مقالات

المسارات

الملفات

الباحثون

التصنيف

تاريخ النشر

-

مرَّ على سورية خلال عشر سنوات، شهدت خلالها حضور أربعة مبعوثين أمميين، تأمل السوريون أن يُساهموا بشكل أو بآخر في إنهاء مأساتهم، لكن جملة ظروف، دولية في غالبها، شلّت مهامهم، فلم يستطيعوا تحقيق أي اختراق يمكن أن يساعد في وقف الحرب وإحداث تغيير سياسي في سورية، وكانت فترة خدمة بعضهم فترة ثقيلة على السوريين، ومًثقلة بالخسائر البشرية، والتهجير والنزوح، وساهم بعضهم عبر استراتيجياته وسياساته بالتسبب بخسائر مفصلية للمعارضة السورية المسلحة، كما ساند بعضهم الأسد بشكل غير مباشر بعدم جرأته على الكلام عن جرائم النظام الكبرى، وجميعهم أشبعوا السوريين بالوعود الخلّبية، التي لم يتحقق منها شيئاً، لكن، جميعهم ارتكب أخطاءً كبيرة، ما كان يجب أن يرتكبها مُخضرمون لهم باع في حل الأزمات الدولية.

حقّق المبعوثون الأمميون إلى سورية سلاسل متتالية من الفشل، ولم يكن هذا الفشل شخصياً فقط، وإنما هو فشل للأمم المتحدة بشكل أساس، فشلها في إحراز أي تقدم ملموس في الملف السوري، وفشلها في إيقاف المقتلة وإيجاد حل سياسي، وفشلها في فرض قرارات يمكنها الحد من مستوى عنف النظام وداعميه، وتسبب هذا الفشل في وصف المبعوثين الدوليين من قبل المعارضة السورية بأنهم غير موضوعيين، أو متماهين مع النظام، أو مستهترين يحاولون كسب الوقت، ويقفون متفرجين على الصراع دون أن يستطيعوا قول كلمة حق واحدة بأن النظام السوري ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري.

كوفي أنان: لا أحد معصوم عن الخطأ

لاشك أن الدبلوماسي الغاني كوفي أنان، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، كان أفضل المبعوثين الدوليين إلى سورية، لأنه دفع نحو مبدأ الحل الواجب تنفيذه في سورية، وعقد مؤتمر جنيف 1، في 30 حزيران/ يونيو 2012، والذي وضع مبادئ وخطوط توجيهية لإنهاء الحرب والقيام بعملية انتقالية سياسية “تُلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري”، وأقرّ إقامة هيئة حكم انتقالية تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية وتمارس كامل السلطات التنفيذية، كما مهّد لاجتماع جنيف 2، في 22 كانون الثاني/ يناير 2014، والذي جمع النظام السوري مع المعارضة لمناقشة إمكانية تشكيل الحكومة الانتقالية ذات الصلاحيات التنفيذية الكاملة.

وقبل ذلك، وتحديداً في آذار/ مارس 2012، وضع كوفي أنان، المبعوث الأممي الأول إلى سورية، خطّة لإنهاء الحرب في سورية، لا تشتمل على دعوة الأسد للتنحي، وتألفت من ستة نقاط، أهمها: بدء عملية سياسية شاملة يقودها السوريون، ووقف جميع أعمال العنف المسلح، وتطبيق هدنة يومية للسماح بإدخال المساعدات، والإفراج عن المعتقلين على خلفية نشاطات سياسية سلمية، وضمان حرية الصحافة، وحرية تكوين المؤسسات، والحق بالتظاهر السلمي.

لكن أنان لم يكن معصوماً عن الخطأ، فقد ترك خطته تعتمد على تطوع النظام السوري وحسن نيّته، لسحب الجيش ووقف العنف وإيصال المساعدات وبدء الحوار، وكانت عملياً مجموعة مبادئ مبهمة وصيغة لإدارة الصراع لا لإنهائه.

