أخبار عمران

حتى عامٍ مضى، كان يبدو أن أكبر مشاكل نظام الأسد الداخلية تتمثل في وجود مناطق خارجة عن سيطرته في شمال سورية، إلا أن المظاهرات المستمرة في محافظة السويداء جنوب البلاد خلقت له مجموعة إضافية من المشاكل لم يستطع إيجاد حل لها حتى الآن. فالمظاهرات التي انطلقت في آب/أغسطس 2023 تتم عامها الأول الشهر القادم، ويزداد زخمها بمرور الوقت، وتتعقد سبل حلها بينما تتسع هوة الخلاف بين أهالي السويداء ونظام الأسد، لتزيد المخاوف من تولد دائرة عنف جديدة في المحافظة التي شهدت استقرارًا نسبيًا منذ عام 2011.

انطلقت شرارة مظاهرات السويداء على خلفية قيام بشار الأسد برفع الرواتب بنسبة 100% بالتوازي مع قيام حكومته برفع أسعار المواد الأساسية كالخبز والمحروقات، لتجعل زيادة الرواتب بلا قيمة، مما أثار حفيظة الأهالي في المدينة. وكما يحدث عادة، تحولت المظاهرات الرافضة للإجراءات إلى حراك ثوري مستمر؛ فقد تركزت المطالب في البداية على وجوب حدوث إصلاح اقتصادي ومراجعة قرار رفع الأسعار، قبل أن تتحول إلى مطالب سياسية تشمل محاسبة الأسد على جرائمه، والإفراج عن المعتقلين، والكشف عن مصير المختفين قسراً، وتحقيق انتقال سياسي وفق القرار الأممي 2254.

وعلى الرغم من أن هذه ليست المرة الأولى التي يتظاهر فيها أبناء المحافظة، إلا أنها الأكثر استمرارية وزخمًا وانتشارًا مقارنة بالموجات السابقة عامي 2021 و2022، وحتى من تلك التي حدثت تباعًا بعد عام 2011، كما أن مطالبها تتشابه حدّ التطابق مع متظاهري الثورة في المناطق الأخرى.

لقد أوقع حراك السويداء نظام الأسد في حيرة من أمره حول الطريقة التي تمكنه من قمع هذا الحراك بأقل الخسائر، خصوصًا أن للسويداء خصوصية كبيرة من الناحية المذهبية، فأغلب أبنائها من الطائفة الدرزية، بالإضافة إلى عشائر من البدو في شمال المحافظة. هذا يجعل الحل العسكري الذي اتبعه نظام الأسد في المحافظات الثائرة الأخرى حلاً مكلفًا، مقوضًا سرديته القائمة على ”الحرب على الإرهاب والتطرف“. كما يهدم أيضًا روايته التي طالما روجها حول حمايته للأقليات في سورية، والتي تشكل الطائفة الدرزية أبرزها، خصوصًا أن لها امتدادات في لبنان وفلسطين.

يلقي هذا المقال نظرة على الحراك الثوري في السويداء والواقع الأمني الذي عاشته المحافظة خلال الـ12 شهر السابقين، بالإضافة إلى تحليل تحركات نظام الأسد حتى الآن، والسيناريوهات التي يمكن أن يتبعها للوصول إلى غاية إخماد الحراك وضمان عدم امتداده لمناطق أخرى.

حراك الصرخات الأولى

كانت السويداء آخر مدينة زارها بشار الأسد في 12 آذار\مارس من عام 2011 قبل اندلاع الثورة السورية بأيام، وهدفت الزيارة إلى التأكيد على أن نظام الأسد ”حامٍ للأقليات“ وعلى علاقته العضوية المميزة مع الطائفة الدرزية. لكن مع اندلاع الثورة، واكبت السويداء صيرورة الحراك منذ بدايته، وتفاعل محاموها أكثر من مرة مع اجتياح مدينة درعا المجاورة من قبل قوات الأمن والجيش عبر اعتصام طالبوا فيه بفك الحصار والطوق الأمني عن المدينة، وإلغاء الأحكام العرفية وحالة الطوارئ ووجوب احترام القانون بالتزامن مع إطلاق سراح المعتقلين والسماح بالحريات السياسية في سورية.

استمرت المظاهرات في المدينة بشكل متقطع في ظل بروز زعامات محلية جديدة، بالإضافة إلى القيادة الروحية للطائفة الدرزية المتأصلة تاريخياً ضمن المجتمع المحلي في السويداء، المقسّمة إلى ثلاث مرجعيات رئيسية تتمثل في أشخاص ”حمود الحناوي“ و”يوسف جربوع“ و”حكمت الهجري“. وكان لكل مرجعية موقف متباين تجاه عنف النظام في المحافظات الأخرى منذ عام 2011، مثل الشيخ الهجري الذي حث أبناء المحافظة على الالتحاق بالخدمة الإلزامية بأكثر من مناسبة.

بالإضافة للزعامات التقليدية سمح الحراك بعد عام 2011 بصعود زعامات محلية كان أبرزها الشيخ وحيد البلعوس الذي أسس حركة رجال الكرامة عام 2013 بهدف حماية المتظاهرين من هجمات قوات النظام على الاعتصامات والمظاهرات في السويداء، بالإضافة لتشجيع شبان السويداء على عدم الالتحاق بالخدمة الإلزامية في ”الجيش السوري“ تحت شعار ”دم السوري على السوري حرام“.

لكن مع اندلاع المظاهرات العام الماضي، ساندت المرجعيات الروحية الثلاثة المطالبات بالإصلاح الاقتصادي، وأيد الحناوي والهجري المطالب السياسية للمتظاهرين السلميين. أما الشيخ يوسف جربوع، فتبنى سردية النظام السياسية، وهو الآن يمثل الواجهة الدرزية في مناسبات النظام.

عمومًا، أضاف تأييد شيوخ الطائفة الثلاثة–بغض النظر عن تباين بعض مواقفهم من النظام–نقطة قوة لدى المتظاهرين، إذ إن تأييد المرجعية الدينية، ذات الأثر الكبير على المجتمع المحلي، دفع أبناء المجتمع للمشاركة بفعالية أكبر مما حقق الزخم المتواصل للمظاهرات، خصوصًا أن بعض المشايخ مثلوا المتظاهرين في لقاءات افتراضية مع ممثلي بعض الدول كالولايات المتحدة وفرنسا وحتى روسيا.

ميليشيات متعددة الأدوار

شهدت محافظة السويداء عام 2015 أولى الأحداث الأمنية الكبرى باغتيال الشيخ وحيد البلعوس، واتهم حينها الزعيم اللبناني الدرزي وليد جنبلاط نظام الأسد باغتياله. وتتالت بعدها الأحداث، وكان أبرزها هجوم تنظيم داعش على ريفها الشرقي في عام 2018، وكان للهجوم دور في توحيد جهود الفصائل المحلية، بالرغم من اختلاف توجهاتها سواء مع النظام أو ضده.

