• بلغ عدد ضحايا الزلزال الذي ضرب شمال غرب سورية 4.537 قتيلاً، منهم 3.014 في إدلب و1.523 في حلب، كما بلغ عدد الأفراد المتضررين منه بشكل مباشر ما يقارب 1.05 مليون نسمة في حصيلة غير نهائية (حوالي 23% من عدد السكان الموجودين في شمال غرب سورية). كما بلغ عدد النازحين من المناطق المنكوبة +195 ألف نسمة، وعدد النازحين القاطنين في مراكز إيواء +9. 97 ألف نازح، موزعين على 201 مركز إيواء مستحدثة/ خيام، بالإضافة لـ 270 مبنى تحول لمركز إيواء مؤقت، منها 46 مدرسة. وقد سجلت عملية المسح حوالي 1.789 مبنىً مدمراً تدميراً كلياً، و8.659 مبنى تضرر بشكل لم يعد صالحاً للسكن، و3.500 منزل آيل للسقوط، و10.743 منزلاً ظهرت عليه تصدعات مختلفة. ووجود أضرار في 323 منشأة تعليمية، و55 مرفق صحي، و43 نقطة خاصة بالمنظمات العاملة.
  • تطرح قضية تفاعل المجتمع الدولي والوكالات الأممية مع كارثة الزلزال نفسها في ضوء مؤشرات تعكس عطالة دولية واضحة في الاستجابة الإنسانية لهذه الكارثة، فقد بدأت قافلات المساعدة الإنسانية بالدخول إلى شمال غرب سورية في 11 شباط 2023، أي بعد خمسة أيام من وقوع الزلزال. ووصل عدد الشاحنات التي أدخلت مساعدات لمناطق سيطرة المعارضة إلى 1.436 شاحنة، فيما بلغ عدد شاحنات المساعدات التي قدمتها الأمم المتحدة والتي دخلت شمال غرب سورية منذ 9 شباط حتى 14 آذار2023، وتدفع هذه الحركية باتجاه "المحاسبة" وفتح تحقيق اتجاه السلوك الذي مارسته كوادر الوكالات الأممية، والذي أدى إلى تأخير المساعدات للمنكوبين.
  • في شمال غرب سورية؛ وعلى الرغم من التحديات والصعوبات، فقد أثبت الفاعل السوري (فرداً أو كياناً أو منظمة) خلال الأيام الأولى للكارثة، مقدرة في تشكيل آلية استجابة فورية استطاعت التصدي لتلك التحديات. ولتمتين نموذج الاستجابة ينبغي الدفع باتجاه تأسيس مؤسسة إدارة الكوارث والطوارئ في ريف حلب وإدلب، يتولى إدارتها فريق الدفاع المدني ويتم دعمها من المجالس المحلية والمنظمات العاملة كافة، وإيجاد آلية موحّدة لإحصاء وتقدير الأضرار، وضرورة التنسيق بين أقسام الإيواء في المنظمات العاملة في الشمال السوري، وتفعيل دور الكيانات الهندسية الرسمية وغير الرسمية. ناهيك عن تعزيز القدرة المجتمعية في سبيل مواجهة تداعيات الكارثة في مرحلة ما بعد الاستجابة الطارئة، مع التنويه إلى أهمية التخطيط بعيد المدى لصيانة رأس المال الاجتماعي وتطويره، خاصة بعدما أثبت المجتمع السوري قدرته على صنع شبكاته المحلية، ووضع خطط استجابة طارئة قادرة على امتصاص بعض آثار الكارثة، في ظل تلكؤ المجتمع الدولي في تقديم الدعم والمساعدات الإنسانية، كما ربطت الورقة بين خطة التعافي المفترضة والبعد الاجتماعي والنفسي، باعتبارهما ركناً رئيساً لإعادة إعمار ما دمرته الكارثة.
  • حاولت أجسام المعارضة الاستجابة وفق الإمكانيات المتاحة، التواصل مع الجهات والشخصيات المعنية الدولية والمحلية والجاليات السورية في المهجر، كما قامت أجهزتها التنفيذية بتيسير وصول المساعدات والإشراف على تقديم بعض الخدمات أو تيسير تقديمها. ورغم ما يعترض عمل الأجسام السياسية من عوائق داخلية أو خارجية، أو متعلقة بقبول البيئة المحلية؛ إلا أنها بذلت جهداً مهماً، لكنه لم يكن كافياً وينتظر تحسين مستوى التنسيق مع الفاعلين الدوليين والمحليين من أجل إعداد وتنفيذ خطة متكاملة الأركان للمرحلة القادمة، مع استمرار القيام بحملات مناصرة للضغط على الدول المتجهة نحو التطبيع مع النظام.
  • من جهته حرص نظام الأسد منذ الساعات الأولى للزلزال على اغتنام فرصة الكارثة الإنسانية، واستثمارها لتحقيق بعض المكاسب السياسية والاقتصادية، عبر إطلاق حملة إعلامية واسعة النطاق تسعى إلى الترويج لروايته التي تحمّل مسؤولية تردّي الأوضاع الإنسانية داخل سورية للعقوبات الاقتصادية، وتطالب برفع العقوبات الدولية بحجّة عرقلتها جهود الاستجابة الإنسانية للمتضررين من الزلزال، وتحرمهم من المساعدات الإنسانية. وتزامنت هذه الحملة مع تحركات سياسية ودعوات من مسؤولي النظام للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لرفع العقوبات، بذريعة أنها تعوق وصول السوريين إلى الإمدادات والخدمات الطبية.
  • أظهرت الاستجابة العاجلة لأجسام الإدارة الذاتية حرصاً وتماسكاً واضحين في مركزة عملية الاستجابة وتوحيد قنوات الدعم وجمع التبرعات، وتأطيرها ضمن المؤسسات الرسمية التابعة لها ليسهل مراقبتها والإشراف عليها، والتحكم بآليات ووجهات صرفها. ولم تخلُ تلك الاستجابة من الاستثمار السياسي، من خلال تصدير الإدارة الذاتية لدى المجتمع الدولي كجهة منضبطة ومستعدة لتلقي المساعدات الدولية في حال إعادة فتح معبر اليعربية على الحدود العراقية، ومن جهة أخرى، حرصت الإدارة أن تبدو للرأي العام السوري والدولي كطرف مرن سياسياً، ومبادر للتعاون مع الأطراف السورية المختلفة، من خلال إحراج النظام والمعارضة السورية في قضية قوافل الوقود التي مُنعت من الدخول إلى المناطق المتضررة من الزلزال.
  • بيّنت أدوات الرصد والمتابعة ظهور عدد مهم من فاعلي القطاع المدني (السوري وغير السوري) في عملية الاستجابة المدنية للزلزال في مناطق النظام، دون وجود أية إحصائيات دقيقة، سواء عن حجم العمل والتمويل، أو نتائج الأعمال، أو الصعوبات، إذ لم تظهر معظم معرفات تلك المنظمات ذلك، وهو أمر جعل "السيولة" والتضخيم الاعلامي" عملية ادعائية وشكلانية. وفي الوقت الذي لا يمكن فيه تقليل أهمية التفاعل المدني في الاستجابة للكارثة الإنسانية، إلا أن الخلل الممنهج في البنية القانونية الناظمة للعمل المدني وربطه المستمر بفلسفة النظام الأمنية سيجعل أي عمل مدني محل تقييم مستمر، لا سيما مع توافر العوامل لربطه بذراع النظام التنموي والمتمثل بـ"الامانة السورية للتنمية".
  • بعد يومين من الزلزال أعلن تحالف منظمات المجتمع المدني في شمال شرق سورية إطلاق حملة "هنا سورية" لجمع المساعدات والتبرعات العينية والمادية لإغاثة المتضررين من الزلزال، وضمن الدفعة الأولى تمكنت الحملة من إدخال 82 شاحنة محملة بالمساعدات إلى المدن المتضررة في إدلب وشمال حلب، كما بدا لافتاً خلال هذه الفترة حرص الأهالي في مختلف مدن شمال شرق سورية على المشاركة في حملات شعبية ومبادرات أهلية لجمع التبرعات وإغاثة المنكوبين، منها حملتا “العشائر” و”أهل الفرات”، اللتان نظمتهما عشائر دير الزور، وحملة “الفزعة الرقاوية” إضافة إلى "مبادرة أهالي قامشلو" التي ضمت أموالاً وُزعت على المنكوبين في جنديرس وعفرين وبلدات شمال حلب المتضررة، وبلغت مجموع هذه الحملات أكثر من 120 سيارة وشاحنة ومساعدات مالية.
  • يرى هذا الملف عموماً أن دبلوماسية الكوارث وسياسة التطبيع الإقليمي التي بدأت تتزايد بعد الززلال لن تسهم في كسر عزلة النظام دولياً، في ظل استمرارية العقوبات الأمريكية والأوروبية، والتي تأتي استثناءاتها الأخيرة المؤقتة ضمن ملف إدارة الشأن الإغاثي والإنساني، من غير وجود مؤشرات عن دلالات سياسية لذلك. كما أنه من غير المرجَّح أن يكون لكارثة الزلزال أثرٌ في إعادة تأهيل النظام دولياً، أو حدوث تغيُّر على المستوى الكلِّي في السياسة الأمريكية أو الأوروبية تجاه النظام، لا سيما مع استمرار حالة الاستقطاب الغربي – الروسي. بالمقابل لا تبدو تلك العقوبات الأمريكية والأوروبية بشكلها الحالي عائقاً أمام تطبيع العلاقات بين النظام ودول الإقليم، إلا أنها ستبقى محدِّدة لمستوى وشكل هذا التطبيع، لا سيما أنها مرتبطة أيضاً بسلوك النظام في ملفات المعتقلين وتهريب المخدرات، وطبيعة العلاقة مع إيران، وعودة اللاجئين.
  • لا شك أن الاستجابة السورية كانت ملفتة، وقد أثبت السوريون خلالها قدرتهم على الوقوف إلى جانب بعضهم، وقدرتهم على التجاوب السريع واستثمار الخبرات في تنظيم الحملات ومواجهة الكوارث الصعبة، بما يفوق سرعة الاستجابة الدولية، إلا أن هذه المرونة والعملياتية في مواجهة المأساة ليست بالضرورة اللحظة الفارقة التي تثبت استعداد السوريين لإنهاء ما خلفته عقود من الاستبداد والتفرقة والتهميش، إذ لطالما كانت المعاناة السورية العابرة للهويات الضيقة العامل المشترك الأبرز بين السوريين.

