يأتي نشر هذا الكتاب في وقت عصيب على سورية، خاصة في أعقاب الكارثة الطبيعية التي حلت بالبلاد، إضافة إلى الزلازل السياسية التي شهدها الشعب السوري منذ بداية الثورة السورية عام 2011. الكوارث والزلازل السياسية والطبيعية التي تعصف بالشعب السوري، تطرح التساؤل الملح المرتبط بكيفية الانتقال من حالة الاستثناء والبؤس والفقر والتشرد التي يعاني منها أغلبية السوريين في داخل البلاد وخارجها إلى حالة من الاستقرار والأمن والرفاهية. من الافتراضات البديهية التي ينطلق منها هذا الجهد البحثي، أن هذا الواقع المأساوي ليس قدراً محتوماً، بل هو أمر مرتبط بخيارات البشر، وخاصة بإدارة مواردهم (أي بموضوع الحوكمة).
والكتاب في مجمله عبارة عن أغلبية الأبحاث التي شملها المؤتمر العلمي الأول لمركز عمران، والذي عُقد في 6 كانون الأول/ديسمبر، 2022. اختار المؤتمر عنواناً له: الحوكمة في سورية ما بعد 2011: التحديات والفرص. وبالطبع فهذا العنوان واسع بعض الشيء، وهو ما عكسته طبيعة الأوراق البحثية المتضمنة.
وعموماً، يمكن تصنيف الأبحاث المشمولة إلى أربعة مواضيع: سياسية، واقتصادية، وإدارية، وتعليمية. ومع ذلك فالقاسم المشترك بينها هو تحليل بعض القضايا الحيوية في الواقع السوري، قياساً على مبادئ ومعايير الحوكمة الرشيدة. وعلى الرغم من التباين في المواضيع ومناهج البحث، فإن القاسم المشترك للأوراق البحثية كافة، هو الحرص على دراسة وتحليل الموضوع من منظور الحوكمة، من ناحية، وتقديم توصيات للمعنيين وصانعي القرار لترشيد عملية صنع السياسات العامة، من ناحية ثانية.
إن مفهوم الحوكمة الرشيدة، كما يتوسع البحث الأول في تعريفه ومعاييره، هو صنو للمفهوم الإنجليزي (Good Governance). ويعدُّ تعريف البنك الدولي للحوكمة الرشيدة هو الشائع، إذ يشير إلى الطريقة التي تمارس فيها السلطة السياسية عملية إدارة الموارد الاقتصادية والاجتماعية بهدف تحقيق التنمية. وبتحديد أكثر، يركز تعريف البنك الدولي على ثلاثة عناصر أساسية، أولها: الإجراءات العملية لاختيار الحكومات، ومراقبتها، واستبدالها. ثانياً: قدرة الحكومة على صياغة وتنفيذ السياسات العامة. ثالثاً: احترام المواطنين والدولة لعمل المؤسسات المنوطة بإدارة الموارد الاقتصادية والاجتماعية([1]). وبالطبع، فإن إضافة صفة "الرشيدة" إلى مفهوم الحوكمة، الذي يقتصر على التحكم والتوجيه، ما هو إلا للتأكيد على البعد القيمي والمعياري المرتبط بتحقيق أمثل لأهداف أي تنظيم سياسي، خاصة ما يتعلق بقيم الأمن والحرية، والعدالة، والتنمية، والرفاهية.
ينقسم الكتاب إلى سبعة فصول، يستهل مبحثه الأول النقاش بطرح واحدة من أهم سمات الأنظمة الاستبدادية، ألا وهي ارتباطه العضوي بالفساد. وبعد أن تقدم الورقة تعريفاً للفساد، تحلل الإطار المؤسساتي والأمني لنمو ظاهرة الفساد في ظل نظامي الأسدين، الأب والولد. وبالإضافة إلى التحليل المؤسساتي المرتبط بالطبيعة الاستبدادية، يتطرق البحث إلى كيفية توظيف النظام للفساد، ليس فقط كطريقة لمكافئة المؤيدين، بل وكأداة للسيطرة والتحكم. وأخيراً، تقدم الورقة الوسائل الضابطة للفساد، وهي في مجملها المعايير الأساسية للحوكمة الرشيدة، نقيض الاستبداد والفساد، بدءاً بصياغة دستور جديد متضمن لتلك المعايير المتعارف عليها، ومنها: مبدأ سيادة القانون، والفصل بين السلطات، والتداول السلمي للسلطة، وضمان الحقوق على أساس المواطنة المتساوية، وضمان المشاركة، والمساءلة، والرقابة.
تركز الورقة الثانية على واقع حوكمة المهجرين في الحكومة المؤقتة (التابعة للائتلاف الوطني)، ونقابتي المهندسين والمحامين الأحرار. ففي المبحث الأول تستعرض الكيفية التي أدارت بها الحكومة المؤقتة ملف المهجرين عبر لقاءات مع المسؤولين عن هذا الملف في كل حكومة (أربع حكومات حتى الآن). تظهر النتائج التي توصلت إليها الدراسة أموراً عدة، منها: أولاً، التغيير الكبير في واقع المهجرين، بدءاً من مرحلة النزوح والمخيمات، إلى مرحلة التهجير الكبرى، وصولاً لمرحلة البحث عن مرحلة الحفاظ على الهوية. ثانياً، شهد ملف حوكمة المهجرين تغيرات تنظيمية في الحكومات المتعاقبة، مما أدى إلى غياب مؤسسات تمثل المهجرين. ثالثاً، اقتصرت الخدمات التي قدمتها الحكومات المتعاقبة على تقديم بعض المشاريع الإغاثية والتنظيمية. أما عن نتائج المبحث الثاني لكيفية تعاطي نقابة المهندسين والمحامين مع الفروع والأعضاء المهجرة، فكان من نتائجها: أولاً، التباين بين حوكمة ملف المهجرين على المستوى الرسمي وعلى مستوى النقابات، ففي حين كان ملف حوكمة المهجرين غير مستقر على الصعيد الحكومي، استمر تعاطي النقابات بالطريقة نفسها التي كانت قبل التهجير. ثانياً، لا يوجد نموذج مثالي لتمثيل المهجرين حكومياً ونقابياً، ويحتاج الوصول للتمثيل الأفضل الكثير من البحث والإرادة والمشاركة من مختلف المعنيين بملف المهجرين. ثالثاً، التأخر في الوصول لحوكمة ملف المهجرين بشكل فاعل ينعكس سلباً على المناطق المحررة ويضعف قدرة المؤسسات على استثمار الخبرات الموجودة من المهجرين ويرفع احتمالية هجرتهم لخارج المناطق المحررة، وهذا انعكاس لغياب الرؤية الاستراتيجية للاستفادة من ملف المهجرين. وتخلص الورقة إلى تقديم بعض التوصيات، ومنها: إيجاد الأطر المؤسساتية والقانونية الفاعلة ضمن هيكلية الحكومة المؤقتة، بما يضمن تمثيل المهجرين وحقوقهم، زيادة مستويات الدعم المادي والمعنوي للمهجرين والتعريف بمعاناتهم، والاهتمام بالجانب البحثي حول واقعهم في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية كافة.
تناقش الورقة الثالثة تحديات وفرص الحوكمة في التعليم ما قبل الجامعي في مناطق درع الفرات. وتتعرض الدراسة للتحديات الأمنية والسياسية الناتجة عن الواقع السياسي والاقتصادي المتردي في تلك المنطقة، إضافة إلى ضعف التنسيق بين المجتمع المدني والجهات الحكومية التي تدير أنشطة التعليم، وأخيراً ضعف الإمكانات والموارد المتاحة للقطاع التعليمي على المستويات كافة. تعتمد الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي واستخدام تحليلSWOT الاستراتيجي في عملية التحليل. ويشمل مجتمع البحث منطقة اعزاز، لاعتبارات أمنية. تقدم الدراسة، في ظل هذا الواقع الاستثنائي، استراتيجية لتطبيق نهج الحوكمة في قطاع التعليم، قائمة على الاعتبارات التالية: أولاً، التعاطي مع التحديات الأمنية والاقتصادية الضامنة للبيئة الآمنة للتعليم. ثانياً، تعزيز التواصل والتنسيق بين مراكز الدراسات والأبحاث والمجتمع المدني لتبني نهج الحوكمة الرشيدة في مجالات العمل الحكومي والمؤسساتي كافة، لهذا القطاع الهام. ثالثاً، تطوير البنى التحتية لقطاع التعليم، خاصة في مجال الموارد البشرية. رابعاً، تعزيز الشراكة بين المؤسسات المتعددة التي تعمل على إدارة قطاع التعليم لاستعادة مركزية التعليم، والعمل على صناعة استراتيجية تهدف إلى الانتقال من حالة التعليم أثناء الأزمات إلى تعليم عالي الكفاءة والفاعلية. خامساً، العمل على إيجاد برامج للتعليم المهني والصناعي ذات نظام مناسب لاحتياجات سوق العمل.
