مقالات

لم تكن الثورة السورية حدثاً يُشكل امتداداً لثورات الربيع العربيٍّ فحسب، بل كانت أيضاً حركة احتجاج في بيئة ذات خصائص جيوسياسية بالغة التعقيد، تفرض على السلوك السياسي الإقليمي والدولي حيالها اتخاذ مجموعة أدوات حذرة تُراعي طبيعة ووظيفة دور النظام السياسي في سورية ضمن المعادلات المصلحية والتوازنات الأمنية الإقليمية والدولية، وتتواكب في آنٍ معاً مع مطالب المجتمع السياسية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية، فكانت النتيجة الأولية سلوك يكتنفه التردد ويحاول عبر أدوات ناعمة الدفع باتجاه حوار بين السلطة وقوى التغيير المجتمعية تحمي البُنية السورية من الانهيار. ووفقاً لذلك لم يخرج السلوك الخليجي عن هذا الإطار في المرحلة الأولى.

تزامنت هذه الحركة الاحتجاجية مع حالة من الفوضى والسيولة في النظام الدولي وانسداد أقنية التواصل بين مراكز القوى الإقليمية والدولية، وتبلور بعض القوى على هامش هذا النظام، ومحاولتها ملء الفراغ جراء تراخي القدرة الأمريكية وانحسارها لصالح أولويات يفرضها المجال الداخلي الأمريكي. إن هذا التراخي أرخى بظلاله الفواعل الاقليمية، حيث جرى دخولها على خط التوتر والانقسام في ظل حالة من النهوض الهوياتي كمُكون مستجد في عناصر القوة القومية، في إطار سعي هذه الدول إلى إيجاد مكانة لها في سلم التراتب الإقليمي الذي بدا أن تشكيله يتناسب مع فائض السيولة والفوضى في النظام الدولي المتحرك نزولاً وصعوداً على إيقاع حالة الانعزال الأمريكية.

سمات التحرك الخليجي حيال القضية السورية

لقد ترافق الفعل الثوري في سورية مع ما يمكن تسميتها "مرحلة النهوض الخليجية" وتفعيل الدور الخليجي الاستراتيجي الذي يُرافقه عمليات ترتيب في المسرح الاستراتيجي المناسب لمجاله الحيوي، والذي يشمل فيما يشمل الحواف الجغرافية لمنطقة المركز والأطراف والتُخوم، وخاصة بعد محاولة إيران تقليص وإلغاء هوامش التحرك الاستراتيجي للمنظومة الخليجية، ومحاولة خنقه ضمن حيز جغرافي يُوجب عليها سياسات دفاعية حذرة. وفي هذه الحال، تبدو سورية مكسباً استراتيجياً بالغ الأهمية لدول الخليج، نظراً لما تُتيحه جغرافيتها من إطلالات مهمة على البر التركي وإشراف استراتيجي على لبنان وتماس مع إسرائيل، فضلاً عن تشكيلها نصف دائرة تطوق العراق وتتلامس معه في ثلثه السني، مما يشكل معادلاً موضوعياً صاداً ومانعاً للجيب الإيراني في العراق، إضافة إلى تعطيلها للميزة التي تتمتع بها إيران حالياً عبر تطويقها للفضاء الخليجي من خلال البر الشامي (سورية ولبنان)، وامتلاكها ساحات تصارع بعيدة عن مراكزها الحيوية، الأمر الذي يعطيها مرونة وقدرة أكبر على المناورة والمساومة، ناهيك عن الأهمية الديموغرافية السورية التي يمكنها أن تُشكل - في حال انضمامها للكتلة الديموغرافية الخليجية- معادلاً موازياً للكتلة الديموغرافية الإيرانية.

