حاضرة في المرتبة الأولى بـ 61 مشروع في حركية البناء السكني والتجاري، علماً أنه تم تنفيذ 34 مشروع في المدينة بالنصف الأول. الملفت للنظر في هذا القطاع جحم التفاوت بالمشاريع بين مدينة الباب والمدن والبلدات الأخرى فبين المرتبة الأولى والثانية هناك فارق 53 مشروع، وهو إن دل على شيء فهو يدل على حركة البناء التي تشهدها مدينة الباب على الصعيد السكني والتجاري واستمرار هذه الأنشطة سيجعل من المدينة قاطرة المنطقة في العمران وقد يؤهلها هذا للعب دور أكبر في المستقبل بعد تحرك قاطرة النمو الاقتصادي واجتذاب رؤوس الأموال إليها، والأمر الآخر يظهر التفاوت في حركية الإعمار والبناء بين المدن ويعود هذا التفاوت إلى عدة أسباب بينها استقرار الأهالي وابتعادها عن خط التماس مع النظام وانضباط الأمن فيها؛ ورؤوس الأموال المتوفرة لدى أهالي المدينة والتي تمكنهم من التشييد والبناء؛ وفرة الخدمات المتنوعة التي تلعب دور في قرار الاستقرار والبناء؛ احتوائها على منطقة صناعية تضم معامل ومصانع توفر فرص عمل ونشاط تجاري وصناعي؛ وأخيراً نشاط المجلس المحلي والمنظمات المحلية والأجنبية في المدينة.   

فيما يتعلق بقطاع الخدمات الاجتماعية فقد تم تنفيذ 41 مشروع في المنطقة، حازت منها بلدة بزاعة على أكثر المشاريع المنفذة، بفارق الضعِف عن النصف الأول، ويُعنى هذا القطاع بتشييد المرافق العامة من مشافي ومدارس وحدائق ومجالس وملاعب ومؤسسات تعنى بالشأن العام.

على أهمية قطاع الزراعة والثروة الحيوانية لا يزال يحظى باهتمام قليل مقارنة بالقطاعات الأخرى من جهة وبالأزمة المعيشية التي تعاني منها المنطقة من جهة أخرى والتي تتعلق بارتفاع أسعار معظم السلع الغذائية بشكل يضغط على تكاليف المعيشة، ومن ثم حجم ما قد يوفره قطاع الزراعة من فرص عمل. نفذ 43 مشروع خلال النصف الثاني مرتفعاً بالضعف عن النصف الأول. ومن بين الأسباب التي يمكن سوقها في سياق ضعف هذا القطاع هو ضعف قيمة الليرة وعدم استقرار سعر صرفها مقابل الدولار وهو ما يضغط على أسعار المواد الأولية الزراعية وعلى جدوى الزراعة بحد ذاتها وسط نقص الدعم للأرض والفلاح؛ هجرة الفلاحين لأراضيهم بسبب الحملة العسكري على ريف إدلب حلب وحالة عدم الاستقرار الأمني التي تعيشها المنطقة ساهمت في تعطيل العمل بالزراعة؛ ضعف تسويق المحاصيل الزراعية.

بالانتقال إلى قطاع النزوح الداخلي والذي شهد نقلة نوعية عن النصف الأول إذ ارتفعت عدد المشاريع من 10 مشاريع إلى 90 مشروع في كل من ريف حلب الشمالي والشرقي ومحافظة إدلب، ويعزى هذا إلى تنفيذ مشاريع أكبر للنازحين القادمين من ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي بواقع 71 مشروع، على إثر العملية العسكرية التي يشنها النظام بالتعاون مع حلفاءه الروس والإيرانيين، وقد حاز  محافظة إدلب وريفها على الحصة الأكبر من المشاريع المنفذة، والسبب الآخر يعود إلى الاستعداد لفصل الشتاء وتأهيل البنية التحتية للمخيمات بكل ما تحتاجه تجنباً لوقوع كوارث من هطول أمطار وجريان السيول.

فيما يتعلق بقطاع التمويل والمشاريع المنفذة فيه من قبيل مشروع النقد مقابل العمل وتمويل المصاريف التشغيلية لبعض المشاريع وطرح أصول للاستثمار، فقد تم تنفيذ 17 مشروع خلال هذه الفترة وهو نفس عدد المشاريع خلال النصف الأول.

 

بقي قطاع الصناعة الأضعف على الإطلاق بين القطاعات المرصودة، بدون تغيير عن النصف الأول، إذ تم تنفيذ مشروع صناعة واحد فقط وهو الأعلاف لدعم مربي الماشية لتحسين البنية التحتية الأساسية والأصول المجتمعية الإنتاجية في مدينة الباب في ريف حلب الشمالي من قبل منظومة وطن.

أما في قطاع التجارة فهو أحد أبرز القطاعات التي شهدت نشاطاً ملحوظاً خلال هذه الفترة فمن 24 مشروع في النصف الأول إلى 54 مشروع في النصف الثاني، مدفوعة بحجم المناقصات المطروحة على التجار لتقديم عروض أسعار لتوريد جملة من السلع والخدمات، كتوريد المياه والمازوت والمعدات الكهربائية وطباعة الكتب وتوريد قرطاسية وتجهيزات عديدة أخرى.    

 

وفي قطاع الاتصالات بلغ عدد المشاريع المنفذة 4 مشاريع تتضمن تنفيذ تمديدات لشبكة اتصالات ومراقبة داخلية تشمل تركيب كاميرات في الطرقات والساحات العامة لأغراض أمنية.

 

عموماً أظهرت البيانات أعلاه أن عدد المشاريع التي تم تنفيذها في المنطقة المرصودة في الفترة الزمنية المحددة بين 1 تموز و31 كانون الأول 2019 نحو 568 مشروع موزعة القطاعات الاقتصادية المدروسة، تركزت معظم المشاريع في قطاعات النقل والمواصلات ومن ثم النزوح الداخلي والمياه والصرف الصحي والإسكان والتعمير، وحافظت ريف حلب على النسبة الأكبر من المشاريع بمقدار 399 مشروع مقابل 169 مشروع في إدلب وريفها، ومن بين المناطق المرصودة حافظت مدينة الباب على الحصة الأكبر من المشاريع بواقع 99 مشروع وبعدها اعزاز 90 مشروع وإدلب 73 مشروع.

ثانياً: تحسن في مؤشرات التعافي

أظهرت المقارنة بين النصف الأول والثاني من 2019 عدد من الملاحظات لعل أبرزها تحسن في مؤشر التعافي المبكر في المنطقة المدروسة من 262 مشروع في النصف الأول إلى 568 مشروع نتيجة ارتفاع أعداد النازحين وما تطلبه من تقديم خدمات ومشاريع لهم ولباقي المخيمات، وتوضح عملية المقارنة أيضاً بين الفترة الأولى والثانية جملة من المؤشرات الأولية في القطاعات المرصودة موضحة كالآتي (انظر الشكل (15):

  • تحسن مؤشر التعافي المبكر في المنطقة مدفوعا بقطاعات محددة أسهمت في إعطاء زخم للمشاريع، بالأخص في قطاعات النقل والنزوح الداخلي؛
  • ارتفاع مساهمة التجارة والنزوح الداخلي في النصف الثاني بشكل ملحوظ لارتفاع عدد النازحين واهتمام المجالس المحلية والمنظمات العاملة بتخديم النازحين في العراء وفي المخيمات؛
  • ارتفاع عدد فرص العمل إلى 224 فرصة و19 مذكرة تفاهم بجريرة ارتفاع عدد المشارع وزحم الأعمال في المنطقة؛
  • لا تزال تركيا اللاعب المحوري في رفد عملية التعافي المبكر في المنطقة ليس من خلال منظماتها وحسب بل شهدت المنطقة دخول عدة شركات تركية من القطاع الخاص للمنطقة ورفد عدة قطاعات بالموارد والخبرات المناسبة؛
  • حافظ قطاع الصناعة على عدد المشاريع فيما بقيت الزراعة دون الحد المأمول؛
  • ارتفاع عدد المشاريع في إدلب وريفها من 53 مشروع في النصف الأول إلى 169 مشروعاً في النصف الثاني بفضل قطاع النزوح الداخلي حيث تم تنفيذ 71 مشروع في إدلب وريفها بسبب الحملة العسكري على إدلب وريفها.