يمكنكم قراءة الملف كاملاً من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/3KkYOEK 

التصنيف أوراق بحثية

تمهيد

تدرك هذه الورقة أن التدخل البشري في حالة الكوارث الطبيعية يرتبط بـ"كيفية التعامل البشري" ومدى لحظها لحجم التحديات والمهام المطلوبة بعيد لحظة وقع الكارثة، وأنه مهما بلغت صلابة البنى التحتية فلابد لها من إدراك مخاطر "انهيار المجتمع"، وسيشكل التآلف ما بين الكيفية المادية والمجتمعية عاملاً مهماً في صيانة المنطقة المتعرضة للكارثة، وإذا ما تم إسقاط هذه المقدمات المنطقية على ما حصل في شمال غرب سورية وبعد ما يقارب الشهر من وقوع الزلزال الذي ضرب المنطقة وما رافقه من تلكؤ دولي في المساندة والدعم؛ فإننا نجد أن المجتمع السوري بأفراده وجماعاته قد واجه هذا الحدث الطارئ والمفاجيء، ورغم فاعلية النموذج الذي تشكل في الاستجابة إلا أن هناك تداعيات عابرة للمادية (اجتماعية ونفسية) تفرض نفسها، ولا بد من مواجهتها إذ ستشكل احتواءً بالغ الأهمية للخسائر المباشرة وغير المباشرة، وهو ما ستقوم به الورقة عبر استشراف  هذه الأبعاد وتفاعلاتها وتأثيراتها على الهشاشة المادية داخل المجتمع، ناهيك عن معرفة اختلاف مستويات الضرر على الأفراد في ظل وجود بعض الفئات الاجتماعية التي تعاني أصلاً من تحديات عميقة بسبب ظروف الحرب والدمار والفقر والتهميش.

الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع: "دوائر الخطر"

تُعمق الكارثة الإنسانية حجم معاناة الأشخاص الأضعف في المجتمع بسبب دورهم الاجتماعي، أو عوامل الملكية ودرجة الهشاشة الاقتصادية أو جنسهم. ويلعب العمر دوراً في تعزيز الضعف إضافة للمرض المزمن والإصابات الجسدية ومدى تمتعهم بصحة جسدية ونفسية وعقلية تمنحهم القدرة على العيش الكريم، وتصنف الفئات الأكثر ضعفاً حسب قدرتها على الوصول للموارد العامة والخاصة على قدم المساواة مع باقي المجتمع، وتعطى هذه التصنيفات  أولوية في البرامج الدولية والمحلية، سواء تلك التي ترتكز على القوانين الدولية وحقوق الإنسان، أو على أهداف التنمية المستدامة، التي تعتمد على مرتكزات المساواة وعدم التمييز في توزيع الخدمات الطبيعية أو المؤسساتية أو المجتمعية والاستفادة منها بدون أي استغلال أو سيطرة.

 وفي شمال غرب سورية يحتاج معظم السكان لدعم وإغاثة وخدمات، زاد حجمها بعد الزلزال، وهنا تتوضح أهمية إيلاء الأولوية في الاستجابة لمجموعات قبل مجموعات، لأن قدرتها على الصمود تكون أقل صلابة، لذا نرصد المجموعات التالية كمجموعات معرضة للخطر، وعلى أساسها يجب وضع تصور أولي حول آليات الاستجابة والحد الأقصى من الزمن لتحقيق هذه الاستجابة: 

العائلات التي فقدت مكان إقامتها

تسجل التقديرات وجود  1.789 مبنى تم تدميره كلياً، و8.649 مبنى متضرر ضرراً جزئياً ([1])،أي إنها خطرة ويحتاج سكانها إلى مأوى مؤقت ريثما يتم تقييمها وإعادة ترميمها، وعليه يمكن لخطة الاستجابة التركيز على الخطوات التالية:

  • الاستمرار في تنظيم حملات تبرع مخصصة لقطاع المأوى، إضافة إلى الضغط على المنظمات الدولية لزيادة مخصصات خطة الاستجابة.
  • تجهيز المخيمات الفارغة وإعادة ترميم ما يمكن من أجل استيعاب النازحين الجدد إثر الزلزال.
  • العمل على إحصائيات مفصَّلة وواضحة، تثبت ملكيات الناس التي هدمت بالتعاون مع المجالس المحلية ومكاتب الحكومة المؤقتة.

الأطفال دون سن 12 سنة

 فهم عرضة للعديد من المخاطر، كتدهور الحالة الصحية والنفسية أو الخطف أو التسخير بأعمال غير قانونية لا سيما إذا كانوا محرومي الرعاية من الأهل أو الأقارب، ويتفرع  عن هذه المجموعة الفئات التالية:

  • فاقدو كلا الوالدين: إذ ينبغي أن تتوفر لهم رعاية آمنة عبر "آليات إحالة" متعارف عليها بين المنظمات العاملة المعنية (إحالة الطفل إلى الجهة المعنية برعاية الأطفال ضمن ظروف الكوارث والأزمات)، إضافة لضرورة تفعيل آليات قانونية للبحث عن أصولهم، والتأكد من درجة القرابة، والعمل على إرجاعهم لأحد أفراد الأسرة في حال رغب في ذلك، كما ينبغي تخصيص مبالغ شهرية كتأمين الرعاية المادية للطفل حتى وهو لدى الرعاية الأسرية البديلة.
  • الأطفال فاقدي المعيل من أحد الوالدين: إذ ينبغي تخصيص مبالغ نقدية للأم والعمل على تشميلها ببرامج المساعدة الشهرية، وتوفير مكان آمن للأم والأطفال يتسم بالخصوصية ضمن أماكن وتجمعات سكنية.
  • الأطفال ممن لديهم سوء تغذية: إذ ينبغي شملهم ببرامج الدعم الإغاثي الغذائي، وتأمين العناية الصحية التي تهتم يتعويض الفاقد من الطاقة في أجسادهم.([2])

المراهقون ممن هم بين 12 -18 سنة

تتسم هذه الفئة أساساً بحساسيتها واتسامها بالانفعالية الشديدة، والرغبة بالتمرد وقابلية الاستغلال بأعمال غير قانونية، وتتفرع عنها هذه الفئات إلى: 1)  فاقدو الرعاية الأسرية: وينبغي تأمين رعاية بديلة من الأقارب أو وضعهم في دور إيواء مؤقتة، مع وجود كوادر تربوية إرشادية، إضافة إلى ضرورة التعاون مع المنظمات التي ترعى هذه الفئة من أجل ضمان وجودهم مع الأقارب منعاً لاستغلالهم. 2) المراهقون خارج التعليم الذين كانوا خارج المدرسة والذين يقدر عددهم بـ 318  ألف طالب متسرب في شمال غرب سورية، وفق أحدث إحصائية صادرة عن وحدة تنسيق الدعم، ومن المتوقع زيادة هذه النسبة في ظل الكارثة وتبعاتها،  لاسيما إذا ما ربطت هذه النسبة مع فقدان العديد من الأسر للمعيل، لذلك يوصى بضرورة التوجه لهذه الشريحة ببرامج مجتمعية وتطوعية ودمجمهم بأعمال الإغاثة، مع ضرورة التنويه بسن "قانون عمل" الذي يضمن عدم عملهم بأعمال خطرة .

النساء حسب الاحتياج للحماية

تنقسم هذه الفئة بدورها إلى: "النساء الناجيات من العنف"  لا سيما بعد توقف أنشطة المنظمات التي تكفل الحماية للنساء ضد العنف عبر برامجها المختلفة، كبرامج التمكين والتعليم. من المرجح ازدياد نسب العنف، وعدم قدرة النساء على الوصول للخدمة، ويمكن في هذا الإطار أن يتم تعيين عدة عاملات حماية في نقاط تجمع المخيمات، ورصد حالات العنف وإحالتها إلى النقاط المسؤولة، و"النساء الحوامل  والمرضعات" اللواتي يحتجن إلى تغذية صحية للأم الحامل، والبحث عن شراكات مع مشافٍ للتوليد يتم نقل الأم إليها دون إجراءات روتينية، من أجل سرعة تلقي الخدمة والتعاقد مع أكثر من طبيب أطفال، يكون مرتبطاً بأكثر من نقطة استجابة.

أصحاب الأمراض المزمنة والإعاقات

وتأتي الأولوية على الترتيب التالي: الأطفال المعاقون – النساء المعاقات  - الرجال المعيلون لأسر ومعاقون – المسنون المعاقون  – الرجال غير المعيلين لأسر والمعاقون. مع الأخذ بالاعتبار أنه، وبسبب كثرة الإصابات الجسدية التي سوف تلي فترة العلاج بالمشافي، سيكون هناك نقص بالوسائل المساعدة على الحركة كالكراسي المتحركة والأطراف الصناعية، لذلك ينبغي أن تكون خطة الاستجابة مرتبطة مع منظمات تعمل بالشأن الطبي. كما ينبغي لحظ من لديهم أمراض بحاجة لأدوية علاج مستمر(ضغط – سكر -قلب – كلى) وضرورة  تخصيص صندوق خاص بالمرضى وإحصائهم وتصنيفهم ضمن خانات في النقاط الخاصة بالمنظمات التي تقدم معونات مالية.

النازحون لأكثر من مرة

لا سيما النازحين إلى أكثر من ثلاث مناطق، والذين يعانون من صدمة مركبة، وعدم الإحساس بالأمان بسبب تغير مكان الإقامة. ومن الضروري الاهتمام بالصحة النفسية والاجتماعية والبدء ببرامج تماسك اجتماعي بين سكان المخيمات الأصليين وبين من سكن معهم بشكل طارئ إثر الزلزال، فقد يخلق توزيع المساعدات على المتضررين حساسية بين أفراد المجتمع.

الأكثر فقراً

كالاشخاص الذين لا يتلقون مساعدات أبداً  قبل الكارثة، وهذا يتطلب تحديث لقوائم التوزيع، وتقديم بطاقات إغاثية لمن انقطعت عنهم المساعدات التي كانوا يتلقونها، وضرورة تدارس بديل دعم دائم للفقر عبر صناديق الإغاثة أو المعونات النقدية. وتبرز ضمن هذه المجموعة فئة العمال المياومين الذين يتقاضون أجراً يومياً لقاء عملهم، فقد ساهمت الكارثة في توقف أعمال المياومة من زراعة وأعمال بناء، لذا ينبغي أن يتم إدراج هذه الفئة ضمن أي خطة دولية لتعافي المنطقة، كما تبرز فئة من العمال الذين فقدوا عملهم الوحيد إذ  يمكن لحظهم في أعمال إزالة الأنقاض ضمن المشاريع والمعونات التي سوف تقدم في هذا المجال.

وبما يتعلق بخطة الاستجابة فإنه ينبغي أن تكون على مراحل زمنية ثلاث؛ مراحل سريعة وفورية – متوسطة وعاجلة – بعيدة المدى وعلى عدة مستويات، ولقياس شدة الاحتياج حتى يتم تقدير زمن الاستجابة ممكن وضع درجات معينة،

  • كل فئة تكون ضمن تصنيف الفئات الأولى والثانية والثالثة والرابعة التوجه لها فورياً نحو استجابة سريعة ما بين  شهر إلى 3 شهور ، كما أن الأسر التي تسجل أكثر من ثلاثة نقاط ضمن المجموعات جميعها.
  • الاستجابة التي يمكن أن تأخذ وقتاً أكثر، 3- 6 شهور، من ضمن المجموعات الخامسة والسادسة والسابعة، كما تشمل الأسر التي تسجل ضمن مجموعتين من الفئات الأكثر تضرراً.
  • الاستجابة التي يمكن تقسيمها على 12 شهر اً، تقع ضمنها الأسر التي يتم تقييمها وانتقالها من مرحلة الحاجة إلى مرحلة القدرة على إعادة توازنها والاستمرار بحياتها الطبيعية.

