أوراق بحثية

ملخص تنفيذي

لم تُوفق سورية، رغم تعدد تجاربها في الحكم، في التوصل إلى نظام سياسي رشيد يحقق آمال وطموحات أبنائها في الأمن والحرية والعيش الكريم. تحاول هذه المقالة تحليل أسباب هذا الفشل، من خلال تناول التجربة التاريخية للأنظمة المتعاقبة، وذلك باستعراض أهم الأنظمة السياسية من العهد الفيصلي إلى العهد المأساوي لنظام بشار الأسد. كما تتناول المقالة تجارب بعض الدول في الهندسة الدستورية والسياسية، خاصة في مراحل التحول الديمقراطي. وتختم الدراسة بتحديد بعض المبادئ والأسس لنظام سياسي ديمقراطي، أقرب ما يكون إلى شكل الحوكمة الرشيدة، وذلك بتوصية تبني النظام شبه الرئاسي، بما يناسب الحالة السورية. أما الخلاصة، فتتمثل في أن الصراع الذي يخوضه الشعب السوري، خاصة منذ انطلاق الثورة السورية في عام 2011، ما هو في جوهره إلا محاولة لتغيير نظام استبدادي فاسد، واستبداله بنظام ديمقراطي حقيقي، وهو حق أساسي من حقوق الإنسان، ومطلب متضمن في مبدأ حق تقرير المصير.

المقدمة

شهدت سورية منذ نهاية الحقبة العثمانية تجارب عدة في الحكم. إذ تبنت، تقريباً، أشكال الأنظمة السياسية المعهودة كافة، من النظام الملكي شبه الدستوري، إلى النظام الجمهوري البرلماني والرئاسي، والأنظمة العسكرية، ونظام الحزب الواحد، انتهاء بالنظام الأسدي العجيب، بنموذجيه الأبوي والوليد. ولا يمكن اعتبار التجربة السورية ناجحة من ناحية مقاربتها بأسس الحكم الرشيد، الأمر الذي يتطلب دراسة متأنية لأسباب هذا الفشل، والبحث عن بدائل مستقبلية لدولة قد يكون التوافق على نظام سياسي من قبل مكوناتها السياسية أساساً لدولة حديثة على أنقاض الدولة المتهالكة الحالية.

قبل الحديث عن الأنظمة السياسية، من المفيد التفريق بين الدولة والنظام السياسي والحكومة. الدولة هي المؤسسات السلطوية التي تفرض القانون والسياسات، مدعومة باحتكارها لأدوات القوة والعنف([1])، على مجموعة محدودة من السكان (الشعب)، داخل إقليم محدد ومعترف به. وهناك شبه إجماع بأن مكونات الدولة تشمل بالإضافة إلى نظامها السياسي الذي يحتكر الاستخدام المشروع للقوة المادية، الشعب والإقليم المحدد، والقدرة على إقامة علاقات مع دول أخرى، بما يقود للاعتراف الدولي. وبالتالي فالدولة أشمل من نظامها السياسي ومن الأفراد الذين يمسكون بزمام السلطة (الحكومة). ومن خصائص الدول الهامة أنها تتمتع بالسيادة، وهي حق الدول في اختيار قادتها وصياغة قوانينها وسياساتها، باستقلالية وبدون تدخلات خارجية.

أما النظام السياسي (Political system)، أو (Regime)، أو (Régime) فهو مجموعة القواعد والمعايير والأحكام التي تنظم عمل المؤسسات الحكومية التي تمسك بالسلطة وتدير عملية صنع القرار. ويُتضمن في تعريف النظام السياسي الأهداف والتوافقات بعيدة الأجل لمجموعة بشرية (الشعب)، حول القيم السياسية، ومنها: تحقيق الأمن والأمان، داخلياً وخارجياً، والسعي لحماية حقوق وحريات المواطنين، والمساواة أمام القانون، والسعي لتحقيق ما يعرف بدولة الرفاهية. وغالباً ما يتم التعبير عن هذه القواعد والأحكام والتوافقات في وثيقة أساسية، ألا وهي الدستور. وأخيراً فالحكومة هي مجموعة الأفراد والقيادات الذين يديرون النظام السياسي، وغالباً ما يشير المصطلح إلى المسؤولين في الجهازين التنفيذي والإداري.

هذا التمييز بين الحكومة والنظام السياسي والدولة هام. فمن الناحية النظرية، تغيير الحكومات هو الأيسر والمعتاد والمتوقع، خاصة في الدول الديمقراطية عندما تفقد حكومة ما ثقة المحكومين. أما تغيير الأنظمة فهو عملية صعبة وشاقة، تترافق بموجات عنف وصراعات أو ثورات، غالباً ما تنهك الفئات المتصارعة جميعها، قبل التوصل إلى توافق جديد. وأخيراً فإن الدول هي التي تتميز بالاستمرار والثبات، رغم ما قد يشوبها من ضعف أو تقسيم أو انتهاك لسيادتها، كما هو الحال الآن مع الحالة السورية.

وتنقسم الأنظمة السياسية، بشكلها المعاصر وبأبسط تصنيفاتها إلى: الأنظمة الديمقراطية، والأنظمة غير الديمقراطية. وبالنسبة للديمقراطية، فالحديث هنا عن الديمقراطية التمثيلية، بأشكالها الثلاثة: النظام الرئاسي، والنظام البرلماني، والنظام المختلط أو شبه الرئاسي. يتميز النظام البرلماني بأن السلطة التنفيذية فيه (الحكومة) منبثقة عن الأغلبية البرلمانية، أو تحالف أحزاب تضمن له دعم الأغلبية. وتمارس الحكومة مهامها بمعزل عن رأس الدولة، سواء كان رئيساً أو ملكاً دستورياً. وتكون الحكومة مسؤولة أمام المجلس التشريعي (البرلمان) في إطار من التوازن بين السلطات. يعدُّ النظام البريطاني هو النموذج الأبرز للنظام البرلماني. أما النظام الرئاسي فيتميز عن النظام البرلماني في الفصل بين سلطتيه التشريعية والتنفيذية، من ناحية طريقة الاختيار وممارسة الصلاحيات، ففي النظام الرئاسي، يتم انتخاب الرئيس وأعضاء المجلس التشريعي بشكل منفصل، ولا يحق للرئيس حل المجلس التشريعي، كما لا يحق للمجلس التشريعي عزل الرئيس إلا في الحالات الاستثنائية كتوجيه تهمة الخيانة له، لكن استقلال السلطات والفصل بينها ليس مطلقاً، إذ يحق للرئيس ممارسة حق الفيتو على مشاريع القوانين، كما يملك المجلس التشريعي حق الاعتراض على تعيين الوزراء ومراقبة أدائهم. ويعد النظام الأمريكي النموذج الأشهر للنظام الرئاسي. وأخيراً، فالنظام المختلط (شبه الرئاسي) يحاول الحفاظ على بعض خصائص النظام البرلماني، ويستعير من النظام الرئاسي بعض مزاياه، ففي هذا النظام، يتم انتخاب الرئيس بشكل مباشر من الشعب، الذي يقوم بدوره بتعيين حكومة مدعومة من البرلمان، ويتشارك معها في الصلاحيات التنفيذية، يتبنى هذا النظام مبدأ الفصل والتوازن بين السلطات، لكن مع تقاسم صلاحيات السلطة التنفيذية بين رئيس منتخب ورئيس حكومة يمثل حزب الأغلبية، ويكون مسؤولاً أمامه وأمام الرئيس. 

الأنظمة السياسية في التجربة السورية

تظهر التجربة السورية الحديثة مع الأنظمة السياسية تنوعاً يعكس محاولات كل من المفكرين والمنظرين والنخب السياسية، وقادة المؤسسة العسكرية الوليدة في بعض الفترات، في بناء مؤسسات رسمية قادرة على القيام بتحديات المراحل التي تواجهها. وبالطبع لم تكن التجربة السورية معزولة عن محيطها الإقليمي والدولي، وعن تدخلات قوى خارجية في التأثير على هذه الخيارات، ويمكن تتبع الأنظمة السياسية التي مرت على سورية، من خلال استعراض التطور السياسي السوري، منذ بداية الحقبة الفيصلية.