استمرت التوترات الأمنية في المحافظة وساهم انتشار الميليشيات المسلحة متعددة الأدوار في عدم استقرار الوضع الأمني، حيث مارست الميليشيات المرتبطة بأجهزة المخابرات السورية، بالإضافة إلى تلك المرتبطة بإيران أو حزب الله عمليات القتل والخطف والاغتيالات، بالإضافة إلى تصنيع وتجارة المخدرات وتهريبها. بالمقابل، كانت هناك فصائل عسكرية مقربة من المرجعيات الدينية مثل حركة رجال الكرامة وفصيل شيوخ الكرامة وغيرهما، حيث حافظت هذه الفصائل على موقفها بعدم توريط أبناء السويداء في القتال إلى جانب قوات الأسد، كما أنها أيدت المظاهرات التي خرجت تباعاً بعد عام 2011.

ازدادت أهمية المحافظة بعدما سيطر نظام الأسد على محافظة درعا عام 2018، ثم لاحقًا مع تطبيع العلاقات مع الأردن حيث شكلت حدود المحافظة مع الأردن بوابة لتهريب المخدرات، وأهمها الكبتاغون، وحتى الأسلحة إلى دول الخليج، عن طريق بعض المليشيات والعصابات التي تعمل ضمن سلاسل توريد منظمة تتبع أغلبها نظام الأسد الذي تحول لأهم موردي المخدرات عالميًا.

تفاعلت القوى المحلية على الأرض بشكل مختلف ومضاد أحيانًا، واعتبرت الميليشيات الموالية للنظام أن أي تغيير ضمن القوى الفاعلة في المدينة، أو وضعها الميداني وبالأخص الحراك الثوري فيها، قد يهدد نشاطها، ويفقدها السلطة والتحكم. في حين أن ميليشيات أخرى، وقفت بشكل كامل مع الحراك، وتعهدت بحماية المتظاهرين من أي مخاطر قد تهدد حياتهم في حال قيام قوات النظام الأمنية أو الميليشيات التابعة لها بمحاولة قمعهم أو الهجوم عليهم.

مظاهرات مستمرة وسيناريوهات متشابكة

استمرت مظاهرات السويداء على الرغم من الارتباك الإقليمي عقب أحداث 7 أكتوبر وما تلاها، وازدياد وتيرة الضربات الإسرائيلية المُستهدِفة للّمصالح الإيرانية في سورية، واتخاذ الأردن خطوة أحادية في مسار مكافحة الكبتاغون عبر استهدافها عسكريًا عدة مواقع في ريف السويداء، بالإضافة إلى استمرار نشاط الميليشيات في تهريب المخدرات عبر الحدود. والأهم أن الحراك استمر على الرغم من محاولات عديدة من نظام الأسد لاختراق المجتمع المحلي في المدينة ومحاولة زرع بذور الفتنة بين أبنائها.

وأصبحت ساحة الكرامة، مركز التظاهرات في السويداء، رمزًا لأهالي المدينة وللسوريين عمومًا، حيث شكل استمرارية الحراك الثوري معضلة صعبة الحل للنظام، فهو لا يستطيع اتهام أهل السويداء بالإرهاب أو بالتطرف، كما أن أي حل أمني أو عسكري لقمع الحراك سينزع الشرعية، المتهاوية أصلًا، عن سرديته القائمة على محاربة الإرهاب وحماية الأقليات، ولذلك فإن تعامله يتسم بالصبر والبطء عموماً.

بالمقابل، فإن النظام يشاهد ”سيادة الدولة“، أو ما تبقى منها، تتعرض بشكل شبه يومي للإهانة من قبل المتظاهرين والفصائل الموالية للحراك، الذين أزالوا رموز حكم النظام كالصور والأعلام من دوائر الدولة الرسمية، بالإضافة إلى إغلاقهم عددًا من مقرات حزب البعث الحاكم أو حتى اعتقال ضباط من الأمن أو الجيش في سبيل إطلاق سراح أشخاص من السويداء اعتقلهم النظام نتيجة مواقفهم السياسية أو بسبب أنهم مطلوبون لأداء الخدمة الإلزامية. وأخيرًا، المقاطعة الواسعة لانتخابات مجلس الشعب التي أجراها نظام الأسد في 15 تموز/يونيو 2024.

حتى الآن، راهن نظام الأسد على الوقت لانحسار الحراك في السويداء، مظهرًا الكثير من ضبط النفس والصبر الذي لم يمنحه لغيرها من المناطق الثائرة ضده. لكنه، وبالتوازي مع ذلك، يستمر في الدفع بتعزيزات أمنية وعسكرية إلى المحافظة، مما يجعل الوضع مُهيئًا لسيناريوهات عدة:

السيناريو الأول هو محاولة فرض الحل الأمني، الذي بدأت بشائره في الظهور بتعيين اللواء المتقاعد أكرم محمد محافظاً جديداً للسويداء في شهر أيار/مايو 2024، وهو الذي خدم لسنوات في المخابرات العامة، حتى تقلد منصب نائب مدير، ارتكب خلالها انتهاكات وجرائم بحق المواطنين السوريين. وبالفعل، لم تمض أسابيع حتى وضع النظام حاجز أمني جديد للعمل كنقطة تفتيش بالقرب من دوار العنقود في مدينة السويداء، وذلك في اختبار أولي من النظام لمدى قوة وطبيعة الرد من أهالي السويداء على محاولة فرض النظام لسيطرته مجددا تحت ذريعة تنفيذ عمليات أمنية ضد خلايا مفترضة لداعش، بالإضافة إلى حملة على مهربي الكبتاغون وتجارِّه، وخاصة بعد إعلان جيش النظام عن قيامه بعملية أمنية على الحدود الأردنية وإلقائه القبض على عدد من المهربين.

لاقت خطوة وضع الحاجز الأمني ردًا سريعًا وعنيفًا، إلى حد ما، من قبل الأهالي والفصائل المناوئة للنظام، والتي طالبت بإزالته ثم ما لبثت أن هاجمته ليلاً بعد رفض النظام الاستجابة لمطالبهم، قبل أن تتدخل المرجعيات الدينية وتتوصل إلى اتفاق مع النظام يقضي بنقل الحاجز وتحويله إلى نقطة عسكرية بالقرب من مقرات الأجهزة الأمنية ومقر حزب البعث، وإبعاده عن مدخل المدينة وعدم التدخل في شؤون الأهالي مع تعهد الفصائل بعدم مهاجمة النقطة.

أما السيناريو الثاني، فيأتي داعمًا للأول ويتمثل بزجّ وحدات من الجيش داخل المدينة بحجة حماية مؤسسات الدولة والمقرات الأمنية، وهو ما سيلقى حتمًا ردًا عنيفًا من فصائل وأهالي السويداء، وبالتالي سيخلق حجة مناسبة للنظام باستخدام القوة ضدهم معللاً ذلك بفرض هيبة و”سيادة الدولة“ والمحافظة على وحدة الأراضي السورية، خصوصاً بعد طرح حزب اللواء السوري لفكرة الفيدرالية وإمكانية تطبيقها في السويداء، أو من خلال تصوير الاحتجاجات كحركة انفصالية درزية. حيث ارتفعت في الفترة الماضية وتيرة إرسال تعزيزات عسكرية إلى الوحدات الموجودة أساسًا في المحافظة، وذلك في إطار التحضير لأي عمل عسكري قد يحتاجه النظام لاحقًا.