وبالانتقال إلى الجانب الاقتصادي والمالي، تناقش الأبحاث الثلاثة التالية جوانب متعددة للحوكمة الاقتصادية. تهدف الورقة الأولى، (الرابعة في ترتيب الكتاب)، لدراسة العلاقة بين اقتصاد الحرب في سورية، وبين مؤشرات الحوكمة في مؤسسات القطاع العام. تعتمد الورقة على النهج الاستقرائي المتمثل في الانتقال من الجزئي إلى الكلي، وذلك بدراسة قطاعات جزئية (المالي والإنتاجي الرسمي) والتعميم على القطاع العام. تظهر الدراسة آثار الحرب السلبية على مؤشرات الحوكمة في الاقتصاد، مثل تراجع المشاركة والمساءلة، وتراجع الإفصاح عن البيانات المالية، وتدني حماية حقوق أصحاب المصالح. وتخلص الورقة البحثية إلى النتائج التالية: أولاً، سيطرة اقتصاد الحرب على مناحي الاقتصاد السوري كافة، خاصة في القطاع العام الذي أُخضع لأولويات الانفاق العسكري. ثانياً، الغياب الكامل لمبادئ ومعايير الحوكمة في مؤسسات القطاع العام. ثالثاً، الارتباط العكسي بين مؤشرات الحوكمة في القطاع العام وتنامي اقتصاد الحرب. رابعاً، غياب الحافز لدى الحكومة المركزية لتطبيق مبادئ الحوكمة، خاصة المشاركة والمساءلة والإفصاح، مع إعطاء الأولوية للإنفاق العسكري.
تبحث الدراسة الخامسة في واقع حوكمة القطاع المالي في الشمال السوري، والتحديات التي تواجهه. الملاحظة الأولى في الدراسة أن القطاع المالي في الشمال السوري لم يحظ بالأهمية مقارنة بالقطاعات الأخرى، مع التنويه إلى غياب جهة حوكمية تدير هذا القطاع. ويعدُّ هذا الغياب عاملاً أساسياً في قدرة الجهات البديلة على حوكمة القطاع المالي. وتنطلق الدراسة من قناعة كون هذا القطاع هو الحامل الرئيسي لعملية التعافي المبكر، إضافة إلى ارتباطه العضوي بباقي القطاعات الاقتصادية. وتسعى الدراسة للبحث عن الفاعلين الرئيسيين في القطاع المالي، وتشخيص جهودهم لملء الفراغ الحوكمي، واستشراف فعالية هذه الجهود. ولأن الهاجس الرئيس للباحثين في هذه الدراسة هاجس عملي (مرتبط بصياغة السياسات العامة)، فقد توسعت الورقة في توصياتها لإصلاح القطاع المالي في الشمال السوري. تستند التوصيات إلى فهم عميق لتعدد الفاعلين في القطاع المالي في حالة اللامركزية المالية، وتركز على إشكالية الحالة الاستثنائية لهذا القطاع، وتؤمن بالتدرج. ولذا فقد كانت توصيات البحث متعددة، لعل من أهمها: تشكيل مرجعية حوكمية موحدة، تكون على شكل مؤسسة مالية مستقلة تشرف على ضبط وتنظيم القطاع المالي، بإدارة تشارك فيها الأطراف ذات العلاقة كافة، تأسيس هيئة رقابة مالية مستقلة، بإمكانيات تنفيذية، تطبيق نظام ضريبي موحد، تعزيز قدرات المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتقنين عملها، تدعيم البنية التحتية لأنظمة الدفع والتحول إلى أتمتتها، وأخيراً: العمل على مكافحة عمليات غسيل الأموال ومحاولات تمويل الإرهاب وتهريب العملات الأجنبية.
تتناول الورقة الثالثة في المحور الاقتصادي واقع حوكمة الشركات في المناطق المحررة بعد عام 2011. وتحاول الدراسة تسليط الضوء على النشاط الاقتصادي للشركات الربحية، ومدى التزامها بمبادئ الحوكمة. تشمل الدراسة مقدمة حول أهمية الحوكمة للشركات، وثلاثة محاور أساسية: أولها، مقدمة نظرية حول مفهوم الحوكمة، وأهدافها، والأطراف المعنية بها. يركز المحور الثاني على واقع النشاط الاقتصادي في المناطق المحررة، والآثار الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن الحرب التي تجاوزت عقداً من الزمن. ويناقش المحور الثالث واقع حوكمة الشركات في المناطق المحررة، ومدى التزامها بمبادئ الحوكمة. يستند هذا القسم من الدراسة إلى عملية مسح على عينة استطلاعية مكونة من عشر شركات تنشط في مناطق ريفي حلب وإدلب. تظهر النتائج التي توصلت إليها الدراسة، وهي غير مفاجئة، الضعف الشديد في تطبيق مبادئ الحوكمة من قبل الشركات، خاصة مبدأ الشفافية والإفصاح، بينما كشفت الدراسة عن بعض الممارسات المطبقة التي يمكن أن يبنى عليها، للوصول إلى ممارسة أسلم لمبادئ الحوكمة. وتنقسم التوصيات في هذه الدراسة إلى نوعين من الاقتراحات، تتعلق الأولى منها بالتوعية حول أهمية الحوكمة في الشركات، وتنظيم مؤتمرات علمية وإنشاء قاعدة بيانات تسمح بالتوصيف والتحديث المستمر لواقع الحوكمة في الشركات الربحية على مستوى المناطق المحررة. أما المستوى الثاني من التوصيات، فيركز على جوانب عملية يمكن من خلالها تحسين واقع الحوكمة للشركات، ومنها: أولاً، تشكيل لجان قادرة على وضع البنية التحتية للحوكمة، وسبل تطويرها. ثانياً: تعزيز البيئة القانونية والتشريعية الداعمة للالتزام بالحوكمة في المناطق المحررة، وذلك بالاستفادة من تجارب مماثلة. ثالثاً، دعم المؤسسات القادرة على المساهمة في البيئة الحوكمية، من خلال رفد الشركات الربحية بالخبرة اللازمة لرفع مستوى الالتزام بمبادئ ومعايير الحوكمة.
أما الورقة الأخيرة فتقدم رؤية حول مبادئ وأسس النظام السياسي المقترح للحوكمة الرشيدة. تبدأ المقالة بمقدمة نظرية ضرورية حول التمييز بين مفاهيم الدولة والنظام السياسي والحكومة. وتركز على أن محور الصراع في سورية هو حول تشكيل نظام سياسي، يقطع مع واقع الاستبداد والفساد، ويحاكي مفاهيم الحوكمة الرشيدة. تستعرض الدراسة التجربة السورية مع مختلف الأنظمة السياسية، وتحلل أسباب فشلها، وصولاً إلى عهد بشار الأسد الكارثي. وتتناول في القسم الثاني تجارب بعض الدول في الهندسة الدستورية والسياسية، خاصة في مراحل التحول الديمقراطي. وتوصي الدراسة بتبني النظام شبه الرئاسي الذي يجمع بين مزايا النظامين البرلماني والرئاسي، ويضعف من صلاحيات الرئاسة، مقابل برلمان منتخب وحكومة قوية يديرها رئيس يحظى بثقة رئيس الدولة والأغلبية الحزبية في المجلس التشريعي. وتنحاز الدراسة إلى الاجماع الدولي حول النظام الديمقراطي التمثيلي، وترى أن اختيار النظام شبه الرئاسي يجب أن يترافق مع نظام انتخابي، يضمن أعلى درجات التمثيل خاصة بالنسبة للمرأة والأقليات. أما العناصر المكملة للنظام المقترح، فتتمثل في تبني اللامركزية الإدارية، التي يمكن تعزيزها بوجود مجلس تشريعي ثان (مجلس الشيوخ)، والبحث عن التوافق في مراحل العملية السياسية كافة، خاصة في مراحل الانتقال.
