خلّف الزلزال الذي ضرب جنوب شرق تركيا وشمال غرب سورية، خسائر فادحة في العمران والإنسان، وبالوقت الذي تدافعت فيه العديد من الدول لتقديم مساعدات لتركيا، لم تقتصر على الدول الصديقة فقط، بل شملت تلك التي لها تاريخ حافل من العداء لأنقرة كاليونان وأرمينيا، لكن الاستجابة كانت ىدون المستوى المأمول ومتأخرة جداً لكارثة الزلزال في الشمال السوري، الذي يعاني أصلاً من شحّ البنى التحتية وضعفها جراء عمليات القصف والتدمير الممنهج من قبل النظام-، في ظل تهاون وتخاذل أممي في الاستجابة لكارثة الزلزال
تأخر إدخال المساعدات حتى اليوم الخامس من حدوث الزالزال، مما صعب المهام على فرق الإنقاذ والمنظمات المحلية للاستجابة، ورغم إمكانياتهم المتواضعة، قدم السوريون دروساً في التفاني والعمل، وصوراً من التضامن بالوقت الذي كانت فيه آلة النظام الإعلامية تهاجمهم.
دروس وعبر يجب البناء عليها لتطوير استجابات أكثر فعالية في المستقبل.
تجاهل أممي وتهرب من المسؤولية
تفاوتت الاستجابة الأممية والدولية لكارثة الزلزال في تركيا مقارنة بالشمال السوري، ففي حين كانت تتقاطر المساعدات وفرق الإنقاذ من دول عدة إلى مناطق الزلزال في جنوب تركيا، كانت المعابر المنفذ الوحيد للشمال السوري مغلقة أمام دخول المساعدات، لتتبلور صورة رمي اتهامات التقاعس بين عدة أطراف، وتلقي بمسؤولية تراخيها عن الاستجابة على أسباب لوجستية.
وعلى الرغم من المطالبات بفتح المعابر وإدخال آليات للمساعدة في عمليات الإنقاذ وانتشال الجثث من قبل فرق الانقاذ والأهالي، إلا أنها قوبلت بالتجاهل والإهمال من قبل الأمم المتحدة، التي يفترض أنها مسؤولة عن الأمن والسلام العالمي ومساعدة المنكوبين. بررت الأمم المتحدة تأخر استجابتها بأسباب لوجستية، ويبدو بأن ذلك كان مجرد غطاء ليس إلا، وعندما سنحت لها الفرصة لإدخال مساعدات، كانت عبارة عن شحنات مجدولة لما قبل حدوث الزلزال، ولم تتوافر على ما يعين على الاستجابة لكارثة الزلزال، بالوقت الذي كانت فيه قادرة على إيصال مساعدات لمناطق محاصرة تخضع لسيطرة النظام كما في حالة دير الزور أثناء قتال تنظيم “الدولة الإسلامية”.
في ظل تقاعس الأمم المتحدة وتأخر الاستجابة الدولية، اعتمد السوريون في الشمال السوري على أنفسهم وما توافر لديهم من موارد وإمكانيات، للتصدي لعبء الاستجابة لكارثة الزلزال، ريثما يتم تفعيل الاستجابة الأممية، حيث وضع الدفاع المدني آلياته وخبراته التي راكمها في إنقاذ ضحايا القصف الروسي ونظام الأسد، في انتشال الجرحى وإزالة الأنقاض، كما فعّلت العديد من المنظمات المحلية برامجها للاستجابة الإنسانية كالمنتدى السوري وملهم التطوعي وغيرهم، معلنين أيضاً عن حملات تبرع شارك فيها السوريون في مختلف دول العالم بكثافة.
مواجهة استثمار الأسد للكارثة
بدوره استغل نظام الأسد الكارثة التي حلت بالشمال السوري، عبر الترويج عن استعداده لتقديم مساعدات لهذه المناطق وفق شروطه، في تكرار لتعاطيه مع المناطق المحاصرة التي كانت تحت سيطرة المعارضة كما في الغوطتين الشرقية والغربية وريف حمص الشمالي، ولم تتوانى آلته الإعلامية ومواليه عن كيل التهم للمنظمات المحلية العاملة في الشمال، متهمة إياها بالإرهاب والفساد وعدم المسؤولية.
ومنذ الأيام الأولى للزلزال، وظف نظام الأسد الكارثة، لاستجرار الدعم فقط لمناطقه، وكسر العزلة المفروضة عليه، زاعماً استعداده لنقل المساعدات الدولية للمناطق المنكوبة في شمال غربي البلاد، التي دمرتها قواته العسكرية قبل الزلزال.
وهنا تصدى كثير من السوريين لتفنيد ادعاءات النظام، وتفكيك أكاذيبه، والكشف عن فساد منظومته التي تسعى لاحتكار ملف الاستجابة لكارثة الزلزال، كما نظموا حملات إعلامية قادها نشطاء ومنظمات للضغط على الأمم المتحدة، اضطرتها بالنهاية للاعتذار عن تأخر استجابتها وخذلانها للشمال السوري، والبدء بتسيير شحنات من المساعدات لتلك المناطق، في درس يؤكد أن السوريين قادرين على الفعل وأخذ زمام المبادرة دونما الاقتصار على التشكي.
ختاماً، عانى الشعب السوري على مدى 11 عاماً من الآلام والقهر والخيبات، إلا أنه كان في كل مرة يثبت للعالم قدرته على صنع المعجزات ومواجهة أصعب المحن وحده بدون أي دعم أو مساندات مزيفة، وبقي يقاوم لإنقاذ أكبر عدد ممكن من ذويه وأهله الذين هجروا على يد نظام فاشي، على الرغم من أن العجز كان أكبر من أن يتم تجاوزه؛ لكن نشاط السوريين وحدهك على دعم أهلهم المتضررين بطرق مختلفة تتناسب مع قدرة كل شخص ومؤسسة، بالتزامن مع التخلي الدولي عن الشمال السوري وتكاتف السوريين من خلال حملات مساعدات فردية ومؤسسية مثل قافلة المساعدات التي أرسلتها عشائر دير الزور وجمعت مابين آلم الغرب والشرق السوري.
ما حصل كان درساً جديداً يتعلمه السوريون في طريقة إدارة الأزمات، كما يجب الأخذ بهذه الدروس وأخذ الاحتياطات ومحاولة تغطية هذه الثغرة تحسباً لوقائع أخرى قد تحدث من كوارث طبيعية، من خلال محاولة استيراد معدات وتجهيزات خاصة بهذه الأزمات بدعم وتمويل ذاتي من أشخاص أو مؤسسات تعمل على الأرض، ومن ناحية أخرى يجب دعم الجهات المحلية التي أثبتت مصداقيتها بشكل تراكمي مع مرور سنين الثورة مما أعطاها فعاليةً كبيرة على الأرض وعرضها لحملات تشويه منظمة يشنها نظام الأسد للتشكيك بأمانتها ولزعزعة الثقة بهذه المؤسسات.
المصدر: السورية نت