ما بعد الزلزال: تداعيات اجتماعية ونفسية 

تزداد لدى الأفراد المتضررين بعيد مرحلة الاستجابة الأولى مؤشرات الانعزال والاغتراب الاجتماعي عن المحيط، إذ سيدرك الفرد حقيقة ما تم أكثر مما في المرحلة الأولى، كما سيتنبه للخسائر وحجمها مع استحالة تعويضها، إذ يجد الأفراد أنفسهم حالياً أمام حجم تحديات نوعية جديدة، تضاف إلى تلك التحديات التي فرضها السياق العام في شمال غرب سورية، لا سيما تلك الأزمات التي أثرت على تفكك نسيج المجتمع، والتي كان أكثرها حدة موجات النزوح المتكررة إثر قصف النظام لتلك المنطقة، وجراء الأعمال القتالية. سيشكل ترك المنزل جراء الزلزال صدعاً  في مشاعر الأمان والانتماء، فالمنزل والحي يحمل بعداً رمزياً يعبر عن جزء من هوية الإنسان، ويعطيه الإحساس بنوع من السيطرة على مساحة معينة من حياته في ظل ظروف اجتماعية وسياسية مقيدة للحرية.  لذلك سيحتاج الفرد  عندئذ إلى مستوى عالٍ من  الدعم الاجتماعي الرسمي والمجتمعي، ومما يزيد صعوبة هذا الدعم أنه يتم في منطقة تعاني صعوبات حوكمية، ويغيب عنها التنسيق الفاعل بين الفواعل المحلية.

أما الجماعات: فتنتهج في حالات الخوف سلوكاً فطرياً يتمثل بالابتعاد عن مصدر الخطر، دون إدراك مستوى الأمان، سواء في طريقة الابتعاد أو في المكان الذي يتم اللجوء إليه، لذلك ومع وجود هزات ارتدادية والتي لا يمكن التنبؤ بحدوثها، تكررت حالات القفز من النوافذ والركض الجماعي للقاطنين بالمنازل والأبنية نفسها.([3])

 لقد عانت المنطقة ما قبل الكارثة من موجات النزوح الجماعية لمدن وبلدات أكثر أمناً، وهذا خلق مشكلات معقدة ومتراكبة، منها عدم الاستقرار الديمغرافي وتركز النازحين في أماكن أكثر من أماكن أخرى، وهذا ما أكدته منظمة تنسيق المخيمات العالمية في تقريرها السنوي لعام  2022، إذ سجلت أنه  بلغ عدد النازحين داخلياً في سورية  2,661,051. وكانت الإزاحة (حركات النزوح الداخلي) تبلغ 86,318 سجل في السنة نفسها، عند شهر كانون الثاني 10,349 حركة، وفي شهر أيار 7,292 حركة، ليصل في شهر أيلول 12.326. مما يعبر عن تذبذب حركة النازحين واستمرارها في فترات زمنية قصيرة.([4])

ومع صغر المساحة وارتفاع عدد السكان،([5]) تتفجر مشكلة الكثافة السكانية والأزمات الاجتماعية التي تتوالد منها  مثل:

  • الضغط على الخدمات التي لا تؤدي نصف دورها ما قبل الكارثة، وعند قياس حجم الكارثة على السكان نجد أعداد النازحين الموثقين في مراكز الإيواء حسب، منسقي استجابة سورية في نشرة 23 شباط، قد بلغ 55,362 نازح.  يشكل الأطفال والنساء والحالات الخاصة 65% منهم.([6])
  • الضغط على القطاع الطبي، والذي يعاني أساساً من الاستنزاف، سواء على مستوى المؤسسات أو على مستوى الكادر والكوادر، مما يزيد من صعوبة استيعاب هذا القطاع للضحايا وإعطائهم عناية طبية متكاملة، منذ مرحلة الإنقاذ إلى العلاج ثم مرحلة التعافي. الأمر الذي دفع المشافي إلى التركيز على طلب الاحتياجات الطبية العاجلة، مثل: الدم المعقم، والشاش والضمادات، والمسكنات، ومستلزمات مداواة الجروح والكسور، وأدوات الدفن المانعة من انتشار الأوبئة، إلى جانب الحاجة الماسة للوقود لتأمين وإيجاد حلول مستعجلة لأزمة  الكهرباء.
  • ازدياد فجوات التعليم، فالتعليم يعاني أساساً من فجوات حوكمية، ونقص في البنى المادية والبشرية، مما ينذر بزيادة أعداد الطلاب داخل الصفوف المكتظة أساساً بسبب نقص المدارس في بعض المناطق. كما تعاني المخيمات خصوصاً العشوائية - والتي تبلغ أضعاف عدد المخيمات النظامية، والتي توافد إليها الناجون من الزلزال- من عدم توفر مدارس ثانوية، وندرة المدارس الإعدادية في محيطها، إضافة لوجود مدارس لا يثق الأهالي بمتانة أساساتها بعد الزلزال، فقد رصد فريق منسقو الاستجابة أضراراً ضمن 293 منشأة تعليمية في المنطقة، وفي حالات الصدمات الجمعية يعتبر الهاربون من الموت أن الأولوية هي النجاة، وتأمين الغذاء، ومحاولة البحث عن بديل سكن آمن، وهذا من شأنه جعل التعليم يتراجع على سلم أولويات السوريين في المرحلة الحالية.
  • زيادة الاحتياج: ستتضاعف تقديرات الاحتياج والمساعدة، إذ ستشمل خارطة المستهدفين منكوبي الزلزال والنازحين في المخيمات، والذين يعانون عجز اقتصادي وشح سابق  في المعونات. فمنظمة الأغذية العالمية تدق ناقوس الخطر في تقريرها بعد أسبوع من الكارثة، بأن  أموال جهود الإغاثة من الزلزال في سوريا تنفد، ولن تكفي لأكثر من 60 يوما.([7]مما يعرض 4.1 مليون من السكان في شمال غرب سوريا، الذين يعتمدون على المساعدات الأممية (80% منهم من النساء والأطفال) إلى خطر العوز الشديد.([8]) وهنا تظهر مشكلة انعدام الأمن الغذائي متمثلاً بنقص التغذية، والحالات المرضية، وازدياد نسبة وفيات الشباب.
  • تحديد المتضرر: لا سيما مع تنامي بعض المؤشرات الدالة على استغلال البعض للكارثة، واستخدامهم أدوات توحي بالتضرر بغية الحصول على المعونات، وهو أمر يدفع باتجاه دفع المبادرات الفردية نحو الانسجام والتنسيق مع المؤسسات والمنظمات العاملة التي تنطلق وفق تقدير للاحتياج وإحصاء للمتضررين.
  • أزمة السكن: لا سيما في المدن التي تعاني أساساً من أزمات في الإيجار، وعدم وجود منازل فارغة مثل مدينة اعزاز، إذ قد يصل أجار البيت إلى 70 دولار شهرياً ما قبل الكارثة،  وتجدر الإشارة إلى توقع زيادة أساليب الكسب غير المشروع في هذا الجانب، لا سيما في ظل استمرار عدم وجود سياسات تحد من غلاء الأسعار.

أما على المستوى النفسي يبرز خطر النتائج السلبية للحدث الصادم، فقد تقطعت الحدود الفاصلة بين  دوائر التفاعل عند السوري، فقد أصاب الأذى المساحات الشخصية والاجتماعية والرسمية في حياته، ففقد الشخص أحد أفراد عائلته  أو أكثر إضافة إلى مكان إقامته وعمله في بعض الأحيان، سيكون له ارتدادات نفسية عميقة، وستتبلور  هذه الأزمة في عدة تمظهرات، كآثار ما بعد الصدمة، مع شعور العجز والقلق المستمر، فعلى الرغم أن البيئة بيئة حرب، وعلى مدار أكثر من اثني عشر سنة، كان قد اعتاد الناس على ظروف استثنائية خطيرة، من انتظار قصف، واشتباكات، واعتقال، ونزوح وتشرد إلا أن هذه الكارثة الطبيعية وغير المتوقعة قد عمّقت من مستوى الخطر وجذّرته، وآثار الفقد لا سيما المرتبطة بفقدان العائلة والمنزل وما يعنيه كدينامية دفاعية ضد الخطر وأحساس بالآمان والرعاية والسكينة والاستقرار، وتأثير الكارثة على دوائر تفاعله الاجتماعية وما تقدمه له من احتياجات نفسية واجتماعية كالتواصل والتفاعل والانتماء، وعلى دوائر عمله  ومصدر رزقه وعلاقاته مع المؤسسات الرسمية أو غير الرسمية، وعلى مدى اندماجه أو انعزاله عن الشأن العام. ويمكن إضافة آثار صدمة النزوح المتكرر مع ما يحمله من ضغوط نابعة من تغير البيئة والأشخاص وغياب سياسات تعزيز التماسك الاجتماعي بين المجتمعات النازحة والمضيفة، مما يعزز شعور اللاستقرار.

ومما يزيد عبء الضغوط النفسية ويجعلها هاجساً يفرض نفسه على سلم الأولويات والأجندة السورية تعدد وتنوع المخاطر التي عاشها السوريون، وانعكاسات ذلك على الصحة النفسية والعقلية، وهو ما أشارت إليه تقديرات لمنظمة الصحة العالمية حول السياق السوري، إذ نوهت أنه "ونتيجة لاستمرار الحرب لسنوات طويلة في سورية بقي الإنسان بحالة من الاستنفار النفسي والجسدي، المؤدي إلى انخفاض مستوى الصحة العقلية، وأنه من بين الأشخاص الذين شهدوا حروباً أو نزاعات أخرى خلال العشر سنوات الماضية، سيُصاب واحد من كل خمسة (22%) بالاكتئاب أو القلق أو اضطراب الكرب التالي للرضح أو الاضطراب الثنائي القطب أو الفصام".([9])

ضرروات التعافي: خطوات تأسيسة واجبة 

ينبغي التركيز أثناء الخروج من مرحلة ما بعد الاستجابة الملحة  إلى مرحلة التعافي من الصدمة على عدة نقاط بالغة الأهمية يمكن تسميتها خطة التعافي الاجتماعي والنفسي من آثار كارثة الزلزال، تستند هذه الخطة إلى المتطلبات التالية:

  • وجود مرجعية لتدراس الإحصاءات والبيانات وإخراجها وفق نظام القائمة الرسمية، إذ يمكن الاستناد على دور وحدة التنسيق والدعم في هذا السياق، ثم تأسيس دينامية تنضم لها المجالس المحلية وكبرى المنظمات السورية العاملة، لا سيما التي لها مجال عمل ضمن قطاع اجتماعي ونفسي، بحيث تشكل هذه القائمة مرجعاً رسمياً لجل المبادرات.
  • تعزيز الحالة الإيجابية للتكافل الاجتماعي وتطويرها عبر دعم التحالفات والشراكات التي تقوم بالداخل السوري بين المنظمات السورية، بما يسهم في تنسيق العمل وتكامله، ويمنع الهدر وتكرار الاستجابة في مناطق معينة على حساب أخرى، ولصالح فئات على حساب فئات أشد تهميشاً.
  • دمج خدمات التعليم والمجتمع ضمن خطة التعافي، إذ كانت مشاريع وخطط الاستجابة الإنسانية التي تضعها الأمم المتحدة ومكاتبها تغطي قطاعات مختلفة حسب شدة الاحتياج، وكان بعض القطاعات يتناقص تمويله بشكل واضح في السنوات الأخيرة، مثل دعم التعليم والأنشطة المجتمعية، لذلك بات لزاماً إيلاء قضايا التعليم والمجتمع أهمية كبرى، سواء على مستوى التمويل أو على مستوى المؤسسات.
  • تأسيس آلية وطنية لرصد الحالات التي تحتاج لدعم نفسي، وتقديمها للجهات والمنظمات العاملة، وهو دور كانت تقوم به منصة تنسيق الاستجابة الإنسانية لشمال غرب سوريا بشكل كبير، ولكن بحكم الضرر الفيزيائي لبعض المكاتب وعامليه، وفي ظل غياب ملحوظ للآليات الأممية الخاصة بالكوارث في شمال غرب سوريا؛ فإن تأسيس هذه الآلية يعد خطوة ضرورية.
  • تقييم نموذج الاستجابة وإدارة الكارثة بغية الوصول لنموذج استجابة نوعي، فعلى الرغم من نجاحه النسبي في ظل الظروف والمعطيات التي جعلت المجتمع والفواعل السورية تواجه منفردة هذه الكارثة، إلا أن حالة من العشوائية والفوضى سادت، مع غياب الاستراتيجية الواضحة لإدارة الكارثة، وهو أمرٌ يبرره  غياب التجارب السابقة المتعلقة بالكوارث الطبيعية، وغياب السلطة والإدارة المركزية فيما يخص إدارة الأزمة، ومن الجيد الاعتماد على تجارب دول سابقة عانت من كوارث طبيعية وأخذ الدروس وتطبيقها على المجتمع السوري، مع مراعاة الخصوصية الثقافية السورية.
  • ضرورة توجه الفرق التطوعية والمبادرات المحلية نحو حقل المعالجة الاجتماعية لآثار الزلزال، وزيادة مستويات التنسيق مع الجهات الفاعلة في الداخل لضمان تناغم العمل وتكامله.

وعند معالجة البعد النفسي للكارثة لا بد من الانطلاق عبر الفاعلين الأساسيين، وأهمهم  منظمات المجتمع المدني التي لديها خبرة في برامج الدعم النفسي الاجتماعي، والتعامل مع الاضطرابات التالية للكرب، وذلك عبر جهود تنسيقية تنظيمية حوكمية سريعة الخطوات ومنها:

  • بناء نظم صحية مستدامة تتولى رعاية سكان المناطق المنكوبة، ثم باقي المدن التي تحت تأثير الصدمة، والتي تعاني من ترقب وهلع من تكرار الحادثة، باعتبار أن الجغرافية واحدة، وجعل قضايا الصحة النفسية أولوية في الأنظمة الصحية، وتخصيص مبلغ مالي ضمن بنود أي خطة طوارئ لصالح الاستجابة الصحية النفسية للأزمات الطارئة، والتي تحتاج موارد صحية أكبر من الموارد المطلوبة بدون وقوع كوارث جماعية.
  • دعم جهد إحصائي نوعي مرتبط بكافة المعلومات والبيانات الدالة على الحالات النفسية، وتصنيفها حسب توقع مدة العلاج، مع مراعاة خصوصية المعلومات، وجعل مخرج هذا الجهد متاحاً لكل العاملين بالصحة النفسية في المنطقة، عبر منصة إلكترونية تشرف عليها جهة محلية ذات خبرة عالية بالتعامل مع الأزمات.
  • تنسيق جهود المنظمات العاملة بتقديم الرعاية النفسية، وتسجيل الحالات وتصنيفها حسب شدة المرض النفسي، وربطها مع جهود المنظمات التي تقدم خدمات إغاثية ومعونات، للإبلاغ عن أي حالات يجدون أنها تنذر باضطراب نفسي، وهذا يتطلب إجراء تدريبات للعاملين حول أسس التقييم النفسي الأولي..
  • برامج معالجة القلق والهلع والاكتئاب، فرغم انتشار خدمات الدعم النفسي بسبب ازدياد الحاجة التي فعلتها ظروف الحرب؛ إلا أن الاحتياج حالياً أصبح مضاعفاً، إذ لا تتوقف أعراض الصدمات على من واجه آثار الكارثة بشكل مباشر وإنما على جميع سكان المنطقة.
  • زيادة عدد الأطباء النفسيين في المنطقة، عبر عقود توظيف خارجية، حيث أن خطوة الدعم النفسي الاجتماعي هي فقط لامتصاص الصدمة النفسية، ولكن كل الأعراض الشديدة التي تظهر تباعاً تحتاج متابعة من طبيب نفسي، مع تأمين طرق سهلة وموارد للوصول للطبيب، وجعلها أولوية ضمن برامج العلاج الجسدي.

ختاماً

ركزت الورقة على ضرورة تعزيز القدرة المجتمعية في سبيل مواجهة تداعيات الكارثة في مرحلة ما بعد الاستجابة الطارئة، منوهة إلى أهمية التخطيط بعيد المدى لصيانة رأس المال الاجتماعي وتطويره، خاصة بعدما أثبت المجتمع السوري قدرته على صنع شبكاته المحلية، ووضع خطط استجابة طارئة قادرة على امتصاص بعض آثار الكارثة، في ظل تلكؤ المجتمع الدولي في تقديم الدعم والمساعدات الإنسانية، كما ربطت الورقة بين خطة التعافي المفترضة والبعد الاجتماعي والنفسي، باعتبارهما ركناً رئيسياً لإعادة إعمار ما دمرته الكارثة.

 


([1] ) Field Earthquake Updates in Syria, ACU,26/02/2023, https://2u.pw/69Qfd7

([2] ) تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن  برنامج الأغذية العالمي قد أعلن عن حاجته لـ  300 مليون دولار لمواصلة برنامجه للمساعدة الغذائية في جميع أنحاء سورية لـمساندة  5.5 مليون شخص كل شهر، وإلا فسيضطر البرنامج إلى تعليق مساعدته لـ 3.8 مليون سوري في غضون أشهر. منظمة الصحة العالمية، نشرة أخبارية،25/02/2023،  https://2u.pw/arcbU0

([3] ) حيث أبلغت الأوتشا  يتاريخ 20 شباط أي بعد أسبوعين من الكارثة عن 150 إصابة جديدة بفعل الكسور والرضوض نتيجة انهيار المنازل، للمزيد انظر:

NORTH-WEST SYRIA, Situation Report,OCHA ،25-2-2023, https://2u.pw/anZwY1

([4] )  - Displacement update NW Syria، - Annual Summary (updated on September 2022) , https://2u.pw/O6OisU

([5] )  يقدر عدد السكان بـ 5 ملايين نسمة في مناطق شمال غرب سورية، حسب آخر  إحصاءات وحدة تنسيق الدعم. وبلغ عدد سكان محافظة إدلب حوالي 3 ملايين ونصف  51 في المئة منهم من النازحين، وينتشرون على مساحة قدرها ما يقارب  5 آلاف كم2 . في المقابل بلغ عدد سكان منطقة “درع الفرات” بريف حلب، أكثر من مليون نسمة، 49 في المئة منهم من النازحين، على مساحة قدرها تقريباً 1000 كيلومتر مربع، كما بلغت أعداد سكان منطقة عمليات “غصن الزيتون” (مدينة عفرين وريفها)، أكثر من نصف مليون نسمة، بينهم 76 في المئة من النازحين، على مساحة قدرها تقريباً ألف كيلو متر مربع. وسجلت منطقة عمليات “نبع السلام” (تل أبيض ورأس العين وأجزاء من أريافها)، حوالي 274 ألفاً، نسبة 7 في المئة فقط من النازحين، على مساحة قدرها لا يتجاوز  4 آلاف كيلو متر مربع، للمزيد انظر:  إحصاء جديد لسكان سورية،السورية نت ،12/12/2022 ، https://2u.pw/trwen7

([6] ) منسقو استجابة سورية،23-2-2023، https://2u.pw/cIWY4c

([7] ) زلزال تركيا وسوريا،18-2023،الجزيرة نت، https://2u.pw/8kYQsT

([8] ) شمال غرب سوريا: حياة ورفاهية 4.1 مليون شخص تعتمد على مساعدات الأمم المتحدة عبر الحدود، الأوتشا، حزيران ،2022 ، https://2u.pw/1zMBRZ

([9] ) الصحة النفسية في حالات الطوارئ،منظمة الصحة العالمية،16 -3-2022, https://2u.pw/CjqVPT

التصنيف أوراق بحثية

تمهيد 

تسبب الزلزال الذي ضرب المنطقة في 6 شباط 2023 بأوضاعٍ إنسانية سيئة في 137 مدينة وبلدة شمال غرب سورية مخلفاً شريحة متضررين يصل عددها إلى قرابة المليون نسمة (حوالي ربع سكان المنطقة)، من بينهم 4,537 ضحية و8,789 مصاباً، ناهيك عن وجود 1,797 بناءً مهدماً بشكل كلي و8,504 بناءً مهدماً بشكل جزئي و55 منشأةً صحيةً تضررت بشكل كلي أو جزئي مما دفع النظام الصحي للعمل بطاقته القصوى بعد أن استنزف خلال جائحة 19COVID، وتفشي الکولیرا وبعض المشاکل الصحیة الأخرى([1]).

على إثر ذلك، شرعت المنظمات والمجالس المحلية والفعاليات (مثل الحملات الشعبية التي نُظّمت في الداخل والخارج) باتخاذ كافة أشكال الاستجابة الطارئة، كل في تخصصه وعمله وبدون تخطيط مسبق لتنسيق الأعمال فيما بينها، وفي ظل شح المساعدات الدولية وتأخر وصولها وبعد مرور 18 يوماً على الكارثة تبرز مجموعة من التحديات التي تواجه "منظومة الاستجابة" والفاعلين فيها، وهو ما ستحاول ورقة السياسات التالية الخوض فيه واقتراح جملة من التوصيات تساعد في الخروج من أزمة الكارثة.