ملاحظة أخرى، لم يتناول الكتاب جوانب الحوكمة كافة، بل اقتصر على الأبعاد المشمولة فيه. ولعل هذا عائد إلى المحددات المرتبطة بعملية الدعوة إلى المساهمة بالكتابة، ونوعية الاستجابة من الباحثين، وارتباط كل ذلك بالحرص على نشر الأوراق بشكل وقتي، من دون القفز فوق المعايير العلمية المراعاة في مثل هذا العمل. ومن الأمور التي لم يشملها الكتاب موضوع الواقع العسكري والأمني في سورية([2])، وعلاقته بالحوكمة. كما لم يشمل الكتاب تحليلاً لموضوع اللامركزية الإدارية، لكن سبق لمركز عمران أن أصدر دراسة قيمة حول المركزية واللامركزية في سورية([3]). احتوت تلك الدراسة على تأصيل لمفهوم اللامركزية إضافة إلى مقارنة لتجارب اللامركزية، إذ هناك شبه إجماع على ضرورتها، بين مناطق النظام والمعارضة في الشمال الشرقي والغربي.
موضوع حيوي آخر أتى المشاركون في المؤتمر على نقاشه، وهو كيفية الانتقال من الواقع الحالي إلى مرحلة ما بعد الصراع. يدرك المشاركون كافة في هذا الجهد المتواضع واقع البلاد المقسم إلى حكومة مركزية، بقية نظام، ومناطق تحكمها قوى الأمر الواقع في الشمالين الغربي والشرقي، وارتباط هذه الأطراف الحاكمة بجهات خارجية داعمة. ولا يخفى على الجميع أن عودة سورية كبلد موحد، متمتع بالسيادة الكاملة، هو أمر مرغوب من أغلبية السوريين، لكنه ليس في الضرورة من مصلحة بعض قوى الأمر الواقع، وبشكل أصح ليس في مصلحة الدول الخارجية. لقد تعقدت المسألة السورية إلى درجة أن البحث عن الحلول الكلية لها مرتبط بتسويات دولية، تشمل اللاعبين الكبار في المجتمع الدولي، إضافة إلى قوى إقليمية عدة، تقف على أطراف مختلفة من الصراع. لكن هذا التعقيد، وافتقاد القدرة للأطراف السورية في التحكم بالقضايا المصيرية، لا يعني الكف عن المحاولة لاسترجاع القرار من الدول المتحكمة، فهذا من الحقوق الأساسية للشعوب في تقرير مصائرها. من هنا، فإن أحد الأدوات المتاحة هو البحث عن مخارج ضمن المجالات التي حاول الكتاب تغطيتها، من دون التقليل من أهمية البحث في القضايا الأخرى.
أخيراً، لا بد من شكر الباحثات والباحثين الذين تقدموا بأوراقهم، والمحكمات والمحكمين الذين تفضلوا بقراءة ومناقشة الأوراق، وفريق العاملين في مركز عمران، وبالأخص المدير التنفيذي، الدكتور عمار قحف والأستاذ محمد العبد الله، اللذين بذلا جهوداً كبيرة في تحويل هذا العمل من فكرة إلى منتج نهائي. كذلك فالشكر موصول لمركز دراسات البحر المتوسط في جامعة ميدبول الذي استضاف المؤتمر، في واحدة من صور التعاون بين مركز عمران وأحد المراكز البحثية في الدولة المضيفة. والأمل أن يكون هذا المؤتمر بداية لنشاطات بحثية مستمرة، تكمل مناقشة القضايا التي لم يشملها الكتاب، وتسهم في إخراج سورية المنكوبة من محنتها.
د. نجيب الغضبان
مارس 2023
للمزيد:
([1] ) تقرير البنك الدولي عن الحوكمة، متوفر على الرابط التالي:
The World Bank. Governance and development (English). (Washington, D.C: World Bank Group, 1992 http://documents.worldbank.org/curated/en/604951468739447676/Governance-and-development
([2] ) من المفيد هنا الإشارة إلى الدراسات والكتب التي نشرها مركز عمران في هذا المجال. انظر على سبيل المثال، تحولات المؤسسة العسكرية: تحدي التغيير وإعادة التشكيل، 2018؛ ودراسة معن طلاع. الأجهزة الأمنية السورية وضرورات التغيير البنيوي، 2016.
([3] ) مجموعة من الباحثين. حول المركزية واللامركزية في سورية: بين النظرية والتطبيق. استنبول: مركز عمران، 2018.
حِقَبٌ عدة مرت على سورية، لم تكن كافية لتشكل هوية اجتماعية سياسية مكتملة من جهة ولا حتى هوية مؤسساتية مستقلة داخل الدولة من جهة أخرى، فبعد استقلال سورية عن فرنسا في نيسان سنة 1947، دخلت البلاد مرحلة بناء الدولة ومؤسساتها ومرحلة التعددية والحرية السياسية التي نشطت من خلال تنافس الأحزاب، مثل الحزب الوطني والحزب القومي السوري والحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الاشتراكي والإخوان المسلمين الذين تنافسوا في انتخابات برلمانية ورئاسية عدة.
ومن جانب آخر كان الصراع العسكري المدني على السلطة ومؤسسات الدولة ومُقدراتِها والحراك المدني في أًوجهِ، إلى أن استطاع حزب البعث بانقلابه عام 1963 وضع مؤسسات الدولة المدنية و العسكرية في قبضته تدريجياً، وتأطير حراك المجتمع المدني الذي عادة مايكون مراقباً لسياسيات الدولة وحامياً لحقوق فئات المجتمع، ليصبح معززاً لاستبداد الحزب الواحد الحاكم وسبيلاً لقمع الشعب ونهب قوت يومه.
ومع انطلاق ثورة الكرامة عام 2011 خرج السوريون في سبيل حقوقهم وحريتهم دون أن يضطروا إلى مأسسة حراكهم أو إدارته بشكل ممنهج لأن الحراك الشعبي السلمي أو المسلح في دول شرارة الربيع كان وحده كافياً لهروب بن علي وتنحي مبارك ومقتل القذافي وحرق عبد الله صالح، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود معارضة سياسية مستمرة ومنظمة ضد هؤلاء المستبدين ماقبل ثورات الربيع العربي وإن كانت ثانوية أوضعيفة.
ومع طول أمد الثورة السورية وتفعيل المسار السياسي و المدني ليصبح موازياً للحراك الشعبي بسبب محاولات الأسد لتمييع القضية سياسياُ بمساعٍ روسية، كان لابد من ظهور مؤسسات ثورية سورية إعلامية كانت أو سياسية أو إغاثية تحاول أن تكون نواة بديلة عن مؤسسات النظام في حال سقوطه و منافسة له أيضاً في الساحة الاقليمية و الدولية، و لتعوض غياب الدولة في المناطق التي خرجت عن سيطرة الأسد.
مؤسسات في خدمة المستبد
بعد انتزاع الأسد الأب للسلطة من رفاقه البعثيين ثم تسلمه لرئاسة الدولة في 1971، عمل على تغيير بنية مؤسسات الدولة كَكُل، ابتداءً من هيكلية الجيش وولائه و انتهاءً بمؤسسات المجتمع المدني، ففي عام 1980 أصدرت سلطات الأسد قراراً بِحَل نقابات المحامين و الأطباء و أطباء الأسنان و الصيدلة و المهندسين، واعتقلت عدداً كبيراً من منتسبي هذه النقابات، لتقوم لاحقاً بتعيين أعضاء تابعين لحزب البعث ضمن نقابات جديدة بهيكليات مختلفة.
