التقارير

تمهيد

عانت منطقة إدلب من انقطاع الكهرباء القادمة من سد زيزون في حماة بعد خروجها عن سيطرة النظام في عام 2015، ما دفع السكان للاعتماد على مولّدات الديزل (الأمبيرات) رغم التكلفة العالية والتلوث البيئي. ونتيجة لذلك، بدأ البحث عن خيارات بديلة مثل الطاقة الشمسية، التي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في استخدامها بعد عام 2018.

بعد عام 2020، قامت شركة "GREEN ENERGY" باستجرار الكهرباء من تركيا وربطها بالشبكة العامة بأسعار مرتفعة نسبياً للاستهلاك المنزلي والتجاري والصناعي([1]). ومع تزايد اعتماد السكان على الطاقة الشمسية في المنازل ومشاريع الزراعة وتشغيل محطات مياه الشرب والآبار والمعامل، فتحت الشركة باب الاستثمار في مزارع شمسية تستهدف إنتاج الطاقة وبيعها للشركة مقابل مردود مادي محدد، ممّا شكّل فرصة ومساحة لجذب الاستثمار وتشغيل الأموال في هذا النموذج المحلي بغرض التربح، ضمن شروط يتم التعاقد عليها مع الشركة.

ساهم الاستجرار العكسي للكهرباء من المزارع الشمسية إلى الشبكة العامة في تحقيق الاكتفاء الذاتي لإدلب خلال أوقات الذروة من الساعة 9 صباحاً وحتى الساعة 3 عصراً، ليساهم في تخفيض تكاليف استهلاك الكهرباء للصناعيين والتجار والمنازل، مقابل تقليل حجم الكهرباء المستجرّة من تركيا. كما فتح المجال لإمكانية تصدير الفائض إلى مناطق أخرى عند توفر الظروف الملائمة.

يسعى هذا التقرير إلى تناول تجربة إدلب في مزارع الطاقة الشمسية من عدة جوانب؛ دور الطاقة الشمسية في توفير مصدر مستدام للطاقة الكهربائية في شمال غرب سورية، وتقليل الاعتماد على الكهرباء المستجرة من تركيا أو المولدة عبر مولدات الديزل، وتقليص الاعتماد على الطاقة غير النظيفة الملوّثة للبيئة. كذلك، يستعرض التقرير مساهمة الطاقة الشمسية في خفض أسعار الكهرباء، وتحسين الظروف المعيشية. بالإضافة إلى ذلك، يسلّط التقرير الضوء على إمكانية تعزيز البنية القانونية للاستثمار في المنطقة من خلال التعامل مع مئات المورّدين والمستثمرين، وضبط النزاعات المتعلقة بالشركات المستثمرة وتصفيتها ونقل ملكياتها، وكيفية تعزيز هذه المشاريع للاقتصاد المحلي في المنطقة.

نموذج استخدام الطاقة الشمسية في إدلب

تزايدت مشاريع الطاقة البديلة، وخاصة الشمسية، بشكل واسع في إدلب بعد العام 2020 بفضل مجموعة من العوامل التي حفّزت المستثمرين للانخراط في هذا القطاع. ومن بين هذه العوامل؛ استجرار الكهرباء من تركيا بوساطة شركة "GREEN ENERGY" التي مُنحت امتيازاً احتكارياً لتكون المزوّد الوحيد لخدمة الكهرباء العامة في إدلب، حيث يتطلب تطبيق الاستجرار العكسي من المزارع الشمسية توفر تيار كهربائي عام، وضمنت الشركة شراء الطاقة المولّدة من المزارع.

وساهم انخفاض العمليات العسكرية في إدلب من جهة، وهيمنة "هيئة تحرير الشام" على حوكمة المنطقة أمنياً واقتصادياً من جهة أخرى، في توفير حالة من الاستقرار النسبي وبيئة مشجعة تقوم على منظومة قانونية وقضائية ضامنة لحقوق رأس المال والمستثمرين، ومن بين العوامل أيضاً القدرة على استيراد المستلزمات الأولية للمشروع من ألواح ومحوّلات وكابلات عبر معبر باب الهوى.

كل تلك العوامل، إضافة إلى سرعة استرداد رأس مال المشروع، حفّزت المئات من أصحاب رؤوس الأموال للدخول والاستثمار في هذا القطاع. حيث تدرّ هذه المشاريع أرباحاً تصل لما بين 35 - 40% سنوياً، فيمكن لمشروع يكلّف 100 ألف دولار وبتشغيل كامل خلال السنة أن يدر دخلاً يصل إلى حوالي 25,000 دولار سنوياً (25% سنوياً) بعد خصم تكاليف التشغيل والأعطال والاهتلاك، أي استرداد رأس المال بعد حوالي 4 سنوات من إطلاق المشروع([2]).

في البداية، حددت الشركة الحد الأدنى للطاقة الإنتاجية لمنح الترخيص بنحو 50 كيلوواط يومياً، ولاحقاً رفعت الحد إلى 500 كيلوواط. وبعد ربط كافة مناطق إدلب بهذه المنظومة وتوزيع إنتاجها على كامل المحافظة، تم تحقيق الاكتفاء الذاتي في أوقات الذروة من الساعة 9 صباحاً وحتى الساعة 3 عصراً، حيث توقف استجرار الكهرباء من تركيا خلال هذه الفترة. وعلى إثر الإقبال الكثيف للاستثمار بهذه المشاريع، أوقفت الشركة تقديم تراخيص جديدة بسبب حالة التشبّع، نتيجة محدودية الاستهلاك في المنطقة، وعدم إمكانية البيع خارج إدلب، سواء لمناطق النظام أو تركيا أو مناطق ريف حلب([3]).

يحتاج الاستثمار في المزارع الشمسية إلى عدة عناصر رئيسية([4])، من بينها:

  • توفر مساحة كافية ومناسبة من الأرض: إذ يحتاج كل لوح شمسي إلى ثلاثة أمتار مربعة. يبلغ ثمن استئجار مساحة 10 دونمات حوالي 1,500 دولار سنوياً لمدة 3 سنوات أو 7 سنوات حسب مدة عقد الاستثمار. وقد ضمنت الشركة بأن تلتزم بموجب عقود الاستثمار باستجرار الكهرباء من هذه المشاريع لمدة 3 سنوات للمشاريع التي تقل طاقتها الإنتاجيّة عن 500 كيلو واط ساعي، و7 سنوات لتلك التي تزيد طاقتها الإنتاجية عن 500 كيلو واط ساعي، ونتيجة انخفاض سعر الكهرباء بعد تنفيذ هذه المشاريع، رفعت شركة الكهرباء مدة العقود سنتين إضافيتين، لتصبح مدة الـ 3 سنوات 5، والـ 5 سنوات 7.
  • ألواح طاقة شمسية: يحتاج المشروع إلى عددٍ كبيرٍ من ألواح الطاقة الشمسيّة. فمثلاً، المنظومة المؤلّفة من 1,000 لوح، يبلغ سعر اللوح الجديد 75 دولار بقدرة 550 واط، بينما يبلغ سعر اللوح المستعمل 25 دولار بقدرة 190 واط، ويحتاج إلى 4 إنفرترات بقدرة 110 كيلوواط بكلفة 16,000 دولار. بالإضافة إلى المستلزمات الأخرى مثل الكابلات والقواطع والهياكل المعدنية، التي تقدّر كلفتها بنحو 10,000 دولار.
  • وجود توتر متوسط قريب من المشروع: بهدف ربط الكهرباء المولّدة من الشمس مع الشبكة العامة واختصار تكاليف مد الكابلات وتركيب المحوّلات. وكانت شركة "GREEN ENERGY" قد جهزت منذ بداية عام 2021، 7 محطات لاستقبال خطوط التوتر العالي من الجانب التركي بقدرة 66 كيلو فولت، بالإضافة لتجهيز خطوط التوتر المتوسط.
  • توفر محوّل كهربائي وإنفرتر خاص: يجب توفير محوّل كهربائي ذي قدرة تصل لـ 400 أو 630 كيلوواط ساعي، وإنفرتر خاص لتفعيل تقنية الاستجرار العكسي إلى الشبكة العامة، يحتوي على 3 أقطاب (قطبين موجب وقطب سالب). وقد حددت الشركة للمستثمرين علامات تجارية معينة للإنفرترات وهي: HAUAWEIوGROW WATT وSAN CORCE وSOLIS وCASTERوDEYE. تتراوح تكلفة الإنفرتر بقدرة بين 40 إلى 125 كيلوواط من 2,800 إلى 4,000 دولار.
  • توصيل شبكة المنظومة الشمسية بالشبكة العامة: تتقاضى الشركة أجوراً لتوصيل شبكة المنظومة الشمسية بالشبكة العامة، ويقدر متوسط كلفة توصيل مشروع طاقته الإنتاجية 100 كيلوواط قرابة الـ 5,000 دولار.

ووضعت شركة الكهرباء جملة من الإجراءات والموافقات([5]) الواجب تطبيقها لبدء الاستثمار في مزارع الشمس، كما في الشكل أدناه:

 

الشكل رقم (1): الإجراءات والموافقات لبدء الاستثمار في مزارع الشمس

 

يُشترط على المستثمر الراغب بالحصول على ترخيص لإنتاج الكهرباء من المزارع الشمسية، تقديم طلب إلى الشركة مرفقاً بموقع المشروع، ومخطط من إعداد مهندس كهرباء، وتحديد الطاقة الإنتاجية لمشروعه، ونسخة عن عقد إيجار للأرض أو سند الملكية. تقوم بعدها لجنة من وزارة الزراعة في "حكومة الإنقاذ" بالكشف على الموقع والتأكد من وجود المشروع على أرضٍ غير صالحة للزراعة. وبعد صدور الموافقة، تُجري شركة الكهرباء كشفاً فنياً على موقع المشروع للتحقق من إمكانية وصله بشبكة التوتر المتوسط ومحول الكهرباء، فإذا توفر المحول يتم تحديد سعر الكيلوواط للمستثمر بنسبة 45% من السعر الذي تحدده الشركة للمستهلك، وعند عدم توفر المحول؛ يلتزم المستثمر بشرائه وترفع السعر لنسبة 55%([6]).

 وبعد استيفاء كافة الشروط يتم توقيع عقد بين المستثمر والشركة، ويتضمن العقد بنوداً صارمة لصالح الشركة، ومن بينها ما يلي([7]):

  • التزام المستثمر بعدم التعديل على المشروع، سواءً بزيادة أو إنقاص عدد الألواح أو أي تغيير في خصائص ومميزات المشروع، إلا بموافقة الشركة تحت طائلة المخالفة.
  • ألا يتعطل عمل المشروع لمدة تتجاوز 15 يوماً متواصلة، وأن يتم إبلاغ الشركة عن المشكلة التي تعطّل الإنتاج بسببها.
  • عدم بيع الكهرباء لطرف آخر كالمنازل المجاورة أو أصحاب المشاريع الصناعية والتجارية والزراعية.
  • لا يحق للمستثمر أن ينقص من مستوى إنتاج مشروعه بحجة استهلاكه الذاتي لتخديم مشاريع أو تشغيل معدات عائدة له بالقرب من المشروع، ويستثنى من ذلك ما يحتاجه المشروع ذاته من إضاءة ليلية وكاميرات وتشغيل مضخات المياه لغسل الألواح، وتهدف الشركة إلى تحقيق استقرار نسبي في مستوى الاستجرار.
  • الشركة غير مُلزمة باستجرار كامل الإنتاج إن لم تكن بحاجة إليه.
  • وأخيراً، يسجل موظف من الشركة رقم العداد المخصص لكل مشروع في نهاية كل شهر، ويتم صرف البدل للمستثمر خلال الأسبوع الأول من الشهر التالي، بحيث تُضاف المستحقات في حساب للمستثمر في بنك شام في إدلب.

الآثار الإيجابية لمشاريع الطاقة الشمسية

بلغ إجمالي عدد المشاريع المرخصة خلال الفترة الماضية حوالي 600 مشروعاً تغذّي الشبكة العامة عبر الاستجرار العكسي في منطقة إدلب، 13 منها بطاقة إنتاجية 1 ميغاواط/ساعة، والبقية تتراوح طاقتها الإنتاجية ما بين 50 و500 كيلوواط/ساعة([8]). كان لهذه المشاريع في إدلب، آثاراً إيجابية انعكست على قطاع الطاقة خصوصاً وعلى الاقتصاد المحلي عموماً، يمكن تلخيصها فيما يلي:

  • خفض تكاليف الطاقة: ساهمت مشاريع الطاقة الشمسية في خفض تكلفة الكهرباء للمستهلكين المدنيين والصناعيين والتجار من 21 سنتاً إلى 12 سنتاً للكيلوواط الواحد، ومن المتوقع أن تنخفض التكلفة إلى 10 سنت في المستقبل. إذ من شأن هذا التخفيض تخفيف الأعباء المعيشية على المواطنين، وتحفيز النشاط الصناعي على الإنتاج، وإيقاف العمل بمولدات الديزل. فعلى سبيل المثال، انخفضت تكاليف تشغيل مطحنة القمح التي كانت تعمل بمولدة كهرباء تعمل بالديزل بمقدار 4 دولارات للطن الواحد بعد استخدام الكهرباء المسعّرة بـ 12 سنتاً، إذ انخفضت أجور طحن طن القمح من 24 دولار إلى 20 دولاراً، ممّا زاد نسبة الإنتاج للضعف ([9]).
  • تنشيط الاستيراد: أدت المشاريع إلى تنشيط حركة الاستيراد لمستلزمات الطاقة الشمسية مثل الألواح والمحولات والكابلات، ممّا أنعش السوق المحلي بعد فترة من الركود.
  • تحفيز رؤوس الأموال: أصبحت مشاريع الطاقة الشمسية فرصة للمستثمرين، لما توفره من مردود مستدام، وسط انخفاض الفرص الاستثمارية في التجارة والصناعة. وقد غلب على تمويل تلك المشاريع النموذج التضامني لجمع رأس المال، بالاعتماد على مساهمات مجزّئة بين عدد من الشركاء مقابل نسبة أرباح توزع حسب نسبة المشاركة. وفي هذا السياق يمكن الاستفادة من تجربة هذه المشاريع التضامنية لتكون نموذجاً ملهماً لتمويل مشاريع إستراتيجية للمنطقة ومرهقة للحكومة وكبار المستثمرين.
  • تنشيط الورش الصناعية: أدت إلى تنشيط الورش الصناعية مثل الحدادة والورش الكهربائية، ممّا ساهم في خلق فرص عمل جديدة.
  • التوظيف: تتطلب المشاريع عمالاً ثابتين للإشراف والصيانة الدورية، ممّا يوفّر وظائف دائمة كالحرّاس، وفنيي الكهرباء، وعمال تنظيف للألواح، واختصاصات أخرى. حيث يحتاج المشروع على الأقل لـ 3 حرّاس للمنشأة يحرسونها بالتناوب على مدار الساعة، ويضاف لهم مهمة تنظيف الألواح يومياً بأجر 125 دولاراً لكل حارس، بالإضافة لأعمال صيانة الكابلات والألواح، ويصل متوسط الإنفاق على أعمال الصيانة إلى حوالي 150 دولاراً شهرياً ([10]).

على الرغم من الآثار الإيجابية لمشاريع الطاقة الشمسية المُشار إليها أعلاه، إلا أن تنفيذها واستمراريتها يواجهان العديد من التحديات التي لا بدّ من الوقوف عليها ومعالجتها لضمان نجاح واستدامة هذه المشاريع. ومن بين هذه التحديات:

  • الإطار القانوني والتنظيمي: تواجه هذه المشاريع صعوبات في الحصول على التراخيص والموافقات اللازمة، فضلاً عن الشروط التعسفية المفروضة من شركة الكهرباء؛ مثل عدم التزامها باستجرار الطاقة إلا عند الحاجة، ومنع بيع الكهرباء لأي جهة أخرى.
  • الاضطرابات الأمنية المتكررة: تواجه إدلب اضطرابات أمنية متكررة ما يجعلها منطقة مهددة بانهيار اتفاقات وقف إطلاق النار وعودة الهجمات من قبل النظام وحلفائه في أي لحظة. والأشد خطورة هو احتمالية أن تصبح منظومات الطاقة الشمسية أهدافاً مباشرة للقصف من قبل النظام، ما يُلحق خسائر كبيرة للمستثمرين ويؤثّر على التجربة برمتها.
  • عدم الاستفادة من الطاقة الإنتاجية الكاملة للمشاريع: تفتقر هذه المزارع إلى القدرة على تخزين الكهرباء بسبب عدم توفر البطاريات المتطورة في المنطقة، ممّا يؤثر سلباً على القدرة والكفاءة الإنتاجية للمشاريع. وتشهد المنشآت الصناعية فترات توقف موسمية خلال الأعياد وشهر رمضان وأوقات أخرى من العام، بالإضافة إلى ذلك، تؤدي حالة الركود وعدم الاستقرار الاقتصادي إلى تقليص ساعات العمل في تلك المنشآت، ممّا يزيد من الأثر السلبي على إنتاجية المزارع بسبب نقص الطلب على الكهرباء.
  • ضعف التنافسية: يواجه تصدير الفائض من الكهرباء إلى عفرين ومنطقة عمليات "درع الفرات" صعوبات كبيرة بسبب فارق السعر أولاً؛ فسعر الكهرباء للاستهلاك المنزلي في إدلب يبلغ 12 سنتاً، بينما يبلغ في عفرين واعزاز 8.5 سنتاً، ممّا يجعل عملية التصدير غير مجدية اقتصادياً. وثانياً؛ عدم قدرة شركة “GREEN ENERGY” للعمل في ريف حلب بسبب عقود الاحتكار الموقعة بين المجالس المحلية في ريف حلب وشركة "AK ENERGY" والتي تمنع دخول منافسين وتحصر إنتاج الطاقة وتوزيعها بيد الشركة العاملة هناك ([11]).
  • الارتباط بالتيار الكهربائي النظامي: من شأن توقف التيار الكهربائي المستجر من تركيا لأي سبب كان أن يعطّل آلية الاستجرار العكسي من منظومة الطاقة الشمسية، لذا مهما بلغ إنتاج واتساع المزارع الشمسية ستظل مرتبطة بوجود تيار كهربائي في الشبكة العامة.
  • التحديات المالية: قد تواجه المشاريع صعوبات مالية متنوعة مثل تكبد خسائر تشغيلية ناجمة عن ارتفاع تكاليف الصيانة الدورية بسبب الأعطال واستبدال أجزاء محددة، وتقلبات أسعار العملة المحلية وأسعار الكهرباء من قبل الشركة والتي قد تؤثر على الإيرادات، وغياب الحوافز والدعم من قبل "حكومة الإنقاذ"، والتغييرات التي قد تطرأ على السياسات الحكومية المتعلقة بالطاقة المتجددة، بسبب عدم استقرار الأوضاع الاقتصادية والسياسية في المنطقة.

نتائج وتوصيات

ساهمت مشاريع الطاقة الشمسية في تحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي من الكهرباء في إدلب خلال أوقات الذروة النهارية من الساعة 9 صباحاً وحتى الساعة 3 عصراً، ممّا قلل من الاعتماد على الكهرباء المستجرة من تركيا. وأسفرت هذه المشاريع عن تخفيض تكلفة الكهرباء للمستهلكين المدنيين والصناعيين من 21 سنتاً إلى 12 سنتاً، مما أسهم في تخفيف الأعباء المالية وتحفيز النشاط الاقتصادي في المنطقة.

ويُنتظر من شركة الكهرباء في إدلب وضمن إطار تحسين البيئة الاستثمارية عموماً والمزارع الشمسية خصوصاً، أن تخفف من شروطها التعسفية تجاه المستثمرين، وخاصة فيما يتعلق بحصر بيع الكهرباء للشركة فقط، ومراجعة سياسة تسعير الكيلوواط للصناعيين بالشكل الذي يساعد على خفض تكاليف الإنتاج ويدفع نحو مزيد من التنافسية وتعزيز القطاع الصناعي في المنطقة، وخفض سعر الكيلوواط للأهالي مراعاة للظروف الاقتصادية السيئة وانخفاض الدخل، بما يعود بالفائدة على الحركة الاقتصادية في الأسواق المحلية جراء انخفاض حصة فاتورة الكهرباء من المصاريف العامة.

وفي سبيل منع حدوث نزاعات مستقبلية بين الشركاء قد تؤدي إلى تعطل عمل المزارع وانتكاس التجربة، ينبغي على شركة الكهرباء توثيق عقود الشراكة وضمان استيفاء الاستحقاقات من جميع الأطراف المشاركة في تمويل المشاريع.

ويسهم نجاح تجربة المزارع الشمسية في إدلب إلى نقلها نحو ريف حلب بدعم من الحكومة السورية المؤقتة وبالتعاون مع المجالس المحلية، ولتحقيق أعلى استفادة ممكنة من تجربة إدلب، على الحكومة المؤقتة دراسة الجدوى الاقتصادية للاستثمار في المزارع الشمسية في كافة مناطق ريف حلب، من حيث السلبيات والإيجابيات، وفهم العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر على نجاح هذه المشاريع، ووضع الأطر القانونية والتنظيمية وتوفير البنية التحتية واللوجستيات اللازمة لضمان نجاحها، واعتماد سياسات واضحة لتسعير الكهرباء.

ومن المفيد أيضاً، فتح مجال الاستثمار في كافة مصادر الطاقة، مثل تدوير النفايات العضوية من مخلفات الحيوانات والنباتات وتحويلها إلى وقود وغاز حيوي، ومزارع الرياح لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح في المواقع المناسبة.

