شهدت سورية منذ بداية الثورة في عام 2011 حالة من الاضطراب السياسي والعسكري، تمثلت في التشتُّت والانقسام الذي عانت منه القوى المعارضة لنظام الأسد. هذا التشتت، الذي شمل الفصائل العسكرية والهيئات السياسية، أسهم في إضعاف قدرة المعارضة على تحقيق أهداف الثورة، وجعلها تواجه تحديات كبيرة على مختلف الأصعدة. ومع مرور الوقت، برزت “هيئة تحرير الشام” كقوة مهيمنة في شمال غرب سورية، حيث استطاعت تطوير نفسها عسكريًا وسياسيًا رغم التصنيف الإرهابي لها.
مع تصاعد الأحداث، أصبح مشهد الصراع السوري أكثر تعقيدًا، حيث برزت تحولات استراتيجية في موقف “هيئة تحرير الشام”، التي تبنّت نهجًا براغماتيًا لبناء دولة أو شبه دولة في المناطق التي تسيطر عليها. في سياق هذا التحول، كانت عملية “ردع العدوان” نقطة فارقة في تطور المعارضة، حيث شهدت مرحلة جديدة من التنسيق العسكري والسياسي بين الفصائل، متجاوزة الانقسامات السابقة، وتركزت جهودها على استعادة الاستقرار في المناطق المحررة وتحقيق نموذج حكم متماسك.
ومع تحول مسار الصراع، كان تحرير دمشق أحد أبرز الأحداث التي شكلت نقطة تحول محورية، حيث انهار النظام بعد تدمير دفاعاته الأساسية، ما فتح الطريق أمام مرحلة جديدة من التحديات التي تواجهها المعارضة في إدارة الدولة السورية الجديدة. هذا السياق يشكّل اختبارًا حقيقيًا في بناء الدولة من خلال تحكمها في المؤسسات الحكومية والقدرة على تقديم الخدمات الأساسية للسكان، وسط الأزمات الإنسانية والاقتصادية التي يعاني منها الشعب السوري.
تمحورت المشكلة الرئيسية للقوى المعارضة على مدار الـ 13 عامًا الماضية في عدم وجود تنسيق فعّال، سواء بين الفصائل المسلحة أو بين الهيئات السياسية، ما نتج عنه ضعف في الأداء المشترك وفشل في تحقيق أهداف الثورة.
في البداية، تجسّد هذا التشتت في تعدد الجماعات المسلحة، وعدم وجود قيادة موحدة قادرة على تنسيق الجهود بين مختلف الفصائل. هذا التشرذم جعل المعارضة السورية تتسم بالفوضوية، حيث كانت كل جماعة تعمل بشكل منفصل، دون أن تكون هناك آلية فعالة للانسجام أو التنسيق فيما بينها.
أدّى التشظي الواسع إلى تصاعد الخلافات والانقسامات بين الفصائل. لا سيما أن هذه الجماعات كانت تتبنى توجهات أيديولوجية متعددة، ما أسهم في تنامي الصراعات الداخلية بدلًا من التوحد لمواجهة نظام الأسد، ناهيك عن تداخل المصالح الإقليمية والدولية الذي لعب دورًا كبيرًا في تعميق هذا التشتت، حيث ارتبطت بعض الفصائل بداعمين خارجيين ذوي مصالح متباينة، ما ساهم في زيادة تفكيك صفوف المعارضة.
شكّل ارتباط بعض الفصائل بأنظمة إقليمية ودولية تهديدًا أيديولوجيًا وسياسيًا لبعضها البعض، مع بروز تدخلات أجنبية معقدة، أبرزها التدخل الروسي الذي شكّل نقطة تحول حاسمة في الحرب السورية، ما منح نظام الأسد تفوقًا استراتيجيًا على الأرض، على حساب السيطرة العسكرية لقوى المعارضة السوري، حيث فقدت حوالي 70% من المناطق التي كانت تحت سيطرتها.
شكلت خسارة المدن والمناطق الحيوية مثل حلب الشرقية عام 2016 والغوطة الشرقية عام 2018، ضربة موجعة أثّرت على مصداقية المعارضة وحجم قوتها العسكرية. تلك الخسائر أظهرت مستوى الضعف في التنسيق العسكري والسياسي، الأمر الذي أسهم في تعزيز موقف النظام وحلفائه سياسيًا، كما أن انتشار جماعات متطرفة مثل “داعش” و”جبهة النصرة” في بعض المناطق ساهم في تشويه صورة المعارضة في الداخل والخارج، ما جعلها تفقد جزءًا من دعمها الشعبي والدولي.
وإلى جانب الشق العسكري، كان فشل المعارضة السورية في بناء كيان سياسي موحد من أبرز العوامل التي أسهمت في تراجعها، حيث فشلت جميع محاولات توحيد صفوف المعارضة تحت جسم سياسي جامع. ورغم جهود المجتمع الدولي لتأسيس كيانات مثل “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” و”هيئة التفاوض”، فإن هذه المحاولات باءت بالفشل بسبب الانقسامات المتعددة على الصعيد السياسي والأيديولوجي، وانفكاك الارتباط بينها وبين الفواعل المحلية.
عجز المعارضة عن بناء رؤية سياسية موحدة ساهم أيضًا في تراجع دورها في المحافل الدولية، ما جعلها غير قادرة على التأثير في مسار الأحداث. في وقت كانت القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة، قد بدأت في إعادة توجيه أولوياتها بعيدًا عن دعم المعارضة السورية.
أبرز التحولات الدولية تجسد في قرار إدارة ترامب عام 2017 بوقف برنامج تسليح المعارضة المعتدلة، وهو ما أضعف قدرتها على مقاومة النظام. وعزّز هذا الواقع حقيقة أن المؤتمرات الدولية مثل أستانا وسوتشي قد عملت على تثبيت مناطق خفض التصعيد، وهو ما تمّت ترجمته عمليًا إلى تجميد حالة النزاع لصالح نظام الأسد. تضاف إلى ذلك التغيرات في المواقف الإقليمية لبعض الدول الداعمة للمعارضة، كالسعودية والإمارات، والتي ساهمت في عزلها سياسيًا، وزادت من صعوبة موقفها على الساحة الدولية.
في ظل هذه البيئة المضطربة، برزت “هيئة تحرير الشام” كلاعب رئيسي في شمال غرب سورية، حيث استطاعت رغم نشأتها من رحم تنظيم القاعدة، أن تبني نفسها بشكل تدريجي على الصعيدَين العسكري والسياسي.
رغم تصنيفها كمنظمة إرهابية، تمكنت “تحرير الشام” من إجراء تحولات استراتيجية جعلتها تفرض نفسها كقوة مهيمنة في المناطق التي تسيطر عليها. كان أهم هذه التحولات هو تبني نهج براغماتي يعتمد على بناء دولة أو شبه دولة في مناطق سيطرتها، إذ أقدمت على إنشاء “حكومة الإنقاذ السورية” في عام 2017، التي عملت على تكوين إدارة مدنية منظمة تشمل مؤسسات حكومية، محاكم، ونظامًا ماليًا دقيقًا، بالإضافة إلى ضبط أمن داخلي عالي المستوى.
رغم أن هذه الخطوة قد اُعتبرت رمزية في بعض الأحيان، فإنها منحت الهيئة درجة من الشرعية المحلية، وحسّنت قدرتها على ضبط الحياة المدنية والمجتمعية في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
عسكريًا، عززت “هيئة تحرير الشام” من قدراتها من خلال تحديث قواتها، إذ قامت بإعادة هيكلة جيشها على أساس الانضباط العسكري الصارم. منها تشكيل كلية عسكرية وكلية شرطة، تم تبني تقنيات حديثة، بما في ذلك الطائرات المسيَّرة التي أحدثت فارقًا كبيرًا في موازين القوة العسكرية، وأدّت إلى تحسين تكتيكات الهيئة في المعارك مع قوات النظام وحلفائه. هذا التطور العسكري مكّن الهيئة من فرض هيمنتها في بعض المناطق، وزيّن صورتها كقوة ميدانية قادرة على تغيير مجريات الحرب لصالحها.
من الناحية الاقتصادية، واجهت “هيئة تحرير الشام” تحديات كبيرة بسبب ندرة الموارد في المنطقة، لكنها استطاعت تخطي هذه العقبات عبر فرض السيطرة على المعبر الحدودي مع تركيا، وإحداث معبر مع مناطق غصن اليزيتون لجباية الضرائب والرسوم الجمركية، بالإضافة إلى احتكارات واسعة، ما أعطاها إمكانية تمويل عملياتها العسكرية والإدارية بشكل مستقل، وعزز قوتها المالية وتمكينها من ترسيخ سلطتها في المناطق الخاضعة لها.
في مراحلها الأخير، كادت الاضطرابات الشعبية ضد “هيئة تحرير الشام” التي نظمها “حزب التحرير” أن تغير المشهد المحلي في إدلب كليًا، حيث ارتبطت الاحتجاجات في بعض مناطق إدلب وريف حلب الغربي بعوامل محلية ومناطقية، مثل التهميش الذي تعرضت له مدينة الأتارب، ما دفع إلى خروج تظاهرات ضد الجولاني بعد إطلاق حملة “لا لتهميش الأتارب”.
توزُّع الناشطين وكثافة السكان لعبا دورًا في انتشار التظاهرات، وبينما انتشرت في إدلب بشكل كبر غابت عن مناطق جبل الزاوية لضعف عدد السكان وقلة الناشطين. في المقابل، غابت المظاهرات عن مناطق مثل الدانا وحارم وسلقين، بسبب زيادة الوجود الأمني لـ”هيئة تحرير الشام” أو ضعف الحراك المدني.
تمكن الجولاني من تعزيز قدرته على ضبط الواقع الداخلي للهيئة والمناطق الخاضعة لسيطرتها، بعد مقتل القيادي أبو ماريا القحطاني، حيث شكّل مقتله نقطة تحول في تسوية بعض التوترات الداخلية داخل الهيئة، ما أتاح للجولاني تعزيز سلطته وزيادة قبضته الأمنية على المناطق التي كانت تشهد بعض الفوضى والاحتجاجات.
استطاع الجولاني استثمار هذه الفترة لزيادة تأثيره، من خلال اتخاذ إجراءات أمنية مشددة ضد أي تحركات معارضة داخل مناطق نفوذه. كما عززت الهيئة من عملياتها الاستخباراتية والمراقبة، ما جعل من الصعب تنظيم تظاهرات واسعة أو حركات احتجاجية ضد سياسات الهيئة، وبالتالي خفضت فرص تصاعد أي حراك معارض لها.
تمكنت “هيئة تحرير الشام” من توحيد القوى المحلية تحت قيادتها، حيث عملت على تحجيم تأثير الفصائل المنافسة وتعزيز دورها كقوة مركزية في المنطقة. ورغم الاستمرار في مواجهة الضغوط السياسية والعسكرية، فإن الهيئة استطاعت تقديم نفسها كفاعل أساسي في الحرب السورية، يملك من القوة ما يسمح له بإعادة تشكيل الواقع الميداني والسياسي في الشمال السوري.
“ردع العدوان” ومرحلة الفصل
تمثل عملية “ردع العدوان” نقطة تحول رئيسية في الصراع السوري، حيث عكست قدرة المعارضة المسلحة على الجمع بين الحسم العسكري والإدارة السياسية لتحقيق أهداف استراتيجية تتجاوز المكاسب الميدانية.
على الصعيد العسكري، أظهرت العملية درجة عالية من التنظيم والتنسيق، إذ تمكنت غرفة العمليات المشتركة بقيادة “هيئة تحرير الشام”، برئاسة أبو محمد الجولاني، من تحقيق انضباط فصائلي غير مسبوق.
غرفة العمليات هذه جمعت تحت مظلتها العديد من الفصائل، مثل “حركة أحرار الشام” و”الجبهة الوطنية للتحرير”، ما ساهم في تجاوز الانقسامات التي كانت تعيق الفاعلية القتالية في الماضي. فالمعركة الأخيرة على جبهات إدلب وحلب وحماة، أثبتت أن التعاون الميداني يمكن أن يخلق قوة تكتيكية فعّالة قادرة على مواجهة قوات نظام الأسد المدعومة من حلفائها الإقليميين والدوليين.
أحد أبرز العوامل التي عززت نجاح العملية، كان الاستخدام المبتكر للطائرات المسيَّرة، التي أدارتها “كتيبة شاهين”. هذه المسيَّرات لم تكن مجرد أدوات استطلاع، بل أصبحت وسيلة رئيسية لتنفيذ ضربات دقيقة ضد أهداف النظام، ما مكّن الفصائل من تحقيق تفوق تكتيكي ملحوظ.
إضافة إلى ذلك، اعتمدت القوات العسكرية على تقنيات متقدمة أخرى، مثل المناظير الليلية والأسلحة الموجهة لتوسيع قدراتها الميدانية، ما ساهم في تحسين أدائها في العمليات الليلية والصراعات الممتدة، علاوة على ذلك لعب الانضباط العسكري دورًا محوريًا في نجاح العملية، فالمقاتلون في صفوف الفصائل أظهروا انضباطً عسكريًا عاليًا خلال المعارك، حيث التزموا بالقوانين التنظيمية والتعليمات العسكرية.
انعكس الانضباط ضمن قوات “ردع العدوان” على تنفيذ العمليات بشكل منظم، ما ساعد في تعزيز التنسيق بين القوات المختلفة وحسن توزيع المهام على الجبهات. كان هذا الانضباط حجر الزاوية في التنسيق السلس بين كتل العسكرية المختلفة، كما أنه أتاح للمقاتلين القيام بمناورات معقدة وتنفيذ ضربات دقيقة ضد قوات النظام.
الانغماسيون، الذين شكلوا جزءًا أساسيًا من العمليات القتالية، أظهروا قدرة استثنائية على ضرب خطوط العدو بشكل مفاجئ وفعّال، خاصة على جبهتَي حلب وحماه، من خلال تكتيكات الاقتحام السريع والضربات المباغتة.
استطاع هؤلاء المقاتلون إرباك قوات النظام، ما خلق فجوات في دفاعات النظام وساهم في تعطيل خطوط الإمداد والاتصال. كانت هذه العمليات تتطلب مستوى عاليًا من التدريب والانضباط، حيث كان الانغماسيون يتعرضون لمخاطر كبيرة من أجل إحداث تأثير مباشر على تقدم القوات النظامية.
سياسيًا، لم تقتصر أهداف عملية “ردع العدوان” على كسب المعارك، بل سعت إلى ترسيخ نموذج للحكم المؤسساتي في المناطق المحررة حديثًا، من خلال إعادة تفعيل المؤسسات الحكومية بشكل منظم ودون إقصاء للموظفين السابقين للنظام، حيث اختارت القيادة نهجًا متسامحًا يهدف إلى بناء الثقة بين السكان المحليين. هذا النهج كان جزءًا من استراتيجية أوسع لتحقيق الاستقرار طويل الأمد، حيث تم تفادي الأعمال الانتقامية التي قد تثير اضطرابات مجتمعية.
النجاح في السيطرة على ثاني أكبر مدينة في سورية تحول إلى حالة ترميزية لإعادة فرض السيادة الوطنية، لكنه جاء مشفوعًا بخطوات عملية لتعزيز شرعية القيادة، منها الالتزام بمبدأ “الشرعية الخدمية”. عبر توفير الخدمات الأساسية للسكان، مثل الخبز والوقود، إضافة إلى ضبط الأمن الداخلي، نجحت القيادة في كسب التأييد الشعبي، ما عزز من مكانة المعارضة كبديل مقبول للنظام السوري.
الأبعاد الإنسانية والاقتصادية: بناء الاستقرار في خضمّ النزاع
رغم أن عملية “ردع العدوان” ركزت في الأساس على الحسم العسكري، فإن القيادة أدركت أن الاستقرار لا يمكن تحقيقه دون معالجة الاحتياجات الإنسانية والاقتصادية للسكان المحليين، فالمناطق المحررة عانت من أزمات متعددة نتيجة الصراع الطويل، بما في ذلك نقص الخدمات الأساسية وتدهور البنية التحتية.
في هذا السياق، أظهرت القيادة مرونة كبيرة في التعامل مع الموارد المحدودة، حيث تبنّت استراتيجية فعّالة لإعادة توزيع الموارد المحلية لتلبية احتياجات السكان، ما ساهم في تفادي سيناريوهات الفوضى الاقتصادية التي عادةً ما تصاحب انهيار المؤسسات في مناطق النزاع.
تمثلت الخطوة الأولى في تحسين الأمن الداخلي لضمان استقرار الحياة اليومية للسكان، حيث نجحت الفصائل في إنشاء نظام أمني يعتمد على ضبط الموارد البشرية وتفعيل الشرطة المحلية، هذه الإجراءات كانت ضرورية لتجنب انتشار الفوضى وتعزيز الثقة بين السكان والقيادة.
في الجانب الاقتصادي، واجهت القيادة تحديات هائلة بسبب ضعف البنية التحتية والتمويل. رغم ذلك، تمكنت من تأمين احتياجات أساسية للسكان، مثل المواد الغذائية والمحروقات، ما خلق بيئة مستقرة ساعدت على تحسين نوعية الحياة في المناطق المحررة.
هذا التوجه الخدمي لم يكن مجرد استجابة لحاجات السكان، بل كان جزءًا من استراتيجية شاملة لكسب القلوب والعقول، حيث أدركت القيادة أن النجاح العسكري لن يكون له قيمة ما لم يصاحبه رضا شعبي واسع.
كان للدور الإقليمي، خصوصًا الدعم التركي، عاملًا حاسمًا في نجاح هذه الجهود. رغم غياب الدعم الدولي المباشر، حيث ساهمت تركيا في تعزيز قدرات الفصائل من خلال توفير تقنيات حديثة ودعم لوجستي غير معلن وسياسي، ما أتاح للمعارضة فرصة لتحسين أدائها العسكري والاقتصادي.
على الصعيد الإنساني، حرصت القيادة على تقديم صورة متسامحة ومتماسكة تعكس رؤية جديدة لإدارة التنوع الطائفي والديني في سورية. في هذا السياق، أظهرت تعاملًا إيجابيًا مع المجتمعات الشيعية والمسيحية في المناطق المحررة، كمسحيي مدينة حلب، وسكان نبل والزهراء، ما ساعد على تهدئة التوترات الطائفية التي كانت تؤجّج الصراع.
هذا النهج لم يقتصر على تحسين العلاقات مع المكونات المحلية، بل ساهم أيضًا في تعزيز صورة المعارضة أمام المجتمع الدولي كقوة جامعة قادرة على إدارة التنوع بفعالية.
بذلك، تكون عملية “ردع العدوان” قد حققت نموذجًا استثنائيًا لإدارة الأزمات في بيئة سياسية واجتماعية معقدة. من خلال الجمع بين الحسم العسكري، الحنكة السياسية، والإدارة المجتمعية، نجحت العملية في تحقيق أهداف متعددة الأبعاد تجاوزت حدود المواجهة العسكرية المباشرة مع نظام الأسد.
أثبتت التجربة أن النجاح في مناطق النزاع لا يقتصر على التفوق الميداني، بل يتطلب استراتيجية شاملة تعالج الاحتياجات الإنسانية، تعزز الشرعية السياسية، تبني توافقات مجتمعية طويلة الأمد، التركيز على تقديم الخدمات الأساسية، تعزيز الأمن، واحترام التنوع الديني والطائفي كان حجر الزاوية في هذا النموذج.
تحرير دمشق: “ردع العدوان” واختبار الدولة
إن ما أنجزته عملية “ردع العدوان” في مراحلها الأولى -سيطرتها على كامل محافظة حلب-، يمثل تحولًا استراتيجيًا بالغ الأهمية على الصعيدَين العسكري والسياسي. فقد أسفرت العمليات العسكرية الناجحة عن كسر خطوط الدفاع الأخيرة في حماة، ما أدّى إلى تمدد سيطرة المعارضة على مناطق واسعة، وأسهم في تصدع نظام الأسد وجيشه بشكل غير مسبوق.
فتح هذا التقدم العسكري المباغت جبهات أخرى في درعا والسويداء وشرق حمص، وهو ما هيَّأ الطريق أمام تحرير دمشق، نقطة القلب لنظام الأسد. مع تحرير العاصمة، انهار النظام رغم كل محاولاته البائسة في الصمود، ليجد رأس النظام نفسه في نهاية المطاف هاربًا، بعد أن فشل في تنفيذ أي من خطواته العسكرية والسياسية الأخيرة.
أدّى هذا التحرير إلى حالة من الفوضى الكبيرة في دمشق، حيث شهدت المدينة عمليات سطو وسرقة نفّذتها مجموعات صغيرة من بعض السكان الذين استفادوا من الانفلات الأمني. مع ذلك، كانت هناك خطوات هامة في مواجهة هذا الوضع، إذ قامت “إدارة العمليات العسكرية” بتنسيق إجراءات عملية لاستعادة الاستقرار.
تمثلت أولى خطواتها بالاتصال برئيس مجلس الوزراء السابق للحفاظ على الوزارات والمؤسسات الحكومية، كما تم التنسيق مع البعثات الدبلوماسية للبقاء في عملها، وهو ما ساهم في تجنب حالة الفراغ السياسي، وضمان استمرارية بعض المؤسسات الحكومية الحيوية.
كانت هذه الاستراتيجية بمثابة اختبار حقيقي لإمكانية التنسيق والعمل المنظم في ظل الظروف الصعبة، حيث تم العمل على تأمين المؤسسات الحكومية والسيطرة على الأوضاع الأمنية. هذا التماسك الذي أظهرته “غرفة العمليات العسكرية “ساعد في فتح آفاق جديدة للاستقرار، وكان له دور فاصل في تعزيز إمكانية الدعم الدولي لإعادة بناء الدولة السورية والمجتمع.