بالمقابل، يبدو أن النظام ما زال مستمرًا في تنفيذ السيناريو الأساسي وهو الحفاظ على وجوده الأمني السابق داخل المدينة مع التزام سلوك الصبر، بالتزامن مع دعم حظوظ السيناريو الأول، والدفع نحو تقليل تقديم الخدمات من مياه وكهرباء وحتى المشتقات النفطية بانتظار أي تغيير في المعطيات المحلية، وربما محاولة زعزعة الوضع الداخلي عبر خلق فتنة بين الفصائل المناوئة له وبين الميليشيات المرتبطة به، خصوصًا أن الأخيرة تملك أدوات للعبث الأمني. حيث شهدت السويداء عملية اغتيال لأحد قادة الفصائل الموالية للحراك الثوري وسط اتهامات، لم تثبت، للنظام باغتياله.

دائرة عنف جديدة

رفعت حادثة الحاجز الأمني وما تلاها من التكهنات بخلق دائرة عنف جديدة على الساحة السورية. من الثابت أن النظام يريد أن يعيد فرض سيطرته على كامل سورية وليس على السويداء فقط وإنهاء أي فرصة للتغيير السياسي، لكن هناك أولويات أكثر إلحاحًا وأهمية بالنسبة له، كالتفاوض مع تركيا وقوات سورية الديمقراطية التي تسيطر على جلّ المقدرات النفطية للبلاد ومساحات زراعية واسعة. وذلك بالعكس من السويداء التي، بالرغم من أهميتها، لا تملك نفطًا، وزراعتها مُنتجة للفواكه على نحو رئيسي. وما يهم النظام من السويداء حاليًا هو إبقاء خطوط تهريب الكبتاغون مستمرة في عملها بمنأى عن أي حوادث أخرى، ريثما ينضج الحل المناسب له للتعامل معها وتوفر الظروف الموضوعية لتنفيذه.

يشكل حراك السويداء معضلة عصية الحل -حتى الآن- على نظام الأسد، خصوصًا أنها تأتي بالتزامن مع أحداث إقليمية غير مستقرة وغير مبشرة منذ 7 أكتوبر، بالإضافة لارتباط ملف السويداء عموماً بملفات أخرى عابرة للحدود، مثل الأمن القومي للأردن ودول الخليج، وملف الأقليات، وكذلك تعدد اللاعبين واختلاف مصالحهم عمومًا. صحيح أن نظام الأسد يتعامل بصبر نوعًا ما مع حراك السويداء، ولكن يبقى نظام الأسد كعادته، متمنعًا تمامًا عن التنازل لأي مطالب إصلاح سياسي، رافضًا إظهار أي نية حقيقية لتنفيذه. ومن ثم فإن حلوله تبقى قاصرة، ومقتصرة على الحلول العسكرية والأمنية بانتظار أن تسمح له الظروف القيام بها.

 

المصدر: https://bit.ly/4ctTVnP 

التصنيف مقالات الرأي

ملخص عام

يستعرض هذا التقرير أهم الأحداث السياسية والأمنية والاقتصادية في سورية خلال شهر حزيران 2024. على الصعيد السياسي، تتزايد مؤشرات تقدم الخطوات المتبادلة بين تركيا والنظام ضمن مسار التطبيع بين الجانبين، في حين أعلنت الإدارة الذاتية تأجيل الانتخابات المحلية والتي أثارت غضب تركيا فزادت من حدة تهديداتها واضعة هدف القضاء على مشروع الإدارة على رأس أجندة تطبيعها مع النظام. أمنياً، تصاعد العنف في عموم الجغرافية السورية، حيث بلغ عدد الضحايا خلال النصف الأول من هذا العام 429 قتيلاً من المدنيين و700 من العسكريين. أما اقتصادياً، فلا يزال ارتفاع الأسعار بشكل كبير العنوان الاقتصادي الأبرز في عموم سورية، إضافة إلى زيادة التمدد الإيراني في القطاع المالي السوري.

التطبيع التركي مع نظام الأسد: تحولات سياسية ومآلات مستقبلية

احتلت آخر التطورات المتعلقة بالتقارب التركي مع نظام الأسد المساحة الأوسع من النقاشات المتعلقة بالملف السوري، فبعد تصريح رئيس الوزراء العراقي حول إنشاء أرضية للتوافق والحوار بين النظام وتركيا وتأكيده أن المحادثات جارية بالفعل بين الطرفين؛ توالت التصريحات التركية حول الخطوات التطبيعية القادمة، خاصة مع تنازل النظام عن شرط الانسحاب الفعلي للقوات التركية من سورية إلى "إعلان استعدادها للانسحاب" وتقديم تعهدات بذلك، وفقاً لوزير خارجية النظام فيصل المقداد. فيما اعتبر وزير الخارجية التركي أن وقف القتال بين النظام والمعارضة لفترة طويلة أمر بالغ الأهمية يقتضي من النظام تقييم مرحلة الهدوء هذه بعقلانية لحل مشكلاته الدستورية وتحقيق السلام مع معارضيه، وإعادة ملايين اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وتوحيد الجهود مع المعارضة لمكافحة الإرهاب وخاصة حزب العمال الكردستاني.

تكثف روسيا مساعيها الحثيثة لتسريع خطوات التطبيع بين الجانبين ورعاية لقاء ثنائي على المستوى الرئاسي يجمع أردوغان مع بشار الأسد، استثماراً للمخاوف التركية من الانتخابات المحلية وترسيخ مشروع "الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا"، في حين تتبع تركيا سياسة "المسارات المتوازية" وتسعى لتحسين علاقتها مع موسكو كما تستعد لمرحلة ما قبل الانتخابات الأمريكية واحتمالية وصول ترامب للسلطة وتداعيات ذلك على المنطقة.

رغم تصاعد مؤشرات التقارب التركي مع نظام الأسد خلال هذا الشهر، إلا أن مسار التطبيع بين الجانبين بدأ منذ أواخر عام 2022 خلال المحادثات الرباعية على المستوى الأمني والاستخباراتي برعاية روسية ومشاركة إيرانية، والتي تعدت كونها محادثات استثنائية لتكون مؤشراً على بدء مسار جديد للتطبيع، وإن بدا متعثراً في البداية نتيجة الشروط المسبقة والتدخلات الخارجية، إذ يشير إصرار تركيا على عقد اللقاءات الثنائية مع النظام دون مشاركة أطراف أخرى إلى الدور الإيراني الذي ربما كانت تعتبره معرقلاً. أما عن التوقعات حول مستقبل مسار التطبيع فيبدو أنه لا يزال بحاجة الكثير من الوقت، فالأجندة المقترحة من الطرفين تبدو معقدة وتفوق قدرات الجانبين على تحقيقها، حيث ترغب تركيا بمحاربة "الإرهاب" والقضاء على مشروع الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية، في حين أن النظام غير قادر على تحقيق ذلك.

