أوراق بحثية

المسارات

الملفات

الباحثون

التصنيف

تاريخ النشر

-

ملخص تنفيذي

  • برزت أهمية مفهوم النقابات كمساهم في صيرورة بناء المؤسسات وعملية الدمقرطة في الدولة دون التخلي عن الأخيرة، فالمجتمع شرط لقيام الدولة، كما أن الدولة شرط قيام المجتمع، ما يعني أن دور النقابات يتجلى فيها تعريف طبيعة العلاقة مع الدولة، وتحديد الصلاحيات ضمن إطارين أساسين: تعريف هامش السلطة، احتكار العنف الشرعي.
  • عكست النقابات في الحالة العربية ثقل رأس المال الاجتماعي في انتفاضات الربيع العربي، خاصة في مصر وتونس والسودان، على عكس سورية التي مثّلت فيها رأس مال السلطة، بعدما تم فيها استئصال النقابات بشكل كامل وممنهج، وذلك لاستشعار نظام الأسد خطورة العمل النقابي، ولطالما سعى الأخير لجعل المجتمع المدني وسيلة للهروب من المعركة الديمقراطية، وأحياناً استخدامه لأهداف سياسية في فترة الصراع للتحشيد ولاستجرار الدعم الإغاثي.
  • تعد نقابة المحامين أول نقابة في تاريخ الدولة السورية، فقد تأسست عام 1921، وخاضت نضالاً طويلاً عبر الأدوات القانونية ضد الانتداب، بينما كان نشاط النقابات الأخرى كالعمال، مترافقاً مع توسع هامش الحريات بعد الثورة الكبرى.
  • عُقد أول مؤتمر طلابي "مؤتمر حماة الطلابي" في شباط 1932، بالتزامن مع أول انتخابات رئاسية سورية في العام ذاته، وذلك على عكس ما يدعي النظام في سرديته وأوراقه المرجعية للاتحاد بأنّ أول مؤتمر طلابي عقد في مدينة اللاذقية وترأسه "حافظ الأسد".
  • ارتفع الزخم النقابي التنظيمي بشكل ملحوظ خلال مرحلة الاستقلال 1925 ـ 1946، وطالبت النقابات عقب الاستقلال بقوننة عملها واستيعابه ضمن المنظومة القانونية للدولة السورية المستقلة؛ مما دفع لاستصدار أول قانون خاص بالنقابات السورية عام 1948، وسُجلت في سورية في العام 1955 ما يقارب 25 نقابة.
  • عززت قبضة النظام الأمنية من دوافع النقابات تجاه المطالب السياسية، فأصدرت أول بيان "جريء" خلال حكم نظام البعث ونظام الأسد عام 1980، وطالبته بتأمين الحريات المدنية والسياسية والديمقراطية، وإلغاء حالة الطوارئ، وإزالة السلاح من يد الميلشيات، وإيقاف السياسات الطائفية، إضافة لتقليص أدوار الأجهزة الأمنية. كان هذا البيان بمثابة منعطفٍ مهمٍ في تاريخ النضال النقابي السوري.
  • لم تستطع القوى الثائرة ضد النظام 2011 إخراج كوادر حزب البعث من قيادة النقابات خلال الفترة السلمية، مع حفاظها على الاحتجاجات نفسها التي شكلت ضغطاً متزايداً أضعف مركزية النقابات، وأعطى المجال لخلق مساحات معارضة داخلها، كما في حالة نقابات الطلاب والمهندسين، بينما كانت سيطرة الأسد على نقابة العمال محكمة فلم تشهد اختراقاً في بنيتها الداخلية.
  • أسس التمازج بين الدور النقابي والوطني إطاراً أوسع مما قامت عليه النقابات خلال محاولة الانتقال من الحالة الثورية الصرفة إلى الواقع المؤسساتي.
  • تعد الصراعات الداخلية عاملاً مهماً في زيادة عوائق تحسين العمل النقابي، خاصة تلك المرتبطة في تحويل اختلاف وجهات النظر إلى مشاكل تسبب حالة من الانقسامات، وغالباً ما تكون مرتبطة بالصراع على النفوذ داخل النقابة، ويرتبط الصراع بمحددات الاختلاف حول التعاقد، وشكل النقابة، والنظام الداخلي، والسياسات العامة، بجانب وجود "عقدة المركز"، في ظل حالة الإنكار والرفض لوجود كيان مركزي قوي، والنزوع تجاه الزعزعة على حساب الانضباط التنظيمي، "أزمة هوية".
  • تتطلب حالة غياب الدولة تعويض القوى النقابية لهذا الغياب، عبر تطوير السياسيات العامة بما يتوازى مع ضرورات الإنجاز والجدوى، بأهمية العمل ذاتها للحفاظ على استقلاليات الكيانات النقابية من التدخلات الخارجية، وإدارة التنوع في ظل حالة الاستقطاب الأيديولوجي العالي في الساحة السورية، كذلك التمييز بين الحالة العسكرية والمدنية، والحرص على عدم تدخل العسكر والأحزاب السياسية في العمل النقابي.
  • إن أهمية النقابات السورية في مناطق المعارضة ودول المهجر ليست فقط لأجل تعزيز حالة النضال الشعبي ضد الأسد، وإنما لبناء النموذج البديل، بعيداً عن تكرار سيناريو ديناميات "الفناء الذاتي" كما في النموذج العسكري، بجانب البحث عن هوامش الانخراط في المعادلة الوطنية، وتعزيز مفهوم الوحدة النقابية عبر دعم الكيانات المركزية وتمكينها.
  • شكّل انتصار الثورة السورية، لحظة فارقة من عمر التاريخ السوري، وفرصة مهمة للفواعل الوطنية المدنية وخاصةً النقابية، لإعادة النظر في البنى الموجودة في مناطق النظام والمعارضة في فترة حكم الأسد المخلوع. وإعادة تعريف أدوراها ومسؤوليتها لتنتقل من الحالة الأمنية إلى الوطنية انطلاقاً من ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة والحالة البيروقراطية وأهمية الاستفادة من النماذج الثورية وذلك عبر إشراك البنى الحوكمية والنقابات التي تشكلت خلال الثورة السورية وحققت نجاحات جيدة. 

رابط تحميل الورقة: https://bit.ly/3ZDZxr8 

التصنيف أوراق بحثية

الملخص التنفيذي

  • تم الإعلان عن تأسيس الاتحاد الوطني لطلبة سورية في نيسان 1963، وبقي الاتحاد دون صفة رسمية ولم يتم قوننة وجوده حتى عام 1966 حين صدر المرسوم رقم 130، كما صدر قرار إنشاء الاتحاد عن القيادة القطرية لحزب البعث على أنه "الممثل الشرعي" الوحيد عن القطاع الطلابي داخل سورية وخارجها. إلا أن مرسوم 23 لعام 1970 حصر عمل الاتحاد بشريحة الطلاب الجامعيين، و"اتحاد شبيبة الثورة" بشريحة الطلاب ما دون الجامعيين. ومنذ ذلك الحين وارتباط الاتحاد (قانونياً ووظيفياً وهيكلياً) شديد الوضوح بالقيادة المركزية لحزب البعث، على الرغم من صدور قانون الأحزاب عام 2011 الذي سمح بتأسيس الأحزاب والممارسة الحزبية في سورية، وتبعه لاحقاً التعديل الدستوري عام 2012 الذي ألغى مادة أن حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع.
  • أُصدِرت ثلاث قوانين لتنظيم الجامعات في سورية، أولها: في عام 1958، إذ أهمَل بشكل كامل أي تمثيل طلابي ضمن العملية التعليمية الجامعية، ثانيها: في عام 1975، الذي أضاف فكرة وجود الاتحاد الوطني لطلبة سورية إلى الكيانات المُشرفة على العملية التعليمية الجامعية، وآخرها: قانون 2006، الذي حَصَرَ التمثيل الطلابي بالطلاب المُعيَنين من قِبل الاتحاد في مجالس الكليات ومجالس الشؤون العلمية في الجامعة، وقد شهد هذا القانون تعديلات عدة أضافت شرائحَ جديدة إلى مستحقي المنح، إرضاءً للفئات الملتحقة بالجيش خلال سنوات ما بعد 2011.
  • تُشكِّل المنظمات الطلابية بمستوياتها كافة، (ابتداءً من "طلائع البعث"، مروراً بـ"اتحاد شبيبة الثورة "، وانتهاءً بالاتحاد الوطني لطلبة سورية)  مراكزَ إعداد للكوادر البعثية، التي تنتقل بعد إنهاء الدراسة إما إلى قيادة النقابات أو إلى مناصب أخرى في الدولة، وعبر تلك المؤسسات المتتابعة يتم تهيئة الطلاب من جهة، والتأكد من ولائهم للسلطة الحاكمة من جهة أخرى، وبالتالي فكرة الانتخابات في الاتحاد هي لتأكيد سلسلة الولاء أكثر من كونها عملية ديمقراطية بين الطلبة لاختيار ممثليهم، الموكل بهم بأن يطالبوا بحقوق الطلاب في المجالس التعليمية والوزارية.
  • تختلف الجامعات من حيث تركيبة فروع الاتحاد، فتقسم إلى ثلاثة أنواع: فروعٌ يتضِحُ فيها البُعد الطائفي ضمن تشكيلة الاتحاد، مثل فرعي تشرين والبعث، وفروعٌ تكون التركيبة فيها متعلقة بالمدن وتوزع القوى مثل حلب ودمشق، وفروعٌ ليس لقيادة الاتحاد فيها وزن كبير ضمن الاتحاد ككل، وغالباً ما يكون أعضاء فرع الاتحاد فيها من أبناء المدينة نفسها، مثل فرعي دير الزور ودرعا، وانعكس هذا التباين على أدوار الاتحاد وتفاعلاته في مرحلة ما بعد2011.
  • من أدوار الاتحاد ومهامه يلحظ الدور الوظيفي، من خلال تفاعله مع مواقف النظام الخارجية، وتأييد قراراته الداخلية على صعيد الجامعات والدولة، والدور العسكري من خلال مهامها  بكتائب البعث عام 2012، وتسليح الطلبة المؤيدين وإشرافهم على تفتيش الطلاب، والدور السياسي سواء في  التسويق لسردية النظام، أو بلورة مسارات لكسر العقوبات المفروضة عليه، فقد بقي الاتحاد مشاركاً في المؤتمرات الدولية ممثلاً لنظام الأسد على الرغم من العقوبات، والدور المجتمعي والمتمثل بمساندة النظام اجتماعياً خارج الجامعة، إذ تم تأسيس مؤسسات تُعنى بالإغاثة، كمشروع جريح الوطن.