 

وبتلمس جوانب القوة والضعف قي القطاعات المرصودة في مناطق "درع الفرات" و"عفرين" ومحافظة إدلب يظهر ما يلي.

نقاط الضعف

  • لا يزال ضعف المشاريع في مدينة عفرين في مختلف القطاعات الاقتصادية يشكل إشارة استفهام بالرغم من أهمية المدينة من ناحية الزراعة والصناعة الزراعية والتجارة بالمحاصيل الزراعية.
  • ارتفاع نسبة المشاريع المنفذة في قطاع النزوح الداخلي سيف ذو حدين فهو من جهة يعني ارتفاع أعداد النازحين وتوجه الموارد لخدمة المخيمات في الوقت الذي يمكن لهذه الموارد أن تخدم قطاعات ذات أثر استراتيجي أكثر تسهم في تحويل المخيم وقاطنيه من حالة "لا استقرار" إلى حالة أكثر استقراراً في المسكن والعمل.
  • إن انخفاض المشاريع في قطاع الزراعة والثروة الحيوانية لا يخدم المنطقة على الإطلاق وهو مؤشر على عدم قراءة هوية المنطقة بشكل صحيح من قبل المجالس والمنظمات العاملة، وعدم تعبئة الإمكانات لرفد هذا القطاع المهم الذي من شأنه أن يكون حاملا على مستوى الأمن الغذائي بتوفير المحاصيل الزراعية وخفض أسعار الخضار والفواكه ليحصل عليها معظم الناس فتسهم في خفض معدلات الفقر، وعلى المستوى التجاري عبر تنظيم "سوق الهال" ليأخذ مهمة التصدير للخارج وبالتالي تحريك خطوط التجارة، وعلى المستوى الصناعي عبر إنشاء معامل ومصانع مرتبطة بالزراعة مثل الكونسروة ومعاصر الزيتون وتعبئة الزيوت وغير ذلك.
  • لا تزال المجالس المحلية تنشر المشاريع على الفيس بوك وتليغرام كوسيلة أساسية للإعلان عن المشاريع المنفذة، بدون ترتيب لمؤسسة إحصائية تعنى لرقمنة هذه المشاريع وجمعها بنافذة واحدة تعبر عن تكتل كامل للمنطقة؛ تخدم المؤسسات والمنظمات والباحثين وأي شخص مهتم، وتعطي بنفس الوقت صورة أكثر تطوراً عن المجالس وطريقة إدارتها.
  • ارتباط المنطقة بنظام الأسد مالياً وتجارياً يجعلها تابعة لها وتؤدي لانتقال المشاكل والأزمات الاقتصادية إليها، العملة السورية والتعامل بورقة ألفين ليرة أحد الأمثلة، والفارق بين مناطق النظام ومناطق المعارضة أن النظام خاضع للعقوبات ويعاني من جفاف مالي وعزلة دولية وإقليمية، فيما تتمتع مناطق المعارضة بمرونة جيدة ودعم تركي وحضور للمنظمات الدولية والإقليمية ومجالس محلية بكفاءات طموحة تهيئ قاعدة للعمل والنهوض بالاقتصاد المحلي بعيداً عن النظام.
  • تحتاج المجالس المحلية لإبراز حالة وطنية أعلى مما هي عليه، وإبراز جميع المواثيق والعقود الموقعة بينها وبين الشركات والمنظمات الإقليمية، كما في الشركات التركية الخاصة التي تزود مناطق عدة بالكهرباء ولكن بأسعار مرتفعة نسبيا حيث أدت لخروج مظاهرات ضد المجلس المحلي في اعزاز ومطالبته بتحسين ظروف العقد مع الشركة التركية.
  • لا تزال هناك حاجة ملحة جداً لتوحيد عمل المجالس المحلية في سياق قطاع الصناعة وإصدارها شهادة منشأ لا تعبر عن مدينة وحسب بل عن منطقة المعارضة برمتها، وبالتالي خلق كيان يهدف لتذليل كل الصعوبات التي من شأنها عدم عرقلة النشاطات وجذب رجال أعمال وتقديم حزمة حوافز تسهم في نقل المعامل والمصانع السورية من تركيا لداخل سورية.
  • لا شك أن العملية العسكرية الجارية في إدلب أسهمت ولا تزال في تعطيل المشاريع وتقليص جزء مهم وكبير من أوجه التعافي فضلا عن الضبابية التي تفرضها جراء سقوط مناطق المعارضة بيد النظام والجدوى من المشاريع.

نقاط القوة

  • خلال النصف الثاني من 2019 لا يزال قطاع النقل والمواصلات يحتل المرتبة الأولى بين المشاريع الأكثر تنفيذاً في المنطقة بواقع 123 مشروع، ما يشير لاهتمام المجالس المحلية بأهمية تعبيد الطرقات والتشبيك بين المدن والبلدات وهو ما قد يعكس على تنقل المدنيين والحالة التجارية بين البلدات والمدن.
  • بذلت المجالس المحلية والمنظمات العاملة في المنطقة جهداً واضحاً لمساعدة النازحين من قراهم ومدنهم نتيجة القصف والعملية العسكرية على ريف إدلب وريف حلب الغربي.
  • ظهرت حالة من الاعتمادية من قبل المنظمات والمجالس على المجتمع المحلي من أفراد ومؤسسات ربحية عبر المناقصات والمزادات، وهو ما يعطي ثقة أكبر للتجار والصناعيين تخلق من خلالها فرص عمل وتسهم في تحريك عجلة العمل والإنتاج.
  • لا تزال العديد من المجالس المحلية والمنظمات تعتمد على طاقة الشمس في تشغيل المصابيح الضوئية في الشوارع، وهو ما من شأنه تنويع مصادر الطاقة والاعتماد على طاقة متجددة ونظيفة والأهم بناء تجربة فريدة في هذا السياق يمكن العمل عليها أكثر وتطويرها للاستفادة أكثر من الطاقة المتجددة.
  • بالرغم من الحالة الأمنية غير المستقرة نسبيا بسبب التفجيرات والاغتيالات ومن ثم الظروف المتفجرة بالأحداث الاقليمية والدولية لا تزال المجالس المحلية والمنظمات والسكان قادرين على العمل والإنتاج والسعي قدما لمزيد من التقدم والازدهار.
  • وصول الكهرباء لأغلب المناطق بفضل مذكرات التفاهم والعمل على استجرار الكهرباء عبر شركات تركية خاصة من تركيا، وفي هذا الإطار لا بد من الإشادة بتجربة مارع حيث أنشأ أهالي المدينة شركة مساهمة للكهرباء باسم شركة الشمال، عملت على شراء المعدات والمحولات الكهربائية من ثم توقيع عقد مع شركة تركية لاستجرار الكهرباء وهو ما أعطاها كعب عالٍ في التفاوض وفرض سعر مناسب اجتماعيا وتجارياً يعد من أنسب الأسعار بالمنطقة.

توصيات ختامية

بناء على تحليل البيانات أعلاه وتلمس جوانب القوة والضعف يوصي التقرير بجملة من التوصيات من شأنها توفير أطر رئيسية لعملية التعافي المبكر التي ولا شك تعتبر تحدياً رئيسياً لقوى المعارضة في الشمال السوري، ونذكر إضافة لما ورد في التقرير السابق في النصف الأول، ما يلي:

  • تشبيك المجالس المحلية في المنطقة لفتح مزيد من أطر التعاون والتنسيق واستثمار نشاط التعافي المبكر المتزايد في مناطق المعارضة بالشمال، وفي هذا الإطار يمكن العمل جنباً إلى جنب مع الحكومة السورية المؤقتة من جهة ومن جهة أخرى خلق هيئة استشارية من الكفاءات من المنطقة، تُعنى بتصميم برامج اقتصادية تسهم في حل المشاكل وتذليل الصعوبات واقتراح الحلول.
  • لا تزال المنطقة تفتقر للتسويق المناسب، حتى لأهالي المنطقة المغتربين، بوضعهم بآخر تطورات الأوضاع الاقتصادية، لتشجيعهم على العودة ومزاولة العمل وضخ أموال في الأسواق تسهم في خلق فرص عمل وإعطاء زخم اقتصادي للمنطقة في كافة القطاعات الاقتصادية.

