أوراق بحثية

تمهيد

أثر النزاع الذي دار في سورية عقب انطلاق الثورة السورية عام 2011 على هياكلها السياسية والاجتماعية والإدارية. وبرزت نتيجة ذلك تصورات مختلفة حول قضية اللامركزية كإطار محتمل لتحقيق الاستقرار وكمدخل للحل في البلاد من مبدأ التعامل الواقعي مع وضع الأرض وكإطار يسمح بإعادة توحيد البلاد ويضمن وحدتها الترابية. تركزت محاولات الحل السياسي خلال تلك الفترة على آليات الوصول إلى نظام حكم ذي مصداقية غير طائفي على أساس دستور جديد بحسب متطلبات قرار مجلس الأمن رقم 2254.  وبحسب القرار كان من المفترض إقامة انتخابات حرة ونزيهة دون تفصيل ماهيتها ومستوياتها. تاركاً تفسير كل هذه المتطلبات للتوافق المتبادل بين الأطراف السورية. ولكن سقوط النظام القديم بشكل متسارع ومفاجئ في الثامن من كانون الأول ديسمبر من عام 2024 فتح الباب على مقاربات جديدة يقودها السوريون والسوريات أنفسهم لتنظيم بناء الدولة مجدداً وتحديد منظومة الحكم التي تسمح للجميع بالمشاركة الفاعلة في تقرير مصير بلادهم وتشكيل نظام الحكم فيها. تحاول ورقة السياسات المقترحة هذه استكشاف علاقة ملف الانتخابات في سورية مع ملف اللامركزية كدعامتين من دعائم أي حل سياسي، مع التركيز على تعريف الإشكاليات الكبرى التي ستواجه الربط بين الملفين ومحاولة مسح أولي للتحديات التي تفرضها تلك العلاقة سواء على المستوى القانوني المعياري أو على المستوى السياسي والاجرائي.

سياق

منذ تحول الاحتجاجات التي أطلقت الشرارة الأولى للثورة السورية إلى نزاع واسع النطاق في عام 2011، تقلبت سيطرة الحكومة المركزية تحت سيطرة نظام البعث على المناطق المختلفة، مما أدى إلى مشهد حوكمة مفتت. دفع تعنت النظام السابق وممانعته للوصول إلى تقسيم البلاد إلى أربع مناطق سيطرة هي مناطق سيطرة الحكومة المركزية في دمشق، ومناطق سيطرة حكومة الإنقاذ في إدلب، ومناطق سيطرة الحكومة المؤقتة في ريف حلب، ومناطق سيطرة الإدارة الذاتية في أجزاء واسعة من الحسكة والرقة ودير الزور. وهذه المناطق بدورها لم تكن تدار بشكل متجانس. فعلى أرض الواقع كانت هناك نماذج حوكمة مختلفة تطبق ضمن مناطق السيطرة، يمكن تعريفها وفقاً لآلية اتخاذ القرار والجهة المحتكرة للعنف فيها، ولكل من هذه النماذج آلياته وحوامله الإدارية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة لإكساب قوى الأمر الواقع على الأرض نوعاً من الشرعية. ورغم سقوط النظام البعثي فإن أثار النزاع تلقي بظلالها وتشكل تحديات ليست بالسهلة لاستعادة وحدة الأراضي السورية وبناء مؤسسات وطنية تشميلية تمثل إدارة جميع السوريين والسوريات. إن الانتقال من نموذج سياسي شديد المركزية سلطوي إلى نموذج تشاركي مسؤول أمام الشعب يجب أن يأخذ عدداً من القضايا بعين الاعتبار، يمكن أن نجملها بما يلي:

  • شكل نظام الحكم: وعلاقة المركز بالأطراف. المعادلة التي ستضمن الانتقال إلى إطار حوكمي موحد للبلاد يجب أن تتعامل بواقعية مع وضع الأرض الذي خلفته سنوات الحرب وأن تقدم تصورات مقنعة لجميع الأطراف القائمة على الأرض ولجميع القوى المجتمعية للانخراط في منظومة الحوكمة الجديدة. ستكون هذه العلاقة محكومة بحجم الصلاحيات والمسؤوليات التي ستحتفظ بها المحليات من جهة، ومن جهة أخرى ستضطر لتوفير إطار وطني تشارك من خلاله المحليات في صنع السياسات الوطنية مستقبلاً بحيث لا تتحول فكرة اللامركزية إلى مشروع تجزئة للبلاد.
  • إعادة النظر بالتقسيمات الإدارية لتدارك آثار الحرب، وأسبابها، وبما يأخذ بعين الاعتبار أكبر قدر ممكن من تمثيل للمجتمعات المحلية من جهة، والقدرة على تحفيز عودة اللاجئين والنازحين مستقبلاً. ترسيم الحيز الإداري والسياسي الذي سيمثل المجتمعات المحلية على تنوعها سيكون حجر الأساس لبناء السلم الاجتماعي وإعادة تدوير عجلة الاقتصاد من جهة أخرى.
  • إعادة النظر بالمنظومات الإدارية السابقة. لقد ورثت الدولة السورية عبر تاريخها منظومتين إداريتين متوازيتين الأولى تقسم البلاد إلى محافظات ومناطق ونواحي، والثانية تقسم البلاد إلى محافظات ومدن وبلدات وبلديات، دون أن يكون هناك فصل واضح في الصلاحيات والمسؤوليات والحدود الإدارية. من جهة أخرى ارتجل كل من قوى الأمر الواقع على الأرض منظومات إدارية مختلفة (ما لا يقل عن خمس مستويات في شمال شرق، ونظام المناطق في ادلب وخليط غير واضح المعالم في مناطق شمال حلب يتبع كل مدينة أو منطقة إلى وال من الولاة في جنوب تركيا) مما يعقد عملية إعادة تجميع الإدارة المحلية وعلاقة المركز بالأطراف مستقبلاً.
  • ضرورة إعادة بناء النظام الانتخابي بما يضمن أوسع تمثيل ممكن للأفراد والجماعات المحلية سواء على المستوى المحلي أو المركزي، بما في ذلك رسم الدوائر الانتخابية، وتحديد حجمها (عدد مقاعد الدائرة)، والنظام الانتخابي، والمعادلات الرياضية لاحتساب المقاعد، والعتبة الانتخابية إلخ.
  • إضافة إلى ذلك، يجب أن تساعد العملية الانتخابية في إنشاء هيكل حكم يساعد على عملية تعزيز الاندماج السياسي، ورفع مستوى فعالية وشرعية الحكم المحلي والمركزي على السواء، ولكنه في المقابل يجب أن يضمن دوراً فاعلاً لجميع الأقليات السياسية والمجتمعية في المركز أيضاً.

لا يمكن التوصل إلى أي من هذه الاعتبارات بدون تشميل لأوسع شرائح القوى السياسية والعسكرية والاجتماعية الفاعلة في البلاد، لضمان مشاركة الجميع في بناء دولة وطنية تمثل الجميع وتستقطب طاقاتهم وقدراتهم بعد التخلص من إرث النظام السابق.

 

لقراءة الورقة كاملة:https://bit.ly/40YTVK1 

الأربعاء كانون1/ديسمبر 18
أطلق مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ومعهد السياسة و المجتمع، كتابه الجديد بعنوان: “حرب الشمال: شبكات المخدرات في سوريا، الاستجابة الأردنية وخيارات الإقليم”، ويحلل الكتاب ظاهرة شبكات تهريب المخدرات المنظمة في…
نُشرت في  الكتب 
الإثنين تموز/يوليو 22
المُلخَّص التنفيذي: قسَّمت الدراسة مبناها المنهجي وسياقها المعلوماتي والتحليلي إلى فصول ثلاثة، مثّل الفصل الأول منها: مدخلاً ومراجعة لتاريخ القبائل والعشائر في الجغرافية السورية بشكل عام وفي محافظتي حلب وإدلب…
نُشرت في  الكتب 
الأربعاء آب/أغسطس 23
يأتي نشر هذا الكتاب في وقت عصيب على سورية، خاصة في أعقاب الكارثة الطبيعية التي حلت بالبلاد، إضافة إلى الزلازل السياسية التي شهدها الشعب السوري منذ بداية الثورة السورية عام…
نُشرت في  الكتب 
يرى المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف، في تصريح صحفي لجريدة عنب…
الثلاثاء نيسان/أبريل 02
شارك الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية الأستاذ سامر الأحمد ضمن برنامج صباح سوريا الذي…
الأربعاء تشرين2/نوفمبر 29
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في فعاليات المنتدى الاقتصادي الخليجي…
الجمعة تشرين2/نوفمبر 24
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في رؤية تحليلية للحرب على…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 20