لقد اتخذت دول الخليج مواقف أكثر وضوحاً حيال النظام الحاكم في سورية مقارنةً بغيرها من الدول العربية في مرحلة الاحتجاج السلمي، حيث تولت منذ البداية طرح العديد من المخارج للأزمة السورية، وشكلت مبادراتها الدينامية الأساسية والمحركة لمبادرة الجامعة العربية الأولى. إلا أن استمرار رفض الحكومة السورية أدى إلى تطور الموقف الخليجي والمطالبة بتنحي رئيس النظام السوري لصالح نائبه (المبادرة العربية الثانية)، ومن ثّم رفض الحوار معه ليُفضي إلى تقديم الدعم السياسي والمعنوي للمعارضة السورية في المجتمع الإقليمي والدولي. وبلغ هذا الموقف ذروته في تلك المرحلة عندما سحبت دول الخليج سفراءها من دمشق وطردت نظراءهم السوريين من أراضيها.

أما في المرحلة المسلحة فقد اتبعت كل من قطر والسعودية والإمارات سياسات تمكين المعارضة ومدها بالدعم اللوجستي بدايةً ثم دعوة المجتمع الدولي ومطالبته بتسليح الجيش السوري الحر والاعتراف بمؤسسات المعارضة الرسمية وهيئاتها. في حين التزمت البحرين والكويت رسمياً بموقف الجامعة العربية من الأزمة، واختلفت طرق تعاطيها وتراوحت ما بين التصعيد تارة والعودة إلى الخطابات الدبلوماسية الناعمة تارة أخرى، فيما كان التفاعل على المستوى الشعبي متمثلاً في البرلمانات والمجتمع المدني أكثر بروزًا في الكويت والبحرين، وكان في معظمه متقدماً على المواقف الرسمية. أما سلطنة عمان فلم تتوافق في كثير من مواقفها مع دول الخليج رافضةً فكرة تدويل الأزمة السورية وتسليح المعارضة ونزع الشرعية عن النظام.

ويمكن رد تطور مواقف بعض دول الخليج المناهضة للنظام السوري إلى عدة أسباب:

•    تماهي خطاب الحكومة السورية مع الخطاب الإيراني عبر تأكيدها المستمر بأن هذه التحركات هي نتاج "مؤامرة كونية تقوم بها قوى إرهابية مدفوعة خليجياً لتنفيذ مخططات وأجندات إسرائيلية إمبريالية تستهدف نهج المقاومة"، وهذا عُدَّ دليلاً على تطور الدور الإيراني في سورية من شريك إلى مُهيمن على حساب الدول الإقليمية الأخرى.
•    كان الملف الإنساني حاضراً في الموقف الخليجي تجاه ما يحدث في سورية من عنف ممنهج على المستويين الشعبي والحكومي الخليجي. ناهيك عن إفرازات هذا الملف التي تشكل تهديداً حقيقياً للمجال المشرقي والمتمثلة بعدة قضايا أهمها:
  أ.  طوفان اللاجئين الذي أوقع دول الجوار في مأزق اجتماعي وأمني.
 ب. جرائم ضد الإنسانية ممنهجة وجماعية ذات بعد فئوي من شأنها تأجيج الصراعات المذهبية الطائفية في المنطقة.
•    التخوف من حالة عدم الاستقرار المتولدة عن استمرار العنف في سورية، وإمكانية استثماره من قبل العديد من الأطراف الإقليمية والدولية للتوغل في شؤون المنطقة الأمر الذي هيّأ للتدخل في الشأن الخليجي الداخلي، خصوصاً بعد تنامي خطر الجماعات العابرة للحدود المعادية بالأصل لأنظمة الحكم في المنطقة.
•    سياسة اللامبالاة المتبعة من قبل إدارة أوباما في التدخل لحسم الأزمة في سورية لصالح القضية المجتمعية، وظهور علامات واضحة على تغير سياسة الإدارة الأمريكية تجاه حلفائها التقليدين في المنطقة لصالح إيران، أفسح المجال للأخيرة للتمدد إقليمياً مستندةً على دعم روسي صيني، وشجع النظام السوري على الاستمرار في خيار الحسم العسكري. وكنتيجة طبيعية دُفِع بدول الخليج إلى أخذ زمام المبادرة في تحديد مستقبل المنطقة العربية وخوض غمار المنافسة على الفاعلية الإقليمية.
•    تزايد الشعور الجمعي للثوار بعد انتهاج النظام لأبشع السياسات الطائفية بحقهم، بضرورة أن تدرك الدول "السنية" مسؤولياتها تجاه مكون أساس تربطه وإياهم عدة عناصر عقدية، يمارس بحقه كل أشكال العنف الطائفي وممارسات إرهاب الدولة، وعلى رأسهم دول الخليج.