بقي الإشارة في النهاية، إلى ضرورة توسعة النموذج التضامني المعمول به في تمويل مشاريع الطاقة الشمسية، إذ من المهم الاستفادة من نجاح هذا النموذج ليشمل قطاعات أخرى، ممّا يفتح آفاقاً جديدة للاستثمار في المنطقة. وتنظيم ورش وندوات لنشر الثقافة الاستثمارية التضامنية في المنطقة لتعزيز أفكار الاعتماد على الذات، وخفض الاعتمادية على المساعدات الإنسانية.

أخيراً، ستؤدي مشاريع واستثمارات المزارع الشمسية في إدلب وريف حلب نحو دفع عجلة التعافي الاقتصادي في المنطقة ككل، بالشكل الذي يسهم في تحسين جودة حياة السكان، وتوفير فرص عمل، وزيادة الاكتفاء الذاتي، وتعزيز الاقتصاد المحلي.


 

([1]) تصرّح الشركة أنها موجودة منذ العام 2014 تحت مسمى “GE POWER” وأنها اندمجت في العام 2019 مع شركة “GREEN FUTURE” تحت اسم “GREEN ENERGY”، إلا أن الشركة تتبع لـ"حكومة الإنقاذ"، ويتلخص عملها في ثلاثة أنشطة: إنشاء وتنفيذ مشاريع الطاقة الكهربائية، وصيانة البنى التحتية للشبكات والمحطات الكهربائية، واستثمار وتوزيع الطاقة الكهربائية. للمزيد انظر: فائز الدغيم، الكهرباء التركية تصل إدلب على مراحل.. الأسعار والخدمات والتحديات، تلفزيون سوريا، 15/05/2021، رابط مختصر: https://bit.ly/3WdNa4E.

([2])مقابلة هاتفية أجراها مساعد الباحث مروان عبد القادر مع أحد المستثمرين في مشاريع المزارع الشمسية من إدلب، 26/05/2024.

([3]) مقابلة فيزيائية أجراها مساعد الباحث مروان عبد القادر مع أحد المستثمرين في مشاريع المزارع الشمسية من مدينة الدانا، 03/10/2023.

([4])مقابلة هاتفية أجراها مساعد الباحث مروان عبد القادر مع أحد المستثمرين في مشاريع المزارع الشمسية من إدلب، مصدر سابق.

([5]) مقابلة فيزيائية أجراها مساعد الباحث مروان عبد القادر مع أحد المستثمرين في مشاريع المزارع الشمسية في الدانا، مصدر سابق.

([6]) عمر حاج حسين، مشاريع كهرباء استثمارية في إدلب.. هل يكتفي الشمال ذاتياً بالكهرباء؟، تلفزيون سوريا، 26/06/2023، رابط مختصر: https://cuts.top/Hbcl

([7]) مقابلة هاتفية أجراها مساعد الباحث مروان عبد القادر مع أحد المستثمرين في مشاريع المزارع الشمسية في إدلب. مصدر سابق

([8])  المصدر السابق نفسه.

([9]) مقابلة هاتفية أجراها مساعد الباحث مروان عبد القادر مع أحد المستثمرين في مشاريع المزارع الشمسية في إدلب. مصدر سابق.

([10])مقابلة هاتفية أجراها مساعد الباحث مروان عبد القادر مع أحد المستثمرين في مشاريع المزارع الشمسية في الدانا، مصدر سابق.

([11]) للمزيد انظر: مناف قومان، ملف الكهرباء في مناطق المعارضة: التحديات وسبل المعالجة، 8/06/2022، رابط مختصر: https://ourl.io/gC6Ko

التصنيف تقارير خاصة

تمهيد

يعد موضوع التعافي المبكر حديث الساعة بين الأوساط الأممية والجهات المانحة، كذلك بين الأطراف والجهات السورية أفراداً ومؤسسات ومنظمات وهيئات. في هذا السياق، أعلنت الأمم المتحدة من خلال مكتب المنسق الإنساني في دمشق مقاربتها لإحداث صندوق للتعافي المبكر، وما صاحب ذلك من تسريبات وإشاعات بخصوص الصندوق، وآليات عمله وحجم تمويله، كذلك ما أحدثه الإعلان من ردود فعل ونقاشات بين المانحين وما بين السوريين، الأمر الذي يتطلب قراءة أولية لهذا الطرح وما يتضمنه من فرص وما يحتويه من مخاطر، وصولاً إلى تقديم توصيات من شأن العمل بها ترشيد عمل الصندوق، وضمان تحقيق الغايات المنشودة منه.

 التعافي المبكر: مفهوم إشكالي ومقاربة سورية

ما يزال مفهوم التعافي المبكر ما بعد النزاع موضع جدال داخل الدوائر الإنسانية، وما بين المنظمات غير الحكومية والمانحين، نظراً لغياب إطار معياري مرجعي للتعافي ما بعد النزاع، بخلاف ما هو قائم ومعتمد في حالة ما بعد الكوارث، كذلك تباين منظور المعنيين للتعافي المبكر واشتراطاتهم الخاصة، جاعلاً من المفهوم في حالة سيولة تتأثر بالاعتبارات السياسية والإنسانية لكل مرحلة من مراحل الصراع، الأمر الذي يمنح السوريين فرصة لتقديم مقاربتهم الخاصة من وحي واقعهم.

نشر الفريق العامل المعني بالتعافي المبكر التابع للأمم المتحدة أول مذكرة إرشادية حول التعافي المبكر عام 2008، معرفاً إياه بأنه: "عملية متعددة الأبعاد للتعافي تنطلق من الوضع الإنساني، وتستند إلى المبادئ التنموية الساعية للبناء على البرامج الإنسانية وتحفيز فرص التنمية المستدامة، تهدف إلى توليد آليات الاعتماد على الذات، وتحترم الملكية الوطنية وقادرة على الصمود في مرحلة التعافي ما بعد الأزمة، وهي تشمل استعادة كافة الخدمات الأساسية، وسبل العيش والمأوى والحوكمة والأمن وسيادة القانون والأبعاد البيئية والاجتماعية، بما فيها إعادة دمج السكان المهجرين".([1]) أيضاً قدم التجمع الدولي للتعافي المبكر (GCER) تعريفاً آخر مفاده: "ليست مجرد مرحلة على الإطلاق، إنما عملية متعددة الأبعاد، تبدأ في الأيام الأولى للاستجابة الإنسانية، تركز على تعزيز القدرة على الصمود، وإعادة بناء القدرات أو تعزيزها، والمساهمة في حل المشاكل الطويلة الأمد التي ساهمت في حدوث الأزمة بدلاً من تفاقمها، وكذلك مجموعة من البرامج الهادفة لمساعدة الناس على الانتقال من الاعتماد على الإغاثة الإنسانية إلى التنمية".([2]) أما الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) فكان تعريفها وفق الآتي:"مقاربة تعالج احتياجات التعافي التي تنشأ خلال المرحلة الإنسانية لحالات الطوارئ، عندما لا يزال إنقاذ الأرواح حاجة ملحة وسائدة، وتهدف برامج التعافي المبكر المجتمعات المتضررة من الأزمات إلى: بناء مقومات القدرة على الصمود ما بعد الأزمات، المساهمة في الحلول الدائمة المفضية للتنمية بقيادة وطنية أو محلية؛ والجهود المبذولة لإعادة بناء قدرات المجتمع".([3])

يُلحظ من التعريفات السابقة أن التعافي المبكر هو؛ مقاربة متعددة الأبعاد، تبني على الاستجابة الإنسانية، تستهدف استقرار المجتمعات وتعزيز قدرتها على التكيف، إلا أن هنالك خلافاً حول مضمون ونطاق التعافي المبكر، حيث يحاجج كلاً من De vries وSpecker (2009) بأن التعافي المبكر هو فترة من الزمن بين المرحلة الإنسانية أثناء النزاع وبعده مباشرة، ومرحلة التنمية على المديين المتوسط والبعيد، وفي حين يحدد بعض الباحثين والوكالات الإنسانية السنوات الثلاث الأولى لنهاية النزاع  كإطار زمني للتعافي المبكر، فإنه ووفقاً لبرنامج UNDP يمكن للتعافي المبكر أن يبدأ حتى قبل اتفاق أطراف النزاع على تسوية سياسية.([4])

يرتبط التعافي المبكر بالفاعلين المعنيين بالتعافي ومصالحهم، هذا ما يجعل من الانتقال من النزاع إلى السلام مقاربة ليست تقنية وممارسات فنية فحسب، بل باعتبارها عملية سياسية للغاية تتباين فيها المبادئ والأولويات والمفاهيم، وهو ما يمكن تلمسه في السياق السوري، بما يفسر تعدد المقاربات إزاء هذا المفهوم.

يجادل البعض أن عملية التعافي المبكر تبدأ مع انتهاء النزاع، رداً على محاولات النظام السوري إطلاق هذه العملية ما قبل التوصل إلى حل سياسي، وبأن التعافي المبكر يستهدف بناء السلام والدولة، من خلال مزيج من السياسات المختلفة، وتشكل أربعة خيوط رئيسية على الأقل المفاهيم الأساسية للتعافي المبكر وهي؛ 1) أطر المساعدات الإنسانية، 2) النمو الاقتصادي والتنمية، 3) بناء السلام والأمن البشري، 4) نماذج الحكم وبناء الدولة.([5])

بالمقابل أطر مركز السياسات وبحوث العمليات (OPC) التعافي المبكر من خلال مقارنته بمفهوم إعادة الإعمار على أنه: "نشاط يقع بين النهج السائد المتمحور حول المساعدات الإنسانية الأساسية (الغذاء، المأوى، خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة) من جهة وإعادة الإعمار من جهة أخرى، يتم ترتيب أولويـاته تـبعاً للاحتـياجات الإنسانية، حاله في ذلك حال أشكال المساعدات الإنسانية الأخرى، التي يتم تخطيطها وتنفيذها من قبل منظمات الإغاثة، سواء أكانت مركزية تأتمر بأمر هيئة إدارية واحدة كالأمم المتحدة أو منظمات فردية".([6]) في حين تبنت دراسة لمنظمة اليوم التالي التعريف الآتي للتعافي المبكر: "كافــة الجهــود الإنسانية والتنمويـة التـي تبذلهـا الجهـات المحليـة والدوليـة لتحسـين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فـي مختلــف أنحــاء البلاد، إضافــة إلــى الجهــود المبذولــة في تطوير فعالية المؤسسات المنخرطة في تحسين هذه الأوضاع، وعليه فإن أنشطة التعافي المبكر تشمل؛ دعم الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم، مشاريع دعم العمل الخاص وتوفير فرص العمل، مشاريع دعم التماسك الاجتماعي".([7])

لتحرير المفهوم يتوجب بداية تبيان الحدود الفاصلة بين التعافي المبكر وما يرتبط به من مفاهيم أخرى كإعادة الإعمار والاستجابة الإنسانية، والتي يمكن إجمالها في الجدول أدناه.

جدول (1): توضيح مفاهيم الاستجابة الإنسانية والتعافي المبكر وإعادة الإعمار ([8])

 

بناء على ما سبق، يمكن طرح مقاربة أولية للتعافي المبكر على أنه: "مرحلة متأخرة من التدخل الإنساني، تبدأ مع انخفاض مستوى العمليات العسكرية الكبرى، تعتمد أكثر على المجتمعات وهياكل الحوكمة المحلية في إدارة العملية تخطيطاً وتمويلاً وتنفيذاً مع دور خارجي داعم، غايتها الأساسية؛ دعم استقرار المجتمعات المحلية وقدرتها على التكيف، من خلال العمل على مشاريع متكاملة قطاعياً وجغرافياً، يتم قياسها وفق معايير الفعالية، الأثر، المساءلة والمحاسبة".([9])

صندوق التعافي المبكر: مبادرة أممية تقنية بمضمون سياسي

وضع التفاوض السياسي بين فاعلي الأزمة السورية والمخاطر ذات الصلة بالأخيرة، وتبعات الأزمات الإقليمية والدولية، التعافي المبكر على أجندة الأمم المتحدة والمانحين، ليتم الإعلان عن مقاربة أممية لإحداث صندوق للتعافي، طرح ما يزال قيد التبلور.

منذ العام 2013، أدرج التعافي المبكر وسبل العيش كـ cluster في خطة الاستجابة الإنسانية للمساعدات الإنسانية (SHARP)، وما بين ذلك التاريخ حتى عام 2023، بلغ مجموع المبالغ المطلوبة لهذه المشاريع ما قيمته مليار و691 مليون دولار أمريكي، مول منها ما قيمته 420.5 مليون دولار أمريكي أي ما نسبته 24,8% من حجم الاحتياج العام خلال هذه السنوات.

الشكل (1): تمويل مشاريع التعافي المبكر وسبل المعيشة في خطة الاستجابة الإنسانية للمساعدات الإنسانية بين عامي 2013-2023 ([10])

 

كان هنالك قيود من قبل الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية على الانخراط في مشاريع التعافي المبكر، مؤكدين على اللاءات الثلاث وهي؛ لا للتطبيع مع النظام السوري، لا لرفع العقوبات، لا للانخراط في إعادة الإعمار دون انتقال سياسي وفق القرارات الأممية، لعل موقفهم هذا نابع من رغبتهم في مواصلة الضغط على النظام أملاً في دفع العملية السياسية التفاوضية والتوصل لحل سياسي، إلى جانب وجود آليات استجابة إنسانية قائمة، تتمثل بآلية المساعدات عبر الحدود المؤسسة عام 2014 بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2156.

منذ العام 2020، بدأ الحديث عن التعافي المبكر يأخذ منحى جديد بفعل، 1) تراجع العمليات العسكرية الكبرى، 2) تأثير عمليات التفاوض السياسي بين الفاعلين في الأزمة السورية معبراً عنها بمسارات ومبادرات عدة، 3) اعتبارات موضوعية تتعلق بتزايد حجم الاحتياجات الإنسانية في ظل تراجع التمويل المخصص للأزمة السورية. مارست روسيا ضغوطاً لتعديل آلية المساعدات عبر الحدود، بدءاً بالاقتصار على معبرين (باب الهوى وباب السلام/ القرار 2504)، ثم معبر واحد (باب الهوى/ القرار 2533)، مع اشتراطها التركيز على مشاريع التعافي المبكر، وهو ما تحقق لها بقرارات مجلس الأمن: 2585/ تموز 2021، 2642/ تموز 2022، 2672/ كانون الثاني 2023، والتي من خلالها تم تحديد قطاعات التعافي المبكر بــ: المياه والصرف الصحي، الرعاية الصحية، التعليم، المأوى، الكهرباء، بذلك اكتسب التعافي المبكر إطاراً قانونياً، وشرعية أممية.

منذ العام 2021، اكتسبت محاولات التطبيع مع النظام السوري زخماً مع بروز مقاربة "الخطوة-خطوة"، والتي نظرت لها مراكز دراسات غربية،([11]) وتلقفها كل من الأردن والمبعوث الأممي غير بيدرسون، وكان التعافي المبكر أحد نقاطها. شكلت المحددات والأهداف التالية إلى جانب ما سبق، أرضية الطرح الأممي لصندوق التعافي المبكر، وهي؛ 1) البحث عن مخارج لحالة الاستعصاء: سيما مع تعطل اجتماعات اللجنة الدستورية منذ العام 2022، والرغبة في اختبار المدخل الاقتصادي-الإنساني الدفع بالعملية السياسية التفاوضية، 2) إدارة تحديات الأزمة السورية:  سيما مع التحديات التي واجهت الآلية الأممية للمساعدات عبر الحدود، وتراجع حجم التمويل المخصص للاستجابة الإنسانية في وقت تتزايد فيه الاحتياجات الإنسانية (توقعات أممية بأن 16.7 مليون شخص في سورية سيحتاجون للمساعدة في عام 2024)، لعل تراجع التمويل مرتبط بأحد جوانبه بتغير أولويات المانحين تحت ضغط الأزمات الإقليمية والدولية القائمة والناشئة، 3) تراخي الإدارة الأمريكية: تجاه جهود التطبيع العربي مع النظام السوري، والاستثناءات الممنوحة من العقوبات (حزيران 2021، أيار 2022، شباط 2023)، وما سبقها من مرونة مع المطالب الروسية لإدراج التعافي المبكر في قرارات مجلس الأمن، وهو ما أعطى هامشاً للحراك العربي تجاه دمشق تجلى في المبادرة الأردنية، التي أشارت إلى إمكانية تمويل مشاريع التعافي المبكر في حال التزام دمشق بخطوات محددة،([12]) 4) الدبلوماسية الإنسانية لتجاوز العقوبات وتفعيل الدور العربي: تجلى ذلك في زلزال شباط 2023 وما حققته دبلوماسية الكوارث من خلال دور الإمارات كوسيط، في إنجاز اتفاق ثنائي بين الأمم المتحدة والنظام السوري لإدخال المساعدات الأممية من خلال معابر حدودية مع تركيا خارج التفويض الأممي،([13]) كذلك استغلال الإمارات لكارثة الزلزال لتجنب العقوبات المفروضة على النظام وإرسال مساعدات إليه، بالتالي إمكانية البناء على ما سبق لاقتراح آلية آمنة وشرعية تحت مظلة أممية للمانحين العرب لدعم مشاريع التعافي المبكر، بعيداً عن سيف العقوبات الأمريكية والأوربية، وهو ما أشار إليه منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سورية، آدم عبد المولى.([14])  أطرت محادثات مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مع النظام السوري ما بعد زلزال شباط 2023 الطرح الأممي لمبادرة صندوق التعافي المبكر، ليصدر الأمين العام للأمم المتحدة قراراً في حزيران 2023، يقضي بتوجيه فريق الأمم المتحدة في سورية لإعداد برنامج للتعافي المبكر لمدة 5 سنوات، بما في ذلك إعداد خطة واضحة لجلب التمويل له. لعل الحرب على غزة والخشية من تداعياتها على الاستقرار الإقليمي وبالتحديد على سورية، وموقف النظام إزائها، وما يمكن التعويل على الصندوق للتأثير على العلاقة بين النظام وحلفائه سيما إيران، عوامل ساهمت في تعبيد الطريق أمام الطرح الأممي، وتجنيبه أي معارضة أمريكية أو غربية مباشرة.

حددت مسودة المذكرة المفاهيمية للطرح الأممي صندوق التعافي المبكر على أنه؛ آلية إضافية إلى جانب ما هو قائم (Syria Humanitarian Fund (SHF)، Syria Cross-border Humanitarian Fund (SCHF))، لجلب تمويل خارج خطة الاستجابة الإنسانية لمشاريع تعافي مبكر، على مدار خمس سنوات (لغاية 2028) وفق الأولويات التالية التي من شأنها أن تساعد على بناء قدرة المجتمعات المحلية على التكيف؛ الصحة والتغذية، التعليم، خدمات ومرافق المياه والصرف الصحي، سبل العيش، والكهرباء. يتألف الصندوق من؛ لجنة توجيهية ولجنة فنية وأمانة الصندوق ومقرها بيروت مبدئياً، على أن يتولى المنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في سورية، قيادة وتنسيق الإدارة العامة للصندوق بالتشاور مع الجهات المانحة والمنظمات المشاركة. أما بخصوص تمويل الصندوق، حددت الحكومات والمنظمات الحكومية الدولية أو غير الحكومية ومنظمات القطاع الخاص كجهات مساهمة في هذا الصندوق، وتشير عدة مصادر بأن السقف المبدئي للصندوق سيكون بقيمة 500 مليون دولار أمريكي على مدار خمس سنوات، مع الإشارة إلى عدم حماسة الولايات المتحدة الأمريكية والأوربيين لتمويل هذا الصندوق. بالمقابل ما تزال هنالك نقاط كثيرة محط تساؤل، فيما يتعلق بدور البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة والبنك الدولي في إدارة الصندوق، وإمكانية زيادة سقف التمويل المخصص مستقبلاً، وموقف دول الخليج من هذا الصندوق، فضلاً عن دور النظام السوري في هذا الصندوق، وعدالة توزيع مشاريع التعافي المبكر بين مناطق النفوذ.

صندوق التعافي المبكر: مخاطر قائمة وتوصيات أساسية

يحمل صندوق التعافي المبكر فرصاً بقدر ما يحتويه من مخاطر، الأمر الذي يستوجب حوكمة الصندوق بمبادئ توجيهية وأطر معيارية، لضمان مساهمته في تحقيق الاستقرار ودفع العملية السياسية التفاوضية.  أثار الطرح الأممي مخاوف العديد من السوريين منظمات وهيئات، تتقاطع مع تلك القائمة لدى بعض الجهات المانحة، إزاء عمل هذا الصندوق والنتائج المترتبة عليه، في ضوء تجربة الأمم المتحدة في سورية وانخفاض مستوى شفافيتها، وتلاعب النظام السوري بها وتجييرها لخدمة مصالحه، وعليه يمكن إجمال مخاطر وفرص الصندوق وفق الجدول التالي.

