مدخل
يلقي هذا التقرير نظرة سريعة على التحولات التي يشهدها المجتمع المدني في سورية بعد تحرير المدن الرئيسة، ويستعرض دور المنظمات المحلية والدولية في تقديم الإغاثة وضمان استدامة الخدمات وسط تحديات إنسانية معقدة. ويركز على التفاوت في استجابات المنظمات بين المناطق المختلفة والعقبات التي تواجهها، بما في ذلك نقص التمويل وصعوبات التنسيق، مما يجعل المرحلة الراهنة اختباراً حقيقياً لقدرة المجتمع المدني على تلبية الاحتياجات العاجلة للمجتمعات المحلية([1]).
المجتمع المدني عشية سقوط الأسد: أسير التحكم والاستحواذ والفساد
منذ عملية ردع العدوان وحتى التحرير كانت العمليات العسكرية - من إدلب إلى حلب وحماة - تجري بوتيرة متسارعة، مع تناغم واستجابة فورية من منظمات المجتمع المدني التي تعمل منذ أكثر من عشر سنوات في مناطق شمال غرب سورية. وما إن تتحرر المدن حتى تدخلها قوات ضبط أمني، وتباشر المنظمات نشاطها بمخزون إغاثي موجود مسبقاً، ضمن خطط التمويل السابقة. استفادت هذه المنظمات من خبرتها المتراكمة خلال السنوات الماضية في تنظيم عملها المشترك، خاصة خلال الأزمات الكبرى، مثل القصف المستمر وحركات النزوح الجماعي، مروراً بأزمة زلزال فبراير 2023، وأزمة العائدين السوريين من لبنان. كما أسهمت الدورات التأهيلية المتواصلة في تطوير الكوادر البشرية، ما جعل القطاع المدني أحد القطاعات الأكثر نشاطاً في تلك المناطق.
أما في مناطق النظام السابق فقد كانت المنظمات والجمعيات متمركزة تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، التي اتسمت بالبيروقراطية واستنزفت الكوادر البشرية من خلال صبغتها الوظيفية التقليدية. كما ابتلعت شبكات الفساد البعد الإنساني للمجتمع المدني، مثل "الأمانة السورية للتنمية"، التي عملت في الظاهر على الحماية والإغاثة، لكنها في المضمون كانت أداة أمنية.
استندت الدولة إلى قانون الجمعيات لعام 1958 (القانون رقم 39 وتعديلاته لعام 1969)، الذي منحها سيطرة كاملة على المجتمع ومؤسساته. من أبرز قرارات هذا القانون دمج الجمعيات ذات الأنشطة المتشابهة في إطار واحد، مما قيّد حرية تأسيس جمعيات جديدة، رغم وجود مناطق جغرافية غير مغطاة. ومنح القانون الدولة الحق في حل الجمعيات دون اللجوء إلى القضاء، مما أتاح المجال لحلها تحت ذرائع مثل "تهديد أمن الدولة"، بناءً على ضغوط من وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والعسكرية عند دراسة طلبات الترشح. كما فرضت الوزارة شروطاً مشددة على مراقبة وتشبيك الجمعيات المحلية بمصادر التمويل الخارجية والداخلية، ما جعل العمل المدني خاضعاً بالكامل لسيطرة السلطة. بالإضافة إلى ذلك، صدرت قوانين أخرى للهيمنة على العمل المدني، مثل القانون رقم 33 لعام 1975، الذي منح الاتحادات العامة - كالاتحاد العام النسائي واتحاد العمال - حق احتكار الأنشطة الخاصة بمجالاتها. فعلى سبيل المثال، يحظر القانون تشكيل أي جمعية تُعنى بشؤون المرأة خارج مظلة الاتحاد العام النسائي، باعتبار ذلك انتهاكاً لأحكامه([2]).
احتكرت شبكات الفساد أيضاً فرص الحصول على الدورات والتأهيل المهني، فأصبحت هذه الفرص حكراً على المقربين من إدارات المنظمات. كما ضُيّقت فرص العمل الإنساني من خلال آليات توظيف تعتمد على الوساطات والعلاقات الشخصية مع المسؤولين والضباط. منذ عام 2011 استمر المجتمع المدني في مناطق النظام السابق في العمل بالنمط نفسه خلال كل أزمة إنسانية، رغم شح الموارد وضعف البنية المؤسسية للمنظمات والجمعيات.