أخيراً:

مما لا شك فيه؛ تشكل جهود التعافي الاقتصادي المبكر أولى الخطوات الحاسمة نحو التصدي بشكل منهجي لأوجه الضعف الكامنة داخل المجتمع الذي يعاني من تبعات الصراع والكوارث ونقله نحو التنمية المنصفة. وقد أسهم الاستقرار النسبي الحاصل في شمال حلب؛ "درع الفرات" و"عفرين"، في التهيئة "المقبولة" لانطلاق مشاريع وأعمال ونشاطات تعود بعوائد اقتصادية للسكان وتسهم في إرساء قواعد الاستقرار في المنطقة. وتتعاظم مسؤوليات وتحديات مؤسسات المعارضة ذات الوظائف الحوكمية كالمجالس المحلية والمنظمات العاملة وتحدياتها؛ ويجعلها أكثر مطالبة في إنجاز هذا التحدي. فيما لا يزال المستقبل غامض فيما يخص محافظة إدلب أمام استمرار الحملة العسكري واتساع سيطرة النظام على أجزاء واسعة فيها، وهو ما من شأنه أن يصعب المهمة على المجالس المحلية هناك ويقوّض من جهود التعافي المبكر فيها.

التصنيف تقارير خاصة

ملخص تنفيذي

  • أظهرت البيانات أن عدد المشاريع التي تم تنفيذها في منطقة ريف حلب الشمالي والشرقي وإدلب في الفترة الممتدة من1 حزيران و31 كانون الأول 2018 نحو 338 مشروع، وتركزت معظم المشاريع في قطاعات المياه والإسكان والتعمير والنقل والمواصلات، وحاز ريف حلب على النسبة الأكبر من تلك المشاريع بمقدار 231 مشروعاً مقابل 107 مشروع في إدلب وريفها.
  • تشير البيانات أن عدد المشاريع التي تم تنفيذها في المنطقة المرصودة في الفترة الممتدة من 1 كانون الثاني 2019 حتى 31 حزيران 2019 بنحو 262 مشروع، تركزت معظمها أيضاً في قطاعات النقل والمواصلات والإسكان والتعمير والمياه، فيما حاز ريف حلب على النسبة الأكبر من تلك المشاريع بمقدار 209 مشروعاً مقابل 53 مشروع في إدلب وريفها.
  • تظهر المقارنة بين فترتي الدراسة تقلص مشاريع التعافي المبكر في المنطقة المدروسة نتيجة خروج إدلب وريفها بشكل رئيسي بعد اتساع رقعة المعارك إليها؛ وتوضح عملية المقارنة أيضاً وضوح مؤشرات التعافي المبكر في قطاعات النقل والمواصلات والتمويل والزراعة والثروة الحيوانية؛ وتعثرها في قطاع الصناعةالتي لاتزال تعاني من وطأة غلاء مدخلات الإنتاج والمناخ غير المستقر وضعف التمويل؛
  • قامت المجالس المحلية بدور فعّال في إدارة النشاطات والمشاريع في مختلف القطاعات، إلا أنه يسجل على عملها عدة ملاحظات أهمها تلك المتعلقة بعدم قدرة المجالس على ضبط الأثمان الداخلية؛ وغياب النشاطات الاحصائية ومأسستها على شكل مؤشرات لقراءة الواقع والاعتماد عليها في التنبؤ بالمستقبل.
  • من نقاط القوة التي لحظها التقرير مساهمة المشاريع في تأمين خدمات المياه والكهرباء وترميم وتعبيد الطرقات الرئيسية داخل المدن وبين المدن والبلدات، وتحريك سوق الإنشاءات والإسكان وكل ما يتعلق بمستلزمات المنازل، والاعتماد على الطاقة البديلة في إنارة الطرقات، ناهيك عن مساهمة مشاريع النزوح الداخلي واستجابتها في توفير بعض الخدمات الأساسية من مياه للشرب وصرف صحي وكهرباء وإنارة؛ أما جوانب الضعف التي لحظها التقرير يتركز أهمها قلة المشاريع المنفذة في مدنية عفرين، وغياب دور الحكومة السورية المؤقتة؛ وعدم توحيد عمل غرف التجارة والصناعة بالإضافة إلى تركز المشاريع في بعض القطاعات دون قطاعات أخرى؛
  • يوصي التقرير بجملة من التوصيات التي من شأنها توفير أطر رئيسية لعملية التعافي المبكر أهمها متابعة الاستثمار في الاتجاه الصاعد في نشاطات التعافي المبكر في درع الفرات عفرين من خلال مزيد من دعم المجالس المحلية لإرساء قواعد الاستقرار ودعم سبل العيش للسكان، ومأسسة القطاع الخاص وقطاع التمويل ومن ثم انبثاق مؤسسة تتبع للمجالس المحلية تعنى بإدارة الفوائض المالية وتوجيهها في قنوات استثمارية ، والاهتمام أكثر بالزراعة والصناعات المرتبطة بها واستصدار شهادات منشأ وفق المعايير العالمية بالتعاون والتنسيق مع المنظمات الدولية إضافة إلى ضرورة العمل على تأسيس مكتب إحصاء يسهم في تصدير أرقام وبيانات عن كل ما له علاقة بالقطاعات الاقتصادية وتصديرها في نشرات دورية.

حول التقرير: المنهجية والأدوات

يحاول التقرير التالي رصد عملية التعافي المبكر في المنطقة وقياسها على فترات محددة لتشخيصها وتتبع أنشطتها وعمل مقارنة بين المناطق للوقوف على مستوى التعافي المبكر فيها، وبالتالي خلق اتجاه (Trend) يمثل قراءة شاملة للعملية برمتها ومفصلة للقطاعات الاقتصادية، بالشكل الذي يفيد رسم تصورات مستقبلية لاتجاه التعافي ومداها الزمني بشكل مرحلي. وتتشكل أهمية هذا التقرير من استفراده في الطرح وسط تقارير دولية ومحلية لا تزال تقيس حركة النزوح وتقييم احتياجات النازحين والسكان ومراقبة السوق، ويفتح المجال نحو انعكاس هذه المرحلة على مستوى معيشة السكان والثغرات التي تعاني منها القطاعات الاقتصادية في المجتمع وأخيراً توجيه الدعم لسد تلك الثغرات  

بدأت عملية جمع المعلومات والبيانات مع مطلع شهر شباط 2019 على مدار فترتين زمنيتين، الأولى: من 1 حزيران 2018 حتى 31 كانون الأول 2018، والفترة الثانية ابتداءً من العام 2019 وحتى 31 حزيران 2019. تم اختيار الفترة الأولى المتمثلة بالنصف الثاني من 2018 وفق معايير عدة أبرزها: انتشار النشاطات في بعض قطاعات اقتصادية منها المياه والكهرباء والإسكان والخدمات الاجتماعية بشكل ملحوظ؛ والمطالب المتزايدة من السكان لتأمين الخدمات من المجالس المحلية والمنظمات العاملة؛ وزيادة النشاطات والمشاريع التي تهدف إلى تمكين المجالس المحلية وتشجيع عملية الإنتاج وتأمين فرص عمل ودخل للأسر.

يهدف التقرير إلى إعطاء وصف شامل للتعافي الاقتصادي المبكر في المنطقة وتقديم معلومات صحيحة بغية تحديد وجهة التعافي ونسب انخراط المناطق بالعملية. وتتلخص الأهداف الأساسية للتقرير بالنقاط التالية:

  • تشخيص واقع عملية التعافي الاقتصادي المبكر داخل سورية.
  • تتبع أنشطة التعافي المبكر في القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية.
  • عمل مقارنة بين المناطق للوقوف على مستوى التعافي المبكر فيها.
  • رسم تصورات مستقبلية لاتجاه عملية التعافي الاقتصادي المبكر ومداها الزمني بشكل مرحلي.