مقدمة:

يُعد تحليل البُنى الاجتماعية والسياسية التي يتحكم بها نظام الأسد من الخطوات الأساسية لفهم ديناميات حكمه ورؤيته التنفيذية للحياة السياسية والاجتماعية، وتتراوح مستويات التحليل بين تحليل داخلي للبنية الاجتماعية، إلى تحليل علاقتها بالنظام الحاكم، ومدى تأثر وتأثير كُلٍ منها بالآخر في عمليات صنع القرار أو تغيير أفكار المجتمع، وصولاً إلى تغيير تركيبته وأفكاره. ومن هذا المنطلق تأتي دارسة ديناميات وفلسفة عمل "الاتحاد الوطني لطلبة سورية"، باعتباره الوعاء التنظيمي الأوحد للطلبة من جهة، وباعتباره حاضنة لحوامل اجتماعية مفترضة لأي أفكار تطويرية وتنموية من جهة ثانية، ومحاولة فهم كيفية احتكاره للعمل الطلابي وأدوات تجيَّيره لخدمة سردية النظام.

لقد شغلت الإشكاليات البحثية المرتبطة بالاتحاد حيزاً متبايناً في ساحة الدراسات، فمنها ما حاول أن يتلمس سريعاً بعض هذه الاشكاليات كعلاقة الاتحاد بحزب البعث، وهذا ما فعله عدنان الأمين في سياق بحثه حول حوكمة التعليم في العالم العربي، إذ أشار  إلى سيطرة البعث على العملية التعليمية ككل، سواء على صعيد نقابة المعلمين، التي تم تحويلها من هيئة مستقلة إلى منظمة شعبية، تضم جميع موظفي الخدمة المدنية في وزارتي التربية والتعليم، أو على صعيد تنسيب الطلاب بشكل قسري  للاتحاد، بالتزامن مع منع أي نشاط سياسي في الجامعات خارج إطار الاتحاد، بينما لم يتطرق أمين إلى الأطر القانونية والتشريعات والمراسيم التي أفضت إلى تحكم البعث بالعمل النقابي ولا سيما الطلابي([1]) .

ومن هذه الدراسات من ركز بشكل مباشر على تقديم نموذج لتطويع العمل الطلابي عبر عسكرته، من خلال تشكيل "كتائب البعث" من الطلبة في الجامعات السورية لتكون قوات رديفة لجيش النظام، أو حتى متابعة الناشطين وملاحقتهم خارج إطار الحرم الجامعي، أو عبر تزويد الطلبة المؤيدين له بالسلاح بشكل غير رسمي، من أجل ضبط الجامعات والسكنات الجامعية التابعة لها لمنع أي حراك ثوري ضمنها،  وهو ما أوضحه علي جاسم في ورقته البحثية "في ظل الدولة: صعود كتائب البعث في جامعة حلب بعد 2011"([2])، وبينته أيضاً شهادات بعض الطلبة لصالح  ورقة بحثية صادرة عن المؤسسة الدولية للتعليم في جامعة كاليفورنيا، بعنوان: "طلاب الجامعات السورية والأساتذة في تركيا"، إذ ركزت هذه الشهادات على حالات تسليح الطلبة ودورهم في اعتقال وتعذيب زملائهم([3]).

بينما أطلت دراسة رهف الدغلي في ورقتها الصادرة عن المجلة البريطانية لدراسات الشرق الأوسط، بعنوان: "رحيل العلمانية: استيلاء على الحدود وتوسيع الدولة السورية في المجال الديني منذ عام 2011"، على بعد مهم في ديناميات الربط بين المؤسسات المدنية في سياسات البعث، عبر نموذج التوأمة بين إحدى المنظمات التابعة للبعث ووزارة الأوقاف، من خلال إطلاق فريق الشباب الديني المرتبط بوزارة الأوقاف وكوادره من الاتحاد الوطني لطلبة سورية، من أجل إقامة مشاريع توعية دينية وجلسات حوارية، وتناولت الدغلي جانباً من نشاطات الاتحاد والتي تتم بالتعاون مع وزارة الأوقاف ضمن ورقة كاملة لا تركز على الاتحاد بل على زيادة نفوذ الأسد على المؤسسات الدينية لتمرير خطابه وروايته.

وفي ضوء ذلك، تحدد هذه الدراسة مساحتها النوعية  في التركيز الكلي على فهم الصورة الكاملة للاتحاد وأدواره ونشاطاته،  وتوضيح أثر الهندسة القانونية الناظمة لعمله على  تعزيز أدوات النظام  في التحكم المطلق بالمؤسسات المدنية من جهة، وتعبئة الأجيال الناشئة واستخدامهم كأداة ناعمة في خدمة سياسات النظام وصيانة سردياته. وستتكئ الدراسة على المنهج التاريخي لفهم حركية الاتحاد تاريخياً، وتبيان العلاقة التبادلية ما بين هذه الحركية والقوانين الناظمة، وستستند إلى المنهج التحليلي وأدواته، في رصد فعالياته وغاياتها العابرة للقواعد التنظيمية، لا سيما بعد 2011، ناهيك عن رسم الأطر الهيكلية الناظمة لعمل هذا التنظيم المدني.

إذاً؛ سيشكل رسم الأطر القانونية والهيكل التنظيمي مدخلاً نوعياً في فهم ديناميات النظام في الاستحواذ على المجال المدني، وتطويعه في "صون" سرديته العامة، سواء من خلال قراءة مَقدِرة النظام على مواءمة هذه الأطر مع تطورات المشهد العام، أو من خلال رصد التغير في أدوار عمل الاتحاد ضمن احتياج النظام وتحدياته، كما أن ذلك سيسهم بشكل ما في بلورة توصيات صادة لهذا التطويع، والاستثمار لصالح ابتكار مساحات طلابية مستقلة.

إيجاز تاريخي: الضبط والتحكم بالعمل النقابي والمدني:

في بدايات القرن العشرين، ظهر العمل النقابي في سورية  كحالة أبرز للتجمعات الحرفية والمهنية مما كانت عليه في القرن التاسع عشر،  وما تعنيه من ضرورة حماية المهن من الظلم والقوانين المجحفة الصادرة عن السلطات من جهة، وبلورة زعامة داخلية، مثل فكرة "شيخ الكار" لضبط العمل والتحكيم في الخلافات بين أبناء المهنة الواحدة من جهة أخرى؛  فقد بدأ بزوغ العمل النقابي من خلال قرار الدولة العثمانية عام 1909 الذي اهتم بتنظيم الحرف وتأسيس العمل النقابي، والذي استمر تأثيره أثناء حقبة "الانتداب" الفرنسي لاحقاَ حتى عام 1935، بحكم غياب تشريع القوانين المتعلقة بالعمل المدني في هذه الحقبة ([4])، الأمر الذي انعكس بطبيعة الحال على تأسيس نقابات عدة في هذه الفترة مثل نقابة المحامين([5])، والحركة العمالية([6]).

وفي حقبة ما بعد الاستقلال، وعلى الرغم من استمرار غياب الأطر القانونية المحدثة، طورت التجمعات النقابية والطلابية أدوات المواجهة المحلية، ففي حين كانت تتبنى سردية المطالبة بالاستقلال ورفض التقسيم في  مرحلة الانتداب؛ أضحت في مرحلة الاستقلال تطالب بصيانة الحقوق، وتقاوم محاولات قمع الحريات من العسكر وبعض القوى السياسية، وبرز ذلك في أول صدام مباشر بين الحراك الطلابي والعسكر  بقيادة سامي حناوي، بعد رفض عدد من القوى المدنية مشروع "سوريا الكبرى"، لتشكل تلك الدينامية عاملاً مؤثراً في تبني دستور 1950 لمبدأ توسيع مساحة العمل المدني والنقابي في سورية،  وتجلى ذلك في المادة 17 التي أعطت المواطنين الحق في تشكيل الجمعيات وممارسة العمل النقابي([7]).