جدول (2): فرص ومخاطر صندوق التعافي المبكر ([15])

 

لضمان أن تكون مبادرة صندوق التعافي المبكر، موجهة لمصلحة السوريين عبر تلبية احتياجاتهم وتمكينهم بما يعينهم على الاستقرار والتكيف، والدفع بمسار العملية التفاوضية السياسية لإيجار حل للأزمة السورية وفق المرجعيات الأممية، يتوجب العمل على الآتي:

  1. الأمم المتحدة
  • حوكمة صندوق التعافي المبكر وإدارته بطريقة رشيدة وحيادية، مع إعادة التفكير بمكان حيادي للصندوق، على أن تشمل المشاريع كافة مناطق الجغرافية السورية دونما قيود، إلى جانب ضمان دور المنظمات السورية والاستفادة من قدراتها في هذه العملية؛ مراقبة وتوجيهاً وتنفيذاً؛
  1. المنظمات السورية
  • تعزيز قدرات المنظمات السورية على الاستجابة لمشاريع التعافي المبكر، وتضمين ذلك في تدخلاتها الإنسانية؛
  • ضمان صوت المنظمات السورية في التعافي المبكر من خلال: 1) إطلاق حملات مناصرة في العواصم الرئيسية على كافة المستويات، لضمان عدم احتكار النظام السوري لهذه العملية وتجييرها لمصالحه، 2) عقد ورشات وفعاليات لمناقشة موضوع التعافي المبكر، وصياغة أرضية مشتركة تجاه الموضوع، 3) وضع مؤشر لتصنيف المناطق بحسب احتياجاتها، ومدى جاهزيتها لتضمينها في مشاريع تعافي مبكر، مع تحديث مستمر للمؤشر ومشاركة نتائجه مع الجهات المعنية؛ 4) تكامل أدوار المنظمات السورية فيما يتعلق بملف التعافي المبكر، وعملها على بناء تحالفات عابرة لمناطق النفوذ لضمان التأثير الإيجابي على هذه العملية؛
  1. المانحون
  • عدم منح النظام السوري مكاسب مجانية دون انتزاع تنازلات جوهرية بالمقابل، من شأنها تعزيز الاستقرار والدفع بالعملية السياسية التفاوضية للوصول إلى حل سياسي؛
  • إلزام الأمم المتحدة بالنقاط التالية كمبادئ توجيهية ناظمة لمشاريع التعافي المبكر للصندوق؛ 1) موجهة لدعم استقرار المجتمعات المحلية وقدرتها على التكيف، 2) قادرة على ربط مناطق النفوذ ببعضها وتنشيط سلاسل القيمة على المستوى الوطني، 3) تنفيذ مشاريع التعافي المبكر بطريقة لامركزية تراعي السياق المحلي لكل منطقة، 4) التأكيد على دور الخارج كميسر وداعم للعملية وليس قائداً لها، بما يعزز الملكية المحلية للعملية والتفاعل معها، 5) إلزام الأمم المتحدة بالشفافية وتطوير آليات حوكمة الصندوق، وضمان معايير الآثر والفعالية والمساءلة في المشاريع المنفذة؛
  • التأكيد على أن صندوق التعافي المبكر آلية مهمة لدعم جهود الاستقرار ولكن غير كافية، والحرص على استمرارية آليات الاستجابة الأخرى للأزمة السورية.

 

([1]) UNDP Policy on Early Recovery, United Nations Development Programme, 22 August 2008. https://bit.ly/31aEU66

([2]) Global Cluster for Early Recovery (GCER), United Nations Development Programme, https://shorturl.at/ntMR1

([3]) Strategic Framework for Early Recovery, Risk Reduction, and Resilience (ER4), USAID’S BUREAU FOR HUMANITARIAN ASSISTANCE, October 2022, https://shorturl.at/jqtQ5

([4]) د.سلام سعيد، التعافي الاقتصادي المبكر في سورية: التحديات والأولويات، ضمن كتاب التعافي الاقتصادي في سورية: خارطة الفاعلين وتقييم السياسات الراهنة، مركز عمران للدراسات الإستراتيجية، 25.09.2019. https://shorturl.at/eCDJN

([5])  أسامة القاضي، تصحيح المفاهيم.. الأوشا و"التعافي المبكر"!، تلفزيون سوريا، 26.04.2021. https://shorturl.at/cfg79

([6])  سامي عقيل، كرم الشعار، التـعافي المُبكر وإعادة الإعـمار في سوريا بين الواقِـع والسياسة، 07.02.2022. https://shorturl.at/ABL57

([7])زكي محشي، محمد الصطوف، أثر مشاريع التعافي المبكر وإعادة الإعمارعلى حقوق السكن والأرض والملكية في سورية. 30.01.2024. https://shorturl.at/lrzNS

([8]) ورشة عمل أجراها مركز عمران للدراسات الإستراتيجية بحضور خبراء سوريين. اسطنبول. 16.04.2023

([9]) المصدر السابق.

([10]) Financial Tracking Service – OCHA. Syrian Arab Republic Humanitarian Response Plan. https://shorturl.at/rzPY7

([11]) Like, A Path to Conflict Transformation in Syria. A Framework for a Phased Approach. Carter center. Jan 2021. https://bit.ly/3ZDEe8o, and d Raphael Parens and Yaneer Bar Yam. Step by Step to Peace in Syria. New England Complex Systems Institute. 09 Feb 2016. https://bit.ly/3kjb4v1

([12])إبراهيم حميدي، "المجلة" تنشر "المبادرة الأردنية" لسوريا... ثلاث مراحل تنتهي بخروج إيران و"حزب الله"، المجلة، 25 حزيران 2023، https://shorturl.at/vEFV9

([13])Laila Bassam, Ghaida Ghantous, Maya Gebeily and Tom Perry. Exclusive: Assad approved Syria quake aid with a UAE nudge, sources say. Reuters. 23.02.2023. https://shorturl.at/cmGT5

([14])موفق محمد، يمتد لـ5 سنوات ويتضمن مشاريع بينها الكهرباء ويمول عبر صندوق خاص.. وحماسة للمساهمة من دول خليجية … عبد المولى لـ«الوطن»: سنطلق قبل حلول الصيف برنامجاً للتعافي المبكر، الوطن، 31.03.2024. https://shorturl.at/djFPZ

([15]) ورشة عمل أجراها مركز عمران للدراسات الإستراتيجية بحضور خبراء سوريين. مصدر سابق

التصنيف أوراق بحثية

ملخص تنفيذي

  • هدفت الدراسة إلى التعرف على المحددات الحاكمة لنجاح المشروعات المتناهية الصغر، وتشخيص واقعها في الشمال السوري، والتعرف على نسبة تأثير كل من هذه المحددات في نجاح أو فشل المشروعات المتناهية الصغر. أضف إلى ذلك محاولتها التعرف على الفاعلين الرئيسيين ذوي الصلة بهذه المشروعات وتلمس دورهم وإسهاماتهم في هذا الصدد.
  • تفتقد مناطق الشمال السوري في الجانب الحوكمي لوجود قوانين ناظمة ومتخصصة بالمشروعات المتناهية الصغر، مع وجود تباين عبر المناطق المختلفة في آلية الترخيص لهذه المشروعات، ومستوى التهرب الضريبي. إلى جانب غياب استراتيجية واضحة محددة المعالم لتنمية هذه المشروعات لدى السلطات المحلية، وتدني مستوى الدعم المقدم من قبلها، مع تباين ذلك في المناطق المختلفة تبعاً للإمكانات الفنية والمالية والاستشارية لها. ولوحظ كذلك شيوع ظاهرة الاحتكار والتقليد، وغياب تسجيل العلامات التجارية. وظهور حالات تمييز في تقديم الخدمات العامة لأصحاب هذه المشروعات في بعض المناطق.
  • على الجانب الاقتصادي والمالي، يشكل المناخ الاستثماري العام في هذه المناطق، والذي ما يزال دون المستوى المطلوب، معوقاً في جذب الاستثمارات في مستوياتها المختلفة، مع ارتفاع حجم المخاطرة المرتبطة بهذا النوع من المشروعات، وتمركزها في قطاعي التجارة والخدمات بنسبة كبيرة. إلى جانب وجود جملة من التحديات لنجاح هذه المشروعات، كمحدودية التمويل، والمنافسة الاحتكارية، والاستيراد غير المنضبط، وغياب دعم المنتج المحلي في مرحلتي الإنتاج والتصدير، وارتفاع كلفة المواد الأولية، وانخفاض مستوى توفرها، ووجود وجود ميل واضح من قبل السلطات المحلية بالتوجه نحو الاستثمارات ذات الأحجام المتوسطة والكبيرة على حساب المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر.
  • في الجانب الاجتماعي والأمني، يلاحظ إقبال الأفراد على تأسيس المشروعات المتناهية الصغر نتيجة الإدراك المتزايد لأهميتها من قبل جميع شرائح المجتمع، كمصدر للدخل والتخفيف من معدلات البطالة والفقر، وتحريك عجلة الاقتصاد. وتتباين المجتمعات المحلية في دعمها لهذه المشروعات ووجود تمييز في التعامل معها، وفقاً لاعتبارات خاصة بأصحاب هذه المشروعات، كالجنس، والإثنية، والمناطقية، وغيرها من الخصائص ذات الصلة. وتتفاوت هذه الظاهرة في حدتها واستمراريتها بين منطقة وأخرى تبعاً لعوامل عدة، كالمنافسة، والعادات والتقاليد، وحجم السوق المحلية، ومدى تفاعل المكونات الإثنية داخل المجتمع المحلي. في حين ما يزال الجانب الأمني يمثل تحدياً لأصحاب هذه المشروعات، مع تباين حالة الاستقرار الأمني بين المناطق المختلفة.
  • ثمة مجموعة من المحددات المرتبطة بخصائص المشروعات المتناهية الصغر الحاكمة لنجاحها، إذ ما تزال التحديات الاقتصادية التي يعاني منها الشمال السوري تفرض نفسها على جدوى تأسيس هذه المشروعات، وإقبال الأفراد على تأسيسها، إلى جانب تدني مستوى الخبرة والمهارات الإدارية والفنية، وغيرها من المهارات الأخرى لدى نسبة جيدة من أصحاب هذه المشروعات، ما يشكل تحدياً هاماً لمدى استمراريتها، واعتماد غالبيتها على استخدام مستوى تكنولوجي منخفض إلى حدٍ ما، وهو ما يزيد من التكلفة التشغيلية لها. كذلك تمركز هذه المشروعات على مستوى القطاعات والمناطق لأسباب عدة، مع وجود فجوة بين المشروعات المتناهية الصغر المدعومة من قبل منظمات المجتمع المدني، وتلك المؤسسة عن طريق القطاع الخاص، فيما يخصّ معدلات النجاح والاستمرارية وحجم الدعم المقدم لها.
  • قدمت الدراسة مجموعة من التوصيات والمقترحات التي يمكن أن تسهم في تذليل معوقات نجاح المشروعات المتناهية الصغر، وتسهم في تدعيم المحددات الحاكمة لنجاحها، وفقاً للجهة ذات الصلة بهذا النوع من المشروعات، وبما يتفق والواقع الحالي والمستقبلي لها.

للمزيد: https://bit.ly/3NohaoT 

التصنيف الدراسات

ملخص تنفيذي

  • خلال عام 2022، تم تنفيذ 4706 مشاريع ونشاطات في مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي ومحافظة إدلب، حاز فيها قطاع التمويل على أهمية كبيرة من خلال تنفيذ 2,968 مشروعاً، ومن ثم قطاع التجارة في المرتبة الثانية بـ 352 مشروعاً، وفي المرتبة الثالثة قطاع الزراعة والثروة الحيوانية بـ 277مشروعاً، ثم قطاع الكهرباء في المرتبة الرابعة بـ 254 مشروعاً، ليأتي قطاع المياه والصرف الصحي خامساً بواقع 248 مشروعاً.
  • نُفّذ العدد الأكبر من المشاريع في مدن وبلدات ريف حلب بواقع 57.84% من إجمالي عدد المشاريع التي تم تنفيذها على مدار العام 2022، وحلّت ناحية جرابلس في المرتبة الأولى (572 مشروعاً)، فناحية الباب بالمرتبة الثانية (565 مشروعاً)، ثم ناحية عفرين في المرتبة الثالثة (505 مشاريع).
  • تم تسجيل إجمالي 19,948 فرصة عمل بينها 10,948 فرصة تركز معظمها في القطاع الطبي وقطاع النزوح الداخلي والخدمات العامة، وتتراوح مدة الالتزام بالوظيفة بين شهر أو 6 أشهر أو سنة، و2,968 شخصاً حصلوا على تمويل لإنشاء مشاريع خاصة وخلقوا وظائف لما يقرب من 6 آلاف شخص.
  • ارتفعت حصة قطاع التمويل بين القطاعات المرصودة، ويُعزى ذلك لنشاط المنظمات ‏في تقديم المنح المالية لتمويل المشاريع والأعمال الصغيرة المدرّة للدخل. وقد شكّلت قطاعات النقل والمياه والصرف الصحي قاطرة مهمة في تعافي المنطقة من خلال تعبيد الطرقات وتسهيل حركة المدنيين بين البلدات والمدن فضلاً عن تعزيز ‏الحركة التجارية، وإيصال المياه النظيفة للمنازل وتجنب انتشار الأمراض والأوبئة من خلال تمديد شبكات الصرف الصحي.‏
  • تشير زيادة أعداد المشاريع المنفّذة في قطاع النزوح الداخلي عن مشاريع الإسكان والتعمير والخدمات الاجتماعية إلى اهتمام أكثر ببيئة المخيمات على حساب بذل الجهود والأموال خارح المخيمات، إضافة إلى ضعف قطاع الزراعة والثروة الحيوانية، وغياب واضح لتنفيذ مشاريع في قطاعي ‏الاتصالات والصناعة.‏‏
  • أوصت الورقة بمجموعة من السياسات والتوصيات، نذكر منها توسيع نطاق العمل في قطاع التمويل عبر دعم مشاريع متوسطة وريادية تُساهم في تحريك عجلة الإنتاج وتوليد الدخل وفرص عمل أكثر، وإطلاق حملات مناصرة وتمويل في بلدان المغترب لدعم هذا النوع من المشاريع والأعمال، وتقديم حزم تدريبية للمجالس المحلية لتعزيز مبادئ الحوكمة الرشيدة والتخطيط الإداري والإدارة المالية، ودعم الجوانب القانونية لتعزيز مواقف المجالس خلال عقد الاتفاقيات وتوقيع العقود ومذكرات التفاهم.

لقراءة الورقة كاملة:

 https://bit.ly/44vhwRU 

التصنيف أوراق بحثية

ملخص تنفيذي

  • نُفّذ في مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية" خلال النصف الأول من العام 2022 نحو 358 مشروعاً، استحوذ قطاع المياه والصرف الصحي على النسبة الأكبر للمشاريع المنفّذة (148 مشروع) ثم قطاع النقل والمواصلات 77مشروعاً وقطاع الكهرباء 51 مشروعاً ويليه قطاع الخدمات الاجتماعية 34 مشروعاً وقطاع التجارة 23 مشروعاً وقطاع الزراعة والثروة الحيوانية 18 مشروعاً، توزعت المشاريع وفق الوحدات الإدارية على الشكل التالي: إقليم الجزيرة 118 مشروعاً وإقليم دير الزور 96 مشروعاً وإقليم الرقة 58 مشروعاً وإقليم الطبقة 41 مشروعاً ومن ثم 29 مشروعاً في إقليم الفرات و19 مشروعاً في إقليم منبج.
  • أصدرت "الإدارة" خلال فترة الرصد عدة قرارات وإعلانات منها: منع نقل القمح بين مناطق الإدارة إلا بموجب كتاب رسمي وتحديد سعر شراء القمح بـ2200 ليرة سورية للكيلو الواحد، وتحديد أسعار عدد من المواد الأساسية بينها السماد والسكر والكهرباء، كما حددت لجنة المحروقات كمية مازوت التدفئة للمنزل بواقع 300 لتر شهرياً بقيمة 150 ليرة للتر الواحد، وصدر قرار بصرف 100 ألف ليرة لكل العاملين في المنطقة.
  • تعاني مناطق سيطرة "الإدارة" من عدة أزمات حادة في قطاعات المياه والكهرباء والزراعة والمحروقات أدت لنشوء سوق سوداء واحتكار واستشراء الفساد، وعدم تصميم دفاعات مالية ضد الأزمات المستوردة من مناطق النظام على رأسها التضخم وضعف العملة، مّما يؤكد أن مؤشر التعافي لا يزال هشّاً ويكشف قصوراً واضحاً في هيكلية النموذج الاقتصادي الاجتماعي المتبع وعدم كفاءة المكاتب والمؤسسات المعنية بالملف الاقتصادي إذ لم تسهم في تلافي حدوث أزمات وتحقيق استقرار معيشي للسكان.


منهجية قياس "مؤشر التعافي"

يحاول تقرير التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق "الإدارة الذاتية" شمال شرق سورية رصد نشاطات الفاعلين من بلديات ومنظمات محلية وأجنبية عاملة في المنطقة خلال النصف الأول لعام 2022 بين كانون الثاني وحزيران. وتضم المنطقة أجزاء من محافظات الحسكة والرقّة ودير الزور، وتمتدّ على مساحة أكثر من 50 ألف كيلومتر مربّع، ويبلغ عدد سكانها 3.2 ملايين نسمة، وتم الاعتماد على ميثاق العقد الاجتماعي الصادر عن "الإدارة الذاتية" والذي يقسم المنطقة إلى 7 أقاليم: إقليم الجزيرة، وإقليم دير الزور، وإقليم الرقة، وإقليم الطبقة، وإقليم الفرات، وإقليم منبج، وإقليم عفرين. ويهدف التقرير جنباً إلى جنب مع تقاير التعافي الأخرى في مناطق المعارضة شمال غرب سورية وتقرير التعافي في مناطق النظام لتشخيص وفهم ما يلي:

  1. حركية النشاطات والأعمال المنجزة في المنطقة المحددة وتشخيص تطور الاقتصادات المحلية، ومقارنة المناطق والقطاعات مع بعضها البعض؛
  2. مدى قدرة الكيانات الحوكمية والفواعل على إيجاد بيئة آمنة للعمل والاستثمار تؤدي إلى خلق فرص عمل والقيام بأعمال ونشاطات متنوعة وتحريك الطلب المحلي؛
  3. رصد التشريعات والقرارات وأثرها على الاقتصاد المحلي.

وتتأتى أهمية هذا التقرير من محاولته رصد وتحليل واقع المشاريع الاقتصادية والتنموية المنفّذة في القطاعات الاقتصادية، مما يشكل دافعاً وإسهاماً لصنّاع القرار والفواعل لتوجيه الدعم وسد الثغرات.

ركّز التقرير خلال عملية الرصد على المدن والبلدات الرئيسية المبينة في الجدول رقم (1) التي شهدت نشاطاً اقتصادياً ملحوظاً، وتم الاعتماد على التقسيم الإداري لـ"الإدارة الذاتية" والتي غيّرت وحدّثت بعض التقسيمات الإدارية للبلدات والمدن، ووفقاً للتصنيف الصناعي المعياري الدولي، كما تم الاعتماد على المعرّفات الرسمية للبلديات والمنظّمات العاملة على "فيس بوك" و"تليغرام" وتسجيل نشاطاتها وتقاريرها الدورية وفق معادلة رصد مضبوطة كما هو موضّح في الجدول رقم (2) تؤمّن القدرة على تحليل البيانات وفق مستويين؛ قطاعي وجغرافي.

يوضّح الجدول أدناه خارطة الفواعل التي يرصد التقرير أنشطتها التنموية والخدمية:

 

 كما يظهر الجدول أدناه القطاعات ونوعية النشاطات/ القرارات المرصودة:

 

واقع التعافي: غياب الاستراتيجية والإرادة

بلغ العدد الإجمالي للمشاريع المنفّذة في مناطق "الإدارة" 358 مشروعاً، ويُوضّح الشكل رقم (1) والشكل رقم (3) عدد ونسب المشاريع، حيث حاز قطاع المياه والصرف الصحي على النسبة الأكبر من المشاريع المنفّذة 148مشروعاً بنسبة 40%، ومن ثم قطاع النقل والمواصلات 77 مشروعاً بنسبة 21% وقطاع الكهرباء 51 مشروعاً بنسبة 14% وقطاع الخدمات الاجتماعية في المرتبة الرابعة بواقع 34 مشروعاً بنسبة 9%.

وفيما يتعلق بتوزع المشاريع على المناطق المرصودة يوضّح الشكل رقم (2) تنفيذ النسبة الأكبر من المشاريع في إقليم الجزيرة 118مشروعاً، وإقليم دير الزور 96 مشروعاً، وإقليم الرقة 58 مشروعاً، وإقليم الطبقة 41 مشروعاً، ومن ثم 29 مشروعاً في إقليم الفرات، و19 مشروعاً في إقليم منبج.

 

وبشكل أكثر تفصيلاً يُظهر الشكل رقم (4) توزع المشاريع على المدن والبلدات المرصودة في القطاعات كافة؛ حيث حلّت مدينة الرقة في المرتبة الأولى بالمؤشر 58 مشروعاً، وجاءت بعدها مدن الطبقة 41 مشروعاً وهجين 34 مشروعاً والقامشلي 26 مشروعاً و23 مشروعاً في البصيرة و19 مشروعاً في منبج.

 

ومن بين أبرز القرارات والتعميمات المرصودة: منع نقل القمح بين مناطق "الإدارة" إلا بموجب كتاب رسمي وتحديد سعر شراء القمح بـ2200 ليرة سورية للكيلو الواحد وسعر قالب الثلج بـ2000 ليرة سورية وتحديد سعر كيلو السكر وسعر أمبير الكهرباء من قبل المولدات بـ4000 ليرة للمشتركين بـ6 أمبيرات أو أقل والتقيد بأوقات التشغيل من الساعة 4 مساءً حتى الساعة 12 ليلاً، وتعديل سعر السماد الفوسفاتي الروسي لـ700 دولار للطن الواحد والسماد الآزوتي لـ730 دولار للطن الواحد من قبل شركة التطوير الزراعي، وتقييد أصحاب خطوط النقل الداخلي بالتسعيرة المحددة 300 ليرة سورية ضمن القامشلي، وصدر قرار بصرف 100 ألف ليرة لكل العاملين في "الإدارة"، وإيقاف مخصصات فرن النباعي والباغوز والشعب بسبب الشكاوى، وحددت مديرية البيئة في إقليم الجزيرة غرامة وقدرها 25 ألف ليرة سورية لمن يخالف قواعد النظافة العامة، كما حددت لجنة المحروقات كمية مازوت التدفئة للمنزل بواقع 300 لتر شهرياً بقيمة 150 ليرة للتر الواحد.