واقع "منظومة الاستجابة" قبل الزلزال

تعتمد حوكمة المنطقة التي ضربها الزلزال (التي طالت أكثر من 137 مدينة وبلدة  في شمال غرب سورية) على عدة فواعل:

  1. المجالس المحلية (17 مجلس): ويشرف عليها إدارياً الولايات التركية الحدودية (كلس – هاتاي –غازي عنتاب) وينوب عنها نواب في إدارة شؤون المنطقة.
  2. الحكومة السورية المؤقتة في ريف حلب: ويتبع لها عدة مؤسسات مثل "وحدة تنسيق الدعم" و"صندوق سوريا لإعادة الإعمار" و"المؤسسة العامة للحبوب".
  3. "حكومة الإنقاذ" في إدلب التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" وما ينبثق عنها من مؤسسات.
  4. عشرات المنظمات المحلية والأجنبية في ريف حلب وإدلب والتي تستمد تمويلها من برامج الأمم المتحدة ضمن عدة قطاعات؛ الاستجابة الطارئة والإغاثة والتعافي المبكر وسبل العيش والإصحاح وغيرها.
  5. .منظمتا "آفاد" و"IHH" التركيتين في المنطقة اللتين تضطلعان بمهام إغاثية وخدمية تنفيذاً وإشرافاً، فضلاً عن إيلائهما أهمية بالغة للمشاريع الصحية والتعليمية المقدمة من وزارتي الصحة والتعليم التركية([2]).

 وعلى الرغم من صعوبة الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية في المنطقة، استطاعت المجالس المحلية بالتنسيق مع المنظمات العاملة تنفيذ ما يربو على 5000 مشروع على مدار 4 سنوات في ريف حلب وإدلب، ضمن قطاعات اقتصادية مثل المياه والزراعة والصناعة والتجارة والكهرباء والنقل والخدمات الاجتماعية والإسكان والتعمير وغيرها، ساهمت في دفع عملية الاستقرار وتعافي المنطقة نسبياً([3]). إلا أن نموذج  الاستجابة عموماً بقي يعاني من عدة تحديات وصعوبات، لعلّ أبرزها:

أولاً: التحديات الحوكمية: إذ ساهمت الهوّة الحاصلة بين المجالس المحلية ونقص التنسيق فيما بينها وتعدد تبعية المجالس المحلية لأكثر من والي تركي في تعميق حالة الهشاشة في البنية الحوكمية وغياب التنسيق والتخطيط الاستراتيجي،  وهو ما انعكس بشكل واضح على  عمل عدة قطاعات وفي مقدمتها قطاع الاستجابة.

كما أدى غياب التنسيق المحلي ما بين منظمات الإغاثة المحلية سواءً في تقدير الاحتياجات أو في تحقيق الشمولية وضمان "عدالة التوزيع" إلى عدم التفكير بمقاربات تنسيقية تكون إطاراً تنفيذياً لمواجهة "حالة الطوارئ" واستحقاقاتها الملحّة، كما تجدر الإشارة في سياق تحديات الحوكمة إلى أثر غياب قيم الشفافية والمحاسبة والرقابة على عملية البناء والإسكان والتي ظهر أنها لا تتوافق مع معايير البناء السليم  والمقاوم للزلازل ولو بالحدود الدنيا.

ولا يمكن فصل تحديات الحوكمة عن السياق الأمني المحلي والاضطرابات التي أحدثتها الاختراقات والعمليات الأمنية التي هددت مؤشرات الأمن والاستقرار في المنطقة ناهيك عن الاقتتالات الفصائلية التي لطالما هددت حركية الاستجابة وعرقلتها.

ثانياً: الاحتياج الإغاثي:  بحكم تزايد الكثافة السكانية في المنطقة، حيث يتواجد فيها ما يقرب من 5.5 مليون نسمة في إدلب وريف حلب ومنطقتي رأس العين وتل أبيض بحسب إحصائية "وحدة تنسيق الدعم"، كما تحتوي على 1633مخيماً يقطنها 1,811,578 نسمة بحسب "منسقو استجابة سورية"،  أكثر من 4 ملايين منهم بحاجة إلى مساعدات إنسانية للبقاء على قيد الحياة وفقاً لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، يعتمدون بشكل أساسي على المنظمات والمساعدات. تسبب هذا الوضع في ضغوط متزايدة على المنظمات لتلبية احتياجات النازحين وحل مشاكل المخيمات، وبالتالي ذهاب قسم كبير من الأموال الممنوحة للاستجابة الطارئة والإغاثة.

ثالثاً: تحديات سياسية:  إذ تشكل هذه التحديات ضغطاً واضحاً على مسار حركية الاستجابة والتي ترتبط بشكل أو بآخر بعاملين؛ كفاءة الفاعل السياسي والتي تزداد مؤشرات انخفاضها، وبوضوح المسار السياسي، فقد ساهم تعطيل محركات الحل السياسي ومحاولات تعويم النظام من قبل بعض الدول، والضغوط الروسية على الدول والأمم المتحدة لتحويل المساعدات من "الحدود" إلى "الخطوط" في انخفاض معدلات الاستجابة الإنسانية من المنظمات الدولية، بنسبة 40% خلال عام 2022 وحده([4])، وجمع نداء الأمم المتحدة للحصول على أموال لعام 2022 أقل من نصف ما هو مطلوب 2.12 مليار دولار من أصل 4.44 مليار دولار([5])، ولعب الأداء الأممي دوراً مثبطاً بعدما حصرت خيار المساعدة بالآلية الدولية المعتمدة في إيصال المساعدات الإنسانية لسورية؛

رابعاً: تحديات اقتصادية: تسبب نقص الموارد وسوء الأوضاع الأمنية وضعف القوة الشرائية للمواطن في إضعاف أدوار القطاع الخاص في المشهد الاقتصادي، ما انعكس سلباً على قطاعات التجارة والزراعة والصناعة ومناخ الاستثمار وعدم خلق فرص عمل. وهو ما زاد من حجم الاحتياج في قطاع الاستجابة عموماً.

"نموذج الاستجابة" المتشكل

تفاعلت التحديات أعلاه مع بعضها البعض مع بزوغ صباح يوم السادس من شباط/فبراير الحالي ليستيقظ السكان على هول الكارثة التي وقعوا بها إثر زلزالين ضربا جنوب تركيا وشمال غرب سورية بلغت شدتهما 7.8 و7.6 على التوالي([6])، لتظهر مناطق ريف حلب وإدلب أمام أزمة مركبة قللت من فاعلية الاستجابة المبكرة للزلزال.

إذ عانى فريق الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) من نقص في الآلات الثقيلة والمعدات اللازمة والوقود خلال عملية إنقاذ الأحياء من تحت الأنقاض، مطالباً بفتح تحقيق دولي حول تأخر وصول المساعدات اللازمة للاستجابة لأضرار الزلزال في شمال غرب سورية([7])، وغصّت المشافي بالجرحى والمصابين جراء الأعداد الكبيرة وخروج بعض المؤسسات الصحية عن العمل جراء تضررها، وسط حالة العجز عن علاج بعض الإصابات نتيجة عدم توفر الأجهزة الطبية والأدوية المناسبة أو الحاجة لأطباء ذوي اختصاصات غير متوفرة في المنطقة، وعانت المنطقة أيضاً من نقص حاد في أعداد الخيام والسلل الإغاثية للنازحين والمتضررين جراء عدم توفر مخزون استراتيجي أو مصانع محلية وعدم دخول مساعدات دولية عبر معبر باب الهوى أو من المعابر الأخرى، فضلاً عن انشغال تركيا بالأضرار الجسيمة التي خلّفها الزلزال على مناطقهم، وظهور التخبط في عملية إحصاء أرقام الوفيات والمصابين والمنازل المدمرة والمتضررين من الزلزال.

في المقابل، تمثّلت استجابة الفواعل السياسية والمجالس المحلية والحكومة المؤقتة والمنظمات السورية  للكارثة وفقاً لما يقتضيه الواجب الإنساني وبدون تخطيط مسبق عبر ثلاثة مستويات تداخلت فيما بينها؛ المستوى الأول: إنقاذ العالقين تحت الأنقاض؛ والمستوى الثاني: الاستجابة الطارئة عبر تقديم خدمات إغاثية للنازحين والمتضررين؛ والمستوى الثالث: القيام بعملية إحصاء وتقييم الأضرار والماكينة الإعلامية، كما يظهر في الشكل الآتي:

المستوى الأول: تولت فرق الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) مهمة إنقاذ الأحياء العالقين تحت الأنقاض، أسعفها في ذلك خبرتها في التعامل تحت القصف والمعارك، وأمام نقص الآليات الثقيلة والمعدات الضرورية سارع الأهالي والمنظمات والمجالس المحلية في وضع كل ما يملكونه لمساعدة فرق الدفاع المدني في عملية انتشال الضحايا وإنقاذ الأحياء من تحت الركام. على الطرف المقابل سارعت المنظمات في تنفيذ عمليات إغاثة عاجلة عبر إنشاء مخيمات مؤقتة وتقديم الغذاء والملبس والاحتياجات الأساسية لمن فقدوا منازلهم وتضرروا جراء الزلزال. وظهرت شراكات مهمة بين بعض كبرى المنظمات السورية، كما حصل بين مؤسسات "الدفاع المدني" و"المنتدى السوري" و"الجمعية الطبية السورية الأمريكية /سامز" من أجل حشد الموارد والجهود وتوحيد قنوات التمويل لجمع التبرعات لإغاثة المتضررين.

المستوى الثاني: أمام عدم دخول المساعدات وإغلاق المعابر تشكلت على الفور مبادرات أهلية في المناطق التي لم تتعرض لأضرار مثل الحملات الشعبية في اعزاز والباب وشمال شرق سورية والحملات الشعبية في الخارج التي سعت بدورها لجمع الأموال والمساعدات العينية لإغاثة النازحين والتطوع مع فرق الدفاع المدني للمساعدة في عمليات الإنقاذ من تحت الأنقاض. ترافق مع هذه المبادرات سلسلة من الاتصالات والتواصلات لعدة فواعل، حيث تواصلت هيئة التفاوض السورية مع عدة منظمات وجاليات سورية بهدف توفير الدعم للمنظمات المحلية بشكل مباشر، ودفعت بعض مسؤولي الأمم المتحدة ووزير خارجية الولايات الأمريكية للتفاعل مع الكارثة السورية في الشمال، كما عملت الحكومة المؤقتة من جهتها على تشكيل "غرفة تنسيق للاستجابة"، إضافة إلى قيام التحالف السوري الأمريكي بالحشد والمناصرة لقضية الاستجابة ضاغطاً لاصدار تشريع خاص يسهل العمل الانساني مع وكالة التنمية الأمريكية والحكومة الأمريكية .

المستوى الثالث: أقدمت المجالس المحلية والمؤسسات الرسمية مثل وحدة تنسيق الدعم ومنسقو استجابة سورية وغيرها على إحصاء أعداد الوفيات والإصابات وتقييم الأضرار من مبانٍ مهدمة بشكل كامل وجزئي وإصدار تقارير يومية بشأن الاحتياجات العاجلة، وتولت الفصائل تأمين الأحياء المنكوبة منعاً لعمليات النهب والسرقة والفوضى.