رغم أن أنان هو الأكثر جدية وصرامة ووضوحاً بين المبعوثين الأممين إلى سورية، وأكثرهم خبرة وربما حسّاً إنسانياً، إلا أنه أخطأ حين وضع خطة ولم يحدد فيها آلية سحب الجيش من المدن، ومن سيحل محلها، ولا آلية نزع سلاح المعارضة، كما أنها لم تحدد جدولاً زمنياً لذلك ولبدء الحل السياسي، وتضع الحكومة السورية شروطاً حول جنسية المبعوثين وعددهم والتجهيزات التي لديهم وصلاحيتهم ومن سيحميهم، وحدود المناطق التي سيقومون بمراقبتها، كما لم يحدد في خطته وقتاً واضحاً للإفراج عن المعتقلين والكشف عن مصير المختفين.

الأخضر الإبراهيمي: السلام على حساب العدل

الأخضر الإبراهيمي، الذي وًصف بأنه واحد من أكثر المبعوثين الدوليين إلى سورية عقلانية وواقعية، اقترح عام 2012، وتحديداً بعد مرور شهرين من استلامه مهامه، هدنة بين الأطراف المتصارعة في سورية خلال أيام عيد الأضحى بشكل مؤقت، في وقت كان النظام السوري يدكّ المدن السورية في حملته الحربية ضد المعارضة الثورية المسلحة، ويُدمّر البنى التحتية في كافة المدن السورية.

لكن السيء فيما اقترحه الإبراهيمي، هو تأكيده على أن تُطبق هذه الهدنة “ذاتياً” دون مراقبة، حين وجه نداءً للسوريين أنفسهم لكي يوقفوا القتال وأن يلتزموا بالهدنة بأنفسهم، وهو يُدرك تماماً، وفق تصريحات لاحقة، أن النظام السوري لا يمكن أن يقبل بهدنة ويطبقها ذاتياً، وأنه مستمر في حلّه الحربي حتى النهاية.

أخطأ الإبراهيمي، صاحب الثمانين عاماً، حين اقترح هذا الاقتراح، أو أنه استخف بالقضية السورية، وهو الذي أعلن مراراً أن الأزمة في سورية خطيرة ومتفاقمة، ووصف مهمته بأنها صعبة و” شبه مستحيلة”، واعترف بأنه لن يستطيع تنفيذ مهمته في سورية دون دعم وإجماع من مجلس الأمن الدولي، فما باله بوقف إطلاق نار طوعي من نظام لا يريد أن يوقف الحرب حتى يقضي على آخر معارض في سورية؟

حتى المبعوث الأممي السابق له كوفي أنان، لم يقترح مثل هذا الاقتراح غير الواقعي، فقد اقترح هدنة ضمن خطة أوسع، وأرسل 300 مراقب من القوة الدولية لمراقبتها، قبل أن يُعلن فشلها الذريع في وقف العنف.

 صحيح أنه طلب قوات أممية مسلحة رمزية للمراقبة، لكنّه على الأقل لم يتركها لوجدان النظام السوري فقط، وفشل هذه الخطوة دفعه للتفكير بترك المهمة نهائياً لأنه لا إرادة سياسية للقيام بنقل السلطة من الأسد إلى حكومة انتقالية تلتزم بجدول زمني للقيام بانتخابات نزيهة وحرة كما كان مطلوباً بخطته.

الخطأ الثاني الذي ارتكبه المبعوث الأممي والعربي المشترك لسورية الأخضر الإبراهيمي، هو وصفه ما يجري في سورية بأنه “حرب أهلية”، ولم يُشر نهائياً في تصريحاته إلى وجود ثورة في سورية ذات طابع سياسي، طرفها الأول النظام وقواته العسكرية والأمنية الجرارة، وطرفها الثاني السوريين بكافة طوائفهم ومذاهبهم ومن مختلف المناطق الجغرافية، وخلال مؤتمر صحفي في موسكو مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2012، قال الإبراهيمي “إذا لم تكن هذه حرباً أهلية، فلا أدري ما هي الحرب الأهلية”، وبهذا التوصيف السطحي ساوى بين الضحية والجلاد، وظهر كمن يريد أن يُنقذ النظام السوري بمثل هذا التوصيف الذي يمكن أن يغيّر الموقف الدولي مما يجري في سورية.