أما في قطاع المياه والصرف الصحي فقد تم تنفيذ 148مشروعاً في المنطقة كما يُظهر الشكل رقم (5)، وأتت مدينة الطبقة على رأس القائمة بواقع 21 مشروعاً، تلتها مدينتي هجين 18مشروعاً والبصيرة 14مشروعاً، ومن بين المشاريع المنفّذة جر مياه الشرب لقرى صرين وقروشان والمربع بطول 4000 متر، وتوسيع خط المياه في قرية حوتي بطول 1150 متر، ومد خط مياه بطول 5500 متر من مدينة البصيرة إلى خزان قرية الطكيحي، ومد خط مياه بطول 850 متر في قرية أبو الحسن، وتأهيل شبكات المياه في ناحية الكسرة، وإنشاء محطة مياه في الباغوز، وتأهيل محطة مياه المحيميدة، وغيرها من المشاريع الشبيهة. يُذكر أن نقص المياه النظيفة لا يزال أحد الشواغل الرئيسية للسكان في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة. ولا تزال مدينة الحسكة التي يقطنها نحو مليون شخص تعاني من انقطاع مستمر في المياه جراء الخلافات الميدانية مع فصائل المعارضة في مدينة رأس العين التي تضم محطة علوك التي تغذّي الحسكة بالمياه بواقع 60 ألف متر مكعب يومياً، وتعمد "الإدارة" لقطع الكهرباء عن المدينة ما يحول دون تشغيل محطة المياه، وتدخلت روسيا أكثر من مرة في حل الخلاف بين الطرفين، وللتعويض عن المياه في الحسكة قامت "الإدارة" بتشغيل محطات التحلية وعددها 16 محطة ونقل المياه للمنازل عبر الصهاريج.

 

ونفذت البلديات والمنظمات 77 مشروعاً في قطاع النقل والمواصلات، وحازت كل من منبج والطبقة والرقة والقامشلي على المراتب الأربعة الأولى بين المناطق التي تم رصدها كما يظهر في الشكل رقم (6). ومن بين المشاريع المنفّذة؛ تعبيد الطريق الواصل بين مدينة الحسكة والدرباسية بطول 20 كم، وتعبيد طريق قرية جاردوية في منطقة ديرك بالقامشلي بطول 9 كم وطرقات في الكورنيش والهلالية والحي الغربي، كما تم تعبيد 10 كم في مدينة الصور بالاسفلت، وتأهيل جسر الصور في مدينة دير الزور، وفي البصيرة تم العمل على تعبيد شارع أبو حردوب في البصيرة، وفي الرقة تم تأهيل طرق في أحياء السباهية والطيار والجزرة وحي الرميلة، كما تم تعبيد عدة طرق في مدينة منبج بينها الطريق الواصل بين قرية الطعان والسيد، وطريق تل حوذان بطول 500 متر، وطريق قرية شجيف ذهبية بطجول 12450، وطريق قرية الفرس أبو قلقل بطول 8300 متر.

 

ونفذت البلديات والمنظمات 51 مشروعاً في قطاع الكهرباء وجاءت كل من القامشلي والرقة وهجين في المراتب الثلاث الأولى كما يظهر في الشكل رقم (7)، ومن بين المشاريع المنفّذة تركيب محولة كهرباء و5 أبراج حديد و13 عاموداً خشبياً في كوباني، وتركيب إنارة للشوارع على المدخل الشمالي والجنوبي للمشاريع الرئيسي في صرين، وإنارة شوارع في بلدات ومدن الشعيطات والشعفة وهجين والباغوز والصور ومحيميدة والملاهي وفي مدينة الرقة ضمن عدة أحياء وقرى وتم الانتهاء من إنارة مسافة 7500 متر في حي الناصرة ضمن مدينة الحسكة، وتركيب 40 لوح إنارة طاقة شمسية وأربعة أعمدة في عدة أماكن متفرقة في مدينة القامشلي، وتركيب محولات كهرباء جديدة باستطاعة 400 KVA ومحولات أخرى باستطاعات مختلفة في عدة أحياء وقرى. ولا تزال خدمة الكهرباء مضطربة في المنطقة ويعتمد الأهالي على الأمبيرات حيث توفّر "الإدارة" المازوت بسعر مخفض لمولدات الأحياء بـ 85 ليرة للتر الواحد بدلاً من 410 ليرات، وقطعت "الإدارة" مادة المازو في القامشلي عن المولدات التي تغذّي المنازل بالكهرباء، وفي أواخر تموز 2022، توقفت معامل ومشاريع صناعية وتجارية وأفران في مدينة القامشلي من جراء عدم توزيع "الإدارة" مادة المازوت المخصصة للقطاع الصناعي والتجاري.([1])

 

فيما يتعلق بقطاع الخدمات الاجتماعية فقد تم تنفيذ 34 مشروعاً كما في الشكل رقم (8)، في كل من دير الزور والبصيرة والصور والطبقة، حيث تم إزالة الركام وترحيله من عدة شوارع وأحياء، وتم بناء مدرسة البيرم في منبج، وأنشأت محمية بالقرب من سد بورزي بمساحة 12000متر مربع من الأراضي الزراعية، وبناء مركز تنمية في مدينة الدرباسية بقيمة 4211 دولار وافتتاح صالتين استهلاكيتين لفرع شركة "نوروز" في الحي الغربي للقامشلي، كما تم العمل على ترميم وتأهيل عدد من البلديات مثل الدحلة والزعبر والحصين وجديد عكيدات والكشكية والطبقة. يُشار أن رؤية الإدارة الذاتية قائمة على خدمة مصالح المجتمع عبر بناء مؤسسات اقتصادية ذات صبغة اجتماعية مثل الجمعيات التعاونية والشركات المساهمة الإنتاجية والمؤسسات الخدمية ومع ذلك لا يتوافق عدد المشاريع في قطاع الخدمات الاجتماعية مع رؤيتها في هذا الإطار.([2])

وتم تنفيذ 23 مشروعاً في قطاع التجارة، وجاءت الرقة في المرتبة الأولى بـ15 مشروعاً تلتها الهجين والطبقة ودير الزور ومنبج على التوالي كما في الشكل رقم (9)، ومن بين المشاريع المنفّذة استدراج عروض أسعار لاستئجار آليات نوع فان، وجرار مع تريلة قلاب، وطرح مزايدة لبيع حديد طوناج وزيت محروق، ومزايدة لاستثمار السوق التجاري في الطبقة وإشغال محلات في حي الثكنة بالرقة، ومناقصات لتوريد مواد لدائرة الأشغال الرئيسية في الرقة ومنبج. ومن الجدير بالذكر انتشار السلع التركية والإيرانية المستوردة من إقليم كردستان العراق عبر معبر سيمالكا الوحيد بعد إغلاق المعابر الحدودية مع تركيا وصعوبة توفير المنتجات السورية البديلة محلياً، وترتبط المنطقة مع مناطق النظام من خلال معبر الطبقة، وقد شجّعت هذه البيئة لنشوء احتكارات على تجارة العديد من المواد يسيطر عليها "نخب الحرب الجديدة، ومهرّبين على تفاهمٍ مع حكومة إقليم كردستان، وحاصلين على حقوق تصدير حصرية إلى الجزيرة".([3])

 

وبالنسبة لقطاع الزراعة والثروة الحيوانية فقد تم تنفيذ 18 مشروعاً، جاءت دير الزور في المرتبة الأولى بواقع 4 مشاريع تلتها كل من البصيرة والصور والقامشلي بمشروعين لكل منها كما في الشكل رقم (10). وتضمنت المشاريع إنشاء غابة حراجية تضم 3000 شجرة سرو وصنوبر وغابة في محمية سد مزكفت عبر زراعة 3000 شجرة حراجية، ومشاريع لدعم مربي الإبل والدواجن والماشية، وأشارت "هيئة الاقتصاد والزراعة" عن استلام نحو 360 ألف طن من القمح في شمال شرق سورية حتى شهر تموز، وتوزيع 647 ألف طن سماد على المزارعين في عامودا. ومُني أصحاب الأراضي والمزارعين بخسائر كبيرة خلال عامي 2020 و2021 جراء غلاء مواد المحروقات والأسمدة وعدم توفرها لتشغيل آبار المياه وشح الأمطار وارتفاع تكاليف الإنتاج، ويشوب قطاع الزراعة حالة من الفساد مرتبطة بحصول بعض المتنفّذين في "الإدارة" على المياه والمواد الزراعية المدعومة، ما اضطر عشرات المزارعين إلى منح أراضيهم لأولئك المتنفّذين جراء عدم تمكنهم من تأمين المازوت والمواد الأولية الضرورية.([1])

 

وفيما يتعلق بقطاع التمويل، تم تنفيذ 4 مشاريع في البصيرة والرقة ودير الزور، بينها دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ودعم وتمكين الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. و3 مشاريع في قطاع الصناعة بينها بناء معمل خراطيم في الطبقة وعمل لتعبئة اسطوانات الأوكسجين للمشافي والمستوصفات في القامشلي، ومعمل لتعبئة مياه الشرب في عامودا.

يمكن القول إن الفترة الحالية شهدت مشاريع متنوعة بينها إزالة الأنقاض وتعبيد الشوارع وتأهيل قنوات الصرف الصحي ومحطات المياه وإنارة الطرقات، وشهد قطاع المياه والصرف الصحي الوزن الأكبر بين المشاريع المنفّذة لحل أزمة المياه التي تعاني منها المنطقة، وجاء قطاع النقل والمواصلات في المرتبة الثانية ضمن مؤشر التعافي حيث نفذت البلديات 77 مشروعاً في المنطقة، بينما بقي الاهتمام بقطاعات الصناعة والتمويل والزراعة بحدوده الدنيا، فيما لم يلحظ التقرير تنفيذ مشاريع في قطاع الإسكان والتعمير خلال الفترة الحالية.

 

خلاصات تحليلية:  قصور هيكلي

تبين نتائج الرصد في مناطق الإدارة الذاتية خلال النصف الأول لعام 2022 جملة من الخلاصات قي القطاعات المرصودة، يمكن شملها بالنقاط الآتية:

  • إنجاز 358 مشروع في المنطقة على مدار 6 أشهر، حاز قطاع المياه والصرف الصحي على أكثر القطاعات تنفيذًا للمشاريع بواقع 148 مشروعاً قوامها مد شبكات وترميم أخرى معطلة، ومع ذلك لا يزال هناك أزمة مستعصية في تأمين مياه الشرب للسكان في مدينة الحسكة جراء عدم التوصل لاتفاق وتفاهمات عابرة للخلافات السياسية مع فصائل المعارضة في رأس العين.
  • تسببت القرارات المُتخذة في قطاع المحروقات القاضية بتحديد سعر مدعوم للسيارات المسجلة فقط، بخلق سوق سوداء تباع فيه المحروقات أضعاف السوق النظامية، حيث بلغ سعر لتر البنزين والمازوت 2000 ليرة سورية بينما يباع لتر المازوت المدعوم بـ410 ولتر البنزين بـ210 ليرة، كما لحظت حالة احتكار إذ تم التعاقد مع مستثمرين محددين لتكرير النفط ومد الأسواق بالمحروقات، والجدير بالذكر أن غلاء المحروقات يثبّط عمل قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة وتنعكس على القوة الشرائية للمواطن كارتفاع أسعار السلع والخدمات.
  • لا يزال قطاع الكهرباء يرزح تحت أزمات اضطر بسببها الأهالي للاعتماد على المولدات وتجارة الأمبيرات، بنفس الوقت عمدت "الإدارة" إلى قطع المازوت عن المولدات بدون تبرير.
  • نشوء احتكارات في قطاع التجارة لاستيراد مواد البناء وتوزيعها، يسيطر عليها نخب الحرب ومتنفّذين، وقد يؤدي هذا الوضع مع مرور الوقت إلى إضعاف البنية التجارية وتعزيز الفساد وأذرعه.
  • تنفيذ 18 مشروعاً في قطاع الزراعة في منطقة تتمتع بأهم المواد الاستراتيجية من قمح وقطن، و"تشكل الأراضي القابلة للزراعة في المحافظات الشرقية (عدا منطقة عين العرب) 43% من إجمالي الأراضي القابلة للزراعة في عموم سورية"، ويعتمد السكان بالدرجة الأولى على نشاط الزراعة وتربية المواشي بالدرجة الثانية، ومع ذلك يمكن تلمس مواطن الضعف بهذا القطاع ناجمة عن عدم دعم المزراعين ومربي المواشي، وانتشار المحسوبيات والمتنفّذين في آليات توزيع المواد المدعومة.
  • لم تمتلك "الإدارة" دفاعات مالية تقيها الأزمات المستوردة من مناطق النظام على رأسها التضخم وضعف الليرة، ما يشير إلى ضعف حوكمة القطاع المالي والمكاتب المسوؤلة عن الملف الاقتصادي مثل: "التخطيط والتنمية" و"الاقتصاد والزراعة" و"المالية" و"النفط والموارد المالية" و"الشؤون الاجتماعية والعمل"، كما غابت المؤشرات والبيانات الاقتصادية وهو ما زاد من صعوبة الرصد والتوقعات.

أخيراً بتحليل عام لجملة ما تم رصده يمكن القول إن نوعية وحجم المشاريع والأعمال المنفّذة تدلل على قصور في هيكلية النموذج الاقتصادي الاجتماعي المتبع وعدم كفاءة المكاتب والمؤسسات المعنية بالملف الاقتصادي إذ لم تسهم في تلافي حدوث أزمات وتحقيق استقرار معيشي للسكان وتعافي المنطقة اقتصادياً؛ على الرغم من امتلاك الإدارة الذاتية مقوّمات نجاح حيث تسيطر الإدارة على ما يقرب من 55% من الموارد المساهمة في تكوين الناتج الإجمالي المحلي لسورية عموماً من نفط وغاز  وزراعة.


 


 

([1] )الإدارة الذاتية تقطع المازوت عن المولدات في القامشلي وتهدد أصحابها، تلفزيون سوريا، 4/8/2022، رابط مختصر: https://cutt.ly/2VsCw0n 

 ([2] ) أحمد يوسف، اقتصاد الإدارة الذاتية ومحاولات بناء نموذج اقتصادي، صور، 22/12/2018، رابط مختصر: https://cutt.ly/OVsFN9Y

([3] )سنان حتاحت، الاقتصاد السياسي للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، 27/1/2020، برنامج مسارات الشرق الأوسط في معهد الجامعة الأوروبية، رابط مختصر: https://cutt.ly/OVexqXr

([4] ) مزارعون يضطرون لمنح أراضيهم لمستثمرين من "الإدارة الذاتية" جراء نقص المازوت، تلفزيون سوريا، 23/3/2022، رابط مختصر: https://cutt.ly/fVsPVyR

 

التصنيف تقارير خاصة

ملخص تنفيذي

  • تم تنفيذ 954 مشروعاً ونشاطاً في مناطق المعارضة بالشمال، ريف حلب الشمالي والشرقي ومحافظة إدلب، خلال النصف الأول من 2022، بارتفاع عن النصف الثاني 2021 بنسبة 24% و9% على أساس سنوي. وفي رصد للعدد الإجمالي لمشاريع التعافي الاقتصادي المبكر أظهر التقرير تنفيذ 5024 مشروعاً بين 2018 و2022 في مناطق المعارضة.
  • استحوذ قطاع التمويل على النسبة الأكبر للمشاريع المنفّذة (319 مشروعاً) بنسبة 33% ثم قطاع التجارة (142 مشروعاً) وقطاع النقل والمواصلات (106 مشروعاً) ومن ثم قطاع قطاع النزوح الداخلي (90 مشروع) وقطاعي الزراعة والثروة الحيوانية والإسكان والتعمير 80 مشروع لكل منهما.
  • ارتفعت الأعمال المنفّذة في ريف حلب بواقع 54% (511 مشروع) مقارنة بالمشاريع المنفّذة في إدلب بواقع 46% (443 مشروعاً)؛ وتم تسجيل 1148 فرصة عمل في العديد من القطاعات تركزت معظمها في القطاع الطبي والنزوح الداخلي، وتركزت أهم وأبرز القرارات للمجالس المحلية والمنظمات في قطاع الكهرباء خلال المفاوضات بين شركتي الكهرباء والمجالس المحلية ومن بين القرارات الأخرى رفع رسوم المعاملات والتسجيلات في دائرة النقل باعزاز بنسبة 50% ورسوم جباية المياه بنحو 50 ليرة تركية شهرياً.
  • لحظ التقرير ضرورة تعزيز أوراق التفاوض الوطنية كما جرى خلال عملية التفاوض بين المجالس المحلية وشركتي الكهرباء، وضعف قطاع الصناعة ناجم عن افتقار للسياسات والقوانين اللازمة لتعزيز ثقة المنتِج والعملية الإنتاجية، فضلاً عن بقاء المنطقة حبيسة مشاريع الإغاثة.
  • استمرت مشاريع نقل النازحين إلى أبنية سكنية جاهزة ضمن مجمعات وهو ما يُساعد في تخفيف الأعباء على قطاع النزوح الداخلي وتوجيه الموارد المالية نحو قطاعات اقتصادية أخرى، كما تزايد اعتماد المنظمات على تشغيل محطات المياه على الطاقة الكهربائية المجددة عبر تركيب منظمة طاقة شمسية، وتعبيد وتأهيل المزيد من الطرقات والساحات والأسواق، بالإسفلت وحجر الإنترلوك.
  • وخلص التقرير إلى دراسة تجربة "صندوق حياة" لتفعيل قطاع التمويل وإيلاء اهتمام بتمويل مشاريع في القطاعات الإنتاجية على رأسها الزراعة والصناعة، وتطبيق "ائتلاف تجاري" بين عدد من المنظمات لإنجاز مشاريع استراتيجية في المياه والكرباء والطرقات والصناعة، وأخيراً إيجاد نموذج عمل لقطاع الصناعة في المنطقة بما يكفل توظيف الخبرات والكفاءات المحلية وتدريبها على صناعات محددة مثل الصناعات التكنولوجية.


مؤشرات التعافي الاقتصادي المبكر في النصف الأول من عام 2022

تم تنفيذ 954 مشروعاً ونشاطاً في مناطق المعارضة بالشمال، ريف حلب الشمالي والشرقي ومحافظة إدلب، بزيادة 24% عن النصف السابق أو بواقع 188 مشروعاً. وحسب الشكل رقم (1) والشكل رقم (4) يوضحّان عدد ونسب المشاريع في المنطقة، حيث حاز قطاع التمويل (319 مشروع) على نسبة 33% من إجمالي المشاريع المنفذة، وقطاع التجارة (142 مشروع) بنسبة 14% وقطاع النقل والمواصلات (106 مشروع) بنسبة 11% وقطاع المياه والصرف الصحي في المرتبة الرابعة بواقع (91 مشروع) بنسبة 9%. وتم تنفيذ النسبة الأكبر من المشاريع والنشاطات في ريف حلب بواقع 54% (511 مشروعاً) مقارنة مع إدلب (443 مشروعاً) كما يظهر في الشكل رقم (2).

 

وبشكل أكثر تفصيلاً يُظهر الشكل رقم (3) توزع المشاريع على المناطق المرصودة؛ حيث حلّت مدينة جرابلس في المرتبة الأولى (119 مشاريع) في المؤشر، وجاءت بعدها مدن الباب (111 مشروع) وإدلب (107 مشروع) واعزاز (87 مشروع) ونفذّت المنظمات والمجالس 53 مشروعاً في بلدة إبين بمحافظة إدلب و50 مشروعاً في الأتارب و44 مشروعاً في عفرين.

 

ومن بين أبرز القرارات والإعلانات التي تم اتخاذها خلال الفترة الماضية، إعلانات شركتي الكهرباء العاملتين في المنطقة AK Energy  و  STE Energyلرفع أسعار الكيلو واط، وما تلاها من بيانات برفض قرارات الشركة واستقالة المجلس المحلي في مارع بعد فشله في إقناع الشركة عن رفع الأسعار، ومن بين القرارات الأخرى رفع رسوم المعاملات والتسجيلات في دائرة النقل باعزاز بنسبة 50% ورسوم جباية المياه بنحو 50 ليرة تركية شهرياً، وتحديد سعر ربطة الخبز بليرة تركية واحدة للمدعوم والحر بـ2.5 ليرة تركية وأعلن فرض غرامة 200 ليرة تركية ضد من يثبت بيعه ربطة الخبز بأكثر من السعر المعتمد في مدينة الباب، وأقرّ المجلس تغريم صاحب البناء الغير مرخص 5 أضعاف قيمة الرخصة وإلزامه بالترخيص، وأقرّت حكومة الإنقاذ في إدلب 150 دولار شهرياً الحد الأدنى للأجوز أو 5 دولارات يومياً.

 

كما وفّرت المنظمات والمجالس المحلية نحو 1148 فرصة عمل خلال الفترة المرصودة بانخفاض بواقع 714 فرصة عمل عن النصف السابق، معظمها عقود مؤقتة بين شهر و6 أشهر وسنة، وتركزت في القطاع الطبي والخدمي، من قبل منظمات مثل:"سيريا ريليف"، و"تكافل الشام"، و"المؤسسة الدولية للتنمية الاجتماعية" و"يداً بيد للاغاثة والتنمية" وغيرها.