كان هذا الدعم حيويًا في مساعي تحقيق السلم الأهلي، وهو ما ظهر في تغيُّر المواقف الدولية، من دول إقليمية ودولية ومنظمات دولية، التي أظهرت استعدادها لدعم المرحلة الانتقالية في سورية.
في هذا السياق، عملت قوات المعارضة على ضبط الأمن الداخلي في دمشق التي كانت تعاني من التشتت والفوضى، عبر سحب السلاح من المدنيين وضمان أمن الأحياء. إلا أن هذا الاستقرار الداخلي لم يكن خاليًا من التحديات، حيث نشطت “إسرائيل” على الجبهة الجنوبية، وقامت بغارات جوية استهدفت أكثر من 100 موقع عسكري في محيط العاصمة، ما يعكس تعقيد الوضع الإقليمي وتأثير القوى الخارجية على مجريات الأحداث في سورية.
تحديات وفرص
في إطار الجهود المبذولة للحفاظ على المؤسسات الحكومية السورية بعد انهيار النظام، قامت قيادة “غرفة العمليات العسكرية” بتكليف الحكومة السورية السابقة بقيادة الجلالي للمساعدة في تنظيم المرحلة الانتقالية.
وبعد يومين من هذه الخطوة، أعلنت القيادة العامة تكليف محمد البشير رئيس حكومة الإنقاذ في إدلب، بتشكيل حكومة مؤقتة لإدارة شؤون دمشق لمدة 3 أشهر تنتهي في 1 مارس/ آذار 2025، وقد أخذ البشير معه وزراء حكومته من إدلب لاستلام مهامهم في الوزارات بدمشق، في خطوة تهدف إلى إعادة تنظيم الجهاز الحكومي وتعزيز استقرار البلاد في هذه المرحلة الحرجة.
لن تكون مهمة الحكومة الجديدة سهلة وإنما ستواجه تحديات جمّة لا يمكن حصرها، إلا أنه يمكن تحديد أكثرها وضوحًا في هذه المرحلة، أهمها:
إدارة الدولة بشكل شامل
ستكون مهمة الحكومة الجديدة في إدارة سورية بشكل موحد أمرًا بالغ الصعوبة في ظل تنوع المكونات الطائفية والسياسية، في ظل غياب إشراك جميع الفئات والمكونات في عملية إعادة البناء السياسي والاجتماعي، وهو ما يفاقم التحدي.
بعض الفصائل أو المكونات قد تجد أن مصالحها مهددة نتيجة هذه العملية، ما قد يؤدي إلى معارضتها أو مقاومتها لهذا التوجه، خاصة إذا شعرت أن سياساتها أو توجهاتها قد تتأثر سلبًا في أعادة بناء الجيش والقوات المسلحة.
إعادة بناء الجيش والقوات المسلحة
تعرض الجيش السوري لتدمير شبه كامل بسبب الهجمات العسكرية الإسرائيلية المستمرة، فضلًا عن تفكُّك قوى الأمن الداخلي. إعادة بناء هذه المؤسسات الحيوية ستكون عملية طويلة ومعقدة تحتاج إلى تأهيل ضباط وجنود، فضلًا عن إصلاح الأنظمة الأمنية لضمان الحفاظ على الأمن الوطني.
بقاء رموز النظام السابق في الحياة السياسية والدبلوماسية
تواجه الحكومة الجديدة معضلة في مسألة بقاء رموز النظام السابق في المناصب الدبلوماسية والسياسية. الحكومة أمام خيارَين: إما إبقاء هؤلاء الأشخاص في المحافل الدولية لما لديهم من خبرة، وإما استبدالهم بعناصر جديدة قد تفتقر إلى الكفاءة الدبلوماسية، ما سيؤثر على قدرة الحكومة الجديدة على بناء علاقات دولية قوية.
إعادة هيكلة الفصائل العسكرية
توحيد الفصائل العسكرية المنتشرة في مختلف مناطق سورية تحت قيادة وزارة الدفاع يمثل تحديًا أمنيًا، فضلًا عن ضرورة جمع الأسلحة من المدنيين، فإن الوضع العسكري المعقد سيزيد من صعوبة هذه المهمة، ما يتطلب تنسيقًا عالي المستوى بين الفصائل المختلفة لضمان انضباط الجيش وتجنب أي صراعات داخلية.
العدالة الانتقالية ومحاسبة مجرمي الحرب
مشكلة العدالة الانتقالية تظل عقبة رئيسية أمام الحكومة الجديدة، حيث يتعين محاسبة العديد من الشخصيات المتورطة في جرائم ضد الإنسانية خلال فترة حكم النظام السابق. إرساء العدالة في ظل انهيار النظام ووجود مئات المتورطين سيكون عملية صعبة ومعقدة من الناحية القانونية والسياسية.
تواجد القوات الأجنبية في سورية، سواء كانت روسية أو أمريكية أو تركية، يشكل تهديدًا لاستقلالية القرار الوطني. ستواجه الحكومة الجديدة ضغوطًا من هذه القوى الأجنبية التي تسعى لتعزيز مصالحها في الساحة السورية، وسيكون من الضروري الحفاظ على سيادة سورية بينما تتعامل مع التحديات الناتجة عن هذه التدخلات الدولية.
تتمثل الفرص المتاحة أمام الحكومة الجديدة في عدة جوانب مهمة، تساهم في تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي في البلاد.
أولًا، توفر الجغرافيا السورية وإمكانيات التوسع نحو الشرق، ما يتيح الوصول إلى موارد حيوية مثل النفط والغاز، بالإضافة إلى إمكانية تعزيز الاستثمار الزراعي في المناطق الخصبة. كما أن فتح المعابر الحدودية سيعزز فرص جذب رؤوس الأموال الأجنبية، ما يساهم في دعم الاقتصاد السوري.
ثانيًا، هناك احتمال كبير في رفع العقوبات الأمريكية والغربية عن سورية بعد تغيُّر المعطيات الميدانية والسياسية في سورية، وهو ما قد يساهم في انتعاش اقتصادي كبير، ويؤسس لمرحلة جديدة من التعاون الدولي لإعادة إعمار البلاد.
من جهة أخرى، يمثل خروج إيران من المنطقة نقطة تحول مهمة في سورية، من شأنه أن يسهم في تسريع انسحاب القوات الأجنبية من البلاد، وبالتالي يعتبر مؤشرًا على قدرة الحكومة الجديدة في مكافحة الإرهاب وحماية السيادة الوطنية.
إضافة إلى ذلك، يحظى التأييد الدولي الواسع للحفاظ على استقرار ووحدة الأراضي السورية بتأثير إيجابي في تعزيز الاستقرار السياسي في البلاد، ما يمهّد لإعادة بناء سورية بعيدًا عن التدخلات الأجنبية.
ختامًا، يمكن التأكيد على أن الصراع السوري قد شهد تحولات استراتيجية عميقة، أثّرت بشكل كبير على الأوضاع العسكرية والسياسية في البلاد. لقد نجحت “هيئة تحرير الشام” في تعزيز حضورها وتوسيع نفوذها، ما أدّى إلى تعديل موازين القوى المحلية، وجعلها طرفًا رئيسيًا في المعادلة العسكرية والسياسية، رغم التصنيفات الدولية التي تضعها في خانة التنظيمات الإرهابية.
أسفر هذا الصراع عن مشهد معقد من القوى المتنازعة، وهو ما يعكس الحاجة الملحّة إلى مقاربة شاملة لحلّ النزاع، تقوم على إعادة بناء الهياكل السياسية والأمنية في سورية بما يتماشى مع تطلعات الشعب السوري، ويساهم في تحقيق الاستقرار والسلام المستدامَين.
ورغم الصعوبات المستمرة في إتمام التسوية السياسية، فإن التغيرات التي شهدتها سورية تؤكد على ضرورة العمل المشترك بين مختلف الأطراف، وتدعو إلى تكثيف الجهود من أجل التوصل إلى حل شامل يضمن استقرار البلاد، ويحقق العدالة الاجتماعية والتنموية لجميع السوريين.
المصدر: نون بوست
في 27 تشرين الثاني/نوفمبر، بدأت عملية "ردع العدوان" التي أطلقتها غرفة "إدارة العمليات العسكرية" في إدلب تجاه مدينة حلب محرزةً تقدُّماً سريعاً من عدة محاور، ليدخل النزاع السوري في مخاض جديد، سينتج عنه قواعد جديدة مع حالة عدم يقين أو انتهاء لاتفاق خفض التصعيد وآليات وقف إطلاق النار فعلياً.
أعلنت غرفة العمليات عن أهداف محدودة تتمثل ب"ردع العدو" وثنيه عن استهداف مناطق شمال غرب سورية بعد التصعيد الأخير من قبل النظام وحلفائه ضد شمال غرب سورية وإعادة المهجرين إلى قراهم([1])، إلا أنَّ سرعة انهيار الصفوف الدفاعية للنظام – على الأقل حتى لحظة إعداد التقدير – أتاح للفصائل التقدُّم بشكل غير متوقع والاستحواذ على أكثر من 60 بلدة وموقع، بينها نقاط ذات أهمية استراتيجية كالفوج 46، ومركز البحوث العلمية، ومواقع أخرى على خط ال (إم 5)، بل والدخول إلى عدة أحياء غرب حلب.
وبالأخذ بعين الاعتبار أن تصعيد النظام وحلفائه ليس الأول من نوعه على مدار السنوات الأخيرة، وبأنَّ الضربات الجوية أو الاشتباكات أو العمليات "الانغماسية" لم تتوقف على مدار السنوات الماضية، وبأنَّه على الرغم من تفاهمات وقف إطلاق النار إلا أنَّ البيئة المحلية السورية لطالما احتفظت بكمون داخلي لعودة الصراع قيَّدته اتفاقات أستانا بشكل رئيسي؛ فإن توقيت المعركة نابع عن تقييم للبيئة الإقليمية وانعكاسها على الخارطة السورية.
قبل الإجابة عن التوقيت الخاص بالعملية والظروف التي أعادت المنطقة لما قبل آذار 2020، والتي كانت عبارة عن مخاض لرسم حدود النفوذ لكل فاعل من الفواعل في مناطق خفض التصعيد، يجدر التطرُّق للعوامل الذاتية الكامنة التي لعبت دوراً محدِّداً في إنتاج المعركة الحالية، والتي لطالما أعطت مؤشرات عن هشاشة الوضع القائم منذ آذار 2020، ورغبة الأطراف بتعزيز سيطرتها وتمترسها في مناطقها، وانتظار فرصة مواتية لتغيير الواقع لصالحها والتمسُّك بخيارات صفرية مبنية على فرضية الحسم عسكري على المدى البعيد. بدءاً من النظام الذي طالما راهن على "الصبر الاستراتيجي" لتجاوز أي شكل من أشكال الحل السياسي، وهو ما اتَّضح أيضاً بتهربه من الانخراط في مسار التطبيع مع أنقرة مؤخراً، وحتى "هيئة تحرير الشام" التي بنت سرديتها على "التمسك بالخيار العسكري" و"البناء والحرب في ذات الوقت"([2]). كما لم تكن فصائل المعارضة السورية بمنأى عن ذلك، فقد احتفظت هي الأخرى بخيار المناورة بمساحات ضيقة، برزت في انخراط بعضها ضد فتح معبر "أبو الزندين"، قبل مشاركتها في العميلة الراهنة.
ونظراً لكون الاستعداد الذاتي المحلي حاضراً، فإنَّ توقيت المعركة مرتبط بالبيئة الإقليمية. إذ تدلل المؤشرات على أنَّ القرار أخذ بناء على المعطيات المرتبطة بالضربات القاسية التي تعرضت لها وكلاء إيران في لبنان وسورية على مدار العام الحالي، إضافة إلى انشغال روسيا في حربها في أوكرانيا، خاصة مع احتدام المعارك في منطقة كورسك ضمن الأراضي الروسية، وارتفاع احتمالية الضوء الأخضر الغربي لاستخدام كييف صواريخ لاستهداف العمق الروسي([3]). بعبارة أخرى، تأتي العملية من دون انخراط حقيقي من قبل "حزب الله" في الدفاع عن مواقع النظام إما نتيجة الضربات الموجعة التي تعرَّض لها على مدار الأشهر السابقة و/أو "انتقاماً" من النظام الذي نأى بنفسه عن الانخراط لدعم حليفه في "محور المقاومة" في حرب لبنان، واحتدام المعركة بين روسيا وأوكرانيا، وسط حالة انتقالية يشهدها العام بانتظار قدوم إدارة ترمب للبيت الأبيض. علاوة على ذلك كله، لا يمكن إهمال التوقيت من ناحية أنها جاءت بعد برود المحادثات بخصوص مسار التطبيع بين أنقرة والنظام في دمشق نتيجة تعنُّت الأخير ومبالغته في تقدير قدرته التفاوض وفرض شروط مسبقة.
لا شكَّ بأنَّ سرعة التقدُّم الذي أبرزته غرفة "العمليات العسكرية" كان مفاجئاً، فقد أبدت خطوط دفاعات قوات النظام التي افتقرت لدعم الميليشات الإيرانية السابق والإسناد الجوي الروسي ضعفاً واضحاً، علماً أنَّه أبدى مقاومة ملحوظة في مناطق عندان في ريف حلب الشمالي، وسراقب في جنوب شرق إدلب. بالمقابل، فيلحظ وجود قدرات تنسيقية عالية للفصائل على المستوى الميداني من خلال غرفة العمليات الجديدة أو الإعلامي لضبط السردية، ما جعل الحراك المعارض لـ"تحرير الشام" يتوقف من تلقاء نفسه، بل ودفع خصومها السابقين للانضمام للجبهات التي فتحتها. يُضاف إلى ذلك التقنيات الجديدة تكتيكياً وأبرزها الطائرات المسيرَّة، والتي عملت الفصائل على تطويرها خلال السنوات الماضية، ناهيك عن المأسسة التي شهدتها مناطق إدلب خصوصاً على مستوى افتتاح مؤسسات جديدة، كـ"الكلية العسكرية" ومركز "الأبحاث العسكرية" ومراكز التدريب، والتي يبدو بأنها أسهمت في رفع القدرات التكتيكية والعملياتية([4]).
خريطة توضح سيرة عملية "ردع العدوان" حتى تاريخ 29 تشرين الثاني / نوفمبر
بذلك، امتلكت "هيئة تحرير الشام" القدرة على إنشاء غرفة عمليات نوعية تقودها من الخلف، لتتيح بذلك انضمام بعض فصائل الجيش الوطني للغرفة، وتصدير العملية كعملية معارضة سورية. وبصرف النظر عن نتيجة المعركة وهوامش الربح او الخسارة، فإنَّ علاقة الهيئة بالفصائل ستدخل مرحلة جديدة، والحالة المثالية من وجهة نظر "تحرير الشام"، هي الخروج وبيدها غرفة عمليات جديدة (عابرة لـ"الفتح المبين")، بعد إثبات نفسها كفاعل قادر على اتخاذ قرار الحرب ضد النظام، وتحقيق ما روَّجت له لسنوات، "قيادة المحرر" الواحدة.
أما على صعيد حسابات السيطرة استراتيجياً، يبدو بأن قادة العملية يفترضون بأن أسوأ ما يمكن أن يحصل هو العودة للتهدئة الهشة السابقة، نظرا لكون أي نزوح جماعي للسكان هو خط أحمر تركي. وبأن أي مكاسب تكتيكية قد تفتح المجال أمام نافذة من الفرص الغير متوقعة، لتحقيق مكاسب استراتيجية. بالمقابل، وباعتبار أنَّ السيطرة على عدة قرى هنا أو مواقع هناك لا يمكن أن يكون نصراً استراتيجياً، بل تقدما تكتيكيا ونجاحا عملياتياً، طالما أنها لم ترق لمستوى منطقة استراتيجية بالنسبة للجغرافية السورية ككل، مثل مدينة حلب؛ فقد بنيت سردية المعركة منذ أشهر على غاية السيطرة على حلب لتحقيق هدف استراتيجي مقابل الإعلان فعلياً عن عملية محدودة بهدف ترك المساحة للتكيُّف مع المعطيات الميدانية وموازين القوى على أرض الواقع.
إنَّ المعركة التي بدأت بأهداف محدودة وتوسَّعت نتيجة الفرصة التي أتاحتها الظروف الميدانية ما زالت في بدايتها. وعلى الرغم أنَّه من المبكِّر إعطاء أحكام مطلقة بخصوص النتائج، فإنَّ المعطيات الميدانية تشير إلى أن اتجاه المعركة إلى ثلاث محاور رئيسية: ريف حلب الجنوبي، وريف إدلب الشرقي والجنوبي الشرقي، أحياء مدينة حلب الغربية باتجاه مركز المدينة، بالإضافة لاحتمالية فتح محور جديد في ريف حلب الشمالي تجاه مناطق سيطرة "وحدات حماية الشعب" في تل رفعت. عليه فإنَّ سير المعطيات الميدانية في الأيام القليلة المقبلة سيضع المنطقة أمام سيناريوهين:
ختاماً، فإنَّ التطورات الحالية في المشهد الأمني السوري تدلل بوضوح على الانتقال إلى مرحلة جديدة، بفعل القدرات التي عملت الفصائل على تطويرها طوال فترات وقف إطلاق النار النسبي من جهة، والضعف البنيوي الواضح لمؤسسة النظام العسكرية، من ناحية الموارد البشرية والعقيدة القتالية، في ظل تراجع دعم الميليشيات الإيرانية وميليشيا "حزب الله" وشبه غياب التغطية الجوية الروسية المنشغلة بحربها بأوكرانيا من جهة أخرى؛ ناهيك عن أنها تزامنت في مرحلة مخاض إقليمي وتحولات استراتيجية بالغة الأثر.
([1]) النظام يصعّد وفصائل تطلق “ردع العدوان” بالشمال السوري، عنب بلدي، 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، الرابط: https://cutt.us/aA90E
([2]) فاضل خانجي، استحضار صدمة 07 أكتوبر عند التفكير بمستقبل سورية، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 16 أيار/مايو 2024، الرابط: https://cutt.us/NSl9D
([3]) أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك الحرب؟، بي بي سي، 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، الرابط: https://cutt.us/sIXoy
قسَّمت الدراسة مبناها المنهجي وسياقها المعلوماتي والتحليلي إلى فصول ثلاثة، مثّل الفصل الأول منها: مدخلاً ومراجعة لتاريخ القبائل والعشائر في الجغرافية السورية بشكل عام وفي محافظتي حلب وإدلب بشكل خاص، وشكل علاقاتها التاريخية مع السُلطات المختلفة والمتعاقبة، وطبيعة تحوّلاتها البُنيوية، والمتغيرات المختلفة التي قادت بها إلى أشكالها الحالية. وذلك، وفق عملية تحقيب منهجية تناولت سبع حقب ومراحل تاريخية، تمثَّلت بـ: (لمحة عامة عن تاريخ المنطقة وقبائلها في العصور القديمة، الحقبة العثمانية، مرحلة الحكومة العربية وحكم الملك فيصل، حقبة الاستعمار الفرنسي، مرحلة العهد الوطني والاستقلال، مرحلة الوحدة مع مصر، حكم البعث: البعث الأول، البعث الثاني/حافظ الأسد، العُشرية الأولى من حكم بشار الأسد). وفي هذا المدى التاريخي الواسع، حدَّدَت الدراسة مُتغيرات عدة لتتبعها وتلمُّس آثارها في كل حقبة ومرحلة، وعلى رأسها: (القبائل الفاعلة في الشمال، طبيعة العلاقة مع السُلطة المركزية والعوامل التي حكمت تلك العلاقة، الأدوار المختلفة للقبائل والعشائر وتحوّلاتها، صراعات القبائل وعلاقاتها البينية، التحوّلات البُنيوية: اقتصادية واجتماعية وسياسية وقانونية وآثارها، أبرز الهجرات والانزياحات القبلية والعشائرية من وإلى المنطقة، المُتغيرات والعوامل المُحفِّزة لديناميات التحضُّر والاستقرار، تحوّلات مفهوم القيادة القبلية).
يبدأ الفصل الثاني حيث انتهى الأول، ليدرس تفاعلات القبائل والعشائر مع الثورة السورية بعد العام 2011 بمختلف مراحلها وأطرافها وتداعياتها وآثارها. وينقسم الفصل إلى أربعة مباحث، تناول الأول؛ واقع مناطق القبائل والعشائر الديموغرافي والاقتصادي والثقافي في محافظتي حلب وإدلب عشية انطلاق الثورة، مُقدِّماً خارطة لانتشارها وعددها في المحافظتين والبالغ بحسب المسح الميداني: 25 قبيلة تتبع لها 220 عشيرة، إضافة إلى 27 عشيرة مستقلة، على اختلاف مكوِّناتها الإثنية (عربية، كردية، تركمانية، شركسية، غجرية). مقابل مسح ميداني لعدد النقاط الجغرافية التي تشغلها تلك القبائل والعشائر في محافظتي حلب وإدلب، والبالغ قرابة: 2033 نقطة جغرافية، موزعة على الوحدات الإدارية (مدينة، بلدة، قرية، حي، أبرز المزارع). وبعد تحديد ورسم تلك الخارطة، يبدأ المبحث بدراسة دوافع وأشكال تفاعل القبائل والعشائر مع الحراك الشعبي في العام 2011 خلال مراحله الأولى، قبل أن ينتقل إلى دراسة مرحلة التسليح وتفاعلاتها ضمن محافظتي حلب وإدلب، مستعرضاً مسحاً لأبرز المجموعات العسكرية العشائرية المُشكَّلة في المنطقة إلى جانب نظام الأسد والبالغ عددها أكثر من 23 تشكيل عسكري، مقابل نظيراتها المؤسسة إلى جانب المعارضة والبالغ عددها أكثر من 38 تشكيلاً، بين العامين 2012-2020، إضافة إلى مرحلة التنظيمات الجهادية وأشكال علاقاتها مع القبائل والعشائر في المنطقة. مُنتهياً بدراسة الأدوار غير العسكرية التي اضطلعت بها القبائل والعشائر خلال الصراع، خاصة اختبار الإدارة المحلية الذي تعرَّضت له بعد تراجع سُلطة الدولة المركزية وانسحابها بمختلف وظائفها من تلك المناطق.