وجدت سلطة دمشق نفسها في وضع إنساني متأزم بسبب بُعدها عن مناطق نشاط المنظمات المدنية، بالإضافة إلى غياب المنظمات الدولية ببرامج مستقلة عن الجمعيات المحلية، التي كانت خاضعة لسيطرة السلطة. ولم تتمكن الجمعيات المحلية من الانتقال بسرعة من خدمة النظام الحاكم إلى خدمة الشعب السوري، كما أن المخازن والمستودعات كانت شبه خالية نتيجة الاستنزاف المستمر للمساعدات وسرقة المعونات وبيعها في الأسواق. وغياب آليات المراقبة والتقييم زاد من تفاقم هذه الأزمة، ما جعل الوضع الإنساني أكثر هشاشة.
توزع المنظمات والجمعيات في مناطق النظام السابق (جغرافياً - قطاعياً)
بحسب تقديرات "الأوتشا" التي وثّقت الجمعيات والمنظمات العاملة تحت سلطة الحكومة السابقة، يوجد حوالي 120 منظمة تعمل في جميع المحافظات التي كانت تحت سيطرة "النظام السابق" حتى بداية عملية ردع العدوان. وتتضمن:
- مكاتب للأمم المتحدة وعددها 7، مثل صندوق السكان الإنمائي، واليونيسيف، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأغذية العالمية.
- منظمات دولية وعددها 7، منها المجلس الدنماركي للاجئين، والمجلس النرويجي للاجئين، ومنظمة الآغا خان.
- جمعيات سورية محلية وعددها 70 ، من بينها الأمانة السورية للتنمية ومنظمة الهلال الأحمر السوري.
- هيئات ومؤسسات خدمية تابعة لوزارات الدولة وعددها 8، تولت تنفيذ مشاريع المنظمات، ومنها وزارات الصحة، والتربية والتعليم، والتعليم العالي، والموارد المائية، مع إشراف دائم من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وهيئة شؤون الأسرة.
توزعت تغطية المنظمات حسب القطاعات كالتالي:
صنّفت حكومة نظام الأسد المنظمات التي تنفذ دورات تأهيل مهني ضمن فئة المنظمات العاملة في مجال "التعافي الاقتصادي المبكر"، في خطوة تهدف إلى الاستفادة من صندوق إعادة الإعمار. على سبيل المثال، البرامج التي كانت تُنفذ منذ وجود المفوضية العليا لشؤون اللاجئين قبل عام 2011، والتي كانت تُعرف سابقاً كبرامج حماية، أُعيد تصنيفها لاحقاً لتُدرج ضمن مشاريع التعافي المبكر.
كما اعتمدت الحكومة على جمعيات مدعومة كنسياً، مثل "بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس"([3])، التي لم تكن تُعرّف رسمياً برامجها على أنها تعافٍ مبكر، بل كانت تُدرج تحت مسمى "برامج سبل العيش". ومع ذلك، قدّمها نظام الأسد على أنها جزء من مشاريع التعافي المبكر([4]). إضافة إلى ذلك، شملت هذه الجهود مؤسسات مثل "قرى الأطفال"، التي ركزت برامجها على حماية الأطفال وتعليمهم. ومع ذلك تم دمج برامجها ضمن مشاريع التعافي المبكر، في محاولة لتعزيز فرصها بالحصول على دعم مالي إضافي عبر هذا التصنيف.
توزعت تغطية المنظمات حسب المحافظات كالتالي([5]):
سجلت "الأوتشا"، المسؤولة عن تنسيق المعلومات الإنسانية، وجود 15 منظمة في مناطق عفرين، الباب، إعزاز، والدانا. لكن اللافت أن العديد من هذه المنظمات لم تكن موجودة فعلياً على الأرض، مثل: "الهلال الأحمر السوري"، و"الجمعية الملائكية لأنيس سعادة"، و"جمعية الرجاء للمعاقين وكبار السن"، و"جمعية البتول"، و"شباب دمر"، و"بطريركية الروم الأرثوذكس"، و"مؤسسة إحسان الخيرية"، و"الجمعية السورية لتنظيم الأسرة".