من جهتها، أعلنت المفوضية العليا للانتخابات في "الإدارة الذاتية" تأجيل انتخابات البلدية التي كان مقرراً إجراؤها في حزيران إلى شهر آب/ أغسطس، استجابة لمطالب الأحزاب والتحالفات السياسية. وكان إعلان إجراء الانتخابات قد لقي رفضاً تركياً وتهديدات باللجوء إلى القوة لمنع إجرائها على اعتبار أنها تكرس التقسيم وفق التصريحات التركية. كما أعلنت الولايات المتحدة أن الظروف غير مهيأة لإجراء انتخابات شفافة وشاملة. مما يشير إلى أن قرار تأجيل الانتخابات كان نتيجة غياب الدعم الأمريكي وجدية التهديدات التركية التي دفعت العديد من الأطراف المحلية المؤيدة للإدارة الذاتية للضغط باتجاه إلغاء الانتخابات لتجنيب المنطقة عمليات عسكرية جديدة. إلا أن تحديد موعد الانتخابات ثم تأجيلها وضع الإدارة في مأزق، إذ بدا المشهد وكأنه رهين للإرادة التركية وموافقتها كشرط لازم لأية استحقاقات قادمة في شمال شرق سورية. لذلك تصر الإدارة على عدم إلغاء الانتخابات بل تأجيلها إلى موعد جديد، في حين أن التحركات التركية الأخيرة باتجاه التطبيع مع النظام تستهدف بالدرجة الأولى مشروع الإدارة الذاتية وتفتح الباب أمام سيناريوهات عديدة لمستقبل المنطقة ككل.

على صعيد آخر، عقدت هيئة التفاوض اجتماعها الدوري في جنيف بحضور عدد من ممثلي منظمات المجتمع المدني من داخل سورية وخارجها وممثلي الدول العربية والأوروبية، تخلله لقاء المبعوث الدولي لسورية غير بيدرسون لاستعراض مستجدات العملية السياسية. وأكد البيان الختامي على أن قرار مجلس الأمن رقم 2245 هو الصيغة الشرعية للوصول إلى حل سياسي مستدام، وأن سورية حالياً ليست آمنة لعودة اللاجئين، ورفض "الانتخابات الشكلية" في مناطق سيطرة النظام وتلك التي تعتزم "الإدارة الذاتية" إجراءها لاحقاً.

تزايد مؤشرات تصاعد العنف في مختلف مناطق النفوذ

رغم التفاهمات الأردنية مع النظام والضغوط العربية عليه فيما يتعلق بملف تهريب المخدرات؛ لا تزال الأردن تعاني من خطر انتشار شبكات التهريب، حيث أحبطت السلطات الأردنية أكبر محاولة تهريب منذ عدة شهور، ضبطت فيها9.5  مليون حبة من أقراص الكبتاجون المخدر، و143 كيلوغراماً من مادة الحشيش، كانت معدةً للتهريب عبر الأردن إلى دولة ثالثة.

وفيما يتعلق بمسار التغيرات في المؤسسة العسكرية للنظام، بعد وقف العمليات العسكرية الواسعة وانخراط النظام بمسارات التواصل الإقليمية؛ يسعى النظام للقيام بتغييرات داخل بنية مؤسسته العسكرية تهدف -بحسب التصريحات الرسمية- إلى تسريح عناصر الخدمة الاحتياطية على ثلاث مراحل حتى الربع الأخير من عام 2025، وصولاً للاعتماد على المتطوعين لبناء "جيش محترف". ويأتي ذلك تزامناً مع إصدار وزارة الدفاع التابعة للنظام أمراً إدارياً يقضي بوقف استدعاء الضباط الاحتياطيين ممن بلغوا 40 عاماً وأتموا سنتين من الخدمة، وتسريح صف الضباط والأفراد الاحتياطيين ممن أتموا 6 سنوات من الخدمة.

على الصعيد الميداني، استمرت محافظة السويداء بالتظاهر ضد النظام، إضافة إلى تنفيذ حملة ملصقات ضد الانتخابات مجلس الشعب التي ستعقد في منتصف تموز الحالي. كما شهدت المحافظة اشتباكات بين مجموعات محلية مسلحة وقوات النظام، اندلعت عقب تثبيت النظام حاجزاً أمنياً جديداً إثر قيام مجموعات محلية بخطف 15 عنصراً من قوات النظام رداً على اعتقال الأخير ناشطة مدنية.

وفي شمال حلب، أعلن المجلس المحلي لمدينة الباب عن افتتاح معبر أبو الزندين بين مناطق المعارضة والنظام، واعتماده كمعبر تجاري رسمي بغية تحسين الظروف المعيشية لأهالي المنطقة وتعزيز النشاط الاقتصادي المحلي. إلا أن القرار تزامن مع تزايد مؤشرات التطبيع التركي مع النظام، ويأتي في ضوء التفاهمات الروسية كمحاولة لفتح الخطوط التجارية بين مناطق النفوذ. وفي ظل غياب مظلة سياسية وحوكمية قادرة على البت في مثل هكذا قضايا؛ تباينت ردود الأفعال حول القرار، إذ اعتبره تجار ومستثمرون شرياناً حيوياً للتبادل التجاري والتنقل وفرصة لتقليل عمليات التهريب الحاصلة بين المنطقتين وخفض أسعار السلع نتيجة توفرها، في حين هاجم بعض الأهالي وعناصر من الجيش الوطني معبر أبو الزندين وحطموا بعض المعدات داخله رفضاً لقرار فتحه، بينما أصدرت عدة جهات بياناً طالبت فيه بإدارة مدنية للمعبر خارج سيطرة الفصائل العسكرية، وبإشراف المؤسسات المحلية المسؤولة عن إدارة المدينة وإيجاد آلية لضبط المعبر أمنياً واقتصادياً.

من جهة أخرى، شهد هذا الشهر تصاعداً كبيراً في أعمال العنف المستمرة شمال شرق سورية، حيث وثَّق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 62 شخصاً بينهم 40 مدنياً بطرق وأساليب مختلفة، وذلك نتيجة 37 عمل عنف بين اقتتال عشائري وجرائم قتل، ونحو 20 عملية لخلايا تنظيم داعش، إضافة إلى استهدافات جوية من قبل المسيّرات التركية.

وكذلك تزايدت مؤشرات العنف في مختلف مناطق النفوذ، حيث وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 429 مدنياً في سورية خلال النصف الأول من عام 2024، بينهم 65 طفلاً و38 سيدة، و53 شخصاً تحت التعذيب. وتوزعت النسب الأعلى للضحايا كما يلي: 27% في محافظة درعا، و18% في دير الزور، و14% في كل من محافظتي الرقة وحلب. في حين بلغت حصيلة القتلى العسكريين نحو 700 مقاتلاً في مختلف مناطق السيطرة.