أما المبحث الثاني من الفصل الثاني؛ فقد تناول التهجير القسريّ الذي تعرّضت له البُنى القبلية والعشائرية ضمن المحافظتين وآثاره المُركّبة، عبر مسح المناطق المُهجَّرة ودراسة سياق تهجيرها والجهات الضالعة بذلك، إضافة لرصد أبرز العشائر المُهجّرة من باقي المحافظات السورية إلى حلب وإدلب. ويقدِّم المبحث خارطة مُفصَّلة لعمليات ومراحل التهجير القسريّ في محافظتي حلب وإدلب بين عامي 2012-2020، موزَّعة على القبائل والعشائر ومناطقها التي شهدت تهجيراً قسرياً بنسبٍ متفاوتة، والبالغ عددها قرابة: 1233 نقطة جغرافية (مدينة، بلدة، قرية، أبرز المزارع)، يضاف إليها 30 حياً في مدينة حلب. مقابل دراسة السياق السياسي والعسكري للتهجير، وأطرافه المتعددة، وآثاره المُركَّبة على القبائل والعشائر. إضافة إلى مسح عدد النقاط الجغرافية التي شهدت عودة جزئية لسكانها والبالغ عددها قرابة: 556 نقطة جغرافية، وتلك التي لا تزال خالية منهم والبالغ عددها: 707 نقطة جغرافية، حتى بداية عام 2023.
يدرس المبحث الثالث؛ طبيعة وحجم المشاركة العسكرية للمكوِّن القبلي ضمن أبرز المظلات والتشكيلات العسكرية في الشمال حتى بداية عام 2023، على اختلاف مناطق السيطرة والنفوذ، ويقدِّم خارطة لأبرز تلك التشكيلات، إضافة لتتبع آثار التهجير على الخارطة الفصائلية في محافظتي حلب وإدلب، خاصة بعد قدوم عشرات الفصائل المُهجَّرة من مناطق سورية مختلفة. في حين ينفرد المبحث الرابع؛ بدراسة ظاهرة تشكيل "مجالس القبائل والعشائر" في الشمال بعد العام 2016، وحركة ودوافع وسياقات تشكيلها، وذلك بعد مسح عددها في محافظتي حلب وإدلب والبالغ قرابة: 30 مجلس قبيلة، مقابل أكثر من 130 مجلس عشيرة. ثم يُركّز فقط على دراسة فاعلية أبرز مجالس القبائل والبالغ عددها 17، بدءاً من وجهة نظر أعضائها، ثم من وجهة نظر أبناء القبائل والعشائر في المنطقة، لتحديد أبعاد ومستقبل تلك التجربة وآثارها المختلفة. إضافة إلى المرور على تجربة "مجالس العوائل والأعيان" المؤسسة في بعض مدن محافظة إدلب، كحالة موازية لـ "مجالس القبائل والعشائر" في أرياف حلب وإدلب.
أما الفصل الثالث: فيُقدِّم نتائج المسح الميداني الذي قام به فريق البحث، لخارطة القبائل والعشائر على اختلاف مكوِّناتها الإثنية (عربية، كردية، تركمانية، شركسية، غجرية) في محافظتي حلب وإدلب، وذلك عبر 52 خريطة بيانية إضافة إلى 52 جدولاً إحصائياً، توضِّح طبيعة كل قبيلة وعدد العشائر التي تتبع لها في المحافظتين، وأبرز بيوتها، والمناطق الجغرافية التي تشغلها موزعة على التقسيم الرسميّ للوحدات الإدارية في محافظتي حلب وإدلب (مدينة، بلدة، قرية، حي، أبرز المزارع).
بناءً على ما تم استعراضه ضمن الفصول والمباحث السابقة، والتي شكَّل الفصل الثاني منها بداية نتائجها العملية فعلياً، توصَّلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج والخلاصات والملاحظات الإضافية على مستويات عدة، سواء فيما يتعلق بالبُنى القبلية والعشائرية وتوزعها الجغرافي، أو على مستوى طبيعة واتجاهات تفاعلها مع الثورة السورية، وأدوارها المتعددة في المجالات السياسية والعسكرية والإدارة المحلية، مقابل آثار الصراع المختلفة على تلك البُنى، خاصة التهجير القسريّ، مروراً بظاهرة تشكيل مجالس القبائل والعشائر وأبعادها الحالية والمستقبلية، وصولاً إلى تموضع البُنى القبلية والعشائرية في معادلة السُلطة وإشكالية العلاقة مع الأخيرة ضمن إطار إدارة العصبيات وشكل الدولة.
للمزيد: https://bit.ly/3WgiK0d
عانت منطقة إدلب من انقطاع الكهرباء القادمة من سد زيزون في حماة بعد خروجها عن سيطرة النظام في عام 2015، ما دفع السكان للاعتماد على مولّدات الديزل (الأمبيرات) رغم التكلفة العالية والتلوث البيئي. ونتيجة لذلك، بدأ البحث عن خيارات بديلة مثل الطاقة الشمسية، التي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في استخدامها بعد عام 2018.
بعد عام 2020، قامت شركة "GREEN ENERGY" باستجرار الكهرباء من تركيا وربطها بالشبكة العامة بأسعار مرتفعة نسبياً للاستهلاك المنزلي والتجاري والصناعي([1]). ومع تزايد اعتماد السكان على الطاقة الشمسية في المنازل ومشاريع الزراعة وتشغيل محطات مياه الشرب والآبار والمعامل، فتحت الشركة باب الاستثمار في مزارع شمسية تستهدف إنتاج الطاقة وبيعها للشركة مقابل مردود مادي محدد، ممّا شكّل فرصة ومساحة لجذب الاستثمار وتشغيل الأموال في هذا النموذج المحلي بغرض التربح، ضمن شروط يتم التعاقد عليها مع الشركة.
ساهم الاستجرار العكسي للكهرباء من المزارع الشمسية إلى الشبكة العامة في تحقيق الاكتفاء الذاتي لإدلب خلال أوقات الذروة من الساعة 9 صباحاً وحتى الساعة 3 عصراً، ليساهم في تخفيض تكاليف استهلاك الكهرباء للصناعيين والتجار والمنازل، مقابل تقليل حجم الكهرباء المستجرّة من تركيا. كما فتح المجال لإمكانية تصدير الفائض إلى مناطق أخرى عند توفر الظروف الملائمة.
يسعى هذا التقرير إلى تناول تجربة إدلب في مزارع الطاقة الشمسية من عدة جوانب؛ دور الطاقة الشمسية في توفير مصدر مستدام للطاقة الكهربائية في شمال غرب سورية، وتقليل الاعتماد على الكهرباء المستجرة من تركيا أو المولدة عبر مولدات الديزل، وتقليص الاعتماد على الطاقة غير النظيفة الملوّثة للبيئة. كذلك، يستعرض التقرير مساهمة الطاقة الشمسية في خفض أسعار الكهرباء، وتحسين الظروف المعيشية. بالإضافة إلى ذلك، يسلّط التقرير الضوء على إمكانية تعزيز البنية القانونية للاستثمار في المنطقة من خلال التعامل مع مئات المورّدين والمستثمرين، وضبط النزاعات المتعلقة بالشركات المستثمرة وتصفيتها ونقل ملكياتها، وكيفية تعزيز هذه المشاريع للاقتصاد المحلي في المنطقة.
تزايدت مشاريع الطاقة البديلة، وخاصة الشمسية، بشكل واسع في إدلب بعد العام 2020 بفضل مجموعة من العوامل التي حفّزت المستثمرين للانخراط في هذا القطاع. ومن بين هذه العوامل؛ استجرار الكهرباء من تركيا بوساطة شركة "GREEN ENERGY" التي مُنحت امتيازاً احتكارياً لتكون المزوّد الوحيد لخدمة الكهرباء العامة في إدلب، حيث يتطلب تطبيق الاستجرار العكسي من المزارع الشمسية توفر تيار كهربائي عام، وضمنت الشركة شراء الطاقة المولّدة من المزارع.
وساهم انخفاض العمليات العسكرية في إدلب من جهة، وهيمنة "هيئة تحرير الشام" على حوكمة المنطقة أمنياً واقتصادياً من جهة أخرى، في توفير حالة من الاستقرار النسبي وبيئة مشجعة تقوم على منظومة قانونية وقضائية ضامنة لحقوق رأس المال والمستثمرين، ومن بين العوامل أيضاً القدرة على استيراد المستلزمات الأولية للمشروع من ألواح ومحوّلات وكابلات عبر معبر باب الهوى.
كل تلك العوامل، إضافة إلى سرعة استرداد رأس مال المشروع، حفّزت المئات من أصحاب رؤوس الأموال للدخول والاستثمار في هذا القطاع. حيث تدرّ هذه المشاريع أرباحاً تصل لما بين 35 - 40% سنوياً، فيمكن لمشروع يكلّف 100 ألف دولار وبتشغيل كامل خلال السنة أن يدر دخلاً يصل إلى حوالي 25,000 دولار سنوياً (25% سنوياً) بعد خصم تكاليف التشغيل والأعطال والاهتلاك، أي استرداد رأس المال بعد حوالي 4 سنوات من إطلاق المشروع([2]).
في البداية، حددت الشركة الحد الأدنى للطاقة الإنتاجية لمنح الترخيص بنحو 50 كيلوواط يومياً، ولاحقاً رفعت الحد إلى 500 كيلوواط. وبعد ربط كافة مناطق إدلب بهذه المنظومة وتوزيع إنتاجها على كامل المحافظة، تم تحقيق الاكتفاء الذاتي في أوقات الذروة من الساعة 9 صباحاً وحتى الساعة 3 عصراً، حيث توقف استجرار الكهرباء من تركيا خلال هذه الفترة. وعلى إثر الإقبال الكثيف للاستثمار بهذه المشاريع، أوقفت الشركة تقديم تراخيص جديدة بسبب حالة التشبّع، نتيجة محدودية الاستهلاك في المنطقة، وعدم إمكانية البيع خارج إدلب، سواء لمناطق النظام أو تركيا أو مناطق ريف حلب([3]).
يحتاج الاستثمار في المزارع الشمسية إلى عدة عناصر رئيسية([4])، من بينها:
ووضعت شركة الكهرباء جملة من الإجراءات والموافقات([5]) الواجب تطبيقها لبدء الاستثمار في مزارع الشمس، كما في الشكل أدناه:
الشكل رقم (1): الإجراءات والموافقات لبدء الاستثمار في مزارع الشمس
يُشترط على المستثمر الراغب بالحصول على ترخيص لإنتاج الكهرباء من المزارع الشمسية، تقديم طلب إلى الشركة مرفقاً بموقع المشروع، ومخطط من إعداد مهندس كهرباء، وتحديد الطاقة الإنتاجية لمشروعه، ونسخة عن عقد إيجار للأرض أو سند الملكية. تقوم بعدها لجنة من وزارة الزراعة في "حكومة الإنقاذ" بالكشف على الموقع والتأكد من وجود المشروع على أرضٍ غير صالحة للزراعة. وبعد صدور الموافقة، تُجري شركة الكهرباء كشفاً فنياً على موقع المشروع للتحقق من إمكانية وصله بشبكة التوتر المتوسط ومحول الكهرباء، فإذا توفر المحول يتم تحديد سعر الكيلوواط للمستثمر بنسبة 45% من السعر الذي تحدده الشركة للمستهلك، وعند عدم توفر المحول؛ يلتزم المستثمر بشرائه وترفع السعر لنسبة 55%([6]).
وبعد استيفاء كافة الشروط يتم توقيع عقد بين المستثمر والشركة، ويتضمن العقد بنوداً صارمة لصالح الشركة، ومن بينها ما يلي([7]):
بلغ إجمالي عدد المشاريع المرخصة خلال الفترة الماضية حوالي 600 مشروعاً تغذّي الشبكة العامة عبر الاستجرار العكسي في منطقة إدلب، 13 منها بطاقة إنتاجية 1 ميغاواط/ساعة، والبقية تتراوح طاقتها الإنتاجية ما بين 50 و500 كيلوواط/ساعة([8]). كان لهذه المشاريع في إدلب، آثاراً إيجابية انعكست على قطاع الطاقة خصوصاً وعلى الاقتصاد المحلي عموماً، يمكن تلخيصها فيما يلي:
على الرغم من الآثار الإيجابية لمشاريع الطاقة الشمسية المُشار إليها أعلاه، إلا أن تنفيذها واستمراريتها يواجهان العديد من التحديات التي لا بدّ من الوقوف عليها ومعالجتها لضمان نجاح واستدامة هذه المشاريع. ومن بين هذه التحديات:
ساهمت مشاريع الطاقة الشمسية في تحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي من الكهرباء في إدلب خلال أوقات الذروة النهارية من الساعة 9 صباحاً وحتى الساعة 3 عصراً، ممّا قلل من الاعتماد على الكهرباء المستجرة من تركيا. وأسفرت هذه المشاريع عن تخفيض تكلفة الكهرباء للمستهلكين المدنيين والصناعيين من 21 سنتاً إلى 12 سنتاً، مما أسهم في تخفيف الأعباء المالية وتحفيز النشاط الاقتصادي في المنطقة.
ويُنتظر من شركة الكهرباء في إدلب وضمن إطار تحسين البيئة الاستثمارية عموماً والمزارع الشمسية خصوصاً، أن تخفف من شروطها التعسفية تجاه المستثمرين، وخاصة فيما يتعلق بحصر بيع الكهرباء للشركة فقط، ومراجعة سياسة تسعير الكيلوواط للصناعيين بالشكل الذي يساعد على خفض تكاليف الإنتاج ويدفع نحو مزيد من التنافسية وتعزيز القطاع الصناعي في المنطقة، وخفض سعر الكيلوواط للأهالي مراعاة للظروف الاقتصادية السيئة وانخفاض الدخل، بما يعود بالفائدة على الحركة الاقتصادية في الأسواق المحلية جراء انخفاض حصة فاتورة الكهرباء من المصاريف العامة.
وفي سبيل منع حدوث نزاعات مستقبلية بين الشركاء قد تؤدي إلى تعطل عمل المزارع وانتكاس التجربة، ينبغي على شركة الكهرباء توثيق عقود الشراكة وضمان استيفاء الاستحقاقات من جميع الأطراف المشاركة في تمويل المشاريع.
ويسهم نجاح تجربة المزارع الشمسية في إدلب إلى نقلها نحو ريف حلب بدعم من الحكومة السورية المؤقتة وبالتعاون مع المجالس المحلية، ولتحقيق أعلى استفادة ممكنة من تجربة إدلب، على الحكومة المؤقتة دراسة الجدوى الاقتصادية للاستثمار في المزارع الشمسية في كافة مناطق ريف حلب، من حيث السلبيات والإيجابيات، وفهم العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر على نجاح هذه المشاريع، ووضع الأطر القانونية والتنظيمية وتوفير البنية التحتية واللوجستيات اللازمة لضمان نجاحها، واعتماد سياسات واضحة لتسعير الكهرباء.
ومن المفيد أيضاً، فتح مجال الاستثمار في كافة مصادر الطاقة، مثل تدوير النفايات العضوية من مخلفات الحيوانات والنباتات وتحويلها إلى وقود وغاز حيوي، ومزارع الرياح لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح في المواقع المناسبة.
بقي الإشارة في النهاية، إلى ضرورة توسعة النموذج التضامني المعمول به في تمويل مشاريع الطاقة الشمسية، إذ من المهم الاستفادة من نجاح هذا النموذج ليشمل قطاعات أخرى، ممّا يفتح آفاقاً جديدة للاستثمار في المنطقة. وتنظيم ورش وندوات لنشر الثقافة الاستثمارية التضامنية في المنطقة لتعزيز أفكار الاعتماد على الذات، وخفض الاعتمادية على المساعدات الإنسانية.
أخيراً، ستؤدي مشاريع واستثمارات المزارع الشمسية في إدلب وريف حلب نحو دفع عجلة التعافي الاقتصادي في المنطقة ككل، بالشكل الذي يسهم في تحسين جودة حياة السكان، وتوفير فرص عمل، وزيادة الاكتفاء الذاتي، وتعزيز الاقتصاد المحلي.
([1]) تصرّح الشركة أنها موجودة منذ العام 2014 تحت مسمى “GE POWER” وأنها اندمجت في العام 2019 مع شركة “GREEN FUTURE” تحت اسم “GREEN ENERGY”، إلا أن الشركة تتبع لـ"حكومة الإنقاذ"، ويتلخص عملها في ثلاثة أنشطة: إنشاء وتنفيذ مشاريع الطاقة الكهربائية، وصيانة البنى التحتية للشبكات والمحطات الكهربائية، واستثمار وتوزيع الطاقة الكهربائية. للمزيد انظر: فائز الدغيم، الكهرباء التركية تصل إدلب على مراحل.. الأسعار والخدمات والتحديات، تلفزيون سوريا، 15/05/2021، رابط مختصر: https://bit.ly/3WdNa4E.
([2])مقابلة هاتفية أجراها مساعد الباحث مروان عبد القادر مع أحد المستثمرين في مشاريع المزارع الشمسية من إدلب، 26/05/2024.
([3]) مقابلة فيزيائية أجراها مساعد الباحث مروان عبد القادر مع أحد المستثمرين في مشاريع المزارع الشمسية من مدينة الدانا، 03/10/2023.
([4])مقابلة هاتفية أجراها مساعد الباحث مروان عبد القادر مع أحد المستثمرين في مشاريع المزارع الشمسية من إدلب، مصدر سابق.
([5]) مقابلة فيزيائية أجراها مساعد الباحث مروان عبد القادر مع أحد المستثمرين في مشاريع المزارع الشمسية في الدانا، مصدر سابق.
([6]) عمر حاج حسين، مشاريع كهرباء استثمارية في إدلب.. هل يكتفي الشمال ذاتياً بالكهرباء؟، تلفزيون سوريا، 26/06/2023، رابط مختصر: https://cuts.top/Hbcl
([7]) مقابلة هاتفية أجراها مساعد الباحث مروان عبد القادر مع أحد المستثمرين في مشاريع المزارع الشمسية في إدلب. مصدر سابق
([9]) مقابلة هاتفية أجراها مساعد الباحث مروان عبد القادر مع أحد المستثمرين في مشاريع المزارع الشمسية في إدلب. مصدر سابق.
([10])مقابلة هاتفية أجراها مساعد الباحث مروان عبد القادر مع أحد المستثمرين في مشاريع المزارع الشمسية في الدانا، مصدر سابق.
([11]) للمزيد انظر: مناف قومان، ملف الكهرباء في مناطق المعارضة: التحديات وسبل المعالجة، 8/06/2022، رابط مختصر: https://ourl.io/gC6Ko
يستعرض هذا التقرير أهم الأحداث السياسة والأمنية والاقتصادية في سورية خلال شهر نيسان 2024، حيث تزداد مؤشرات عدم الاستقرار في مختلف مناطق النفوذ مع استمرار حالة الانغلاق السياسي، ففي إدلب تستمر الاحتجاجات الشعبية ضد هيئة تحرير الشام، وفي شمال شرق سورية تحاول "الإدارة الذاتية" الالتفاف على الاستحقاقات السياسية والأمنية والحوكمية المطلوبة لكسب "شرعية محلية" من خلال الإعلان عن اجراء انتخابات بلدية تقاطعها العديد من القوى السياسية والشعبية. أمنياً، في الوقت الذي تخيم فيه حالة السيولة الأمنية وعدم الاستقرار على المشهد الميداني، يستمر مؤشر انتعاش تنظيم داعش بالتصاعد مع تزايد عملياته الأمنية فيما يحاول التحالف الدولي تكثيف حملاته الأمنية لمنع انطلاقة جديدة للتنظيم. كما لا تزال الجغرافية السورية مسرحاً لحرب الوكالة الإيرانية- الإسرائيلية. على الصعيد الاقتصادي، كان إعلان الأمم المتحدة عن نيتها انشاء صندوق للتعافي المبكر انطلاقاً من دمشق دون توضيح آليات عمل الصندوق والجهات المانحة مثار قلق لدى السوريين، في الوقت الذي تستمر فيه تداعيات السياسيات الاقتصادية الكارثية للفاعلين المحليين، في مختلف مناطق النفوذ، على الشعب السوري؛ حيث تزداد تحديات تأمين الاحتياجات الأساسية مع زيادة تكاليف المعيشة في سورية بنسبة 61 بالمئة مقارنة بالعام الماضي.