التجربة الأولى، النظام الملكي شبه الدستوري

ساد هذا النظام فترة وجيزة خلال المرحلة الانتقالية بين خروج الأتراك من سورية وبداية الاستعمار الفرنسي، فقد تبنى أعضاء المؤتمر السوري نظام الحكم الملكي النيابي، والمناداة بفيصل بن الحسين ملكاً على البلاد. وكانت القاعدة الدستورية لهذا النظام هي القانون الأساسي (دستور 1920) للمملكة السورية، وأقر ذلك الدستور المؤتمر السوري في جلساته المنعقدة في الفترة من 3 آذار/مارس 1919 إلى 19 تموز/يوليو 1920. وكان المنطق السياسي لتبني هذا النظام يستند إلى حجتين، أولاهما: أن الحكم الملكي النيابي تدرج من الملكية المطلقة المستبدة (متجسدة في الحكم العثماني) وبين النظام الجمهوري الذي قد لا يكون الشعب مستعداً له. أما الحجة الثانية: فتستند إلى الدور الذي لعبه الأمير فيصل في تحرير البلاد العربية من الحكم التركي، والخبرة التي كسبها في التعاطي مع الدول الغربية([2]). والحقيقة أنه لم يتم تطبيق هذا النظام بشكل فعلي، فقد وضع الاحتلال الفرنسي نهاية مبكرة لأول تجربة في الحكم النيابي (الملكي شبه الدستوري). وعموماً فإن معالم هذا النظام قد تم تحديدها في حكومة مسؤولة أمام مجلس نواب منتخب، بوجود الملك فيصل الذي أعطي صلاحيات أكبر مما هو معتاد في الملكيات الدستورية، وهو أمر متوقع في مرحلة انتقالية افتقدت فيها القوى السياسية التجربة والخبرة.

الأمر المثير الثاني في هذا النظام السياسي هو تبني نوع من "اللامركزية الإدارية" التي تكاد تقترب من الحكم الفيدرالي بين المقاطعات الثلاث المشكلة للمملكة السورية، مع إعطاء المقاطعات صلاحيات واسعة، بما في ذلك تشكيل مجالس نيابية خاصة بها، وتعيين "حكام" من قبل الملك، يكونون مسؤولين أمام هذه المجالس، الأمر الآخر، تبنى المؤتمر السوري في هذا الدستور نظام المجلسين للسلطة التشريعية، النواب والشيوخ، مع إعطاء صلاحيات مهمة لمجلس الشيوخ، وذلك لإحداث توازن بين المركز والمقاطعات. وبالطبع، فإن عدم تطبيق هذا النظام السياسي قد حرم السوريين من تجربة فريدة([3])، كان من الممكن أن ترسخ حكماً ملكياً دستورياً، أو نموذجاً آخر، بين المطلق والدستوري، مماثل لتجربة حكم الأسرة الهاشمية في الأردن.

التجربة الثانية، النظام الجمهوري النيابي

شهدت سورية أولى تجاربها مع الحكم الجمهوري النيابي في ظل الانتداب الفرنسي وبعيد الاستقلال، والذي تجسد من خلال دستوري عام 1930 و1950. وفي كلا النموذجين تتوضح معالم نظام أقرب للبرلماني، لكن فيه بعض خصائص النظام شبه الرئاسي (المختلط)، إذ يعطي في كلا الحالتين صلاحيات أكبر لرئيس الجمهورية (المنتخب من خلال مجلس النواب)، من تلك المعروفة في النظام البرلماني الصرف. فمثلاً، منح دستور عام 1930 الرئيس صلاحيات عقد المعاهدات والتوقيع عليها، كما أن من صلاحياته اختيار رئيس الوزراء والوزراء بناء على اقتراح رئيسهم، وله حق حل مجلس النواب بموافقة مجلس الوزراء([4]). ويضاف إلى ذلك صلاحيات أكثر لرئيس الجمهورية في دستور عام 1950، منها إعلان الحرب وعقد الصلح، بقرار من مجلس الوزراء بعد استشارة مجلس الدفاع الوطني الذي يرأسه. كما أن غياب النص الواضح، دستورياً، على أن الرئيس ملزم باختيار رئيس وزراء ينتمي إلى الأغلبية البرلمانية، يعطي الرئيس دوراً أكبر في النظام السياسي على حساب رئيس الوزراء. مع ذلك، فإن النظام السياسي النيابي، كما تم تحديد مبادئه العامة في كلا الدستورين، خطوة متقدمة جداً في تبني نظام ديمقراطي، لم يتسن له الاستمرار، بسبب تدخل العسكر في السياسية، وذلك مع الانقلابات الثلاث التي شهدتها سورية في عام 1949، والانقلاب الثاني للعقيد أديب الشيشكلي في عام 1951، ثم صعود الأحزاب القومية "العقائدية"، ومزايداتها التي دفعت بأغلبية القادة السياسيين لتسليم حكم البلاد إلى الرئيس جمال عبد الناصر، تحت مسمى دولة الوحدة. لكن وقبل المضي قدماً في الحكم على التجارب اللاحقة، من المهم التركيز على مزايا النظام النيابي. في كلا الحالتين، صاغ مشروعا الدستورين جمعية تأسيسية منتخبة، سيطر عليها الوطنيون، حتى في ظل الانتداب الفرنسي، الأمر الذي دفع سلطات الانتداب لمحاولة تعديل بعض الفقرات التي تركز على استقلال ووحدة البلاد، أو تعطيل العمل بالدستور تماماً. الأمر الثاني، أن ممثلي الشعب السوري في كلا الجمعيتين كانوا على وعي بالقضية الأساسية التي واجهتهم (الاستقلال ووحدة الأراضي السورية في دستور 1930)، والتركيز على سيادة الأمة والأهداف الأساسية التي تم تحديدها في مقدمة دستور 1950، وهي: إقامة العدل، وضمان الحريات الأساسية للمواطنين، ونشر روح الإخاء وتنمية الوعي الاجتماعي بين المواطنين، ودعم واجب الدفاع عن الوطن والجمهورية والدستور، وتحرر المواطنين من الفقر والمرض والجهل، وكفالة المساواة في الواجبات والحقوق، وتقوية الشخصية الفردية. الميزة الثانية للنظام الجمهوري البرلماني، خاصة كما جاء في دستور عام 1950، هي نصه الواضح على أن "السيادة للشعب، لا يجوز لفرد أو جماعة ادعاؤها"([5]). ومع إضافة بند في المبادئ الأساسية المتضمنة في الحقوق والحريات عن حق السوريين في تأليف الأحزاب، بشرط أن تكون غاياتها ووسائلها سلمية وذات نظم ديمقراطية، يكون الدستور قد رسخ أكثر المعايير ديمقراطية للممارسة الثانية. ملاحظة أخرى حول النظام النيابي تتمثل في إعطاء رئيس الجمهورية بعض الصلاحيات التنفيذية له مزايا وسلبيات، من المزايا الواضحة أن دور رئيس الجمهورية المنتخب من قبل مجلس النواب قد يكون هاماً في المراحل الانتقالية، وعندما تكون الحياة الحزبية ضعيفة، ليمارس الرئيس دوراً "وطنياً" جامعاً، فوق الأحزاب والمناكفات السياسية، لكن الخطورة في حالة عدم وجود قيود واضحة على صلاحيات الرئيس أو فترة حكمه، يمكن أن يتحول الرئيس بسهولة إلى "ديكتاتور". من الضمانات التي احتواها دستورا 1930 و1950، النص الواضح على محدودية مدة الرئاسة بخمس سنوات، لا يجوز تمديدها إلا بعد مرور خمس سنوات كاملة على انتهاء الرئاسة. الأمر السلبي الثاني في دستور عام 1950 هو عدم نصه، بشكل واضح وصريح، على أن رئيس الجمهورية محكوم باختيار رئيس الوزراء بالأغلبية البرلمانية أو ائتلاف الأغلبية، كما هو متعارف عليه في الأنظمة البرلمانية. وباختصار، فإن تركيبة النظام السياسي، بشكله النيابي، والتوسع في الحقوق والحريات، وإيجاد صيغ توافقية لقضايا الهوية، وعدم السماح لأي فرد أو جماعة باحتكار تمثيل الشعب، ورفع القيود عن تشكيل الأحزاب السياسية، كل ذلك جعل من دستور عام 1950 الدستور الأكثر "ديمقراطية" في تاريخ سورية.