بعد تحرير حلب: سرعة الاستجابة
مع بداية تحرير مدينة حلب، سارعت المنظمات إلى دخول المناطق فوراً بعد انتهاء العمليات العسكرية وخلو المدن من المعارك. على سبيل المثال، دخلت منظمات شمال غرب، مثل "إحسان"، و"بنفسج"، و"بنيان"، وغيرها من المنظمات العاملة في مجالات الإغاثة، بالإضافة إلى منظمات طبية مثل "سامز" والدفاع المدني، التي قدمت خدمات طبية إسعافية.
تميزت المناطق المحررة الأولى بسرعة الاستجابة، وتم التركيز فوراً على استدامة الخدمات. وعملت فرق الدفاع المدني والمنظمات على إعادة افتتاح الأفران والمحلات التجارية، بينما شجعت غرفة العمليات العسكرية السكان على استئناف أعمالهم. في الوقت نفسه، تولّت وزارة التنمية التابعة لحكومة الإنقاذ مسؤولية توزيع المنظمات حسب المناطق، مع إجراء عمليات رصد سريعة للاحتياجات، مما ساهم في تنظيم توزيع الإغاثة ومنع العشوائية.
اختفت الجمعيات والمنظمات التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية عن المشهد في حلب حتى وصول قوات ردع العدوان إلى مشارف دمشق. ورغم رصد ما يقارب 50 منظمة محلية في حلب، مثل "جمعية الرجاء لذوي الإعاقة"، و"جمعية البر والإحسان الخيرية"، و"جمعية بكرا أحلى للتنمية"، و"البطريركية اليونانية الأرثوذكسية"، و"جمعية تنظيم الأسرة"، فإن نشاطها كان محدوداً. لم تبدأ هذه الجمعيات العمل إلا بعد تحرير دمشق، فقد أعادت بعض المنظمات فتح خدماتها الطبية، حتى العاجلة منها، مثل "جمعية البر والإحسان الخيرية في حلب"([6]) .
بعض الجمعيات انتظرت تحرير كامل سورية قبل أن تعاود نشاطها بالحد الأدنى من خلال إكمال مشاريع كانت قائمة عليها مسبقاً، دون تجديد الاحتياجات، مثل منظمة DOOR”"([7]). كما علّقت منظمات دولية، كانت شريكة مع صندوق الأمم المتحدة، نشاطاتها حتى إشعار آخر، مثل "منظمة المعهد الأوروبي للتعاون والتنمية"([8]). وكان الدافع وراء هذا التأخير ارتباط هذه الجمعيات بشكل مركزي بالوزارة، وعجزها عن العمل باستقلالية إلا ضمن الأوامر والتعميمات الصادرة عن الوزارات. كما أن بعضها كان مرتبطاً بشكل مباشر أو غير مباشر بـ"الأمانة السورية للتنمية"، التي شهدت نشاطاً كثيفاً في حلب خلال السنوات الأخيرة. وأقدمت "الأمانة السورية للتنمية" على حذف صفحتها الرسمية على فيسبوك، مما أدى إلى مسح تاريخها المؤرشف الذي يوثق دعمها للنظام السابق وتمويله. لاحقاً، اختفت "الأمانة" عن الساحة كمكاتب وموظفين ومتطوعين.
بعد تحرير دمشق: التحفظ سيد الموقف
كان الوضع في دمشق أسوأ مقارنة ببقية المحافظات لتوفر الخدمات والإغاثة. واعتمدت السلطة سياسات ممنهجة لإذلال السكان وتجاهل احتياجاتهم ومعاناتهم مع الفقر. ورغم ذلك، كان هناك عدد قليل من المنظمات ذات المشاريع والبرامج الدائمة، وبلغ عددها 70 منظمة مسجلة وعاملة في المدينة وريفها، وفق بيانات مكتب الأمم المتحدة.