التطورات المحلية والإقليمية وأثرها على التفاعل الخليجي

فرضت التطورات الإقليمية والتعقيدات المحلية التي تعتري الجغرافية السورية قبل عام 2015 عدة معوقّات أدتّ إلى تلكؤ مسار التحرك الخليجي الداعم للقضية السورية عما كان عليه في بداية الثورة. ولعل أهم هذه المعوقات تلك المرتبطة بطبيعة سلوك وأداء الفاعل الأمريكي، الذي يُدير ملفاته السياسية المختلفة على أساس ترشيد استخدام قوته عبر سياسة القيادة من الخلف. فلم تعد إدارة أوباما تنظر لمنطقة المشرق العربي إلا من مدخل البحث عن أوراق ضغط توظف في ملف المفاوضات النووية الإيرانية (التي كانت لم تنجز بعد) مع المجتمع الدولي، وهذا ما يمكن عده خليجياً اللامبالاة بأولويات الحليف الخليجي جعل بعض القيادات الخليجية تُعيد النظر في طبيعة التحالف ووظائفه، الأمر الذي أعاق نوعاً ما طبيعة الحركة الخليجية في المسار السوري.

ومما زاد مناخات تقليل الفاعلية الخليجية هو تبعات انحسار مداخل الحل السياسي سواء عبر فشل مؤتمر جنيف 2، أو من خلال الأطروحات التسكينية التي تهدف إلى حسن إدارة الأزمة بدلاً من التصاقها بجوهر القضية، أو عبر تعطيل مجلس الأمن من قبل الفاعل الروسي الذي استخدم حق النقض في وجه عدة قرارات ساهم في دفعها بعض دول الخليج، وكان من شأنها أن تساهم في التخفيف من معاناة السوريين والدفع باتجاه حلول سياسية، ناهيك عن استمرار دعمه العسكري والسياسي للحكومة السورية. هذا الانحسار الذي ترافق مع تنامي خطر المجموعات العابرة للحدود التي أدت لتعدد مستويات الصراع (صراع مسلح بين النظام والمعارضة، صراع طائفي غذّاه تدخل المجموعات الشيعية العراقية واللبنانية والإيرانية في الملف السوري، صراع محاور إقليمية ودولية، وصراع ضد الإرهاب على الأرض السورية) الأمر الذي جعل التحرك الخليجي في المجال السوري حراكاً محسوباً ودقيقاً يخدم بالدرجة الأولى أولوية الأمن القومي الخليجي، والذي نجم عنه مشاركة بعض دول الخليج في عمليات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب والتي حصرت هدفها بمحاربة التنظيمات الإرهابية بمعزل عن إيجاد حل للأزمة السورية، الأمر الذي أدى إلى تشتت جهود دول الخليج في تحقيق غاياتهم في سورية. ونتج عنه في مرحلة متطورة خلافات حادة بين الفاعلين الخليجين (السعودية وقطر) ونشوء تحالفات جديدة نتيجة اختلاف واضطراب السياسات تجاه الملف السوري، مما أثر بشكل سلبي على القضية السورية ذاتها.

ومع بداية عام 2015 فرضت قوى المقاومة الوطنية في صراعها مع النظام واقعاً عسكرياً وسياسياً جديداً (راجع الشكل رقم 1)، حيث ظهر النظام السوري مستنزفاً، وفي موقع الدفاع، وتصدعت مقاربته الأمنية للقضية الذي تمسك بفكرة قدرته على تحقيق الحسم العسكري الشامل، وعدّه شرطاً لازماً للبدء بالحديث عن أي حلٍ للأزمة. وخاصة بعد مكاسبه العسكرية خلال عام 2014، الذي تحصل عليها من خلال تدّخل حلفائه بشكلٍ مباشرٍ لمساعدته، وتراجع الدعم الإقليمي والدولي للمعارضة، إلا أن حدوث تطورات إقليمية بالغة الأهمية في الفضاء التفاعلي للنظام الإقليمي ساهمت في إعادة الزخم الخليجي في القضية السورية سواء عبر الدعم السياسي والاقتصادي والإنساني بشكل مباشر أو من خلال نتائج وآثار السلوك الخليجي الناشئ إثر بعض الأحداث التي تمس أمنه القومي، والتي ارتدت ايجاباً على قوى المقاومة الوطنية السورية (السياسية والعسكرية) كعملية عاصفة الحزم، أو اتفاق لوزان بين إيران والمجتمع الدولي، أو التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية.