التجربة الثالثة، النظام الجمهوري الرئاسي

لعل أول تجربة للنظام الجمهوري الرئاسي كانت مع تسلم الرئيس أديب الشيشكلي الحكم بعد انقلابه الثاني. فعلى الرغم من إبقاء العقيد الشيشكلي على كثير من مواد دستور 1950، إلا أنه حور تركيبة النظام السياسي بعيداً عن النظام البرلماني، وذلك بتقوية السلطة التنفيذية، واختيار الرئيس بشكل مباشر من الشعب، فلكي يقوي من منصب الرئاسة، جعل دستور الشيشكلي انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة، وألغى منصب رئيس الوزراء، وحصر السلطة التنفيذية كلها في رئيس الجمهورية، يمارسها نيابة عن الشعب، ووسع من صلاحيات الرئيس بشكل كبير([6]). وبالطبع فقد افتقد هذا الدستور الشرعية، وذلك للطريقة التي تم بها تمريره، إذ قام العميد الشيشكلي، باعتباره رئيساً للأركان، بإرساله إلى رئيس الوزراء، اللواء فوزي سلو، ليتم العمل به بدلاً عن دستور 1950، وعلى الرغم من إجراء انتخابات رئاسية، قاطعتها أغلبية الأحزاب السياسية، فاز فيها الشيشكلي، فقد تم اعتبار دستور الشيشكلي ونظامه السياسي لاغياً، بعيد استقالة الشيشكلي ومغادرته البلاد.

ويعدُّ النظام السياسي للجمهورية العربية المتحدة نظاماً رئاسياً مشوهاً، فلم يكن مجلس الأمة المعين ليشكل نوعاً من الرقابة والموازنة على الصلاحيات الرئاسية، لغياب الفصل والتوازن بين السلطات، وبمعنى آخر، تحول النظام، خاصة مع وجود شخصية كاريزمية كجمال عبد الناصر، إلى نظام "استبدادي"، وهذا ما جعل المكون السوري أقل تقبلاً له، بسبب المركزية العالية، فقدتحكمت القاهرة بأغلب القرارات، إضافة إلى غياب الحياة الحزبية([7]).

وعاد النظام البرلماني مرتين، أولاهما: في الفترة التي أعقبت استقالة الرئيس الشيشكلي ومغادرته البلاد، إذ عاد مجلس النواب المنتخب عام 1950 إلى الانعقاد، حتى إجراء انتخابات جديدة، العودة الثانية والأخيرة للنظام البرلماني، كانت في فترة ما عرف "بفترة الانفصال" بين عامي 1961-1963، وفي كلتا الفترتين، لم يتمكن هذا النظام من الصمود أمام تدخل العسكر الذين قاموا بتسليم الحكم إلى جمال عبد الناصر، باسم الوحدة، وبانقلابهم الثاني في الثامن من آذار عام 1963، إذ آل الحكم إلى حزب البعث.

ومع انقلاب 8 آذار/مارس عام 1963، دخلت سورية نفق النظام السياسي القائم على الحزب الواحد، والمتأثر بتجارب الدول الشيوعية. وتعد الفترة بين الانقلاب الأول وانقلاب حافظ الأسد في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1970 مرحلة انتقالية، شهدت بداية تخلص حزب البعث من شركاء انقلاب آذار/مارس من الناصريين والمستقلين، ثم تخلص أعضاء القيادة القطرية من القيادة "اليمينية" التقليدية (الآباء المؤسسون للحزب)، بعد عام 1966، وأخيراً حسم الصراع بين صلاح جديد وحافظ الأسد لصالح الأخير، الذي أسس نظاماً سياسياً فريداً، سيتم التوسع في عناصره وتركيبته، تم تأطيره من خلال دستور عام 1973.

التجربة الرابعة، النظام الأسدي 1970-الآن

يحدد دستور 1973، (دستور حافظ الأسد)، خمس منطلقات رئيسية للنظام السياسي، وهي: 1) إن الثورة العربية ضرورة لتحقيق أهداف الأمة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية، 2) لا يمكن تحقيق إنجازات حقيقية لأي قطر عربي في ظل واقع التجزئة، 3) يُعتبر النظام الاشتراكي الضرورة الأساسية لتأطير نضال الجماهير في معركتها ضد الصهيونية والإمبريالية، 4) الحرية حق مقدس، و"الديمقراطية الشعبية هي الصيغة المثالية التي تكفل للمواطن ممارسة حريته التي تجعل منه إنساناً كريماً". وترتبط حرية المواطن بحرية الوطن التي لا يصونها إلا المواطنون الأحرار "ولا تكتمل حرية المواطن إلا بتحرره الاقتصادي والاجتماعي"، 5) إن حركة الثورة العربية جزء أساسي من حركة التحرر العالمي([8]).

باستثناء النقطة الرابعة التي تؤطر قضية "الحرية" بنظام "الديمقراطية الشعبية"، تبقى النقاط الأربع الأخرى أقرب للشعارات التي كانت رائجة ضمن الأدبيات الحزبية للأحزاب القومية في تلك الفترة. الديمقراطية الشعبية كما ترجمتها أغلب الممارسات للأنظمة السياسية التي تبنت هذا الشكل من الحكم، ما هي إلا كناية عن رفض النظام الديمقراطي التمثيلي (بشكله الغربي)، وتبني نظام استبدادي باسم الحزب الواحد، أو الحاكم الملهم، أو مجلس قيادة الثورة. في حالة دستور الأسد فإن هذه الممارسة مؤطره من خلال احتكار حزب البعث للعملية السياسية، أضاف إليها الأسد بعض الشخصيات التي قبلت هذا الأمر الواقع من بقايا الأحزاب القومية الأخرى، والتي تم تضمينها في "الجبهة الوطنية التقدمية"([9]).

السمة الثانية للنظام السياسي، كما صاغه الأسد، يتمثل في: المركزية الشديدة للنظام "الرئاسي"، لكن من دون وجود المراقبة والتوازن بين السلطتين التشريعية والقضائية مع السلطة التنفيذية، كما لم يُشر إلى تقييد فترة حكم الرئيس. لقد أطر دستور 1973 الصيغة "القانونية" لاستمرار الأسد في الحكم مدى الحياة، وكذلك تمركز السلطات كافة في يديه. ومن هنا تأتي أهمية "الحزب الحاكم" ومجلس الشعب في إيجاد أداة "مؤسساتية" للاستفتاءات الرئاسية التي كانت تتم كل سبع سنوات، وكانت نتائجها للمرشح الأوحد بنسبة لم تقل أبداً عن (99.9%) المعهودة. الأمر الثاني الذي حاول الدستور التفصيل فيه هو: تعدد الصلاحيات التنفيذية والتشريعية والقضائية والحزبية الواسعة لرئيس الجمهورية، وعلى الرغم من أوجه التشابه بين النظام السياسي للأسد وتلك الأنظمة السلطوية التي اعتمدت تجربة الحزب الواحد، فقد تميز النظام السوري بالخصائص التالية: 1) تحكم فرد واحد، وهو الرئيس الأسد، بالنظام السياسي، ونجاحه في استئصال أو ترويض أشكال المعارضة كافة، منهياً بذلك عقوداً من الاضطرابات والفوضى السياسية، 2) الدور المحوري للمؤسسة الأمنية والعسكرية في ضمان استمرار واستقرار النظام، 3) التوازن الدقيق بين عمل الأجهزة الأمنية التي تسيطر عليها شخصيات من الطائفة العلوية وبين المؤسسات الحزبية والبيروقراطية (المذكورة في الدستور)، والتي تعكس تمثيلاً يكاد يقترب من التركيبة السكانية، مع تفضيل أبناء الريف على حساب أهل المدينة في كلتا الحالتين([10]).