وخلال مرحلة الوحدة بين سورية ومصر؛ حاولت السلطات أن تسيطر على مصادر تمويل المنظمات والنقابات، وتأطير عملهم وتقليص مساحات حريتهم، من أجل "ضبط الخطاب الموجه ضد الدولة في البلدين"، فتم إصدار القانون رقم 93 لعام 1958([8])، والذي يعدُّ أول قانون يُشرعن سلطة الدولة الكاملة على العمل المدني ومصادر تمويله، إذ بقي هذا القانون عراباً للقوانين المتعلقة بتنظيم مساحة العمل المدني وربطه بالدولة حتى الوقت الحالي، على الرغم من التعديلات التي طرأت عليه، ولكنها لم تغير من جوهره. حيث أضاف هذا القانون ثلاث أدوات جديدة للهيمنة الحكومية على العمل المدني، فحرم القانون الأشخاص الذين لديهم محاكمات سياسية من حقوقهم الاجتماعية، كما أصبح للسلطة الحق بتعيين عضو أو أعضاء عدة في إدارة الجمعية أو المنظمة، كما يحق للوزارة المعنية إيقاف عمل المنظمة أو الجمعية إذا رأت أنه لا حاجة لوجودها، وهذه السيولة تُعطي ثغرات تسمح للدولة تقويض العمل المدني بداية لكي لا يكون عقبة في وجه قراراتها، ويُمهد الطريق لكي يصبح العمل المدني أداة لتأطير المجتمع وضبطه وتسويق رواية الحزب الحاكم فيه.

الأطر القانونية الناظمة للعمل الطلابي في عهد البعث: تحكمٌ وتسخير:

منذ انقلاب البعث  عام 1963 كان توجه اللجنة العسكرية في الحزب ينحو باتجاه إيقاف الحراك المدني في المجتمع،  وكان هذا منطلق القوانين التي جاءت لاحقاً، فقد كان مسار تلك القوانين يبدأ بتعطيل ذلك الحراك، ثم تأطيره وتسخيره لخدمة السلطة، وإيجاد مصادر تمويل له لاحقاً، بالإضافة لتعديل القوانين بما يتماشى مع التغيرات الداخلية في البلاد وخاصة بعد 2011.

البعث كمتحكم باتحاد الطلبة إدارياً وتنظيمياً:

 جاء انقلاب البعث عام 1963 مرافقاً للسيطرة التامة على أي حراك أو عمل مدني أو اجتماعي أو نقابي، فقد نص البند التاسع من المرسوم التشريعي رقم 68 على السيطرة على كل الحراك المدني في البلاد، من خلال إشراف المجلس الوطني لقيادة الثورة على التنظيمات المدنية كافة([9])، الأمر الذي شكَّل لبنة محورية في تطويع المجتمع المدني ليكون في خدمة السلطة الحاكمة. وبعد شهر من انقلاب البعث تم الإعلان عن "الاتحاد الوطني لطلبة سورية" وكان الإعلان عن وجوده إعلامياً فقط، إذ لم يصدر أي قانون تنفيذي يوضح أدواره ومساحات عمله وأسس تنظيمه، وذلك بهدف ضبط الحراك الطلابي وتأطيره، خوفاً من تكرار ما فعله الحراك الطلابي ضد السلطة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، والذي دفع حينها النخب والسياسيين لتغيير قراراتهم بسبب الضغط الشعبي والطلابي، وبقي الاتحاد دون صفة رسمية وقانونية حتى عام 1966، عندما أصدر الرئيس نور الدين الأتاسي المرسوم التشريعي رقم 130 لعام 1966، القاضي بإنشاء الاتحاد الوطني لطلبة سورية، الذي يضم كُل الطلاب، سواء في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية أو طلاب الجامعات([10])، وجاء المرسوم كأول حالة وضعت فئة من الحراك المدني في سورية بشكل مباشر تحت راية حزب البعث، تَبِعه لاحقاً فئات أخرى مثل نقابة المعلمين، وذلك في طريق نظام الأسد لاحتكار السلطة بشكل مطلق، وجعل الحراك المدني في الوقت نفسه أداة له، فقد صدر قرار إنشاء الاتحاد عن القيادة القطرية لحزب البعث، على أنه الممثل الشرعي الوحيد عن القطاع الطلابي داخل سورية، وخارجها، ولكن تم لاحقاً حصر عمل الاتحاد بشريحة الطلاب الجامعيين بعد إصدار المرسوم التشريعي رقم 23 لعام 1970، القاضي بإنشاء اتحاد شبيبة الثورة ليشرف على الطلاب في المراحل ما دون الجامعية([11]).

مع بداية السبعينيات؛ شرعن حزب البعث سيطرته المطلقة على الدولة  والمجتمع عبر المادة الثامنة من دستور 1973، والتي تنص على أن "حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة، ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية"، ولاحقاً  في المؤتمر العاشر للاتحاد عام 1990 تم اعتبار أن اجتماع حافظ الأسد مع الطلاب في 1950 هو المؤتمر التأسيسي للاتحاد،([12]) مع أنه لم يَرِد ذكر هذا المؤتمر أو الاجتماع في أي مراجع تاريخية أو مذكرات شخصية لسياسيين عاصروا تلك الفترة، مثل أكرم الحوراني وسامي الجندي، على الرغم من دخولهم في تفاصيل الحراك الطلابي ضمن مذكراتهم الشخصية، ولكن جاءت هذه السردية لنظام الأسد ضمن الصورة العامة التي تُفضي إلى أن حافظ الأسد هو “مؤسس سورية الحديثة بكل تفاصيلها الاجتماعية والسياسية والعسكرية". وبالتالي قام حزب البعث بنَسب بدايات العمل الطلابي لمؤتمر حافظ الأسد، مُحيداً الحراك الطلابي في فترة ما قبل الاستقلال، وفترة ما قبل انقلاب البعث.

أصدر نظام الأسد لاحقاً في فترتين متباعدتين، قانونين لتنظيم الجامعات، وهما: القانون رقم 1/1975، والقانون رقم 6/2006، ولم تكن تلك القرارات إلا امتداداً لقانون تنظيم الجامعات رقم 184 الصادر زمن الوحدة سنة 1958. وعلى الرغم من أن قانون 1958 كان أكثر تفصيلاً، لكنه أهمل بشكل كامل أي تواجد للطلاب كهيئات ضمن الجامعة من جهة، أو التمثيل الطلابي على صعيد لجان وزارة التعليم العالي أو اللوائح التنفذية من جهة أخرى. وبعبارة أخرى حيَّد قانون 1958 الاعتراف بأي تجمع طلابي يُطالب بحقوق الطلاب أو يُقدم مطالبهم للسلطة، وذلك على نقيض ما فعله نظام الأسد، الذي أطرَّ منذ بداية حكمه العمل الطلابي بكل فئاته ضمن جسم واحد، ثم أخضع هذا الجسم لهيمنة حزب البعث دستورياً وقانونياً.

هدف  كلا القانونين إلى تنظيم العلاقة بين الجهات الثلاث المسؤولة عن العملية التعليمية الجامعية، وهي: وزارة التعليم العالي، نقابة المعلمين، والاتحاد الوطني لطلبة سورية. وألغى القانون رقم 6 /2006([13]) العمل بالقانون رقم 1/1975([14]). كما تضمنا تفاصيل إجرائية متعلقة بالجامعات والمعاهد التابعة لها. ويكمن الاختلاف بين القانونين على صعيد دور الاتحاد، فقد حَصَرَ قانون 2006 التمثيل الطلابي بالطلاب المُعيَنين من قِبل الاتحاد في مجالس الكليات ومجالس الشؤون العلمية في الجامعة، بينما لم يشترط قانون 1975 أن يكون الطلاب في تلك المجالس منتسبين إلى الاتحاد، على الرغم من أنه من المحال أن يُمثل الطلابَ سوى الطلابُ المنضمون إلى الاتحاد، ولكن تم جعل احتكار التمثيل الطلابي مقونناً ضمن قانون تنظيم الجامعات لعام 2006، وأُضيفت ملحقات وتعديلات لاحقاً إلى قانون رقم 6، لكنها لم تمس جوهر العلاقة بين الجهات الثلاث، أو حتى لم تقلص صلاحيات الاتحاد، بل على العكس أصبح للاتحاد مقاعد في كل المجالس والهيئات المرتبطة بالوزارة، حتى تلك المتعلقة بالموازنة العامة([15])، بالإضافة لقرارات صدرت تتعلق بمصادر تمويل الاتحاد.

تمويل الاتحاد: ديناميات سائلة:

 يَنُص النظام الداخلي للاتحاد على أن مصادر تمويله هي بشكل أساسي من رسوم الانتساب، والنسب المقتطعة لصالح الاتحاد من رسوم التسجيل في الجامعات والمعاهد الحكومية والخاصة، سواء عبر التعليم العادي([16]) أو الموازي، وأيضاَ من بدلات استثمار وإيجار المرافق التابعة للاتحاد. وعلى الرغم من أن قانون تنظيم الجامعات لم يكن يَنُص على ماهيِّة المصادر الرسمية لتمويل عمل الاتحاد ونشاطاته؛ إلا أنه بشكل عام كان هناك سيولة في البند (ب) من المادة 196 من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات لعام 2006، فقد أشارت إلى وجوب تخصيص مايعادل 40% "من بدلات الاستثمار بالمطاعم والمنتديات والمقاصف" يحق لوزير التعليم أن يوجهها إلى جهات مستفيدة بالتنسيق بينه وبين وزير المالية([17]) .