أدى تشابك منظمات المجتمع المدني مع السلطة القائمة إلى تشكل كتلة استبدادية صلبة لقمع المجتمع السوري و إنهاء أية تعددية فكرية أو حزبية، تشمل الأطفال في مراحلهم الدراسية الأولى من خلال تنسبيهم إلى طلائع البعث، مروراُ بطلاب المدارس و الجامعات عبر اتحاد شبيبة الثورة و الاتحاد الوطني لطلبة سورية، حتى الوصول إلى التخصصات و المهن من خلال النقابات الصُوَريّة.
ومع العقد الأول من استلام بشار الأسد السلطة، كان هناك انفتاح مؤقت للعمل المدني تمثَّل بانتشار المنتديات الفكرية وترخيص بعض منظمات المجتمع المدني يما سُمي ” ربيع دمشق ” الذي لم يستمر طويلاً، حيث تم اعتقال أغلب مؤسسي تلك المنتديات و إلغاء ترخيص المنظمات و استبدالهم بمنظمات مجتمع مدني لا تتبع للنظام ظاهرياً و تحمل أسماء رنانة تدل على الانفتاح والتغيير، مثل الأمانة السورية للتنمية التي استولت عليها أسماء الأسد وأصبحت رئيساً لها، و جمعية البستان الخيرية التي يملكها رامي مخلوف والتي نشطت في المجال الإغاثي والتعليمي، والتي شكلت بعد انطلاقة الثورة “ميليشيا جمعية البستان” بهدف تجنيد الشباب برواتب مغرية بُغية قتالهم إلى جانب جيش النظام.
ماضِ ثوري أم خبرة مهنية؟
مع بدايات الثورة، كان النصيب الأكبر لإدارة العديد من المؤسسات الثورية لأشخاص كان لهم سجل معارض لنظام الأسد قبل 2011، وكان لبعضهم تاريخ أيضاً من الاعتقال لسنوات سواء في عهد الأسد الأب أو الابن بسبب حراكهم السياسي أو الحقوقي، حيث كانت ثنائية الاعتقال والتاريخ المعارض هي ضمان مغري لتفادي أية اختراق من قبل نظام الأسد لمؤسسات الثورة التي مازالت في طور الولادة.
وعلى الرغم من تمكن العديد من المؤسسات الثورية من الحفاظ على سرية عملها وحراكها و لكن غياب آليات توظيف الكوادر كان واضحاً، تم الاعتماد على الثقات أو المعارف أو سلسلة الثقات بشكل أساسي من أجل التوظيف، مما أدى إلى تشكل خليط من الإشكاليات سواء على صعيد سياسات العمل أو على صعيد المصداقية في الأداء أمام المجتمع السوري، فانعكست سياسة التوظيف على تفاعل هذه المؤسسات مع المناطق بناء على التركيبة الجغرافية للموظفين أو حتى الأرضية الايدلوجية التي قامت عليها المؤسسة بناء على مؤسسيها و مدرائها، كما ظهر الأداء الهزيل أثناء التفاعل مع المؤسسات الدولية والاقليمية، ناهيك عن حالات الانفصام عن الواقع التي ظهرت في مواقف مؤسسات ثورية من أحداث كانت قد تأسست بالأصل من أجلها.
الثقة – الثورية – المهنية، الثالوث المُغيَّب.
60 عاماً من تغييب المواطن السوري عن العمل المدني الحقيقي و مؤسساته في سورية، وفقدان عامل الثقة بين أبناء الشعب بسبب سياسة الأسد القائمة على الدولة الاستخباراتية، حيث اعتمدت أجهزة المخابرات على تجنيد مخبرين محليين لاتقتصر مهمتهم فقط على التقارير المتعلقة بأمن الدولة بل أيضاً لتفنيد السلوكيات و الممارسات الشخصية للمواطنين مثل ارتياد المساجد أو حتى تسجيل الأحاديث ضمن العائلة الواحدة، هذه العوامل وغيرها كانت عقبة أمام بناء الثقة المتبادلة بين المنظمات الثورية السورية والمجتمع السوري، حيث كان عامل الشك والريبة هو الأساس في تلك العلاقة وكل مؤسسة هي غير صالحة وفاسدة حتى تُثبِت العكس.
ومع انتشار المؤسسات السورية في مجتمع يحمل ترسُبات من عدم الخبرة المؤسساتية و نقص الثقة في العمل الجماعي، كان أداء وسياسات فئة من المؤسسات الثورية عامل إضافي لغياب الثقة، حيث غابت في بعضها الشفافية و انتشرت عنها حالات من الاختلاس أو هدر الأموال.
لم تكن الثقة المُغيبة هي ثقة مالية فقط، بل حتى ثقة في مدى ولاء هذه المؤسسات للثورة مقارنة بولائها لايدلوجيات القائمين عليها أو حتى مدى إيمانها بفكرة الثورة، حيث بعض موظفين المنظمات مازالوا يقضون عطلهم السنوية و إجازاتهم في مناطق النظام، و بعضهم أصلاُ ترك عمله و عاد إلى مناطق النظام، وهذه الحالات تفتح التساؤلات عن ماهيَّة السياسيات المتبعة في مؤسسات الثورة لقبول الأشخاص والموظفين فيها.
مؤسساتٌ تحمل عبئ غياب الدولة
عادة ماتكون مؤسسات المجتمع المدني في الدول الديمقراطية و المستقرة لتحقيق مصالح المواطنين وحماية حقوقهم وإقامة مشاريع توعوية لرفع كفاءاتهم، لكن الوضع السوري كان مختلفاً، ففي ظل غياب الدولة التي تقدم الخدمات للمواطنين مثل تمهيد الطرقات وبناء المساكن وتوفير المياه والكهرباء و الخدمات الصحية، كان هذا العبئ على عاتق المؤسسات السورية التي اهتمت بهذه الخدمات، فبالإضافة إلى عدم وجود خبرة كافية لكوادر هذه المؤسسات بالأمور الخدمية، كان هناك احتياج مالي ضخم لتأمين أساسيات المعيشة و البنية التحتية للأماكن التي تنشط بها بالتزامن مع غياب دعم الدول الحقيقي لإعادة تأهيل هذه المناطق.
و على الرغم من كل المعوقات المالية وغيرها، استطاعت الكثير من المؤسسات الثورية السورية أن تُقدم نماذج خدمية ناجحة طبياً وتعليمياً ومؤسساتياً قياساُ بِقُصر عمر التجربة السورية في العمل المدني و المؤسساتي، و المتغيرات الجغرافية و السياسية و التمويلية.
الثورات الحقيقية .. تؤهل أبناءها
على مدى سنين الثورة، عشرات آلاف الشباب فقدوا جامعاتهم وأعمالهم إما بسبب التهجير أوالاعتقال، وأضحوا بلافرص عمل أو تعليم، وكثير من هؤلاء يتحقق فيهم عامل الثقة الأمنية و الثورية وينقص بعضهم الكفاءة والمهنية المؤسساتية، تلك الكفاءة التي يجب تدريبهم عليها وإعادة دمجهم في المؤسسات السورية الثورية واعتبار تأييدهم للثورة و تضحيتهم في سبيلها هو عامل تزكية لا عامل محدد وحاسم في استلام الوظائف و المناصب وتعيين الكوادر.
وفي كل الحالات تبقى المؤسسات الثورية السورية أمام واجب مزدوج اتجاه المجتمع السوري، حيث يتوجب عليها رفع كفاءة كوادرها لتتمكن من صنع مساحة الاشتباك مع مؤسسات النظام التي مازالت حتى هذه اللحظة تملك حراكاً و تأثيراً في المنظمات الدولية مثل الاتحاد الوطني لطلبة سورية ومؤسسة بسمة أمل التابعة لأسماء الأسد، كما يجب أن تُعزز مبدأ الشفافية أمام المجتمع لتعزز من ثقته بها، و ذلك عبر سياسيات واضحة للتوظيف والتوثيق المالي المتعلق بها.