لقد رسخ حافظ الأسد "الازدواجية" في تركيبة النظام السياسي بين المؤسسات الرسمية التي نص عليها الدستور (مجلس الشعب للسلطة التشريعية، ومجلس القضاء الأعلى والمحكمة الدستورية العليا للسلطة القضائية، وحزب البعث كحزب حاكم)، وبين الأجهزة الأمنية المتشعبة، ومسؤولي الأمن في المؤسسة العسكرية الذين تربطهم "عصبية" الانتماء الطائفي والعائلي بالرئيس الأسد، وهكذا أوجد الأسد نوعاً من "التقسيم الوظيفي" بين المؤسسات الرسمية وبين دائرة صنع القرار الحقيقية، (الرئيس ومساعدوه من قادة الأجهزة الأمنية)، وبين باقي مؤسسات الدولة والحزب، التي اقتصرت وظيفتها على تنفيذ وتبرير توجهات وسياسات النظام. ملاحظة أخيرة: في ظل نظام الأسد الأب، لم يكن من السهولة فهم تركيبة وآلية عمل النظام السياسي من خلال قراءة الدستور، وذلك بسبب "الباطنية السياسية" التي   اعتمدها . من الأمور المعروفة أن النسخة الأولى من مشروع دستور عام 1973 حذف منها كل ما يتعلق بالدين، كاشتراط أن يكون الرئيس مسلماً أو أن يكون للفقه الإسلامي دور في التشريع كما نصت الدساتير السابقة، لكن عندما قامت معارضة شعبية واسعة من المجتمع السوري، قبِل الأسد الرضوخ إلى المطالب الشعبية، ولحل إشكالية الخلفية الطائفية للأسد - منحدر من الطائفة العلوية - أوعز الأسد لمفتي الجمهورية حينها، الشيخ أحمد كفتارو، ولرئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان، موسى الصدر، بإصدار فتاوى تؤكد أن الطائفة العلوية هي طائفة مسلمة تنتمي إلى المذهب الشيعي الجعفري (الاثنا عشري)، وبذا تم حل الإشكال الدستوري([11]). المثال الثاني حول انفصال الدستور عن الواقع يتمثل في: تعطيل القسم المتعلق بالحريات والحقوق عن التنفيذ، إما استناداً إلى حالة الطوارئ السائدة منذ عام 1963، أو إلى تجاهل كامل لهذه النصوص باسم أولويات أخرى، كمقاومة العدو الصهيوني والإمبريالي أو التصدي للمؤامرات الخارجية.

لقد ورث بشار الأسد نظاماً سياسياً، كان يدرك أن أي محاولة لإصلاحه قد تؤدي إلى تقويضه.،وشهد العالم لحظة غير مسبوقة في "المرونة الدستورية"، تمثلت في تعديل المادة 83 من الدستور السوري، في وقت قياسي، فقد تم تعديل المادة المتعلقة بعمر الرئيس وذلك بخفضها من أربعين سنة إلى أربع وثلاثين سنة (عمر بشار وقتها). وعلى الرغم من المطالب الشعبية بضرورة الإصلاح السياسي المتدرج للانتقال إلى نظام تعددي يضع حداً لتجربة حكم الحزب الواحد، وذلك بإلغاء المادة الثامنة، ورفع حالة الطوارئ، وإطلاق الحريات، لم يستجب الأسد لأي من هذه المطالبات إلا بعد قيام الثورة السورية بأكثر من عام.

لقد فوت نظام بشار الأسد خلال العقد الأول من حكمه فرصاً عديدة لتقديم أي شكل من الإصلاحات الجوهرية، حتى ولو بشكل تدريجي، ويمكن تلخيص الأسباب الرئيسة لهذا الفشل في عوامل ثلاثة: أولاها، تركيبة النظام السياسي؛ وثانيها، شخصية بشار الأسد؛ وثالثها، البيئة الإقليمية والدولية([12]). فبالنسبة للعامل الأول، لقد أدرك بشار الأسد أنه من الصعب بمكان إصلاح النظام الذي ورثه من أبيه، مع الحفاظ على الامتيازات التي يتمتع بها مع مؤيديه، الأمر الذي يعني تقويض النظام الذي يقتات على الأوضاع الاستثنائية ويسير عكس حركة التاريخ. العامل الثاني، هو شخصية بشار الأسد الممسوخة من نظام دكتاتوري، قائم على الخوف والعنف والتآمر، وأولوية الحفاظ على النظام، ولو كان ذلك على حساب تدمير البلد (الأسد أو نحرق البلد). العامل الثالث، لقد كانت البيئة الإقليمية والدولية غير مشجعة لإحداث إصلاحات في أي من دول المنطقة، وحتى تلك اللحظات التي أعقبت الاحتلال الأمريكي للعراق، برفع شعار تشجيع الديمقراطية من قبل إدارة جورج بوش، قد تلاشت لصالح الحفاظ على استمرار الوضع الراهن، كما برهن المجتمع الدولي على عدم اكتراثه بمواضيع المسائلة والمحاسبة، كعناصر مكملة لحكم القانون، عندما تواطئ على تبرئة بشار ونظامه من جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وحصر الجريمة ببضع عناصر من حزب الله.   

ومع انطلاق ثورات الربيع العربي، كان هناك أمل، أقرب للتفكير الحالم، بأن يُقْدم النظام على بعض الإصلاحات التي تجنبه مصير النظم التي تهاوت بعض رؤوسها، لكن بشار ارتأى المكابرة والمواجهة، مع تقديم بعض التنازلات الشكلية. من الناحية النظرية، يمكن اعتبار التغييرات التي تضمنها دستور عام 2012، في وقت بدا وكأن النظام آيل للسقوط، بأنها هامة، لكن من الواضح أنه تمت صياغتها لتضمن استمرار بشار الأسد إلى الأبدية على نهج أبيه، فبدراسة متأنية للتغييرات في النظام السياسي لدستور عام 2012، يتضح أن بشار الأسد أراد البرهنة على أنه أجرى تعديلات أساسية تتجاوب مع كثير من المطالب الشعبية، فقدم بعض التنازلات النظرية، كإنهاء احتكار الحزب الواحد للحكم، إلا أنه تم تفصيل الدستور الجديد على مقاسه لضمان استمراره في الحكم حتى عام 2028 على أقل تقدير، فمن بين التنازلات المتعلقة بالنظام السياسي، كما أشار إليها الدستور الجديد، ما يلي: 1) تشمل مقدمة الدستور إشارات إلى حكم القانون، ومجموعة من المبادئ الأساسية، منها حكم الشعب القائم على "الانتخاب والتعددية السياسية والحزبية، وحماية الوحدة الوطنية والتنوع الثقافي، والحريات العامة وحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية والمساواة، وتكافؤ الفرص والمواطنة وسيادة القانون"([13])، 2) إلغاء المادة الثامنة التي كانت متضمنة في الدساتير البعثية السابقة، واستبدالها بمادة تنص على أن النظام السياسي يقوم على مبدأ التعددية السياسية، وتتم ممارسة السلطة الديمقراطية عبر الاقتراع([14])، 3) كفالة الدستور الجديد للتنوع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكوناته، وتعدد روافده باعتباره تراثاً وطنياً يعزز الوحدة الوطنية([15])، 4) التخلي عن النظام الاقتصادي الاشتراكي([16])، 5) التوسع في باب الحقوق والحريات، وإضافة فصل حول سيادة القانون، 6) اعتماد مبدأ الانتخابات الرئاسية التنافسية، بدلاً من طريقة الاستفتاء على المرشح الأوحد التي اعتمدها النظام منذ عام 1973.