 

حاز  قطاع التمويل على المرتبة الأولى في المؤشر متفوقاً على بقية القطاعات الاقتصادية المرصودة  حيث تم تنفيذ 319 مشروعاً في إدلب وحلب بدعم من المشاريع المنفّذة من "صندوق حياة" في جرابلس والأتارب، وبلغت قيمة القروض التي منحها الصندوق 330.533 ألف دولار حيث تم منح 191 مشروعاً في قطاع التجارة تركز معظمها في تجارة الملابس والمواد الغذائية والأدوية وقطع غيار السيارات والمحروقات، و59 مشروعاً في قطاع الخدمات بينها مغسلة وميكانيك سيارات وصيانة دراجات نارية وكوافيرة وتجارة بيتون وصالة أفراح ونادي كمال أجسام وغيرها، و31 مشروعاً في قطاع الصناعة من قبيل: ورشة خياطة، وحدادة، وصناعة ألبان وأجبان وبسكويت، و11 مشروعاً في تربية أبقار ضمن قطاع الثروة الحيوانية، ومن بين المشاريع الأخرى في هذا القطاع؛ طرح معمل للغاز للاستثمار بطريقة المزاد العلني في بزاعة والباب.

 

وتم تنفيذ 142 مشروعاً في قطاع التجارة بانخفاض 27 مشروعاً عن النصف السابق، وجاءت إدلب في المرتبة الأولى بـ40 مشروعاً تلتها الباب واعزاز وجرابلس على التوالي، واستمرت المنظمات والمؤسسات الإغاثية في عرض المناقصات لتوريد أمام التجار والموردين لتوريد أدوات طبية ووقود وقرطاسية وخدمات طباعة وطحين وسلال غذائية وتقديم عروض لاستئجار سيارات لنقل العمال، ومن بين المنظمات: مؤسسة بناء للتنمية، ومنظمة بنيان، والرابطة الطبية للمغتربين، وجمعية عطاء وغيرها.

 

ونفّذت المجالس والمنظمات 106 مشروعاً في قطاع النقل والمواصلات انخفاضا عن النصف السابق بواقع 87 مشروعاً، وحازت كل من اعزاز والدانا وعفرين وقباسين على المراتب الأربع الأولى بين المناطق التي تم رصدها كما يظهر في الشكل أدناه. حيث استمرت أعمال تعبيد الطرقات التي تربط القرى بالمخيمات لتسهيل الوصول إليها، وتمت المباشرة بأعمال الجسر الثالث في مدينة عفرين، وأنهت حكومة الإنقاذ طريق حلب باب الهوى بطول 3200 متر وعرض 30 متر وتم افتتاحه بحضور رئيس "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني، وتعبيد طريق كفرلوسين قاح ودير حسان قاح، كما تم رصف العديد من الطرق الفرعية داخل مدينة عفرين بحجر الأنترلوك.

 

وفيما يتعلق بقطاع المياه والصرف الصحي تم تنفيذ 91 مشروعاً في المنطقة كما يُظهر الشكل أدناه انخفاضاً عن النصف السابق بواقع 32 مشروعاً، وتربّعت مدينة اعزاز على رأس القائمة بواقع 15 مشروعاً، تلتها مدينتي عفرين 12 مشروعاً وجرابلس 8 مشاريع، ويعد هذا القطاع أحد القطاعات الحيوية ضمن مؤشر التعافي، وساهم العمل عليه خلال الشهور الماضية بتحسن وضع البنية التحتية للمياه وطرق إيصالها للسكان والمخيمات، وبحسب "وحدة تنسيق الدعم" من أصل 1279 محطة مائية تمت مراقبتها في شمال غرب وشرق الفرات، هناك 874 محطة عاملة والمتبقي لا يعمل لعدم وجود نفقات تشغيلية والحاجة للصيانة، وأظهرت الإحصائية أن 37% من المحطات العاملة يتم تشغيلها عبر المولدات، و37% منها عبر شبكة الكهرباء، وأظهرت الوحدة أيضاً أن 88% من المناطق المرصودة يتم إيصال المياه إليها من خلال الشبكات، و8% عبر الصهاريج (1)

 

وبالانتقال إلى قطاع النزوح الداخلي، انخفض عدد المشاريع عن النصف السابق بواقع 14 مشروعاً إذ تم تنفيذ 90 مشروعاً بينها 27 مشروعاً في مخيمات أطمة و22 في إدلب و6 مشاريع في كل من حارم وسرمدا، وشملت المشاريع المنفّذة خدمات البنية التحتية من مياه وطرقات وكهرباء، واللافت للانتباه استمرار أعمال تركيب منظومة طاقة شمسية في محطات ضخ المياه داخل المخيمات لتوليد الكهرباء في مخيمات أطمة ودير حسان والبردقلي وسلقين فضلاً عن ترميم مئات المنازل خارج المخيمات التي يقطنها نازحون من محافظات أخرى لتحسين ظروفهم المعيشية، يُشار أن عدد النازحين داخلياً في شمال غرب سورية ضمن محافظتي إدلب وحلب، يقدر بـ2.8 مليون شخص، ويوجد 1.7 مليون من النازحين في 1400 موقع للنزوح(2)، ولا يزال عدد النازحين الكبير يشكل تحدياً كبيراً للمجالس المحلية في تقسيم الموارد المالية بين متطلبات الإغاثة ومتطلبات النازحين العاجلة واحتياجات التنمية الاقتصادية.

وبالنسبة لقطاع الزراعة والثروة الحيوانية تم تنفيذ 80 مشروعاً أكثر بـ19 مشروعاً عن النصف السابق، بينها 23 مشروعاً في إدلب و17 مشروعاً في اعزاز و9 مشاريع في معرمصرين و7 مشاريع في جرابلس، وتضمنت المشاريع زراعة المحاصيل الاستراتيجية ودعم الفلاحين بالمواد الأساسية من بذار وأسمدة وعلف، واستمرت جهود المنظمات في متابعة مربي الثروة الحيوانية وإعطاء اللقاحات الدورية للدواجن والأبقار والأغنام.

 

وسجّل قطاع الإسكان والتعمير تنفيذ 80 مشروعاً بزياة 10 مشروعات عن النصف السابق، كما يظهر في الشكل أدناه، وبقيت مدينة الباب في قمة المؤشر بواقع 61 مشروعاً من خلال إصدار 351 ترخيصاً لبناء سكني وتجاري، وسوق شعبي في بزاعة، ومول تجاري في إدلب، وسوق تجاري من 3 طوابق بمساحة 600 متر مربع في أريحا، وتم الانتهاء من مجمع قرية البزارية الذي يضم 300 شقة سكنية في بزّاعة، ومجمعات في كل من الدانا وإدلب وكفرلوسين بينها قرية بذور فلسطين والذي يحتوي على 500 وحدة سكنية ومشروع الملاذ الآمن والذي يضم 161 شقة، وفي جرابلس تم إنهاء العمل على مجمع البنيان السكني وقريتي إيلاف والسلام، وقرية بسمية السكنية في عفرين. وبحسب تقرير لـ"وحدة تنسيق الدعم" أشار إلى توفر 117 مجمعاً سكنياً 93 منها في إدلب و24 مجمعاً في ريف حلب، وتبين الدراسة أن 45% من المجمعات لا تنتمي لأي من مخيمات النازحين، و55% تنتمي لمخيمات النازحين. و82% من تلك المجمعات مواقعها قريبة من مدن وبلدات مجاورة، وبيّنت الدراسة أيضاً أن 67% من المجمعات السكنية خططت قبل إنشائها فيما 33% عبارة عن أبنية عشوائية بدون تخطيط.(3)

فيما يتعلق بقطاع الخدمات الاجتماعية تم تنفيذ 23 مشروعاً في مناطق عدة، بينها بناء مدرسة "الساروت" في قباسين ومدرسة أخرى في أخترين من قبل منظمة إحسان، ومدرسة في اعزاز من قبل منظمة عطاء، وتم بناء وترميم عدة مدارس في مدينة عفرين من قبل منظمات يداً بيد ووطن والأيادي البيضاء، كما تم ترميم الكتلة الثالثة والرابعة لمشروع سوق الهال في اعزاز، وتجهيز المنطقة الحرفية في ذات المدينة.

 

ونفّذت المجالس المحلية والمنظمات 21 مشروعاً في قطاع الكهرباء خلال هذه الفترة. وجاءت كل من إدلب واعزاز على رأس القائمة بـ5 و4 مشاريع على التوالي، و3 مشاريع في بلدة المرج الأخضر التابعة لجسر الشغور، حيث تم استكمال مشروع إنارة الطرقات الرئيسية داخل مدينة اعزاز، وإنارة مدخل أخترين بمسافة 3500 متر.

 

وأخيراً تم تنفيذ مشروع ورشة خياطة ضمن قطاع الصناعة في مدينة قباسين، ومشروع في قطاع الاتصالات عبر توسيع خطوط الهواتف الأرضية والانترنت في مدينة إدلب.

التقييم والخلاصات

زادت مشاريع التعافي المبكر خلال النصف الأول في 2022 عن النصف الثاني في 2021 بواقع 188 مشروعاً، وارتفع المؤشر 9% على أساس سنوي كما يظهر في الشكل رقم (14)، وحاز قطاع التمويل للمرة الأولى على أكثر المشاريع تنفيذاً، وتم تنفيذ 54% من المشاريع في ريف حلب، كما تم تسجيل 1148 فرصة عمل من قبل المنظمات والمجالس المحلية في مختلق القطاعات الاقتصادية.

 

ويُظهر الجدول رقم (1) المسح القطاعي على مشاريع التعافي في مناطق المعارضة من النصف الثاني في 2018 حتى النصف الأول في 2022 أنجز خلالها 5024 مشروعاً، جاء قطاع النقل والمواصلات في المرتبة الأولى بواقع 891 مشروعاً وقطاع التجارة بواقع 865 مشروعاً، يليه قطاع المياه والصرف الصحي بواقع 837 مشروعاً، وقد شكّلت هذه المشاريع قاطرة عملية التعافي في المنطقة على مدار الفترة الماضية وتمكنت المنظمات والمجالس المحلية من العمل في بيئة صعبة وتقديم الخدمات الأساسية الأشد احتياجاً للسكان من مياه وطرقات وكهرباء، ولوحظ ارتفاع في مشاريع قطاع التمويل إلى 446 مشروعاً، فيما لا تزال قطاعات مثل الصناعة والاتصالات والزراعة تعاني من ضعف واضح بين القطاعات المرصودة.

 

وتبين نتائج الرصد في النصف الأول من 2022 جملة من الخلاصات في القطاعات المرصودة في مناطق "درع الفرات" و"عفرين" ومحافظة إدلب، من بينها:

  • أظهرت المفاوضات بين المجالس المحلية في مارع واعزاز وعفرين مع شركتي الكهرباء، حاجة أكبر للعمل ضمن مجموعة عمل واحدة وجبهة موحدة لتحسين أوراق التفاوض وحل الإشكالات القانونية والإدارية مع الشركتين.
  • لاتزال البيئة الصناعية تفتقر للسياسات والقوانين اللازمة لتعزيز ثقة المنتِج والعملية الإنتاجية في المنطقة، وفي هذا الإطار من الجدير بالتنويه أن بناء المناطق والمدن الصناعية غير كافٍ لجذب رؤوس أموال وتطوير قطاع الصناعة.
  • يكرّس الافتقار للقواعد الأساسية في قطاع التمويل، من مؤسسات وأدوت وشركات مالية وعملة مستقرة، مؤشرات سلبية لبقية القطاعات وسيجعل المنطقة حبيسة مشاريع الإغاثة، إذ تساعد القوانين المالية من جانب وتوفر مؤسسات وأدوات مالية من جانب آخر إلى نشوء بيئة مالية صحية تنعكس إيجاباً على قطاعات الصناعة والزارعة والتجارة.
  • زادت المنظمات من وتيرة نقل النازحين إلى قرى ومناطق سكنية مجهزة بكافة الخدمات، ما يُسهم بتخفيف الأعباء على قطاع النزوح الداخلي وتوجيه الموارد المالية نحو قطاعات اقتصادية أخرى، ويُذكر أن قسم من المجمعات السكنية يتم بصورة عشوائية بدون تخطيط عمراني.
  • تزايد اعتماد المنظمات على تشغيل محطات المياه على الطاقة الكهربائية المتجددة عبر تركيب منظومة طاقة شمسية للمحطة، ويُعول على مشاريع الطاقة المتجددة في تخفيف الأعباء المالية التي تتحملها المجالس لتمويل شراء الكهرباء للمخيمات والمناطق السكنية.
  • تعبيد وتأهيل المزيد من الطرقات والساحات والأسواق، بالإسفلت وحجر الإنترلوك، بما يسهم بتشبيك المدن والقرى ببعضها البعض بالشكل الذي يسهّل عملية تنقل المدنيين والتجارة المحلية، ويُفترض بالمجالس المحلية تطبيق نظام مرور للمنطقة ككل للحد من الحوادث المرورية.
  • تعزيز دور قطاع التمويل خلال الفترة القادمة بعد دراسة تجربة "صندوق حياة"، مع توجيه الأموال نحو القطاعات الإنتاجية، بهدف التحول عن الإغاثة.
  • اتباع نمط عمل في المنطقة لإنجاز المشاريع المعقدة والتي تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة، مثل توحد عدد من المنظمات في "Consortium" (ائتلاف تجاري) لحل المشاكل المستعصية مثل مشكلة المياه في مدينة الباب، ومشكلة الكهرباء في المنطقة عموماً، ومشكلة الصناعة وغيرها، بما يكفل توظيف الخبرات والكفاءات المحلية وتدريبها على صناعات محددة مثل الصناعات التكنولوجية.

 

[1]النشرة نصف الشهرية للمياه والإصحاح البيئي، وحدة تنسيق الدعم، 5 – 18 حزيران 2022، رابط: https://bit.ly/3wPiUA7

[2] أكثر من ربع مليون شخص في شمال غرب سوريا تأثروا بسبب الثلوج التي تساقطت الشهر الماضي، 11/2/2022، الأمم المتحدة، رابط: https://news.un.org/ar/story/2022/02/1093912 

[3] المجمعات السكنية في شمال غرب سورية، نيسان 2022، وحدة تنسيق الدعم، رابط: https://bit.ly/3Al6WPq

التصنيف تقارير خاصة
يُعلن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية عن بدء قبول طلبات التدريب البحثي الثاني في إعزاز، والموجّه للطلبة #السوريين في #الداخل_السوري من حملة الإجازة الجامعية و #الدراسات_العليا . يقسم البرنامج إلى مرحلتين:
الأولى؛ موجهة للإحاطة بالأطر النظرية والمنهجية للعملية البحثية وأدواتها، وخاصة المتعلقة بمراكز التفكير والسياسات العامة وآليات عملها، بالإضافة إلى تحليل ملفات #المشهد_السوري وتحولاتها على كافة الصعد، على أن يمنح المتدربين في نهايتها شهادة حضور دورة تدريبية.
 
الثانية؛ مخصصة لعدد محدود من المتدربين، يتم انتقائهم بناء على معايير محددة، لإجراء تدريب عملي على إعداد مخرج بحثي، بإشراف ومتابعة مركز عمران في إحدى المجالات التالية: الاقتصاد السياسي، #التعافي_الاقتصادي والتنمية، وإعادة الإعمار.
 
مكان التدريب:
1-إعزاز
 
‏‎تقبل طلبات التدريب من تاريخ 14 ولغاية 25 أيلول 2022، وسيتم اختيار المقبولين بناء على شروط البرنامج ونتائج امتحاني القدرات التحليلية والمقابلات الشخصية، التي ستجريها اللجنة المسؤولة عن البرنامج مع المتقدمين.
‏‎
رابط تقديم الطلب: https://ee.kobotoolbox.org/x/CZy2yluE
التصنيف الفعاليات

ملخص تنفيذي

  • يؤكد رصد عملية التعافي الاقتصادي المبكر خلال عام 2021 في كل من ريف دمشق وحلب الشرقية، المناطق التي استعاد النظام السيطرة عليها، على تواضع العدد الإجمالي للمشاريع المنفّذة؛ إذ بلغ عدد المشاريع 570 مشروعاً في 11 قطاعاً اقتصادياً، خاصة إذا ما قورن هذا الرقم بحجم الضرر والذي قدرته الأمم المتحدة في عام 2019 بـ 36 ألف مبنى متضرر بشكل كامل أو جزئي في حلب الشرقية و 35 ألف مبنى مدمر في الغوطة الشرقية، وهذا ما يؤكد تنامي مؤشر العجز في قدرة النظام على تأمين كافة الخدمات الأساسية (كهرباء وطرقات ومياه واتصالات) عن الحد الأدنى لما يفرضه حجم الاحتياج.
  • بلغ عدد مشاريع التعافي الاقتصادي المبكر في الحالات المختارة خلال الفترة بين كانون الثاني وحزيران 2021 نحو 311 مشروعاً تصدر فيها قطاع الخدمات الاجتماعية المرتبة الأولى بـ137مشروعاً، تلاه قطاع الكهرباء بواقع 68 مشروعاً، من ثم قطاع النقل والمواصلات بـ 40 مشروعاً. في حين انخفض العدد خلال النصف الثاني من ذات العام إلى 259 مشروعاً مع بقاء قطاع الخدمات الاجتماعية في مقدمة المشاريع المنفّذة بواقع (96 مشروعاً).
  • تؤكد المؤشرات على عدم إيلاء النظام المنطقتين اهتماماً بالغاً في إعادة إعمار ما دمرته الحرب؛ إذ لا تزال الأنقاض والركام السمة الأكثر وضوحاً في هذه المناطق، كما لم تشهد قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة أي مؤشر دافع باتجاه التعافي، ما يشير إلى عدم اتباع النظام أية مقاربة واضحة لتعافي المناطق التي سبق وخرجت عن سيطرته وبالتالي عدم قدرة تلك المناطق على استقبال الأهالي النازحين منها، وعدم موضوعية مطالب النظام وروسيا في تطبيق "برنامج عودة اللاجئين".

 

مدخل

بعد مرور أربعة أعوام على استرداد النظام سيطرته الكاملة على حلب الشرقية وريف دمشق؛ تبرز ضرورة  تشخيص وفهم مقاربة النظام لملف التعافي باعتباره أبرز تحدٍ لمرحلة "ما بعد الحرب"، وهو ما سيوفر قدرة على الإحاطة بديناميات النظام الحوكمية من خلال رصد القرارات والقوانين ومذكرات التفاهم  من جهة، ويشكل إطاراً لتلمس شروط توفير البيئة الآمنة للمعيشة ولعودة النازحين واللاجئين، وتحريك عجلة الإنتاج والوفاء بالاستحقاقات المعيشية من جهة أخرى. وعليه تحاول هذه الورقة الإضاءة على واقع التعافي الاقتصادي المبكر عبر رصد حركية المشاريع والنشاطات التي يقوم بها النظام في المناطق التي أعاد السيطرة عليها من المعارضة، وذلك عبر التركيز على نموذجي حلب الشرقية وريف دمشق خلال 2021 ([1]).

تعتمد الورقة في تصنيفها للقطاعات على التصنيف الصناعي المعياري الدولي كما في الملحق رقم (1)، وقد تم الاعتماد على المعرّفات الرسمية لحكومة النظام ووزاراته والمنظمات العاملة في سورية على المواقع الرسمية ومنصات التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و"تليغرام" وتسجيل نشاطاتها وتقاريرها الدورية، وفق معادلة رصد مضبوطة تؤمّن القدرة على تحليل البيانات وفق مستويين؛ المستوى الأول مستوى القطاعات الاقتصادية، والثاني وفقاً للمستوى الجغرافي. ويجدر التنويه إلى أن الأرقام الواردة في التقرير تشكل الأعمال والمشاريع التي تم تنفيذها على الأرض وتوصل إليها الباحث عبر شبكة الرصد.

النصف الأول من عام 2021: كفاية مؤشرات عدم القدرة

يؤكد رصد حركية التعافي المبكر في المناطق المرصودة أنه تم تنفيذ 311 مشروعاً خلال الفترة بين كانون الثاني وحزيران 2021 ضمن أحياء حلب الشرقية وريف دمشق، تصدّر قطاع الخدمات الاجتماعية بـ 137 مشروعاً، وقطاع الكهرباء بـ 86 مشروعاً في المرتبة الثانية، وقطاع النقل والمواصلات بـ 40 مشروعاً، و18 مشروعاً لكل من  قطاعي المياه والصرف الصحي والتجارة، بينما جاءت قطاعات التمويل والاتصالات والإسكان والتعمير والزراعة في أسفل المؤشر، كما يظهر في الشكل رقم (1).

 

([1]) شملت مناطق الرصد منطقتين من المناطق التي أعاد النظام السيطرة عليها بعد أن كانت تحت سيطرة المعارضة وهي جميع أحياء حلب الشرقية وبعض مناطق  ريف دمشق (دوما وسقبا والمليحة وحزة وكفر بطنا وعربين وداريا ومعضمية الشام).

 

ويُظهر الشكل رقم (2) التوزع النسبي للمشاريع على المناطق المرصودة حيث بلغت نسبة المشاريع في الأحياء الشرقية من مدينة حلب 66%  (205 مشاريع) و 34% في ريف دمشق (106 مشاريع)، ويظهر الشكل  رقم (3) توزع المشاريع على البلدات المرصودة في ريف دمشق وقد سُجلت أغلب المشاريع في دوما تليها داريا وعربين.

 

في ذات الإطار الزمني المرصود؛ وبتتبع سلسلة القرارات والقوانين ذات الصلة الصادرة عن سلطات النظام والتي بلغت 43 قراراً و 8 قوانين ومرسومين، فقد أصدر القانون رقم (18) للاستثمار والذي يهدف إلى إيجاد بيئة استثمارية تنافسية لجذب رؤوس الأموال والاستفادة من الخبرات والتخصصات المختلفة وتوسيع قاعدة الإنتاج وزيادة فرص العمل ورفع معدلات النمو الاقتصادي، وفق الدليل الاستثماري الذي صدر مع القانون، وإقرار خطة عمل صندوق دعم الإنتاج الزراعي، وقانون يسمح بتأسيس مصارف التمويل الأصغر، وقرار تعديل الحدود الدنيا والقصوى بمعايير تصنيف المشاريع متناهية الصغر. وتم رصد 15 تعميماً مثل استعداد "المؤسسة العامة للأعلاف" لاستلام محصول الذرة الصفراء بالأسعار الرائجة، ورفع سعر شراء محصول الشعير من الفلاحين بسعر 880 ليرة للكيلو، كما نُشر تعميم حول تعليق الدوام وحصره بعدد معين من الموظفين ضمن الإجراءات المتعلقة بمكافحة فيروس كورونا.