تحديات ما بعد الزلزال وسبل تدعيم "منظومة الاستجابة"

مع إعلان فرق الدفاع المدني إيقاف عمليات البحث عن ناجين تحت الأنقاض ستواجه المجالس المحلية والمنظمات تحديات عدّة، لابد من تضافر الجهود من أجل النهوض بالمنطقة مجدداً، يمكن تلخيص تلك التحديات في مستويين:

  1. تحديات سياسية: ناجمة عن استثمار النظام وحلفائه لأزمة الزلزال من خلال استعادة العلاقات السياسية وتحقيق مكاسب سياسية تتمثل في رفع العقوبات بذريعة إيصال المساعدات الإنسانية للمنكوبين، فأكثر من 25 دولة أرسلت مساعدات للنظام بعد إطلاق الأمم المتحدة نداء استغاثة للاستجابة للكارثة([8]). ومن شأن تطور هذا المسار تجميد مسارات الحل السياسي الأممية والتضييق على أجسام ومناطق المعارضة، ومواجهة صعوبات في آلية تمديد نقل المساعدات الأممية عبر الحدود خلال ستة الأشهر القادمة، واستبدالها بالنقل عبر "الخطوط".
  2. تحديات اقتصادية: ساهمت الكارثة في تعميق أضرار البنية التحتية من طرقات ومياه وكهرباء واتصالات وزيادة أعباء إدارة ملف الإسكان مع تبعاته الاقتصادية والأمنية والاجتماعية من جهة أخرى، ومن شأن نقص الأموال والمساعدات الدولية التسبب بآثار سلبية على مسار التعافي المبكر في المنطقة وسوء أوضاع النازجين واتساع أعداد الفقراء.

ومن أجل مواجهة الكارثة التي أتى بها الزلزال على ريف حلب وإدلب والتحديات التي انبثقت عنها، توصي الورقة بالآتي:

أولاً: آلية الاستجابة الوطنية: أثبت السوريون في خضم الكارثة والحصار الذي واجهته المنطقة خلال الأيام الأولى للزلزال؛ آلية استجابة تقوم بشكل كامل على العامل الوطني، ابتداءً من الضحية والمتضرر إلى كل من استجاب للأزمة من مجالس ومؤسسات ومنظمات وفعاليات محلية وحملات شعبية للسوريين المغتربين في الخارج، ومع انتهاء المرحلة الأولى التي تتضمن إنقاذ أكبر عدد من الناجين من تحت الأنقاض وتقديم المساعدات العاجلة للمتضررين من مأوى وغذاء وعلاج تبدأ المرحلة الثانية التي تقوم على محورية التعافي السريع من أثر الكارثة والتي تقوم على تقييم الأضرار والخسائر الاقتصادية ووضع خطة طوارئ للشروع في إعادة الإعمار. ومن جملة ما يمكن القيام في هذا السياق:

  • تأسيس مؤسسة إدارة الكوارث والطوارئ في ريف حلب وإدلب يتولى إدارتها فريق الدفاع المدني، تنحصر مهامها بكل ما يتعلق بالكارثة على اختلاف تصنيفاتها وتعريفاتها سواءً كانت طبيعية مثل الزلازل أو صحيّة مثل الأمراض والأوبئة أو القصف وإزالة الركام ومعالجة النفايات.. إلخ. مع تصميم استراتيجية على المدى البعيد تسمح للمؤسسة بالاستجابة العاجلة للطوارئ مهما بلغت صعوبتها، ويجدر بالمنظمات والمجالس المحلية والمؤسسات تذليل الصعوبات أمامها وتقديم كافة التسهيلات والموارد التي تتيح لها العمل بمرونة وفاعلية عالية.
  • إيجاد آلية موحّدة لإحصاء وتقدير الأضرار عبر مؤسسة تعمل على إصدار تقارير بمنهجية رصينة، وتتحول إلى إصدار بيانات اقتصادية واجتماعية تقدّم لأصحاب المصلحة في سبيل النهوض بالمنطقة وتعافيها من الحرب والكارثة.
  • ابتداع المجالس المحلية والمنظمات العاملة برنامجاً وطنياً خاصاً يحمل أهدافاً ورؤيةً وطنيةً عابر لبرامج الأمم المتحدة، يتلاءم وظروف المنطقة ويساعدها على التعافي، ويتم إطلاقه عبر منصة إعلامية خاصة تضم هيئة منتخبة من المنظمات والمجالس، على أن يسعى القائمون لإيكال المشاريع للقطاع الخاص وحشد التمويل المطلوب لتنفيذ هذا البرنامج باستخدام الأدوات والطرق المالية المتنوعة، على أن تراعي المشاريع التخطيط العمراني السليم، وتسهم في خلق فرص عمل مستدامة وتحريك العجلة الاقتصادية.

ثانياً: الاستفادة من دروس الزلزال: يجدر على المجالس المحلية والمنظمات ألّا تمرر كارثة الزلزال بدون أخذ عدة دروس منها، حيث يمكن تقديم جملة من الدروس التي لُحظت بعد الكارثة:

  • تحديد نقاط الضعف التي فاقمت الخسائر البشرية جراء الزلزال ومحاسبة المسؤولين المحتملين عن التسبب في إزهاق الأرواح، والتشدد في سياسات البناء وتعزيز الرقابة على المهندسين عبر تحديد جملة من المعايير حتى يراعي البناء مقاومة الزلازل، وتحديد العقبات التي أسفرت عن تأخير الاستجابة للمتضررين والمصابين.
  • القيام بحملات مناصرة مستمرة في أروقة الأمم المتحدة؛ للدفع باتجاه استمرار إدخال المساعدات عبر الحدود عن طريق الأمم المتحدة ودون ولاية مجلس الأمن وقرارته محدودة المدة، بالاستناد إلى الحجج القانونية التي تشرّع هذا التحرك وتدحض الفرضية الروسية التي تصنّف إدخال المساعدات كخرق للسيادة، وهي عديدة وفقاً لدراسة قانونية معمقة أجريت في هذا الإطار([9]) أبرزها: عدم مصادقة سورية على البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف الأربع والذي يشترط موافقة الحكومة الرسمية، مما يعني أن إدخال المساعدات سيكون قانونياً حسب المادة الثالثة من اتفاقيات جنيف والتي تشرع إدخال المساعدات الإنسانية بموافقة أطراف النزاع. إضافة للاستناد إلى سوابق قانونية قضت فيها محكمة العدل الدولية -بصفتها السلطة الأعلى في تفسير القانون الدولي الإنساني- كقضية نيكاراغوا ذات السياق المشابه للسياق السوري من حيث تصنيف النزاع ووجود سلطات الأمر الواقع وآلية عمل المنظمات الإنسانية في إدخال المساعدات.
  • دعم التنسيق البيني للمنظمات العاملة على الأرض بهدف توفير الجهود وعدم تكرارها وحشد الموارد لتحقيق الأهداف المنشودة.

أخيراً أثّرت جملة من التحديات الحوكمية والإغاثية والسياسية والاقتصادية على الاستجابة العاجلة لكارثة الزلزال في شمال غرب سورية، وعلى الرغم من تلك التحديات والصعوبات فقد أثبت السوريون خلال الأيام الأولى للكارثة آلية استجابة تقوم بشكل كامل على العامل الوطني بدون تخطيط مسبق عبر ثلاثة مستويات يقوم الأول على إنقاذ العالقين تحت الأنقاض؛ والثاني على الاستجابة الطارئة للمتضررين والناجين؛ والمستوى الثالث تقييم الأضرار. ومع انتهاء مرحلة إنقاذ الناجين من تحت الأنقاض تبدأ مرحلة التعافي السريع.

ومن جملة ما يمكن القيام به في هذه المرحلة: تأسيس مؤسسة إدارة الكوارث والطوارئ في ريف حلب وإدلب يتولى إدارتها فريق الدفاع المدني ويتم دعمها من كافة المجالس المحلية والمنظمات العاملة، وإيجاد آلية موحّدة لإحصاء وتقدير الأضرار، وابتداع برنامجٍ وطنيٍ خاصٍ يحمل أهدافاً ورؤيةً وطنيةً عابرٍ لبرامج الأمم المتحدة يراعي أسس التخطيط العمراني ويسهم في خلق فرص عملٍ مستدامةٍ وتحريك العجلة الاقتصادية.

 


([1]) بحسب أرقام وحدة تنسيق الدعم، 22 شباط 2023. انظر التقرير التالي: https://cutt.us/mdosW

([2]) عمر كوباران، أدهم إمره أوزجان، منطقة "درع الفرات".. 6 سنوات من الأمن والخدمات شمالي سوريا، الأناضول، 24/8/2022، رابط مختصر: https://cutt.us/vTjms

([3])مناف قومان، التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق المعارضة خلال النصف الأول من 2022، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، رابط مختصر: https://cutt.us/vOqXV

([4]) منسقو استجابة سوريا: الاستجابة الإنسانية للمخيمات انخفضت 40% عام 2022، تلفزيون سوريا، 30/12/2022، رابط مختصر: https://cutt.us/WtYNw

([5])ليبراسيون: نقص المساعدات الدولية سبب آخر للوضع الكارثي في شمال سوريا، 7/02/2023، القدس العربي، رابط مختصر: https://cutt.us/E0iDF

([6])قتلى وعالقون تحت الأنقاض إثر زلزال بقوة 7.8 درجات ضرب جنوب تركيا، العربي الجديد، 6/02/2023، رابط مختصر: https://cutt.us/XjMyn

([7]) الدفاع المدني يطالب بفتح تحقيق دولي حول تأخر وصول المساعدات، 10/02/2023، راديو سوا، رابط: https://www.radioalkul.com/p462112/

([8]) الشبكة السورية: النظام السوري يستغل كارثة الزلزال لاستعادة العلاقات السياسية، تلفزيون سوريا، 21/02/2023، رابط مختصر: https://cutt.us/xzeVi

([9])  أصدر تحالف الإغاثة الأمريكي من أجل سوريا ARCS دراسة تتحدث عن قانونية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر الأمم المتحدة ومؤسساتها دون الحاجة لقرار من مجلس الأمن الدولي. للاطلاع على التقرير انظر الرابط:  http://bit.ly/3Ejbx6I

التصنيف أوراق بحثية

قدم الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية أيمن الدسوقي تصريحاً لجريدة عنب بلدي ضمن تقرير معمق بعنوان "على حساب الزلزال.. قرارات تشير لصفقة بين دمشق وواشنطن" تحدث فيه عن أسباب تأخر استجابة الأمم المتحدة لكارثة الزالزل في الشمال السوري، والمؤشرات على أن صفقة ما تم التوصل لها بين النظام السوري وأطراف أخرى، من خلال وساطة يُرجح الباحث أن الإمارات ورائها لأسباب عدة، وكيف أن النظام هو المستفيد الأول من هذه الصفقة.