الارتفاع المستمر في الأسعار يعمق الأزمة الاقتصادية

ضمن سياق قرارات النظام الاقتصادية المؤثرة على المستوى المعيشي للسكان، جاء قرار مطالبة حاملي البطاقات الذكية بفتح حسابات مصرفية لتحويل مبالغ الدعم إليها، وأوضح مجلس الوزراء في بيان أنه اتخذ هذه الخطوة "تماشياً مع توجيهات إعادة هيكلة الدعم باتجاه الدعم النقدي المدروس والتدريجي"، بينما يُتوقع أن يُقدِم النظام على إلغاء الدعم المعمول به حالياً عن الخبز والمحروقات والكهرباء والمياه والهاتف، تخلياً عن الأعباء الاجتماعية نحو القطاع الخاص من جهة، وبسبب عجزه عن توفير الاستحقاقات المعيشية من جهة أخرى، وستؤدي هذه الخطوة لارتفاع الأسعار بشكل كبير وبيع المواد بالسعر الحر.

وبناء على المرسوم الرئاسي رقم 17 لعام 2024، صرف بشار الأسد "منحة مالية" لمرة واحدة للمتقاعدين والعاملين في دوائر حكومة النظام، قُدّرت بمبلغ مقطوعٍ قدره 300 ألف ليرة سورية (ما يعادل نحو 20 دولاراً) شملت العاملين المدنيين والعسكريين في الدوائر الحكومية والقطاع العام، وفي ظل انخفاض قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، يعتبر مبلغ المنحة مبلغاً رمزياً لا يكفي سوى لبضعة وجبات غذائية، ولا يلبي أدنى احتياجات المواطنين بأي شكل.

أما عن الأسعار، فقد ارتفعت أسعار الألبسة القطنية بنسبة وصلت إلى 200% مقارنة بالعام الماضي، نتيجة غلاء أسعار القطن والخيوط من جهة، وعدم تدخل الحكومة للسيطرة على الأسعار أو لدعم قطاع الألبسة من جهة أخرى. كما قفزت أسعار الحلويات في أسواق دمشق بنسبة 100% مقارنةً مع أسعارها في عيد الأضحى العام الفائت. كما رفعت حكومة النظام أسعار المحروقات على الرغم من وصول 8 ناقالات نفط إيرانية محملة بالنفط الخام والغاز من إيران إلى ميناء بانياس بريف طرطوس، في دلالة على استمرار الدعم الإيراني للنظام وخرق العقوبات الدولية، تزامناً مع استمرار أزمة النظام المحلية في المحروقات. ونتيجة لارتفاع أسعار المحروقات ونقصه في الأسواق وارتفاع درجات الحرارة وبدء موسم الحصاد رفعت شركات الأمبير في دمشق وريفها، أسعار الكيلو واط الساعي للأمبيرات في منطقة الكسوة 12 ألف ليرة بعد أن كان 9500 ليرة، وفي مدينة المليحة بريف دمشق ارتفع السعر من 9 آلاف ليرة إلى 11 ألف ليرة سورية.

ويعود سبب ارتفاع الأسعار إلى توجه النظام نحو سياسات التصدير بعيداً عن الاكتفاء الذاتي وضبط بوصلة السوق المحلية، حيث ارتفعت صادرات النظام خلال النصف الأول من العام الجاري بنسبة 30% مقارنة بالفترة نفسها من العام 2023. في المقابل، انخفض عدد برادات الفواكه والخضار السورية المصدّرة إلى الأردن بنسبة 80%، حيث انخفض الرقم من 150 براداً إلى 25 براداً خلال الفترة الفائتة، بسبب عرقلة الجانب الأردني دخول السيارات المحملة بالخضار والفواكه، ضمن إطار حملة مكافحة تهريب المخدرات إلى الأراضي الأردنية عبر الشاحنات بعد القبض على عدد من المهربين وشحنات حبوب مخدرة.

وفي إطار الاستفادة الاقتصادية المتبادلة بين النظام وحلفائه؛ تستمر محاولات إيران بالتمدد في القطاع المالي السوري عبر افتتاح مؤسسات وبنوك، حيث تم افتتاح "مصرف المدينة الإسلامي" بشراكة إيرانية سورية وبرأسمال قدره 50 مليار ليرة سورية، تعود ملكته بنسبة 58% إلى شركة إيرانية، ليزداد بذلك عدد المصارف الإسلامية في سورية إلى 5 مصارف. أما عن المستثمرين الروس في قطاع السياحة في سورية، فقد أشرفت شركات روسية على إنشاء منشأتين سياحيتين في محافظة اللاذقية بنسبة 50%، وقدّر عدد القادمين الروس إلى سورية بـ 780 ألفاً حتى نهاية أيار الماضي، بزيادة نحو 10 % عن ذات الفترة من العام الماضي.

في شمال شرق سورية، نشرت "الإدارة الذاتية" تفاصيل الموازنة العامة في المنطقة للسنة المالية 2024، حيث بلغت الإيرادات العامة 670 مليون دولار، بينما بلغت النفقات ملياراً و59 مليون دولار، مع عجز مالي متوقع في الموازنة العامة استناداً إلى النفقات المخططة والإيرادات المتوقعة يبلغ نحو 389 مليون دولار. وتعد الضربات التي شنتها الطائرات التركية على مدار أسابيع على مراكز الثقل الاقتصادي لـ "قسد" من بنى تحتية للطاقة أحد أبرز الأسباب التي ساهمت في شل العجلة الاقتصادية، حيث تشير التقديرات إلى أن حجم الخسائر التي تسببت بها الغارات التركية بلغ أكثر من 500 مليون دولار لإصلاح ما دمرته أو عطلته الغارات. وبالنظر إلى حجم النفقات المقدرة بمليار دولار، ستبقى المنطقة تعاني من أزمات معيشية على كافة المستويات من ارتفاع الأسعار وفقدان المواد في الأسواق أو رداءة جودتها إلى نقص كبير في الخدمات العامة والبنى التحتية. 

بينما بدأت "قوات سوريا الديمقراطية" بتوريد الدفعة الأولى من القمح الذي تسلمته من مزارعي مناطق شمال شرق سورية إلى مراكز استلام الحبوب التابعة للنظام في جنوب مدينة القامشلي، حيث أدخلت نحو 100 قاطرة خلال 24 ساعة تحمل أكثر من 2500 طن من القمح.

وفي شمال حلب، رفعت "الشركة السورية التركية للطاقة الكهربائية" أسعار الكهرباء المنزلية والصناعية، ليبلغ سعر الكيلو واط المنزلي 3.6 ليرة تركية والكيلو واط الصناعي 4.1 ليرة تركية، بارتفاع يبلغ 2.8 للمنزلي و3.2 ليرة تركية للصناعي مقارنة بأسعار الكهرباء خلال شهر حزيران الماضي، مبررة ذلك بالتغييرات التي تطرأ على أسعار الطاقة الكهربائية المستجرة من تركيا.