عاصفة الحزم وأثرها على الملف السوري

لقد مثّلت الحقبة الماضية للسياسة الخارجية السعودية تخلّياً عن نسقها المعتاد وسياستها الاحتوائية والناعمة، وسبّب ذلك النهج حالة استقطاب إقليمي ساهم في تأزم المشهد السياسي على مستوى النظام العربي ككل. كما دفعت ثنائية الرؤية السياسية في العلاقات الإقليمية (صديق/عدو) إلى وقوع المملكة في مأزق تضارب مصالحها ومبررات تدخّلها وخياراتها، كما أظهرت الأشهر الأولى من الحقبة الجديدة توجه الرياض للقطيعة مع أولويات العهد المنصرم، ويتجلى بشكله الأوضح في عملية عاصفة الحزم العسكرية في اليمن وما تبعها من إعادة الدفء للعلاقات السعودية مع كلّ من تركيا وقطر، الذي انعكس بالأثر على في المشهد السوري، وخفف من حالات الاستقطاب التي انعكست سلباً على الفاعلية السياسية والعسكرية لقوى المقاومة الوطنية السورية، ولعل النتيجة الأكثر وضوحاً لحالة التوافق الناشئة هي عمليات تحرير كامل محافظة إدلب وأجزاء كبيرة من درعا وتوسع بقع السيطرة في محيط دمشق.

اتفاق لوزان ومآلاته

أفرز الاتفاق النووي الذي تم إبرامه بين إيران والدول الكبرى الست بتاريخ 14 يوليو/ تموز 2015، مناخات وهوامش سياسية في أجواء التفاعلات الإقليمية في المشرق العربي، إذ حاولت إيران من خلالها زيادة مجالها الحركي على المستوى السياسي والدبلوماسي في سبيل تعزيز القدرة والنفوذ في ساحات الصراع بهذه المنطقة، وخاصة في سورية مستفيدةً من عنصر الزمن المتاح قبل ظهور أي عثرات في تنفيذ وتطبيق هذا الاتفاق، ومُنطلقة من ضرورة تكريس الفاعل الإيراني في معادلات الحل الإقليمية، إلا أن اتفاق الفاعلين الإقليميين وخاصة دول الخليج في غاية صد التمدد الإيراني وصد طموحاتها الاستحواذية الناشئة بعد الاتفاق ساهم في تعطيل الفاعلية الإيرانية المرتجاة في الجغرافية السورية، إذ كثفت هذه الدول دعمها لقوى المقاومة الوطنية والتي بدورها زادت من غرف العمليات ودرجات التنسيق فيما بينها للحفاظ على المنجز العسكري، إلا أن مبدأ إدارة الأزمة واستعصاء مداخل الحل السياسي المرتبط بغايات الفاعلين الإقليميين المتعارضة وكثرة الملفات (الداخلية والإقليمية) المفتوحة التي تعالجها دول الخليج وتركيا بالإضافة إلى بعض الاعتلالات البُنيوية في جسد المؤسسات الرسمية للمعارضة ساهم في عدم تحسين التموضع السياسي لقوى المقاومة الوطنية.