شملت عملية الرصد مدن وبلدات "درع الفرات"، و"عفرين"، ومحافظة إدلب. على أنه تم التركيز على المدن الرئيسية والبلدات التي شهدت نشاطاً اقتصادياً ملحوظاً. ووفقاً للتصنيف الصناعي المعياري الدولي فقد تم تصنيف القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية التي سيتضمنها التقرير كما يلي: قطاع الإسكان والتعمير، قطاع الكهرباء والمياه، قطاع النقل والاتصالات، قطاع الصناعة، قطاع التجارة، قطاع التمويل، قطاع الزراعة، قطاع الخدمات الاجتماعية، وقطاع النازحين داخلياً.

تم اتباع عدة أدوات في إطار عملية الرصد ممثلة بـ1) مكاتب المنتدى السوري المنتشرة في المناطق المحررة بإدلب وريف حلب وهي خمسة مكاتب؛ 2)متابعة المعرفات الرسمية للمجالس المحلية على الفيس بوك والتليغرام؛ 3)متابعة المنظمات العاملة، المحلية والأجنبية، في المنطقة ورصد نشاطاتها على الفيس بوك وتقاريرها الدورية؛ 4)متابعة التقارير الدولية الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى ذات الشأن في سورية والتقارير الصحفية التي تحدثت عن المنطقة.

وقد تم رصد عدة مجالس محلية، فمن من محافظة إدلب تم رصد: معرة النعمان، كفرنبل، بداما، أريحا، إدلب، حارم، سرمدا، سراقب، جسر الشغور، خان شيخون؛ وفي ريف حلب تم رصد المجالس المحلية التالية: مارع، اعزاز، الباب، جرابلس، أخترين، قباسين، بزاعة، عفرين، صوران. أما المنظمات التي تم رصدها: إحسان للإغاثة والتنمية، هيئة ساعد الخيرية، لجنة إعادة الاستقرار، منظمة شفق، منظمة بنفسج، منظمة IHH، منظمة بنيان، تكافل الشام، منظومة وطن، وهيئة الإغاثة الإنسانية.

كما تم اعتماد استبانة للراصد تتضمن مجموعة من الأسئلة لكل قطاع من القطاعات المرصودة تمثل بشكل رئيسي القرارات والتشريعات الصادرة من المجلس المحلي والمنظمة العاملة. وقد عمد الراصد إلى تصميم جدول يظهر فيه تاريخ صدور القرار والجهة المصدرة ومكانها ومضمون القرار، وصمم جدول آخر لرصد كافة النشاطات والأعمال التي مورست ضمن الفترة المحددة وفي القطاعات محل البحث، تبين ماهية النشاط وحجمه ومكانه وتاريخ القيام به وعدد المستفيدين وعدد العاملين.

يُظهر الجدول أدناه القطاعات ونوعية النشاطات/القرارات المرصودة:

القطاع

النشاط /القرار

الخدمات الاجتماعية

1) ترميم وتعديل وصيانة وبناء المدارس والروضات والجامعات والمشافي والحدائق والملاعب والمرافق الإدارية العامة. 2) تنظيف وإزالة النفايات والأنقاض من شوارع المدينة. 3) تجميل أرصفة وطرقات المدينة.

النقل والمواصلات

1) ترميم وتعبيد الطرق في المداينة وخارجها بالبحص والاسفلت ؛ 2) ترخيص المركبات، 3)تسجيل شهادات السواقة

الكهرباء

1)ترميم وتعبيد وإصلاح أعمدة وشبكة الكهرباء؛ 2)تركيب أعمدة وكابلات وشبكة كهرباء؛ 3)تركيب أعمدة وأضواء تعمل على الطاقة الشمسية

المياه والصرف الصحي

1)ترميم وتعديل وإصلاح شبكات المياه والصرف الصحي؛ 2)تمديد شبكات المياه والصرف الصحي

الإسكان والتعمير

1)ترميم وتأهيل وبناء المنازل والأسواق والمحال التجارية؛2)ترخيص بناء سكني وتجاري (اعتبر البيان الذي يحوي على ترخيص لعدة مساكن أو أبنية على أنه بيان واحد)؛3)تنفيذ أعمال العزل وإزالة الأنقاض؛ 3)مناقصات مشاريع ترميم المنازل

الزراعة والثروة الحيوانية

1)مشاريع الزراعة ومنح دعم المزارعين بالبذار والمحاصيل والأسمدة والأدوية والأعلاف؛ 2)تلقيح الأغنام والأبقار؛ 3)طرح أراضي زراعية للإيجار عن طريق المزايدة

التمويل

1)القروض الحسنة للمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر؛ 2)النقد مقابل العمل؛ 3)دعم النفقات التشغيلية؛ 3)دهم المشاريع التجارية الصغيرة؛ 4)منح مالية للمجالس المحلية

الصناعة

1)استدراج عروض لتصنيع أدوات ومعدات، 2)المشاغل والمعامل والمصانع

التجارة

1)مناقصات لتزويد المجلس بالمياه والمازوت؛ 2)مزايدة لتأجير محال وأكشاك وأراضي ؛ 3)طرح أصول للاستثمار

النزوح الداخلي

1)تأهيل المخيمات؛ 2)تعبيد الطرقات داخل المخيمات؛ 3)توريد مواد للمخيمات؛ 4)إنارة الطرق في المخيمات؛ 5)مشاريع للمياه والصرف الصحي والكهرباء في المخيمات

الاتصالات

1)ترميم وإصلاح شبكة الاتصالات؛ 2)تمديد شبكة اتصالات

 واجه الراصد عدة صعوبات تمثلت في بعدين مهمين؛ البعد الأول متعلق بتأزم الأوضاع العسكرية في إدلب من جهة، والوضع الأمني في منطقة "درع الفرات" و"عفرين" من جهة أخرى، وهو ما أسهم في تأخير عملية جمع المعلومات. والبعد الثاني مرتبط بصعوبة التواصل مع بعض المجالس وعدم تسجيلها لكل أعمالهم ونشاطاتهم على معرفاتهم الرسمية، أو عدم توضيح تلك النشاطات بشكل مفصل عند نشرها، ناهيك عن عدم التمكن من الحصول على البيانات المتعلقة بالقطاع الخاص كما يجدر التنويه إلى أن المجالس المحلية لم توثق جميع مذكرات التفاهم المعقودة مع المجالس المحلية.

أولاً: مؤشرات التعافي المبكر في النصف الثاني من عام 2018

بتحليل تفصيلي للبيانات المتعلقة بالمشاريع المنفذة في المناطق المرصودة خلال النصف الثاني من عام 2018؛ يوضح الشكلين رقم (1 و2) أن النسبة الأكبر للمشاريع كانت ضمن قطاعات المياه والنقل والمواصلات والإسكان والتعمير وهي القطاعات الأساسية لبدء التعافي؛ حيث فاقت عدد المشاريع في قطاع المياه بقية القطاعات الاقتصادية بواقع 69 مشروع، وتبعها على التوالي الإسكان والتعمير بـــ 63 مشروع والنقل المواصلات بـ51 مشروع. فيما حلت قطاعات مثل التمويل والكهرباء والصناعة والاتصالات في مراتب متأخرة، أما على سياق المناطق فقد حازت ريف حلب بشقيها الشمالي والشمالي الشرقي على معظم المشاريع كما في الشكل رقم (2)، بواقع 231 مشروع ما نسبته 68% مقابل 107 مشروع ما نسبته 32% لمحافظة إدلب وريفها؛ ويعود مرد هذا إلى التحسن الطفيف في البيئة الأمنية في تلك المناطق.

 

يبين الشكل رقم (3)، توزع المشاريع على المناطق المرصودة، حيث حازت مدينة الباب في ريف حلب على معظم المشاريع في كافة القطاعات، بواقع 65 مشروع وتلاها معرة النعمان في محافظة إدلب بواقع 42 مشروع، ومن ثم مارع في ريف حلب بـ34 مشروع. وفي سياق القرارات التي اتخذتها المجالس المحلية كما في الشكل رقم (4) بينت الأرقام حصول قطاع الزراعة والثروة الحيوانية على الحصة الأكبر من تلك القرارات بواقع 14 قراراً وتعميماً وتلاها التجارة والصناعة بـ8 قرارات والنقل والمواصلات بـ7 قرارات.