لاحقاً؛ أصدَرَ مَجلس التعليم العالي قراراً في حزيران 2011 يَنُص على أن يُخصص نسبة 20% من تلك البدلات لتمويل الاتحاد، بينما لم تتجاوز نسبة نقابة المعلمين 15%، و5% لصندوق التكافل الصحي والاجتماعي في الجامعة([18])، ولكن الأرضية القانونية للقرارت كانت موجودة قبل 43 عاماً، عندما أصدر نظام البعث المرسوم التشريعي رقم 16 لعام 1968، القاضي بإعطاء وزير التعليم العالي صلاحية توكيل إدارة مقاصف ونوادي الجامعات للاتحاد، أما المصدر الرسمي الآخر لتمويل الاتحاد فهو من واردات الجامعات الخاصة، فبعد 9 سنوات من المرسوم التشريعي القاضي بتنظيم المؤسسات التعليمية الخاصة للمرحلة ما بعد الجامعية([19])، أصدرت حكومة نظام الأسد المرسوم التشريعي رقم 87 لعام 2010، والذي ينظم العلاقة بين الجامعات الخاصة والاتحاد من حيث احتكار الاتحاد لأي حراك طلابي أو اجتماعي فيها من جهة، وتخصيص نسبة 0.5% من مُجمل واردات الجامعات الخاصة لمصلحة الاتحاد الوطني لطلبة سورية من جهة أخرى، وبذلك كان للاتحاد مصدران رسميان للتمويل، بالإضافة لمصادر غير رسمية من رجال أعمال أو شخصيات أمنية، وذلك إما كمكافآت لهم، أو كبدل لتنظيمهم فعاليات ومؤتمرات تَصب في خدمتهم.

تغيرات قانون تنظيم الجامعات بعد 2011:

على الرغم من أن آخر قانون لتنظيم الجامعات كان في 2006، إلا أن التعديلات التي طرأت على بعض مواد لائحته التنفيذية بدأت بعد 2011، تماشياً مع  تطورات المشهد السوري، فعلى صعيد المادة  116 من اللائحة التنفيذية والتي تتعلق بالمنح والمقاعد الدراسية التي تُقدَّم في المؤسسات التعليمية ما فوق الجامعية([20])، شهدت هذه المادة  أطواراً من التعديلات على المتن الأصلي للمادة، وذلك بالتزامن مع ثلاثة متغيرات:  1) اتساع رقعة المواجهات مع المُدن الخارجة عن سيطرة النظام. 2) ازدياد عدد القتلى في صفوفه. 3) زيادة نسبة المقاتلين الأجانب في القوات الرديفة لجيشه، ضمن معاركه أو ضبطه الأمني؛ إذ عُدِّلت كما يلي:

وبذلك مع بدايات الثورة السورية؛ أضافت حكومة نظام الأسد شرائحَ جديدة إلى مستحقي المنح، وهي أبناء من قُتِل من قوات الأسد في الأعوام الأولى من الثورة، واستخدمت أداة تقديم المنح في الجامعات بشكل مباشر لإرضاء الفئات الملتحقة بالجيش خلال سنوات ما بعد 2011. كما تجاوزت فكرة المنح الجامعية الملتحقين بالخدمة الإلزامية أو المتطوعين في قِطع الجيش، إلى استمالة الميليشيات التي لا تتبع هيكيلة الجيش والقوات المسلحة لمشاركتهم في معارك النظام، مما قد يفتح الباب أيضاً لتضمين المصابين من الميليشيات غير السورية في تلك المنح الجامعية.

الهيكلية: ضبط وهندسة الهويات:

 منذ تأسيس الاتحاد الوطني لطلبة سورية كان ارتباطه قانونياً ووظيفياً وهيكلياً، وحتى كوادره، بالقيادة المركزية لحزب البعث، على الرغم من صدور قانون الأحزاب عام 2011، الذي يسمح بتأسيس الأحزاب والممارسة الحزبية في سورية([21])، وتبعه لاحقاً التعديل الدستوري عام 2012 الذي ألغى مادة أن حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع، ولكن بقيت هيمنة البعث على الدولة ككل قائمة بما فيها من مؤسسات حكومية ومجتمع مدني يشمل الاتحاد وغيره من النقابات والتجمعات.

تُصدِر القيادة المركزية لحزب البعث  شروط الترشح للمجلس المركزي للاتحاد، إضافة إلى  قرار تشكيل مكتبه التنفيذي (انظر الملحق رقم 1 إذ يلاحظ أن كل أعضاء المكتب التنفيذي  الحالي منتسبون إلى حزب البعث، باستثناء عضو واحد من الحزب الشيوعي السوري، وهو أقل الأعضاء تفاعلاً وظهوراً على معرفات الاتحاد)، بينما يُشترط على الأعضاء المرشحين للجان والوحدات الطلابية أن يكونوا منتسبين لحزب البعث، ومثبتين عضويتهم فيه (انظر الملحق رقم 2) ، كما تم إعادة تشكيل المكتب التنفيذي عام 2020 وتغيير رئاسة الاتحاد، بعد جمود في منصب الرئاسة لأكثر من 17 عاماً، بقي فيه عمار ساعاتي على رأس الاتحاد دون إجراء أي تغيير، باستثناء استبدال بعض الأسماء من المكتب التنفيذي بشكل دوري، ويُلاحظ تكرار الأسماء بين آخر مجلسين تنفيذيين، إذ تم ترفيع عمار ساعاتي ليصبح عضواً في القيادة المركزية لحزب البعث، ورئيس مكتب الشباب المركزي في الحزب، ولتحل دارين سليمان بديلاً عنه في منصب الرئاسة، بعد أن كانت عضواً في المكتب التنفيذي للاتحاد الوطني لطلبة سورية، ورئيسة مكتبي التعليم الخاص والمعلوماتية( [22]). وُيلاحظ غياب شرط العمر عن شروط الترشح لهيئات الاتحاد بمستوياتها كافة، على الرغم من وجود مادة تَنص على أنه يحق للأعضاء القياديين الاحتفاظ بعضويتهم مدة دورة واحدة بعد تخرجهم، ولكن استمر أعضاء في المكتب التنفيذي السابق سنوات في مناصبهم حتى دون أن يكون لهم قيد دراسي في الجامعات.

تتشكل هيكلية الاتحاد الوطني لطلبة سورية من مجلس مركزي يضم ممثلي فروع الاتحاد، ومكتب تنفيذي يُنتخب كل خمس سنوات (الشكل 1).

 

وتتفرع الفروع الداخلية للاتحاد إلى هيئات طلابية لكل كلية، تُنتخب كل سنتين، وتضم لجاناً طلابية لكل سنة دراسية، وأيضاً لجنة طلابية للدراسات العليا، ولكن لا يحق لهم التصويت في اجتماعات الهيئة  ( الشكل 2).

  

وتُجرى الانتخابات على مستوى الفروع الداخلية والخارجية للاتحاد من أجل اختيار ممثلي تلك الفروع في المؤتمر العام، وذلك بناءَ على نسب متفاوتة من المقاعد لكل فرع، تُحدّدُ من قِبل المكتب التنفيذي، ثم يُفرِزُ المؤتمر العام المجلس المركزي للاتحاد، الذي بدوره يختار المكتب التنفيذي بعد موافقة اللجنة المركزية في حزب البعث على الأسماء المختارة (الشكل رقم 3). وعلى الرغم من هذه المستويات من الانتخابات والتي توحي ظاهرياً بمشاركة عشرات آلاف الطلاب في العملية الانتخابية في الكليات والفروع والاتحاد ككل، لكن لم تتغير تشكيلتا المكتب التنفيذي في آخر دورتين بأكثر من 50% من الأسماء، ومعظم الأسماء التي لم تتواجد في المكتب التنفيذي الحالي تم تكليفهم بمهام أخرى، مثل بشار مطلق ومحمد عجيل وعمر العاروب( [23]).

 

لا يَملك النظامُ السوري على أرض الواقع أي معاهد فاعلة من أجل تأهيل أو تدريب القيادات الشبابية بهدف تصديرها إلى المراكز العليا في الدولة مستقبلاً، لذلك تُشكِّل المنظمات الطلابية بمستوياتها كافة، (ابتداءً من "طلائع البعث" مروراً "باتحاد شبيبة  الثورة "وانتهاءً بالاتحاد الوطني لطلبة سورية) مراكزَ إعداد للكوادر البعثية؛ التي تنتقل بعد إنهاء دراستها إما إلى قيادة النقابات أو إلى مناصب أخرى في الدولة، وعبر تلك المؤسسات المتتابعة يتم تهيئة الطلاب من جهة والتأكد من ولائهم للسلطة الحاكمة من جهة أخرى، وبالتالي فكرة الانتخابات في الاتحاد هي لتأكيد سلسلة الولاء أكثر من كونها عملية ديمقراطية بين الطلبة لاختيار ممثليهم الموكل بهم بأن يطالبوا بحقوق الطلاب في المجالس التعليمية والوزارية.