ثنائية "اللاستقرار والعطالة السياسية"
أقر الكونجرس الأمريكي قانون " الكبتاغون 2"، الذي يمنح الحكومة الامريكية صلاحيات واسعة في معاقبة شبكات تهريب المخدرات أو تصنيعها أو تهريبها أو الاستفادة من الريع الناجم عنها، بصرف النظر عن جنسيته، كما يسمح القانون بإصدار عقوبات جديدة ضد المتورطين في هذه التجارة. ومن المتوقع أن يساهم هذا القانون إلى جانب الإجراءات الدولية والأمريكية السابقة في تقييد عمليات تمويل نظام الأسد والميليشيات المرتبطة به والمتورطة بشكل كبير في عمليات تصنيع وتهريب المخدرات.
في سياق آخر ومع استمرار الانغلاق في الملف السياسي، تراجع الحديث حول عقد الجولة التاسعة من أعمال اللجنة الدستورية على الرغم من تأكيد الأطراف الدولية والإقليمية المستمر على ضرورة العودة إلى مسار اللجنة، ومن المتوقع عدم انعقاد أعمال اللجنة في المستقبل القريب بسبب غياب التوافق حول مكان انعقاد اجتماعات اللجنة.
من جهة أخرى، تنوي الأمم المتحدة إطلاق برنامج خاص للتعافي المبكر في سورية انطلاقاً من دمشق بهدف إقامة مشاريع في عدد من القطاعات الاقتصادية بتمويل من بعض المانحين غير التقليديين تحت مظلة دولية. وفي حين يرتبط التعافي المبكر بالفاعلين المعنيين ومصالحهم واشتراطاتهم، الأمر الذي يجعل منه مقاربة ليست تقنية فحسب وإنما ذات مضمون سياسي تتباين فيها المبادئ والأولويات بما يفسر التعريفات المتعددة له، فإن صندوق التعافي، المزمع إنشاؤه، يحمل فرصاً بقدر ما يحتويه من مخاطر، الأمر الذي يستوجب حوكمة الصندوق بمبادئ توجيهية وأطر معيارية، لضمان مساهمته في تحقيق الاستقرار ودفع العملية السياسية التفاوضية.
محلياً، وفي إطار سعيها لزيادة أوراق القوة وكسب شرعية شعبية تحاول قسد تطوير نموذجها الحوكمي وتنظيم البيئة القانونية في مناطق سيطرتها عبر إعلان إجراء انتخابات محلية للبلديات في نهاية شهر أيار القادم. وأصدرت الإدارة قانون تنظيم عمل البلديات في الوقت الذي أعلنت فيه قوى سياسية أنها لن تشارك في هذه الانتخابات معتبرة إياها غير شرعية كونها لا تستند الى إرادة شعبية أو توافق بين القوى السياسية. وتعتبر مقاطعة القوى السياسية لهذه الانتخابات أحد المؤشرات التي تدلل على شكلانية هذه الانتخابات وعدم جدية الإدارة في تطبيق إصلاحات حقيقية فيما يتعلق بتهيئة بيئة سياسية وقانونية سليمة لتوسيع دائرة التمثيل وصناعة القرار في مؤسساتها.
من جهة أخرى، رحب مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) بوثيقة المناطق الثلاث التي صدرت عن نشطاء وأكاديميين في السويداء ودرعا وحلب، ووثيقة تجمع العمل الوطني في الساحل السوري، حيث أكد بيان مسد على أهمية وحدة السوريين دون إقصاء أو تهميش، وذلك عبر الحوار المباشر وصولاً الى الحل السياسي وفق القرارات الدولية.
وفي إدلب استمرت الاحتجاجات الشعبية ضد هيئة تحرير الشام، ويبدو أن هذه الاحتجاجات تربك الهيئة وتشغلها عن المشهد السوري العام حيث تعتبر هذه أكبر أزمة تواجهها وتهدد شرعية وجودها.
ولم تسفر "الخطوات الإصلاحية" التي اتخذتها الهيئة على الصعيد الاقتصادي والحوكمي في إيقاف هذه الاحتجاجات([1])، إلا أن الهيئة تحرص على استمرارها في سياسة الاحتواء وتجنب الاصطدام المباشر مع المحتجين واستخدام القوة المفرطة ضدهم.
ارتفاع مؤشرات السيولة الأمنية
في سياق تفاعل حرب غزة وتأثيرها على المشهد الأمني في سورية، استهدف الطيران الإسرائيلي مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، وقد تسبب القصف بمقتل 13 شخصاً من بينهم محمد رضا زاهدي قائد الحرس الثوري الإيراني في سورية ولبنان. ويعد هذا الاستهداف الأول من نوعه سواء من حيث مكانة القيادي الإيراني أو مكان الاستهداف، إذ يعد زاهدي رجل إيران الأول في سورية ولبنان، ومسؤول عن معظم سياسات إيران فيهما، وتعد هذه المرة الأولى التي يستهدف فيها القصف الاسرائيلي مبنىً دبلوماسياً إيرانياً في سورية، حيث كان التركز على المواقع العسكرية والأمنية وطرق ومخازن الأسلحة.
كما شهد هذا الشهر ارتفاعاً في مؤشرات استهداف القواعد الأمريكية في سورية بعد أن توقفت بشكل شبه كامل منذ شباط الماضي، الأمر الذي يؤكد على استمرار تدهور الواقع الأمني السوري في ظل المواجهة والتنافس المستمر بين القوى الفاعلة الإقليمية والدولية على الجغرافية السورية.
بالمقابل، ارتفعت وتيرة النشاط العسكري الروسي، حيث استهدف الطيران، الحربي والمسير، مواقع قرب قاعدة التنف الأمريكية في البادية، كما أجرت تدريباً عسكرياً مشتركاً مع قوات النظام في قاعدة طرطوس البحرية، ويأتي هذا النشاط المتزايد ضمن الجهود الروسية لرفع مستوى كفاءة وفاعلية قوات النظام والتي بدأت منذ أشهر عبر تدريبات على استخدام الطيران المسير وصولاً إلى التدريبات البحرية، وهي تدريبات تأتي في سياق دعم موسكو للمؤسسة العسكرية للنظام مقابل الدعم الإيراني للميليشيات.
في الجنوب السوري، لاتزال المنطقة ميداناً للفوضى الأمنية وعمليات الاغتيال المتبادل، إذ شهدت محافظة درعا مقتل عدد من ضباط وعناصر قوات النظام والأجهزة الأمنية التابعة له جراء استهدافهم بالعبوات الناسفة وإطلاق النار والاشتباكات في الصنمين ودرعا البلد وبصر الحرير وريف درعا الغربي، وارتفعت عمليات استهداف قوات النظام لجهة نوعية وعدد حالات الاغتيال والاشتباكات وتنظيمها، حيث تعرضت الحواجز العسكرية في ريف درعا الغربي والقنيطرة لهجمات متزامنة أوقعت قتلى وجرحى في صفوف قوات النظام، كما أعلن مقاتلون ملثمون تشكيل " كتيبة الظل" بهدف مواجهة التواجد الإيراني والميليشيات المرتبطة به في مناطق درعا والقنيطرة.
في إدلب، لا تزال ديناميات الصراع الداخلي بين قيادات هيئة تحرير الشام وتفاعل "قضية العملاء" وتصاعد الاحتجاجات الشعبية تلقي بظلالها على الواقع الأمني للمنطقة، إذ تعرض القيادي في هيئة تحرير الشام أبو ماريا القحطاني لعملية اغتيال أثر تفجير انتحاري استهدفه في مدينة سرمدا، وتعرض عدد من الناشطين الفاعلين في تنظيم المظاهرات لاعتداءات ومحاولات اغتيال، إلا أنَّ تداعيات الأحداث لم تخرج عن سيطرة هتش. كما لا تزال المنطقة عرضة لهجمات الطيران المسير، الذي زاد تعويل النظام عليها في استهداف مناطق شمال غربي سورية، بالإضافة إلى القصف المدفعي.
في شرق سورية، جدد الطيران التركي استهداف البنية التحتية والموارد الاقتصادية والمنشآت النفطية في مناطق سيطرة قسد. وفي سياق مكافحة نشاط تنظيم الدولة، نفَّذ التحالف الدولي 28 عملية ضد مواقع التنظيم، أسفرت عن مقتل 7 عناصر واعتقال 27 آخرين. من جهته نفذ التنظيم 15 عملية استهدف خلالها " قوات سوريا الديمقراطية"، وتوزعت العمليات في دير الزور والحسكة وحلب، كما أسفر استهداف التنظيم لحافلة تابعة لميليشيا لواء القدس عن مقتل 21 عنصراً. وتشير عمليات تنظيم داعش الأخيرة إلى استمراره في عملية التعافي واستعادة النشاط في الجغرافية السورية بعد الضربات الموجعة التي تعرض لها، كما تعيده مجدداً إلى قائمة مهددات الأمن والاستقرار في سورية والإقليم.
التعثر الاقتصادي كسمة عامة
بعد التحسن المؤقت لليرة السورية خلال شهر رمضان انخفضت قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية 14250 أمام الدولار الأمريكي. ويؤكد هذا التراجع ارتباط التحسن بمعدل الحوالات الخارجية الآتية إلى السوق مقابل ارتفاع الطلب على الليرة.
كما رفع مصرف سورية المركزي سعر صرف الدولار الخاص بالحوالات بمقدار مئة ليرة، بعد أكثر من شهر على ثبات السعر، ورفع كذلك سعر صرف الدولار الخاص بالجمارك بعد أربعة أشهر على رفع قيمته بنحو 30%. ومن شأن ارتفاع الدولار الجمركي أن يساهم في زيادة تكاليف المواد الخام والسلع والخدمات المستوردة من الخارج وهو ما قد ينعكس سلباً على العملية الإنتاجية وتوفر السلع في السوق، وبالمحصلة على السكان بعد ارتفاع الأسعار في السوق تزامناً مع انخفاض القوة الشرائية، حيث ارتفع متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من 5 أفراد خلال شهر آذار الماضي إلى نحو 12.5 مليون ليرة، في وقت لا يتجاوز فيه الحد الأدنى للأجور 278 ألفاً و910 ليرات، أي أقل من 20 دولاراً.
وفي أول مشاركة له بموسم الحج منذ 12 عاماً، استغلّ النظام الموسم لتعزيز قيمة الليرة من خلال تحديد طريقة تسديد رسوم الحج بالدولار الأمريكي من جهة، وإلزام الحجاج المستنكفين بإعادة استبدال الليرة السورية بالدولار.
من جهة أخرى، رفعت حكومة النظام أسعار البنزين والمازوت والغاز المنزلي، وتأتي هذه الزيادة في إطار رفع أسعار المحروقات بشكل دوري كل 15 يوم تماشياً مع استراتيجية النظام بتخفيض الدعم. ولا يزال ارتفاع أسعار الطاقة أحد الحوامل الرئيسية لمعدل التضخم. وعلى إثر زيادة أسعار الكهرباء طالب صناعيون في مختلف المناطق الخاضعة لسيطرة النظام بضرورة إصدار قرارات سريعة لتخفيض تعرفة الكهرباء الصناعية تفادياً للخسائر الكبيرة في القطاع، حيث أصبحت سورية أغلى دولة في تسعيرة الكهرباء بين دول الجوار، ويهدد ارتفاع الكهرباء، إضافة إلى فقدان مادة الفيول لتشغيل المولدات، إلى توقف صناعة النسيج والألبسة بشكل كامل.
في شمال غرب سورية، دعت وزارة الزراعة في حكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب، المزارعين الراغبين بزراعة محصول القطن ضمن مشروع “القرض العيني الحسن” لعام 2024، إلى الاكتتاب على البذار المطلوبة والمحروقات والسماد. في حين زادت مساحات زراعة البصل في رأس العين بريف الحسكة على أمل تحقيق أرباح بعد خسائر تعرض لها المزارعون في محصولي القطن والقمح إثر كسادهما وعدم وجود سوق تصريف لهما، إضافة إلى تحكم التجار بتحديد السعر. وبحثاً عن الربح أيضاً شهد عام 2024 إقبالاً واسعاً من المزارعين في إدلب على زراعة الكمون، أكثر من الزراعات التقليدية المعتادة كالقمح والشعير إذ بلغت المساحة المزروعة بشكل تقريبي 4350 هكتاراً في إدلب وأريافه وإضافة إلى الكمون فقد زادت زراعة العصفر في إدلب وريف حلب بشكل ملحوظ نظراً لمقاومة النبتة لتقلبات المناخ، وأسعارها المرتفعة في السوق. وعلى صعيد الأسعار فقد شهدت سلة النفقات الأدنى قيمة للبقاء على قيد الحياة (SMEB)، والتي تعد مؤشراً لتكاليف الأصناف الأساسية التي تحتاجها أسرة مكونة من 6 أفراد لمدة شهر، زيادة في تكلفتها بنسبة 61 بالمئة خلال العام الماضي؛ حيث تعكس هذه الزيادات التحديات المتزايدة التي تواجه الأسر في تأمين احتياجاتها الأساسية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
أما في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، تسعى "الإدارة الذاتية" لزيادة نسبة فرض الضرائب بهدف تغطية العجز المالي في ميزانيتها، حيث فرضت على أصحاب محطات الوقود دفع مبلغ مالي جديد قيمته عشرة آلاف دولار مقابل استمرار تزويدها بالوقود أو تعرضها للإغلاق في حال عدم الدفع، وتعمل الإدارة منذ أشهر على إصدار قرارات جديدة من شأنها توفير مصادر ومبالغ مالية في خزينتها العاجزة عن تأمين رواتب موظفيها مطلع كل شهر. وتلقي هذه الزيادات أعباء مالية جديدة على السكان تؤدي إلى انخفاض مستوى المعيشة وإثارة سخط التجار وأصحاب المشاريع والشركات.
من ناحية أخرى تسعى الإدارة لزيادة استلام محصول القمح عبر زيادة مراكز التسليم إلى 30 مركز بقدرة استيعابية تفوق المليون ونصف المليون طن، وهو الإنتاج المتوقع في مناطق شمال شرق سورية، كما عقدت عدد من الورشات والاجتماعات بهدف تخفيف أعباء وتكاليف نقل وتكييس القمح عن المزارعين، وتأتي هذه الخطوات في سياق التنافس بين نظام الأسد والإدارة الذاتية للحصول على قمح المنطقة.
([1]) أعلنت هيئة تحرير الشام عن سلسلة من الإجراءات لاحتواء الاحتجاجات منها، استحداث إدارة "الأمن العام" التي ستعمل تحت إشراف حكومة الإنقاذ، إضافة الى إعادة هيكلة الجناح العسكري، كما أصدرت حكومة الإنقاذ عفواً عاماً عن المعتقلين، وأعلنت عن تخفيض رسوم بعض المواد الخدمية وسياسات ضريبية جديدة، وإطلاق حوار مع المجتمع المدني.
تشهد مناطق الشمال السوريّ خرقاً أمنياً واضحاً، تتجلى أبرز جوانبه في وتيرة عمليات الاغتيال المستمرة ومعدلاتها المرتفعة، والتي تعد مؤشراً هاماً على تدهور حالة الاستقرار الأمني وتدني القدرة على ضبطها من قبل القوى المسيطرة، خاصة مع ازدياد محاولات الاغتيال ضمن تلك المناطق وتعدد دوافعها ومُنفذيها واختلاف أساليبها، وسط تجدد قصف النظام وحلفائه لبعض تلك المناطق، ما يزيد من تعقيد الوضع الأمني والقدرة على ضبطه.
وتتصف عمليات الاغتيال بالسريّة عادة، لناحية الجهة المنُفِّذة، إلا أن هناك نسبة كبيرة من تلك العمليات ضمن مناطق سيطرة الفصائل المعارضة تتبناها جهات محددة بشكل علني كـ "قوات تحرير عفرين"(1)، و"تنظيم الدولة"، في اختراق أمني واضح وصريح لتلك المناطق. وبالرغم من اختلاف وتيرة ومُعدّل عمليات الاغتيال من منطقة إلى أخرى ضمن الشمال السوري؛ إلا أنها تتقاطع في الإشارة إلى التراجع العام لمؤشرات الاستقرار الأمني.
وفي متابعة لملف الاغتيالات ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة في الشمال السوري؛ صَمّمَتْ وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات، نموذجاً خاصاً لرصد تلك العمليات وتحليل البيانات المتعلقة بها، كمؤشرات للاستقرار الأمني(2). ضمن تقرير دوريّ يرصد وتيرة عمليات الاغتيال، موضّحاً نتائجها، وما أسفرت عنه، مقابل الجهات المُنفّذة -إن عُلِمت -وكذلك الجهات المُستَهدَفة. كما يسعى التقرير إلى تحليل تلك البيانات ومقاطعتها بين مختلف المناطق، في محاولة لرسم الملامح العامة للوضع الأمنيّ وقياس أوليّ لمؤشرات الاستقرار.
وعليه، يرصد هذا التقرير عمليات الاغتيال ضمن مناطق عدة في الشمال السوري، منها: ريف حلب الشمالي، الذي شكّل نطاق العمليات العسكرية: "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، مقابل مدينتي تل أبيض ورأس العين "نبع السلام" في الشمال الشرقي، إضافة إلى ما تبقى من محافظة إدلب وريف حلب شمال غربي سورية. وذلك خلال الفترة الممتدة ما بين (كانون الثاني/يناير وكانون الأول/ديسمبر 2023)، إذ بلغ عددها 105 عمليات اغتيال، خلّفت 267 ضحية. وتوضّح البيانات انخفاضاً طفيفاً في معدل الاغتيالات، مقارنة بتقارير سنة 2022، التي أصدرها مركز عمران: (الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى حزيران 2022)، والتي بلغت 70 عملية، خلّفت 263 ضحية(3). و(الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من تموز حتى كانون الأول 2022)، والتي بلغ عددها 68 عملية، خلّفت 215 ضحية(4).
وقد توزعت عمليات الاغتيال الـ 105 المرصودة ضمن التقرير الحالي، بحسب الأشهر، على الشكل التالي: 12 محاولة اغتيال خلال شهر كانون الثاني/يناير، في حين بلغت خلال شباط/فبراير 4 محاولة، فيما لم تسجل أي محاولة خلال أذار/مارس، وشهد نيسان/أبريل 8 محاولة، بينما سجلت في أيار/مايو 3 محاولة، لترتفع في حزيران/يونيو إلى 8 محاولات. وارتفعت إلى 16 عملية خلال شهر تموز/يوليو، في حين بلغت خلال آب/أغسطس 12 عملية، فيما سُجِّلت 10 عمليات خلال أيلول/سبتمبر، وشهد تشرين الأول/أكتوبر 16 عملية، لتنخفض في تشرين الثاني/نوفمبر إلى 7 عمليات، بينما بلغت في كانون الأول/ ديسمبر 9 عمليات. ويسعى التقرير بعد رصد تلك العمليات، إلى دراستها وتحليلها واستعراضها بحسب مناطق السيطرة، والجهات المُستَهدَفة والمُنفِّذة، وطبيعة أداة التنفيذ، ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها، مقابل أثرها على مستوى الأمن والاستقرار في المنطقة.
تُظهر عملية الرصد الخاص بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي "درع الفرات"، بلوغ معدل عمليات الاغتيال خلال سنة من الرصد: 51 عملية، أسفرت عن سقوط 144 ضحية بين قتيل وجريح. نفذت 38 منها عبر الطلق الناري، وأسفرت عن سقوط 119 ضحية بين قتيل وجريح، إذ حققت 33 عملية من 38 غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، فيما فشلت 5 عمليات في تحقيق هدفها. أما بالنسبة للجهة التي تقف وراء تنفيذ تلك العمليات، فتشير البيانات إلى تنفيذ "قوات تحرير عفرين" 21 عملية(5)، ونُفِذَت عمليتين من قبل عناصر في الجيش الوطني(6)، في حين بقيت 15عملية مجهولة المنفذ. (الشكل 1) وكانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك الاغتيالات بواقع 14عمليات، مقابل 9 عمليات استهدفت القوات التركية، في حين تعرض المدنيون ل 15عملية منها واحدة استهدفت سائق شاحنة تركي الجنسية(7).
بالمقابل، نُفِّذَت 7 من 51 عملية عبر العبوات الناسفة والمفخخات، مخلّفةً بمجموعها 9 ضحية بين قتيل وجريح، استهدفت 3 من هذا العمليات عناصر الشرطة العسكرية والمدنية في المنطقة، في حين تعرضت تجمعات المدنيين ل 4 عمليات. وقد تبنّت "قوات تحرير عفرين" عملية واحدة(8)، لتبقى 6 عملية من عمليات العبوات الناسفة والمفخخات مجهولة المُنفِّذ.
من جهة أخرى، نُفِّذَت 3 عمليات عبر الطيران المسير، مخلّفةً 13 ضحية بين قتيل وجريح، استهدفت 2 منها الفصائل الإسلامية، واستهدفت واحدة الفصائل الجهادية(9). وقد تبنى التحالف الدولي عمليتين، في حين بقيت واحدة مجهولة المنفذ. وفي سياق متصل، نُفِّذَت 3 من 51 عملية عبر الخطف ثم القتل، (الشكل 2) مخلفة 3 ضحايا واستهدفت جميعها أفراد مدنيين، وبقيت جميعها مجهولة المنفذ.
الشكل 1: يبين توزع عمليات الاغتيال بالطلق الناري في مناطق ريف حلب الشمالي /"درع الفرات" بحسب الجهة المنفذة
الشكل 2: يبين توزع عمليات الاغتيال في مناطق ريف حلب الشمالي/"درع الفرات، بحسب أداة التنفيذ
ويتضّح من خلال أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي، ثباتاً في معدل عمليات الاغتيال مقارنة بالتقريرين السابقين، الذين أصدرهما مركز عمران وشملَا الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى كانون الأول 2022، إذ سجّلت تقارير العام السابق 52 عملية اغتيال خلال عام 2022، بالمقابل رصد التقرير الحالي 51 عملية.