يوضح الجدول أدناه بعض المنظمات العاملة في دمشق حتى نهاية شهر تشرين الثاني 2024([9]):
إلى جانب هذه المنظمات، هناك جمعيات ومنظمات أخرى لم تُسجَّل ضمن قوائم مكتب الأمم المتحدة، ويزيد عددها عن 150 منظمة وجمعية محلية ومبادرة تطوعية برعاية منظمات محلية. اختلفت مواقف هذه الجمعيات في التفاعل مع الأحداث الجارية، إذ فضّلت بعض الجمعيات الصمت تجاه ما حدث، حتى بعد تحرير دمشق بأسبوع، على سبيل المثال، "اتحاد الجمعيات الخيرية بدمشق"، الذي ينضوي تحت مظلته عدد من الجمعيات الخاضعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، اكتفى بنشر أخبار عن اجتماعاته مع وزارة التنمية التابعة لحكومة الإنقاذ دون أن يكون له دور ملموس على الأرض حتى تاريخ 17 كانون الأول"([10]).كذلك كان موقف "بصمة شباب سورية"، وهي مجموعة شبابية منظمة كانت تدعم قوات الدفاع الوطني والجيش السوري من خلال حملات تبرعات لعائلات الجنود في جميع المحافظات السورية([11])، وقد حذفت مؤخراً المنشورات التي توثق دعمها السابق للعمليات العسكرية التي نفذها الجيش السوري للنظام المخلوع، واكتفت بنشر بيانات على صفحتها حول إدارة العمليات العسكرية منذ لحظة تحرير دمشق، دون أن تعاود نشاطها على الأرض([12]).
من جهة أخرى، أبدت بعض الجمعيات مواقف صريحة منذ يوم تحرير دمشق، وقدمت تهانيها علناً، وطلبت مساعدات وتبرعات أهلية للاستمرار في عملها. على سبيل المثال، "الجمعية الخيرية لإغاثة المحتاجين بدوما"([13]). بينما نفذت جمعيات أخرى، مثل "جمعية ارتقاء التنموية الخيرية"، حملات نظافة للمدن، معتمدة على فرق شبابية لتنظيف الشوارع في ظل توقف خدمات البلدية وتعطل الموظفين عن العمل([14]). كما عملت بعض الجمعيات منذ تحرير دمشق على توزيع سلال إغاثية بالتعاون مع منظمات من شمال غرب سورية. على سبيل المثال، كان هناك تنسيق بين "منظمة المنتدى السوري" و"جمعية الندى"([15]). في المقابل، استمر قسم آخر من الجمعيات في تقديم خدماتها الطبية وفتح عياداتها مجاناً منذ يوم تحرير دمشق، مثل "جمعية الشباب الخيرية"([16]).
الاستجابات الدولية: استعدادات والتزامات
تفاعلت مجموعة من الدول والمنظمات الدولية مع التطورات في المشهد الإنساني، وأبدت مواقف داعمة للمتطلبات الإنسانية والاستقرار، نذكر منها:
- الأوتشا: أكدت خلال اجتماعها مع المنظمات السورية المحلية على استمرار الدعم الإنساني والتنموي وضرورة الوصول إلى كل المناطق سواء عبر الحدود أو عبر خطوط التماس، مع أهمية التخفيف من البيروقراطية وتحديد خارطة طريق للإنتقال التدريجي. كما أنشأ المكتب مجموعات العمل لكل منطقة لتحسين آلية التنسيق بما في ذلك الموافقة على تأسيس مجموعة عمل لتقييم الاحتياجات.
- بريطانيا: التزمت بإرسال 50 مليون جنيه إسترليني لدعم سورية، مع التركيز على برامج حقوق الإنسان، مع تأكيدها على أهمية "بيان العقبة"([17]).
- منظمة أوكسفام: أوقفت مؤقتاً جميع برامجها في سورية بسبب التصعيد والتغيرات الميدانية. ومع ذلك، أكدت التزامها باستئناف العمل لدعم السوريين الأكثر عرضة للخطر فور وضوح سبل الوصول وضمان سلامة موظفيها وشركائها([18]).