صحيح أن وصف الإبراهيمي لما يجري في سورية ليس وصفاً مُلزماً لأحد، إلا أنه تجاهل كلياً الوصف الدقيق لما جرى في سورية من جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ارتكبها النظام وأركانها متوفرة وموثقة. والسمة الأساسية لما جرى في سورية محصورة في نطاق معارضة شعبية مسلحة وغير مسلحة في مواجهة نظام ديكتاتوري.

الخطأ الثالث للإبراهيمي حين سار بنهج يناسب التوجّه الروسي والسلطة السورية أكثر بكثير مما يناسب المعارضة وداعميها، رغم أنه كان يقول دائماً بأنه “يتعهد” أن يجد خططاً ومقترحات لحل الأزمة السورية تُناسب الشعب السوري.

في إحدى زياراته لموسكو خيّر الإبراهيمي السوريين بين “الجحيم” وبين “الحل السياسي” على الطريقة الروسية، وأكّد على أنه “ليس هناك خيار آخر”، ونسي أن بقاء هذا النظام السوري هو الجحيم بحد ذاته بالنسبة للسوريين”، وطالب بأن تجري مصالحة وطنية، ما يعني ضمناً طي صفحة الماضي بلا محاكمات ولا عدالة انتقالية، وهو يتوافق تماماً مع الشكوك التي راحت تقول بأن الدول الكبرى اختارت الإبراهيمي كوسيط دولي لسورية لأنه كان دائماً “يبني السلام على حساب العدل”، وهو ما يُعرف بالسلام الهش.

كذلك في أيار/ مايو 2014، وبعد استقالته من منصبه، أخطأ الإبراهيمي حين بيّض صورة إيران أمام مجلس الأمن، وأوحى لأعضائه أن إيران يمكن أن تكون بلد خير وتسعى إلى السلام، حيث قال أمام مجلس الأمن إن الاقتراح الذي تقدّمت به إيران للتوصل إلى تسوية سياسية في سورية “يستحق النقاش”، رغم أنه يُدرك، وفق تصريحات أخرى لاحقة، أن أيران هي سبب أساس في تدهور الحالة السورية وتحوّل الثورة إلى حرب دامية لها صبغة طائفية، وتصريحات كثيرة لاحقة بأن الأسد وإيران عطّلا مسار الحل السياسي.

الخطأ الأخير الذي ربما ارتكبه الإبراهيمي موافقته في جنيف 2 على مناقشة “الحرب على الإرهاب” بموازاة مناقشة ضرورة الانتقال السياسي، وكان لسماحه مناقشة هذا الأمر أثراً كبيراً في تغليب رؤية النظام على المستوى الدولي، وبدء الانحراف في مسار العملية السياسية، وفشل جنيف 2 لهذا السبب تحديداً، رغم أن المعارضة السورية كانت تحاول الحؤول دون إسقاط جنيف 2 في دائرة الحرب على الإرهاب لأن ذلك يتيح المجال للنظام السوري وحلفائه للتملص من تنفيذ أهداف بيان جنيف 1.

دي مستورا: أخطاء بالجملة

قام المبعوث الأممي الخاص لسورية ستيفان دي مستورا بزيارة لدمشق في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، ليطرح على أطراف النزاع مبادرة جديدة تحمل اسم “المناطق المجمّدة” على أن تبدأ في مدينة حلب وفي حال نجاحها تنتقل إلى مناطق أخرى، وأدخل نوعاً جديداً من المبادرات على قاموس الأمم المتحدة، واستنسخ تجربة النظام السوري في هذه المبادرة.

مبادرة دي مستورا هذه لم تكن “هدنة” ولا “وقف إطلاق نار”، ولم تُشر إلى نية لإخراج المقاتلين الأجانب، ولم تُحدد من هي الأطراف التي يجب أن توقعها، ولم توضح دور القوى الدولية والإقليمية والمحلية فيها، ومن سيراقبها وآليات هذه المراقبة وما هو الضامن القانوني والعسكري لنجاحها واستمرارها. فقط قال عنها إنها “نقطة من بحر”، وأن “نقاطاً عدة من الممكن أن تشكل بحيرة، والبحيرة يمكن أن تصبح بحراً”.