لكن كثيراً من هذه الإيجابيات، من الناحية النظرية، تتلاشى بتقييد الحياة الحزبية من خلال اشتراط البند الرابع من المادة الثامنة على ما يلي: "لا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب أو تجمعات سياسية على أساس ديني أو طائفي أو قبلي أو مناطقي أو فئوي أو مهني، أو بناءً على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون"([17]). ومع أن بعض هذه التقييدات قد تكون منطقية بالنسبة لنظام سياسي جاد في عملية الانتقال الديمقراطي، إلا أن الهدف العام منها في حالة دستور بشار هو إقصاء تيارات سياسية كاملة عن العمل السياسي، كتيارات الإسلام السياسي، أو الأحزاب الكردية، أو أي حزب لا يتفق مع توجهات الجهات المختصة، المناط بها تقرير كيفية تطبيق هذه المادة. أما تفصيل هذا الدستور على مقاس بشار الأسد فهو في كيفية اختيار الرئيس، فبالإضافة إلى اشتراط أن يكون الرئيس "مسلماً"، ومتماً الأربعين من عمره، تضيف المادة الرابعة والثمانون ما يلي: أن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، وغير محكوم بجرم شائن ولو رد إليه اعتباره، ألا يكون متزوجاً من غير سورية، وأن يكون مقيماً في الجمهورية العربية السورية لمدة لا تقل عن عشر سنوات إقامة دائمة متصلة عند تقديم طلب الترشيح. إضافة إلى ذلك، فإن الطريقة الوحيدة للترشح للرئاسة تتم عن طريق حصول المرشح على تأييد 35 عضواً من مجلس الشعب([18]). إن أي متابع للكارثة السورية يعلم علم اليقين أن هذه المواد والاشتراطات ما هي إلا لحرمان السوريين الذين عارضوا بشار الأسد واضطروا إلى مغادرة البلاد من حق المنافسة على المنصب الأهم في النظام السياسي، وبالتالي إقصاء أغلبية المعارضين عن حق الترشح، وكما أظهرت التجربة السورية وغيرها من التجارب العربية، فإن من يُسمح لهم بالترشح من الداخل عادة ما يكونون من عملاء النظام، وذلك بهدف إعطاء عملية الاقتراع مسحة التنافس. وهكذا، فلو تجاوزنا افتقاد الدستور إلى الشرعية بسبب غياب العملية الدستورية السليمة، فإن الفشل الكبير في هذا الدستور في المواد المشار إليها، والهادفة إلى إلغاء مبدأ التناوب السلمي على السلطة، وهو التقليد الذي قامت ثورات الربيع العربي من أجل تغييره. ما يقدمه دستور الابن تنازلات في قضايا لا تؤثر على تركيبة النظام السياسي، وتحاكي تلك التنازلات التي قدمها النظام المصري في عام 2005، وهي التي سمحت بتعدد المرشحين الرئاسيين، لكنها لم تُصغ بهدف إحداث تغيير ديمقراطي حقيقي.

النظم السياسية في تجارب التحول الديمقراطي

تظهر تجارب التحول الديمقراطي تبايناً في تبنيها لشكل نظام سياسي على حساب آخر. وعموماً، فإن التجارب الناجحة كانت من نصيب تلك الدول التي استفادت من تجاربها الفاشلة، سواء في محاولة الخروج من تعثر وفشل العملية السياسية أو من طغيان السلطة التنفيذية، إضافة إلى استنارة الدول المتحولة بتجارب دول سبقتها.

لعل من الحالات الجديرة بالاستذكار هي التجربة الفرنسية، فلقد شهدت فرنسا أول انتقال من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري، بعيد الثورة الفرنسية في عام 1789، لم تكن تجربة التحول سلسة أو ناجحة فقد تأرجحت فرنسا، حتى عام 1958، بين ثلاث ملكيات وامبراطوريتين، وجمهورية فاشية، وأربع جمهوريات، قبل التوصل إلى جمهوريتها الخامسة الناجعة. لقد كادت الجمهورية الرابعة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية أن تودي بفرنسا إلى الهاوية، فقد تميز نظامها البرلماني بالانقسام، وعدم الاستقرار، والفشل في التعاطي مع التحديات الجسيمة التي عصفت بالبلاد([19])، خاصة مع تزايد خطر أن يستولي الجنرالات الذين كانوا يخوضون حرباً شرسة في الجزائر على الحكم، هذه كانت هي الخلفية التي دفعت كثيرين لدعوة الجنرال تشارلز ديغول، بطل حرب التحرير ضد النازية، لإنقاذ البلاد من خطر الانهيار والاحتراب الداخلي. في البداية أراد ديغول إصلاح النظام السياسي من خلال تعديلات دستورية، لكنه سرعان ما اقتنع من صديقه ميشيل ديبريه الذي يعد مهندس دستور الجمهورية الخامسة، بضرورة صياغة دستور جديد يؤسس لنظام جديد. لقد قامت الجمهورية الخامسة (النظام الجديد) على الأسس التالية: 1) الرعاية الاجتماعية، 2) العلمانية اللائكية التي تتشدد في فصل الدين عن الدولة، 3) الديمقراطية: البرلمان والحكومة منتخبان من الشعب، 4) عدم القابلية للتجزئة: أي إن الشعب الفرنسي متحد في دولة واحدة، ولغة واحدة، وجميعهم متساوون. لكن التغيير الحقيقي في النظام السياسي كان في تقوية السلطة التنفيذية، وخاصة بعد أن تم تعديل الدستور عام 1962 للسماح بانتخاب الرئيس بشكل مباشر من الشعب، وتمرير قانون انتخابي يحد من عدد الأحزاب السياسية، لتقليل الانقسام الحاصل في الجمعية الوطنية([20]). وبهذا تبنت فرنسا النظام شبه الرئاسي، على الرغم من أنها ليست أول من اعتمد هذا النظام، لكنها أصبحت النموذج الأساسي له.

ومع تزايد نسبة الدول المستقلة حديثاً، بعد الحرب العالمية الثانية، أو تلك التي أدركت فشل نظامها السلطوي، تحول النقاش حول شكل النظام السياسي الأمثل إلى موضوع حيوي بين الدارسين والممارسين (مهندسو الصياغات الدستورية). وليس هناك اتفاق بين الدارسين والممارسين على تفوق نظام على غيره، بل هناك تفضيل بناء على معايير، مثل: الاستقرار، والتمثيلية، والفعالية، والقدرة على تحقيق النمو الاقتصادي. ومن النقاشات الهامة تلك التي نشرتها مجلة الديمقراطية في عام 1990، وهو عام سقوط الأنظمة الشيوعية في أوربا الشرقية والاتحاد السوفيتي([21]).