وتظهر البيانات توقيع المجالس المحلية 6 مذكرات تفاهم مع منظمات ومؤسسات للعمل في البلدات والمدن في مجالات مختلفة، كما تبين خلق ما يقرب من 70 فرصة عمل خلال الفترة المحددة بالبحث من قبل المنظمات العاملة في المنطقة والمجالس المحلية، ويعزى هذا العدد القليل إلى عدم توفر بيانات القطاع الخاص من جهة واعتبار المنظمات والمجالس هي المحرك الرئيسي للتوظيف، ومع غياب زخم المشاريع المنفذة من المجالس والمنظمات في قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة، الحوامل الأبرز في عملية التوظيف، تركزت المشاريع في قطاعات المياه والإسكان والتعمير والنقل والمواصلات التي لا تتحمل توظيف عمالة كبيرة.

 

فيما يتعلق بقطاع المياه والصرف الصحي؛ يظهر التقرير أنه تم تنفيذ 69 مشروع في صيانة وإصلاح شبكات المياه والصرف الصحي، إضافة لتمديد شبكات مياه جديدة في المنطقة، وحازت معرة النعمان في إدلب على أكثر المشاريع المنفذة في قطاع المياه في هذه الفترة، انظر الشكل رقم 5:

أما فيما يرتبط بقطاع الكهرباء؛ فقد تم تنفيذ 14 مشروع في إصلاح شبكة الكهرباء وإنارة الطرق عبر تركيب لوحات شمسية على أعمدة الكهرباء في المنطقة، وحازت معرة النعمان وقباسين على أكثر المشاريع المنفذة في هذه الفترة. (انظر الشكل رقم 6)؛

يشكّل تركيب نقاط ضوئية تعمل بالطاقة الشمسية في شوارع المدن والبلدات والمخيمات فرصة كبيرة لإبراز مصادر الطاقة البديلة والابتعاد قليلا عن المصادر التقليدية، ولا شك أن توسيع قاعدة الاعتماد على الطاقة البديلة لتشمل مرافق أخرى يمثل فرصة مهمة لتخفيض التكاليف على المصانع والمعامل والمحال التجارية التي شكت من ارتفاع تكاليف الكهرباء؛

 

وفي قطاع النقل والمواصلات؛ فقد تم تنفيذ 51 مشروع في ترميم شبكة الطرقات في المدن والبلدات وتعبيدها بالبحص والاسفلت، فضلا عن ترميم المنصفات وتحسين الدوارات وتجميلها. وحازت صوران على أكثر المشاريع المنفذة في هذا القطاع. انظر الجدول رقم (7):

وفي قطاع الإسكان والتعمير؛ تم تنفيذ 63 مشروع في مختلف المدن والبلدات المرصودة، فيما يتعلق بصيانة وترميم المباني وتشييد الأبنية السكنية والتجارية. وقد حازت مدينة الباب على أكثر المدن التي نفذت فيها مشاريع في هذا القطاع؛ مما يظهر تنامي مؤشرات الاستقرار فيها، واهتمام المجتمع والمنظمات العاملة في عمليات إعادة الترميم وبناء المنازل والأبنية والمرافق، انظر الشكل رقم (8)؛

وفي قطاع الخدمات الاجتماعية؛ شمل هذا القطاع ترميم المباني والمؤسسات والمرافق ذات النفع العام من المشافي والحدائق والمباني الإدارية. وقد تم تنفيذ 36 مشروع حازت بزاعة في ريف حلب الشمالي على الحصة الأكبر منها. انظر الشكل رقم (9).

وشهد قطاع الزراعة والثروة الحيوانية 32 مشروعاً على امتداد المنطقة المرصودة تخللتها تلقيح الأغنام والأبقار ودعم الفلاحين ومربي الحيوانات بالمواد الضرورية والأموال اللازمة لاستمرار أعمالهم في الزراعة وتربية الحيوانات. انظر الشكل رقم (10).

لا تزال مشاريع الزراعة والثروة الحيوانية دون المستوى المطلوب ولا تعبر عن هوية المنطقة الزراعية، إذ شكل قطاع الزراعة فيما مضى الرافعة الأولى في عملية التوظيف لأبناء المنطقة فضلا عن دوره البارز في الاستقرار والتعافي والأمن الغذائي، ولعل أحد الأسباب الرئيسية التي أسهمت في انخفاض المشاريع في هذا القطاع، هو هجرة الفلاحين ونزوحهم إلى مناطق أخرى، قلة الدعم المالي الكافي للمزارع سواء فيما يتعلق بالتكاليف التشغيلية من محروقات وسقاية وعمال، أو توفر الآليات والبذار والمواد الأخرى، فيما يقف عائق التسويق وعدم استقرار السعر وإمكانية تحقق خسائر في المحصول أحد العوامل التي تقف عائقاً في هذا القطاع. ولعل أحد أوجه الحل يكون بالتواصل الفعال مع مجتمع الفلاحين وجمعهم في تعاونية أو نقابة تتخصص في حل نقاط القصور في القطاع تتابع عملية الزراعة وسلامة المحاصيل وفق معاير وجودة إدارية عالية وترفع الثقة بالمحصول الوطني، وفيما يتعلق بالتسويق فقد يجدر العمل على مأسسة سوق جملة للمنطقة أجمع تسهل عملية بيع المحاصيل وتكون الوسيط بين المزارع والسوق؛

بلغ عدد المشاريع ضمن قطاع النزوح الداخلي 22 مشروعاً موزعة على تأهيل المخيمات وعزل الخيم ورصف الطرقات بينها وتمديد شبكة مياه وصرف صحي إضافة إلى إنارة المخيم بالضوء من خلال لوحات الطاقة الشمسية، وقد حازت المخيمات في جرابلس في مخيم زوغرة على أكثر المشروعات المنفذة في الفترة المحددة. انظر الشكل رقم (11).

على أهمية قطاع النزوح الداخلي والأعمال التي نفذت في المخيمات؛ إلا أن الإشكال لا يزال قائماً في فصل الشتاء، مع حصول الفيضانات فيها، وعدم قدرة المجالس والمنظمات العاملة على معالجة هذا الوضع المتأزم.

أما فيما يخص قطاع التمويل؛ فقد تم منح قروض حسنة للأسر الفقيرة لتمكينها في ممارسة نشاطات تجارية وزراعية تساعد في تأمين دخل مستقر. إضافة للمنح المقدمة للمجالس المحلية ودعم المشاريع الصغيرة. بلغ عدد المشاريع في هذا القطاع 16 مشروعاً (أنظر الشكل رقم 12). ويظهر هذا الرقم افتقار قطاع التمويل للمؤسسات المالية المختصة، كتلك التي تقدم قروضاً صغيرة ومتناهية الصغر للأسر والعاملين، إذ سيسهم وجودها في حقن السوق بالقطاع الخاص من أعمال الأشخاص المستفيدين من تلك القروض.

وفي قطاع الصناعة؛ شهدت الفترة المحددة عدة مشاريع في قطاع الصناعة من بينها تصنيع حاويات نفايات وأعمدة ضوئية وتصنيع ملابس. وقد بلغ عددها 7 مشاريع. انظر الشكل رقم (13)؛

هناك غياب واضح لقطاع الصناعة من قبل المجالس المحلية والمنظمات، ويعود هذا لغياب مدخلات الإنتاج ومن ثم غلاء ثمن أو غياب رافعات الطاقة، كالكهرباء والمحروقات؛

وفي قطاع التجارة؛ تضمن هذا القطاع المشروعات التجارية المنفذة في المنطقة من توريد أجهزة إنارة وبطاريات ومياه وبحص واسفلت ومازوت ومواد أخرى، وتم تنفيذ 27 مشروع في الفترة المحددة من قبل المنظمات والمجالس المحلية. انظر الشكل رقم (14).

وفي قطاع الاتصالات؛ تم تفعيل الكبل الضوئي للاتصالات في قرية تلمنس بريف إدلب وربطه بمقسم مدينة معرة النعمان.

