الملخص التنفيذي
تغطي هذه الإحاطة التطورات الاقتصادية في سورية خلال شهر آب، وتستعرض أبرز القرارات والاتفاقيات والتحركات الحكومية والخاصة. يمكن تلخيص المشهد الاقتصادي خلال هذا الشهر في ثلاث سمات رئيسية:
- إصلاحات مالية ونقدية: تم إعداد موازنة 2026 برؤية تركز على الصحة والتعليم وتحسين الأجور، مع وعود بزيادات إضافية للرواتب. وأطلقت مسودة قانون مالي جديد، وإجراءات مصرفية تشمل تأسيس "هيئة ضمان الودائع"، إصدار عملة جديدة (مع حذف صفرين)، وألغيت قيود على نقل الأموال والسحوبات.
- انفتاح اقتصادي واستثماري خارجي: تم توقيع اتفاقيات مع تركيا، الأردن، لبنان، والسعودية، إلى جانب صفقات مع شركات عالمية (نوكيا، غوغل، CMA CGM)، وأطلقت مشاريع استثمارية كبرى بقيمة 14 مليار دولار (مطار دمشق الدولي، مترو دمشق، أبراج سكنية وتجارية). وعادت المعارض الدولية (معرض دمشق الدولي، موتوريكس)، بما يرمز إلى إعادة إدماج سوريا اقتصادياً.
- اعتماد متزايد على الخارج في الطاقة والغذاء: تم استيراد الغاز والكهرباء من أذربيجان وتركيا، وخطط لاستيراد الكهرباء من مصر بدءاً من 2029. وعرضت مناقصات لاستيراد القمح بعد تراجع الإنتاج المحلي 40% بسبب الجفاف. وارتفعت أسعار السلع الأساسية بنسبة 15%، ما يعكس هشاشة الأمن الغذائي وتداخل الأزمة النقدية مع التضخم.
- تكشف التطورات التي رُصدت خلال شهر آب عن مشهد اقتصادي سوري يتسم بالتناقض بين طموحات كبرى من جهة، وواقع هش ومعقد من جهة أخرى. فمن ناحية، تحاول الحكومة إبراز صورة جديدة لسورية كبيئة استثمارية منفتحة وجاذبة، قادرة على استعادة ثقة الشركاء الدوليين، وذلك عبر المعارض الدولية، الاتفاقيات الاستثمارية، والانفتاح على شركات عالمية مثل نوكيا وغوغل
تأتي هذه الإحاطة في سياق تحولات اقتصادية وسياسية متسارعة تشهدها سورية بعد رفع العقوبات الدولية عنها خلال شهري أيار وحزيران 2025، حيث برزت خلال شهر آب سلسلة من الأخبار والإعلانات الحكومية والخاصة التي تغطي قطاعات متعددة: المالية، النقدية، التجارة، الطاقة، الاستثمار، التكنولوجيا، الغذاء، والعلاقات الإقليمية.
ما يميز هذه المرحلة أنها لم تعد تقتصر على إجراءات محلية داخلية مثل رفع الرواتب أو تعديل القوانين المالية، بل باتت مرتبطة بشكل وثيق بانفتاح خارجي واسع مع تركيا، والأردن، والسعودية، وقطر، وحتى شركات عالمية مثل نوكيا وغوغل. يعكس هذا الانفتاح مسعى الحكومة السورية لإعادة إدماج اقتصادها في السوق الإقليمية والدولية، في الوقت الذي تسعى فيه إلى معالجة التحديات الداخلية من تضخم، ضعف البنية التحتية، وهشاشة الأمن الغذائي.
المالية والموازنة العامة
- تخصيص 10 ملايين دولار لحملة "أبشري حوران".
- الموازنة العامة 2026: تركيز على الصحة والتعليم، ومكافحة الفساد، وزيادة الرواتب. وأهدافها: حوكمة، وعدالة اجتماعية، واستثمار خاص، وإصلاح الأجور.