هناك الكثير من الكتابات التي تحث الدول المتحولة ديمقراطياً على تبني النظام البرلماني، لأنه يُضعف من صلاحيات الرؤوساء الذين كانوا يتصرفون كحكام سلطويين، مستغلين الصلاحيات الواسعة التي تمنحها الأنظمة الرئاسية. ومن الأمثلة على الأدبيات المتوفرة حول توصية تبني النظام البرلماني على حساب النظام الرئاسي في الفترات الانتقالية، ما كتبه آرند ليبهارت بعنوان: "خيارات دستورية للديمقراطيات الجديدة"، يؤكد ليبهارت أن الأنظمة الرئاسية، مع نظام انتخاب الدوائر الفردية، تميل إلى تقوية نموذج ديمقراطية حكم الأغلبية الذي يكون على حساب الأقليات، خاصة في المراحل الانتقالية، أما الأنظمة البرلمانية، وهي التي يوصي بها ليبهارت، إذا ما ترافقت مع نظام الانتخاب النسبي، فإنها تشجع روح التوافق في الحياة السياسية، وتحفز التشاركية بين القوى السياسية. ويخلص ليبهارت إلى تفوق النظم البرلمانية في المجالات التالية: حماية حقوق الأقليات، وتزايد نسبة المشاركة السياسية، وتقليل نسبة التفاوت الاقتصادي بين المكونات المجتمعية([22]). ومع أن توصيات ليبهارت، وغيره من مفضلي النظام البرلماني في التحول الديمقراطي، كانت موجهة لدول أمريكا اللاتينية، فقد تبنت أغلب هذه الدول في مراحل تحولها النظام الرئاسي أو شبه الرئاسي.

وبالفعل فقد نحت أغلبية دول أوروبا الشرقية التي انتقلت من النظام الشيوعي، القائم على مبدأ احتكار الحزب الواحد للسلطة، باتجاه النظم البرلمانية أو النظم شبه الرئاسية، ولعل التحول الأكبر في هذه الدول تمثل في الانتقال من نظام الحزب الواحد إلى نظام التعددية الحزبية، وإلغاء الصلاحيات التي كان يتمتع بها الأمين العام للحزب الشيوعي (الديكتاتور)، وتحويلها إلى رئيس وزراء يتمتع بدعم أغلبية برلمانية، ويتشارك في صلاحياته مع مجلس الوزراء. ولعل مما ساعد في النجاح النسبي لهذه التجربة الاصطفاف السياسي بين تيارين، أولهما المعارض للحزب الشيوعي السابق، الذي غالباً ما يتبنى خطاً ليبرالياً في السياسة والاقتصاد، وبين وارثي الحزب الشيوعي السابق، بعد التحول إلى النموذج الديمقراطي الاشتراكي. ولعل من الأمثلة الناجحة للنظام البرلماني، الدول الاسكندنافية، وبعض دول أوروبا الشرقية وجنوب أفريقيا بعد التحول الديمقراطي. أما الأمثلة على النماذج الفاشلة، فمنها الجمهورية الرابعة الفرنسية، وكذا نظام جمهورية فايمر الألمانية الذي أوصل هتلر إلى السلطة بطريقة "ديمقراطية".

هناك المنطق الآخر المستند إلى تبني النظام الرئاسي، خاصة من دون الصلاحيات المطلقة  للرئيس، وهذا هو حال دول أمريكا اللاتينية، لقد تبنت دول أمريكا اللاتينية هذا النموذج الذي شعرت أنه منسجم مع إرثها التاريخي، لكن مع الوعي بضرورة الالتزام بمزايا النظام الرئاسي (الفصل والتوازن بين السلطات)، وتحديد الولاية الرئاسية بفترتين([23]). ومن الأمثلة الناجحة على هذا النظام مثال البرازيل، فعلى الرغم من التوجه الذي ساد بين كثير من المفكرين والناشطين البرازيليين بضرورة تبنى النظام البرلماني، فقد كان الخيار الذي دعمته أغلبية بسيطة، في الاستفتاء الشعبي، هو النظام الرئاسي. تبنت البرازيل هذا النظام، من خلال دستور 1988، وهو الدستور السابع في تاريخ البلاد، ويبدو أن المؤسسة العسكرية قد كانت تميل إلى النظام الرئاسي، في أعقاب تسليم السلطة للمدنيين في عام 1985، لكن مهندسي النظام الجديد حرصوا على عدم تحويل سلطات الرئيس إلى صلاحيات ديكتاتورية، فتم اعتماد الإجراءات المرافقة التالية: 1) تعزيز الممارسات الفيدرالية السابقة، 2) ترسيخ اللامركزية الإدارية، 3) توسيع الاعتراف بالحقوق الأساسية([24]). وتعد بقية دول أمريكا اللاتينية التي انتقلت إلى النظام الرئاسي، بعد فترة من الحكم العسكري والاستبدادي، نماذج ناجحة نسبياً.

وبعيداً عن النظم الاستبدادية التي كانت تعاني من الصلاحيات الكبيرة للمتحكم بالسلطة التنفيذية (الرئيس)، وتجنب الضعف وعدم الاستقرار اللذين قد ينتجهما النظام البرلماني غير الناضج، فقد اتجهت الأنظار باتجاه النظام شبه الرئاسي (المختلط)، ومع أن النظام الفرنسي في الجمهورية الخامسة هو النموذج الأشهر للنظام شبه الرئاسي، فإن بعضهم يُرجع أول مثال للنظام شبه الرئاسي لفنلندا في عام 1919. كما أن النظام النمساوي لعام 1920 كان أقرب ما يكون للنظام شبه الرئاسي، وكذا نظام جمهورية أيرلندا لعام 1937. أما عن دواعي اعتماد النظام شبه الرئاسي للدول التي شهدت الموجة الأخيرة للتحول الديمقراطي، فهي:1) يمثل حلاً وسطاً بين النظامين البرلماني والرئاسي، 2) يفسح المجال لتخفيف استبداد النظم الرئاسية، 3) يعزز هذا النموذج السلطة التنفيذية في الدول التي تعاني من عدم الاستقرار، 4) الانتقال من نظام سلطوي إلى نظام شبه رئاسي أكثر يسراً من الانتقال إلى نظام برلماني.

أما عن مزايا هذا النظام، فمنها: 1) وجود رئيس منتخب، لفترة واحدة أو لفترتين، الأمر الذي يعزز الاستقرار، 2) تقاسم السلطة التنفيذية بين مسؤولين (الرئيس ورئيس الوزراء) يحد من إمكانيات إساءة استخدام السلطة التنفيذية، 3) مسؤولية رئيس الوزراء أمام البرلمان والرئيس توجب التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهذا أمر هام في فترات التحول. أما سلبياته، فهي: 1) صعوبة إدارة النظام في حال كان الرئيس من حزب ورئيس الوزراء من حزب آخر، خاصة إذا كان هو حزب الأغلبية البرلمانية، 2) يعطي هذا النظام فرصة للزعماء الشعبويين لزيادة نفوذهم على حساب البرلمان، خاصة إذا كان البرلمان يعاني من انقسام وتشرذم للأحزاب المشكلة له، 3) إن وجود برلمان منقسم على نفسه يعني أن النظام يتحول إلى ما هو أقرب للنظام الرئاسي([25]). ويميز الدارسون بين نموذجين للنظام شبه الرئاسي، وهما: أولاً، النظام البرلماني-الرئاسي (Primer-presidential)، إذ يكون رئيس الوزراء مسؤولاً أمام البرلمان فقط؛ والثاني، النظام الرئاسي-البرلماني (President parliamentary)، إذ يعتبر رئيس الوزراء مسؤولاً أمام البرلمان وأمام الرئيس، الأمر الذي يعني صلاحيات أكبر للرئيس.

ويرى بعضهم أن الدول التي تتبنى النموذج شبه الرئاسي، قد ينيف عن خمسين دولة، من بينها: النمسا وفنلندا وجورجيا والبرتغال والسنغال ومنغوليا وتايوان وتونس وأكرانيا. ومن التجارب الناجحة الحديثة تجربة البرتغال التي اعتمدت هذا النظام بعد تجربة التحول الديمقراطي في عام 1976، أما النموذج الفاشل بامتياز فهو نموذج روسيا التي اعتمدت هذا النظام بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، من خلال دستور عام 1993. (انظر الخريطة المرفقة لأشكال الأنظمة السياسية في العالم)

 

وباختصار، تظهر تجارب التحول الديمقراطي تبني الأشكال الثلاثة للأنظمة السياسية، بدرجات متفاوتة من النجاح والفشل، وبمراجعة سجل الدول التي تبنت نظاماً على حساب آخر، يظهر أن أغلبية الدول المتحولة تبنت النظام شبه الرئاسي، لكنها لم تكن كلها ناجحة، كما تظهر التجربة التطبيقية أن بعض هذه الأنظمة قد مالت، مع مرور الزمن، إلى النظام الرئاسي، خاصة في حالة غلبة شخصية الرئيس على رئيس الوزراء والبرلمان.