إذاً: من خلال تشخيص واقع التعافي المبكر في المنطقة المرصودة أظهرت البيانات أن عدد المشاريع التي تم تنفيذها في منطقة ريف حلب الشمالي والشرقي وإدلب في الفترة الزمنية المحددة بين 1 حزيران و31 كانون الأول 2018 نحو 338 مشروع موزعة على القطاعات الاقتصادية المدروسة. وتركزت معظم المشاريع في قطاعات المياه والإسكان والتعمير والنقل والمواصلات حيث حازت المراتب الثلاثة الأولى في عملية التعافي المبكر بالمنطقة، وحاز ريف حلب على النسبة الأكبر من تلك المشاريع بمقدار 231 مشروعاً مقابل 107 مشروع في إدلب وريفها. ومن بين المناطق المرصودة حازت الباب على الحصة الأكبر من تلك المشاريع بواقع 65 مشروعاً، وبعدها معرة النعمان بـ 42 مشروعاً ومن ثم مارع بـ 34 مشروعاً. تشكل هذه الأرقام دالة أو قاعدة أساس لمقارنتها بالأرقام التي سيصدرها التقرير في النصف الأول من العام 2019.

 

ثانياً: مؤشرات التعافي المبكر في النصف الأول من عام 2019

بنظرة تفصيلية يظهر الشكل رقم (15- 16) توزع المشاريع على القطاعات المرصودة، وتوزعها على منطقتي ريف حلب الشمالي والشرقي (درع الفرات وعفرين) ومحافظة إدلب:

 

بيرز الشكل رقم (15) حيازة قطاع النقل والمواصلات على أكثر المشاريع في المنطقة بواقع 63 مشروع ومن ثم الإسكان والتعمير بواقع 48 مشروع والمياه عبر 42 مشروع، فيما كانت الصناعة والنزوح الداخلي والتمويل من بين أقل القطاعات التي نفذت فيها مشاريع. وبرزت مدينة الباب كأكثر المدن التي نُفذ فيها مشاريع بواقع 51 مشروعاً بحسب الشكل رقم (16) وبعدها مدينة اعزاز بـ49 مشروع والمفارقة واضحة من حيث النشاطات والفعاليات التي تم تنفيذها لدى مقارنة هاتين المدينتين مع المدن والبلدات الأخرى.

كما يبين الشكل رقم (17) الفارق في تنفيذ المشاريع مئوياً بين المنطقتين المرصودتين، ريف حلب الشمالي والشرقي نفذ فيها 209 مشروع بينما نفذ في إدلب وريفها 53 مشروع، أي أن السمة العامة في هذه الفترة هي انخفاض المشاريع في إدلب وريفها بنحو النصف عن الست أشهر الماضية ويعود هذا للحملة العسكرية التي شنتها روسيا وقوات الأسد على إدلب وتهديد أمنها؛ فيما يُظهر الشكل (18) عدد القرارات التي اتخذتها المجالس المحلية في هذه القطاعات. حيث حاز قطاع النقل والمواصلات على أكثر القرارات المتخذة بواقع 13 قرار ويأتي بعده قطاع التجارة والصناعة بواقع 10 مشاريع.

 

وعند مقارنة فرص العمل ومذكرات التفاهم بين النصف الثاني من عام 2018 والنصف الأول من عام 2019 كما يظهر الشكل رقم (19)، يتضح انخفاض فرص العمل من 70 فرصة في 2018 إلى 42 في 2019 مقابل بقاء مذكرات التفاهم عند نفس المستوى. ويعزى هذا السبب إلى خروج إدلب عن فعالية النشاطات والمشاريع مع اتساع رقعة المعارك في ريفها وتهديد عمق المحافظة وبروز حالة من عدم الاستقرار والضبابية، وبالنسبة لقلة فرص العمل فأحد الأسباب الرئيسية متعلق بانخفاض زخم المشاريع في قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة والخدمات مقابل تركزها في قطاعات مثل المياه والنقل والمواصلات والتي لا تحتاج إلى عدد عمال عالٍ، ومن جهة أخرى تبقى مسألة غياب بيانات القطاع الخاص من بين الأسباب الوجيهة في انخفاض الرقم؛  

فيما يتعلق بقطاع المياه؛ فإنه على مدار الست أشهر الأولى من العام 2019 نفذت المجالس المحلية والمنظمات العاملة 42 مشروعاً في مجال المياه على شاكلة إصلاح الأعطال في الشبكة وتمديد شبكات جديدة في المدن والبلدات فضلا عن ترميم شبكات الصرف الصحي.

 بينما تم تنفيذ نحو 13 مشروعاً في قطاع الكهرباء من قبيل إصلاح شبكة الكهرباء في المدن والبلدات وصيانة خطوط التوتر العالي والمنخفضة، وتركيب نقاط ضوئية تعمل على الطاقة الشمسية في الطرقات.

وفي قطاع الإسكان والتعمير؛ حظيت مدينة الباب في الحصة الأكبر من المشاريع المنفذة فمن أصل 48 مشروع حازت المدينة على 34 منها، إذ تم ترخيص أبنية سكنية وتجارية في مناطق عقارية بالمدينة، كما شهدت هذه الفترة أيضاً ترميم العشرات من المنازل وتأهيلها.

 

فيما يتعلق بقطاع الخدمات الاجتماعية؛ فقد تم تنفيذ 22 مشروعاً في ريف حلب وإدلب في حين نفذت أغلب المشاريع خلال الفترة المحددة في مدينة اعزاز، وشملت المشاريع المنفذة تشييد الملاعب والحدائق وألعاب الأطفال والمرافق العامة وتجهيزها وترميم مبانٍ إدارية كالمجالس المحلية.

 

وفيما يتعلق بقطاع الزراعة والثروة الحيوانية؛ فعلى الرغم من أهمية الزراعة والثروة الحيوانية لما تقدمه من مستوى متقدم للأمن الغذائي من جهة وتوظيف أشخاص أكثر من جهة أخرى؛ إلا أنه لم يتم تنفيذ سوى 21 مشروعاً ومحصورة في تلقيح الأغنام وحملات التشجير ودعم مشاتل غراس الأشجار المثمرة واستنبات الشعير ودعم المزارعين بالأسمدة والمعدات الزراعية اللازمة، إضافة إلى افتتاح سوق للماشية وتنفيذ مشاريع في الثروة الحيوانية.

بالنسبة لقطاع النقل والمواصلات؛ لقد حاز هذا القطاع على أغلب المشاريع المنفذة في الفترة المدروسة، حيث بلغ عدد المشاريع المنفذة 63 مشروعاً حازت اعزاز على الحصة الأكبر منها، بواقع 21 مشروعاً في تعبيد الطرقات وتحسين الدوارات ورصف المنصفات والشوارع بالحجر وتزفيت بعض الطرقات بين المدن والبلدات؛ وهذا يعبر بصورة واضحة عن الجهود المبذولة من قبل المجالس المحلية والمنظمات لتعافي المنطقة، إذ يشكل هذا القطاع حجر أساس لازدهار قطاعات أخرى من بينها التجارة والصناعة، وقد حازت منطقة الباب على أكثر تلك المشاريع وهو ما يستدعي إبراز أهمية المنطقة الصناعية الموجودة في الباب وما تشكله من حافز على القيام بالمزيد من مشاريع تعبيد الطرقات بين الباب والمدن الأخرى والطرقات الداخلية إضافة إلى تنظيم كافة الشؤون المتعلقة بالطرقات والسيارات.

ا

وفي قطاع الصناعة سجل إجراء جرت مناقصة في صوران لتصميم قبان أرضي سعة 100 طن وتركيبه، وتصنيع حاويات نفايات نصف برميل في إدلب. ويسجل قطاع الصناعة ضعفاً واضحاً في إطار المشاريع المنفذة في المنطقة، ويعزى هذا إلى عزوف رأس المال على إنشاء المعامل والمصانع لأسباب تتعلق بغلاء مدخلات الإنتاج والمناخ غير المستقر في المنطقة والذي يعزى لأسباب تتعلق بالتدهور الأمني واستمرار الحرب.

وفي قطاع التجارة فقد سجل التقرير تنفيذ 24 مشروع في المنطقة كالدخول في مناقصات لشراء أدوات زراعية ومواد غذائية ومواد قرطاسية وبيع حديد مستعمل وشراء مادة المازوت وتأجير محلات وتشغيل أفران.  