أما بالنسبة لفرص العمل فقد تم تسجيل 51 فرصة عمل من قبل جهات محلية خاصة ومنظمات دولية مثل "أوكسفام" والهلال الأحمر وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وتأهيل مشفى الأطفال في كرم القاطرجي وترميم ثانوية المليحة للبنات ومقر مالية داريا.

 

أما عن قطاع النقل والمواصلات فقد بلغ عدد مشاريعه 40 مشروعاً موزعين بين ريف دمشق (15 مشروعاً) وحلب الشرقية (25 مشروعاً) كما في الشكل (5)، ومن بين المشاريع المنفذة ترميم وتعبيد الطرقات بالإسفلت في كفر بطنا وداريا وشارع القوتلي في دوما، وكل من دواري الزيتونة في داريا والجرة في دوما.

 

وبلغ عدد مشاريع قطاع الكهرباء المنفّذة 68 مشروعاً موزعاً وفق في الشكل رقم (6)، تنوعت ما بين إنارة طرقات وتركيب شبكات توتر منخفض وصيانة الأعطال وإصلاح أعمدة وتركيب محولات، حيث تم تركيب ثلاث محوّلات في دوما وعربين وإصلاح خمسة في داريا، وأُعيد تأهيل عدة مراكز تحويل في قاضي عسكر وعدة شبكات توتر منخفض في حيي السكري والفردوس. وعلى الرغم من هذه المشاريع إلا أن المنطقة تعاني بشكل كبير من انقطاع مستمر في التيار الكهربائي يُجبر الأهالي على الاعتماد على طرق أخرى لتأمين الكهرباء.

 

وبالنسبة لقطاع المياه والصرف الصحي بلغ عدد المشاريع المنفّذة 18 مشروعاً موزعاً كما في الشكل رقم (7)، تنوعت ما بين مشاريع صيانة وإعادة تأهيل آبار واستبدال خطوط صرف صحي في شوارع داريا وأحياء حلب، حيث تم استبدال 300 متر من مجرور قديم بأنابيب بولي إيثلين، وتشغيل مضخة مياه في المليحة.

 

وبلغ عدد المشاريع في قطاع التجارة 18 مشروعاً موزعاً على المنطقة كما في الشكل رقم (8) ما بين مناقصات لتأمين بدلات عمل في حلب، واستئجار مركبات لنقل الموظفين، ومزايدة لبيع نواتج غربلة القمح، في داريا وسقبا وكفر بطنا ومناطق في حلب الشرقية، وعلى الرغم من وقوع هذه المناطق المعروفة بثقلها التجاري والصناعي تحت سيطرة النظام منذ فترة ليست بقصيرة، لم تشهد أي نهضة تجارية أو إنعاش يعيدها لما كانت عليه قبل الثورة، ويعد إهمال النظام لكلا المنطقتين عملاً ممنهجاً لإهمال القيمة التجارية والصناعية التي مثلتهاالمنطقتان على مدار العقود الماضية.

 

أما فيما يتعلق بعدد المشاريع في قطاع التمويل فقد بلغت 16 مشروعاً، تم تنفيذ 12 مشروعاً في ريف دمشق و4 مشاريع في حلب الشرقية كما في الشكل رقم (9)، مثل استثمار حديقة ومقهى في دوما، ومحال تجارية في حلب وأراضٍ زراعية في دوما وداريا، إضافة إلى تأجير شقق ومكاتب في حلب. ويظهر هذا القطاع هشاشة البنية التمويلية في المناطق المرصودة وعدم قدرة النظام على تقديم تمويلات متنوعة في سبيل النهوض باقتصاد المنطقة وبما يعود على الاقتصاد الوطني بالتنمية المطلوبة.

 

كما بلغ عدد مشاريع الاتصالات 8 مشاريع موزعة بين تركيب برج اتصالات في دوما وافتتاح مركز اتصالات بالمليحة وتفعيل الخط الأرضي وإعادة تأهيل شبكة، كما هو مبين في الشكل رقم (10). 

 

وأخيراً تم تنفيذ 3 مشاريع في قطاع الزراعة والثروة الحيوانية في ريف دمشق توزعت ما بين حملة لمكافحة الجراد الصحراوي، ومنحة أعلاف لعدد من العوائل، وتوزيع مخصصات وقود للمزارعين. وفي قطاع الإسكان والتعمير تم تنفيذ 3 مشاريع؛ اثنان منها في ريف دمشق شملت ترميم ثلاثين شقة سكنية و25 محلاً تجارياً في سقبا وبناء مجمع سكني في دوما، ومشروع آخر في حلب الشرقية لإعادة تأهيل 150 شقة سكنية.

النصف الثاني من عام 2021: ثبات حجم الاحتياج 

يؤكد رصد حركية التعافي المبكر في المناطق المرصودة  تنفيذ 259 مشروعاً خلال الفترة بين تموز وكانون الأول 2021 ضمن أحياء حلب الشرقية وريف دمشق المرصودة، تصدّرها قطاع الخدمات الاجتماعية (96 مشروعاً) وحلّ كل من قطاعي النقل والمواصلات (78 مشروعاً) والكهرباء (42 مشروعاً) في المرتبة الثانية والثالثة على التوالي، كما سجل قطاع المياه والصرف الصحي 24 مشروعاً، و7 مشاريع في قطاع التجارة، كما في الشكل رقم (11).

 

وُظهر الشكل رقم (12) التوزع النسبي للمشاريع على المناطق المرصودة حيث بلغت نسبة المشاريع في حلب الشرقية 67% مقابل 33% للمشاريع المنفّذة في مدن وبلدات ريف دمشق، فيما يبين الشكل رقم (13) توزع المشاريع على البلدات المرصودة في ريف دمشق، حيث حازت داريا على أكثر البلدات تنفيذاً للمشاريع بـ32 مشروعاً متقدمة على دوما التي حصلت على 20 مشروعاً.

 

وفي ذات الإطار الزمني المرصود؛ وبتتبع سلسلة القرارات والقوانين ذات الصلة الصادرة عن سلطات النظام  فقد بلغت 30 قراراً تنوعت ما بين إعفاء مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية الداخلة بصناعة الأدوية من الرسوم الجمركية، و8 تعميمات مثل تحديد عمل الفعاليات الاقتصادية وصرف مساعدات القمح للفلاحين على الهوية الشخصية ودون طلب براءات ذمة، وتمكّن جميع أصحاب الفعاليات التجارية والصناعية من تسجيل علاماتهم التجارية والصناعية في أي دولة بالعالم من خلال وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وتم إحصاء 20 إعلاناً لفرص عمل جلها من منظمة الهلال الأحمر السوري.

أما بالنسبة لتوزع المشاريع على القطاعات فقد حلّ قطاع الخدمات الاجتماعية في المرتبة الأولى في مؤشر التعافي الاقتصادي المبكر في المنطقة بواقع 96 مشروعاً موزعاً كما في الشكل رقم (14)، ومن بين المشاريع المنفذة ترميم مبانٍ عامة كالمركز الثقافي في دوما، ومدرسة، ومركز إطفاء داريا، بالإضافة إلى عمليات إزالة الأنقاض في سقبا وداريا ودوما وحي الصاخور وقاضي عسكر في حلب والأجزاء الخطرة من بعض المباني وإزالة مخالفات في أحياء حلب.

 

فيما يتعلق بقطاع النقل والمواصلات فقد بلغ عدد المشاريع 78 مشروعاً موزعين على المناطق كما في الشكل (15)، القسم الأكبر من هذه المشاريع مرتبط بترميم الشوارع بالإسفلت مثل شارع سوق الهال في دوما، وشارع البلاط في المليحة، فضلاً عن مشاريع صيانة أرصفة في حي القاطرجي وصلاح الدين في حلب.

 

وبلغ عدد مشاريع الكهرباء المنفّذة 42 مشروعاً كما في الشكل رقم (16)، توزعت ما بين إعادة تأهيل محولات كهربائية كما في منطقة دوار باب الحديد والكلاسة، وتركيب محولات وإنارة طرق بالطاقة البديلة في داريا، وتركيب ألواح طاقة بديلة لتوليد الكهرباء لمجلس مدينة داريا، وتمديد شبكات توتر منخفض في أحياء صلاح الدين والأنصاري والسكري في حلب الشرقية.

 

وفيما يرتبط بقطاع المياه والصرف الصحي بلغ عدد المشاريع المنفّذة 24 مشروعاً موزعين كما في الشكل رقم (17). حيث تم تأهيل واستبدال خطوط الصرف الصحي في حي الفردوس في حلب ومدينة دوما، وخطوط مياه الشرب في حلب، وتم تنفيذ مشروع تأهيل آبار في داريا، بالإضافة إلى العمل على تركيب أغطية ريكارات وشوايات في داريا.

 

أما فيما يتعلق بعدد المشاريع في قطاع التجارة فقد بلغت 7 مشاريع كما في الشكل رقم (18). تفرّقت بين مزايدات لبيع خردة وأكياس بلاستيك في حلب، وافتتاح صالة بيع متخصصة بالمنتجات الريفية واستئجار ميكروباص.

 

كما بلغ عدد مشاريع الاتصالات 4 مشاريع 3 منها في ريف دمشق ومشروع واحد في حلب الشرقية، حيث تم العمل على مد وإصلاح كبل ضوئي في حلب ودوما وإعادة الإنترنت والخطوط الهاتفية الأرضية في المليحة. أما عن قطاع التمويل فقد تم تنفيذ 4 مشاريع مشروعان في حلب الشرقية وآخران في ريف دمشق، حيث تم طرح أكشاك في دوما للاستثمار، ومحل للتأجير في داريا، وطرح أراضٍ للاستثمار في حلب.

وفي قطاع الإسكان والتعمير تم تنفيذ 3 مشاريع في حلب الشرقية، ما بين أعمال صب وإنشاء وإكساء مشروع وحدات سكنية. وفي قطاع الزراعة والثروة الحيوانية تم تنفيذ مشروع واحد فقط في ريف دمشق، عبارة عن زراعة أشجار في مدينة عربين.

 

 

خلاصة ختامية: غياب "القدرة والإرادة السياسية"

يُظهر الجدول أدناه مقارنة في القطاعات بين النصف الأول والثاني للمشاريع والنشاطات المنفذة في المنطقة في العام 2021، ويُلاحظ انخفاض أعداد المشاريع على الرغم من إفراد بنود في الموازنة لتمويل وتنفيذ عملية إعادة الإعمار، ويَظهر قطاع الخدمات الاجتماعية في سلم أولويات النظام في المرحلة الحالية عبر بناء وترميم المدارس والمشافي والمرافق العامة، ومن ثم قطاعا النقل والمواصلات وقطاع الكهرباء.

فيما شهدت القطاعات الأخرى انخفاضاً في أعداد المشاريع والنشاطات على الرغم من الحاجة الماسّة لها، وفي الوقت الذي يُتوقع فيه ارتفاع أعداد مشاريع إعادة الإعمار لم يَلحظ التقرير سوى 6 مشاريع في المنطقتين طوال العام، ما يدلل على عدم قدرة النظام على التصدي لمتطلبات التعافي المبكر، فبحسب دراسة مسحية للأمم المتحدة في العام 2019 جاءت حلب كأكبر المدن المتضررة من القصف بواقع 36 ألف مبنى متضرر بشكل كامل أو قليل، تلتها الغوطة الشرقية بنحو 35 ألف مبنى مدمر([1]).

عموماً؛ لم يُبدِ النظام اهتماماً ولو بحدوده الدنيا  في إعادة إنعاش ما دمرّه من بنى تحتية وخدمات في ريف دمشق وحلب الشرقية بعد انقضاء سنوات  على خروجهما عن سيطرة المعارضة، على الرغم من الأهمية الصناعية والثقل الاقتصادي الذي تملثه المنطقتان، فبينما يكرر مسؤولو النظام في المحافل والمؤتمرات المحلية والدولية تصريحات تفيد بجهوزية سورية لإعادة إعمار المناطق المتضررة وإعادة اللاجئين، وبالرغم من المراسيم الحكومية حول إطلاق إعادة الإعمار واقتطاع ضريبة من دخول المواطنين لتمويلها؛ لا تزال مشاهد الدمار حاضرة في أحياء حلب الشرقية بعد 5 سنوات من سيطرة النظام و3 سنوات من سيطرته على ريف دمشق، وسط واقع صعب يعايشه السكان في ظل سوء في الخدمات المقدمة والانقطاع المستمر للكهرباء والمياه والاتصالات، وانهيار العديد من المباني السكنية جراء تصدعها، ناهيك عن غلاء المعيشة وقلة فرص العمل والنقص في المواد الأساسية والأوضاع الأمنية السيئة.

وبتحليل عام لجملة نتائج حركية الرصد يمكن تصدير خلاصة عامة تفيد بأن نوعية وعدد المشاريع المنفذة في قطاعات التعافي المبكر لا تزال دون الحد الأدنى المطلوب كاحتياج رئيسي، مما يدل على تنامي مؤشر ضعف الفاعلية، ويمكن رد أسبابه إلى مجموعة من القضايا المرتبطة بكون ملف التعافي لا يشكل أولوية في أجندة حكومة النظام، وذلك نتيجة تظافر عدة عوامل منبثقة عن الاحتياج المالي  جراء ما يعيشه النظام من تأزمات مالية واقتصادية، إضافة إلى عدم توفر مؤشرات الإرادة السياسية تجاه هذه المناطق.

 

ملحق

أدناه جدول يوضح تصنيف القطاعات وفقاً للتصنيف الصناعي المعياري الدولي؛

 


 

([1])  Syrian Cities Damage Atlas Eight Year Anniversary of The Syrian Civil War, REACH, March 2019, link: https://bit.ly/3Qc4yB0

التصنيف أوراق بحثية

مدخل

تمكنت المجالس المحلية في مناطق ريف حلب الشمالي من تأمين التيار الكهربائي وطي مرحلة "الأمبيرات" التي حلت محل الكهرباء بعد خروج المنطقة عن سيطرة النظام، وتضرر البنية التحتية للقطاع، حيث تم التعاقد مع شركتين هما “AK ”Energy و ”STE Energy” لاستجرار الكهرباء من تركيا بعد توقيع عقود مع المجالس المحلية. وبعد مرور ثلاثة أعوام على هذه التجربة خرجت مظاهرات للأهالي في مدن اعزاز والباب ومارع وغيرها تشكو من ارتفاع سعر الكيلو واط وانقطاع الكهرباء بشكل غير مبرر، ولجأ الأهالي إلى تقديم شكاوى لدى المجلس المحلي وصل عددها في عفرين إلى 1200 شكوى دفعت "اللجنة المشتركة لرد الحقوق" في عفرين لرفع كتاب لمدير شركة ”STE Energy” لمتابعة الأمور وحل المشاكل. ومع تصاعد الأزمة بين الأهالي والشركتين وعدم الاستجابة للمطالب، لجأ الأهالي للخروج في مظاهرات في مدن الباب وعفرين واعزاز وتم إحراق عدة مقرات للشركتين ومجالس محلية بعد فشل الأخيرة في تعديل بنود الاتفاق مع الشركتين وقوفاً عند مطالب الأهالي.

تحاول هذه الورقة إلقاء الضوء على قطاع الكهرباء في المنطقة وعقود الاستثمار التي تم توقيعها لاستجرار الكهرباء، والخيارات المتاحة لرفع قدرة المجالس المحلية في التفاوض مع شركتي الكهرباء، وتحقيق المصلحة العامة في تأمين كهرباء رخيصة تتوافق مع الأوضاع المعيشية وتسهم في رفد الاقتصاد المحلي بالتطور المطلوب.

الكهرباء في مناطق المعارضة

تُشرف المجالس المحلية في ريف حلب الشمالي؛ مدن الباب واعزاز وعفرين وأخترين وجرابلس على إدارة شؤون المنطقة وتنفيذ مشاريع التعافي المبكر بالتعاون مع المنظمات المحلية والأجنبية، ويبلغ عدد القاطنين في كل من ريف حلب وإدلب و"نبع السلام" حوالي 4.4 مليون نسمة، بينهم: 2.7 مليون شخص من النازحين داخلياً و1.7 مليون شخص يعيشون في 1293 مخيماً([1]). تعرّضت المنطقة لتدمير ممنهج في القطاعات الحيوية والمرافق الأساسية، خلال المعارك مع النظام، و"داعش"، ولاحقاً مع "قوات سوريا الديمقراطية"، غيّرت من ظروف المعيشة وأرغمت الأهالي على الاعتماد على طرق بدائية في توليد الكهرباء؛ كالمولدات وبطاريات السيارات لإنارة المنازل والمتاجر خلال ساعات محددة من اليوم، فبلغ سعر الأمبير المنزلي (وحدة قياس التيار الكهربائي) في منطقة عفرين (خلال سيطرة قوات سوريا الديمقراطية) في عام 2016 نحو 1000 ليرة سورية (1.85$) مقابل 8 ساعات عمل، وبلغ الأمبير التجاري 1300 ليرة سورية (2.41$) مقابل 12 ساعة([2])، بينما بلغ سعر "الأمبير" في مدينة الباب (خلال سيطرة فصائل المعارضة) في شهر ديسمبر/كانون الأول 2019 نحو 6500 ليرة سورية (7$) ووصل أحياناً إلى 9000 ليرة سورية (9$) إثر ارتفاع سعر الوقود وانخفاض قيمة الليرة([3]).

وحرم ارتفاع سعر "الأمبير" وتردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية سكان المنطقة من الكهرباء، وتكبّدت المتاجر والمعامل خسائر كبيرة ما اضطر الكثير منها إلى الإغلاق أو العمل جزئياً ورفع أسعار المواد بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، وبات التحدي الأكبر أمام المجالس المحلية متمثلاً في توفير كهرباء منتظمة وبأسعار منخفضة تتناسب مع الظروف المعيشية. وعلى وقع هذه الصعوبات تحركت المجالس المحلية للبحث عن البديل؛ وتم التعاقد مع شركة “)”AK Energy[4])، تأسست في 1 حزيران 2017 في ولاية كلس التركية، تغذّي الشركة مناطق اعزاز والباب والراعي وبزاعة وقباسين وجرابلس وتل أبيض ورأس العين بالتيار الكهربائي([5]). والشركة الأخرى هي الشركة السورية التركية للطاقة الكهربائية وهي شركة مرخصة في تركيا برمز "STE Energy"([6])، عملت سابقاً في مجال الأمبيرات وتطورت لاحقاً إلى فكرة استجرار الكهرباء من تركيا وتوزيعها في المنطقة([7]). ووقّعت حكومة الإنقاذ بإدلب في مايو/أيار 2021 عقد توريد الكهرباء مع شركة “Green energy”  التي يديرها عمر شقوق، حيث تعمل على تغذية محافظة إدلب بالكهرباء وتتلخص أعمالها بثلاثة أنشطة رئيسة هي: إنشاء وتنفيذ مشاريع الطاقة الكهربائية، وصيانة البنى التحتية للشبكات والمحطات الكهربائية، واستثمار وتوزيع الطاقة الكهربائية.

ووقع المجلس المحلي في مدينة اعزاز مع شركة “AK Energy” أول اتفاق لتوريد الكهرباء للمنطقة في إبريل/نيسان 2018 لمدة عشر سنوات، تتعهد الشركة بموجبه بتغذية اعزاز باستطاعة 30 ميغا واط، مقابل توفير الأرض والمواد الأولية اللازمة للمضي في المشروع، بتكلفة تقدر بـ7 ملايين دولار، وتتولى ولاية كلس فض أي خلاف بين المجلس المحلي والشركة في حال حدوثه، بينما يتولى المجلس حل الخلافات بين الشركة والمواطنين. تبعه المجلس المحلي في مدينة الباب بعقد اتفاق مع ذات الشركة في مارس/آذار 2019 ويشمل الاتفاق إيصال التيار الكهربائي لكل من الباب وبزاعة وقبّاسين وكامل ريفها. ومن ثم تعاقدت كل من صوران وأخترين ومارع في إبريل/نيسان 2019 مع الشركة السورية التركية للكهرباء "STE energy". وفي يناير/كانون الثاني 2020 تم التعاقد مع ذات الشركة في عفرين وتستهدف المرحلة الأولى إيصال الكهرباء إلى عفرين وجندريس، وبقية المناطق في المرحلة الثانية. واعتمدت الشركتان في مبدأ التشغيل على عدادات إلكترونية مسبقة الدفع، تقتضي دفع المشترِك رسمَ اشتراك قيمته 200 ليرة تركية إضافة إلى ثمن العداد.

ومع الوقت بدأت كلتا الشركتين برفع سعر الكيلو واط بشكل تدريجي، للخطين المنزلي والتجاري، ما أدى إلى تزايد الضعوط الشعبية ضد المجالس المحلية وشركتي الكهرباء، فخرجت مظاهرات في مارع واعزاز والباب وصوران وجندريس، وأقام المتظاهرون اعتصامات، احتجاجاً على سياسة المجالس المحلية وطريقة تعاملها مع شركات الكهرباء ورفضاً لرفع أسعار الكيلو واط، فيما تذرّعت شركة“AK Energy”  في مدينة الباب عبر بيان لها بأن سبب الارتفاع في الكهرباء يعود مصدره إلى تركيا، وأن الارتفاع جرى بعد الاتفاق مع المجلس المحلي([8])، وعلى خلفية عدم الاستجابة لمطالب الأهالي، أحرق متظاهرون في مدينة عفرين مبنى شركة الكهرباء العاملة في المنطقة، ومبنى المجلس المحلي أيضًا، وأصدرت إدارة “التوجيه المعنوي” في “الجيش الوطني السوري” بيانًا حول المظاهرات نددت بالتكسير والحرق الذي حصل، ودعت للتهدئة والالتزام بتنظيم الاحتجاج([9]).