خلاصة واستنتاجات

بالانطلاق من التجربة التاريخية لسورية، يتضح أن البلاد قد تبنت، ولو لفترات بسيطة، أشكالاً عديدة للأنظمة السياسية، منها البرلماني، وشبه الرئاسي، والرئاسي. هنا لا بد من الإشارة إلى أن النظام السياسي الذي هندسه حافظ الأسد على أساس دستور عام 1973، واستمر في عهد ولده لم يكن في ممارسته نظاماً رئاسياً أو شبه رئاسي، فالنظام الرئاسي الذي تمثل الولايات المتحدة نموذجه، يقوم على أساس (checks and balances) المراقبة والتوازن بين السلطات المستقلة: التشريعية والتنفيذية والقضائية. في النظام الأسدي، كان هناك سلطة واحدة متغولة، وهي شخص الرئيس على السلطات كافة، أما المؤسسات التشريعية (مجلس الشعب)، والقضائية (المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء)، فكانت لها أدور تكميلية في خدمة استمرار الأسد في الحكم. ويكاد توصيف تقرير الأمم المتحدة عن حالة الحرية في العالم العربي يقترب من إدراك طبيعة النظام السوري عندما يصف تغول السلطة التنفيذية على باقي السلطات بحالة "الثقب الأسود" في الفضاء، إذ تدور باقي المؤسسات في فلكه، إضافة إلى اعتماد المؤسسة الرئاسية على أجهزة القمع بأشكالها كافة، لتجسد حالة الاستبداد المطلق([26]). ومن هنا، فإن التحدي الأكبر في بناء حياة دستورية حقيقية لسورية المستقبل تكمن في تبني نظام سياسي تتوفر فيه شروط أساسية، أهمها: تخفيض صلاحيات السلطة التنفيذية المتمثلة في مؤسسة الرئاسة. ولذا لم يكن غريباً أن تتجه المعارضة السورية، منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011، إلى تفضيلها للنظام البرلماني، باعتباره النموذج الذي يحمي من تغول السلطة التنفيذية على باقي السلطات؛ ناهيك عن الحنين إلى النظام السياسي الذي جسده دستور عام 1950، والذي اعتبر الأكثر ديمقراطية في تاريخ البلاد. والحقيقة، فإن النقاش حول النظام السياسي الأفضل للدول التي تمر بانتقال ديمقراطي لم يكن حاسماً في أفضلية النظام البرلماني على الرئاسي. النقطة الأساسية في النقاش - بغض النظر عن تبني أي من الأنظمة السياسية - أن تكون السلطة التشريعية منوطة ببرلمان منتخب، يمارس صلاحيته التشريعية بشكل كامل، كما يمارس دوراً رقابياً على السلطة التنفيذية. لكن نقطة الضعف الكبيرة في تبني نظام برلماني في لحظة التحول، فيما لو طُبقت على الحالة السورية، تكمن في عدم وجود أحزاب سياسية قوية، وهي عماد نجاح النظام البرلماني. لذا، فإن التوصية هنا هي تبني النموذج شبه الرئاسي الذي يحتفظ بأهم مزايا النظام البرلماني، ويقسم السلطة التنفيذية بين رئيس منتخب لفترة محددة، ورئيس وزراء تختاره الأغلبية الحزبية في البرلمان، ويكون مسؤولاً أمامها. وتستند التوصية بالانحياز للنظام شبه الرئاسي المختلط إلى الحجج التالية: 1) يُقدم هذا النظام حلاً وسطاً بين النظامين الرئاسي والبرلماني، ويعمل على تجاوز سلبيات كل منهما، 2) يُضعف هذا النظام الصلاحيات الرئاسية، مما يخفف من احتمال استبداد الرئيس، 3) يقلل من احتمالات عدم الاستقرار في مرحلة الانتقال، بوجود رئيس فوق الأحزاب يكون بمثابة الضابط لتنافسها، 4) يحقق توازناً للسلطات بين المؤسسات السياسية الثلاث: الرئيس، والبرلمان، والحكومة برئاسة رئيس الوزراء الذي تختاره الأغلبية البرلمانية. ومن الهام بمكان استذكار سلبيات النظام التطبيقية، خاصة على ضوء تجارب بعض الدول التي انزلقت نحو الحكم السلطوي من جديد. ولعل من أهم المخاطر التي تواجه الأنظمة الديمقراطية كافة تنامي ظاهرة القيادات الشعبوية حول العالم. تعد الحالة التونسية أكبر مثال حي لتجربة تحول ديمقراطي ناجحة، هي الوحيدة بين دول الربيع العربي، لكنها دخلت نفق السلطوية المظلم مجدداً، فلقد وصل الرئيس قيس سعيد إلى سدة الرئاسة، نتيجة انتخابات حرة ونزيهة، وعلى أساس النظام الديمقراطي شبه الرئاسي المستند إلى واحد من أكثر الدساتير تقدمية وديمقراطية (دستور 2014). استغل سعيد، المفتقر إلى الخبرة السياسية، فشل النظام الديمقراطي في تحسين الحالة الاقتصادية، وأزمة كورونا، وانقسام البرلمان الناتج عن الاستقطاب الحاد بين الأحزاب السياسية، استغل هذه العوامل ليقوض النظام السياسي الديمقراطي الوليد([27])

خلاصة الأمر، ترشدنا التجربة السورية وتجارب التحول الديمقراطي الأخرى أن العبرة بالممارسة، مع التأكيد على أهمية الأسس التي يمكن اعتبارها دعائم الحوكمة الرشيدة. وعلى الرغم من الهجمة الشرسة التي تقودها الأنظمة الاستبدادية لإجهاض التحولات الديمقراطية، خاصة في المنطقة العربية، فهناك إجماع دولي على العناصر الأساسية للنظام الديمقراطي. ومن المفيد التذكير هنا بأن هذا الإجماع نتاج التطور السياسي والإداري والتجربة الإنسانية لما يمكن تسميته بالحوكمة الرشيدة. لقد عبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن هذا الإجماع من خلال تبنيها في عام 2004، القرار رقم (A/RES/59/201) الذي حدد في مادته الأولى سبعة عناصر للديمقراطية، وهي: 1) فصل وتوازن السلطات: ويستند هذا العنصر إلى فكرة ضرورة تحديد صلاحيات السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، وأن تخضع تلك السلطات لحكم القانون، 2) استقلال القضاء: مهما كان شكل النظام السياسي، فإن استقلال السلطة القضائية أمر بديهي وجوهري، 3) تبني نظام تعددي للأحزاب والتنظيمات السياسية، 4) سيادة القانون، 5) المساءلة والشفافية، 6) وجود إعلام حر ومستقل وتعددي، 7) احترام حقوق الإنسان والحقوق السياسية، مثل حرية التعبير والتنظيم، والحق في التصويت والترشيح في الانتخابات([28]). أما القرار فقد نص في مادته الخامسة على تأكيد أن قضايا احترام حقوق الإنسان والتنمية والديمقراطية مترابطة ويدعم بعضها بعضاً. كما أكدت المادة على أن الديمقراطية تستند إلى إرادة الشعوب في أن تقرر أنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الخاصة بها، وأن تشارك مشاركة كاملة في جميع جوانب حياتها([29]).