التدخل الروسي وتبعاته السياسية

ربما تُشكل ادعائية موسكو بأن تدخلها العسكري في سورية سيرافقه ضغوط على الأسد للخروج من المشهد السياسي إبان المرحلة الانتقالية أو بعدها، إضافة لما قد يُمثله هذا التدخل من احتمالية معادلة قوى بوجه التمدد الإيراني في سورية عاملين مطمئنين نوعاً ما للفاعل الخليجي عامة، ورغم أن سلوك موسكو العسكري والسياسي في المنطقة يُحفز بعض الفاعلين الإقليميين على دعم ومباركة هذا الأداء فهو من شأنه أن يوجه ضربة موجعة للقوى الإسلامية "الخصم السياسي الاستراتيجي" من جهة، وسيوفر المناخات الملائمة لنمو الثورات المضادة من جهة أخرى وبالتالي ضمان استمرار مصالحهما الأمنية والاستراتيجية، وهذا السلوك يتعارض بمفرزاته مع أمن الخليج العربي الذي ترى دوله أن نمو محور (إيران، موسكو، العبادي، الأسد) من شأنه زيادة فاعلية إيران التي لا زالت تعبث بالمجال الحيوي في هذه المنطقة، وعليه ستنتهج دول الخليج أيضاً سياسة الحذر والترقب وتصحيح أية انحرافات عبر زيادة الدعم العسكري كماً ونوعاً.

كما تفرض الوقائع أن التدخل الروسي -الذي لم تُمانعه واشنطن-زاد من تعقيد وتشابك خيوط الملف السوري وحتم على الفاعلين الإقليميين إعادة تتدارس خياراتها وسياساتها في هذا الملف، خاصة أن عنوان التدخل الحقيقي هو حماية نظام الأسد الذي يشهد انهياراً عسكرياً لقُواه وللمليشيات التي تدعمه، وهو ما جعل دول المنطقة تُفعل أدواتها الدبلوماسية لتلمس الغاية السياسية لهذا الفعل الناشئ وما مدى جدواه.

بعد أقل من شهر على التدخل الروسي تتداعى الروس إلى اجتماع رباعي جمع وزراء خارجية السعودية وتركيا وروسيا والولايات المتحدة حول سُبل إيجاد حل سياسي يُنهي الأزمة في سورية وفق ادعاءات موسكو، وهذا من شأنه التأكيد على أن الروس لا يودون أن يتورطوا عميقاً وطويلاً في المشهد السوري، ويبحثون عن مخرج سياسي يُراعي الشروط التي ارتجتها موسكو بتدخلها، إلا أن ما كشفته الاجتماعات الثنائية والثلاثية والرباعية تدل على حقيقة أن المناخ غير جاهز للحل السياسي خاصة أن السلوك الروسي لم يعزز بعد إجراءات بناء الثقة وفق مبدأ الفعل لا التصريح، وما ساهم في تعطيل الغاية الروسية هو تمسك الفاعل الخليجي والتركي بضرورة رحيل الأسد والذي لا يمكن لمصالحهما الجيوسياسية والأمنية أن تستقيم مع وجوده الذي ارتهن كلياً لإيران وأدى عنفه إلى أقسى مأساة إنسانية في القرن.

مآل المشهد السوري والاختبارات الخليجية

لقد ساهمت معطيات ومتغيرات عام 2015 في تثبيت مجموعة من المؤشرات (التي باتت أكثر وضوحاً) لا سيما فيما يتعلق بعدم نضوج المناخ الدولي والمحلي للحل السياسي العادل المتسق والمنبثق من المطالب المجتمعية، أو تلك المرتبطة بالفاعليين الإقليميين الذين تتوسع هوامش حركتهم وتتقلص وفقاً لنوع السياسات الدولية المتبعة من جهة، أو تتقلص وتتراجع بحكم المعطلات التي تشهدها البنية الإقليمية كعدم اتساق الرؤية السياسية في الوحدة الإقليمية الواحدة وتعارض التكتيكات والآليات المتبعة من قبل كل دولة، ويمكننا ذكر بعض هذه المؤشرات:

•    إن تسارع طهران لتحسين تموضعها في المنطقة إبان اتفاق لوزان لايزال قلقاً وغير مستقر، وهذا ليس بحكم إعادة تعريف الفاعل الإيراني لطبيعة دوره في النظام الإقليمي، بل بحكم ظهور متغيرات جعلته ينكفئ لحظياً محاولاً تثبيت حدود فاعليته ومراقباً لنمو وتطورات الأحداث في المنطقة، وهذا يُعزز استمرار فرضية أن السلوك الإيراني لا يزال يرتجي تفتيت أهم المسارح الجيوسياسية في المنطقة في سبيل إضعاف دول الأطراف وتصدره لدفة القيادة التي سيحاول من خلالها التحكم في ملفات المنطقة بغية ضمان عودته لممارسة دوره الشرطي قبل أحداث الربيع العربي من جهة ولاستكمال مشروعه الاستحواذي على مراكز القوة في المجال الحيوي والجيبولتيكي لهذه المنطقة.
•    عدم حسم وإنجاز رؤية سياسية موحدة بين الوحدات الخليجية حيال مفرزات الربيع العربي السياسية والأمنية، سيبقى معطلاً للأثر الاستراتيجي المرتجى، وهذا من شأنه أن يعزز احتمالية التعارض والتضارب، واحتفاظ كل طرف على قدرته على العرقلة أو الفاعلية، كما أن عدم اتساق ووحدة التعامل والسلوك حيال قيادة وإدارة السيسي سيُبقى للأخير فرصة التحرك والانتقال بين محاور المنطقة الناشئة الذي يميل ويستقيم وفقاً لثنائية الضبط الأمني المحلي والمساهمة في تعزيز مناخات إقليمية ترسخ شرعيته التي لاتزال محل جدل داخل مصر وخارجها.
•    تزايد اقتناع فعاليات وإدارات الولايات المتحدة الأمريكية التي تشهد حالات خلافية أو توافقية مع إدارة أوباما فيما يتعلق بأداء واشنطن في الشرق الأوسط، بضرورة ترحيل هذه الملفات الخلافية إلى طاولة الرئيس الجديد، إذ تؤكد المؤشرات أن الولايات المتحدة قد ثبتت أسس التعاطي مع الملف السوري ( مثلاً) لا سيما العسكري منه، إلا أنها لاتزال في مكان خلفي قادرة على التعطيل ولا ترغب في التفعيل، مانحةً بعض الدول كإيران وروسيا هوامش معينة تعتقد واشنطن أنها ستزيد من فرص غرقهما في الأحداث السائلة في الجغرافية السورية، ومحاولةً توظيف بعض المتغيرات الناشئة للضغط على الفواعل الإقليمية المؤيدة للثورة السورية ومشاركتها ضمن عمليات محاربة الإرهاب، وكل ذلك يرسخ معطيات عدم جدية الولايات المتحدة في انجاز الحل مع السماح لتعديل وتوازن المشهد المحلي السوري بين المعارضة والنظام.
•    إن التدخل الروسي قد نمّا مناخات الانحدار باتجاه الأفغنة القابلة للتدحرج لتغدو سمة المنطقة ككل، ويدلل سلوكه العسكري على أن المشهد العسكري مستمر باتجاه التعقيد، إذ يرغب الفعل العسكري الروسي على المستوى المحلي بقلب المعادلة العسكرية لصالح نظام الأسد لإعادة تمكينه، حيث ينوي تحضير مسرح العمليات لتسهيل التوغل البري لقوى النظام وحلفائه، إلا ان ذلك سيصطدم باللامركزية العسكرية لقوى المقاومة الوطنية التي أضحت بعد ثلاث سنوات من العمل العسكري تسم بقدر كاف من المرونة والتغيير والقدرة على المبادأة وذلك وفق أنساق غير متشابهة هذا من جهة، ومن جهة أخرى فتدلل تجارب الحشد الشعبي في العراق وعمليات الانسحاب الأخيرة لقوى النظام على مستوى القدرة التعبوية المنخفض المستمر لقوات المحور الذي ترغب موسكو بتدعيمه، وبالتالي فإن المشكلة المتنامية في هذه القوى ستجعل من هذه العمليات الروسية تخفق من تحويل هذه القوى من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، وهذا من شأنه أن يجعل الجغرافية السورية تحتضن أرقاماً إضافية في عدد الوفيات ويعقد الملف الإنساني من جهة، وتضيف إلى مستويات الصراع نوعاً آخر وهو الصراع المباشر مع المصالح الروسية من جهة أخرى داخل الحدود السورية أو خارجها.
•    إن محاولات موسكو الدبلوماسية والسياسية الناشئة " اجتماعات فيينا" لن تنحرف عن مساراتها الأساسية المناوئة للثورة السورية، إذ ستكون استمراراً للفكرة المنتديات التي بدأتها مطلع هذا العام، فها هي تحاول تعريف المعارضة المعتدلة استمراراً وامعاناً منها في تمييعها وتصدير فعاليات لا تتعارض رؤاها مع "ضرورات" بقاء النظام السوري ولا تملك أوراق تأثير في الصراع الناشئ. وهو الأمر ستجهد قوى المقاومة الوطنية وحلفائها الإقليميين من دحضه والتقليل من أثره.