يُذكر أن أسعار الكيلو واط زادت منذ إيصال الكهرباء في 2019 حتى 2022 بمقدار 188% من 85 قرش إلى 2.45 ليرة تركية للمنزلي، ويوضّح الجدول أدناه سعر الكيلو واط خلال شهر يونيو/حزيران  2022.

 

تُظهر الأسعار أعلاه زيادة في خط الكهرباء المنزلي  في ريف حلب بنسبة 78% عن تركيا، وزيادة على سعر الكيلو واط التجاري بنسبة 63%. وبالنظر إلى ما تعانيه مناطق المعارضة من ظروف نزاع وبيئة مضطربة وارتفاع في الأسعار وفقر ونزوح، لا تتناسب هذه الأسعار مع الوضع المعيشي في المنطقة؛ إذا أُخذ بالاعتبار وسطي الدخل اليومي لمعظم سكان المنطقة بالاعتبار والذي يتراوح بين 20 و 30 ليرة تركية، بالكاد تغطي الاحتياجات الأساسية([12])، ويبلغ استهلاك العائلة للكهرباء في المنطقة وسطياً معدل 150 كيلو واط شهرياً أي ما قيمته 367.5 ليرة تركية([13])، تمثل حوالي 40% من دخل المواطن، في حين تبلغ فاتورة الكهرباء في تركيا 205 ليرات تركية وتمثل 4% من دخل عامل يتقاضى الحد الأدنى للأجور. وأقرّت شركة الكهرباء “Ak energy” في اعزاز رفع مقدار الشريحة الأولى من الكهرباء إلى 200 كيلو واط، بدلًا من 100 كيلو واط، مع الإبقاء على السعر نفسه عند 2.45 ليرة تركية للكيلو واط، على وقع الاحتجاجات الأخيرة، وهو ما لم يغيّر من واقع الحال شيء.

كما زاد ارتفاع سعر الكيلو واط من تكاليف الإنتاج وأسعار السلع والخدمات وتحميلها للمستهلك في نهاية المطاف، ولدى تتبع نشاطات ومشاريع التعافي الاقتصادي المبكر في المنطقة بين 2018 و2021 بحسب مؤشر التعافي الصادر عن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أظهر المؤشر قطاع الصناعة والاتصالات والتمويل الأكثر هشاشة ضمن القطاعات الاقتصادية الأخرى المرصودة، وتعد زيادة حوامل الطاقة، بينها الكهرباء، أحد أهم العوامل التي ساهمت في تثبيط عمل تلك القطاعات([14]).

قراءة في العقود: عقد اعزاز نموذجاً

بالنظر إلى الاتفاقية الموقّعة بين المجلس المحلي في مدينة اعزاز وشركة الكهرباء “AK Energy”  يمكن استخلاص عدد من النقاط:

  • منح المجلس المحلي للشركة الحق في "توليد وتوزيع الكهرباء" بحسب المادة 2 (موضوع العقد) بدون إيراد أي تفاصيل حول كيفية وحجم توليد الكهرباء والظروف والمسؤوليات الملقاة على عاتق الطرفين، علماً أن المهام الرئيسية التي اضطلعت الشركة بها اقتصرت على استجرار التيار الكهربائي من تركيا وحسب! وألزم المجلس نفسه في البند 4 من المادة السابعة من الأحكام المشتركة بتأمين الأماكن المناسبة لإنشاء محطات شمسية ورياح وغاز طبيعي ومحروقات.
  • منح المجلس المحلي للشركة حق الانتفاع في استخدام شبكات الكهرباء والبنى التحتية الموجودة والعربات والمواد الكهربائية في اعزاز بدون أجور خلال مدة العقد حسب البند 1 في المادة 5، علماً أن الشركة تملّصت من تحمل مسؤولية حماية الشبكة الكهربائية، وجعلتها مشتركة مع المجلس المحلي ومديرية الأمن وفق البند 9 من ذات المادة.
  • ذكر البند رقم 2 في المادة الخامسة أن الشركة ستوزع الكهرباء للمشتركين دون أي عوائق أو مشاكل، بدون ذكر تفاصيل حول العوائق والمشاكل التي قد تواجهها، فجغرافية مناطق المعارضة لا تزال تعاني من اضطرابات أمنية، مما قد يتسبب في انقطاع الكهرباء وإيقاف العمل من قبل الشركة تحت ذرائع أمنية.
  • يعزز البند رقم 3 من المادة الخامسة بيئة الاحتكار من خلال حصر توزيع الكهرباء بالشركة، ومنع إقامة أي شبكة أخرى دون إذن الشركة، ما يحد من قدرة المجلس المحلي على إيجاد حلول وإدخال شركات أخرى على القطاع.
  • في البند رقم 6 من المادة 5 ضمنت الشركة عدم توسيع الشبكة الكهربائية على بعد أكثر من 1 كيلو متر من أقرب نقطة شبكة، قبل انتهاء مدة العقد بسنتين، وهو بند غير مُنصِف؛ إذ من المتوقع اتساع رقعة المساكن والمتاجر مع استقرار المنطقة أكثر وظهور حاجة متزايدة لإيصال الكهرباء إليها. ومن ثم يعد هذا البند مخالفة صريحة لنص المادة رقم 1 والتي تشير إلى "إيصال الطاقة الكهربائية للمناطق التابعة للمجلس المحلي في اعزاز والمناطق التي يتخذ المجلس فيها قراراً بغاية زيادة السوية الاقتصادية للمناطق المحررة من الإرهاب في مدينة اعزاز والبلدات التابعة لها"!
  • تحميل المجلس والمؤسسات الرسمية (مثل المشافي والمساجد والحدائق والمدارس والجامعات) مسؤولية كبيرة في دفع فواتير الكهرباء، بسعر مخفّض يبلغ 50% عن السعر العام بحسب المادة السادسة، إذ قد تتسبب ظروف صعبة تواجه المجلس والمؤسسات العامة بقطع الكهرباء وتحميلها ديوناً تُضعف من إدارتها واستقلاليتها، ما يصب في مصلحة الشركة في النهاية ويمكنها من فرض شروطها.
  • في البند رقم 5 من المادة السابعة أبقت الاتفاقية الباب مفتوحاً أمام حالة التغييرات المفاجئة التي قد تحصل بوضع كلمة "وما شابهها" بعد الكلام عن تغييرات سياسية، حرب، كوارث طبيعية، وأعطى البند للشركة الحق بتغيير شروط العقد بموجب الحالة الواقعة، وعليه يُمكن تغيير شروط العقد إثر ارتفاع أسعار الكهرباء ومعدل التضخم في تركيا على سبيل المثال.
  • لم يذكر البند 6 من المادة السابعة تفاصيل عن المخالفات والتعويضات المذكورة في حال عدم الالتزام ببنود الاتفاق، ما ينبئ بحالة من الغموض والمخاطر، ونصّت المواد على أحقية الشركة في فسخ العقد بدون دفع تعويضات إذا أخلّ المجلس بأي بند من بنود الاتفاق، بحسب البند 10 من ذات المادة.
  • أظهرت الاتفاقية المجلس مكبلاً وبموقف ضعيف خلال رفع الشركة لسعر الكيلو واط، لعدم وجود تفاصيل في بنود الاتفاق تحمي المجلس وتعطيه حق الرد والنقض بعد رفع الأسعار بشكل لا يتناسب مع قدرة المواطن في المنطقة. ولم تشر الاتفاقية إلى بنود حول إعادة التفاوض على اتفاقية جديدة خلال ظروف معينة، ونصّ البند 12 من المادة 7 على أنه "إذا تبين أن أي حكم من أحكام هذه الاتفاقية لاغٍ أوباطل أو مبطل أو غير صالح أو غير قابل للتنفيذ، فإن هذا الوضع لا يلغي صحة الأحكام المتبقية من الاتفاق، كلياً أو جزئياً، وإذا تبين أنه يعيق سير العمل يعتبر لاغياً بموجب قانون الديون التركي"، يعد إيراد هذا البند كافياً لعدم السماح للمجلس بطلب تعديل على الاتفاق فيما لو تبين عدم أحقية أحد البنود لسبب من الأسباب، كما لا تترتب أية جزاءات أو تعويضات أو أضرار على الشركة المنفّذة.
  • في البند 13 و14 من المادة 7 ضمِنت الشركة حقها أمام المجلس المحلي من خلال التحاكم أمام المحاكم التركية، فيما لم تذكر تفاصيل تنص على خضوع الشركة لقوانين المحاكم التركية أو حتى المحلية في حال حدوث شكاوى ضد الشركة من قبل المجلس والأهالي، وعليه امتلكت الشركة هامش حركة أكبر من المجلس المحلي وباتت صاحبة موقف أقوى في آليات التحاكم.

خلاصة وتوصيات

ذكرت الاتفاقية الموقّعة بين اعزاز وشركة “AK Energy” أن الغاية من الاتفاقية هي "زيادة السوية الاقتصادية للمناطق المحررة من الإرهاب في مدينة اعزاز والبلدات التابعة لها"، في حين أن أسعار الكهرباء خلال السنوات الثلاث الماضية زادت الأعباء المعيشية على المواطن ومشاكل قطاع الصناعة، وفاقت تسعيرة الكيلو واط الأسعار في تركيا، ما أدى لخروج مظاهرات في العديد من البلدات والمدن احتجاجاً على ارتفاع الأسعار والانقطاع المتكرر ضد المجالس المحلية والشركتين، كأحد ديناميات الضغط من المجتمع المحلي على الشركتين.

وبهدف تحسين بيئة التفاوض واكتساب أوراق قوة يمكن العمل على عدة نقاط من بينها:

  • تشكيل مظلة إدارية واحدة تمثل كافة المجالس المحلية في المنطقة تتمتع بإدارة تكنوقراط تضم أشخاصاً لديهم خلفية إدارية وقانونية واستثمارية، وتشرف على إدارة الاستثمارات في المنطقة ككل من خلال طرح العروض والمناقصات والبت بها، وأخذ العرض الأفضل الذي يراعي المصلحة الوطنية، ومن شأن العمل على هذه المظلة إظهار المنطقة ككتلة إدارية موحّدة لديها جبهة عمل تفاوض باسمها وتعنى بكافة الشؤون القانونية والاستثمارية.
  • يمكن للمجالس المحلية الابتعاد عن خصخصة القطاعات في المرحلة الحالية، والتوجه إلى نموذج المشاركة بين القطاع العام والخاص، ومن بين عقود العمل التي يمكن الاعتماد عليها خلال هذه الآونة (ابنِ، شغّل، انقل) والذي يقضي بمنح حق التملك والمشاركة في الأرباح مع القطاع الخاص لتنفيذ مشاريع استراتيجية لمدة 20 إلى 30 سنة، على أن يعود المشروع لملكية الكيان الحكومي بعد انتهاء المدة المتفق عليها، ويمكّن هذا النوع من العقود هامشاً أوسع للمجلس المحلي أثناء عملية التفاوض وآليات صنع القرار، فضلاً عن تصميم العقد ووضع شروط تتوافق مع مصلحة المواطن والشركات المحلية بالدرجة الأولى.
  • تأسيس شركة محلية في قطاع الكهرباء باسم "شركة الكهرباء الوطنية" من قبل المجالس المحلية وتسجيلها في تركيا بعد جمع الأموال المطلوبة لتمويل هكذا مشروع، ومن ثم التفاوض مع كلتا الشركتين لشراء حصصهما أو تقليلهما للحد الأدنى، أو يمكن للشركة الوليدة استجرار الكهرباء من تركيا كمشغّل ثالث للكهرباء في المنطقة ومنافسة الشركتين في الخدمة وإرغامهما على تعديل الأسعار.
  • إعادة التفاوض مع كلتا الشركتين وكتابة عقود جديدة تضمن استحواذ المجالس على نسبة لا تقل عن 50% تحافظ من خلالها على الكتلة المعطّلة في عملية اتخاذ أي قرار لا يتصل بالمصلحة العامة، وتحتاج إعادة التفاوض إلى تعزيز دور اللجان القانونية في المجالس المحلية لفهم تفاصيل العقود وإيجاد ثغرات قانونية تمكّن المجلس من إعادة التفاوض وكتابة بنود أكثر تفصيلاً تحل المشاكل العالقة، وتضمن أسعار مخفضة، وعدم تمرير أي اتفاقية في المستقبل بدون إمضاء اللجنة القانونية عليها، ونشر مذكرة التفاهم للعلن.
  • تشجيع المجتمع المدني والقطاع الخاص وغرف التجارة والصناعة على تأسيس شركات في الطاقة البديلة وتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية والرياح وغاز الميثان وتوفيرها للبلدات والمدن والمؤسسات العامة، ومنافسة الشركتين في تزويد المصانع والمعامل والمتاجر بالكهرباء بأسعار منافسة تسهم في دفع عملية الإنتاج نحو الأمام، بعد اعتماد آليات واضحة للحقوق والاستثمار والأصول والأرباح.

وأخيراً، من شأن ما سبق دعم المقاربة التي تذهب إليها هذه الورقة في دعم قدرة المجالس المحلية على التفاوض لإنعاش القطاعات الاستراتيجية التي تضررت خلال فترة الحرب والمساهمة في تنمية الاقتصاد المحلي وتخفيف الأعباء المعيشية على المواطن ونقل عملية التعافي الاقتصادي المبكر نحو إعادة الإعمار، كما ستبقيها أكثر مرونة أمام دخول مشاريع دولية ذات رؤوس أموال كبيرة.

 


 

([1]) Developments in north-west Syria and Ras Al Ain – Tell Abiad Situation Report No. 33, November 2021

([2])  مقابلات أجراها الباحث مع عوائل في اعزاز والباب وعفرين ومارع وإدلب عبر الهاتف في 9/5/2022.

([3]) انظر تطوير البيئة التمويلية في مناطق المعارضة، مركز عمران للدارسات الاستراتيجية، 17/3/2022، رابط: https://cutt.ly/tG6IiFF

([1]) North West Syria, OCHA, situation report, link: https://reports.unocha.org/en/country/syria/   visit: 10/5/2022

([2] (تغير أسعار الأمبيرات في عفرين، راديو روزنة، 29/8/2016، رابط: https://cutt.ly/CG54t1M

([3] ( الأمبيرات ترهق أهالي مدينة الباب في ريف حلب، عنب بلدي، 1/12/2019، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/346167 تم احتساب سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار على سعر 922 ليرة حسب سعر الصرف السائد في السوق السوداء في دمشق بحسب نشرة الليرة السورية اليوم في 29 ديسمبر/ كانون الأول، رابط: https://sp-today.com/en/currency/us_dollar/city/damascus

([4])  تعود ملكية الشركة للسوري إبراهيم خليل بنسبة 31% والأسهم الأخرى يمتلكها حسن تتر بنسبة 25%، ورجب شوبان بنسبة 20%، وياسين يوجيل بنسبة 24 %

([5])  شركة “Ak Energy” العاملة في سوريا ليست “Ak Enerji” التركية، عنب بلدي، 20/2/2022، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/549353#ixzz7Smj7WGug

 ([6]) تأسست على يد رجال أعمال سوريين يعملون في مجال الانترنت والمقاولات هم: مؤيد علي حميدي وضياء مصطفى قدور ومحمود أحمد قدور.

([7])  ريف حلب... أول شركة سورية تدخل بعقد استثمار لتوصيل الكهرباء، عنب بلدي، 6/4/2019، رابط:  https://www.enabbaladi.net/archives/292826#ixzz7SmlFlXUv

([8]) الكهرباء تشعل فتيل المظاهرات في أرياف حلب، عنب بلدي، 5/1/2022، رابط:  https://www.enabbaladi.net/archives/537364

([9]) “الجيش الوطني” يدعو إلى تهدئة احتجاجات الكهرباء في ريف حلب، عنب بلدي، 4/6/2022، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/578769

([10]) تم احتساب سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار عند 16.5 ليرة.

 ([11]) تقسم أسعار الكهرباء للخطوط المنزلية في تركيا إلى ثلاثة أقسام حسب المدة الزمنية: فترة الاستهلاك العادي: من الساعة السادسة صباحاً وحتى الخامسة عصراً بسعر 1.37 ليرة، وفترة الذروة: من الساعة الخامسة عصراً وحتى العاشرة ليلاً 2.15 ليرة، والفترة المخفضة: من العاشرة ليلاً وحتى السادسة صباحاً 0.74 قرش.

([12]) Developments in north-west Syria and Ras Al Ain – Tell Abiad Situation Report No. 33, November 2021

([13])  مقابلات أجراها الباحث مع عوائل في اعزاز والباب وعفرين ومارع وإدلب عبر الهاتف في 9/5/2022.

([14]) انظر تطوير البيئة التمويلية في مناطق المعارضة، مركز عمران للدارسات الاستراتيجية، 17/3/2022، رابط: https://cutt.ly/tG6IiFF

التصنيف أوراق بحثية

ملخص تنفيذي

  • تم تنفيذ 766 مشروعاً ونشاطاً في مناطق المعارضة بالشمال، ريف حلب الشمالي والشرقي ومحافظة إدلب، خلال النصف الثاني من 2021، بانخفاض عن النصف الأول 2021 بنسبة 11% أو بواقع 104 مشروعاً. وفي رصد للعدد الإجمالي لمشاريع في التعافي الاقتصادي المبكر أظهر التقرير تنفيذ 4070 مشروعاً بين 2018 و2021 في مناطق المعارضة.
  • استحوذ قطاع النقل والمواصلات على النسبة الأكبر للمشاريع المنفّذة (193 مشروع) ثم قطاع التجارة (169 مشروع) وقطاع المياه والصرف الصحي (123 مشروع) ويليه قطاع النزوح الداخلي (104 مشروع) وقطاع الزراعة والثروة الحيوانية (61 مشروع) والإسكان والتعمير (60 مشروع).
  • يلحظ التقرير عدة قضايا منها ارتفاع الأعمال المنفّذة في إدلب وريفها بواقع 55% لإدلب (419 مشروع) مقارنة بالمشاريع المنفّذة في حلب وريفها بواقع 45% (347 مشروع)؛ وتم تسجيل 1862 فرصة عمل في العديد من القطاعات تركزت معظمها في القطاع الطبي والنزوح الداخلي، ومن بين القرارات والإعلانات البارزة للمجالس المحلية والمنظمات تم عقد اجتماعات بين منظمات لوضع خطة لزراعة القمح وتنظيم عملية الزراعة، وإطلاق جمعية مزارعي البطاطا بالتعاون والتنسيق بين مؤسسة إكثار البذار وكل من المجلس المحلي في مارع وصوران والراعي، وإقرار المجلس المحلي في مدينة الباب سعر الكيلو واط 88.8 قرش لخط الكهرباء المنزلي و1.15 لخط الكهرباء التجاري، كما تم تحديد سعر ربطة الخبز بليرتين تركيتين.
  • من بين نقاط الضعف التي أوردها التقرير عدم توحيد آليات النشر ورصد النشاطات والمشاريع، يصعّب مهمة البحث والتدقيق على المشاريع والنشاطات المنفّذة ويجعل من الأرقام تفتقر للدقة المطلوبة لتقييم اقتصاد المنطقة، وجفاف واضح في البيئة القانونية بالشكل الذي يعطّل عملية التمويل ورفد المنطقة بالاستثمارات الصناعية والزراعية الكفيلة بتطوير اقتصاد المنطقة.
  • ومن بين نقاط القوة التي لحظها التقرير؛ استمرار العمل في بناء وحدات سكنية ونقل النازحين إليها، والاعتماد على طاقة الشمس في توليد الطاقة الكهربائية في مضخّات المياه وإنارة الطرقات، فضلاً عن تعبيد وتأهيل المزيد من الطرقات والساحات والأسواق، بالإسفلت وحجر الأنترلوك.
  • ويوصي التقرير بتوجيه المجالس المحلية والمنظمات على اعتماد آلية نشر موحدة لدى تنفيذ المشاريع، بحيث توجِد شبكة تواصل بين المجالس والمنظمات والعمل على خط مشترك في هذا الشأن، وتأسيس "جمعية زراعية وطنية" للنهوض بقطاع الزراعة تجمع الفلاحين والنقابات الزراعية للعمل على تنفيذ أجندة وطنية تصب في صالح المنطقة، وأوصى التقرير بتشكيل "هيئة إدارة المشاريع" لتذليل كافة الصعوبات التي يعاني منها قطاع التمويل، من قوننة وتعبئة المدخرات المحلية وإنتاج وتسويق.

حول التقرير: المنهجية والأدوات

يحاول تقرير التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق المعارضة في مدن وبلدات "درع الفرات"، و"عفرين"، ومحافظة إدلب استكمال ما بدأه منذ النصف الثاني لعام 2018 عبر رصد نشاطات الفاعلين من مجالس محلية ومنظمات خلال النصف الثاني لعام 2021 بين تموز وكانون الأول. ويهدف التقرير لتشخيص وفهم ما يلي:

  1. حركية النشاطات والأعمال المنجزة في المنطقة المحددة وبالتالي قياس تطور الاقتصادات المحلية ومقارنة المناطق والقطاعات مع بعضها البعض؛
  2. قدرة الفواعل على إيجاد بيئة آمنة للعمل والاستثمار تؤدي إلى خلق فرص عمل والقيام بأعمال ونشاطات متنوعة وتحريك الطلب المحلي؛
  3. قدرة المجالس المحلية على لعب دور حوكمي وتوقيع مذكرات تفاهم مع الشركات والمنظمات تسهم في رفد عملية التعافي المبكر بالنشاطات اللازمة؛
  4. معرفة حجم ما تصدره المجالس من تشريعات وقرارات وتعميمات والدور التشريعي الذي تلعبه المجالس في مأسسة العمل وضبط آليات العمل فيها.