وبالطبع، فإن الصراع الذي يخوضه الشعب السوري، خاصة منذ انطلاق الثورة السورية في عام 2011، ما هو في جوهره إلا الكفاح من أجل نيل الحق الذي ذكره القرار والمتمثل في تقرير نظام سياسي يتجاوز نظام الاستبداد والفساد، ويرسي دعائم الحكم الرشيد. وأخيراً، فمما يعزز من فرص نجاح النظام شبه الرئاسي المقترح، توافر العناصر التالية: 1) تبني نظام انتخابي يحقق أعلى درجات التمثيل، خاصة بالنسبة للمرأة والأقليات، 2) تبني اللامركزية الإدارية، التي يمكن أن يعززها وجود برلمان بغرفتين (نواب وشيوخ)، يكون فيه مجلس الشيوخ ممثلاً للمحافظات، 3) انتخاب رئيس توافقي قادر على إدارة العملية السياسية، خاصة في المراحل الانتقالية.

 

([1] ) هذه الخاصية الأساسية التي تميز الدولة عن باقي التنظيمات السياسية، كما عبر عنها عالم الاجتماع ماكس فيبر، انظر:

 Max Weber, “Politics as a Vocation,” from H. H. Gerth and C. Wright Mills, eds. Trans. From Max Weber: Essays in Sociology (New York: Galaxy, 1958), pp. 77-87.

([2] ) انظر، "مضبطة الأسباب الموجبة للدستور (القانون الأساسي) التي أقرت من قبل المؤتمر السوري، متضمنة في الكتاب الذي جمع الدساتير السورية حتى عام 1973، مازن يوسف صباغ، سجل (الدستور) السوري. دمشق: دار الشرق للطباعة والنشر، 2010، ص. 109-132

([3] ) لتقييم غربي إيجابي لتجربة المؤتمر السوري، انظر الدراسة القيمة: Elizabeth F. Thompson, How the West Stole Democracy From the Arab: The Syrian Arab Congress of 1920 and the Destruction of Its Historic Liberal-Islamic Alliance (New York: Atlantic Monthly Press: 2020)

([4] ) المواد 74-77 من دستور عام 1930، متضمنة في سجل (الدستور) السوري، مرجع سابق.

([5] ) المادة 82 و83 من دستور عام 1950.

([6] ) المادة 68 في دستور 1930، و73 في دستور 1950.

([7] ) كان هذا أحد شروط عبد الناصر للوحدة، وهو حل الأحزاب السياسية، بما فيها حزب البعث، وتأطير الحياة الحزبية من خلال حزب واحد حاكم.

([8] ) المقدمة، دستور 1973.

 ([9] ) المادة الثامنة، دستور 1973.

([10] ) للتفصيل حول تركيبة النظام السوري، نجيب الغضبان، "الاستمرارية والتغيير في النظام السوري"، ملف الأهرام الاستراتيجي، السنة السادسة، العدد 67، تموز/يوليو 2000.

([11] ) الرواية موثقة في أكثر من دراسة، ومنها:

Patrick Seale, Asad of Syria: The Struggle for the Middle East (Berkeley: University of California Press, 1988), p. 173.

([12] ) حول تقييم مبكر لفشل بشار الأسد في عملية الإصلاح، راجع، نجيب الغضبان، الدولة الأسدية الثانية: بشار الأسد والفرص الضائعة (الرياض: دار الراية، 2006).

([13] ) المقدمة، دستور 2012.

 ([14] ) المادة الثامنة، دستور 2012.

([15] ) المادة التاسعة، دستور 2012.

([16] ) الفصل الثاني، "المبادئ الاقتصادية"، دستور 2012.

([17] ) البند الرابع في المادة الثامنة، دستور 2012.

([18] ) المادتان: الرابعة والثمانون والخامسة والثمانون، دستور 2012.

([19] ) بلغ عدد الحكومات المشكلة في الفترة بين عامي 1945- 1958، عشرين حكومة.

([20] ) حول التجربة الفرنسية، انظر الفصل الثاني:

Andrew Knapp and Vincent Wright. The Government and Politics of France 5th Ed. (London: Routledge, 2006)

([21] ) شارك في النقاش مجموعة من المتخصصين في النظم السياسية، وهم:

Donald L. Horowitz, “Comparing Democratic Systems," Seymour Martin Lipset, “The Centrality of Political Culture,” and Juan J. Linz, “The Virtues of Parliamentarism,” Journal of Democracy 1 (Fall 1990)

([22]) Arend Lijphart, “Constitutional Choices for New Democracies,” in Larry Diamond and Marc F. Plattner, eds. The Global Resurgence of Democracy (Baltimore, MD: Johns Hopkins University Press, 1996), pp. 162-74.

([23] ) ككل الأنظمة السياسية، إذا تم تطبيق النظام الرئاسي بضوابط فيمكن أن يكون فعالاً. حول بعض الاقتراحات المحددة للنظام الرئاسي، انظر: كزافييه فيليب. المعايير الديمقراطية للنظام الرئاسي (المنظمة الديمقراطية لتقارير الديمقراطية، 2022)، متوفر على:

https://democracyreporting.s3.eu-central-1.amazonaws.com/images/62d81b94ee686.pdf

([24] ) حول الحالة البرازلية، أنظر الفصل الثاني عشر في:

Patrick H. O’Neil, Karl Fields and Don Share, Cases in Comparative Politics 7th Ed. (New York: W.W. Norton & Company, 2021)

([25] ) انظر الدراسة المقتضبة التي أعدتها المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية، أنظمة الحكم: النظام شبه الرئاسي نموذجاً (برلين، 2012).

 ([26]) UNDP. Arab Human Development Report 2004 (New York, NY: UNDP, 2005).

([27] ) حول خطر الشعبوية على الحياة الدستورية في الحالة التونسية، انظر:

Jose Ignacio Hernandez G. Constitutional Authoritarian Populism in Tunisia, Int’l J. Const. L. Blog, September 9, 2022, at:

http://www.iconnectblog.com/2022/09/constitutional-authoritarian-populism-in-tunisia/

([28] ) حول نص القرار بالعربية، انظر: https://documents-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/N04/488/30/PDF/N0448830.pdf?OpenElement

([29] ) يمكن اعتبار هذا القرار أنه حصل على شبه إجماع، إذ صوتت لصالحه 172 دولة، وامتنعت 15 دولة عن التصويت، بينما لم تصوت أي دولة ضده.

الأربعاء كانون1/ديسمبر 18
أطلق مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ومعهد السياسة و المجتمع، كتابه الجديد بعنوان: “حرب الشمال: شبكات المخدرات في سوريا، الاستجابة الأردنية وخيارات الإقليم”، ويحلل الكتاب ظاهرة شبكات تهريب المخدرات المنظمة في…
نُشرت في  الكتب 
الإثنين تموز/يوليو 22
المُلخَّص التنفيذي: قسَّمت الدراسة مبناها المنهجي وسياقها المعلوماتي والتحليلي إلى فصول ثلاثة، مثّل الفصل الأول منها: مدخلاً ومراجعة لتاريخ القبائل والعشائر في الجغرافية السورية بشكل عام وفي محافظتي حلب وإدلب…
نُشرت في  الكتب 
الأربعاء آب/أغسطس 23
يأتي نشر هذا الكتاب في وقت عصيب على سورية، خاصة في أعقاب الكارثة الطبيعية التي حلت بالبلاد، إضافة إلى الزلازل السياسية التي شهدها الشعب السوري منذ بداية الثورة السورية عام…
نُشرت في  الكتب 
يرى المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف، في تصريح صحفي لجريدة عنب…
الثلاثاء نيسان/أبريل 02
شارك الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية الأستاذ سامر الأحمد ضمن برنامج صباح سوريا الذي…
الأربعاء تشرين2/نوفمبر 29
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في فعاليات المنتدى الاقتصادي الخليجي…
الجمعة تشرين2/نوفمبر 24
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في رؤية تحليلية للحرب على…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 20