وعلى الرغم من الحلقة الصلبة التي شكَّلها النظام إثر تأطيره للمجتمع المدني ضمن سياسة الحزب الواحد؛ استطاعت الثورة السورية وتفاعلاتها  كسر هذه الحلقة في مواضع عدة، عبر انشقاق أشخاص خاضوا مراحل اختبار الولاء التي وضع أُسسها الأسد الأب وانحازوا إلى صفوف الثوار.

تختلف الجامعات من حيث تركيبة فروع الاتحاد الوطني لطلبة سورية فيها، إذ تُقسم الفروع بشكل أساسي إلى 3 أنواع:

  • فروعٌ يتضِحُ فيها البُعد الطائفي ضمن تشكيلة الاتحاد، مثل فرعي تشرين والبعث.
  • فروعٌ تكون التركيبة فيها متعلقة بالمدن وتوزع القوى، مثل حلب ودمشق.
  • فروعٌ ليس لقيادة الاتحاد فيها وزن كبير ضمن الاتحاد ككل، وغالباً ما يكون أعضاء فرع الاتحاد فيها من أبناء المدينة نفسها، مثل فرعي ديرالزور ودرعا.

 هذا التباين انعكس بشكل واضح على أدوار الاتحاد في مرحلة ما بعد 2011، من حيث تفاعله مع بدايات الأحداث، ثم لاحقاً دوره المباشر كقيادة الاتحاد المركزية أو فروعها في المحافظة، ضمن سلوك وسياق نظام الأسد في قمع الثورة، عن طريق مؤسساته الرسمية والقوات الرديفة لجيشه التي أُنشأت لاحقاً.  

أدوار وظيفية في خدمة النظام:

لم يكن البعث غافلاً عن دور  الحراك المدني ضد محاولات العسكر فرض هيمنتهم على الحالة المدنية في البلاد، فمنذ تسلمه السلطة حُوَّل المجتمع المدني إلى حالة خاملة بدايةَ مع منع النشاطات المجتمعية، سواء الخدمية أو الحقوقية أو الرياضية، ثم بدأ بتأطير مؤسساته ضمن إطار الحزب تِباعاً، حتى استطاع أن يجعل العمل المدني ككل أحد أدواته لضبط المجتمع أولاً، وإيصال أفكاره للأجيال المتعاقبة داخلياً وللدول الخارجية ثانياً.

 لم تكن أدوار الاتحاد مختلفة عن أدوار باقي النقابات والاتحادات في سورية، إذ كانت تتماشى مع سردية نظام الأسد في ضبط المجتمع بشكل كامل، ابتداءَ بالتفاعل مع مواقف النظام الخارجية من المتغيرات في المنطقة، وانتهاءً بتأييد قراراته الداخلية على صعيد الجامعات والدولة ككل، فكان الاتحاد الوطني لطلبة سورية، وباقي المؤسسات المرتبطة بالطلاب في مراحلهم التعليمية الأخرى، مسؤولاً عن تحشيد الطلاب في المسيرات التي تعكس مواقف النظام من الأحداث، مثل غزو العراق، أو حرب تموز في لبنان، أو حتى تأييده لحزب الله اللبناني تحت غطاء المقاومة، وذلك ضمن الصورة العامة التي دأب الأسد الأب على رسمها بأن هناك دولة تُصدِرُ القرارات والمواقف ويؤيدها مجتمعٌ يَتحركُ دائماً في صفها، واستمر الأسد الابن في هذا النهج، ولكن بشكل أقل احترافية، بسبب تغيُّر الأدوات المُستخدمة من قِبل من يحاولون إعادة تفعيل الحراك المدني الطلابي أو غيره.

بعد أن أصدر النظام السوري قانون تنظيم الجامعات عام 2006، كان من جزئيات القانون أن "الحكومة لا تتكفل بتوظيف طلاب خريجي الهندسة كما كان الأمر قبل عام 2006"، هذا دفع عدداً من الطلاب إلى إنشاء اعتصامات اعتراضاَ على القرارات، ثم تجاوز الأمر لاحقاً إلى أن يكون هناك حراك ذو مطالب سياسية حمل اسم "تجمع شمس"، شكَّل أول حراك طلابي شبه منظم منذ تولي بشار الأسد السلطة([24])، ولكن طبيعة البيئة الجامعية المضبوطة من قبل ثلاثيِّة الكوادر التدريسية والإدارية واتحاد الطلبة، حال دون استمرار هذا الحراك وإنهائه، واعتقال أغلب الطلاب والشباب المشاركين فيه، وكانت أدوار اتحاد الطلبة داخلياً في تلك الفترة تقتصر على رصد أي تحركات داخل الجامعات أو السكنات الطلابية التابعة لها، بهدف وأد أيِّ حراكٍ قبل بدايته.أما على الصعيد الخارجي؛ فكان أعضاء فروع الاتحاد الخارجية مُكلفون بتتبع أخبار الطلاب في البلد المُقيمين فيه، ورصد أخبار الجالية السورية فيه، إضافة إلى المحافظة على علاقات إيجابية مع الحراك الطلابي المحلي في تلك البلاد، وإنشاء شراكات دائمة وفعاليات معهم.

ومنذ آذار 2011 ؛ تفاعلت الجامعات بشكل كبير مع تطورات الحراك الشعبي خارج أسوارها، مما أنتج تطبيقاً للحالة التي أُسست بنيتها الوظيفية والقانونية بعد انقلاب البعث، والمتمثلة بالمواجهة المحلية المحلية ضمن طبقات المجتمع الواحد أو فئاته، فقد بدأ الصدام بشكل مباشر بين الطلاب المتضامنين مع المُدن المُجتاحة، وبين الاتحاد الوطني لطلبة سورية الساعي إلى تحييد المؤسسات التعليمية ما فوق الجامعية عن الحراك الشعبي الذي ينتشر في البلاد([25])، وأخذ دور الاتحاد بالتبلور على مستويات عدة: عسكرية وسياسية واجتماعية ضمن خطة النظام في حسر المظاهرات بعيداً عن البُنى الحكومية التعليمية منها أو الخدمية، وتم إضافة ذلك لاحقاً إلى سردية الاتحاد عبر كتابة: "أن الاتحاد أدى دوراً محورياً في صد محاولات استخدام المنشآت الجامعية كوسيلة لإسباغ الشرعية على أعمال الشغب والإرهاب التي تصاعدت في بعض المدن السورية" إلى مقدمة النظام الداخلي للاتحاد الذي تم تعديله في2021([26]).

أدوار قمع ومهام عسكرية: اتحاد طلبة حلب نموذجاً:

كان التباين واضحاً في ردات فعل فروع الاتحاد الوطني لطلبة سورية تجاه الحراك الشعبي في الجامعات، وبرز الدور العسكري كأحد الأدوار المُتسِقة مع الحل العسكري والأمني لنظام البعث، وبرز بشكل كبير في جامعة حلب كون الاتحاد فيها مكون في أغلبيته من أبناء إدلب وأرياف حلب، فكان من الصعوبة بمكان أن يواجهوا الحراك بالعنف فوراً، مما دفع الفروع الأمنية في المدينة إلى التدرج بالعنف، عبر تزويد طلاب الاتحاد بالأسلحة البيضاء (عصي – هراول – كرابيج)، ومنحهم صلاحية سحب هوية الطلاب المشاركين في المظاهرات ضمن الجامعة لملاحقتهم أمنياً لاحقاً. وكان قرار الاتحاد بعدم اللجوء للعنف المفرط متماشياً مع إرادة فرع الحزب في الجامعة، فقد كان أمين الفرع عبد العزيز الحسن  رافضاً للحل الأمني والعنف في الجامعة، ولم يسمح للفروع الأمنية باقتحام الجامعة بشكل موسع، مما أفضى إلى تغيير قيادات فرع الحزب، واستلام عبد القادر الحريري، الذي تبنى الإرادة الأمنية في العنف المفرط ضد أي حراك طلابي مناهض للسلطة في جامعة حلب([27])، إضافة إلى قراره بفصل طلاب شاركوا في مظاهرات الجامعة([28]).

لم يستطع فرع الاتحاد في جامعة حلب إيقاف الحراك الطلابي في الجامعة، مما دفع النظام للبحث عن أدوات أكثر تنظيماً وفعاليِّة واستدامة، فكان تشكيل كتائب البعث في عام 2012 من طلاب جامعيين، يتمثل دورهم في محورين: محور أمني لضبط الجامعات بالعنف بكل أدواته([29])، ومحور عسكري عبر مشاركتهم كقوات رديفة إلى جانب قوات الجيش في عمليات الحصار أو المعارك. ولكن لاحقاً لم تعد تقتصر كتائب البعث على الطلبة الجامعيين بل أصبحت تضم أعضاء من الحزب بمختلف الأعمار، ومع تصاعد دور الاتحاد ضمن كتائب البعث فُرِضَ على عمار ساعاتي([30]) المسؤول عن كتائب البعث عقوبات أمريكية([31])، جاءت ضمن سياق معاقبة قادة الفرق العسكرية المشاركين في المعارك وارتكاب المجازر([32]).