وفيما يتعلق بقطاع التمويل؛ فقد بلغ عدد المشاريع في قطاع الخدمات التمويلية 17 مشروعاً في دعم سبل العيش وتقديم قروض حسنة ودعم المشاريع الصغيرة ومشاريع العمل مقابل النقد. ويسجل في هذا القطاع وضوح مشكلة ضعف مشاريع التمويل بسبب عدم توفر مؤسسات مالية مختصة تقدم قروض صغيرة ومتناهية الصغر للقيام بأعمال متنوعة للعوائل تسهم في توفير سبل العيش وخلق مداخيل معقولة؛

وفي قطاع النزوح الداخلي لا تزال المشاريع التي تخص المخيمات ضعيفة، إذ تم تنفيذ 10 مشاريع فقط، فيما حاجة المخيمات إلى مشاريع نوعية تسهم في علاج المشاكل التي ظهرت في فصل الشتاء بالأخص؛ وهذه المشاريع كانت لصالح المخيمات في ريف حلب وإدلب كعزل ورفع الخيم وتعبيد الطرق بالبحص وإنارة الطرق بين المخيمات بالضوء المستمد من الطاقة الشمسية.

عموماً أظهرت البيانات أعلاه أن عدد المشاريع التي تم تنفيذها في المنطقة المرصودة في الفترة الزمنية المحددة بين 1 كانون الثاني 2019 حتى 31 حزيران 2019 بنحو 262 مشروع موزعة على القطاعات الاقتصادية المدروسة، تركزت معظم المشاريع في قطاعات النقل والمواصلات والإسكان والتعمير والمياه حيث حازت المراتب الثلاثة الأولى على التوالي في عملية التعافي المبكر بالمنطقة، وحصلت ريف حلب على النسبة الأكبر من تلك المشاريع بمقدار 209 مشروعاً مقابل 53 مشروعاً في إدلب وريفها. ومن بين المناطق المرصودة حافظت مدينة الباب على الحصة الأكثر من المشاريع بواقع 51 مشروع، وبعدها اعزاز بـ 49 مشروع وصوران بـ 20 مشروع.

ثالثاً: مؤشرات تعافٍ محفوفة بتحديات جمة

تظهر المقارنة بين فترتي الدراسة النصف الثاني من 2018 والنصف الأول من 2019 عدد من الملاحظات من بينها خسارة عملية التعافي المبكر في المنطقة المدروسة عدد من المشاريع من 338 مشروع في 2018 إلى 262 مشروع في 2019 نتيجة خروج إدلب وريفها بشكل رئيسي يعد اتساع رقعة المعارك إليها؛ وتوضح عملية المقارنة أيضاً جملة من المؤشرات الأولية في القطاعات المرصودة موضحة كالآتي (انظر الشكل رقم 28):

  • تنامي مؤشر التعافي المبكر في قطاعات النقل والمواصلات والتمويل والزراعة والثروة الحيوانية؛ حيث حافظت على مستوى متقدم في المشاريع في هذا النصف بالمقارنة مع النصف السابق وهي إشارة لقراءة صحيحة للقائمين بالمنطقة وما تحتاجه في هذه المرحلة؛
  • تعثر مؤشر التعافي المبكر في قطاع الصناعة؛ حيث لا تزال الصناعة تعاني تحت وطأة غلاء مدخلات الإنتاج والمناخ غير المستقر وضعف التمويل؛
  • انخفاض عدد المشاريع في ريف حلب وعفرين في النصف الأول من 2019 عن النصف الثاني من 2018 بواقع 22 مشروعاً، ويعزى هذا الأمر إلى عدم تكثيف المجالس المحلية لمشاريعها في قطاعات محددة، والمخاوف وحالة عدم الاستقرار التي فرضتها المعارك في إدلب وريفها؛
  • اعتماد مؤشرات التعافي على السياسات التركية؛ حيث تعتمد المنطقة في مشاريعها على الداعم التركي بشكل مباشر أو غير مباشر، ظهر هذا من خلال المنظمات التركية مثل IHH وهيئة الإغاثة الإنسانية والمنظمات الأخرى إضافة للزيارات المتكررة من مسؤولي تركيا إلى منطقة "درع الفرات" و"عفرين" وإلقاء نظرة على المشاريع القائمة.

بالعموم يظهر الاتجاه الهابط في عملية التعافي المبكر في المنطقة بسبب انخفاض عدد المشاريع في القطاعات المدرسة بعد المعارك في إدلب وريفها، ومع ذلك فإن المجالس المحلية قامت بدور فعّال في إدارة النشاطات والمشاريع في القطاعات الاقتصادية المختلفة، وأثبتت قدرتها على التوائم في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة، ومن ثم عقد مذكرات تفاهم مع المنظمات والمؤسسات ومنح التراخيص للأعمال المتنوعة يشير إلى تطور قدرة المجالس المحلية في ضلوعها بجانب الحوكمة وإدارة الموارد، ويرسل إشارة إلى كافة المناطق بقدرتها على القيام بالأمر نفسه واعتماد كل بلدة ومدينة على المجلس المحلي في إدارة شؤونها والنهوض بها. كما أظهر التقرير أيضاً رشاقة جهاز المجلس المحلي ككادر ومشرّع، وهو أمر يمكن الاستفادة منه بشكل يعطي ثقة أكبر بالمجلس وحقنه بالكفاءات والخبرات الضرورية لتطويره والاستجابة لمتطلبات المرحلة.

الشكل رقم (29): مقارنة عدد المشاريع خلال فترتي الدراسة في القطاعات المرصودة

 

وبتلمس جوانب القوة والضعف في القطاعات المرصودة في مناطق "درع الفرات" و"عفرين" ومحافظة إدلب، فقد بيّن التقرير عدة منلاحظات؛ وابتدءاً من نقاط الضعف يمكن تبيان ما يلي:

  • غياب واضح لزخم المشاريع في مدنية عفرين بالقطاعات الاقتصادية المرصودة كما في "درع الفرات"، لأسباب تتعلق بحجم التحديات التي يواجهها المجلس المحلي وتدهور مؤشرات الاستقرار الأمني الذي ساهم في عدم استقرار المنطقة عموماً وبالتالي عدم استقطاب التجار والصناعيين.
  • غياب دور الحكومة السورية المؤقتة بتوفير إطار ناظم يجمع المجالس المحلية جميعها ويوحد قراراتها بالشكل الذي يعود بالفائدة على المنطقة جميعها.
  • يعد غياب البيئة القانونية الناظمة التي تسهم في حماية حقوق الملكية ورأس المال من أبرز العوامل المنفرّة للمستثمر ورجال الأعمال، وبالتالي ضعف بيئة ومناخ العمل في المنطقة. ولا يزال سلك القضاء في المنطقة المدروسة لا يرقى إلى المستوى المطلوب.
  • عدم توحيد غرف التجارة والصناعة في كافة المدن والبلدات بغرفة واحدة (ولو لغايات تنسيقية) تعبر عن قرار وهَمْ واحد، إذا اعتبرنا أن انتشار هذه الغرف بالمنطقة هو حالة صحية في الأساس.
  • لم تتمتع بعض المجالس المحلية بالشفافية والكفاءة المطلوبة في العمل، وبالأخص من ناحية إحصاء النشاطات والأعمال في المدينة أو البلدة، ومأسسة هذا العمل على شكل مؤشرات لقراءة الواقع والاعتماد عليها في التنبؤ بالمستقبل، علما أن هذا الأمر سيعبر عن بيئة منتظمة ومناخ شفاف في عرض الرقم والمعلومة.
  • تركز المشاريع في بعض القطاعات دون قطاعات أخرى، لا يعبر عن حالة صحية في هذه المرحلة، البارزة، مع توجه معظم المشاريع إلى المياه والنقل المواصلات والخدمات الاجتماعية. لم يكن هناك اهتمام بقطاعات مثل الزراعة والصناعة بشكل كبير، وهي أحد أوجه القصور التي تعاني منها المنطقة وتحد من تطورها، علماً أن الزراعة هي هوية المنطقة وعُدت فيما سبق المشغّل الرئيسي للعمالة.
  • عدم قدرة المجالس المحلية على ضبط الأثمان الداخلية، يُسهم بشكل كبير في عدم خدمة الفئة السائدة في المجتمع، وارتفاع عام في الأسعار بدون مبررات حقيقية وانتشار حالات الاحتكار والفساد. وارتفاع تكاليف المعيشة على أصحاب الدخل المحدود.
  • ارتفاع أسعار المواد الأولية وعدم قدرة المجالس المحلية في التأثير على مدخلات الإنتاج وحوامل الطاقة (الكهرباء والفيول)، يُعد من أبرز العوامل في عدم رفد عملية التعافي المبكر وجذب المزيد من الأعمال وتطور الأسواق.
  • لا شك أن تعدد الهيئات الحاكمة من إدلب لدرع الفرات وعفرين أثر على مسار التعافي المبكر وجعل كل منطقة تدرس على حدى، ونتيجة لوجود حكومة الإنقاذ في إدلب والتي تتبع لهيئة تحرير الشام ومن ثم بقاء مصير إدلب معلقاً باتفاقات هشة في أستانا وسوتشي، أسهم كل ما ذكر في ضعف تمثيل إدلب في التعافي المبكر وخروجها من الحسابات مع بداية العمليات العسكرية فيها.