- تعديل مرتقب لأسعار الكهرباء وإلغاء ضريبة الاستهلاك.
- إعداد مسودة قانون مالي عصري.
- زيادات مرتقبة على الرواتب والأجور.
كشفت القرارات المتخذة من قبل وزارة المالية محاولة رسم صورة إصلاحية شاملة، حيث يجري التركيز على إعداد موازنة 2026 ضمن رؤية تقوم على توجيه الإنفاق نحو قطاعات الصحة والتعليم، ومكافحة الفساد، وتحسين الرواتب. ما يلفت النظر هو الجمع بين التوسع في الإنفاق الاجتماعي وبين الحديث عن ترشيد العجز المالي، وهي معادلة صعبة في ظل محدودية الإيرادات العامة. إضافةً لذلك، الحديث عن إلغاء الضريبة على استهلاك الكهرباء للصناعة يفتح الباب أمام دعم قطاع الإنتاج الصناعي، لكنّه قد يقلّص الموارد المالية، مما يزيد من تحدي تمويل الموازنة. المُلفت أيضاً هو الإشارة إلى وجود "زيادات قادمة" في الرواتب، ما يشير أن الحكومة تراهن على تعزيز القدرة الشرائية وامتصاص حالة السخط الاجتماعي، ولو كان ذلك على حساب زيادة الكتلة النقدية وضغوط التضخم. أما الحديث عن "مسودة قانون مالي عصري" فهو مؤشر على توجه الحكومة لتأطير الإصلاح ضمن بنية تشريعية جديدة، بما يوحي بمحاولة استعادة الثقة بين الدولة والمجتمع وقطاع الأعمال.
السياسة النقدية والمصرفية
- دخول قرارات الرئيس ترامب لرفع العقوبات حيز التنفيذ.
- تأسيس "هيئة ضمان الودائع".
- إعلان العملة الجديدة (الليرة الجديدة) مع حذف صفرين.
- إلغاء القيود على نقل الأموال بين المحافظات.
- رفع سقف السحب الآلي الأسبوعي إلى 600 ألف ليرة من قبل المصرف التجاري السوري.
- نجاح شركة "بلدنا" بتحويل مالي عبر "سويفت".
تعبر الأحداث الواردة في هذا المحور عن محاولة لإعادة بناء الثقة بالنظام المصرفي بعد رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية. ويعد تأسيس "هيئة ضمان الودائع" خطوة أساسية لحماية المودعين، لكنها أيضاً إشارة إلى أن المصرف المركزي يعي حجم الهشاشة في الثقة المجتمعية بالمصارف المحلية. ويندرج إعلان العملة الجديدة وحذف صفرين منها في إطار إصلاح محاسبي ورمزي أكثر من كونه إصلاحاً اقتصادياً جوهرياً، إذ لا يغير من القوة الشرائية للعملة، لكنه يُقدّم كرسالة سيادة واستقلال مالي بعد سقوط نظام الأسد. في المقابل، يمثل إلغاء القيود على نقل الأموال بين المحافظات ورفع سقف السحب الآلي محاولة لتسهيل الدورة الاقتصادية وتنشيط السوق، لكنهما ينطويان على مخاطر تتعلق بزيادة السيولة النقدية خارج السيطرة. أما نجاح شركة "بلدنا" بتحويل مالي عبر نظام "سويفت" بعد سنوات من العزلة، فهو مؤشر على عودة جزئية للاندماج في النظام المالي العالمي، ويُعتبر أهم تطور عملي لأنه يفتح نافذة على استعادة قنوات التمويل والتحويل الرسمية. تعكس هذه الأخبار مجتمعةً أن السياسة النقدية السورية تحاول أن تجمع بين الإصلاح الشكلي (رمزية الليرة الجديدة) والإصلاح العملي (إعادة وصل قنوات التحويل العالمية)، لكن ما يزال التحدي الأكبر هو ضبط التضخم والحفاظ على استقرار سعر الصرف.