أما على صعيد الأدوار العسكرية الأقل تنظيماً، فكان تسليح طلاب الاتحاد الوطني لطلبة سورية موجوداً في الفروع الأخرى مثل فرع جامعة دمشق وجامعة "البعث" وجامعة تشرين، ولكن على صعيد فردي وليس كحالة جماعية، فقد كان الطلاب الذين يتم تسليحهم يٌنتَقون بناءً على الولاءات، التي تعتمد على الانتماء الجغرافي، أو المذهبي، أو ثقة تراكمية تعتمد على حجم الخدمات المقدمة للفروع الأمنية، وكان هذا التسليح يهدف إلى إنهاء أي حراك في الجامعات مع المبالغة في ردة الفعل تجاه الطلاب المشاركين فيه لردع زملائهم من تكرار الحراك([33])، إضافة إلى أن فروعاً عدة للاتحاد اتخذت أماكنَ في الوحدات الجامعية السكنية، على غرار جامعة حلب، لاعتقال وتعذيب الطلاب المتظاهرين المقبوض عليهم، ريثما يتم تحويلهم إلى الفروع الأمنية كجامعتي دمشق وتشرين، حيث قُتِل عدد من الطلاب تحت التعذيب بعد اعتقالهم من قِبل أعضاء الاتحاد في جامعاتهم وتسليهم للفروع الأمنية([34]).

وعلى مستوى مُصغَّرٍ من العمل العسكري، كان الاتحاد مسؤولاً عن تفتيش الطلاب على مداخل الجامعات والسكنات الجامعية، وهو الذي يُصدِرُ تحديثات وشروط الدخول إلى الجامعات، بالتزامن مع تطورات المشهد المحيط في الجامعة([35]).

كان هذا التسليح المباشر يهدف إلى إيقاف أي حراك في الجامعات السورية دون انتظار تدخل أمني أو عسكري لضبط الجامعات، وتم منح أعضاء الاتحاد كل الصلاحيات لتحقيق ذلك([36])، بالإضافة لملاحقة الناشطين في الجامعات بهدف اعتقالهم، وتعدى الأمر لملاحقة الأساتذة ضمن الجامعات واعتقالهم في حال بدر منهم أي أدوار أو نشاطات معارضة للنظام، كما حدث مع محمد الأحمد الأستاذ في قسم اللغة الفرنسية في جامعة تشرين([37]).

استمر العمل العسكري للاتحاد بشكل مقونن ضمن كتائب البعث حتى الوقت الحالي؛ إذ تم إنشاء مراكز للكتائب في بعض الجامعات مثل حلب، بالإضافة لمراكز لها في كل المدن، ونشاطاتها الاجتماعية في الأغلب مشتركة مع الاتحاد الوطني لطلبة سورية، ضمن خطة لحكومة النظام من أجل تصدير شخصيات من كتائب البعث كواجهات مجتمعية وشبابية في المرحلة القادمة([38]).

التسويق السياسي لسردية النظام:

 كان (وما زال) الاتحاد الوطني لطلبة سورية مركز التأهيل الأساسي الذي يُصدِّر لنظام الأسد كوادره ما بعد المرحلة الجامعية، من وزراء وسفراء ورؤساء لفروع الحزب في المدن وأعضاء لمجلس الشعب، ولم يكن تصدير الاتحاد للواجهات السياسية والاجتماعية (بعد أن يكونوا أعضاء مكتب تنفيذي أو رؤساء للاتحاد) سياسة حديثة انتهجها بشار الأسد، بل كان هذا من الأهداف الرئيسة لوجود الاتحاد منذ تأسيسه، وهنا يبرز دوره  السياسي الممتد لأكثر من 40 عاماً، فقد بقي أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي مستمرين في مناصب عدة ضمن الدولة بعد اندلاع الثورة، مثل هيثم الضويحي، ووفاء صنين، وفيصل مقداد، وحامد حسن([39]).

كان الاتحاد الوطني لطلبة سورية من أوائل أذرع نظام الأسد تفاعلاً مع تطورات المشهد الداخلي في سورية، عبر حراكه الداخلي والخارجي،  فمع إطلاق النظام سلسلة "حواراته الوطنية" كان الاتحاد  أحد الجهات المنظمة لمؤتمر الحوار الوطني، في تموز 2011، والذي كان ممولاً بشكل مباشر من الأمانة السورية للتنمية المملوكة لأسماء الأسد([40])، وأتبعه بسلسلة حوارات في الجامعات السورية، تهدف إلى تصدير الحراك الشعبي على أنه جزء من المؤامرة على سورية، وأن من يُشارك به سيكون جزءاً من الحرب على سورية، وأن المكان الوحيد للتغيير هو المشاركة في تلك الحوارات المنتشرة في المدن بإشراف وإدارة الاتحاد.([41]) واستمر تفاعل الاتحاد مع المتغيرات سواء على صعيد الفعاليات([42]) ،أو حتى ردود الأفعال إزاء المطالبات بالإصلاح الدستوري والحكومي في سورية، بما يَتوافق مع السردية الأمنية والعسكرية لنظام الأسد بأنه يواجه مجموعات إرهابية هدفها النيل من استقرار ووحدة البلاد([43]) .واستمرت جلسات الحوار بإشراف الاتحاد حتى تاريخ إعداد هذه الدراسة، ضمن ثلاثة محاور أساسية:

  • النقاشات الخدمية بسورية ككل، من ناحية تنظيم الجامعات وحتى الأنشطة أو الحملات "الشكلية" في مؤسسات الدولة، مثل مكافحة الفساد، بالإضافة للتفاعل مع انتخابات الإدارة المحلية([44]) .
  • سردية النظام، وإنتاج أدوات لتسويقها داخلياً وخارجياً([45]).
  • بما يتعلق بالمتغيرات الدولية، سواء على صعيد سلوك الدول اتجاه النظام السوري من عقوبات أو مواقف، أو حتى الأحداث المتجددة مثل الغزو الروسي لأوكرانيا([46]).

يُشكِّل الاتحاد الآن مساراً محاولاً كسر العقوبات المفروضة على النظام، فالعقوبات الغربية  فُرضت في أغلبها على وزراء وقيادات أمنية وعسكرية للنظام، أو أشخاص متورطين بشبكات اقتصادية متعلقة به، أو حتى على أشخاص سابقين في الاتحاد مثل عمار ساعاتي التي تمت ترقيته لاحقاً، بينما لم تُفرض عقوبات على أعضاء آخرين في الاتحاد على الرغم من تورطهم في جرائم ضد الطلاب، مثل عمر عاروب([47]) ،وبقي الاتحاد مشاركاً في مؤتمرات دولية، مثل قمة التعليم([48]) ،ومؤتمر الرابطة الدولية لتبادل الطلاب([49]) ،على الرغم من العقوبات المفروضة عليه.

أدوار مجتمعية متسقة مع حركية النظام:

 لم يقتصر دور الاتحاد الوطني لطلبة سورية في مساندة نظام الأسد ما بعد الثورة ضمن الجامعات والمؤسسات التابعة لها فقط، بل أُضيف له أدوار خارج الجامعة تشمل البعد الاجتماعي أيضاً، فقد حرص النظام بعد 2011 على تشكيل عدد من المؤسسات والجمعيات التابعة له، التي تُعنى إما بإغاثة الجرحى في صفوفه، أو التسويق له ضمن المجتمع، أو حتى مد المؤسسات التي أنشأها رموز النظام بالكوادر البشرية، مثل الاتفاقية التي وقعها الاتحاد الوطني لطلبة سورية مع مشروع وثيقة وطن التي تعود ملكيته لبثينة شعبان، المستشارة الإعلامية لبشار الأسد، والذي يُعنى بتوثيق الأحداث في سورية بناء على رؤية النظام([50]) ،فقد وقع الاتحاد مع المشروع اتفاقية تشمل مشاركة الطلاب في التوثيق الشفوي للأحداث في سورية، بالإضافة لإطلاق مسابقات بين الطلاب من شأنها تعزيز رواية النظام ضمن الشرائح الطلابية والمجتمع ككل.

وكان الاتحاد أيضاً مؤسسة رديفة للدعم الاجتماعي، الذي حاول النظام تقديمه إلى ضحايا معاركه، بعد ارتفاع أعداد المصابين والجرحى في صفوف قواته، ووقَّع الاتحاد اتفاقية مع مشروع جريح الوطن، التابع لوزارة الدفاع، وتم تشكيل لجنة مشتركة يُشرف عليها محمود الشوا نائب وزير الدفاع([51]).

واتجه الاتحاد إلى تأسيس فرق فرعية لا تتبع تنظيمياً للاتحاد، ولكن رؤساء تلك الفرق منتسبون للاتحاد، وكان دور هذه الفرق إغاثياً واجتماعياً، ضمن محاولة النظام تشكيل نويات إغاثية قادرة على جمع الأموال، أو حتى الوصول إلى كل فئات المجتمع، وأيضاً احتكار العمل الطلابي، حتى على صعيد التخصصات عبر مبادرات متعلقة بالفروع الجامعية، مثل الكادر الطبي التطوعي الذي يرأسه رئيس الاتحاد في جامعة حلب([52]) .