 

للمزيد:http://bit.ly/3EWFWZV 

خلّف الزلزال الذي ضرب جنوب شرق تركيا وشمال غرب سورية، خسائر فادحة في العمران والإنسان، وبالوقت الذي تدافعت فيه العديد من الدول لتقديم مساعدات لتركيا، لم تقتصر على الدول الصديقة فقط، بل شملت تلك التي لها تاريخ حافل من العداء لأنقرة كاليونان وأرمينيا، لكن الاستجابة كانت ىدون المستوى المأمول ومتأخرة جداً لكارثة الزلزال في الشمال السوري، الذي يعاني أصلاً من شحّ البنى التحتية وضعفها جراء عمليات القصف والتدمير الممنهج من قبل النظام-، في ظل تهاون وتخاذل أممي في الاستجابة لكارثة الزلزال

تأخر إدخال المساعدات حتى اليوم الخامس من حدوث الزالزال، مما صعب المهام على فرق الإنقاذ والمنظمات المحلية للاستجابة، ورغم إمكانياتهم المتواضعة، قدم السوريون دروساً في التفاني والعمل، وصوراً من التضامن بالوقت الذي كانت فيه آلة النظام الإعلامية تهاجمهم.

دروس وعبر يجب البناء عليها لتطوير استجابات أكثر فعالية في المستقبل.

تجاهل أممي وتهرب من المسؤولية

تفاوتت الاستجابة الأممية والدولية لكارثة الزلزال في تركيا مقارنة بالشمال السوري، ففي حين كانت تتقاطر المساعدات وفرق الإنقاذ من دول عدة إلى مناطق الزلزال في جنوب تركيا، كانت المعابر المنفذ الوحيد للشمال السوري مغلقة أمام دخول المساعدات، لتتبلور صورة رمي اتهامات التقاعس بين عدة أطراف، وتلقي بمسؤولية تراخيها عن الاستجابة على أسباب لوجستية.

وعلى الرغم من المطالبات بفتح المعابر وإدخال آليات للمساعدة في عمليات الإنقاذ وانتشال الجثث من قبل فرق الانقاذ والأهالي، إلا أنها قوبلت بالتجاهل والإهمال من قبل الأمم المتحدة، التي يفترض أنها مسؤولة عن الأمن والسلام العالمي ومساعدة المنكوبين. بررت الأمم المتحدة تأخر استجابتها بأسباب لوجستية، ويبدو بأن ذلك كان مجرد غطاء ليس إلا، وعندما سنحت لها الفرصة لإدخال مساعدات، كانت عبارة عن شحنات مجدولة لما قبل حدوث الزلزال، ولم تتوافر على ما يعين على الاستجابة لكارثة الزلزال، بالوقت الذي كانت فيه قادرة على إيصال مساعدات لمناطق محاصرة تخضع لسيطرة النظام كما في حالة دير الزور أثناء قتال تنظيم “الدولة الإسلامية”.

في ظل تقاعس الأمم المتحدة وتأخر الاستجابة الدولية، اعتمد السوريون في الشمال السوري على أنفسهم وما توافر لديهم من موارد وإمكانيات، للتصدي لعبء الاستجابة لكارثة الزلزال، ريثما يتم تفعيل الاستجابة الأممية، حيث وضع الدفاع المدني آلياته وخبراته التي راكمها في إنقاذ ضحايا القصف الروسي ونظام الأسد، في انتشال الجرحى وإزالة الأنقاض، كما فعّلت العديد من المنظمات المحلية برامجها للاستجابة الإنسانية كالمنتدى السوري وملهم التطوعي وغيرهم، معلنين أيضاً عن حملات تبرع شارك فيها السوريون في مختلف دول العالم بكثافة.

مواجهة استثمار الأسد للكارثة

بدوره استغل نظام الأسد الكارثة التي حلت بالشمال السوري، عبر الترويج عن استعداده لتقديم مساعدات لهذه المناطق وفق شروطه، في تكرار لتعاطيه مع المناطق المحاصرة التي كانت تحت سيطرة المعارضة كما في الغوطتين الشرقية  والغربية وريف حمص الشمالي، ولم تتوانى آلته الإعلامية ومواليه عن كيل التهم للمنظمات المحلية العاملة في الشمال، متهمة إياها بالإرهاب والفساد وعدم المسؤولية.

ومنذ الأيام الأولى للزلزال، وظف نظام الأسد الكارثة، لاستجرار الدعم فقط لمناطقه، وكسر العزلة المفروضة عليه، زاعماً استعداده لنقل المساعدات الدولية للمناطق المنكوبة في شمال غربي البلاد، التي دمرتها قواته العسكرية قبل الزلزال.

وهنا تصدى كثير من السوريين لتفنيد ادعاءات النظام، وتفكيك أكاذيبه، والكشف عن فساد منظومته التي تسعى لاحتكار ملف الاستجابة لكارثة الزلزال، كما نظموا حملات إعلامية قادها نشطاء ومنظمات للضغط على الأمم المتحدة، اضطرتها بالنهاية للاعتذار عن تأخر استجابتها وخذلانها للشمال السوري، والبدء بتسيير شحنات من المساعدات لتلك المناطق، في درس يؤكد أن السوريين قادرين على الفعل وأخذ زمام المبادرة دونما الاقتصار على التشكي.

ختاماً، عانى الشعب السوري على مدى 11 عاماً من الآلام والقهر والخيبات، إلا أنه كان في كل مرة يثبت للعالم قدرته على صنع المعجزات ومواجهة أصعب المحن وحده بدون أي دعم أو مساندات مزيفة، وبقي يقاوم لإنقاذ أكبر عدد ممكن من ذويه وأهله الذين هجروا على يد نظام فاشي، على الرغم من أن العجز كان أكبر من أن يتم تجاوزه؛ لكن  نشاط السوريين وحدهك على دعم أهلهم المتضررين بطرق مختلفة تتناسب مع قدرة كل شخص ومؤسسة، بالتزامن مع التخلي الدولي عن الشمال السوري وتكاتف السوريين من خلال حملات مساعدات فردية ومؤسسية مثل قافلة المساعدات التي أرسلتها عشائر دير الزور وجمعت مابين آلم الغرب والشرق السوري.

ما حصل كان درساً جديداً يتعلمه السوريون في طريقة إدارة الأزمات، كما يجب الأخذ بهذه الدروس وأخذ الاحتياطات ومحاولة تغطية هذه الثغرة تحسباً لوقائع أخرى قد تحدث من كوارث طبيعية، من خلال محاولة استيراد معدات وتجهيزات خاصة بهذه الأزمات بدعم وتمويل ذاتي من أشخاص أو مؤسسات تعمل على الأرض، ومن ناحية أخرى يجب دعم الجهات المحلية التي أثبتت مصداقيتها بشكل تراكمي مع مرور سنين الثورة مما أعطاها فعاليةً كبيرة على الأرض وعرضها  لحملات تشويه منظمة يشنها نظام الأسد للتشكيك بأمانتها ولزعزعة الثقة بهذه المؤسسات.

 

المصدر: السورية نت

التصنيف مقالات الرأي

عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ندوة نقاشية قدمها الدكتور سمير العيطة بعنوان: "الاقتصاد السياسي في سورية في 2021" وذلك بتاريخ 31 تموز 2021، بمقر مركز عمران بمدينة اسطنبول - تركيا.

 

بدأت الندوة بمناقشة الاقتصاد السياسي السوري الراهن، كما تم مناقشة موضوع المعابر والمساعدات الإنسانية. و قراءة أثر الأزمة اللبنانية على الاقتصاد السياسي في سورية.

 

أما القسم الثاني من الندوة كانت جلسة نقاش مفتوحة تضمنت أسئلة واستفسارات الحضور للعرض الذي قدمه الدكتور سمير العيطة. 

التصنيف الفعاليات

يجدد الحديث عن إغلاق المعابر الحدودية في وجه المساعدات الإنسانية معاناة الشعب السوري التي لا تنتهي، وكأن الأزمات تتسابق فيما بينها أيها الأكثر فتكاً بهذا الشعب، في حين تتسابق الدول لأخذ حصتها من “القصعة” أو ما تبقى منها… بقليل من حفظ ماء الوجه عبر بضعة شعارات براقة أو قليل من الدبلوماسية، أو بكثير من التبجح واستغلال أعطيات المجتمع الدولي لها.

نقف اليوم كسوريين وحياتنا على المحك مجدداً، مترقبين من خلف الشاشات قراراً دولياً يخص حياة الملايين منا، بينما دور فاعلينا المحليين في انحسار، منتظرين ما يحدث في أروقة مجلس الأمن حيث يتفقون فيما بينهم أو يختلفون، يتفاوضون على أجزاء من أرضنا أو على امتيازات من ثرواتنا، أو حتى على أحقية منحنا الحق في الحياة من عدمه!، نتحول هناك بمعاناتنا اليومية إلى أرقام… كم منا سيموت أو يبقى بعد كل قرار –لا يهم أبداً كيف يبقى قدر ما يهم في أية خانة سيصنف-ولا يهم أن تحل المعضلة أو يحاسب الذي تسبب بها، المهم كيف يستمر التجاذب حول “إدارة الأزمة” وإطالة عمرها والتلاعب بانتقاء المصطلحات القانونية واستغلال عدم وجود وسائل إنفاذ في القانون الدولي.

فبعد القرار 2165 الصادر في 2014 (وتمديداته وتعديلاته: القرار 2191 عام 2014، القرار 2258 عام 2015، القرار 2332 عام 2016، القرار 2393 عام 2017، 2449 عام 2018، القرار 2504 عام 2020) حول تفويض مجلس الأمن لوكالات الأمم المتحدة وشركائها بآليات إيصال المساعدات الإنسانية العابرة للحدود إلى سورية عبر الحدود وخطوط التماس استثنائياً ودون موافقة النظام باستخدام أربعة معابر حدودية هي: في باب السلام وباب الهوى واليعربية والرمثا، تم تقليص هذه المعابر تدريجياً بفعل الضغوط الروسية والصينية لتقتصر بموجب القرار 2533 الصادر في 10/07/2020 (بعد عدة جولات تفاوضية) على معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا ولمدة عام واحد فقط.

و ها نحن على بعد أيام قليلة عن جلسة جديدة لمجلس الأمن ستعقد قبل العاشر من تموز، لتصوت خلالها الدول الخمسة عشر الأعضاء بما فيها الدول الخمس دائمة العضوية، على إمكانية تجديد القرار 2533، ودراسة مشروع أعدته إيرلندا والنرويج حول ذات الموضوع  باستخدام معبري باب الهوى واليعربية، وافقت عليه الدول العشر غير دائمة العضوية، بينما ترغب الولايات المتحدة بإعادة إضافة معبر السلامة إلى هذا المشروع،  وسط تخوف دولي من استخدام روسيا حق النقض (الفيتو) لتعطيل القرار، الأمر الذي أكده الرئيس الروسي ووزير خارجيته في لقاءات عدة موضحين أن روسيا تتجه نحو منع تجديد القرار، وحصر دخول المساعدات عن طريق “الحكومة السورية” حفاظا على “استقلالية سورية” وفقاً لما تبرر به روسيا موقفها.