عموماً تؤكد هذه المؤشرات وغيرها على أن الرغبة الدولية بالتوصل إلى حل سياسي في سورية لاتزال غير حقيقية وما هذا الزخم الدبلوماسي والسياسي الأخير إلا حلقة رتيبة من مسلسل ادعاءات الحل السياسي الذي ينوي تسليم الأولوية لمكافحة الإرهاب على حساب التغيير السياسي الحقيقي الذي يعتبر العامل الأساس في توليد مناخات الاستقرار التي ستهيأ العوامل المجتمعية لطرد الإرهاب وقواه من المنطقة، وهو أمرٌ ينبغي أن تبقى دول الخليج مدركةً له، لأن ذلك سيصب في مصلحة استقرار الأمن العربي والإقليمي. وهذا يحتم على هذه الدول وغيرها تجاوز معطلات التأثير في الملف السوري سواء المرتبطة ببنيتها الداخلية أو المتعلقة بضرورات اتساق الرؤية والأدوات الخارجية، والاستمرار بالضغط على الفواعل الدولية لتبقى القضية المجتمعية هي المحرك الأساس في أي عملية سياسية، مستغلة فرصتها التاريخية في تمكين القوى الاجتماعية سياسياً واقتصادياً الأمر الذي سيكون صاداً للمشروع الإيراني غير المنسجم مع هوية المنطقة وتفاعلاتها من جهة، وسيعزز من مناخات صد وتجفيف قوة الجماعات العابرة للحدود واسقاط ورقة لطالما احسنت قوى الاستبداد توظيفها في تمزيق البنية المحلية واستغلال ذلك لإعادة شرعنة بقائها.

الأربعاء كانون1/ديسمبر 18
أطلق مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ومعهد السياسة و المجتمع، كتابه الجديد بعنوان: “حرب الشمال: شبكات المخدرات في سوريا، الاستجابة الأردنية وخيارات الإقليم”، ويحلل الكتاب ظاهرة شبكات تهريب المخدرات المنظمة في…
نُشرت في  الكتب 
الإثنين تموز/يوليو 22
المُلخَّص التنفيذي: قسَّمت الدراسة مبناها المنهجي وسياقها المعلوماتي والتحليلي إلى فصول ثلاثة، مثّل الفصل الأول منها: مدخلاً ومراجعة لتاريخ القبائل والعشائر في الجغرافية السورية بشكل عام وفي محافظتي حلب وإدلب…
نُشرت في  الكتب 
الأربعاء آب/أغسطس 23
يأتي نشر هذا الكتاب في وقت عصيب على سورية، خاصة في أعقاب الكارثة الطبيعية التي حلت بالبلاد، إضافة إلى الزلازل السياسية التي شهدها الشعب السوري منذ بداية الثورة السورية عام…
نُشرت في  الكتب 
يرى المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف، في تصريح صحفي لجريدة عنب…
الثلاثاء نيسان/أبريل 02
شارك الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية الأستاذ سامر الأحمد ضمن برنامج صباح سوريا الذي…
الأربعاء تشرين2/نوفمبر 29
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في فعاليات المنتدى الاقتصادي الخليجي…
الجمعة تشرين2/نوفمبر 24
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في رؤية تحليلية للحرب على…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 20