فتواجد ثنائية المهنية والثورية في الكوادر هو مايغيب عن كثير من مؤسساتنا الثورية أوالمعارضة، فَعِند غياب المهنية من الطبيعي أن تجد مجموعة أشخاص صادقين ومخلصين و لكن لم يستطيعوا تحقيق أهداف مؤسساتهم على صعيد الأهداف أو على صعيد اهدار الأموال، وفي حالة غياب انتماء الموظفين للثورة و إيمانهم بهاـ فمن الطبيعي أن أتجد كوادر لدى مؤسسات ثورية ومعارضة لامشكلة عندهم مع النظام أو رموزه ومؤيديه من الفنانين.
وختاماَ، إن المجتمع السوري بمؤسساته وأفراده يصنع تجربته وخبراته التي لم يمارسها من قبل، ولكن ماكان مقبولاً من أخطاء وعثرات في بدايات 2011 لم يعد مستساغاً ومقبولاً بعد عشر سنوات من عمر الثورة، وماكان يعتبر قلة نضج وخبرة في البدايات أصبح كارثياً بعد أن يُكرر بمنهجيات واضحة ومتجاهلة لمطالبات المحاسبة و المسائلة، فالأخطاء تكرارها يصبح خيانة، و التجاوزات تراكمها عمالة.
المصدر: السورية نت https://bit.ly/3FCyHEd
تركزت حكومة النظام السوري أولوياتها خلال شهر تموز 2018 على ملفي؛ مكافحة الفساد وانتخابات الإدارة المحلية، حيث عقد خلال شهر تموز سلسلة من ورش العمل والاجتماعات الحكومية وغير الحكومية لمناقشة مكافحة الفساد ومنها:
كذلك واصلت الهيئات التشريعية والتنفيذية مراجعتها للتشريعات والقوانين السائدة ومنها: 1) إصدار القانون 27 الناظم بمهام وصلاحيات واختصاصات وزارة التنمية الإدارية ([1])، 2) تعديل أحكام قانون خزانة تقاعد المهندسين رقم 23 لعام 2005 ([2])، 3) مناقشة مشروع قانون يقضي بمنح مجلس الدولة صلاحيات تصديق العقود التي تبرمها الجهات العامة والتي تزيد قيمتها على 150 مليون ليرة سورية ([3])، 4) نشر مسودة قانون الاستثمار الجديد على موقع التشاركية لمجلس الوزراء ([4])، 5) إعداد قانون جديد للجمارك. ([5])
بالانتقال إلى ملف الإدارة المحلية، تواصل الهيئات التنفيذية والقضائية استعداداتها لإجراء انتخابات الإدارة المحلية المقررة في 16 من أيلول القادم، حيث فُتح باب الترشح لعضوية مجالس الوحدات الإدارية البالغ عددهم 18474 عضواً ينبثق عنهم 1444 مجلساً ([6])، وقد كشف سليمان القائد "رئيس اللجنة العليا للانتخابات" عن تلقي اللجنة 49096 ألف طلب ترشح لانتخابات الإدارة المحلية، بانتظار البت بقانونيتها من قبل اللجان القضائية المختصة بذلك. ([7])
وعن إجراء الانتخابات في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، أفاد القائد بتشكيل لجان لمحافظتي الرقة وإدلب في محافظة حماة من قضاة ينتمون للمحافظتين، وفيما يتصل بإجراء الانتخابات في المناطق التي تم استعادتها ولم يسمح لسكانها بالعودة إليها بعد، فأشار القائد بأن الوزارة مسؤولة لوجستياً عن تحديد المراكز بالتنسيق مع اللجنة كما حدث في الانتخابات التشريعية، منوهاً بأن شمول الانتخابات لمن هم خارج البلاد يقتصر على انتخاب رئيس الجمهورية. هذا وقد أصدرت الحكومة ووزارة الإدارة المحلية والبيئة عدة قرارات وإجراءات في إطار استعدادها للانتخابات منها: ([8])
واصلت وزارة الإدارة المحلية والبيئة دعمها للوحدات الإدارية خلال شهر تموز 2018، حيث بلغت قيمة الدعم المالي المقدم من الوزارة للوحدات الإدارية 240 مليون ل.س (550,485 $ على أساس سعر صرف 436 ليرة لكل $) كإعانات مالية توزعت بحسب الجداول البيانية المرفقة أدناه. ([10])
بجانب آخر، مدد مجلس الوزراء العمل بقرار تشكيل لجنة إعادة الإعمار التي يرأسها وزير الإدارة المحلية والبيئة لمدة عام.([11])
قطاعي التجارة والصناعة
تسعى الحكومة إلى إعادة تنشيط العلاقات الاقتصادية مع كل من العراق ولبنان وكذلك مع الدول الأوربية سيما تلك الواقعة على حوض المتوسط، حيث عقدت قيادات سورية حكومية وبرلمانية اجتماعات مع السفير العراقي والمفوض فوق العادة لدى سورية سعد محمد رضا والوفد المرافق له، وقد تطرقت الاجتماعات إلى: 1) اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين البلدين المتوقع إنجازها خلال الفترة المقبلة، 2) إعادة فتح المعابر الحدودية وخاصة معبر البوكمال – القائم، 3) تفعيل حركة الطيران الجوية بين البلدين.
كما عقد وزير النقل المهندس علي حمود لقاء مع وزير الصناعة اللبناني حسين الحاج حسن على خلفية مشاركة الأخير في معرض "رجال الأعمال والمستثمرين في سورية والعام 2018" بناء على دعوة رسمية من قبل الحكومة السورية، وقد تطرق اللقاء بين الوزيرين إلى: 1) تفعيل التعاون والربط الطرقي والسككي بين البلدين وحركة النقل وتدفق البضائع، 2) العمل على إقامة وتفعيل عدد من المصانع المشتركة بين البلدين في المناطق الحدودية في الهرمل وبعلبك والقاع، 3) ملف النقل البري والطريق البري لإعادة التصدير من لبنان عبر المنافذ الحدودية، ومنها إلى الأردن والعراق ودول الخليج.
شارك وفد من مجلس الشعب برئاسة العضو فارس الشهابي رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة، في أعمال المؤتمر البرلماني لمنظمة التجارة العالمية في منطقة البحر الأبيض المتوسط حول تسهيل التجارة والاستثمارات في غرب البلقان والمنطقة المتوسطية المنعقد في العاصمة الصربية بلغراد، حيث تطرقت لقاءات الوفد السوري مع المشاركين في المؤتمر إلى؛ عمليات التقارب الأوروبية المتوسطية على الصعد الاقتصادية وقواعد منظمة التجارة العالمية وآثارها على المنطقة وقواعد التجارة المتعددة الأطراف والمفاوضات في اقتصادات البحر المتوسط.
تواصل الحكومة السورية مساعيها لتنشيط الحركة التجارية والاستثمارية واستهداف أسواق جديدة، وذلك من خلال تنظيم سلسلة من المعارض والمؤتمرات الاقتصادية منها:
فيما يتصل بالعلاقات بين سورية ودول العالم بما فيها الحلفاء، وافق مجلس الوزراء على إعفاء مستوردات القطاع العام من إيران من الرسوم الجمركية والضرائب والرسوم الأخرى لمدة ستة أشهر اعتباراً من بداية تموز ولغاية نهاية كانون الأول 2018 ([12])، كما وقع وزير التعليم العالي الدكتور عاطف نداف ومعاون وزير الصحة والعلاج والتعليم الطبي لشؤون التعليم في إيران باقر لاريجاني مذكرة تفاهم للتعاون في مجال التعليم العالي والبحث الطبي ([13])، كذلك كشف مدير عام الخط الحديدي الحجازي عن تلقي المؤسسة عن طريق هيئة الاستثمار السورية عرضاً من شركة ميللي ساختمان الإيرانية لتنفيذ مشروع نقل الضواحي. ([14])
وعن العلاقة مع روسيا، يتواصل اعتماد حكومة النظام السوري على الجانب الروسي في تأمين القمح، كما يستمر تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين الطرفين وهو ما تفيد به المعطيات التالية:
هيمن شعار مكافحة الفساد والاستعداد لانتخابات الإدارة المحلية على جدول أعمال حكومة النظام خلال شهر تموز 2018، حيث تم إقالة عدد من المدراء العاميين العاملين في هيئات الدولة ومؤسساتها، كما تم عقد مجموعة من الاجتماعات الحكومية وغير الحكومية لمناقشة قضية الفساد وسبل مكافحته، ويمكن تفسير التركيز الحكومي على ملف مكافحة الفساد بعدة أسباب منها:
أما فيما يتعلق بالاستعداد لانتخابات الإدارة المحلية، يجب التنويه بداية بأنه قد تم تمديد فترة ولاية المجالس المحلية القائمة حالياً بمرسوم جمهوري في 2016، وعلى إثر تحسن الوضع الميداني للنظام وفي ظل ما يبدو بأنه تفاهمات سياسية غير معلنة ونصائح من الحلفاء، قرر النظام الدعوة إلى إجراء انتخابات لأعضاء المجالس المحلية في 16 من أيلول القادم، حيث تم تشكيل لجان قضائية لتنظيم العملية الانتخابية، وقد بلغ عدد طلبات الترشح بحسب اللجنة العليا للانتخابات 49096 طلب، يتنافسون على نيل عضوية 18474 مقعد، ينبثق عنهم 1444مجلس، في حين تنافس 42889 مرشح في انتخابات الإدارة المحلية على عضوية 17588 مقعد، شكلوا بمجموعهم عضوية 1337 وحدة إدارية.