الطاقة والكهرباء والنفط
- اتفاقيات مع شركات سعودية في مجالات النفط والكهرباء.
- اتفاقية شراء 100 ميغاواط كهرباء شمسية من شركة سورية تركية.
- وصول الغاز الأذري لمحطة جندر بريف حمص.
- خطة شاملة لإعادة هيكلة قطاع الطاقة وتأسيس شركات قابضة.
- زيارة وزير الطاقة محمد البشير إلى العراق لبحث إعادة تشغيل خط كركوك – بانياس.
- تركيا تستعد لتصدير 900 ميغاواط كهرباء إلى سورية بداية العام 2026.
- حملة إصلاح واسعة لإعادة تشغيل المحطات.
- مصر تخطط لتصدير الكهرباء إلى سورية بدءاً من 2029.
- شركة "سوكار" الأذربيجانية تعلن تصدير 1.2 مليار متر مكعب غاز سنوياً إلى سورية عبر تركيا.
اتبعت الحكومة السورية ديناميكية جديدة في قطاع الطاقة، قائمة على تنويع الشراكات والانفتاح على مصادر إمداد متعددة (سعودية، تركية، أذربيجانية، مصرية، إضافةً إلى التعاون مع العراق). من اللافت أن العقود لم تقتصر على مشاريع قصيرة الأمد، مثل استيراد الغاز أو شراء الكهرباء، بل شملت أيضاً مباحثات لإعادة تأهيل خط كركوك–بانياس، وتأسيس شركات قابضة في مجالي النفط والكهرباء على غرار "أرامكو" و"قطر للبترول"، بما يعكس طموحاً لإعادة هيكلة القطاع على المدى الطويل.
في المقابل، أبرزت التصريحات المتكررة عن وصول الغاز الأذري وتحسن الإنتاج، عن تناقض مع الواقع الميداني حيث يستمر انقطاع الكهرباء وتدني المردود، ما يبرز الفجوة بين الخطاب الرسمي والأداء الفعلي. كذلك، يكشف التوجه المصري لتصدير الكهرباء إلى سورية ابتداءاً من 2029 أن الحكومة السورية تراهن على حلول خارجية بعيدة الأمد، بينما يبقى الداخل مثقلاً بعجز هيكلي. تعكس هذه الأخبار مزيجاً من الحلول الإسعافية (استيراد الغاز، وشراء الكهرباء) والخطط الاستراتيجية (شركات قابضة، وربط إقليمي للطاقة)، لكنها تُظهر أيضاً أن قطاع الطاقة لا يزال هشّاً ويعتمد بدرجة كبيرة على الخارج، ما يضعف السيادة الاقتصادية ويجعل أي انقطاع سياسي أو إقليمي مؤثّراً بشكل مباشر على استقرار سورية الطاقي.
التجارة والعلاقات الاقتصادية
- عودة الاستيراد المباشر عبر مرفأ طرطوس.
- أول قافلة ترانزيت بين سورية وتركيا بعد 15 عاماً.
- توقيع بروتوكول "اللجنة الاقتصادية والتجارية المشتركة" مع تركيا.
- تشكيل مجلس الأعمال السوري التركي.
- السماح باستيراد الألبسة الجلدية والأحذية وفق شروط محددة.
- قرار تصدير الآلات وخطوط الإنتاج المستعملة.
- حجم التبادل التجاري الأردني السوري (92.4 مليون دينار) خلال أول أربعة أشهر من العام الحالي.
- دخول 200-250 شاحنة أردنية يومياً إلى سورية.