بالمقابل، تُبيّن الأرقام انخفاضاً في معدل عدد الضحايا، مقارنة بتقارير العام السابق، التي سجّلت 182 ضحية، بينما بلغ مجموع عدد الضحايا خلال فترة الرصد الحالية 144 ضحية. ويُعزى ذلك إلى ارتفاع معدل عمليات الطلق الناري المباشر، إذ اعتمدت بنسبة 74.5% على عمليات إطلاق النار المباشر، التي استهدف أغلبها شخصيات عسكرية/مدنية بعينها، إضافة لاستهداف تجمعات مدنية خالصة. ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا، شكّلَت نسبة عناصر الجيش الوطني منهم 34.7%، مقابل 24.3% من المدنيين، و7.6% من الحركات الإسلامية، 31.9% من الجيش التركي، و1.3% من الحركات الجهادية. (الشكل 3)
الشكل 3: يبين توزع ضحايا الاغتيال في مناطق ريف حلب الشمالي / "درع الفرات"، بحسب الجهة المستهدفة
وفقاً للبيانات الخاصة برصد المنطقة؛ فإن الواقع ما يزال يشير إلى اتساع الخرق الأمني، مقابل عدم تقدم القوى المُسيطرة في ضبطه وتضييق حجم هذا الخرق، خاصة في ظل اتهامات لأطراف وجهات عدة بالسعي إلى زعزعة الأمن والاستقرار، وتقاطع مصالحها في ذلك؛ كحزب الاتحاد الديمقراطي"PYD" وخلاياه النشطة في المنطقة، الذين يعدون المنطقة امتداداً للنفوذ التركي، وجميعُ من فيها "أهدافٌ مشروعة"، دون التمييز بين مدنيين وعسكريين، إضافة إلى النظام الذي يسعى إلى زعزعة أمن المنطقة وإفشال أي نموذج أمني/حوكمي فيها.
ثانياً "عفرين" (مُنَفذ واضح)
من خلال رصد وتحليل البيانات لعمليات الاغتيال الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها من المناطق، يتضح أنها شهدت بالعموم: 27 عملية اغتيال خلال عام 2023، أسفرت عن 89 ضحية بين قتيل وجريح. وقد نُفِّذَت 20 عمليات من مجموع العمليات الـ 27 عبر الطلق الناري، حققت 18 منها غايتها في تصفية الجهة المستهدفة. وكان عناصر الجيش الوطني هدف لها في 13 عملية، متسببة في سقوط 35 ضحية من الجيش الوطني بين قتيل وجريح، في حين استهدفت 3 عمليات جهات مدنية، أدت إلى سقوط 3 ضحايا، مقابل 4 عمليات استهدفت القوات التركية أوقعت 12 ضحية بين قتيل وجريح.
تبنت "قوات تحرير عفرين" 15 عملية إطلاق نار من 20 عملية، في حين نفذ عناصر يتبعون لفصيل معتدل واحدة منها(10)، لتبقى ال4 عمليات الباقية مجهولة المنفذ.
بالمقابل، وبحسب البيانات المرصودة، نُفِّذت 7 عمليات من مجمل العمليات الـ 27 عبر العبوات الناسفة والمفخخات (الشكل 4)، استهدفت عناصر الجيش الوطني في مرتين، وتعرضت الشرطة المدنية لعملية استهداف واحدة(11)، في حين تعرضت تجمعات المدنيين ل 4 عمليات. وقد أدى هذه العمليات إلى سقوط 29 ضحية بين قتيل وجريح، (الشكل 5). وقد تبنّت "قوات تحرير عفرين" أربع عمليات من مجموع عمليات العبوات الناسفة والمفخخات(12)، فيما بقيت الـ 3 عمليات الأخرى مجهولة المُنفِّذ.
الشكل 4: توزع عمليات الاغتيال في عفرين /"غصن الزيتون" بحسب أداة التنفيذ
الشكل 5: يبين توزع ضحايا العبوات الناسفة والمفخخات في عفرين / "غصن الزيتون"، بحسب الجهة المستهدفة
تُبيّن أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها، أن معدل عمليات الاغتيال لم يتغير مقارنة بتقارير العام السابق التي أصدرها مركز عمران، وغطت الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى كانون الأول 2022. إذ سجّلت التقارير السابق 26 عملية اغتيال في تلك الفترة، كما رصد التقرير الحالي تنفيذ 27 عملية. وبالمثل، فإن تساوي عدد العمليات أدى إلى تقارب عدد الضحايا، فقد بلغت خلال عام 2023: 89 ضحية، مقابل 94 ضحية خلال عام 2022. وقد يُردّ ذلك إلى اختلاف الأهداف وتركز أدوات التنفيذ في أغلب العمليات الحالية، فقد اعتمدت بنسبة 74 % منها على الطلق الناري، في حين نُفِّذت 26% منها عبر العبوات الناسفة والمفخخات، التي استهدفت شخصيات عسكرية بعينها، وأخرى استهدفت مجموعات عسكرية وسط تجمعات مدنيين، مقابل عمليات استهدفت تجمعات مدنية. وقد شكّلت نسبة المدنيين من الضحايا 28.08%، مقابل 58.4% من عناصر "الجيش الوطني"، 13.4% من عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة. (الشكل 6).
الشكل 6: يبين توزع ضحايا الاغتيال في عفرين / "غصن الزيتون"، بحسب الجهة المستهدفة.
وبحسب البيانات، بقيت 26% من العمليات المرصودة مجهولة المنفذ، في حين نفذ عناصر تابعون للجيش الوطني 3.7% من العمليات في المنطقة تبنت "قوات تحرير عفرين" 70.37% من العمليات المرصودة، (الشكل7) بشكل يشير إلى تركُّز عملياتها ونشاطها الأمني في عفرين ومناطق "درع الفرات". وقد استهدفت تلك العمليات في أغلبها عناصر "الجيش الوطني"، الذين تحولوا إلى أهداف متحركة داخل مدينة عفرين، سواء على المستوى الفردي عبر تصفية أفراد بعينهم، أم على مستوى جماعي عبر استهداف مجموعاتهم العسكرية. وغالباً ما يتم هذا الاستهداف وسط تجمعات مدنية، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين. وتنسجم طبيعة تلك العمليات مع الرؤية المعلنة لقوات "تحرير عفرين"، والتي تعد المنطقة "امتداداً للنفوذ التركي" وتضع المقاتلين المحليين والعوائل المهجّرة ضمن الإطار ذاته، وبالتالي تكثّف من عملياتها وتشرعنها تحت هذا الغطاء، دون تمييز بين مدني وعسكري.
الشكل 7: يبين توزع عمليات الاغتيال في عفرين/ "غصن الزيتون"، بحسب الجهة المنفذة
بالمقابل، فإن حركة الاغتيالات في عفرين والتبني الواضح لها، يتناسب طرداً مع مستوى القدرة الأمنية للجهات المُسيطرة، فعلى الرغم من تسجيل مناطق "درع الفرات" نسبة أكبر بعمليات الاغتيال (51)، بينما في عفرين ومحيطها (27)؛ إلا أن ذلك لا يعني اختلافاً كبيراً في مستوى الضبط الأمني، خاصة وأن أغلب العمليات التي نُفِّذَت في عفرين كانت "نوعيّة"، ناهيك عن تبني أغلبها بشكل علني من قبل ما تدعى "قوات تحرير عفرين"، وتصاعد نشاطها بشكل يشير إلى ارتفاع مستوى تلك العمليات وتوسيع دائرة أهدافها، مقابل عدم إحراز تقدم كبير على مستوى الضبط الأمني من قبل الجهات المسيطرة.
يشير الرصد الخاص بمنطقتي رأس العين وتل أبيض، واللتين شكلتا نطاق العملية العسكرية "نبع السلام"، إلى بلوغ عمليات الاغتيال خلال عام 2023: 12 عملية اغتيال، أسفرت عن 16 ضحية بين قتيل وجريح، نُفِّذَت 10 منها عبر الطلق الناري، أسفرت عن 12 ضحية بين قتيل وجريح، وقد حققت 8 منها غايتها في تصفية الجهة المستهدفة. استهدفت 6 منها عناصر الجيش الوطني، مقابل 4 عمليات استهدفت أفراد مدنيين. (الشكل8) وبقيت جميعها مجهولة المنفذ. بالمقابل، نفذت عمليتين عبر العبوات الناسفة والألغام الأرضية، (الشكل9) وأسفرت عن سقوط 4 ضحايا بين قتيل وجريح، استهدفت واحدة منها عناصر الجيش الوطني(13)، في حين استهدفت الأخرى جهة مدنية. وبقيت الجهة المنفذة مجهولة في العمليتين.
الشكل 8: يبين توزع ضحايا الطلق الناري في مناطق رأس العين وتل أبيض/ "نبع السلا"، بحسب الجهة المستهدفة
الشكل 9: يبين توزع عمليات الاغتيال في مناطق رأس العين وتل أبيض/ "نبع السلام"، بحسب أداة التنفيذ
ويتضح من خلال البيانات الخاصة بمدينتي رأس العين وتل أبيض "نبع السلام"، انخفاض وتيرة عمليات الاغتيالات، قياساً بالتقريرين السابقين التي تغطي عام 2022، حيث سجّلت 26 عملية اغتيال، بالمقابل سجّل التقرير الحالي لعام 2023: 12 عملية. بالمقابل يُلحظ انخفاض كبير في معدل ضحايا تلك العمليات قياسا بالتقريرين السابقين، التي تغطي عام 2022، حيث سجّلت وقوع 111 ضحية بين قتيل وجريح، في حين رصد التقرير الحالي وقوع 16ضحية فقط بين قتيل وجريح. ويُعزى ذلك إلى تغيير نوعية الأهداف وأدوات التنفيذ، فقد نُفِذَت 10 من 12 عملية عبر الطلق الناري، مستهدفة أشخاصاً بعينهم. بينما نُفِذَت عمليتين عبر العبوات الناسفة، التي استهدَفَت تجمعات مدنية منخفضة الكثافة، أو عناصر من "الجيش الوطني". ما أدى إلى وقوع عدد من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 37.5%، في حين شكّلت نسبة عناصر "الجيش الوطني" 62.5%. (الشكل 10).
الشكل 10: يبين توزع ضحايا الاغتيالات في مناطق رأس العين وتل أبيض/ "نبع السلام"، بحسب الجهة المستهدفة
أما بالنسبة للجهات المُنفِّذة، فعلى الرغم من عدم وجود تبنٍ علني لتلك العمليات، إلا أن مصادر جمع البيانات تشير إلى اتهامات لخلايا حزب العمال الكردستاني "PKK" في الضلوع بأغلب تلك العمليات، خاصة وأن طبيعة العمليات لا تختلف عن سابقاتها في مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، من ناحية الأهداف والأدوات وأساليب التنفيذ، الأمر الذي يشير إلى ارتفاع مستوى العمليات الأمنية من جهة، وقد ينذر بازديادها من جهة أخرى.
ومن خلال الأرقام السابقة لمختلف المناطق المرصودة، يتضح أن مناطق سيطرة "الجيش الوطني" في ريف حلب الشمالي الغربي "درع الفرات" الأكثر تردياً أمنياً، قياساً بمناطق (عفرين، تل أبيض، رأس العين) وذلك لناحية ارتفاع وتيرة الاغتيالات، واتساع الخرق الأمني، وتعدد الجهات المُنفِّذة، واختلاف مصالحها وارتباطاتها، مقابل ضعف قدرة القوى المُسيطرة على ضبط الأمن وتضييق حجم هذا الخرق.
ولعلّ ارتفاع معدل العمليات إلى هذا الحد لا يُعدُّ مؤشراً على عجز التشكيلات الأمنية لـ "الجيش الوطني" على ضبط الأمن والاستقرار بالنسبة للمدنيين فحسب، وإنما ضعف قدرتها أيضاً على تأمين وحماية عناصرها، وهذا ما تدلل عليه طبيعة تلك العمليات الممتدة إلى مختلف مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، والتي شهدت عمليات اغتيال لا تختلف كثيراً عن سابقتها، لناحية طبيعتها والجهات المُنفِّذة والمُستَهدَفة. بالمقابل، يُلحَظ خلال فترة الرصد الحالية ازدياد استهداف القوات التركية المتواجدة في الشمال على اختلاف مناطقه، إذ تم استهدافهم في منطقة "درع الفرات" وعفرين، وكذلك في إدلب كما ستوضح البيانات اللاحقة. وذلك بشكل يشير إلى تصاعد هذا الاستهداف بشكل ممنهج ضمن مختلف مناطق انتشارهم.
ومهما اختلفت دوافع تنفيذ تلك العمليات والجهات التي تقف وراءها؛ فإن الحد منها وتحمُّل مسؤولية نتائجها يقع في النهاية على عاتق القوى والتشكيلات العسكرية والأمنية المُسيطرة في تلك المناطق، سواء "الجيش الوطني" أم القوات التركية.
بحسب البيانات المرصودة، يتضح أن عدد عمليات الاغتيال فيما تبقى من محافظة إدلب وما حولها بلغ 15 عملية، خلال عام 2023، حققت 13عمليات منها غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، بينما فشلت محاولتين في ذلك بعد نجاة الطرف المُستَهدَف. وقد أسفَر مجموع العمليات عن 18 ضحية بين قتيل وجريح.
أما بالنسبة لأدوات التنفيذ، فقد اعتمدت 8 عملية اغتيال على الطلق الناري، نجحَت جميعها في تصفية الهدف، وأسفر مجموع عمليات الطلق الناري عن 9 ضحايا، استهدفت 5 منها جهات مدنية، في حين استهدفت واحدة قيادي في هيئة "تحرير الشام"، وأخرى عنصر أجنبي في فصيل جهادي(14)، واستهدفت أخرى الزعيم الرابع لتنظيم داعش(15)، (الشكل 11) وقد تبنت "سرايا درع الثورة" عملية واحدة(16)، فيما بقيت الأخرى مجهولة المنفذ. بينما نُفِّذَت 3عمليات عن طريق الطيران المسير، اسفرت عن 4 ضحايا، 3 منهم يتبعون لفصائل جهادية في حين قتل مدني في واحدة(17)، وقد نفذ التحالف الدولي جميع عمليات الطيران المسير.
بالقابل، نُفِّذَت عملية واحدة عن طريق العبوات الناسفة، أسفرت عن جرح قيادي أمني في هيئة تحرير الشام، ورجحت مصادر تنفيذ " سرايا درع الثورة" لهذه العملية(18)، وأخيراً نُفِّذَت 3 عمليات عن الطريق السلاح الأبيض والدهس، (الشكل 12). أسفرت عن 4 ضحايا بين قتيل وجريح جميعهم من المدنيين، وقد رجحت مصادر تورط عناصر هيئة تحرير الشام في واحدة(19)، وبقين العمليتين الأخيرتين مجهولة المنفذ.
الشكل 11: يبين توزع ضحايا الطلق الناري في إدلب، بحسب الجهة المستهدفة.
الشكل 12: يبين توزع عمليات الاغتيال في إدلب، بحسب أداة التنفيذ
يتّضح من خلال بيانات الرصد الخاصة بمناطق إدلب وماحولها، انخفاضٌ في معدل عمليات الاغتيال، قياساً بالتقارير السابقة التي أصدرها مركز عمران، وغطى الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى كانون الأول 2022، إذ سجّلت التقارير السابقة 34 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 15عملية، بالمقابل يُلحظ انخفاض في معدل ضحايا تلك العمليات، قياساً بالتقارير السابقة التي غطت عام 2022، والتي سجّلت وقوع 91 ضحية بين قتيل وجريح، في حين رصد التقرير الحالي وقوع 18 ضحية بين قتيل وجريح. ويعزى ذلك إلى طبيعة العمليات واختلاف أهدافها وأدوات تنفيذها، فقد اعتمدت أغلب العمليات المرصودة خلال التقرير الحالي، على الطلق الناري 53.3% الذي استهدف أشخاص محددين. كما تشير البيانات إلى تعدد الجهات محل الاستهداف، فقد كانت الجهات المدينة الأكثر استهدافاً خلال فترة الرصد الحالي بمعدل 60% من مجموع العمليات، بينما استُهدِفَت فصائل جهادية بمعدل 26.6%، في حين كان عناصر " هيئة تحرير الشام هدفاً في 13.3% من عمليات الاغتيال المُنفَّذة خلال فترة الرصد.
ورغم تعدد أدوات تنفيذ عمليات الاغتيال؛ إلا أن الجزء الأكبر من تلك العمليات كان انتقائياً، فقد اعتمدت بنسبة 53.3% منها على الطلق الناري، مقابل 6.6 % اعتمدت العبوة الناسفة، مستهدفاً أشخاصاً بعينهم بطريقة غير عشوائية. وبلغت نسبة الضحايا المدنيين 61.11 %، مقابل 27.7 % من مجموعات "جهادية"، في حين شكّلت نسبة "هيئة تحرير الشام" 11.11%. (الشكل 13).
الشكل 13: يبين توزع ضحايا الاغتيالات في إدلب، بحسب الجهة المستهدفة
وتشير طبيعة العمليات وأدوات التنفيذ المستخدمة ضمنها، إلى اختلاف واضح في طبيعة الاغتيالات المُنفّذة في إدلب عن باقي مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، والتي تغلب عليها العمليات العشوائية بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، بينما تبدو العمليات في إدلب أكثر انتقائية باتجاه تصفية شخصيات مدنية وعسكرية محددة، وذلك ضمن بيئة معقدة أمنياً، ومتعددة اللاعبين ذوي المصالح المتضاربة.
تفيد القراءة العامة لهذا التقرير بما يحمله من أرقام وبيانات عن عمليات الاغتيال، باستمرار ضعف الحالة الأمنية في جميع المناطق المرصودة ضمن الشمال السوري، وضعف قدرة القوى الفاعلة وتعثرها في الحد من تلك العمليات، التي تسهم في تراجع مؤشرات الأمن والاستقرار على مختلف المستويات.
وعلى الرغم من محاولات بعض الفصائل والتشكيلات العسكرية المعارضة تطوير أدواتها في ضبط الأمن، من خلال أجهزة الشرطة والشرطة العسكرية، وازدياد أعداد المنتسبين لتلك الأجهزة، وتخريج عدد من الدورات؛ إلا أنها ما تزال غير قادرة على الحد من تلك العمليات، ولا تملك قدرة الوصول إلى مُنفّذيها، الأمر الذي يستدعي إعادة هيكلة تلك الأجهزة، ورفع مستوى التدريب الخاص بعناصرها، ورفدهم بالتجهيزات اللوجستية والتقنية كافة، التي تساعد في الحد من تلك العمليات. إضافة إلى رفع مستوى التنسيق الأمني بين المناطق المختلفة، وتشكيل لجان أمنية مشتركة للتنسيق بين تلك المناطق من جهة، وإعادة هيكلة آليات التنسيق الأمني بين الجانبين التركي والسوري من جهة أخرى، خاصة مع وجود عوائق إدارية تحول دون الوصول للشكل الأمثل لهذا التنسيق، وبالتالي تسهم بشكل مباشر وغير مباشر بتوسيع هامش الخرق الأمني.
مقابل كل ذلك، لا بد من الدفع بإشراك المجتمع المحليّ والتنسيق مع فعالياته ومؤسساته المدنيّة في هذا الإطار، والسعي لتجسير أي هوة بين تشكيلات قوى الأمن الداخلي والمجتمعات المحلية العاملة ضمنها، بما يُسهّل مهمتها ويعزز من حالة الأمن، ويرفع المسؤولية بأهميتها للجميع، وبشكل يسهم في تأمين بيئة أمنيّة مناسبة لنشاط المؤسسات المدنية.
إضافة لذلك، من المهم أن تعمل القوى الأمنية والعسكرية المسؤولة عن تلك المناطق، على التعاطي مع الاغتيالات والتفجيرات بشفافية أعلى، عبر إعلان بيانات وأرقام رسميّة عن طبيعة تلك العمليات والمسؤولين عنها ونِسب العمليات التي نُفِذّت مقارنة بالمحاولات التي تم إحباطها قبل وقوعها. وذلك بشكل دوري يوضَح وتيرة الاغتيالات والجهد المقابل في مكافحتها والحد منها، ويضع الرأي العام المحلي- الدولي بصورة الواقع الأمني في المنطقة.
ولا يُعد تردي الأوضاع الأمنية محلياً، ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة، أمراً منفصلاً عن السياق العام للملف السوري وتعقيداته، والتي ترمي بظلالها محلياً على مختلف المناطق السورية، بغض النظر عن القوى المسيطرة، إذ إن حالة الفوضى الأمنية التي تجلّت بصورة الاغتيالات في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، تتكرّر بصور وأدوات وكثافة مختلفة ضمن مناطق سيطرة نظام الأسد(20)، وكذلك في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، بالرغم من المركزية الأمنية التي تحكم تلك المناطق، والمفتقَدة في مناطق سيطرة فصائل المعارضة.