بقراءة سياق الانتخابات المحلية، لوحظ انخفاض الإقبال على الترشح للانتخابات في الأيام الثلاثة الأولى من المدة القانونية، وقد فسرت الحكومة ذلك بعدم استكمال الراغبين بالترشح للأوراق والمستندات القانونية المطلوبة، ورغبة منها في تدارك ضعف الإقبال وإقراراً منها بذلك، قامت حكومة النظام عبر ممثليها وبالتعاون مع قيادات حزب البعث والموالين لها محلياً بإجراء لقاءات ميدانية مكثفة لحث الناس على الترشح، كما قامت الحكومة بحملة إعلامية على وسائل الإعلام السورية العامة والخاصة للترويج للانتخابات وأهمية المشاركة فيها، ومما يعزز الاستنتاج بضعف الإقبال على الترشح، تمديد عمل اللجنة القضائية العليا للانتخابات حتى الساعة الثانية عشرة ليلاً من يوم 01-08-2018، ليظهر الفارق بشكل ملحوظ بين 1800 طلب ترشح في الأيام الثلاثة الأولى، وبين ما أعلن عنه من رقم بلغ 49 ألف طلب ترشح بنهاية المهلة القانونية للترشح.
هذا وقد سجلت محافظة اللاذقية أعلى عدد لطلبات الترشح بــ 9400 طلب، في حين سجلت محافظات درعا (1100)، الرقة (1500)، إدلب (1500)، دير الزور (1500) والسويداء (1616) أدناها، ويمكن تفسير انخفاض طلبات الترشح في هذه المحافظات بكونها لا تخضع بكليتها لسيطرة النظام كما في إدلب والرقة ودير الزور، كذلك بتواجد هيئات حوكمية فيها تتبع للمعارضة أو لمجلس سورية الديمقراطي، إضافةً لعدم نجاح شبكات النظام المحلية والحكومية والحزبية في حث السكان على الترشح في هذه المحافظات، كما يمكن اعتبار العامل الأمني والوضع العسكري سبباً مفسراً لانخفاض طلبات الترشح في درعا والسويداء، هذا ويعزز انخفاض عدد طلبات الترشح في محافظتي درعا وإدلب إمكانية اللجوء إلى التزكية في عدد من وحداتهما الإدارية دون الحاجة إلى إجراء انتخابات فيها، بشكل مماثل لما تم في عدد من الدوائر الانتخابية في انتخابات الإدارة المحلية لعام 2011، ومما يلفت الانتباه تقدم 3100 شخص بطلب ترشح في محافظة الحسكة التي تخضع بأجزاء واسعة منها لسيطرة قوات "قسد"، بما يعزز من احتمال تواجد تفاهمات بين النظام ومجلس سورية الديمقراطي بخصوص الانتخابات المحلية، الأمر الذي أفادت به إحدى المواقع الإخبارية المعارضة. ([18])
لا تزال الصورة غير واضحة من حيث خوض حزب البعث وأحزاب الجبهة الوطنية انتخابات الإدارة المحلية في قائمة موحدة أو بشكل منفرد، وذلك بحسب ما أفاد به مصدر في حزب البعث لصحيفة الوطن، ويمكن النظر إلى ما سبق كمؤشر على توجه البعث في المرحلة المقبلةـ، فقد يقرر البعث خوض الانتخابات منفرداً والاستئثار بالجزء الأكبر من أعضاء المجالس المحلية سيما مع هيمنته على مقاعد الفلاحين والعمال، بما يضمن له الهيمنة على المجالس المحلية وقراراتها وتوظيف ذلك للتحكم بمسار عملية إعادة الإعمار، فضلاً عن استخدام ذلك في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وقد يؤدي هذا التوجه إلى تعزيز الانقسامات داخل الجبهة الوطنية بما يفسح المجال أمام سيناريوهات انهيارها أو بقائها بشكلها الصوري أو إنتاج تجربة ائتلافية جديدة. في حين يمكن قراءة تريث البعث بالإعلان عن قراره خوض الانتخابات منفرداً أو بالتحالف مع أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، باستمرار المفاوضات بينه وبين أحزاب الجبهة سيما في ظل ارتفاع مطالب بعضها بزيادة حصتها من عضوية مجالس وحدات الإدارة المحلية، نظراً لما قدمته من دعم للنظام خلال فترة الأزمة سيما الاشتراكيين والقومي الاجتماعي.
على الرغم من حملة الترويج المكثفة التي يقوم بها النظام لانتخابات الإدارة المحلية، إلا أنها تفتقد للشرعية والمصداقية، وتحتوي على مخالفات قانونية صريحة يمكن تلخيصها بالنقاط التالية:
خدمياً، اشتكى المواطنون في عدد من المدن والبلدات والبلديات من سوء الواقع الخدمي، حيث عبر أهالي حي الزهور في دمشق وجرمانا في ريف دمشق عن شكواهم من انتشار القمامة، كما انتقد أهالي قرية بسطوير في ريف جبلة من واقع الخدمات في قريتهم، كذلك اشتكى عدد من سكان مدن وبلدات ريف دمشق وقاطني الريف الشمالي الشرقي في السويداء من نقص مياه الشرب، ويمكن تفسير سوء الواقع الخدمي بمشاكل تتصل بالفساد في مجالس الإدارة المحلية وافتقادها للصلاحيات والتمويل، حيث اشتكى مجلس مدينة اللاذقية من نقص التمويل للازم لمكافحة القوارض والحشرات.
هذا وقد برزت مؤشرات على تفاهمات خدمية بين حكومة النظام ومجلس سورية الديمقراطية، ظهرت بشكل واضح في ملفات القمح والنفط والانتخابات المحلية، ويتوقع لهذه التفاهمات الخدمية أن تتوسع في المرحلة المقبلة سيما في ظل حاجة كل طرف إلى الآخر، إضافة إلى ما يبدو بأنه عدم ممانعة الجانب الأمريكي لهذه التفاهمات.