كشفت التطورات في قطاع فالتجارة أن سورية تشهد إعادة تفعيل تدريجي لشبكات التبادل الإقليمي والدولي بعد رفع العقوبات. وتمثل عودة الاستيراد المباشر عبر مرفأ طرطوس من أميركا الجنوبية وأوروبا، وعبور أول قافلة ترانزيت مع تركيا بعد 15 عاماً، كسر العزلة اللوجستية التي كانت تفرض المرور عبر لبنان أو تركيا. في الوقت ذاته، توقيع بروتوكول "اللجنة الاقتصادية والتجارية المشتركة" مع أنقرة وتشكيل مجلس الأعمال السوري التركي يعكس تحولاً كبيراً في العلاقات السورية–التركية، من القطيعة إلى الشراكة، مع ارتفاع حجم التبادل التجاري ليقترب من مستويات ما قبل العام 2011.
من جهة أخرى، يشير الانفتاح على قرارات مثل السماح باستيراد الألبسة الجلدية والأحذية أو تصدير الآلات المستعملة، إلى محاولة تنظيم حركة التجارة ضمن قواعد تحافظ على مصالح الصناعيين والمستهلكين في الوقت نفسه. كما أن أرقام التبادل التجاري مع الأردن (92.4 مليون دينار خلال أول أربعة أشهر من العام الحالي) ودخول 200-250 شاحنة أردنية يومياً تكشف عن عمق الارتباط بالاقتصاد الأردني، بوصفه أحد الشرايين الرئيسية لواردات وصادرات سورية.
الاستثمار والشركات
- عودة شركة نوكيا وافتتاح مكتبها في دمشق.
- استثمارات بقيمة 14 مليار دولار في مؤتمر استثمار في دمشق تتضمن مشروعات: مطار دمشق، مترو دمشق، أبراج، مولات.
- طرح 1500 عقار وأصول المؤسسة السورية للتجارة للاستثمار.
- البدء بالمرحلة الثانية من اتفاقية CMA CGM لتطوير مرفأ اللاذقية.
- أول مشروع لإعادة تدوير النفايات الصلبة والطبية في إدلب لاستخراج الكهرباء والغاز.
في قطاع الاستثمار هناك محاولة جادة لإظهار سورية كسوق جاذبة لرأس المال الأجنبي والمحلي. وتحمل عودة نوكيا وافتتاح مكتبها في دمشق بعد سنوات من الغياب خطوة رمزية قوية، فهي إشارة إلى أن الشركات العالمية بدأت تستكشف السوق السورية مجدداً بعد رفع العقوبات. أما توقيع مذكرات استثمارية بقيمة 14 مليار دولار تشمل مطار دمشق الدولي، مشروع مترو دمشق، وأبراج سكنية وتجارية، فيمثل محاولة لإعادة رسم المشهد العمراني والاقتصادي للعاصمة، لكنه يثير أيضاً تساؤلات حول واقعية هذه المشاريع في ظل التحديات المالية واللوجستية، والاعتماد على الشراكات الخليجية كمصدر رئيسي للتمويل، وأولويات التنمية الاقتصادية في بيئة ما بعد النزاع.
ويشير طرح 1500 من عقارات وأصول "المؤسسة السورية للتجارة" للاستثمار، إلى اتجاه الاستفادة من الأصول المحلية غير المستثمرة لتأمين موارد مالية سريعة، إضافة للاستمرار في سياسات الخصخصة التي اعتمدتها الحكومة. أما بدء العمل بالمرحلة الثانية من التعاون مع مجموعة CMA CGM الفرنسية لتطوير مرفأ اللاذقية فيندرج ضمن محاولة تحديث البنية التحتية اللوجستية وربط سورية بممرات التجارة البحرية العالمية، وجدية الشركة الفرنسية في استمرار تنفيذ الاتفاق الموقع. كما يمثل إطلاق أول مشروع في إدلب لإعادة تدوير النفايات الصلبة والطبية وتحويلها إلى كهرباء وغاز، تحولاً في التفكير التنموي المحلي. ما يميز هذا المشروع أنه يجمع بين الأبعاد البيئية (الحد من التلوث) والصحية (التعامل مع النفايات الطبية بأمان) والاقتصادية (إنتاج طاقة وخلق فرص عمل).