([1]) "قوات تحرير عفرين": هي مجموعة من المقاتلين الكرد، الذين يصفون تجمعهم بــ "حركة مقاومة” عبر شن هجمات تستهدف الجيش التركي و"الجيش الوطني" المدعوم من تركيا في عفرين ومناطق أخرى، كما أن الحركة لا تقول صراحة إنها تتبع لـحزب الاتحاد الديمقراطي PYD أو "قسد". للمزيد حول طبيعة عمليات تلك الحركة راجع: مجموعة "تحرير عفرين" تتبنى استهداف نقطة تركية بريف حلب، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 13 أيلول/سبتمبر 2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/2f6xU
([2]) تنوعت مصادر بيانات التقرير وفقاً لما يلي: نقاط الرصد الخاصة بمركز عمران للدراسات في الشمال السوري. المُعرّفات الرسمية للجهات التي تم استهدافها (مدنية، عسكرية). المُعرّفات الرسمية للجهات المُنفِذة، أو التي تعلن تبنيها للعمليات كـ "غرفة عمليات غضب الزيتون" أو "قوات تحرير عفرين". المُعرّفات والمواقع الرسمية للوكالات ووسائل الإعلام المحليّة، التي تقوم بتغطية الأحداث في مناطق الرصد.
([3]) للاطلاع على التقرير السابق "الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى حزيران 2022 "، راجع الرابط التالي: https://bit.ly/3I7n6S6
([4]) للاطلاع على التقرير السابق "الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من تموز حتى كانون الأول 2022"، راجع الرابط التالي: https://2h.ae/rBPe
([5]) للاطلاع على عمليات "قوات تحرير عفرين" راجع الروابط التالية:http://tinyurl.com/2cnymmp7، http://tinyurl.com/2948qejx، http://tinyurl.com/27prryxp، http://tinyurl.com/25l73c3t
([6]) مقتل شاب على يد عناصر من الجيش الوطني السوري في مدينة الباب شرقي حلب، شبكة رصد سورية لحقوق الإنسان، 19 أغسطس، 2023، http://tinyurl.com/2yuwt4b5 ، ومقتل قيادي من "الجيش الوطني" برصاص فصائله شرق حلب، زمان الوصل، 7 أغسطس 2023، http://tinyurl.com/2docph3z
([7]) حصاد الأحداث الميدانية ليوم الإثنين 24-04-2023، شبكة شام، 24أبريل 2023، http://tinyurl.com/2cqzvken
([8]) حصاد "شــام" لمُجمل الأحداث الميدانية في سورية ليوم الاثنين 16/ تشرين الأول/ 2023، شبكة شام، 16 أكتوبر 2023، http://tinyurl.com/254j8xhr ، للاطلاع أكثر راجع الرابط التالي: http://tinyurl.com/2948qejx
([9]) التحالف يقتل قيادياً سابقاً في تنظيم "حراس الدين" شرق حلب، زمان الوصل، 08 تموز 2023، http://tinyurl.com/2dkbftwo
([10]) شمال سورية.. عائلة الديراوي تطالب بتسليم قتلة نجلها إلى محكمة أطمه، مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية، 6 أبريل 2023، http://tinyurl.com/2cqnl5n2
([11]) جرحى بانفجار سيارة مفخخة في عفرين شمال حلب، شبكة بلدي الإعلامية، 18 نوفمبر 2023، http://tinyurl.com/24gb4328
([12]) قوات تحرير عفرين تعلن عن مقتل وإصابة 31 جندياً حصيلة عمليات نفذتها، وكالة فرات للأنباء، 30 ديسمبر 2023، http://tinyurl.com/2banxn94
([13]) لغم أرضي يودي بحياة عنصرين من "الجيش الوطني" في الحسكة، شبكة بلدي الإعلامية، 12 يوليو 2023، http://tinyurl.com/288p27n7
([14]) مجهولون يغتالون "أوزبكياً" في محافظة إدلب، شبكة بلدي الإعلامية، 3 حزيران 2023، http://tinyurl.com/2doe4lzz
([15]) أبو الحسين القرشي: تركيا تقول إنها قتلت زعيم التنظيم في سورية، bbc عربي، 30 أبريل/ نيسان 2023، http://tinyurl.com/2p6egvbb
([16]) حصاد الاحداث الميدانية ليوم الجمعة 14-7-2023، شبكة شام، 14 تموز 2023، http://tinyurl.com/23g98h7k
([17]) أمريكا تحقق في قضية مقتل مدني استهدفته شمالي إدلب، عنب بلدي، 10 أيار 2023، http://tinyurl.com/23jtkzwn
([18]) مزمجر الثورة السورية، http://tinyurl.com/22jguzsv
([19]) حصاد الأحداث الميدانية ليوم الأربعاء 04-01-2023، شبكة شام، 4 كانون الثاني 2023، http://tinyurl.com/2946vqjh
([20]) الاعتقالات والاغتيالات في درعا: مقاربة النظام الأمنية عقب تسوية 2021، فاضل خانجي، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 15 كانون الأول 2022، https://bit.ly/3YuUTdx
مُلخّصٌ تنفيذيّ
مدخل
تشهد مناطق الشمال السوريّ خرقاً أمنياً واضحاً، تتجلى أبرز جوانبه في وتيرة عمليات الاغتيال المستمرة ومعدلاتها المرتفعة، والتي تعد مؤشراً هاماً على تدهور حالة الاستقرار الأمني وتدني القدرة على ضبطها من قبل القوى المسيطرة، خاصة مع ازدياد محاولات الاغتيال ضمن تلك المناطق وتعدد دوافعها ومُنفذيها واختلاف أساليبها، وسط تجدد قصف النظام وحلفائه لبعض تلك المناطق، ما يزيد من تعقيد الوضع الأمني والقدرة على ضبطه.
وتتصف عمليات الاغتيال بالسريّة عادة، لناحية الجهة المنُفِّذة، إلا أن هناك نسبة كبيرة من تلك العمليات ضمن مناطق سيطرة الفصائل المعارضة تتبناها جهات محددة بشكل علني كـ "قوات تحرير عفرين([1])" و"تنظيم الدولة"، في اختراق أمني واضح وصريح لتلك المناطق. وبالرغم من اختلاف وتيرة ومُعدّل عمليات الاغتيال من منطقة إلى أخرى ضمن الشمال السوري؛ إلا أنها تتقاطع في الإشارة إلى التراجع العام لمؤشرات الاستقرار الأمني.
وفي متابعة لملف الاغتيالات ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة في الشمال السوري؛ صَمّمَتْ وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات، نموذجاً خاصاً لرصد تلك العمليات وتحليل البيانات المتعلقة بها، كمؤشرات للاستقرار الأمني([2]). ضمن تقرير دوريّ يرصد وتيرة عمليات الاغتيال، موضّحاً نتائجها، وما أسفرت عنه، مقابل الجهات المُنفِّذة - إن عُلِمت - وكذلك الجهات المُستَهدَفة. كما يسعى التقرير إلى تحليل تلك البيانات ومقاطعتها بين مختلف المناطق، في محاولة لرسم الملامح العامة للوضع الأمنيّ وقياس أوليّ لمؤشرات الاستقرار.
وعليه، يرصد هذا التقرير عمليات الاغتيال ضمن مناطق عدة في الشمال السوري، منها: ريف حلب الشمالي، الذي شكّل نطاق العمليات العسكرية: "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، مقابل مدينتي تل أبيض ورأس العين "نبع السلام" في الشمال الشرقي، إضافة إلى ما تبقى من محافظة إدلب وريف حلب شمال غربي سورية. وذلك خلال الفترة الممتدة ما بين (تموز/يوليو وكانون الأول/ديسمبر 2022)، إذ بلغ عددها 68 عملية اغتيال، خلّفت 215 ضحية. وتوضّح البيانات انخفاضاً طفيفاً في معدل الاغتيالات، مقارنة بالتقرير السابق، الذي أصدره مركز عمران: (الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى حزيران 2022)، والتي بلغت 70 عملية، خلّفت 263 ضحية([3]).
وقد توزعت عمليات الاغتيال الـ 68 المرصودة ضمن التقرير الحالي، بحسب الأشهر، على الشكل التالي: 12 عملية اغتيال خلال شهر تموز/يوليو، في حين بلغت خلال آب/أغسطس 11 عملية، فيما سُجِّلت 13 عملية خلال أيلول/سبتمبر، وشهد تشرين الأول/أكتوبر 12 عملية، لتنخفض في تشرين الثاني/نوفمبر إلى 6 عمليات، بينما بلغت في كانون الأول/ ديسمبر 14 عملية. ويسعى التقرير بعد رصد تلك العمليات، إلى دراستها وتحليلها واستعراضها بحسب مناطق السيطرة، والجهات المُستَهدَفة والمُنفِّذة، وطبيعة أداة التنفيذ، ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها، مقابل أثرها على مستوى الأمن والاستقرار في المنطقة.
أولاً: "درع الفرات" (ارتفاع ملحوظ)
تُظهر عملية الرصد الخاص بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي/"درع الفرات"، بلوغ معدل عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 29 عملية (الشكل 1). نُفِّذَت 12 منها عبر الطلق الناري، وأسفرت عن سقوط 34 ضحية، إذ حققت 11 عملية من 12 غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، فيما فشلت عملية واحدة في تحقيق هدفها. أما بالنسبة للجهة التي تقف وراء تنفيذ تلك العمليات، فتشير البيانات إلى تنفيذ "قوات تحرير عفرين" لـ 5 عمليات([4]). كما نُفِّذت عملية وحيدة من قبل عناصر "فرقة الحمزة" في المنطقة([5])، بينما نُفِّذَت عمليتان عن طريق أشخاص مدنيين([6])، في حين بقيت 4 عمليات مجهولة المُنفِّذ. وقد كانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك الاغتيالات بواقع 4 عمليات، فيما استُهدِفت عناصر الجيش التركي في محاولة وحيدة، مقابل 7 عمليات استهدفت جهات مدنية، من ناشطين وأطباء وكوادر مدنية.
بالمقابل، نُفِّذَت 13 من 29 عملية عبر العبوات الناسفة، مخلّفةً بمجموعها 48 ضحية (13 قتيلاً، 35 جريحاً)، منهم 30 مدنياً، مقابل 18 من عناصر "الجيش الوطني" (الشكل 2). واستهَدَفَت أغلب تلك العبوات شخصيات أو مجموعات عسكرية وسط تجمعات المدنيين، إضافة إلى استهداف تجمعات مدنية خالصة. وقد تبنّت "قوات تحرير عفرين" تنفيذ 4 عمليات([7])، لتبقى 9 عمليات من مجمل عمليات العبوات الناسفة والمفخخات مجهولة المُنفِّذ. كما نُفِّذَت 3 عمليات من 29، عبر اللغم الأرضي، خلَّفَت 12 ضحية (3 قتلى، 9 جرحى)، جميعهم من المدنيين. فيما نَفَّذَت القوات الأمريكية عملية وحيدة عن طريق الطائرة المُسيّرة، نجا منها أحد قادة "تنظيم الدولة"([8]).
ويتضّح من خلال أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي، ارتفاعاً في مُعدّل عمليات الاغتيال مقارنة بالتقرير السابق، الذي أصدره مركز عمران وغطى الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى تموز 2022، إذ سجّل التقرير السابق 23 عملية اغتيال في تلك الفترة، في حين رصد التقرير الحالي 29 عملية.
بالمقابل، تُبيّن الأرقام ارتفاعاً في معدل عدد الضحايا، مقارنة بالتقرير السابق، الذي سجّل 87 ضحية، بينما بلغ مجموع عدد الضحايا خلال فترة الرصد الحالية 95 ضحية. ويُعزى ذلك إلى ارتفاع معدل العمليات من جهة، مقابل اختلاف أهدافها وأدوات التنفيذ المستخدمة فيها من جهة أخرى، إذ اعتمدت بنسبة 50% على العبوات الناسفة، التي استهدف أغلبها شخصيات عسكرية/مدنية بعينها وسط تجمعات مدنيين، إضافة لاستهداف تجمعات مدنية خالصة. ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا، شكّلَت نسبة المدنيين منهم 59%، مقابل 34% من عناصر "الجيش الوطني"، و6% من عناصر الجيش التركي، بينما شكّل عناصر "تنظيم الدولة" 1% (الشكل 3)
أما بالنسبة للجهات المُنفِّذَة، فيُلحَظ من بيانات الرصد، تبني "قوات تحرير عفرين" لـ 31% من العمليات، مقابل إعلان مسؤولية القوات الأمريكية عن 4%، وعناصر فرقة "الحمزة" التابعة لـ"الجيش الوطني" عن 4% من العمليات المرصودة، إضافة إلى تنفيذ جهات مدنية لـ 6% من مجموع العمليات، في حين بقيت 55% من عمليات الاغتيال مجهولة المُنفِّذ، الأمر الذي يشير إلى استمرار تردي الواقع الأمني، وضعف قدرة الجهات المسيطرة على تتبع تلك العمليات والكشف عن منفذيها والحد منها.
ووفقاً للبيانات الخاصة برصد المنطقة؛ فإن الواقع ما يزال يشير إلى اتساع الخرق الأمني، مقابل عدم تقدم القوى المُسيطرة في ضبطه وتضييق حجم هذا الخرق، خاصة في ظل اتهامات لأطراف وجهات عدة بالسعي إلى زعزعة الأمن والاستقرار، وتقاطع مصالحها في ذلك؛ كحزب الاتحاد الديمقراطي"PYD" وخلاياه النشطة في المنطقة، الذين يعدون المنطقة امتداداً للنفوذ التركي، وجميعُ من فيها "أهدافٌ مشروعة"، دون التمييز بين مدنيين وعسكريين، إضافة إلى النظام الذي يسعى إلى زعزعة أمن المنطقة وإفشال أي نموذج أمني/حوكمي فيها.
ثانياً: عفرين (تبنٍ صريح)
من خلال رصد وتحليل البيانات لعمليات الاغتيال الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها من المناطق، يتضح أنها شهدت بالعموم: 13 عملية اغتيال خلال 6 أشهر من الرصد، أسفرت عن 54 ضحية بين قتيل وجريح. وقد نُفِّذَت 7 من مجموع العمليات الـ 13عبر الطلق الناري، حققت 5 منها غايتها في تصفية الجهة المُستَهدَفة، بينما فشلت محاولتان.
وكان 8 من عناصر "الجيش الوطني" هدفاً للعمليات الـ 5، والتي تبنّت تنفيذ 4 منها "قوات تحرير عفرين"(([9]، بينما تبنّت "هيئة تحرير الشام" محاولة وحيدة([10])، كما تبنّت " قوات تحرير عفرين" استهداف عناصر الجيش التركي في عملية وحيدة خلفت 11 جريحاً([11]).
بالمقابل، وبحسب البيانات المرصودة، نُفِّذت 5 عمليات من مجمل العمليات الـ 13 عبر العبوات الناسفة (الشكل 4)، والتي استَهدَفَت عناصر ومجموعات لـ "الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، في حين استَهدَفَت عبوات أخرى عناصر للجيش التركي المتواجد في المنطقة، وتجمعات مدنية خالصة. ما أدى إلى وقوع 28 ضحية (17 قتيلاً و11 جريحاً) (الشكل 5). موزعين بين: 11مدنياً، و13من عناصر "الجيش الوطني"، مقابل 4 من عناصر الجيش التركي. وقد تبنّت "قوات تحرير عفرين" جميع عمليات العبوات الناسفة([12]).
بالمقابل، استَخدَمَت القوات الأمريكية الطائرة المُسيّرة في تنفيذ عملية اغتيال ضمن عفرين، استهدفت خلالها قيادياً في "تنظيم الدولة الإسلامية"، ما أسفر عن مقتل المُستَهدَف ومرافقه([13]).
تُبيّن أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها، أن معدل عمليات الاغتيال لم يتغير مقارنة بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران، وغطى الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى حزيران 2022. إذ سجّل التقرير السابق 13 عملية اغتيال في تلك الفترة، كما رصد التقرير الحالي تنفيذ 13 عملية. إلا أن هذا التساوي في معدل عمليات الاغتيال لا يعني تطابقاً في نسب الضحايا، فقد بلغت خلال أشهر الرصد الحالي 54 ضحية، في حين سجّل التقرير السابق 40 ضحية. وقد يُردّ ذلك إلى اختلاف الأهداف وأدوات التنفيذ في أغلب العمليات الحالية، فقد اعتمدت بنسبة 54% منها على الطلق الناري، في حين نُفِّذ 8% عبر الطائرة المُسيّرة، بينما اعتمد 38% منها على العبوات الناسفة، التي استهدفت شخصيات عسكرية بعينها، وأخرى استهدفت مجموعات عسكرية وسط تجمعات مدنيين، مقابل عمليات استهدفت تجمعات مدنية. وقد شكّلت نسبة المدنيين من الضحايا 20%، مقابل 48% من عناصر "الجيش الوطني"، و28% من عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة، و4% من عناصر المجموعات "الجهادية" (الشكل 6).
وبحسب البيانات، تبنّت القوات الأمريكية لـ 8% من مجموع العمليات المرصودة، في حين تبنّت "هيئة تحرير الشام" 8% من مجموع العمليات، فيما يُلحَظ من خلال البيانات نشاط واضح ومتصاعد لـ "قوات تحرير عفرين"، التي تبنّت تنفيذ 84% من مجمل عمليات الاغتيال في المنطقة، بشكل يشير إلى تركُّز عملياتها ونشاطها الأمني في عفرين ومناطق "درع الفرات". وقد استهدفت تلك العمليات في أغلبها عناصر "الجيش الوطني"، الذين تحولوا إلى أهداف متحركة داخل مدينة عفرين، سواء على المستوى الفردي عبر تصفية أفراد بعينهم، أم على مستوى جماعي عبر استهداف مجموعاتهم العسكرية. وغالباً ما يتم هذا الاستهداف وسط تجمعات مدنية، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين. وتنسجم طبيعة تلك العمليات مع الرؤية المعلنة لقوات "تحرير عفرين"، والتي تعد المنطقة "امتداداً للنفوذ التركي" وتضع المقاتلين المحليين والعوائل المهجّرة ضمن الإطار ذاته، وبالتالي تكثّف من عملياتها وتشرعنها تحت هذا الغطاء، دون تمييز بين مدني وعسكري.
بالمقابل، فإن حركة الاغتيالات في عفرين والتبني الواضح لها، يتناسب طرداً مع مستوى القدرة الأمنية للجهات المُسيطرة، فعلى الرغم من تسجيل مناطق "درع الفرات" نسبة أكبر بعمليات الاغتيال (29)، بينما في عفرين ومحيطها (13)؛ إلا أن ذلك لا يعني اختلافاً كبيراً في مستوى الضبط الأمني، خاصة وأن أغلب العمليات التي نُفِّذَت في عفرين كانت "نوعيّة"، ناهيك عن تبني أغلبها بشكل علني من قبل ما تدعى "قوات تحرير عفرين"، وتصاعد نشاطها بشكل يشير إلى ارتفاع مستوى تلك العمليات وتوسيع دائرة أهدافها، مقابل عدم إحراز تقدم كبير على مستوى الضبط الأمني من قبل الجهات المسيطرة.
يشير الرصد الخاص بمنطقتي رأس العين وتل أبيض، واللتين شكلتا نطاق العملية العسكرية "نبع السلام"، إلى بلوغ عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 13 عملية اغتيال، أسفرت عن 42 ضحية بين قتيل وجريح، نُفِّذَت 6 عمليات منها عبر الطلق الناري، ما أسفر عن سقوط 16 ضحية، وحققت 5 منهم غايتها في تصفية الجهة المُستَهدَفة، في حين فشلت محاولة (الشكل 7). بالمقابل، كانت العبوة الناسفة أداة لتنفيذ 7 عمليات، استهدفت عناصر ومجموعات "الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، بينما استهدَفَت أخرى جهات مدنية، ما أدى إلى وقوع 26 ضحية بين قتيل وجريح (الشكل 8)، 12 من المدنيين، و14من عناصر "الجيش الوطني". وقد كانت جهات مدنية هدفاً لتلك العبوات في 3 عمليات، فيما استَهدَفَت 4 عمليات عناصر "الجيش الوطني".
ويتضح من خلال البيانات الخاصة بمدينتي رأس العين وتل أبيض "نبع السلام"، ثبات وتيرة عمليات الاغتيالات، قياساً بالتقرير السابق، والذي سجّل 13 عملية اغتيال، كما سجّل التقرير الحالي 13 عملية. بالمقابل يُلحظ انخفاض في معدل ضحايا تلك العمليات، قياساً بالتقرير السابق، والذي سجّل وقوع 69 ضحية بين قتيل وجريح، في حين رصد التقرير الحالي وقوع 42 ضحية بين قتيل وجريح. ويُعزى ذلك إلى تغيير نوعية الأهداف وأدوات التنفيذ، فقد نُفِذَت 6 من 13 عملية عبر الطلق الناري، مستهدفة أشخاصاً بعينهم. بينما نُفِذَت 7 عمليات عبر العبوات الناسفة، التي استهدَفَت تجمعات مدنية متوسطة الكثافة، أو عناصر من "الجيش الوطني" وسط تجمعات مدنية. ما أدى إلى وقوع عدد من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 57%، في حين شكّلت نسبة عناصر "الجيش الوطني" 43% (الشكل 9).
أما بالنسبة للجهات المُنفِّذة، فعلى الرغم من عدم وجود تبنٍ علني لتلك العمليات، إلا أن مصادر جمع البيانات تشير إلى اتهامات لخلايا حزب العمال الكردستاني "PKK" في الضلوع بأغلب تلك العمليات، خاصة وأن طبيعة العمليات لا تختلف عن سابقاتها في مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، من ناحية الأهداف والأدوات وأساليب التنفيذ، الأمر الذي يشير إلى ارتفاع مستوى العمليات الأمنية من جهة، وقد ينذر بازديادها من جهة أخرى.