اقتصادياً، تؤشر بيانات التحويلات المالية الواردة إلى سورية بشكل واضح خلال السنوات القليلة الماضية عن مدى أهميتها في دعم النظام السوري اقتصادياً، حيث أسهم تدفق القطع الأجنبي من خلال هذه الحوالات في تأمين الحد الأدنى اللازم لاستمرار النشاط الاقتصادي، ومع ذلك يتوقع تراجع هذه التحويلات في المستقبل لعوامل مرتبطة بإقامة السوريين في دول الخليج، وغيرها من العوامل المرتبطة بوجود توجه دولي لإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، وهو ما من شأنه أن يخلق ضغوط اقتصادية على حكومة النظام التي تسعى بشكل حثيث إلى إعادة تدوير عجلة الاقتصاد وتنشيط القطاعات الإنتاجية من خلال الترويج للفرص الاستثمارية، كذلك سعيها إلى تنشيط العلاقات الاقتصادية مع دول الجوار (لبنان، العراق، الأردن) والانفتاح على الدول الأوربية عبر رجال الأعمال، ورغم كل ما بذلته حكومة النظام من جهود في هذا الصدد، فإن قدرتها على تنشيط الحياة الاقتصادية تبقى محدودة لارتباطها بمجموعة من العوامل المتمثلة بــ:
([1]) فادي بك الشريف، بعد صدور قانون التنمية الإدارية.. سفاف لـ«الوطن»: آليات جديدة للعمل ورصد رأي المواطن بجميع الوسائل، جريدة الوطن، تاريخ 24-07-2018، رابط إلكتروني http://alwatan.sy/archives/159807
([2]) هناء غانم، مجلس الشعب يقرّ تعديل قانون خزانة تقاعد المهندسين، جريدة تشرين، تاريخ 04-07-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2Mc5dlk
([3]) هناء غانم، بانتظار القانون .. منح مجلس الدولة صلاحية تصديق عقود تزيد على 150 مليوناً، تاريخ 12-07-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2n5JRv5
([4]) هناء غانم، دياب لـ«الوطن»: يقدم حوافز مدروسة ويوجه الاستثمارات نحو الأولويات … مشروع قانون الاستثمار الجديد على موقع التشاركية لنهاية تموز، جريدة الوطن، تاريخ 03-07-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2OBmWE8
([5]) هناء غانم، «الوطن» تنشر النسخة الأخيرة لمشروع قانون الجمارك الجديد … الجمارك من مديرية إلى هيئة عامة، تاريخ 02-07-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2ODRCoA
([6]) تجدر الإشارة إلى أنه في انتخابات الإدارة المحلية عام 2011، تنافس 42889 مرشح على 17588 مقعد، يشغلون عضوية 1337 وحدة إدارية.
([7]) رئيس اللجنة القضائية العليا: أكثر من 49 ألفا إجمالي عدد طلبات الترشيح لمجالس الإدارة المحلية. وكالة سانا، تاريخ 02-08-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2Kki3ME
([8]) «الإدارة المحلية والبيئة» تستعد لانتخابات المجالس المحلية، جريدة تشرين، تاريخ 05-07-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2AEQoGE
([9]) بلغ عدد الدوائر الانتخابية الخاصة بانتخاب مجالس المحافظات 85 دائرة انتخابية توزعت وفق الشكل التالي: تم تقسيم دمشق وريفها إلى 16 دائرة خمس في المدينة و11 في ريفها، تقسيم حلب إلى 15 دائرة أربع في المدينة و11 في ريفها، تقسيم حمص إلى 7 دوائر انتخابية واللاذقية 5 وطرطوس 7 ودير الزور 3 والحسكة 6 ودرعا 6 والسويداء 3، القنيطرة دائرة واحدة. بينما تعتبر كل محافظة دائرة انتخابية ما عدا محافظة حلب التي تقسم إلى دائرتين دائرة مدينة حلب ودائرة مناطق محافظة حلب، وذلك لانتخاب مجلس الشعب، بينما تعتبر أراضي الجمهورية العربية السورية دائرة انتخابية واحدة لغرض انتخاب رئيس الجمهورية والاستفتاء بحسب قانون الانتخابات العامة رقم 5 لعام 2014.
([10]) اقتصر الدعم المقدم من وزارة الإدارة المحلية في شهر تموز 2018 على تقديم إعانات مالية دون مساهمات مالية، حيث اقتصرت على مجلس مدينة الحسكة وكذلك على مجلس بلدة جنينة رسلان في محافظة طرطوس، وذلك بحسب البيانات الواردة على موقع وزارة الإدارة المحلية والبيئة.
([11]) تمديد العمل بقرار تشكيل لجنة إعادة الإعمار، موقع وزارة الإدارة المحلية والبيئة، تاريخ 04-07-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2vuqGik، يذكر بأن لجنة إعادة الإعمار قد أحدثت بقرار مجلس وزراء بتاريخ 2012 برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الخدمات – وزير الإدارة المحلية.
([12]) مستوردات العام من إيران بلا رسوم وضرائب لمدة ستة أشهر … الحكومة تعتمد مقترحات جهاز الرقابة المالية لتطوير شفافية المؤسسات، جريدة الوطن، تاريخ 23-07-2018، رابط إلكتروني http://alwatan.sy/archives/159654
([13]) مذكرة تفاهم للتعاون السوري الإيراني بمجال التعليم العالي والبحث الطبي، جريدة تشرين، تاريخ 03-07-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2MfjptO
([14]) فادي بك الشريف، مدير «الحجازي» لـ «الوطن»: شركة إيرانية تقدم عرضاً لتنفيذ قطار الضواحي … 13 ألف زوج لوحات سيارات مصنعة خلال نصف عام، جريدة الوطن، تاريخ 16-07-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2vbCPJG
([15]) عبير سمير محمود، تبعية أسواق الهال لمجالس المدن أكبر خطأ … الغربي لـ«الوطن»: تجار سوق الهال مافيات حقيقية، جريدة الوطن، تاريخ 26-07-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2LXuRNF
([16]) علي محمود سليمان، «مقايضة» بين الخضر السورية والقمح الروسي … الفلاحون باعوا «الحبوب» 245 ألف طن قمح بـ40 مليار ليرة، جريدة الوطن، تاريخ 18-07-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2O9eXNI
([17]) عماد نصيرات، تعاون مستقبلي مشترك بين محافظتي ريف دمشق وريف موسكو، جريدة تشرين، تاريخ 18-07-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2Kqt3Ih
([18]) لقاء اللواء جايز موسى مع سيبان حمو، موقع فرات بوست، تاريخ 28-07-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2KnWeM6
على طريق إنتاج الدولة البديلة، وفي سبيل إعادة تمثيل المجتمع المدني في عملية صنع القرار الوطني السياسي والإداري التنفيذي للمعارضة السورية، يجدر بنا إعادة النظر في المشكلات البنيوية والوظيفية التي تفرز العطالة الحاصلة في بناء شرعية سياسية وقانونية منافسة ومهددة لسلطة الأسد، وفي حين أن عملية صنع القرار الإداري والتنفيذي لا تزال تشهد تفاعلاً متنامياً ضمن أطر الفواعل المحلية (على مستوى الخطط والمشاريع والتنسيق البيني من خلال المجلس الأعلى للإدارة المحلية، أو على مستوى التوجية والقوننة والمأسسة من خلال وزارة الإدارة المحلية في الحكومة السورية المؤقتة)، وبإشراف ومراقبة مجتمعية يتولى مهامها منظمات المجتمع المدني وقواه الفاعلة من الأدنى إلى الأعلى، فإن الفعل السياسي المعبر عن تطلعات وآمال قطاعات كبرى من السوريين لايزال محكوماً بدرجة كبيرة من التشظي وغياب الرؤية وعدم الانسجام والفردية، و يمكننا الحديث عن ثلاثة أنماط من الفعل السياسي التي يمكن للقوى المدنية في مرحلة ما قبل الحياة الحزبية أن تضطلع بها من الأدنى إلى الأعلى ، فنتكلم عن "الدفع السياسي" و"الفعل والممارسة السياسية" و"الهوية السياسية".
نتجنب في هذا المقال التناول المباشر للظروف الموضوعية الدولية والإقليمية الطارئة على الحالة السورية ونسهب أكثر ببعض أوجه القصور في تمثيل الجزء الأكبر من المجتمع السوري الذي يقارع سلطة الأسد منذ أكثر من 7 سنوات، حيث تكمن إمكانية تجاوز هذا الخلل في مدى القدرة على تمثيل هذا المجتمع ضمن بنى تمثيلية إضافة إلى قوة منظمات المجتمع المدني وارتباطها الفعلي بمصالح المجتمعات المحلية نفسها لا بتوجهات الدول ورغبات المانحين، حيث تعكس العلاقة المضبوطة والممأسسة والمحوكمة (القدرة على الرقابة والإشراف المتبادل والشفافية والمساءلة والمشاركة والتشاركية) بين المجتمع المدني ومنظمات المجتمع المدني والمجالس المحلية مدى قدرة المجتمعات المحلية على التعبير عن تطلعاتها والدفع بمطالبها إلى سدة لائحة المطالب الضاغطة على الفاعل الوطني والدولي.