ونورد فيما يلي نقاط القوة:

  • قدرة المجالس المحلية على التأقلم مع الظروف المتقلبة في المنطقة وتنفيذ مشاريع وخدمات للسكان وتوقيع مذكرات تفاهم مع المنظمات والمؤسسات يعد بحد ذاته خطوة مهمة تُحسب للمجالس وإدارتها.
  • تأمين خدمتي المياه والكهرباء في معظم المناطق أسهم في إزالة هم كبير على كاهل السكان، بسبب انقطاع الكهرباء لساعات طويلة وعدم تأمين مياه الشرب كل أيام الأسبوع، مؤخراً.
  • ترميم وتعبيد الطرقات الرئيسية داخل المدن وبين المدن والبلدات يشكل نقطة فارقة في تطوير التجارة، وقد أظهرت الأعمال المنجزة في هذا القطاع اهتمام واضح في هذا الشأن.
  • حركة المنظمات والمؤسسات الإغاثية والتنموية ومساهمتها في إنعاش العديد من القطاعات عبر القيام بالمشاريع، وتوقيع مذكرات التفاهم مع المجالس المحلية شكلت حامل أساسي في عملية التعافي المبكر بالمنطقة.
  • أبرزت التراخيص الممنوحة للأهالي في مدينة الباب وغيرها من المدن والبلدات، لبناء المنازل أهمية على صعيد إعادة إعمار البيوت المهدمة جراء الحرب وبناء منازل جديدة، وبالتالي الرغبة في الاستقرار وتحريك سوق الإنشاءات والإسكان وكل ما يتعلق بمستلزمات المنازل.
  • أسهمت الحالة الأمنية المستقرة في بعض المناطق المدروسة وعدم تدخل الفصائل في إدارة الشؤون المدنية، بشكل فعّال في إطلاق مشاريع والعمل في القطاعات المتنوعة.
  • الاعتماد على الطاقة البديلة في إنارة الطرقات، شكل نقلة نوعية في المنطقة بالاعتماد على طاقة الشمس، وتمهد الطريق قدما نحو دخول مشاريع في هذا القطاع الحيوي والهام والذي من شأنه أن يحقق تنويع في مصادر الطاقة.
  • أسهمت مشاريع النزوح الداخلي، على قصورها، في توفير حياة أكثر استقراراً نوعاً ما للمخيمات المنتشرة، وتوفير بعض الخدمات الأساسية من مياه للشرب وصرف صحي وكهرباء وإنارة الطرقات بين الخيم إضافة للخدمات المقدمة للخيمة من عزل ورصف أرضيتها بالبحص.

توصيات ختامية

بناء على تحليل البيانات أعلاه وتلمس جوانب الضعف والقصور يوصي التقرير بجملة من التوصيات التي من شأنها توفير أطر رئيسية لعملية التعافي المبكر التي تعتبر تحدياً رئيسياً لقوى المعارضة في الشمال السوري؛ ومنها نذكر:

  • استثمار حركة نشاطات التعافي المبكر في درع الفرات وعفرين، بمزيد من دعم المجالس المحلية لإرساء قواعد الاستقرار ودعم سبل العيش للسكان.
  • العمل على إبراز دور أكبر للجانب القانوني في المنطقة عبر تسجيل حقوق الملكية للعقارات والأملاك المختلفة، وأتمتة عملية الوصول وصفقات البيع والشراء وإصدار الثبوتيات الورقية فيها.
  • مأسسة القطاع الخاص بالشكل الذي يبدو دوره واضح أكثر في المنطقة، بحيث يتشارك مع المجالس المحلية التي تمثل الحكومة (القطاع العام) في إدارة شؤون المنطقة، وعليه يمكن أن تعمل المجالس المحلية في تقديم نفسها كبيئة عمل جاذبة وليست طاردة للقطاع الخاص والمستثمرين، بحيث تجهز بالقوانين والسياسات التي تحمي حقوق القطاع الخاص وأمواله، وتساعد في عملية الترخيص وكل ما من شأنه تسهيل العمل.
  • تعريف هوية المنطقة عبر الاهتمام أكثر بالزراعة والصناعات المرتبطة بها، واستصدار شهادات منشأ وفق المعايير العالمية بالتعاون والتنسيق مع المنظمات الدولية وأخذ شهادات بهذا الشأن للتمكين من تسويقها في العالم.
  • العمل على تأسيس مكتب إحصاء يسهم في تصدير أرقام وبيانات عن كل ما له علاقة بالقطاعات الاقتصادية وتصديرها في نشرات دورية، تعبر عن نظرة شفافة بهدف الارتقاء بالحوكمة وخلق بيئة آمنة للمستثمر تسهم في استقطاب رؤوس أموال للاستثمار فيها.
  • عرض بعض المؤسسات التي تديرها المجالس المحلية للقطاع الخاص أو إيكال مهام إدارتها للقطاع الخاص، أصيل ووكيل، بعد دراسة وافية لخصخصة المؤسسة من حيث السلبيات والإيجابيات.
  • العمل على مأسسة قطاع التمويل عبر سن القوانين والتشريعات الناظمة، ومن ثم انبثاق مؤسسة تتبع للمجالس المحلية تعنى بإدارة الفوائض المالية وتوجيهها في قنوات استثمارية بالمنطقة تسهم في رفدها الخدمات والسلع اللازمة وخلق فرص عمل، ومن ثم جذب مؤسسات تقدم ائتمان وقروض صغيرة ومتناهية الصغيرة، واستشراف المرحلة التي يمكن معها فتح بنوك ومصارف ومؤسسات الخدمات المالية وإصدار سندات وصكوك.
  • الاهتمام أكثر بالسوق محط تصريف المنتجات ولقاء العرض مع الطلب، وبالتالي العمل بشكل أكبر على ضبط الأثمان وحركة السيولة قدر المستطاع.
  • الاعتماد على الأفكار الخلاقة في تأمين موارد الطاقة، والاعتماد أكثر على الذات من خلال مصادر الطاقة البديلة من الشمس والرياح والنفايات، في تأمين الكهرباء والمحروقات.

أخيراً:

مما لا شك فيه؛ تشكل جهود التعافي الاقتصادي المبكر أولى الخطوات الحاسمة نحو التصدي بشكل منهجي لأوجه الضعف الكامنة داخل المجتمع الذي يعاني من تبعات الصراع والكوارث ونقله نحو التنمية المنصفة. وقد أسهم الاستقرار النسبي الحاصل في شمال حلب؛ "درع الفرات" و"عفرين"، في التهيئة "المقبولة" لانطلاق مشاريع وأعمال ونشاطات تعود بعوائد اقتصادية للسكان وتسهم في إرساء قواعد الاستقرار في المنطقة. وتتعاظم مسؤوليات وتحديات مؤسسات المعارضة ذات الوظائف الحوكمية كالمجالس المحلية والمنظمات العاملة وتحدياتها؛ ويجعلها أكثر مطالبة في إنجاز هذا التحدي.

 

التصنيف تقارير خاصة