فيما حددت الحكومة السورية المؤقتة أسعار القمح في مناطق سيطرتها بـ 220 دولاراً للطن، بما يقل 110 دولارات عن الأسعار التي كانت معتمدة للموسم الماضي، كما أنه السعر الأقل لطن القمح مقارنة مع مناطق النفوذ الأخرى، إذ يبلغ السعر المحدد في إدلب وشمال شرق سورية 310 دولارات للطن، و360 دولاراً في مناطق النظام. ويعتبر سعراً غير متناسب مع حجم التكاليف التي دفعها المزارعون في هذا المحصول.

وفي إطار سياسات الضبط التي تتبعها "حكومة الإنقاذ" في إدلب، جددت "المؤسسة العامة لإدارة النقد" التذكير بضوابط تسليم الحوالات المالية بالعملة المرسلة بها، في خطوة من شأنها تنظيم السوق المالي وزيادة الثقة فيه ورفع قدرة "حكومة الإنقاذ" على التحكم في السياسات المالية وضبط الأسعار عبر التقليل من الحاجة إلى تحويل العملات في السوق السوداء.

التصنيف تقارير خاصة

 

ملخص تنفيذي:

  • وصلت انتفاضة محافظة السويداء إلى شهرها الثامن -حتى شهر نيسان 2024- مطالبة بتحسين الوضع الاقتصادي والانتقال السياسي في سورية عبر تطبيق القرار 2254، إذ نادت المظاهرات بإسقاط النظام وكف القبضة الأمنية عن المدينة مع مطالبات بإغلاق مقرات حزب البعث فيها، وتراوحت رقعة المظاهرات منذ بدء الانتفاضة بين الاتساع والانكماش وفقاً لتغيرات الأحداث التي يمر بها الحراك في السويداء، وبناء على تباين مواقف المرجعيات الروحية بعد الشهر الأول حيث اتفق المرجعيات الثلاثة ( حكمت الهجري – حمود الحناوي – يوسف الجربوع) على وجوب حدوث الإصلاحات الاقتصادية، بينما كان موقف الشيخ يوسف الجربوع الأقرب لسردية النظام في المحافظة، كما تصدر المرجعية الدينية الدرزية للمحافظة خلال مناسبات النظام، بالتزامن مع لقاءاته الدورية مع متزعمي عدد من الميليشات المناهضة للحراك في المحافظة.
  • بلغت المظاهرات ذروتها في شهر آب 2023 ثم انحسرت مع مرور الوقت لتتركز في ساحة الكرامة في السويداء وبلدتي القريا وصلخد، ويعود سَبَبَا الانحسار إلى اتجاه الناس للتظاهر من أرياف المدينة نحو الساحات الأساسية لتكثيف التجمعات، إضافة إلى عودة الميليشيات المتواجدة في ريفي المحافظة الشرقي والغربي إلى نشاطهم في تجارة المخدرات ونقلها إلى الحدود الأردنية، كما هددت تلك الميليشيات الحراك عدة مرات، لما قد تشكله المظاهرات من تهديد على تجارتهم أو خوفاً من استهدافهم لاحقاً من قِبل المتظاهرين أنفسهم.
  • تَمَثَّل الخلاف بين القوى السياسية في المحافظة في شَكللِ المحافظة إدارياً، إذ توافقت كل التيارات السياسية في المحافظة على وجوبِ حدوث الإصلاحات الاقتصادية، بينما كان طَرحُ فدرلة السويداء من قِبل حزب اللواء السوري وتيار سوريا الفيدرالي هو نقطة اعتراض باقي التيارات، حيث اعتبروه محاولةً لفرضِ رؤيةٍ سياسية على الحراك تؤدي إلى حل سياسي جزئي لا يشمل المحافظات السورية الأخرى.
  • تتمثل السيناريوهات المطروحة ضمن ثلاث محاور: أولها طرح حزب اللواء حل الفدرلة في السويداء كحلٍ إداري للمحافظة ويُعتبر هذا الحل مُهدداً للحراك بسبب ربطه مع تجربة قسد في شمال شرق سورية، والتي فتحت جبهة مواجهة مع الحكومة التركية كونها تهدد الأمن القومي التركي، بالإضافة لاعتبار الحراك محاولة انفصالية أخرى في جنوب سورية مما يعطي نظام الأسد ذريعة استخدام العنف في المحافظة، وثانيهما قدرة الحراك على فتح مساحات مشتركة إما مع المناطق الأخرى، سعياً لمواءمة المطالب المحلية مع مطالب وطنية تتجاوز جغرافية المحافظات الخارجة عن سيطرة النظام، أو حتى فتح حوار مع البلدان المجاورة بما يتعلق بمعالجة تخوفاتها مثل ملف تصنيع الكبتاغون وتهريبه بالنسبة للأردن، وثالثهما استمرار النظام بالعمل على مبدأ "اللاحل" في ظل استمرار فاعلية خطوط تهريب الكبتاغون في المحافظة، وذلك بالتزامن مع عدم توسع الحراك، مما قد يدفع المليشيات المتورطة في التجارة إلى زعزعة أمن المدينة في حال أصبح الحراك مهدداً لخطوط التهريب.

تمهيد

واصلت انتفاضة محافظة السويداء شهرها الثامن -حتى شهر نيسان 2024- مطالبة بتحسين الوضع الاقتصادي والانتقال السياسي في سورية عبر تطبيق القرار 2254، وقد نادت المظاهرات بإسقاط النظام وكف القبضة الأمنية عن المدينة مع مطالبات بإغلاق مقرات حزب البعث فيها. يحاول تقدير الموقف هذا الوقوف على ما جرى في السويداء خلال الفترة الممتدة من تموز 2023 حتى آذار 2024، وتفكيك خارطة الفواعل المؤثرة على الحراك، وقراءة امتداده وتأثره بالمتغيرات الأمنية في المنطقة، ودور المرجعيات الدينية فيه، وتلمُّس الاتجاهات المستقبلية للمشهد الميداني في السويداء.

رقعة مظاهرات متغيرة وأدوات متعددة

تراوحت رقعة المظاهرات منذ بدء الانتفاضة بين الاتساع والانكماش وفقاً لتغيرات الأحداث الأمنية والميدانية التي يمر بها الحراك في السويداء، كما انعكس تباين مواقف المرجعيات الروحية بعد الشهر الأول على بعض مطالب الحراك، حيث اتفقت تلك المرجعيات على وجوب حدوث الإصلاحات الاقتصادية في المحافظة بينما اختلفت مواقفهم من المطالب السياسية المتعلقة بالإصلاح السياسي وتطبيق القرار 2254.