من الصعب وصف الرجل بأنه حليف للنظام السوري، لكنّه ساهم بشكل كبير طوال أربع سنوات من المراوحة في المكان، وتقديم العديد من المبادرات التجريبية غير البناءة التي تخضع للخطأ والصواب، في تمييع القضية السورية وزيادة حدة الخلافات بين قوى المعارضة السورية، واستفاد النظام من بعض مبادراته ليغيّر من سياساته العسكرية بما يفيده ميدانياً.

كان دي مستورا الأكثر مماطلة من بين كل الذين تولوا مهام المنصب الأممي لسورية، وطوال فترة مهامه، استمر في تدوير الزوايا واللعب على الوقت، وحاول التأقلم مع مواقف الطرف الأقوى في الصراع السوري، أي روسيا والنظام، حيث كانت العلاقة بينه وبين المعارضة متوترة جداً بسبب تحّيزه للنظام وقبوله بأطروحاته.

أخطر ما فعله دي مستورا أنه جعل مسائل مبدئية لا تستدعي التفاوض موضع تفاوض، وسهّل بمبادراته كثيراً منح النظام السوري فرصة التفوق العسكري، وحضوره مؤتمر أستانة رغم أنه ليس مؤتمراً دولياً حول سورية، وترحيبه بـ “التقدم” الذي يُحرزه أستانة على حساب محادثات جنيف، وكذلك إعلانه أن محادثات أستانة حول سورية تقترب من التوصل إلى إعلان نهائي، وكأنه ناطق رسمي باسم هذا المؤتمر الذي ترعاه روسيا وإيران، حليفتا النظام السوري، ومن ثم، ترويجه بشكل غير مباشر لأن يكون مسار أستانة الروسي بديلاً عن مسار جنيف المتفق عليه دولياً عام 2012، وكذلك تقسيمه المعارضة السورية عبر تصنيفها لمنصات، وتهرّب من مناقشة الحل الدولي الأساسي، أي هيئة حكم انتقالي ذات صلاحيات تنفيذية كاملة.

قدّم دي مستورا خلال توليه منصبه ثلاث مبادرات، لم يُكتب لها النجاح جميعها، ضعيفة وغريبة إلى حد بعيد، ولغرابتها وضعفها فشلت قبل أن بدء تنفيذ أي منها، الأولى دعا فيها لفتح الحدود التركية لدخول المقاتلين إلى شمال سورية لمؤازرة مقاتلين أكراد سوريين، لم يحدد فيها من هم هؤلاء المقاتلين ولا طبيعتهم ولا ضوابطهم، وكانت مبادرة تشبه الدعوة لفتح الحدود أمام الفوضى.

والثانية كانت إطلاق مبادرة بمصطلح دولي جديد تحت اسم (تجميد القتال) وهي مبادرة أفضل ما يمكن وصفها بأنها عنوان لتقسيم سورية، وتحولها إلى إمارات حرب، وتفككها لوحدات إدارية منفصلة، وتُنهي العمل الجمعي الشعبي وتدعم العمل السلطوي الفردي للمعارضة والنظام، وتقسم الناس وفقاً لانتمائهم المكاني، وتوفر الأرضية الخصبة لفساد سياسي ومالي وعسكري ومؤامرات لا تنتهي. وفي المبادرة الثالثة دعا إلى تشكيل أربعة مجموعات عمل من النظام والمعارضة، تبدأ بتجزيء الأزمة السورية لمناقشتها عنصراً عنصراً، وتجاهل عن عمد في خطته هذه بيان جنيف الذي اتفقت الدول الكبرى على أنه المرجعية الوحيدة والمتفق عليها للأزمة السورية، وهو البيان الذي حاول النظام السوري الهروب منه وإلغائه بأي ثمن.

لم ينتقد يوماً النظام السوري لاستخدامه البراميل والطيران الحربي لقصف المدنيين، ولم يُطالب ولو لمرة واحدة بخروج المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون إلى جانب النظام السوري، ولم يسعَ لوضع دور للقوى الدولية والأممية بأي مبادرة، ولم يستفد من القانون الدولي في أي من مبادراته، وكل ما تحدّث به طوال عشرة أشهر هو ضرورة إشراك روسيا وإيران في الحل، وقبيل مؤتمر جنيف بنسخته الثالثة، قال إن لديه خطة جاهزة لحل الأزمة السورية، لكن الرجل فاجأ الجميع في جنيف، وتبيّن أنه جمع مئات السوريين من معارضين وناشطين وحقوقيين وعسكريين وتجار ونساء وحتى طلاب صغار مراهقين، ومعهم أنصاف معارضين، وممثلين للنظام من الدرجة الثانية والثالثة، ليفهم مواقفهم ويستمع لآرائهم وتصوراتهم وكأنه لم يسمع بها من قبل ويريد أن يفهم جوهر الأزمة السورية من جديد من الألف إلى الياء.