في المجمل، يمكن القول إن الاستثمار يظهر كرافعة أساسية لمرحلة "ما بعد العقوبات"، لكنه ما زال هشّاً ويعتمد على التسويات السياسية والإقليمية أكثر من اعتماده على بيئة أعمال مستقرة ومؤسسات اقتصادية قوية.
المعارض والفعاليات الاقتصادية
- الدورة 62 من معرض دمشق الدولي.
- معرض "موتوريكس إكسبو 2025" للسيارات والآليات.
تمثل عودة المعارض إلى دمشق، الدورة 62 من معرض دمشق الدولي وافتتاح معرض "موتوريكس إكسبو 2025" المتخصص في السيارات والآليات، أكثر من مجرد نشاط تجاري؛ هي رسائل سياسية واقتصادية. تعكس عودة معرض دمشق الدولي وسط مشاركة واسعة (20 دولة وأكثر من 900 شركة) محاولة لإبراز صورة "سوريا المتعافية" والقادرة على جذب اهتمام عربي ودولي.
من جهة أخرى، "موتوريكس" كأول معرض من نوعه منذ 2011، يكشف عن اتجاه لإحياء القطاعات الصناعية والتجارية المتوقفة، وإعادة الثقة بين رجال الأعمال المحليين والدوليين، وبوابة لعقد صفقات بين القادمين من الخارج والزوار.
الغذاء والزراعة
- مناقصة لشراء 200 ألف طن قمح بسبب الجفاف.
- استئناف شحنات الحبوب الروسية.
- ارتفاع أسعار السلع الأساسية بنسبة 15%.
يسلّط هذا المحور الضوء على الهشاشة العميقة في الأمن الغذائي السوري، فالإعلان عن مناقصة لشراء 200 ألف طن من القمح جاء في ظل أسوأ جفاف تواجهه سورية منذ 36 عاماً، والذي أدى إلى تراجع الإنتاج المحلي بنسبة 40%، ما يعني أن سورية باتت تعتمد بشكل شبه كامل على الاستيراد لتغطية استهلاكها السنوي. ويعكس هذا الوضع تحولاً استراتيجياً من دولة مكتفية ذاتياً بالقمح إلى دولة مستوردة، وهو أحد أبرز مؤشرات التدهور في العقد الماضي.
استئناف شحنات الحبوب الروسية، يكشف عن تعقيدات جيوسياسية مرتبطة بتأمين الغذاء، حيث تصبح الإمدادات مرهونة بتحالفات سياسية وظروف دولية. في الوقت نفسه، ارتفاع أسعار السلع الأساسية بنسبة 15% في دمشق خلال أيام قليلة يؤكد أن الأزمة الغذائية تتقاطع مع الأزمة النقدية (تأثير تقلبات سعر الصرف وزيادة الرواتب)، ما يضاعف الضغط على المستهلكين ويهدد الاستقرار الاجتماعي.
بالمحصلة، يظهر قطاع الغذاء والزراعة في الأخبار كنقطة ضعف استراتيجية، إذ يعتمد على الخارج بشكل متزايد، ويتأثر مباشرة بتقلبات المناخ والسياسة النقدية والعلاقات الدولية، ما يجعله أحد أكثر القطاعات حساسية في المشهد الاقتصادي السوري.
العلاقات الخارجية والاتفاقيات الثنائية
- تفاهمات سورية لبنانية بشأن النقل البري ورسوم الشاحنات.
- زيارة وزير الاقتصاد السوري محمد نضال الشعار إلى جدة لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
تنامى الحراك الدبلوماسي الاقتصادي لسورية عبر قنوات ثنائية مباشرة مع دول الجوار والإقليم. وتعكس التفاهمات السورية اللبنانية بشأن النقل البري وإعفاء الشاحنات من الرسوم محاولة تخفيف الأعباء المالية عن حركة التجارة بين البلدين، وهو ما يمكن أن يعيد تنشيط خطوط العبور التقليدية لسورية نحو البحر المتوسط.