وتتشكل أهمية هذا التقرير من قدرته على تشخيص حركة الانجاز في المشاريع الاقتصادية والتنموية المنفّذة بعموم المناطق التي يتم رصدها وتقييم الإيجابيات والسلبيات، مما يشكل دافعاً وإسهاماً لصنّاع القرار والفواعل لتوجيه الدعم وسد الثغرات في القطاعات الاقتصادية.

ركّز التقرير خلال عملية الرصد على المدن الرئيسية والبلدات المبين في الجدول رقم (2) التي شهدت نشاطاً اقتصادياً ملحوظاً، ووفقاً للتصنيف الصناعي المعياري الدولي، كما تم الاعتماد على المعرّفات الرسمية للمجالس المحلية والمنظّمات العاملة على "فيس بوك" و"تليغرام" وتسجيل نشاطاتها وتقاريرها الدورية الموضّحة بالجدول رقم (1)، وفق معادلة رصد مضبوطة تؤمّن القدرة على تحليل البيانات وفق مستويين، المستوى الأول مستوى القطاعات الاقتصادية، والثاني وفقاً للمستوى الجغرافي.

يوضّح الجدول أدناه خارطة الفواعل التي يرصد التقرير أنشطتها التنموية والخدمية والاقتصادية

 كما يظهر الجدول أدناه القطاعات ونوعية النشاطات/ القرارات المرصودة:

 

أولاً: مؤشرات التعافي الاقتصادي المبكر في النصف الثاني من عام 2021

تم تنفيذ 766 مشروعاً ونشاطاً في مناطق المعارضة بالشمال، ريف حلب الشمالي والشرقي ومحافظة إدلب، بانخفاض عن النصف الأول بنسبة 11% أو بواقع 104 مشروعاً. وحسب الشكل رقم (1) ورقم (4) يوضحّان عدد ونسب المشاريع في المنطقة، وكانت ضمن قطاع النقل والمواصلات (193 مشروع) بنسبة 25% وقطاع التجارة (169 مشروع) بنسبة 22% وقطاع لمياه والصرف الصحي (123 مشروع) بنسبة 16% وقطاع النزوح الداخلي في المرتبة الرابعة بواقع (104 مشروع) وقطاع الزراعة  والثروة الحيوانية (61 مشروع) وقطاع الإسكان والتعمير (60 مشروع).

وحافظت إدلب على تنفيذ النسبة الأكبر من المشاريع والنشاطات بواقع 55% (419 مشروع) مقارنة مع ريف حلب (347 مشروع) كما يظهر في الشكل رقم (2).

 

وبشكل أكثر تفصيلاً يُظهر الشكل رقم (3) توزع المشاريع على المناطق المرصودة؛ حيث حلّت مدينة إدلب في المرتبة الأولى (125 مشاريع) في المؤشر للمرة الرابعة، وجاءت بعدها مدن الباب (85 مشروع) واعزاز (82 مشروع) وسرمدا (80 مشروع)، إضافة إلى مدن الدانا وعفرين وأخترين، ويعود تركز المشاريع في هذه المدن إلى عدة عوامل لعلّ أبرزها تركز عدد كبير من المخيمات فيها وبالتالي وجود معظم المنظمات والمحلية والأجنبية، واحتواءها على أسواق تجارية.

 

ومن بين أبرز القرارات والإعلانات التي تم اتخاذها والإعلان بها من قبل المجالس المحلية والمنظمات خلال هذه الفترة: عقد اجتماعات لعدة منظمات لوضع خطة لزراعة القمح وتنظيم زراعة وتصرف المحصول، وأطلق المجلس المحلي في مارع وصوران والراعي جمعية مزارعي البطاطا بالتعاون والتنسيق مع مؤسسة إكثار البذار، أما في إدلب فقد أعلن الاتحاد العام للفلاحين ومديرية زراعة إدلب أنها تتابع تشكيل الجمعيات الفلاحية في المدن والبلدات والقرى لتنظيم عمل الفلاحين وزراعاتهم وحل مشاكلهم العالقة، وأقر المجلس المحلي في مدينة الباب سعر الكيلو واط 88.8 قرش لخط الكهرباء المنزلي و1.15 لخط الكهرباء التجاري، كما تم تحديد سعر ربطة الخبز بليرتين تركيتين، وتم عقد مذكرتي تفاهم في الراعي واعزاز أحدهما لتعبيد الطرقات والأخرى لتقديم 50% من مادة الطحين للمجلس المحلي في الراعي لبيع ربطة الخبز للمواطن بسعر ليرة تركية، كما وفرت المنظمات والمجالس المحلية نحو 1862 فرصة عمل خلال الفترة المرصودة بزيادة 832 فرصة عن النصف السابق بنسبة 80%، معظمها عقود مؤقتة بين شهر و6 أشهر وسنة، وتركزت في القطاع الطبي من قبل منظمات "سيريا ريليف"، و"تكافل الشام"، و"المؤسسة الدولية للتنمية الاجتماعية" و"يداً بيد للاغاثة والتنمية" وغيرها.

استحوذ قطاع النقل والمواصلات على المرتبة الأولى ضمن مؤشر التعافي بواقع 193 مشروعاً، بارتفاع عن النصف السابق بـ52 مشروعاً، وحازت الدانا واعزاز وأخترين وعفرين على المراتب الأربعة الأولى بين المناطق التي تم رصدها كما يظهر في الشكل أدناه. ومن بين المشاريع المنفّذة استمرار رصف الطرقات الفرعية والساحات بحجر الانترلوك، وتعبيد الطرقات بالإسفلت بين اعزاز وكفركلبين، وكفركلبين وكلجبرين، والسلامة وشمارين، وشمارين وسجو وغيرها، وشهدت هذه الفترة أيضاً تأهيل العديد من الطرقات المؤدية إلى تجمعات المخيمات وربطها مع القرى المجاورة لسهولة نقل الخدمات إليها.

 

وتم تنفيذ 169 مشروعاً في قطاع التجارة جاءت إدلب في المرتبة الاولى بـ44 مشروعاً تلتها الباب واعزاز والدانا على التوالي، ولا تزال السمة الرئيسية في هذا القطاع هو إصدار المنظمات العاملة والمجالس المحلية مناقصات لتوريد أدوات طبية ووقود وقرطاسية وخدمات طباعة وطحين وتقديم عروض لاستئجار سيارات وسواها، ومن بين المنظمات التي تقدم مناقصات وتساعد على تنشيط هذا القطاع مؤسسة بناء للتنمية، ومنظمة بنيان، والرابطة الطبية للمغتربين، وجمعية عطاء وغيرها.

 

وفيما يتعلق بقطاع المياه والصرف الصحي تم تنفيذ 123 مشروعاً في المنطقة كما يُظهر الشكل أدناه، وتربّعت مدينة سرمدا على رأس القائمة بواقع 22 مشروعاً، تلتها مدينتي اعزاز (21 مشروع) وإدلب (14 مشروع)، ويعد هذا القطاع أحد القطاعات الحيوية ضمن مؤشر التعافي وساهم العمل عليه خلال الشهور الماضية في تحسن وضع البنية التحتية للمياه وطرق إيصالها للسكان والمخيمات، وأشارت إحصائية لوحدة تنسيق الدعم إلى طرق إيصال المياه في الشمال السوري في تشرين الأول 2021 وجاءت النسب: 89% بواسطة شبكة مياه و6% عبر الصهاريج و1% منهل.

 

وبالانتقال إلى قطاع النزوح الداخلي، انخفض عدد المشاريع في هذا القطاع عن النصف السابق بواقع 41 مشروعاً إذ تم تنفيذ 104 مشاريع خلال النصف الثاني من 2021 حيث نفّذ في سرمدا (24 مشروعاً) وأطمة (22 مشروعاً) وإدلب (19 مشروعاً)، نظراً إلى كثافة أعداد النازحين والمخيمات فيها، وشملت الأعمال تقديم خدمات البنية التحتية في المخيمات وترميم المنازل لتحسين الظروف المعيشية للنازحين القاطنين فيها، وأوردت نشرة لوحدة تنسيق الدعم أن 62% من الطرق ضمن المخيمات معبدة أو مرصوفة فيما لا تزال 38% تحتاج إلى رصف وتعبيد.

 

بالنسبة لقطاع الزراعة والثروة الحيوانية فقد تم تنفيذ 61 مشروعاً أقل بـثلاثة مشاريع عن النصف السابق، جاءت إدلب في المرتبة الأولى (18 مشروعاً) تلتها جرابلس (6 مشاريع) وقباسين وعفرين واعزاز (4 مشاريع) لكل منها، وتضمنت هذه الفترة دعم الفلاحين بالمواد الأساسية لدعم المحاصيل الزراعية، وتسليم قروض حسنة للمزارعين، ومتابعة حثيثة للمحصول من قبل المنظمات للتدخل في الأوقات المناسبة ومساعدة الفلاح على جني المحصول. وألقت المجالس المحلية الضوء أكثر على قطاع الزراعة من خلال دعم تأسيس جمعيات للمزارعين وتأسيس اتحاد عام لهم، واجتماع عدة منظمات في اعزاز لوضع خطة لزراعة القمح في المنطقة.

 

وسجّل قطاع الإسكان والتعمير تنفيذ 60 مشروعاً بزيادة 8 مشاريع عن النصف السابق، كما يظهر في الشكل أدناه، وبقيت مدينة الباب في قمة المؤشر بواقع 37 مشروعاً بدافع إصدار تراخيص على الشيوع لبناء سكني وتجاري، واستمرت مشاريع نقل المخيمات إلى مجمعات سكنية تتسع لمئات العائلات ومجهّزة بكافة الخدمات، وألقى "فريق ملهم التطوعي" على نقطة مهمة في هذا الإطار عندما تمكن من جمع تبرعات بأكثر من 2 مليون دولار لبناء وحدات سكنية للنازحين عوضاً عن الخيمة، وأنهى العمل في مدينة اعزاز على مشروعي أوتاد الذي يضم 320 وحدة سكنية، وقرية ملهم التي تضم 300 وحدة، وجهّزت منظمة إحسان 247 وحدة سكنية في بلدة كفرصفرة، والانتهاء من "قرية التميز الإنساني" من قبل منظمة وطن في مدينة حارم، وتم نقل 453 عائلة من المخيمات إلى مساكن جاهزة في قرية الزيتون في مدينة الدانا من قبل مديرية الشؤون الإنسانية.  ومن بين المشاريع البارزة التي تم العمل عليها في هذه الفترة؛ بناء منطقة حرفية في اعزاز، وسوق من 39 محل في الراعي، وبدء العمل على مدينة صناعية في صوران.

 

ونفذت المجالس المحلية والمنظمات 24 مشروعاً في قطاع الكهرباء خلال هذه الفترة أقل بمشروعين عن النصف السابق. وجاءت إدلب على رأس القائمة بـ5 مشاريع والراعي بـ4 مشاريع وبعدها الأتارب، وتم خلالها إيصال الكهرباء للبلدات ولمدن وتجهيز أعمدة إنارة للمحلّق الغربي الشمالي في اعزاز، وعلى طريق معبر السلامة، وفي الراعي وقباسين وسلقين، ونفّذت العديد من المنظمات مشاريع توليد طاقة كهربائية عبر تركيب المئات من ألواح الطاقة الشمسية في محطات ضخ المياه لتخديم النازحين في المخيمات في كفردريان وصوران وإدلب والأتارب.

 

فيما يتعلق بقطاع الخدمات الاجتماعية فقد تم تنفيذ 17 مشروعاً أقل بـ9 مشاريع عن النصف السابق، حيث تم بناء مدرسة "حق الشام" في مدينة الباب، ومدرسة في أخترين، ومستوصف في صلوة، وتم تأهيل 6 مدارس في مدينة اعزاز، وتأهيل عدد من المدراس في عفرين، وغيرها.

وفيما يتعلق بقطاع التمويل، تم تنفيذ 10 مشاريع في بزاعة والباب واعزاز والراعي وأخترين وإدلب ومن بين المشاريع التي يتم تنفيذها، النقد مقابل العمل التي تستهدف أعمال النظافة العامة والمشاريع الخدمية، وطرح مزادات لاستثمار محال وصالات تجارية، وتم طرح معمل غاز وأراضي زراعية ومحل تجاري وحديقة للاستثمار في بزاعة.

كما تم تنفيذ 3 مشاريع في قطاع الاتصالات، بينها إصلاح خط الهاتف الواصل بين إدلب وعربيتا، وصيانة وتمديد خطوط للهاتف الأرضي في إدلب. أما في قطاع الصناعة فقد تم تنفيذ مشروع يتعلق بتجهيز معمل لصناعة حجر الانترلوك في مدينة جرابلس، ومشروع بناء محطة مفاعل معالجة لاهوائية للصرف الصحي في بلدة باتبو.

أخيراً، يمكن القول إن النصف الثاني من 2021 انخفضت عدد المشاريع فيه بواقع 104 مشاريع، وبقي تركز المشاريع في قطاعات النقل والمياه والتجارة في سلم أولويات المنظمات العاملة والمجالس المحلية، ولا تزال إدلب تتفوق بعدد المشاريع على ريف حلب بواقع 55% لإدلب مقابل 45% لريف حلب. وتم تسجيل 1862 فرصة عمل أوجدت من قبل المنظمات والمجالس المحلية في مختلق القطاعات الاقتصادية، وتركز معظمها في القطاع الطبي وهو مؤشر يؤكد على آثار الحرب واحتياجات المنطقة في هذا القطاع.

 

ثانياً: التقييم العام

يُظهر الشكل رقم (13) المسح القطاعي على مشاريع التعافي في مناطق المعارضة من النصف الثاني في 2018 حتى النصف الثاني في 2021 أنجز خلالها 4070 مشروعاً معظمها في قطاع النقل والمواصلات تلاها المياه والصرف الصحي ومن ثم قطاع التجارة، وقد شكّلت هذه القطاعات بما رفدته من مشاريع ونشاطات قاطرة عملية التعافي في المنطقة على مدار الفترة الماضية واستطاعت تقديم الخدمات الأساسية الأشد احتياجاً للسكان من مياه وطرقات، فيما حازت قطاعات الصناعة والاتصالات والتمويل على الاهتمام الأقل بين القطاعات المرصودة فضلاً عن قطاع الزراعة والثروة الحيوانية الذي نفذ فيه 323 مشروعاً، وهي إشارة إلى خلل يحتاج إلى تضافر الجهود لدفع هذه القطاعات وإعادة التوازن للمنطقة، باعتمادها على الموارد المحلية المتوفرة لإحلال جزء من الواردات وعدم الاعتماد على الخارج بنسبة عالية. كما يشكل قطاع النزوح الداخلي (577 مشروعاً) تحدٍ كبير للمنطقة بالمنهجية المتبعة في تخديم النازحين في المخيمات، وقد بدأت العديد من المنظمات الاعتماد على بناء منازل سكنية وتنقل سكان المخيمات إليها، إلا أن العدد الكبير للمخيمات يحتاج لتضافر عدد أكثر من المنظمات للعمل على خطة تضمن إنهاء المخيمات ومشاكلها.

 

وفيما يتعلق بتوزع المشاريع على البلدات والمدن يُظهر الشكل رقم (14) مدينة إدلب على رأس قائمة المدن الأكثر تنفيذاً للمشاريع بواقع 562 مشروعاً، وتلتها مدينتي الباب واعزاز 487 و388 على التوالي. وساهم تركز المنظمات المحلية والأجنبية من جانب، والمخيمات من جانب آخر إلى استقطاب هذه المدن مشاريع بشكل أكثر من بقية المدن الأخرى. ومن جانب آخر يلحظ التقرير التغيرات الجذرية التي حلّت ببعض القرى والبلدات الصغيرة بتحولها إلى حواضن كبيرة إثر تدفق النازحين وإنشاء المخيمات فيها ونشاط المنظمات والمجالس المحلية فيها، مثل بزّاعة والدانا وسرمدا، على حساب المدن الكبيرة والتي كانت تشكل مراكز جذب تجاري واقتصادي مثل عفرين وحارم وغيرها.

تبين نتائج الرصد في النصف الثاني لعام 2021 جملة من نقاط القوة والضعف قي القطاعات المرصودة في مناطق "درع الفرات" و"عفرين" ومحافظة إدلب، فبالنسبة لنقاط الضعف يمكن شملها بالنقاط الآتية:

  • عدم توحيد آليات نشر المشاريع فضلاً عن وجود مكتب إحصائي يقوم بمهام الإحصاء، يصعّب مهمة البحث والتدقيق على المشاريع والنشاطات المنفّذة في المنطقة ويجعل من الأرقام تفتقر للدقة المطلوبة لتقييم اقتصاد المنطقة.
  • تعاني المنطقة من جفاف قانوني يعطّل بيئة التمويل وبالتالي قطاعي الصناعة والزراعة بشكل أساسي، إذ تساعد القوانين والتشريعات ضمن بيئة قانونية مواتية إلى تشجيع رأس المال الوطني بالدرجة الأولى للعمل والاستثمار بشكل أكبر، وإضفاء أجواء الثقة بالشكل الذي يساهم في رفد المنطقة بالتطور المطلوب.
  • يؤدي تركز المشاريع في مناطق محددة إلى تشوهات اقتصادية مستقبلية من قبيل استقطاب أناس للعمل في مدن محددة وما يتبعها من ارتفاع في الأسعار وتوسع سكني أفقي وعامودي وعدم استيعاب البنية التحتية لهذا التوسع، وهو ما يحدث فجوات عدّة بين البلدات والمدن في المنطقة.

أما بالنسبة لنقاط القوة التي يسجلها التقرير:

  • اعتماد المنظمات على توليد الكهرباء في مضخات المياه وإنارة الطرقات على ألواح الطاقة الشمسية، يقدّم مرونة عالية في هذا القطاع وبالنظر إلى حجم الصعوبات التي تواجه المنطقة في ظل عدم توفر موارد مستقرة للوقود، ومن شأن اعتماد هذه الطريقة وتوسعها إلى ابتكار نموذج جديد في توليد الطاقة الكهربائية كبديل عن الطاقة التقليدية.
  • تعبيد وتأهيل المزيد من الطرقات والساحات والأسواق، بالإسفلت وحجر الإنترلوك، حيث يتم تشبيك المدن والقرى ببعضها البعض بالشكل الذي يسهّل عملية تنقل المدنيين والتجارة المحلية.
  • بناء المنظمات مئات الوحدات السكنية الجاهزة ونقل العوائل النازحة إليها، بالشكل الذي يساهم في تخفيف الأعباء على المنطقة، وتوجيه الموارد المالية من المخيمات إلى أبواب وقطاعات اقتصادية أخرى.
  • ويُضاف إلى ما سبق بناء مفاعل لاهوائي لمعالجة مياه الصرف الصحي في المنطقة، وهي خطوة ولا شك مهمة ولا بد أن يتبعها خطوات أخرى من قبيل معالجة النفايات والاستفادة من الطاقة المتولدة.

توصيات ختامية

يورد التقرير توصيتين من شأنهما رفد عملية التعافي الاقتصادي المبكر مزيداً من التنسيق في المنطقة وفواعلها، ومزيداً من العمل في القطاعات غير الفاعلة حتى الآن:

  • يمكن للمجالس المحلية والمنظمات الاعتماد على آلية نشر موحدة لدى تنفيذ المشاريع إلى حين تأسيس مكتب إحصائي لديه منهجية واضحة ويعتمد على طريقة عمل احترافية في هذا الخصوص، من شأن هذه الطريقة إيجاد شبكة تواصل بين المجالس والمنظمات والعمل ضمن خطة مشتركة لا تتطلب الكثير من التنسيق والتشابكات الإدارية.
  • وللنهوض بقطاع الزراعة يمكن العمل على تأسيس "جمعية زراعة وطنية" تجمع الفلاحين والنقابات الزراعية ينتخبون إدارة تعمل على تنفيذ أجندة وطنية تصب في صالح المنطقة وتصمم طريقة تتناسب وظروف المنطقة التي تمر فيها.
  • تطوير القطاع التمويلي متلازمة ضرورية للنهوض بالاقتصاد المحلي، ومن شأن العمل مع المجالس المحلية والمنظمات وغرف التجارة والصناعة في تشكيل "هيئة إدارة المشاريع" على تذليل كافة الصعوبات التي يعاني منها قطاع التمويل، من قوننة وتعبئة المدخرات المحلية وإنتاج وتسويق.
التصنيف تقارير خاصة
عبادة الشلَّاح
تشكل لحظات التغيير الكبرى منعطفات حاسمة في حياة الشعوب، فهي تفتح الباب أمام احتمالات واسعة،…
الثلاثاء كانون1/ديسمبر 24
نُشرت في  مقالات الرأي 
مناف قومان
مدخل شهدت سورية خلال الأيام القليلة الماضية تحولاً تاريخياً تمثل بانتصار الثورة في إسقاط نظام…
السبت كانون1/ديسمبر 21
نُشرت في  أوراق بحثية 
محمد السكري
ملخص تنفيذي برزت أهمية مفهوم النقابات كمساهم في صيرورة بناء المؤسسات وعملية الدمقرطة في الدولة…
الخميس كانون1/ديسمبر 19
نُشرت في  أوراق بحثية 
مروان عبد القادر
شهدت سورية منذ بداية الثورة في عام 2011 حالة من الاضطراب السياسي والعسكري، تمثلت في…
السبت كانون1/ديسمبر 14
نُشرت في  مقالات الرأي