- بيدرسون: خلال اجتماعه مع الحكومة المؤقتة في دمشق، شدد على ضرورة تقديم مساعدات لدعم الخدمات الأساسية ومشاريع التعافي المبكر([19]).
- قطر الخيرية: أرسلت 40 شاحنة كدفعة أولى من المساعدات، تضمنت دقيقاً، وسلالاً غذائية، ومواد غير غذائية، ومستلزمات طبية. وبلغت التكلفة الإجمالية لهذه المساعدات حوالي 4.5 مليون ريال قطري([20]).
- منظمة هالو تراست لإزالة الألغام: حذرت المنظمة في تقريرها من الحاجة الماسة إلى جهود دولية لإزالة ملايين الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة. وأشار "داميان أوبراين"، مدير برنامج المنظمة في سورية، إلى أن الألغام تشكل خطراً كبيراً على حياة مئات الآلاف من العائدين السوريين، وأكد التقرير أن المنظمة لديها حالياً 40 موظفاً، لكنها بحاجة إلى تمويل لتوظيف وتدريب 100 موظف إضافي، مع الإشارة إلى أن عدد ضحايا انفجارات الألغام تجاوز 200 شخص([21]).
- الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر: خصص الاتحاد مليون فرنك سويسري لسورية من خلال صندوق الطوارئ للاستجابة للكوارث، عقب التصعيد الأخير في الشمال. كما قام بإعداد مستودعاته ومراكزه اللوجستية لزيادة عمليات تسليم المساعدات ودعم الجهود الإنسانية في هذا السياق الجديد([22]).
تحديات مركبة تعيق الحركة والفاعلية
تصنف التحديات إلى مستويات عدة، جزء منها مستمر من قبل الثورة وخلالها، ومنها مرتبط بمتطلبات المرحلة:
إشكاليات التمويل:
- ما يزال هناك غياب لتوجهات تمويلية دولية تدعم دخول المنظمات المحلية إلى دمشق والجنوب، ويرجع ذلك إلى موقف الأمم المتحدة ومكاتبها التي ترتبط بتصنيفات الإرهاب.
- الاعتماد على الموارد المتوفرة والتبرعات الفردية والأهلية يحد من استمرارية العمل وضمان وجود مخزون احتياطي للاستجابة. ومنذ تاريخ 10 ديسمبر، بدأت بعض المنظمات، مثل "بنفسج"، "بنيان"، "ملهم"، و"المنتدى السوري"، بالتوجه إلى دمشق للتنسيق من أجل افتتاح مكاتب لها.
إشكاليات مرتبطة بالاحتياج:
- تواجه المنظمات المحلية صعوبة في دخول مناطق الشمال والوسط المحررة وتلبية الاحتياجات الكبيرة فيها، إذ تتطلب هذه المناطق إغاثة عاجلة نظراً لتحررها مؤخراً من سيطرة النظام.
- تعاني دمشق من غياب كامل للجمعيات المحلية باستثناء "الهلال الأحمر السوري"، الذي بدأ توزيع مساعدات محدودة في حلب بعد تحريرها بيومين. كما أطلق حملة طوارئ في دمشق لتقديم الرعاية الصحية والطبية للمعتقلين، ولكن دون وجود أي جهة قانونية أو توثيقية لدعم هذا الجهد حتى الآن.
إشكاليات متعلقة بالتنظيم:
- غياب مظلة واحدة أو جهة تنسيقية متوافق عليها من أطياف المجتمع المدني كافة، أدى إلى انغلاق المنظمات على بعضها بعضاً، في ظل تدني مستويات الثقة فيما بينها، خصوصاً بين المنظمات العاملة شمال غرب سورية وتلك التي كانت تحت مظلة الشؤون الاجتماعية والعمل.
- برزت المبادرات التطوعية المحلية في دمشق في شكلين:
- جهود شبابية: تنظمها لجان ترتبط بالأحياء وتعمل على تنظيف الشوارع وتحسين البيئة المحلية وهي تشكلت سريعاً وتحتاج هيكلة وتأطير لتحقق استمرارية في العمل([23]).