استمر دي مستورا في الدعوة حتى ثمانية جولات من جنيف، ووصفه البعض بأنه “سمسار” يحاول أن يكسب الوقت بأي طريقة، حتى لو كانت على حساب دماء مئات آلاف السوريين، ولم يُحقق أي اختراق على المستوى “الميليمتري” حتى، واهتم طوال ثماني جولات بالهوامش واللجان الاستشارية أكثر من اهتمامه بالقضية السورية ووقف الموت، واستمتع بعقد عشرات ورشات العمل التي ليست من صلب مفاوضات جنيف، وشكّل لجاناً قانونية ودستورية ونسائية وأهلية وغيرها، واهتم بالشكليات أكثر من اهتمامه بأساس المشكلة.

قبل بدء مهامه، توقع جير بيدرسون، المبعوث الأممي الرابع إلى سورية، أن تكون مهمته “شديدة الصعوبة”، لكنّ الدبلوماسي النرويجي مضى في مهمة سلفه المعقدة والمتعثرة، واستلم منه خمسة ملفات شائكة كان من المفترض أن يسير بها على التوازي، على رأسها مهمة تشكيل اللجنة الدستورية لكتابة دستور جديد لسورية واستئناف العملية السياسية، ومهمة إخراج القوات الأجنبية، ثم مهمة الحفاظ على وحدة البلاد، ومهمة إعادة اللاجئين، وأخيراً مهمة إعادة الإعمار.

بدأ بيدرسون بأولى المهام، وهي تشكيل اللجنة الدستورية، والتي كانت متعثرة في عهد دي مستورا، لكن بيدرسون لم يستطع تقديم فتح في هذا المجال، فقد اضطرّ لتشكّل اللجنة بحيث يكون للنظام ثلثي أعضاء اللجنة، وفق ما أراد الروس أيام دي مستورا.

يواجه بيدرسون أيضاً تحدي استئناف العملية السياسية في سورية، المتوقف تقريباً بسبب رفض النظام السوري تنفيذ مخرجات بيان جنيف والقرار 2254، كما يأتي ملف إخراج القوات الأجنبية من سورية على رأس الملفات التي تنتظر أن يتحرك فيها، خاصة موضوع خروج الميليشيات الإيرانية متعددة التسميات والجنسيات، وقوات حزب الله اللبناني، والقوات التركية والروسية والفرنسية والأميركية التي تنتشر في سورية، فضلاً عن الجماعات الإسلامية المتطرفة الإرهابية كداعش.

كذلك لابد من أن بيدرسون يعرف أن مهمة وحدة الأراضي السورية تنتظر جهوداً كبيرة منه، وسط حالة الفوضى التي تعيشها سورية وتدخل الأطراف الإقليمية والدولية، ومحاولة تقسيم البلاد على أسس طائفية وقومية، ووسط تغيير ديموغرافي يقوم به النظام السوري وإيران منذ سنوات.

وأخيراً، ينتظر بيدرسون ملف إعادة الإعمار وعودة اللاجئين، وهي ملفات غاية في التعقيد، خاصة وأن الدول المعنية بالملف السوري ربطت إعادة الإعمار بالتسوية السياسية، كذلك رفض ملايين اللاجئين السوريين العودة إلى سورية في ظل وجو النظام السوري الحالي.

من الصعب أن يكون بيدرسون “المنقذ”، وغالباً هو غير قادر على تحقيق تقدّم في الملفات الخمسة سابقة الذكر، خاصة مع معرفة حجمها وصعوبتها وتعقيدها، وفي الغالب الأعم لن يستطيع أن يحلّ ولا حتى جزء من هذه المشاكل والملفات المعقّدة، والتي تحتاج جميعها إلى توافقات دولية لن تحصل على المدى المنظور.