أما على الجانب السعودي، فالاجتماعات في جدة التي ناقشت تنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة وتوأمة غرف التجارة بين جدة وحلب، تكشف عن توجه سعودي سوري نحو تكامل اقتصادي، حيث يتم الحديث عن إنشاء مطار جديد في حلب بدعم من رجال الأعمال السعوديين. هذا يشي بأن الانفتاح الاقتصادي لم يعد محصوراً بالمشاريع المركزية في دمشق، بل بدأ يأخذ بعداً جغرافياً أوسع يمتد إلى المحافظات.
هذه الخطوات، وإن كانت لا تزال في إطار وعود وتفاهمات أولية، إلا أنها تعكس أن الحكومة السورية تحاول إعادة بناء شبكة علاقاتها الاقتصادية عبر البوابات العربية التقليدية (لبنان والسعودية) إلى جانب انفتاحها على تركيا والأردن، ما يشير إلى أن الاقتصاد يُستَخدم كأداة لتثبيت مسار سياسي أوسع من مجرد التجارة والاستثمار.
قطاع التكنولوجيا والاتصالات
- إعلان "غوغل" رفع العقوبات واستئناف خدماتها الإعلانية في سورية.
يمثّل رفع شركة غوغل اسم سورية من قائمة العقوبات الأميركية وإتاحة خدماتها الإعلانية لأول مرة منذ 2011 اختراقاً تقنياً واقتصادياً بالغ الأهمية. هذه الخطوة تعني عودة السوريين لاستخدام منصات "غوغل" و"مدير الإعلانات"، ما يعيد فتح الباب أمام الاقتصاد الرقمي السوري للاندماج مجدداً في السوق العالمية. وتعكس هذه الخطوة أن التكنولوجيا الأمريكية بدأت تتعامل مع سورية كسوق قابل للانفتاح، ولو جزئياً، بعد سنوات من العزلة. كما أن هذه العودة الرقمية قد تكون مؤشراً على أن القطاع الخاص التكنولوجي سيكون أحد محركات إعادة الاندماج الاقتصادي، حتى قبل القطاعات التقليدية كالطاقة أو الزراعة.
الخاتمة
في الختام تكشف التطورات التي رُصدت خلال شهر آب عن مشهد اقتصادي سوري يتسم بالتناقض بين طموحات كبرى من جهة، وواقع هش ومعقد من جهة أخرى. فمن ناحية، تحاول الحكومة إبراز صورة جديدة لسورية كبيئة استثمارية منفتحة وجاذبة، قادرة على استعادة ثقة الشركاء الدوليين، وذلك عبر المعارض الدولية، الاتفاقيات الاستثمارية، والانفتاح على شركات عالمية مثل نوكيا وغوغل. كما تراهن على مشاريع طاقة كبرى وربط إقليمي يعيدها إلى قلب منظومة التجارة والطاقة في المنطقة. لكن في المقابل، تبقى التحديات البنيوية واضحة: تضخم متسارع، ضعف الأمن الغذائي، اعتماد مفرط على الخارج في الطاقة والقمح، وانعكاسات مباشرة لأي زيادة في الرواتب على سعر الصرف. هذه التحديات تُظهر أن الإصلاحات المعلنة سواء في السياسة المالية أو النقدية لا تزال تفتقر إلى قاعدة إنتاجية قوية تسندها.
تعد المتابعة الدقيقة لهذه المؤشرات خلال الأشهر المقبلة مهمة لفهم ما إذا كانت سورية تدخل بالفعل مرحلة تعافٍ اقتصادي تدريجي، أم أنها لا تزال أسيرة حلقة مفرغة من الإجراءات الشكلية والأزمات البنيوية.