كان موقف الشيخ يوسف الجربوع الأقرب لسردية النظام في المحافظة([1])، حيث وصف مطالب المتظاهرين السياسية بالخاطئة، فيما تصدَّر المرجعية الدينية الدرزية للمحافظة خلال مناسبات النظام وفعالياته بين شهري آب 2023 وشباط 2024 كمشاركته في عزاء قتلى الكلية الحربية في 12 تشرين الأول 2023 بمدينة حمص([2])، إضافة لاجتماعاته المتكررة مع صفوان أبو سعد محافظ ريف دمشق والمنحدر من السويداء، واجتماعه مع بعض الميليشيات المحلية التي هددت الحراك والمتظاهرين في المدينة وأبرزها لقاؤه مع قائدي ميليشيا "قوات سيف الحق" -رضوان ومهند مزهر- والتي تعتبر إحدى أكبر الميليشيات المتورطة في تجارة المخدرات وحوادث الخلل الأمني في المدينة([3]).

بينما كان موقف الشيخين حمود الحناوي وحكمت الهجري أقرب للحراك الشعبي مع اختلاف حدته تجاه سلطة النظام في المحافظة، إذ شارك الشيخ حمود الحناوي في عدد من المظاهرات وأيد المطالب الشعبية داعياً الشعب إلى المطالبة بحقوقه بصوت "واضح وجريء"، في حين بقي الشيخ حكمت الهجري على سرديته المتمثلة بوجوب تحقيق المطالب السياسية والاقتصادية للمتظاهرين بالتزامن مع دعوته لحماية الحراك من قِبل الفصائل المحلية، وذلك حِفاظاً على السلم الأهلي ومنع تحول المظاهرات إلى صراع عنيف بين المتظاهرين وقوات النظام الموجودة في السويداء.

أدى تباين مواقف المرجعيات الدينية من جهة، واعتماد نظام الأسد خيار اللا حل وتعويله على الوقت في ضمور الحراك بعد عدم اتساع رقعة المظاهرات خارج السويداء نحو درعا أو مدن أخرى تحت سيطرته من جهة ثانية؛ إلى تغير زخم المظاهرات من حيث العدد والانتشار بين قرى المحافظة.

ويُلاحظ في الشكل (1) أن المظاهرات بلغت ذروتها في شهر آب 2023 ثم انحسرت نقاط التظاهر مع مرور الوقت لتتركز بساحة الكرامة في السويداء وبلدتي القريا وصلخد، ويعود سبب الانحسار إلى اتجاه الناس للتظاهر من أرياف المدينة نحو الساحات الأساسية لتكثيف التجمعات خاصة في أيام الجُمع، إضافة إلى عودة الميليشيات المتواجدة في ريفي المحافظة الشرقي والغربي إلى نشاطهم في تجارة المخدرات ونقلها إلى الحدود الأردنية، وتهديد تلك الميليشيات للحراك عدة مرات، لما قد تشكله المظاهرات من تهديد على تجارتهم أو خوفاً من استهدافهم لاحقاً من قِبل المتظاهرين أنفسهم.

 

محاولات تنظيم الحراك وتشابك المطالب

بدأت بعض المكونات المجتمعية في السويداء بتنظيم نفسها ضمن كيانات سياسية مع انطلاقة الثورة السورية عام 2011 لكن معظمها بقيت غير فاعلة، وذلك بسبب الخصوصية التي فرضتها المدينة على سلوك نظام الأسد تجاهها، إذ تفادى الدخول في مواجهة مباشرة مع الفصائل المحلية أو المرجعيات الدينية لضمان عدم تشكل جيب جنوبي معارض ضده في البلاد يضم السويداء ودرعا والقنيطرة، بالإضافة إلى عدم قبول تلك الكيانات الانضمام إلى المعارضة التقليدية المتمثلة بالمجلس الوطني بداية ثم الائتلاف السوري لاحقاً، لكن مع تبلور الحراك في السويداء خلال عدة موجات للحراك كانت أطولها التي انطلقت في آب 2023؛ ازدادت فعالية بعض المكونات السياسية في المحافظة وتبلورت مطالبها ضمن 3 محاور: شكل المحافظة إدارياً وعلاقتها بالسلطة المركزية في دمشق، شكل الإصلاحات السياسية المطلوبة، مدى اتساق المطالب مع مطالب ثورة 2011 والقرارات الأممية وخاصة القرار 2254 المتعلق بوجوب الانتقال السياسي في سورية.

يمثل الجدول (1) أبرز الجهات السياسية الفاعلة في المحافظة ومواقفها من المحاور السابقة، إذ يتضح توافق الجهات السياسية على ضرورة الانتقال السياسي وأن الحراك الشعبي في المحافظة يأتي ضمن سردية الحراك الشعبي الذي انطلق عام 2011 بنفس المطالب السياسية والاقتصادية، بينما يكمن الاختلاف السياسي بين تلك المكونات في عدم توافق آرائهم حول موقع السويداء ضمن التركيبة الحوكمية في سورية، إذ يعتبر حزب اللواء الذي  تأسس عام 2021 أن تطبيق الفدرلة في سورية هو الحل الأنجع في سبيل الإصلاح السياسي، وتوافقت مع هذا الطرح عدة تيارات سياسية محلية في المحافظة، إضافة إلى ترحيب "مجلس سوريا الديمقراطية" المتواجد في شمال شرق سورية بالطرح الذي يوافق الصورة الواسعة التي تهدف للوصول إليها والمتمثلة بفرض حل الفيدراليات في سورية وتصديرها إلى مناطق أخرى مثل السويداء، مما يجعل سردية "مسد" أقوى في حال استطاعت تصدير تجربتها إلى مناطق أخرى تتميز أيضاً بخصوصية إثنية أو عرقية([4]).

حافظ الحراك الشعبي على مطالبه بالتغيير السياسي ووجوب الإصلاح الاقتصادي، بالتزامن مع سعيه لفك الارتباط بين حزب البعث والدولة في المحافظة، إذ توجه المتظاهرون نحو إغلاق مقرات الحزب بشكل نهائي أو حتى تحويل بعضها لمرافق خدمة في مقابل التأكيد على وجوب حماية مؤسسات الدولة الخدمية التي يجب أن تكون حيادية وغير مشتبكة أو متأثرة بالحراك الجاري.

وقد أغلق المتظاهرون عدة مقرات لحزب البعث في مدينة السويداء وريفها، بلغ عددها 27 مقراً حتى بداية شهر آذار 2024،  تم تحويل 10 مقرات منها إلى مراكز خدمية لمواطني المحافظة([5]). وبالمقابل حافَظ نظام الأسد على سردية ربط وجود مقرات الحزب بوجود المؤسسات الخدمية في المدينة، مما دفعه لتخفيض الطاقة التشغيلية لمؤسساته الخدمية رداً على إغلاق مقرات الحزب. ومع استمرار الحراك الشعبي؛ قام المتظاهرون بالتجمع أمام بعض المؤسسات الخدمية وإغلاق بعضها احتجاجاً على دورها الشكلي غير الفاعل في المحافظة([6]).