ومن خلال الأرقام السابقة لمختلف المناطق المرصودة، يتضح أن مناطق سيطرة "الجيش الوطني" في ريف حلب الشمالي الغربي "درع الفرات" الأكثر تردياً أمنياً، قياساً بمناطق (عفرين، تل أبيض، رأس العين) وذلك لناحية ارتفاع وتيرة الاغتيالات، واتساع الخرق الأمني، وتعدد الجهات المُنفِّذة، واختلاف مصالحها وارتباطاتها، مقابل ضعف قدرة القوى المُسيطرة على ضبط الأمن وتضييق حجم هذا الخرق.
ولعلّ ارتفاع معدل العمليات إلى هذا الحد لا يُعدُّ مؤشراً على عجز التشكيلات الأمنية لـ "الجيش الوطني" على ضبط الأمن والاستقرار بالنسبة للمدنيين فحسب، وإنما ضعف قدرتها أيضاً على تأمين وحماية عناصرها، وهذا ما تدلل عليه طبيعة تلك العمليات الممتدة إلى مختلف مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، والتي شهدت عمليات اغتيال لا تختلف كثيراً عن سابقتها، لناحية طبيعتها والجهات المُنفِّذة والمُستَهدَفة. بالمقابل، يُلحَظ خلال فترة الرصد الحالية ازدياد استهداف القوات التركية المتواجدة في الشمال على اختلاف مناطقه، إذ تم استهدافهم في منطقة "درع الفرات" وعفرين، وكذلك في إدلب كما ستوضح البيانات اللاحقة. وذلك بشكل يشير إلى تصاعد هذا الاستهداف بشكل ممنهج ضمن مختلف مناطق انتشارهم.
ومهما اختلفت دوافع تنفيذ تلك العمليات والجهات التي تقف وراءها؛ فإن الحد منها وتحمُّل مسؤولية نتائجها يقع في النهاية على عاتق القوى والتشكيلات العسكرية والأمنية المُسيطرة في تلك المناطق، سواء "الجيش الوطني" أم القوات التركية.
بحسب البيانات المرصودة، يتضح أن عدد عمليات الاغتيال فيما تبقى من محافظة إدلب وما حولها بلغ 13 عملية، خلال 6 أشهر من الرصد، حققت 10 عمليات منها غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، بينما فشلت 3 محاولات في ذلك بعد نجاة الطرف المُستَهدَف. وقد أسفَر مجموع العمليات عن 24 ضحية، منهم 20 قتيلاً و4 جرحى.
أما بالنسبة لأدوات التنفيذ، فقد اعتمدت 8 عمليات اغتيال على الطلق الناري، نجحَت 6 منها في تصفية الهدف، بينما فشلت عمليتان في ذلك، وأسفر مجموع عمليات الطلق الناري عن 9 ضحايا، بينهم 8 من المدنيين، مقابل عنصر من عناصر فصيل "حراس الدين". بينما نُفِّذَت عمليتان عن طريق العبوات الناسفة، أسفرت عن 6 ضحايا، منهم عنصران من عناصر "الجبهة الوطنية للتحرير"، و4 من المدنيين المتواجدين في المنطقة. فيما نُفِّذَت 3 من العمليات المرصودة عن طريق اللغم الأرضي، ما أسفر عن مقتل 9 من الجهات المدنية (الشكل 10).
ومن مُجمل عمليات الاغتيال الـ 13، استُهدِف عنصر من فصيل "حراس الدين" بعملية وحيدة، في حين تم استهداف عناصر الجبهة "الوطنية للتحرير" بـمحاولة وحيدة أيضاً، بينما استُهدِفَت الجهات المدنية بواقع 11 عملية (الشكل 11). أما بالنسبة للجهة التي تقف وراء تلك العمليات، فقد تبنّى عناصر "تنظيم الدولة" تنفيذهم لعملية اغتيال وحيدة من مجموع العمليات، استهدفت مدنيين([14]). في حين تبنَّت "هيئة تحرير الشام" محاولة وحيدة([15])، لتبقى المحاولات الـ 11 الأخرى مجهولة المُنفِّذ، حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.
يتّضح من خلال بيانات الرصد الخاصة بمناطق إدلب وماحولها، انخفاضٌ في معدل عمليات الاغتيال، قياساً بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران، وغطى الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى حزيران 2022، إذ سجّل التقرير السابق 21 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 13 عملية، بالمقابل يُلحظ انخفاض في معدل ضحايا تلك العمليات، قياساً بالتقرير السابق، والذي سجّل وقوع 67 ضحية بين قتيل وجريح، في حين رصد التقرير الحالي وقوع 24 ضحية بين قتيل وجريح. ويعزى ذلك إلى طبيعة العمليات واختلاف أهدافها وأدوات تنفيذها، فقد اعتمدت أغلب العمليات المرصودة خلال التقرير الحالي، على الطلق الناري 62% الذي استهدف أشخاص محددين. كما تشير البيانات إلى تعدد الجهات محل الاستهداف، فقد كانت الجهات المدينة الأكثر استهدافاً خلال فترة الرصد الحالي بمعدل 88% من مجموع العمليات، بينما استُهدِفَت فصائل جهادية بمعدل 4%، في حين كان عناصر الجبهة "الوطنية للتحرير" هدفاً في 8% من عمليات الاغتيال المُنفَّذة خلال فترة الرصد.
ورغم تعدد أدوات تنفيذ عمليات الاغتيال؛ إلا أن الجزء الأكبر من تلك العمليات كان انتقائياً، فقد اعتمدت بنسبة 62% منها على الطلق الناري، مقابل 15% اعتمدت العبوة الناسفة، فيما بلغت نسبة اللغم الأرضي 23% كأداة للتنفيذ (الشكل 10). مستهدفاً أشخاصاً بعينهم بطريقة غير عشوائية، سواء بالنسبة للعسكريين أم للمدنيين، ما أدى إلى وقوع ضحايا إضافيين ضمن محيط التفجير، أو من مرافقي الشخصية المُستَهدَفة. إذ بلغت نسبة الضحايا المدنيين 88%، مقابل 4% من مجموعات "جهادية"، في حين شكّلت نسبة الجبهة "الوطنية للتحرير" 8%.
وتشير طبيعة العمليات وأدوات التنفيذ المستخدمة ضمنها، إلى اختلاف واضح في طبيعة الاغتيالات المُنفّذة في إدلب عن باقي مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، والتي تغلب عليها العمليات العشوائية بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، بينما تبدو العمليات في إدلب أقل عشوائية وأكثر انتقائية، سواء باستهداف المدنيين أو العسكريين، وذلك ضمن بيئة معقدة أمنياً، ومتعددة اللاعبين ذوي المصالح المتضاربة.
خاتمة
تفيد القراءة العامة لهذا التقرير بما يحمله من أرقام وبيانات عن عمليات الاغتيال، باستمرار ضعف الحالة الأمنية في جميع المناطق المرصودة ضمن الشمال السوري، وضعف قدرة القوى الفاعلة وتعثرها في الحد من تلك العمليات، التي تسهم في تراجع مؤشرات الأمن والاستقرار على مختلف المستويات.
وعلى الرغم من محاولات بعض الفصائل والتشكيلات العسكرية المعارضة تطوير أدواتها في ضبط الأمن، من خلال أجهزة الشرطة والشرطة العسكرية، وازدياد أعداد المنتسبين لتلك الأجهزة، وتخريج عدد من الدورات؛ إلا أنها ما تزال غير قادرة على الحد من تلك العمليات، ولا تملك قدرة الوصول إلى مُنفّذيها، الأمر الذي يستدعي إعادة هيكلة تلك الأجهزة، ورفع مستوى التدريب الخاص بعناصرها، ورفدهم بالتجهيزات اللوجستية والتقنية كافة، التي تساعد في الحد من تلك العمليات. إضافة إلى رفع مستوى التنسيق الأمني بين المناطق المختلفة، وتشكيل لجان أمنية مشتركة للتنسيق بين تلك المناطق من جهة، وإعادة هيكلة آليات التنسيق الأمني بين الجانبين التركي والسوري من جهة أخرى، خاصة مع وجود عوائق إدارية تحول دون الوصول للشكل الأمثل لهذا التنسيق، وبالتالي تسهم بشكل مباشر وغير مباشر بتوسيع هامش الخرق الأمني.
بالمقابل، لا بد من الدفع بإشراك المجتمع المحليّ والتنسيق مع فعالياته ومؤسساته المدنيّة في هذا الإطار، والسعي لتجسير أي هوة بين تشكيلات قوى الأمن الداخلي والمجتمعات المحلية العاملة ضمنها، بما يُسهّل مهمتها ويعزز من حالة الأمن، ويرفع المسؤولية بأهميتها للجميع، وبشكل يسهم في تأمين بيئة أمنيّة مناسبة لنشاط المؤسسات المدنية.
إضافة لذلك، من المهم أن تعمل القوى الأمنية والعسكرية المسؤولة عن تلك المناطق، على التعاطي مع الاغتيالات والتفجيرات بشفافية أعلى، عبر إعلان بيانات وأرقام رسميّة عن طبيعة تلك العمليات والمسؤولين عنها ونِسب العمليات التي نُفِذّت مقارنة بالمحاولات التي تم إحباطها قبل وقوعها. وذلك بشكل دوري يوضَح وتيرة الاغتيالات والجهد المقابل في مكافحتها والحد منها، ويضع الرأي العام المحلي- الدولي بصورة الواقع الأمني في المنطقة.
ولا يُعد تردي الأوضاع الأمنية محلياً، ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة، أمراً منفصلاً عن السياق العام للملف السوري وتعقيداته، والتي ترمي بظلالها محلياً على مختلف المناطق السورية، بغض النظر عن القوى المسيطرة، إذ إن حالة الفوضى الأمنية التي تجلّت بصورة الاغتيالات في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، تتكرّر بصور وأدوات وكثافة مختلفة ضمن مناطق سيطرة نظام الأسد([16])، وكذلك في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، بالرغم من المركزية الأمنية التي تحكم تلك المناطق، والمفتقَدة في مناطق سيطرة فصائل المعارضة.
ملحقات:
([1] ) "قوات تحرير عفرين": هي مجموعة من المقاتلين الكرد، الذين يصفون تجمعهم بــ "حركة مقاومة" عبر شن هجمات تستهدف الجيش التركي و"الجيش الوطني" السوري المدعوم من تركيا في عفرين ومناطق أخرى، ولا تقول الحركة صراحة إنها تتبع لـحزب الاتحاد الديمقراطي "PYD" أو "قسد". للمزيد حول طبيعة عمليات تلك الحركة راجع: مجموعة "تحرير عفرين" تتبنى استهداف نقطة تركية بريف حلب، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 13 أيلول/سبتمبر 2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/2f6xU
([2]) تنوعت مصادر بيانات التقرير وفقاً لما يلي: نقاط الرصد الخاصة بمركز عمران للدراسات في الشمال السوري. المُعرّفات الرسمية للجهات التي تم استهدافها (مدنية، عسكرية). المُعرّفات الرسمية للجهات المُنفِذة، أو التي تعلن تبنيها للعمليات كـ "غرفة عمليات غضب الزيتون" أو "قوات تحرير عفرين". المُعرّفات والمواقع الرسمية للوكالات ووسائل الإعلام المحليّة، التي تقوم بتغطية الأحداث في مناطق الرصد.
([3]) للاطلاع على التقرير السابق "الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى حزيران 2022 "، راجع الرابط التالي: https://bit.ly/3I7n6S6
([4]) فيديو يوضح تبني "قوات تحرير عفرين" عمليات اغتيال ضد عناصر "الجيش الوطني" والجيش التركي. للمزيد راجع: قوات تحرير عفرين تعلن مقتل وإصابة 17 من جنود الاحتلال التركي بينهم ضباط، 11 آب 2022، https://bit.ly/3HakGRc
([5]) اغتيال الناشط محمد أبو غنوم من قبل عناصر تابعين لفرقة الحمزة. للمزيد راجع: الباب... اعتقال كامل أفراد خلية اغتيال الناشط "أبو غنوم"، تلفزيون سوريا، 10 تشرين الأول 2022، https://bit.ly/3MQ1M5V
([6]) مسلحون مدنيون يغتالون متهماً باغتيال طبيب بيطري في مدينة الباب، تلفزيون سوريا، 22 أيلول 2022، https://bit.ly/3MJKbfK، https://bit.ly/409F5MY
([7]) فيديو يوضح تبني "قوات تحرير عفرين" عمليات اغتيال ضد عناصر "الجيش الوطني" والجيش التركي، 23 آيلول 2022، https://bit.ly/41TpwKM
([8]) إصابة قيادي في "داعش" بغارة أميركية على مدينة الباب شرقي حلب، تلفزيون سوريا، 20 كانون الأول 2022، https://bit.ly/41ou3Ew
([9]) للمزيد حول عمليات "قوات تحرير عفرين" ضد عناصر "الجيش الوطني" راجع الروابط التالية: https://bit.ly/3KNsM3d، https://bit.ly/41CQ8PW
([10]) "الهيئة" تقتل قيادياً في الفيلق الثالث وتهدّد باقتحام اعزاز، تلفزيون سوريا، 17 تشرين الأول 2022، https://bit.ly/3KQanmt
([11]) للمزيد حول عمليات "قوات تحرير عفرين" ضد عناصر الجيش التركي راجع الرابط التالي: https://bit.ly/40tOkYt
([13]) أمريكا تعلن عن مقتل قيادي ثان بـ"تنظيم الدولة" في سورية، تلفزيون سوريا، 15 تموز 2022، https://bit.ly/41DDXCl
([14]) جهاز الأمن العام" يكشف هوية مرتكبي جريمة قتل "مسنين وشاب" من الطائفة الدرزية بإدلب، شبكة شام ،24 آب 2022، https://bit.ly/4408JHy
([15]) عناصر الهيئة يحاولون اغتيال أحد عناصر فيلق الشام، للمزيد أنظر الرابط: https://bit.ly/3L4dXcD
([16]) الاعتقالات والاغتيالات في درعا: مقاربة النظام الأمنية عقب تسوية 2021، فاضل خانجي، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 15 كانون الأول 2022، https://bit.ly/3YuUTdx
مُلخّصٌ تنفيذيّ
مدخل
تشهد مناطق الشمال السوريّ خرقاً أمنياً واضحاً، تتجلى أبرز جوانبه في وتيرة عمليات الاغتيال المستمرة ومعدلاتها المرتفعة، والتي تعد مؤشراً هاماً على تدهور حالة الاستقرار الأمني وتدني القدرة على ضبطها من قبل القوى المسيطرة، خاصة مع ازدياد محاولات الاغتيال ضمن تلك المناطق وتعدد دوافعها ومُنفذيها واختلاف أساليبها، وسط تجدد قصف النظام وحلفائه لبعض تلك المناطق، ما يزيد من تعقيد الوضع الأمني والقدرة على ضبطه.
وتتصف عمليات الاغتيال بالسريّة عادة لناحية الجهة المنُفِّذة، إلا أن هناك نسبة كبيرة من تلك العمليات ضمن مناطق سيطرة الفصائل المعارضة تتبناها جهات محددة بشكل علني كـ "قوات تحرير عفرين ([1])" و"تنظيم الدولة"، في اختراق أمني واضح وصريح لتلك المناطق. وبالرغم من اختلاف وتيرة ومعدل عمليات الاغتيال من منطقة إلى أخرى ضمن الشمال السوري؛ إلا أنها تتقاطع في الإشارة إلى التراجع العام لمؤشرات الاستقرار الأمني.
وفي متابعة لملف الاغتيالات ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة في الشمال السوري؛ صَمّمَتْ وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات، نموذجاً خاصاً لرصد تلك العمليات وتحليل البيانات المتعلقة بها، كمؤشرات للاستقرار الأمني ([2]). ضمن تقرير دوريّ يرصد وتيرة عمليات الاغتيال، موضّحاً نتائجها، وما أسفرت عنه، مقابل الجهات المُنفّذة -إن عُلِمت -وكذلك الجهات المُستَهدَفة. كما يسعى التقرير إلى تحليل تلك البيانات ومقاطعتها بين مختلف المناطق، في محاولة لرسم الملامح العامة للوضع الأمنيّ وقياس أوليّ لمؤشرات الاستقرار.
وعليه، يرصد هذا التقرير عمليات الاغتيال ضمن مناطق عدة في الشمال السوري، منها: ريف حلب الشمالي، الذي شكّل نطاق العمليات العسكرية: "درع الفرات" و"غصن الزيتون". مقابل مدينتي تل أبيض ورأس العين "نبع السلام" في الشمال الشرقي، إضافة إلى ما تبقى من محافظة إدلب وريف حلب شمال غربي سورية. وذلك خلال الفترة الممتدة ما بين (كانون الثاني/يناير وحزيران/يونيو 2022)، إذ بلغ عددها 70 محاولة اغتيال، خلّفت 263 ضحية. وتوضّح البيانات انخفاضاً طفيفاً في معدل الاغتيالات، مقارنة بالتقرير السابق، الذي أصدره مركز عمران: (الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من تموز حتى كانون الأول 2021)، والتي بلغت 73 عملية، خلّفت 322 ضحية ([3]).
وقد توزعت عمليات الاغتيال الـ 70 المرصودة ضمن التقرير الحالي، بحسب الأشهر، على الشكل التالي: 13 محاولة اغتيال خلال شهر كانون الثاني/يناير، في حين بلغت خلال شباط/فبراير 12 محاولة، فيما سُجِّلت 11 محاولة خلال أذار/مارس، وشهد نيسان/أبريل 13 محاولة، بينما بلغت في أيار/مايو 12 محاولة، لتنخفض في حزيران/يونيو إلى 9 محاولات. ويسعى التقرير بعد رصد تلك العمليات، إلى دراستها وتحليلها واستعراضها بحسب مناطق السيطرة، والجهات المُستَهدَفة والمُنفِّذة، وطبيعة أداة التنفيذ، ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها، مقابل أثرها على مستوى الأمن والاستقرار في المنطقة.
أولاً: "درع الفرات" (كثافة عمليات)
تُظهر عملية الرصد الخاص بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي "درع الفرات"، بلوغ معدل عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 23 عملية (الشكل 1)، نُفِّذَت 7 منها عبر الطلق الناري، وأسفرت عن سقوط 20 ضحية، إذ حققت 4 عمليات من 7 غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، فيما فشلت 3 عمليات في تحقيق هدفها. أما بالنسبة للجهة التي تقف وراء تنفيذ تلك العمليات، فتشير البيانات إلى تنفيذ "قوات تحرير عفرين" لـمحاولتين ([4]). كما نُفِّذت محاولة وحيدة من قبل خلايا تنظيم "الدولة الإسلامية" في المنطقة ([5]). في حين بقيت المحاولات الـ 4 مجهولة المُنفِّذ. وكانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك الاغتيالات بواقع 5 عمليات، مقابل عمليتين استهدفت كوادر شرطة مدنية.
بالمقابل، نُفِّذَت 16 من 23 عملية عبر العبوات الناسفة، مخلّفةً بمجموعها 67 ضحية (44 قتيلاً، 23 جريحاً)، منهم 23 مدنياً مقابل 37 من عناصر "الجيش الوطني"، إضافة لـ 7 من عناصر الجيش التركي (الشكل 2). واستهَدَفَت أغلب تلك العبوات شخصيات أو مجموعات عسكرية وسط تجمعات المدنيين، إضافة إلى استهداف تجمعات مدنية خالصة، كما استُهدِفَ عناصر الجيش التركي المتواجدين في المنطقة بمحاولتين. وقد تبنّت "قوات تحرير عفرين" تنفيذ 4 عمليات ([6])، لتبقى 12 عملية من مجمل عمليات العبوات الناسفة والمفخخات مجهولة المُنفِّذ.
يتضح من خلال أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي، انخفاض في معدل عمليات الاغتيال مقارنة بالتقرير السابق، الذي أصدره مركز عمران وغطى الفترة الممتدة من تموز وحتى كانون الأول 2021، إذ سجّل التقرير السابق 31 عملية اغتيال في تلك الفترة، في حين رصد التقرير الحالي 23 عملية.
بالمقابل، تُبيّن الأرقام انخفاضاً في معدل عدد الضحايا، مقارنة بالتقرير السابق، الذي سجّل 166ضحية، بينما بلغ مجموع عدد الضحايا خلال فترة الرصد الحالية 87 ضحية. ويُعزى ذلك إلى انخفاض معدل العمليات من جهة، مقابل اختلاف أهدافها وأدوات التنفيذ المستخدمة فيها من جهة أخرى، والتي اعتمدت بنسبة 69% على العبوات الناسفة، التي استهدف أغلبها شخصيات عسكرية/مدنية بعينها وسط تجمعات مدنيين، إضافة لاستهداف تجمعات مدنية خالصة. ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 34%، مقابل 55% من عناصر "الجيش الوطني"، و11% من عناصر الجيش التركي (الشكل 3).
أما بالنسبة للجهات المُنفِّذة، فيُلحظ من البيانات، تبني "قوات تحرير عفرين" لـ 26% من العمليات. مقابل إعلان مسؤولية تنظيم "الدولة الإسلامية" عن 4% من العمليات المرصودة، في حين بقيت 70% من عمليات الاغتيال مجهولة المُنفِّذ. الأمر الذي يشير إلى، استمرار تردي الواقع الأمني وضعف قدرة الجهات المسيطرة على تتبع تلك العمليات والكشف عن منفذيها والحد منها.