 كارثة إنسانية-سياسية جديدة على الأبواب

ما يزيد عن 4 ملايين شخص يعيشون في الشمال السوري اليوم -معظمهم من الفارين من بطش روسيا والنظام أو المهجرين قسرياً فضلاً عن أهالي تلك المناطق- سيكونون مهددين بكارثة إنسانية بمجرد تعطيل هذا القرار، فمعبر باب الهوى يمثل “شريان حياة” وفقاً لتعبيرٍ أطلقته عشرات المنظمات الإنسانية السورية في بيان لهم حول مدى أهمية المعبر في إنقاذ حياة الناس في الشمال، أوضحت فيه اعتماد 75% من أصل 4.2 ملايين شخص من قاطني الشمال على المساعدات الإنسانية التي تأتي عبر الحدود، بينهم مليون طفل و2.4 مليون نازح ومهجر داخلي.

تقارير كثيرة تحدثت بالأرقام عن دور معبر باب الهوى في إيصال المساعدات الإنسانية للشمال السوري، والذي وصفته السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة بأنه: “حرفياً آخر ما تبقى…”، خاصة بعد إغلاق معبري اليعربية وباب السلامة، إذ تمر عبره 10 آلاف شاحنة سنوياً، ورغم أنها لا تغطي احتياجات الشمال السوري خاصة مع استمرار الصراع والقصف الروسي والتحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وفرص العمل النادرة والتي ستزداد صعوبة إذا خرجت المنظمات الدولية من الشمال، وخروج عدة قطاعات بشكل شبه كامل عن العمل، والكوارث التي لم تكن جائحة كورونا آخرها والحاجة الماسة لوصول اللقاحات والأدوية والمستلزمات الطبية لقطاع طبي هش أصلاً، يضاف إلى ذلك تهديد الأمن الغذائي والوصول إلى مصادر المياه  وارتفاع الأسعار وانخفاض إمكانية الوصول إلى عدد كبير من المخيمات بعد توقف المساعدات، كل ذلك سيؤدي لزيادة تدهور الوضع الاقتصادي والإنساني –المتدهور أصلاً- وقد يتسبب بارتفاع معدلات الجريمة والاختراقات الأمنية، كما سيؤدي إلى موجات لجوء جديدة مما يشكل تهديداً يتخطى الحدود السورية إلى دول الجوار وأوروبا، الأمر الذي تخشاه الدول أكثر بكثير من حدوث الأزمات المختلفة ضمن الحدود السورية.

وبالرغم من أن كل ما سبق يشكل تهديداً وجودياً حقيقياً،  إلا أن الكثير من التقارير تهمل جانباً آخر بالغ الأهمية تحاول روسيا ترسيخه من خلال تعطيلها القرار، حيث تفترض أن التعطيل سيمنع دخول المساعدات الإنسانية إلا عبر قنوات النظام، والفوائد الاقتصادية التي سيحققها من هذه العملية خاصة في ظل انهياره اقتصادياً وانخفاض قيمة عملته وسط تضخم الأسعار وعزلته والعقوبات المفروضة عليه ليست السبب الوحيد _وإن كان مهماً جداً لإنعاش النظام_، إذ تسعى روسيا لإعادة شرعنة النظام دولياً من خلال الاعتراف به كجهة رسمية وحيدة مخولة للتصرف في كل الشؤون السورية.

والخطورة في هذا ليست في اضطرار الدول والمنظمات للتعامل مع نظام الأسد وحسب، بل في أن النظام سيكون مسؤولاً عن تحديد آلية هذا التوزيع وتقييم الاحتياج وفرض مصطلحاته وتوصيفاته الجاهزة وفقاً لإيديولوجياته، إذ سيكون قادراً على تحديد من هو الشهيد ومن هو المستحق بناء على الولاء للنظام -منطلقاً من نظريته حول “سوريا المفيدة/المتجانسة” ربما- لا على الاحتياج الإنساني، وهذا ليس محض افتراض نتنبأ به، فقد سبق أن منع النظام سابقاً وصول مساعدات إنسانية إلى كل المناطق التي حاصرها.

ومن البداهة أن الذي يفرض حصاراً خانقاً على مدن كاملة، ويهجر نصف شعبه، ويعتقل كل من يخالفه، ويقتل بأعتى أنواع الأسلحة بما في ذلك المحرمة دولياً منها، لن يكون اليد الإنسانية الحانية التي توزع المساعدات الإنسانية بعدالة، خاصة إلى الشمال السوري الذي أضحى حاضنة لمعارضيه ومهجريه.

اللا اتفاق السياسي هو الحاكم

تؤيد معظم الدول الأعضاء حالياً في مجلس الأمن تجديد القرار، باستثناء روسيا والصين، من جهتها تحث الولايات المتحدة الدول الأعضاء على الموافقة على تجديد القرار وإضافة معبري باب السلامة واليعربية، وتحذر من الكارثة الإنسانية التي قد تحصل في حال تعطيل القرار منوهة إلى ضرورة التوقف عن جعل المساعدات الإنسانية قضية سياسية، أما روسيا التي تسعى لإعادة شرعية النظام دولياً بعد استعادته لكثير من الأراضي السورية التي خرجت عن سيطرته ومهزلة ما يُسمى بـ “الانتخابات الرئاسية” التي أقيمت صورياً وإفادته سياسياً واقتصادياً من حركة المساعدات الإنسانية عبر المعابر، أو استخدامها كورقة تفاوضية للحصول على امتيازات معينة من قبل الولايات المتحدة أو تركيا مقابل عدم استخدام الفيتو، فلا شيء لا يمكن أن تتفاوض عليه روسيا شريطة ضمان مصالحها، أما الصين التي استخدمت الفيتو ضد القرار العام الماضي، فهي أقل حدة من روسيا ولم يسبق أن استخدمت الفيتو في القضية السورية منفردة –على عكس روسيا- كما أنها لم تلوح باستخدام الفيتو هذا العام لكنها تطالب بتخفيف العقوبات المفروضة على النظام وبدخول مساعدات أممية عن طريق حكومة النظام.

أما عن سورية وتركيا، الدولتين المتأثرتين مباشرة بالقرار رغم تناقض موقف حكومتي أنقرة والنظام ووجود المعبر المفتوح تحت سيطرة المعارضة السورية التي تشكل طرفاً ثالثاً معنياً بالقرار، إلا أن التسوية الأمريكية الروسية وبشكل أقل التركية الروسية في التفاوض على هذا الملف هي ما سيحدد القرار النهائي، فهو قرار منوط بمجلس الأمن لا بقرارات هذه الدول، فقد تستمر تركيا بإدخال مساعدات إنسانية عبر معابرها الحدودية إلى مناطق المعارضة، لكن هذه المساعدات لن تغطي الاحتياجات الهائلة ل4 ملايين شخص ولن تغني عن المساعدات الدولية شيئاً.

السيناريوهات المحتملةتدلل المؤشرات السابقة وسلوك الدول المؤثرة في القرار على احتمال حصول أحد السيناريوهين التاليين:

تمرير القرار: وهذا يتطلب موافقة روسيا والصين أو امتناعهما عن التصويت، وهو أمر يخالف ما تصرح به روسيا على لسان رئيسها ورئيس وزرائها، إلا أنه لا يزال احتمالاً قائماً ويعتمد بشكل كبير على ما تقدمه الولايات المتحدة أو تركيا من مزايا لروسيا.

فالحديث عن هامش لقاء بايدن وبوتين الأخير، يحتمل إمكانية تفاوض روسيا على عدم استخدام الفيتو مقابل الحصول على امتيازات في شرق الفرات أو تخفيف العقوبات الأمريكية على النظام السوري، مستغلة بذلك عدم وضوح سياسة إدارة بايدن تجاه سورية، باستثناء التركيز على الملف الإنساني والبقاء العسكري شرق الفرات ومنع ظهور داعش.
إلى ذلك، فقد دعا وزير الخارجية التركي نظيره الروسي للقاء لم يُفصح عن نتائجه، إلا أن الأرجح أن قضية المعابر كانت من أهم محاور اللقاء.

وفي حال تمرير القرار هذا العام فسنكون أمام ذات الاحتمالات العام القادم وربما مع تقليل المدة أو فرض شروط إضافية (كما حصل خلال مفاوضات التمديد 2020)، الأمر الذي يتطلب منا -كسوريين أو معنيين بالشأن السوري- تفكيراً استراتيجياً أبعد، لنعرف ما هي خيارتنا للعمل على حلول أنجع من مراوحة المكان واستجداء التعاطف وتقديم التنازلات.

أما السيناريو الآخر في حال بقاء اللا اتفاق سيد الموقف فهو تعطيل القرار إذا أصرت روسيا على استخدم الفيتو، سواء شاركتها ذلك الصين أم لا، وهنا لن نكون أمام كارثة إنسانية وحسب، بل أمام تعطيل يرجح أنه طويل المدى ريثما تتفق الدول على مخرج أو تقدم تنازلات مقنعة لروسيا، خاصة أن أي مشروع قرار يوافق الرؤية الروسية لن يحظى بموافقة دول مجلس الأمن وقد يواجَه بفيتو أمريكي، كما لن يلقى ترحيباً من الدول الغربية أو المعنية بالشأن السوري أو الإنساني أو دول الجوار باستثناء حلفاء نظام الأسد.

ختاماً رغم الألم الذي يصاحب تحول الملف الإنساني في سورية إلى ملف للابتزاز السياسي تلوح به الدول بين حين وآخر لتحصل على امتياز هنا أو هناك – وهو ما صار من الثوابت في المشهد السوري-  خاصة حين نكون نحن وبلدنا ودماؤنا وقضيتنا ومستقبلنا أوراق الضغط تلك… إلا أن قساوة هذا المشهد غير الجديد على السوريين يجب ألا تلفتنا عن حقيقة واحدة؛ وهي أن لا حل لمأساتنا سوى ما يمكن أن ننتجه نحن من حلول تنموية استراتيجية، والتفكير بالحلول الممكنة قبل دنو الكارثة الإنسانية ونحن على أبوابها، الأمر الذي لن يكون سهلاً بالتأكيد في ظل الظروف الحالية الصعبة وشبه الحصار المفروض على كثير من المناطق وقلة الإمكانيات والظروف غير المستقرة، لكنه الحل واجب التطبيق حتى نتخلص من التبعية للقرار الدولي المتقلب حسب المصالح والسياسات المرحلية، مع استمرار التحشيد الدولي لقضيتنا بالطبع، والسعي لتقويض مساعي النظام بأن يعود بعد جرائمه المرتكبة على اتساع الجغرافيا السورية وصياً على حقوقٍ وأموالٍ لم يعطها يوماً للشعب يومَ كان تحت حكمه فكيف يعطيها لمن قاومه وخرج عليه!

 

المصدر: السورية نت

https://bit.ly/3wmyAaB 

التصنيف مقالات الرأي