خلاصات ختامية:

في إطار فهم حركية نظام الأسد، ينبغي تحليل تظافر أدواته الصلبة الأمنية والعسكرية مع أدواته الناعمة، في سياق مساعيه لضبط المجتمع والبلاد ككل، فقد عمد النظام إلى تطويع العمل الطلابي ضمن هذا الإطار، مع تعديل القوانين المتعلقة به بالتزامن مع التغيرات الداخلية والخارجية، ويتضح أنه لم يطرأ على الاتحاد أي شروخ إدارية أو انشقاقات على صعيد المستويات العليا فيه بعد 2011، مع الاعتماد على كوادر الاتحاد في المناصب الأخرى في الدولة، بعد خروجهم من الاتحاد وتوكيلهم بمهام داخلية سياسية وإدارية أو خارجية دبلوماسية.

وكانت القوانين والمراسيم التي تم سَنُها بخصوص العمل الطلابي منسجمة مع رؤية النظام في تأطير الفضاء العام وتسخيره ضمن سلسلة أدواته لاستدامة حكمه وتثبيته، وأيضاً لإرضاء الفئات المقاتلة معه خلال سنوات ما بعد الثورة، عبر قوننة تقديم المنح الجامعية لهم، حتى لو كانوا غير منضوين تحت الخدمة العسكرية في الجيش، ولا يحملون الجنسية السورية، وذلك بالتزامن مع ازدياد مساحة الأدوار التي يشغلها الاتحاد منذ انقلاب البعث حتى الوقت الحالي، إذ أصبح يشغل مساحات عسكرية ودينية واجتماعية، بالإضافة لفكرة وجوده الأصلية، وهي آخر مراحل تأهيل كوادر الاتحاد ضمن المراحل الدراسية ليتم توجييهم لاحقاً إلى بُنى أخرى في الدولة، ما يضمن ولاءهم للنظام.

كما يملك الاتحاد  بنية إدارية واضحة ضمن نظامه الداخلي غير الحزبي ظاهرياً، ولكن الاتحاد يتبع إدارياً لمكتب الشباب المركزي في حزب البعث، بالإضافة لاختيار أعضاء المكتب التنفيذي ممن كانوا يشغلون مناصب قيادية في فروع الاتحاد، وبالتالي يُضمَن سلوكهم ضمن الاتحاد، ويتم تعيين رؤساء الفروع وأعضاء المكاتب بناء على أهمية الجامعة، إذ تتنوع التعيينات وفقاً للأبعاد المناطقية والعشائرية والإثنية، مع غياب انتخابات ديمقراطية حقيقة وتداول للمناصب بين الطلاب لمدة أكثر من 55 عاماً منذ تأسيس الاتحاد.

وعلى الصعيد الخارجي، لا يعد الاتحاد مجرد أداةٍ لضبط الجامعات وطلابها والمنشآت التابعة لها فقط، بل هو جزء أساسي في إعادة تعويم النظام وتنظيف صورته، عبر طُلابٍ يدرسون في الجامعات ويُشاركون في المؤتمرات والفعاليات الدولية، السياسية منها والاجتماعية، وفي الوقت نفسه يتجسسون على زملائهم في تلك البلاد، ويسوِّقون رواية النظام حول الأحداث الجارية في البلاد، فقد ركزت الدول الغربية في عقوباتها على قادة الفروع الأمنية والقِطع العسكرية والوزراء وبعض الشبكات الاقتصادية المرتبطة بالنظام، أي الذين كان دورهم مباشراً في سلوكيات النظام الأمنية، بينما لم تستهدف الحراك الاجتماعي من مؤسسات وأفراد كان لهم دور مساعد وداعم لسلوك النظام العسكري والأمني اتجاه المدنيين بمختلف شرائحهم([53]).

ختاماً، تتوازى مؤسسات نظام الأسد في أهميتها لضبط المجتمع وإيقاف حدوث أي محاولات تغيير فيه، وجزء أساسي من تفكيك هذه المؤسسات هو فهمها، وفهم ديناميات حركتها وأدواتها، ومساحات أدوارها وتأثيرها، ويُعد الاتحاد الوطني لطلبة سورية من أهمها، ويكون تفكيك بنية هذه المؤسسات خطوة أولية ضمن خطوات تقليص فعاليتها خارجياً، وفك ارتباط العمل الطلابي في سورية عن نظام البعث، في خطوة تأتي ضمن رؤية تحقيق الانتقال السلمي لكل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني وتطبيق العدالة الانتقالية.


ملحق رقم 1:

ملحق رقم 2:

 


 

([1])  El Amine, A. (2019). Governance of Higher Education in the Arab World and the Case of Tunisia. International Higher Education, (97), 7-9.‏ https://bit.ly/3JUJfSs

([2])  Aljasem, A. (2021). In the shadow of the state: The rise of Kata’ib al-Baath at Aleppo University after 2011. Journal of Perpetrator Research, 3(2), 87-113.‏ https://bit.ly/3FOBg7Q

([3])  Watenpaugh, K. D., Fricke, A. L., & King, J. R. (2014). We will stop here and go no further. Syrian University Students and Scholars in Turkey. Institute of International Education.‏ https://bit.ly/3veuOlN

([4]) الجامعة اللبنانية، مركز المعلوماتية القانونية، قانون الجمعيات، صادر في 3 اغسطس 1909 https://bit.ly/3Mb1rdw

([5])"تم تأسيسها عام 1921 من شخصيات وطنية عدة أبرزها فارس خوري"، تاريخ نقابة المحامين في سورية، موقع سيريا نيوز، يناير 2015 https://bit.ly/3PQHybM

([6]) "برز دورها بشكل واضح بعد تأسيس معمل الإسمنت في دمشق عام 1928" عبد الله حنا، الحركة العمالية في سورية ولبنان 1900-1945، دار دمشق، 1973.

([7]) المادة 17 : للسوريين حق في تأليف الجمعيات والانتساب إليها على أن لا يكون هدفها محرماً في القانون، دستور سورية لعام 1950، https://bit.ly/3Q8asEx

([8]) الجمهورية العربية السورية، وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، قانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة رقم / 93 / لعام 1958، https://bit.ly/3HYENmM

([9]) البند 9: "إشراف "المجلس الوطني لقيادة الثورة" كونه أعلى سلطة في الدولة على التنظيمات الشعبية والنقابية والأندية، وكذلك كافة التنظيمات في الجامعات والمدارس، بما في ذلك النشاطات الرياضية والاجتماعية"، التاريخ السوري المعاصر، مرسوم تحديد سلطات المجلس الوطني لقيادة الثورة، المرسوم التشريعي رقم 68  البند 9، على الرابط:https://bit.ly/3jtin2X

([10]) التاريخ السوري المعاصر، مرسوم إنشاء الاتحاد الوطني لطلبة سورية، مرسوم تشريعي رقم 130 لعام 1967 https://bit.ly/3vdTQ4u

([11]) التاريخ السوري المعاصر، مرسوم إنشاء اتحاد شبيبة الثورة، مرسوم تشريعي رقم 23 لعام 1970 https://bit.ly/3FOAqYA

([12])  الصفحة 3 – النظام الداخلي الحالي للاتحاد الوطني لطلبة سورية

([13]) موقع مجلس الشعب السوري، قانون تنظيم الجامعات رقم 6 لعام 2006 https://bit.ly/3VvqYzg

([14])موقع مجلس الشعب السوري، قانون تنظيم الجامعات رقم 1 لعام 1975 https://bit.ly/3jvuyMB

([15])  موقع وزارة التعليم السورية، القرار رقم252 لعام 2015، المتعلق بتأليف لجنة موازنة التعليم العالي https://bit.ly/3PSoXvY

([16]) ويقصد به الدراسة في الجامعات الحكومية عبر المفاضلات التي تجريها وزارة التعليم العالي.

([17])  البند ب - المادة 196 من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات لعام 2006:

توضع المواردالذاتية المذكورة في الفقرة (أ) في حساب مستقل في المصرف التجاري السوري وفق ورودها بالليرة السورية أو القطع الأجنبي ليجري الصرف منها وفق ترتيب الأولويات الآتية :

أ- الغايات المتعلقة بخطط وبرامج تحديث التعليم العالي وتطويره والنهوض بالجامعات، التي يحددها الوزير بقرار منه بالتنسيق مع وزير المالية، على أن لا تقل نسبتها عن 60% من مجموع الموارد الذاتية، ويتم الصرف من قبل رئيس الجامعة بموجب أسناد رسمية.

ب- تخصيص نسبة لا تتجاوز  40% من بدلات الاستثمار بالمطاعم والمنتديات والمقاصف والأكشاك ويتم حساب النسبة سنوياً بقرار من الوزير بالاتفاق مع وزير المالية يحدد فيه أوجه الصرف والجهات المستفيدة.

([18]) موقع مجلس التعليم العالي، قرار رقم 274 لعام 2011 https://bit.ly/3GgluD9

([19])  موقع مجلس الشعب السوري، مرسوم تشريعي رقم 36 لعام 2001 https://bit.ly/3VG5QGR

([20]) المادة 116- لا يجوز قبول أي طالب بصفة شخصية دون التقيد بترتيب درجات النجاح والمعايير الأخرى التي يضعها مجلس التعليم العالي إلا طبقاً لما يأتي:

  • أولاد حاملي وسام بطل الجمهورية العربية السورية، يقبلون في الفرع الذي يرغبون الالتحاق به حسب نوع شهادة الدراسة الثانوية.
  • عدد لا يزيد على خمسة طلاب في كلية أو قسم أو اختصاص من أولاد أو أشقاء أو أزواج من استشهدوا في الحرب أو استشهدوا في الكفاح المسلح الفلسطيني أو استشهدوا بسبب قيامهم بالواجبات الرسمية، ويحدد مجلس التعليم العالي حالات الاستشهاد بالواجبات الرسمية، ويكون القبول عن طريق المفاضلة بينهم بقرار من الوزير وفق ترتيب النجاح في الشهادة الثانوية ووفق المعايير التي يضعها مجلس التعليم العالي.