- فرق تطوعية سابقة: كانت تعمل سابقاً بتمويل من المنظمات الدولية في دمشق ضمن مشاريع مؤقتة، لكنها الآن تعمل بشكل تطوعي وبإمكانات محدودة. وتقتصر خدماتها الحالية على برامج الدعم النفسي والرعاية الطبية باستخدام الأدوات المتوفرة لديها.
ختاماً
شهد المجتمع المدني في سورية تنوعاً في الشكل والتأثير بين أزمة وأخرى، إذ تطور وتوسع في أماكن، واندثر أو انصهر في أماكن أخرى، وبرز جلياً في بعض الأوقات. ورغم تعثر مسيرته حتى الآن في طريق العمل بشكل منظم وفق خطة استراتيجية ورؤية محلية شاملة، نجد في كل مرة فرصة جديدة لإعادة اكتشاف مساحاته والتعرف على فاعلين جدد انضموا إليه من مسارات متنوعة.
تمكن المجتمع المدني السوري، في معظمه، من ابتكار أشكال جديدة للاستجابة في أوقات الأزمات. ورغم أنه لم يرتقِ إلى مستوى المشاركة في صنع القرار السياسي، فإنه استطاع سد فراغ الدولة في تقديم الخدمات والتوعية في العديد المناطق الجغرافية. لكن في مناطق أخرى، قيّدت السلطة حركته وصادرت نشاطاته، وطوّعته ليصبح أداة تخدم مصالحها.
تجاوز المجتمع المدني السوري - في الجزء الأكبر منه، وهو المنظمات - الثنائية التقليدية بين الدولة والمجتمع، وساهم في تقديم صورة عن سورية بتنوع مناطقها، وابتكر أدوات ومفاهيم خاصة به. ومع ذلك، غلبت عليه سمة التبعية لسياسات التمويل، إما وفق النظرة الدولية للطوارئ والأزمات في دول الصراع، أو لسياسات السلطات المتواجدة على الأرض. ورغم ذلك، ظهرت هوامش محدودة مكّنت من تكييف بعض البرامج الأممية لتلبية الاحتياجات المحلية، بعد صراعات كبيرة بين المنظمات الدولية والمحلية للوصول إلى توازن بين الأجندات الدولية ومتطلبات المجتمع. في المقابل، كانت هذه الخيارات معدومة في مناطق النظام السابق، فقد سيطرت السلطة الأمنية بشكل كامل، وبقبضة محكمة، على المجتمع وأفراده وجماعاته ومؤسساته. ومنذ عام 2011 وحتى عام 2020، غلب الشكل المنظماتي والجمعياتي على هوية المجتمع المدني. ومع تراجع المساعدات الدولية وتفاقم الفقر في السنوات الأربع الأخيرة، ظهرت مبادرات أهلية قادها أبناء المناطق من خلال التبرعات والتمويل الفردي لسد فجوات نقص الخدمات وتلبية الاحتياجات المتزايدة. ساهم كل ذلك في رسم مشهد حركية المجتمع المدني إلى جانب وجود أشكال نقابية متفرقة لعبت دوراً محدوداً، بينما تراجعت الأنشطة الثقافية المدنية بشكل ملحوظ حتى كادت تختفي.
وعليه وبعد فهم واقع عمل المنظمات في عموم سورية ينبغي التعامل بجدية وكفاءة مع التحديات المتعددة في المشهد السوري للقيام بأعباء وطنية تسهم في تحسين معدلات الاستقرار والتنمية.
([1]) يستند هذا التقرير على منهجية علمية ترتكز على الملاحظة المباشرة، ورصد الفعاليات والأنشطة الموثقة على المعرفات الرسمية للمنظمات. كما يشمل تحليل البيانات والتصريحات الرسمية الصادرة محلياً ودولياً، والمتعلقة بالدعم والاستجابة خلال الأيام الأولى من التحرير.
([2]) لا مجال لتنفس القطاع الحكومي ،النشاط في مجال حقوق الإنسان في سورية ، لجنة حقوق الإنسان، أكتوبر ،2007،ص 16-22.