في المستويات الإدارية الدنيا ضمن الوحدات الإدارية الصغرى يصبح تمثيل السكان المحليين أكثر معقولية وفعالية، فيما يكتفى في المستويات الأعلى كمجالس المدن والمحافظات بتعيين ممثلين عن الوحدات الصغرى يحكم تعيينهم مجموعة من الشروط المتعلقة بالكفاءة والمقدرة والنزاهة، حيث يقتصر الانتخاب في هذه المستويات أو التوافق على عملية اختيار رئيس المجلس ونائبه ، أما من حيث الوظيفة السياسية فتتعاكس الأدوار السياسية أو أنماط الفعل السياسي كما أسميناها آنفاً من الأدنى إلى الأعلى فيتم التركيز على الدفع السياسي في المستويات الدنيا وتضطلع بهذا الفعل منظمات المجتمع المدني والمجالس المحلية والهيئات الثورية المحلية والتي تمثل بمجموعها هوية المحلة السياسية العامة بغض النظر عن التوجهات السياسية الجزئية الناشئة ضمن المحلة نفسها إذا ما تناولنا حالة الاستقطاب المتولدة بين مجتمعات معارضة للأسد وأخرى موالية له وثالثة ذات رؤى إثنية أو طائفية.
أما مستويات المحافظات فتستمد هويتها السياسية من هوية الوحدات الإدارية التابعة لها سواء كانت مهجرة أو قائمة ضمن حدودها الإدارية الأمر الذي يدفع بأهمية تمثيل أكثر من 7 مليون نازح داخل الأراضي السورية، حتى لا يضيع صوتهم السياسي ولا يحتكر نظام الأسد تمثيلهم وصبغ مناطقهم بهويته السياسية وخاصة حين يتم طرح شكل الحل السياسي من خلال شراكات محلية من الأدنى إلى الأعلى، وضمن هذا التفصيل تزداد أهمية تحول مجالس المحافظات من حالة الدفع السياسي وتمثيل الهوية السياسية إلى حالة المشاركة الفعلية في صنع القرار السياسي.
يمكن التمييز هنا بين سياقين أساسيين: سياق المحافظات الخاضعة للسيطرة السياسية للنظام بأجزاء كبيرة منها (دمشق – حماه) أو كلياً (السويداء –طرطوس)؛ وسياق المحافظات الخارجة عن سيطرته كلياً (إدلب) أو بأجزاء كبيرة منها (درعا)،يزداد في السياق الأول دور مجالس المحافظات السياسي ومدى قدرتها على التعبير عن هوية المحافظة السياسية من خلال تمثيل الوحدات المحلية الأدنى الخاضعة للنظام (على مستوى الطبقة المناوئة للنظام )والخارجة عن سيطرته تمثيلاً يشمل هذه الوحدات جميعاً، في حين يتراجع دور هذه المحافظات في الإشراف على قطاع الخدمات والإدارة ويقتصر على عمليات المأسسة التحضيرية (للمرحلة القادمة) والإشراف على التوثيق المؤسسي والحقوقي ورعاية شؤون المهجرين والناشطين في المناطق الخاضعة لسلطة النظام السياسية قدر المستطاع وإدارة عمليات الإغاثة، فيما لا يقتصر الفعل السياسي في السياق الثاني على دور مجالس المحافظات بل تلعب الفصائل العسكرية بمجموعها دوراً أساسياً في صناعة الفعل السياسي وعليه يجدر الاهتمام في هذا السياق بتشكيل مجالس لقيادة المحافظات تضم مجالس المحافظات والفصائل العسكرية القائمة بها على أساس أن الفعل العسكري في الحالة السورية بشكل عام ينطلق من حالة محلية أو من حالة فصائلية عابرة للحدود الإدارية يقابلها في بنية النظام حالة محلية أيضاً وحالة الجيش الرسمي، وتأخذ مجالس المحافظات في هذا السياق دورها بشكل كامل في تمثيل كامل سكان المحافظة المدنيين (السكان الغير المسجلين في ذاتيات الفصائل العسكرية)،وفي إدارة الخدمة وتوفيرها وفي الإشراف على الشرطة المحلية، في حين تشارك في مجلس القيادة على مستوى المحافظة في تمثيل القرار السياسي لهذه المحافظة إضافة إلى القوى العسكرية والشخصيات الوطنية الأخرى في المحافظة.
لقد تمكن الفاعلون الدوليون والإقليميون الرئيسيون من تطويع المسارات السياسية المعقدة، من خلال فتح خطوط التفاوض مع المستويات المحلية الدنيا (فصائل محلية بشكل أساسي)، في محاولة لتفكيك الكمون السياسي للكتلة الاجتماعية الممناعة لشكل الحل السياسي المطروح وبالشكل الذي يمنح هذا الحل مشروعية وديمومة، خاصة فيما يتعلق بالمسائل العالقة ( مسألة بقاء الأسد – تطبيق العدالة الانتقالية – اللامركزية ...إلخ) مما يعني تفريغ الفعل السياسي المعارض على المستوى الوطني العام من مضمونه ومحتواه وتبديد مصادر قوته وذلك ببناء الحل النهائي على مجموعة من الحلول الجزئية بعدد البلديات الصغرى التي يمكن أن تتواصل معها قاعدة حميميم أو مناطق خفض التصعيد التي ترسمها الأستانة.
في الحلول يمكن الحديث عن الحد من ظاهرة الهشاشة البنيوية التي تعتري هيكلة العلاقة بين مجالس المحافظات والمجالس المحلية الفرعية، وذلك من خلال إعادة النظر في تمثيل هذه الأخيرة بصورة حقيقية وشاملة في مستويات مجالس المحافظات كما يجب تفعيل الدور الرقابي الإلزامي لمجالس المحافظات في الرقابة على عمليات الانتخابات المحلية والحد من تشكيل مجالس محلية بأسلوب التعيين بدعوى وجود توافق هو في حقيقته غير واقعي في كثير من الأحيان وإنما مبني على التسلط الاجتماعي للمرجعيات والوجاهات العائلية والقيادات المجتمعية، إضافة إلى ضبط الدورات الانتخابية من قبل المحافظة للمجالس الفرعية ومن قبل وزارة الإدارة المحلية لمجالس المحافظات، يضاف إلى ذلك أهمية التشديد على مدنية المشاركين في هذه المؤسسات ، وقدرة مجالس المحافظات على ضبط عمل منظمات المجتمع المدني ضمن محددات وطنية، ووجود بيئة قانونية ناظمة للعمل المدني بجناحيه الرئيسيين (المجالس المحلية – منظمات المجتمع المدني) وعلى مستوى القرار السياسي المحلي ينبغي انتزاع ملف المفاوضات المحلية من يد الفصائل المحلية والمجالس المحلية وإحالته إلى مجالس المحافظات أو مجالس قيادة المحافظات إن وجدت ، بهدف قطع الطريق على التفاوض المحلي وحصره بالمستويات السياسية العليا.
بقي أن نقول إن هذه الرؤية تمثل نقلة من حالة الصيغة المناطقية المحلية المفرطة التي تميز حالة القرار والفعل السياسي والإداري للغالبية المناهضة للأسد، إلى حالة أكثر تفاعلاً واتساقاً ومأسسة على المستوى السياسي (إطار سياسي وطني تمثيلي ) والتنفيذي (حكومة كفاءات )، والتي تنزاح فيها الممارسة السياسية لمجالس المحافظات ومنظمات المجتمع المدني والهيئات الثورية لصالح الدفع السياسي وتتفرغ الفصائل المحلية لضمان الأمن المحلي، الأمر الذي يتاح المجال للتباحث الوطني في صيغ التفاعل والضبط السياسي الجديد والذي ينبغي له أن يصاغ بمحددات وطنية واضحة يذوب فيه الفكر الفصائلي لصالح الأطر الوطنية.