([21])  موقع مجلس الشعب السوري، المرسوم التشريعي رقم 100 لعام 2011 https://bit.ly/3PW2Rsq

([22])  مكتب الشباب المركزي في الحزب مسؤول عن طلائع البعث والاتحاد الوطني لطلبة سورية واتحاد شبيبة الثورة والاتحاد الرياضي العام  وكتائب البعث.

([23])  انظر:

  • بشار مطلق :
  • 1- "فيما تم اختيار للجنة التنظيمية الخاصة بالمشاركين كل من: بشار مطلق رئيسا للجنة"، إقرار لجنة مناقشة الدستور الحالي ومهامها في مؤتمر الحوار الوطني السوري السوري في سوتشي، وكالة سانا للأنباء https://bit.ly/3Gls7oH.
  • 2- عضو مجلس شعب حالي، الوكالة الوطنية للإعلام، أسماء أعضاء مجلس الشعب السوري الجديد 2020 https://bit.ly/3vhJiRE
  • محمد عجيل: عضو مجلس شعب حالي، المرجع السابق
  • عمر العاروب: عضو مجلس شعب سابق للدورة التشريعية 2016-2020 https://bit.ly/3jvKU82 ، رئيس البعثة الأولمبية للنظام إلى أولمبياد طوكيو 2020، ونائب رئيس الاتحاد الرياضي العام الحالي، ونائب قائد "كتاب البعث

([24]) تجارب من النشاط السياسي للشباب قبل الثورة وأثنائها، موقع سورية الحرية،16/02/2016  https://bit.ly/3WFswZU

([25]) اقتحام الجامعة الدولية للعلوم والتكنولوجيا، https://www.youtube.com/watch?v=rXzr2HtsU40

([26])  الصفحة 4 من النظام الداخلي للاتحاد الوطني للطلبة سورية.

([27]) من مقابلة أًجريت مع الباحث علي الجاسم، عضو فرع حلب للاتحاد الوطني لطلبة سورية سابقاً

([28])جامعة حلب تفصل طلاباً شاركوا بمظاهرات ضد النظام، زمان الوصل،15/01/2013   https://shorturl.at/awEH8

([29])  تم تحويل الوحدة رقم 20 في المدينة الجامعية في حلب كمركز احتجاز مؤقت تُشرف عليه كتائب البعث – المقابلة السابقة مع علي الجاسم.

([30])  أصبح عمار ساعاتي هو المسؤول عن المؤسسات الطلابية ككل ضمن منصبه كرئيس لمكتب الشباب المركزي في اللجنة المركزية لحزب البعث بالإضافة لكتائب البعث.

([31]) U.S. DEPARTMENT OF THE TREASURY, Treasury Sanctions Senior Syrian Government Officials, Agustus/2020, https://bit.ly/3nqHAK9

([32])  قائد كتائب البعث الحالي هو باسم سودان وهو نائب رئيس الاتحاد الوطني لطلبة سورية حتى عام 2020

([33]) يوتيوب، اقتحام الجامعة الدولية للعلوم والتكنولوجيا، تشرين الثاني 2011، https://bit.ly/3QaZRZv

([34]) مقتل أيهم غزول تحت التعذيب بعد اعتقاله من أعضاء الاتحاد في جامعة دمشق – تحقيق لهيومان رايتس واتش "لو تكلم الموتى"، كانون الأول 2015  https://bit.ly/3B0v1fx

([35])اتحاد طلبة سورية يشدد الإجراءات الأمنية في جامعة تشرين https://bit.ly/3XIMYsM

([36]) اقتحمت قوات الأمن مع أعضاء فرع دمشق للاتحاد الجامعة العربية الخاصة بعد مظاهرات فيها وتم الاعتداء على الطلاب بالتعاون مع أعضاء فرع الاتحاد في الجامعة https://bit.ly/3gLjREs

([37])  تم اعتقاله، وأصدار الاتحاد الوطني بياناً بخصوصه أكّد إيقافه عن التدريس  واعتقاله، كانون الأول 2018 https://bit.ly/3iviQBf

([38]) النظام يصدّر "كتائب البعث" كواجهة للشباب السوري. ما علاقة الحزب الشيوعي الصيني؟ ، تلفزيون سورية 13/10/2022  https://bit.ly/3gMZ3wD

 

([39])  انظر:

  • هيثم الضويحي: الرئيس السابق للاتحاد الوطني لطلبة سورية من عام 1976 حتى عام 2000، وزير شؤون رئاسة الجمهورية 2000-2003، عضو سابق في مجلس الشعب، تائب رئيس اللجنة المركزية للمصالحات الشعبية 2014.
  • وفاء صنين: عضو سابق في المكتب التنفيذي للاتحاد، مديرة الإعداد والتدريب في وزارة التربية، معاون لوزير التربية 2014.
  • فيصل مقداد: رئيس فرع الاتحاد في جامعة دمشق – عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الطلبة 1981 – وزير الخارجية الحالي.
  • حامد حسن: السفير السوري في طهران 2006- معاون وزير الخارجية والمغتربين – عضو حالي في مجلس الشعب.

([40]) المقابلة السابقة مع الباحث علي جاسم.

([41]) جلسات حوارية في مدينة الرقة، تموز 2011 https://bit.ly/3UvJNC9

([42]) مسيرة في حلب بتنظيم من الاتحاد الوطني لطلبة سورية واتحاد شبيبة الثورة، حزيران 2011 https://bit.ly/3EKAo3K

([43]) شنت معرفات اتحاد طلبة سورية حملة واسعة ضد المطالبين بإلغاء المادة الثامنة من الدستور المتعلقة بأن حزب البعث الحزب القائد للدولة والمجتمع، تموز 2011 https://bit.ly/3AVskfb + https://bit.ly/3GWu77O

([44]) أطلق الاتحاد سلسلة حوارات ضمن مبادرة "أول جار"، آب 2022  https://bit.ly/3t0EpLO

([45])اجتماع الطلاب الفاعلين في جلسات الحوار مع بشار الأسد https://bit.ly/3GVSTF0

([46])  جلسة حوارية عقدها الاتحاد الوطني بعنوان (الصراع في أوكرانيا وانعكاساته الدولية والسورية)، نيسان 2022 https://bit.ly/3tXPrSB

([47])من المقابلة التي أجريت مع الباحث علي  الجاسم.

([48]) صفحة الاتحاد الوطني لطلبة سورية على الفيسبوك  https://bit.ly/3g40Ahr

([49]) صفحة الاتحاد الوطني لطلبة سورية على الفيسبوك https://bit.ly/3Vwv2Ql

([50])  موقع وثيقة وطن، من نحن https://bit.ly/3jwK6zB

([51]) توقيع على اتفاق تعاون بين مشروع جريح وطن والاتحاد الوطني لطلبة سورية، آب 2022 https://bit.ly/3Xjg2XQ

([52])صفحة الاتحاد الوطني لطلبة سورية – فرع جامعة حلب على الفيسبوك https://shorturl.at/DLX78

([53]) الرابطة السورية لكرامة المواطن، كيف يستخدم النظام السوري المساعدات لترسيخ القمع، نوفمبر2021 https://bit.ly/3HovXxM

التصنيف أوراق بحثية
الأربعاء كانون1/ديسمبر 18
أطلق مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ومعهد السياسة و المجتمع، كتابه الجديد بعنوان: “حرب الشمال: شبكات المخدرات في سوريا، الاستجابة الأردنية وخيارات الإقليم”، ويحلل الكتاب ظاهرة شبكات تهريب المخدرات المنظمة في…
نُشرت في  الكتب 
الإثنين تموز/يوليو 22
المُلخَّص التنفيذي: قسَّمت الدراسة مبناها المنهجي وسياقها المعلوماتي والتحليلي إلى فصول ثلاثة، مثّل الفصل الأول منها: مدخلاً ومراجعة لتاريخ القبائل والعشائر في الجغرافية السورية بشكل عام وفي محافظتي حلب وإدلب…
نُشرت في  الكتب 
الأربعاء آب/أغسطس 23
يأتي نشر هذا الكتاب في وقت عصيب على سورية، خاصة في أعقاب الكارثة الطبيعية التي حلت بالبلاد، إضافة إلى الزلازل السياسية التي شهدها الشعب السوري منذ بداية الثورة السورية عام…
نُشرت في  الكتب 
يرى المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف، في تصريح صحفي لجريدة عنب…
الثلاثاء نيسان/أبريل 02
شارك الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية الأستاذ سامر الأحمد ضمن برنامج صباح سوريا الذي…
الأربعاء تشرين2/نوفمبر 29
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في فعاليات المنتدى الاقتصادي الخليجي…
الجمعة تشرين2/نوفمبر 24
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في رؤية تحليلية للحرب على…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 20