ووفقاً للبيانات الخاصة برصد المنطقة؛ فإن الواقع ما يزال يشير إلى اتساع الخرق الأمني، مقابل عدم تقدم القوى المسيطرة في ضبطه وتضييق حجم هذا الخرق، خاصة في ظل اتهامات لأطراف وجهات عدة بالسعي إلى زعزعة الأمن والاستقرار، وتقاطع مصالحها في ذلك؛ كحزب الاتحاد الديمقراطي"PYD" وخلاياه النشطة في المنطقة، التي يعدونها امتداداً للنفوذ التركي، ومن فيها "أهدافاً مشروعة"! إضافة إلى النظام الذي يسعى إلى زعزعة أمن المنطقة وإفشال أي نموذج أمني/حوكمي فيها.
ثانياً: عفرين (تبنٍّ علنيّ)
من خلال رصد وتحليل البيانات لعمليات الاغتيال الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها من المناطق، يتضح أنها شهدت بالعموم: 13 عملية اغتيال خلال 6 أشهر من الرصد، أسفرت عن 40 ضحية بين قتيل وجريح. وقد نُفِّذَت 5 عمليات من مجموع العمليات الـ 13 عبر الطلق الناري، حققت 3 منها غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، بينما فشلت في محاولتين. وكان 9 من عناصر "الجيش الوطني" هدفاً للعمليات الـ 5، والتي تبنّت تنفيذ محاولتين منها "قوات تحرير عفرين"، فيما بقيت 3 محاولات مجهولة المُنفِّذ. إذ اُستُهدِفَت في إحدى العمليات سيارة تقل قائد ميداني و2 من مرافقته من "الجيش الوطني"، ما أدى إلى مقتلهم جميعاً.
بالمقابل، وبحسب البيانات المرصودة، نُفِّذت 8 عمليات من مجمل العمليات الـ 13 عبر العبوات الناسفة (الشكل 4)، والتي استَهدَفَت عناصر ومجموعات لـ "الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، في حين استَهدَفَت عبوات أخرى عناصر للجيش التركي المتواجد في المنطقة، وتجمعات مدنية خالصة. ما أدى إلى وقوع 31 ضحية (17 قتيلاً و14 جريحاً) (الشكل 5). موزعين بين: 12 مدنياً، و10من عناصر "الجيش الوطني"، مقابل 9 من عناصر الجيش التركي. وقد تبنّت "قوات تحرير عفرين" 4 من مجموع عمليات العبوات الناسفة، فيما بقيت الـ 4 محاولات الأخرى مجهولة المُنفِّذ.
تُبيّن أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها انخفاضاً طفيفاً في معدل عمليات الاغتيال، مقارنة بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران، وغطى الفترة الممتدة من تموز وحتى كانون الأول 2021. إذ سجّل التقرير السابق 14 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 13 عملية. ولعلّ هذا الانخفاض الطفيف في معدل عمليات الاغتيال، أدى إلى انخفاض نسبة الضحايا، فقد بلغت خلال أشهر الرصد الحالي 40 ضحية، في حين سجّل التقرير السابق 95 ضحية. وقد يُردّ ذلك إلى اختلاف الأهداف وأدوات التنفيذ في أغلب العمليات الحالية، حيث اعتمدت بنسبة 38% منها على الطلق الناري، بينما اعتمد 62% منها على العبوات الناسفة، التي استهدفت شخصيات عسكرية بعينها، وأخرى استهدفت مجموعات عسكرية وسط تجمعات مدنيين، مقابل عمليات استهدفت تجمعات مدنية. وقد شكّلت نسبة المدنيين من الضحايا 39%، مقابل 32% من عناصر "الجيش الوطني"، و29% من عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة (الشكل 6).
بالمقابل، يُلحَظ من خلال البيانات نشاط واضح لـ "قوات تحرير عفرين"، فقد تبنّت تنفيذ 46% من مجمل عمليات الاغتيال في المنطقة، إذ يبدو أنها تركّز عملياتها ونشاطها الأمني في عفرين ومناطق "درع الفرات". بينما بقي 54% من مجموع العمليات مجهولة المُنفِّذ. وقد استهدفت تلك العمليات في أغلبها عناصر "الجيش الوطني"، الذين تحولوا إلى أهداف متحركة داخل مدينة عفرين، سواء على المستوى الفردي عبر تصفية أفراد بعينهم، أم على مستوى جماعي عبر استهداف مجموعاتهم العسكرية. وغالباً ما يتم هذا الاستهداف وسط تجمعات مدنية، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين. وتنسجم طبيعة تلك العمليات مع الرؤية المعلنة لقوات "تحرير عفرين"، والتي تعتبر المنطقة "امتداداً للنفوذ التركي" وتنظر للمقاتلين المحليين والعوائل المهجّرة بالإطار ذاته، وبالتالي تكثّف من عملياتها وتشرعنها تحت هذا الغطاء، دون تمييز بين مدني وعسكري.
بالمقابل، فإن حركة الاغتيالات في عفرين والتبني الواضح لها، يتناسب طرداً مع مستوى القدرة الأمنية للجهات المُسيطرة، فعلى الرغم من تسجيل مناطق "درع الفرات" نسبة أكبر بعمليات الاغتيال (23)، بينما في عفرين ومحيطها (13)؛ إلا أن ذلك لا يعني اختلافاً كبيراً في مستوى الضبط الأمني، خاصة وأن أغلب العمليات التي نُفِّذَت في عفرين كانت "نوعيّة"، ناهيك عن تبني أغلبها بشكل علني من قبل ما تدعى "قوات تحرير عفرين"، وتصاعد نشاطها بشكل يشير إلى ارتفاع مستوى تلك العمليات وتوسيع دائرة أهدافها. مقابل عدم إحراز تقدم كبير على مستوى الضبط الأمني من قبل الجهات المسيطرة.
يشير الرصد الخاص بمنطقتي رأس العين وتل أبيض، واللتين شكلتا نطاق العملية العسكرية "نبع السلام"، إلى بلوغ عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 13 عملية اغتيال، أسفرت عن 69 ضحية بين قتيل وجريح، نُفِّذَت عمليتان منها عبر الطلق الناري، أسفرتا عن ضحيتين، وحققت إحداهما غايتها في تصفية الجهة المستهدفة (الشكل 7). في حين كانت العبوة الناسفة أداة لتنفيذ 11 عملية، استهدفت عناصر ومجموعات "الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، بينما استهدفت أخرى جهات مدنية، ما أدى إلى وقوع 67 ضحية بين قتيل وجريح (الشكل 8)، 40 منهم من المدنيين، و27 من عناصر "الجيش الوطني". حيث كانت الجهات المدنية هدفاً لتلك العبوات في 5 محاولات، فيما استهدفت 6 محاولات عناصر من "الجيش الوطني".
ويتضح من خلال البيانات الخاصة بمدينتي رأس العين وتل أبيض "نبع السلام"، ارتفاعاً ملحوظاً في وتيرة عمليات الاغتيالات، قياساً بالتقرير السابق، والذي سجّل 6 عمليات اغتيال، في حين سجّل التقرير الحالي 13 عملية. بالمقابل يُلحظ ارتفاع في معدل ضحايا تلك العمليات، قياساً بالتقرير السابق، والذي سجّل وقوع 20 ضحية بين قتيل وجريح، في حين رصد التقرير الحالي وقوع 69 ضحية بين قتيل وجريح. ويُعزى ذلك من جهة إلى الارتفاع الواضح في معدل عمليات الاغتيال عن سابقتها في التقرير الفائت، ومن جهة أخرى إلى تغيير نوعية الأهداف وأدوات التنفيذ، حيث نُفِذَت 11 من 13 عملية عبر العبوات الناسفة، التي استهدفت تجمعات مدنية متوسطة الكثافة أو عناصر من "الجيش الوطني" وسط تجمعات مدنية. ما أدى إلى وقوع عدد من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 61%، في حين شكّلت نسبة عناصر "الجيش الوطني" 39% (الشكل 9).
أما بالنسبة للجهات المُنفِّذة، فعلى الرغم من عدم وجود تبنٍ علني لتلك العمليات، إلا أن مصادر جمع البيانات تشير إلى اتهامات لخلايا حزب العمال الكردستاني "PKK" في الضلوع بأغلب تلك العمليات، خاصة وأن طبيعة العمليات لا تختلف عن سابقاتها في مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، من ناحية الأهداف والأدوات وأساليب التنفيذ، الأمر الذي يشير إلى ارتفاع مستوى العمليات الأمنية من جهة، وقد ينذر بازديادها من جهة أخرى.
ومن خلال الأرقام السابقة لمختلف المناطق المرصودة، يتضح أن مناطق سيطرة "الجيش الوطني" في ريف حلب الغربي "درع الفرات" الأكثر تردياً أمنياً، قياساً بمناطق (عفرين، تل أبيض، رأس العين). وذلك لناحية ارتفاع وتيرة الاغتيالات واتساع الخرق الأمني وتعدد الجهات المُنفِّذة واختلاف مصالحها وارتباطاتها، مقابل ضعف قدرة القوى المُسيطرة على ضبط الأمن وتضييق حجم هذا الخرق.
ولعلّ ارتفاع معدل العمليات إلى هذا الحد لا يُعدُّ مؤشراً على عجز التشكيلات الأمنية لـ "الجيش الوطني" على ضبط الأمن والاستقرار بالنسبة للمدنيين فحسب، وإنما ضعف قدرتها أيضاً على تأمين وحماية عناصرها. وهذا ما تدلل عليه طبيعة تلك العمليات الممتدة إلى مختلف مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، والتي شهدت عمليات اغتيال لا تختلف كثيراً عن سابقتها، لناحية طبيعتها والجهات المُنفِّذة والمُستَهدَفة. بالمقابل، يُلحَظ خلال فترة الرصد الحالية ازدياد استهداف القوات التركية المتواجدة في الشمال على اختلاف مناطقه، حيث تم استهدافهم في منطقة "درع الفرات" وعفرين وكذلك في إدلب كما ستوضح البيانات اللاحقة. وذلك بشكل يشير إلى تصاعد هذا الاستهداف بشكل ممنهج ضمن مختلف مناطق انتشارهم.
ومهما اختلفت دوافع تنفيذ تلك العمليات والجهات التي تقف وراءها؛ فإن الحد منها وتحمُّل مسؤولية نتائجها يقع في النهاية على عاتق القوى والتشكيلات العسكرية والأمنية المُسيطرة في تلك المناطق، سواء "الجيش الوطني" أم القوات التركية.
بحسب البيانات المرصودة، يتضح أن عدد عمليات الاغتيال فيما تبقى من محافظة إدلب وما حولها بلغ 21 عملية، خلال 6 أشهر من الرصد، حققت 8 عمليات منها غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، بينما فشلت 13 محاولة في ذلك بعد نجاة الطرف المُستَهدَف. وقد أسفَر مجموع العمليات عن 67 ضحية، منهم 29 قتيلاً و38 جريحاً.
أما بالنسبة لأدوات التنفيذ، فقد اعتمدت 7 عمليات اغتيال على الطلق الناري، نجحَت 5 منها في تصفية الهدف، بينما فشلت عمليتين في ذلك، وأسفر مجموع عمليات الطلق الناري عن 21 ضحية، بينهم 13من عناصر هيئة "تحرير الشام" وقيادي في "تنظيم الدولة". مقابل 3 من عناصر "الجبهة الوطنية للتحرير" بينهم قيادي أيضاً. بينما نُفِّذَت 14 عملية عن طريق العبوات الناسفة، أسفرت عن 46 ضحية، منهم عنصر من الجيش التركي المتواجد في المنطقة، مقابل 31 مدنياً، و6 من عناصر "الجبهة الوطنية للتحرير"، و8 من عناصر هيئة "تحرير الشام" (الشكل 10).
ومن مُجمل عمليات الاغتيال الـ 21، استُهدِف عناصر هيئة "تحرير الشام" بواقع 4 عمليات، مقابل عملية إنزال جوي وحيدة استهدفت قيادي في "تنظيم الدولة". في حين تم استهداف عناصر الجبهة "الوطنية للتحرير" بـ 5 محاولات أيضاً، فيما استُهدِفَت الجهات المدنية بواقع 10 عمليات، كما تم استهداف الجيش التركي في محاولة وحيدة (الشكل 11). أما بالنسبة للجهة التي تقف وراء تلك العمليات، فقد تبنّت القوات الأمريكية محاولة وحيدة من مجموع المحاولات استهدفت قيادي في تنظيم "الدولة الإسلامية"([7])، في حين بقيت المحاولات الـ 20 الأخرى مجهولة المُنفِّذ، حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.
ويتضح من خلال بيانات الرصد الخاصة بمناطق إدلب وما حولها، انخفاض طفيف في معدل عمليات الاغتيال، قياساً بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران، وغطى الفترة الممتدة من تموز وحتى كانون الأول 2021. إذ سجّل التقرير السابق 22 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 21 عملية. كما تشير البيانات إلى تعدد الجهات محل الاستهداف، فقد كانت الجهات المدينة الأكثر استهدافاً خلال فترة الرصد الحالي بمعدل 48% من مجموع العمليات. بينما استُهدِفَت فصائل جهادية بمعدل 24%، وبذات النسبة استُهدِفَت الجبهة "الوطنية للتحرير"، في حين كان عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة هدفاً في 4% من عمليات الاغتيال المُنفَّذة خلال فترة الرصد.
ورغم تعدد أدوات تنفيذ عمليات الاغتيال؛ إلا أن الجزء الأكبر من تلك العمليات كانت انتقائية، فقد اعتمدت بنسبة 33% منها على الطلق الناري، مقابل 67% اعتمدت العبوة الناسفة كأداة للتنفيذ، مستهدفة أشخاصاً بعينهم بطريقة غير عشوائية، سواء بالنسبة للعسكريين أم للمدنيين، ما أدى إلى وقوع ضحايا إضافيين ضمن محيط التفجير، أو من مرافقي الشخصية المُستَهدَفة. إذ بلغت نسبة الضحايا المدنيين 67%. مقابل 17% من مجموعات جهادية، في حين شكّلت نسبة الجبهة "الوطنية للتحرير" 13%، و3% من عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة. (الشكل 12).
وتشير طبيعة العمليات وأدوات التنفيذ المستخدمة ضمنها، إلى اختلاف واضح في طبيعة الاغتيالات المُنفّذة في إدلب عن باقي مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، والتي تغلب عليها العمليات العشوائية بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، بينما تبدو العمليات في إدلب أكثر انتقائية باتجاه تصفية شخصيات مدنية وعسكرية محددة، وذلك ضمن بيئة معقدة أمنياً، ومتعددة اللاعبين ذوي المصالح المتضاربة.
خاتمة
تفيد القراءة العامة لهذا التقرير بما يحمله من أرقام وبيانات عن عمليات الاغتيال، باستمرار ضعف الحالة الأمنية في جميع المناطق المرصودة ضمن الشمال السوري، وضعف قدرة القوى الفاعلة وتعثرها في الحد من تلك العمليات، التي تسهم في تراجع مؤشرات الأمن والاستقرار على مختلف المستويات.
وعلى الرغم من محاولات بعض الفصائل والتشكيلات العسكرية المعارضة تطوير أدواتها في ضبط الأمن، من خلال أجهزة الشرطة والشرطة العسكرية، وازدياد أعداد المنتسبين لتلك الأجهزة، وتخريج عدد من الدورات؛ إلا أنها ما تزال غير قادرة على الحد من تلك العمليات، ولا تملك قدرة الوصول إلى مُنفّذيها، الأمر الذي يستدعي إعادة هيكلة تلك الأجهزة، ورفع مستوى التدريب الخاص بعناصرها، ورفدهم بكافة التجهيزات اللوجستية والتقنية التي تساعد في الحد من تلك العمليات. إضافة إلى رفع مستوى التنسيق الأمني بين المناطق المختلفة، وتشكيل لجان أمنية مشتركة للتنسيق بين تلك المناطق من جهة، وإعادة هيكلة آليات التنسيق الأمني بين الجانبين التركي والسوري من جهة أخرى، خاصة مع وجود عوائق إدارية تحول دون الوصول للشكل الأمثل لهذا التنسيق، وبالتالي تسهم بشكل مباشر وغير مباشر بتوسيع هامش الخرق الأمني.
مقابل كل ذلك، لا بد من الدفع بإشراك المجتمع المحليّ والتنسيق مع فعالياته ومؤسساته المدنيّة في هذا الإطار، والسعي لتجسير أي هوة بين تشكيلات قوى الأمن الداخلي والمجتمعات المحلية العاملة ضمنها، بما يُسهّل مهمتها ويعزز من حالة الأمن، ويرفع المسؤولية بأهميتها للجميع، وبشكل يسهم في تأمين بيئة أمنيّة مناسبة لنشاط المؤسسات المدنية.
إضافة لذلك، من المهم أن تعمل القوى الأمنية والعسكرية المسؤولة عن تلك المناطق، على التعاطي مع الاغتيالات والتفجيرات بشفافية أعلى، عبر إعلان بيانات وأرقام رسميّة عن طبيعة تلك العمليات والمسؤولين عنها ونِسب العمليات التي نُفِذّت مقارنة بالمحاولات التي تم إحباطها قبل وقوعها. وذلك بشكل دوري يوضَح وتيرة الاغتيالات والجهد المقابل في مكافحتها والحد منها، ويضع الرأي العام المحلي-الدولي بصورة الواقع الأمني في المنطقة.
ولا يُعد تردي الأوضاع الأمنية محلياً ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة أمراً منفصلاً عن السياق العام للملف السوري وتعقيداته، والتي ترمي بظلالها محلياً على مختلف المناطق السورية، بغض النظر عن القوى المسيطرة، إذ إن حالة الفوضى الأمنية التي تجلّت بصورة الاغتيالات في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، تتكرّر بصور وأدوات وكثافة مختلفة ضمن مناطق سيطرة نظام الأسد([8])، وكذلك في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، بالرغم من المركزية الأمنية التي تحكم تلك المناطق، والمفتقَدة في مناطق سيطرة فصائل المعارضة.
ملحقات:
([1] ) "قوات تحرير عفرين": هي مجموعة من المقاتلين الكرد، الذين يصفون تجمعهم بــ "حركة مقاومة” عبر شن هجمات تستهدف الجيش التركي و"الجيش الوطني" المدعوم من تركيا في عفرين ومناطق أخرى، كما أن الحركة لا تقول صراحة إنها تتبع لـحزب الاتحاد الديمقراطي PYD أو "قسد". للمزيد حول طبيعة عمليات تلك الحركة راجع: مجموعة "تحرير عفرين" تتبنى استهداف نقطة تركية بريف حلب، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 13 أيلول/سبتمبر 2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/2f6xU
([2]) فيما يتعلق بمصادر التقرير فهي على الشكل التالي: نقاط الرصد الخاصة بمركز عمران للدراسات في الشمال السوري. المُعرّفات الرسمية للجهات التي تم استهدافها (مدنية، عسكرية). المُعرّفات الرسمية للجهات المُنفِذة، أو التي تعلن تبنيها للعمليات كـ "غرفة عمليات غضب الزيتون" أو "قوات تحرير عفرين". المُعرّفات والمواقع الرسمية للوكالات ووسائل الإعلام المحليّة، والتي تقوم بتغطية الأحداث في مناطق الرصد.
([3]) للاطلاع على التقرير السابق "الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من تموز حتى كانون الأول 2021 "، راجع الرابط التالي: http://bit.ly/3GmgEDF
([4]) أعلنت "قوات تحرير عفرين عن تبنيها لعمليات نفذت في منطقتي الباب ومارع واستهدفت عناصر من الجيش الوطني، (سوريا: مقتل 4 جنود أتراك و8 مسلحين في عمليات لقوات "تحرير عفرين")، الميادين نت، 19 أيار 2022، https://bit.ly/3HDmaED
([5]) اغتيل 5 عناصر من "الجيش الوطني" وجرح 6 أخرين، بعد أن أطلقت خلية تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" النار على عناصر فصيل الجبهة الشامية. للمزيد راجع: بينهم قيادي ...قتلى وجرحى في استهداف حاجز للجبهة الشامية بريف حلب الشمالي"، تلفزيون سوريا،6 نيسان 2022، http://bit.ly/3Ap4nwx
([6]) "قوات تحرير عفرين" تتبنى عمليات اغتيال لجنود أتراك في مناطق درع الفرات، (قوات "تحرير عفرين" تعلن مقتل جنود أتراك في ريف حلب)، الميادين نت، 30 أيار 2022، https://bit.ly/3jaLcB7، https://bit.ly/3FWeITL
([7]) تنظيم "الدولة الإسلامية" يؤكد مقتل زعيمه أبو إبراهيم القرشي ويعين خلفاً له"، فرانس 24، 10 أذار 2022، متوافر على الرابط التالي: https://bit.ly/3V5bPnY
([8]) الاعتقالات والاغتيالات في درعا: مقاربة النظام الأمنية عقب تسوية 2021،فاضل خانجي، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 15 كانون الأول 2022، https://bit.ly/3YuUTdx
عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية في مدينة اعزاز بريف حلب ورشة حوارية مشتركة بالتعاون مع مركز ماري للأبحاث والدراسات و مركز نما للأبحاث المعاصرة حول سيناريوهات #المشهد_السوري بعد حرب #أوكرانيا. شارك في الورشة المدير التنفيدذي لمركز عمران د.عمار قحف ومساعد الباحث علي العبد المجيد.
كما هدف اللقاء إلى تعزيز التعاون و توقيع مذكرة تفاهم بين المركزين. كما تم أيضاً الحديث عن أثر سيناريو التجميد على #الوضع_الاقتصادي والاجتماعي وماهي السيناريوهات المتوقعة للمنطقة إضافة لبحث أشكال التوافق والخلاف بين الأطراف الفاعلة في الملف السوري.