([3]) دائرة العلاقات المسكونية والتنمية، بطريكة أنطاكية للروم الأرثوذكس،منشور على فيس بوك، تاريخ النشر 9 نوفمبر 2024،تاريخ المعاينة 21 كانون الأول، 2024، https://2u.pw/GS0CSZzt .
([4]) SYRIAN ARAB REPUBLIC, UNOCHA Syria Hup, 10-2024, https://2u.pw/puWAf7mj.
([5]) الأوتشا، المنظمات الفاعلة حتى شهر تشرين الثاني 2024، https://2u.pw/puWAf7mj.
([6]) جمعية البر والإحسان الخيرية، منشور على فيس بوك، تاريخ النشر 18-12-2024، تاريخ المعاينة 21- 12 -2024 ، https://2u.pw/Xya7NbIb.
([7])منظمة دور ،إعلان استقطاب، منشور على فيس بوك،ن شر بتاريخ 18-12-2024، تمت معاينته بتاريخ 21-12-2024، https://2u.pw/ZYYoYcRA .
([8]) منظمة المعهد الأوربي للتعاون والتنمية، منشور على فيس بوك، تاريخ النشر 1-12-2024، تاريخ المعاينة 22-12-2024 https://2u.pw/6eWQmG6g .
([9]) الأوتشا، المنظمات الفاعلة حتى شهر تشرين الثاني 2024، https://2u.pw/puWAf7mj .
([10]) اتحاد الجمعيات الخيرية بدمشق -صندوق العافية، منشور على فيس بوك، تاريخ النشر 15-12-2024، تاريخ المعاينة: 22، 12، 2024 https://2u.pw/rGNZSsl0 .
([11]) ايفانا ديوب: "من فعاليات بصمة شباب سورية في محافظات الوطن"، سيريا ديلي ،9-8-2014، https://2u.pw/jpKTX7no .
([12]) بصمة شباب سورية، منشور على فيس بوك، تاريخ النشر 8-12-2024 تاريخ المعاينة 22-12-2024 ، https://2u.pw/0yWbVQmp .
([13]) الجمعية الخيرية لإغاثة الملهوف بدوما، منشور على فيس بوك، تاريخ النشر، 16-12-2024، تاريخ المعاينة 22-12-2024 https://2u.pw/2kfWPBIK .
([14]) جمعية ارتقاء التنموية الخيرية، منشور على فيس بوك، تاريخ النشر 10-12-2024، تاريخ المعاينة 22-12-2024 https://2u.pw/XNVXZSFG .
([15]) جمعية الندى، منشور على فيس بوك، تاريخ النشر 17-12-2024، تاريخ المعاينة 22-12-2024 https://2u.pw/kjNF75oT .
([16]) جمعية الشباب الخيرية، منشور على فيس بوك، تاريخ النشر، 8-12-2024 ، تاريخ المعاينة 22-12-2024 https://2u.pw/IPFHxEma .
([17]) المملكة المتحدة تقديم دعم جديد لمساعدة السوريين، الخارجية البريطانية، بيان صحفي،15-12-2024، https://2u.pw/Bi0VALL5 .
([18]) Oxfam is committed to recommence aid delivery to Syrians as soon as the situation allows Oxfam,، ،9-12-2024، https://2u.pw/KiGaZoQS .
([19]) نص كلمة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية جير بيدرسن، الأمم المتحدة، 15-12-2024 ، https://2u.pw/TBhSLM8e .
([20]) As part of its "Reviving Hope" campaign: Qatar Charity Sends Urgent Humanitarian Aid Convoy to the Syrian People Syria relief, ، 15-12-2024 https://2u.pw/Xq5gyMi0 .
([21]) THE HALO TRUST,SO MANY PEOPLE ARE WALKING INTO SYRIAN MINEFIELDS15-12-2024 , https://2u.pw/2ZNXwxWg.
([22])الاتحاد الدولي يقف إلى جانب الشعب السوري ، الاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر، بيان صحفي، 13_12_2024 https://2u.pw/0nqxIFJe .
([23]) مبادرة فردية لتنظيف شوارع دمشق، تلفزيون سوريا، تاريخ النشر 12-12-2024، تاريخ المعاينة 21-12-2024 https://2u.pw/3ZD4OPgh.