لا ينتظر السوريون أن يقوم بيدرسن برفع الظلم عنهم، ولا هم واهمون، وكل ما ينتظروه ألا يقع بأخطاء فاحشة كالتي ارتكبها من سبقه، وألا ينضم إلى أسلافه في التسويف وتزوير الحقائق ضد الشعب المسكين.

لعل المشترك في نتائج عمل المبعوثين الدوليين في سورية هو ميلهم لإدارة الأزمة لا إلى حلّها، وكانوا على قناعة ربما بأنه لا ضرر من إضاعة الوقت، ولم يحاولوا أن يغوصوا في لب الكارثة السورية وأسبابها، ولم يقتنعوا بأن ما جرى ويجري هو ثورة شعب يريد حريته وكرامته ودولته الديمقراطية، ثورة شعب ضد نظام ديكتاتوري شمولي تمييزي أمني، لا حرباً طائفية ولا حرب جياع، وبالتأكيد تضافرت مجموعة أسباب أخرى أدت إلى فشل مهامهم، منها ضعف هيئة الأمم المتحدة وعدم قدرتها على فرض حلول دولية، وفشل آلية الفيتو في مجلس الأمن، والانقسام الدولي، ووقوف روسيا والصين إلى جانب النظام السوري، ورغبة الأولى أن تعود امبراطورية كبرى لها صوتها المسموع على المستوى الدولي، وكل هذا، لا يطرح فقط سؤالاً حول مصداقية المبعوثين الأممين وغاياتهم الحقيقية، بل يطرح سؤالاً أكبر من ذلك، حول جدوى الأمم المتحدة ومجلس أمنها، طالما أنها مؤسسة مشلولة إلى هذا الحد.

 

المصدر: السورية نت

https://bit.ly/2TTwjXy

التصنيف مقالات الرأي
الأربعاء, 05 تشرين2/نوفمبر 2014 00:37

خطة دي ميستورا تجميد دون أفق

يطرح المبعوث الأممي دي ميستورا خطة تحرك تتضمن تجميد بعض مناطق الصراع عبر تكريس الهدن وترك إدارة هذه المناطق لأبنائها، وتعد هذه الخطة التسكينية تكتيكاً من شأنه شرعنة الأسد وحصر خيارات المعارضة ضمن ثنائية (القبول والرفض) التي تتطلب جهداً سياسياً بالغ الصعوبة.

التصنيف تقدير الموقف
الأربعاء آب/أغسطس 23
يأتي نشر هذا الكتاب في وقت عصيب على سورية، خاصة في أعقاب الكارثة الطبيعية التي حلت بالبلاد، إضافة إلى الزلازل السياسية التي شهدها الشعب السوري منذ بداية الثورة السورية عام…
نُشرت في  الكتب 
الخميس نيسان/أبريل 29
الملخص التنفيذي مع تراجع سُلطة الدولة المركزية لصالح صعود تشكيلات دون دولتية، منها ذات طابع قومي وديني؛ برزت نماذج مختلفة من أنماط الحكم المحلي في الجغرافية السورية، والتي تأثرت بالخارطة…
نُشرت في  الكتب 
الخميس كانون1/ديسمبر 17
مقدمة تتفق جل الأدبيات المتعلقة بحقل العلاقات المدنية العسكرية بأنها خضوع القوات المسلحة لقيادة مدنية ديمقراطية، وهي عملية معقدة تتطلب إصلاحاً تشريعياً شاملاً، وإصلاحاً للقطاع الأمني بأكمله، وإجراء العدالة الانتقالية،…
نُشرت في  الكتب 
شارك الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية الأستاذ سامر الأحمد ضمن برنامج صباح سوريا الذي…
الأربعاء تشرين2/نوفمبر 29
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في فعاليات المنتدى الاقتصادي الخليجي…
الجمعة تشرين2/نوفمبر 24
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في رؤية تحليلية للحرب على…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 20
قدم الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية أيمن الدسوقي تصريحاً لجريدة عنب بلدي ضمن تقرير…
الجمعة شباط/فبراير 24