أما عن موقف القوى السياسية في الحراك، فقد حاولت حماية مؤسسات الدولة والتأكيد على حياديتها وعدم التعرض لها، بينما لجأت بعض التيارات السياسية إلى محاولة صناعة أجسام خدمية وأمنية بديلة في المدينة، حيث أنشأ حزب اللواء السوري بداية قوة "مكافحة الإرهاب" بقيادة سامر الحكيم، ولكن التجربة قوبلت بحملة أمنية شنها الأمن العسكري التابع للنظام أفضت إلى إنهاء القوة ومقتل الحكيم في حزيران من عام 2023([7])، ليُعلن التيار لاحقاً عن إنشاء عدة مكاتب خدمية مثل مؤسسة المياه ومكتب التدخل الطبي السريع والدفاع المدني([8])، ويأتي إنشاء هذه المؤسسات في محاولة من اللواء لفرض فكرة الإدارة الذاتية على الحراك مستغلاً الفراغ الناجم عن غياب النظام خدمياً في المدينة، إلا أن فكرة تلك المؤسسات لم تلقَ رواجاً ضمن التيارات السياسية الأخرى لرفضهم الحل السياسي الجزئي المقتصر على السويداء دوناً عن المحافظات السورية الأخرى.

سيناريوهات محلية ضمن بيئة إقليمية مضطربة

ارتبط حراك السويداء منذ بدايته بالمتغيرات الإقليمية المتسارعة، ويتجلى هذا الارتباط في ثلاثة محاور أساسية؛ أولها ملف تجارة وصناعة الكبتاغون، وثانيها مسار "التطبيع" مع نظام الأسد، وثالثها تواجد القوات الإيرانية في سورية وازدياد وتيرة الهجمات الإسرائيلية على تلك القوات، كما قد تنعكس أي تغيرات إقليمية مستقبلية على اتساع الحراك أو انكماشه بناء على مواقف الدول المجاورة من السيناريوهات المطروحة. أما على الصعيد المحلي، فتتمثل السيناريوهات المحتملة بثلاثة سيناريوهات: مخاطر طرح فكرة الإدارة الذاتية، قدرة الحراك على فتح مساحات تعاون جديدة داخلياً وخارجياً، الهيمنة على الحراك وتجييره.

يتمثل السيناريو الأول بطرح حزب اللواء لفكرة الفيدرالية في المدينة، والذي يُشكِّل خطراً على الحراك من حيث ربطه بتجربة قسد في شمال شرق سورية والتي فتحت جبهة مواجهة مع الحكومة التركية، كما يخلق هذا الطرح تخوفاً من اعتبار الحراك محاولة انفصالية أخرى في سورية تشبه مطالب قسد بإقامة منطقة كردية مستقلة، ومقوياً لموقفها الدولي في المطلبة بتحويل سورية إلى فيدراليات، مما سيمنح نظام الأسد ورقة لاستخدام العنف في المحافظة  من أجل فرض سيطرته على السويداء تحت ذريعة حماية وحدة الأراضي السورية، إذ لم يتبلور لدى نظام الأسد سابقاً مسوغ لاستخدام العنف ضد الحراك نظراً لخصوصية التركيبة الديموغرافية للمدينة من جهة، وتعويله على عنصرين في تراجع الحراك المعارض له، أولهما مرتبط بالجماعات المحلية التي تقوم بدور الزعزعة الأمنية، وثانيهما بالمراهنة على الوقت لانحسار الحراك وتوقفه في حال عجز المتظاهرين عن تشكيل قوى سياسية أو إيجاد صيغة وطنية تنسيقية بين كل المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد.

بينما يتمثل السيناريو الثاني بقدرة الحراك على فتح مساحات مشتركة مع المناطق الأخرى، سعياً لمواءمة المطالب المحلية مع مطالب وطنية تتجاوز جغرافية المحافظات الخارجة عن سيطرة النظام، عبر تحويل المطالب الاقتصادية والسياسية إلى خطاب موحد، قد يُنتج حالة من إعادة تفعيل المسار السياسي أو حتى فتح حوار مع البلدان المجاورة بما يتعلق معالجة تخوفاتها، كطمأنة الأردن التي تعتبر تهريب الكبتاغون من الأراضي السورية أبرز مهددات أمنها القومي وتحاول إيجاد حلول لوقف تدفقه عبر أراضيها.

أما السيناريو الثالث فينطلق من اعتماد النظام على مبدأ اللا حل في ظل استمرار فاعلية خطوط تهريب الكبتاغون في المحافظة، مع عدم توسع حراك السويداء وحصره ضمن المحافظة، مما قد يدفع الميليشيات المحلية المرتبطة بالنظام وإيران إلى زعزعة أمن المدينة في حال أصبح الحراك مهدداً لخطوط التهريب، لكون تلك الميليشيات جزءاً أساسياً من سلاسل توريد الكبتاغون وإنتاجه وتأمين خطوط تهريبه.

ختاماً؛ لا يمكن ترجيح أحد السيناريوهات بمعزل عن المتغيرات الدولية المتمثلة بالحرب على غزة والغارات الإسرائيلية المستمرة على نقاط إيرانية في سورية، ورؤية التيارات السياسية المحلية لمستقبل الحراك والمدينة، فطرح فدرلة الحراك سيواجه رفضاً تركياً حتى لا يكون حراك السويداء ورقة قوة قد تستفيد منها "قسد" لاحقاً، إضافة إلى أن آلية التعامل مع ملف الكبتاغون من قبل الأردن وإمكانية التواصل بينها وبين فصائل محلية مثل حركة رجال الكرامة؛ قد يحمي الحراك ويفتح آفاقاً تعاونية أخرى مع الأردن قد تكون ذات أبعاد اقتصادية أو سياسية في مراحل لاحقة، ويبقى التحدي لدى منسقي الحراك والفصائل المحلية متمثلاً بمدى قدرتهم على تصدير واجهة سياسية تعكس مطالبهم وتكون متسقة مع السياق السوري ككل، في ظل تحول الدول الإقليمية لتتحرك في سورية بدوافع أمنية فقط بعد أن كانت مناصرة للحراك ومطالبه السياسية في وقت سابق.


 

([1]) مخالفاً المراجع الدرزية: الشيخ يوسف جربوع يؤكد انحيازه إلى النظام السوري، القدس العربي، 30/08/2023، https://bit.ly/3J4naBg .

([2]) يوسف جربوع في حمص لتعزية النظام بقتلى “الكلية الحربية” ، السورية نت 12/10/2023، https://bit.ly/4cHbGRR  .

([3])  السويداء: مجموعات مرتبطة بالأمن العسكري تهدّد بقمع الحراك، المدن 09/11/2024، https://bit.ly/3vWaM3q .

([4]) مسد يؤيد مطالب محتجي السويداء بالإدارة الذاتية ويحمل الحكومة السورية مسؤولية الأوضاع المتدهورة، تلفزيون اليوم 21\08\2023 https://bit.ly/4aKKa4C.

([5])  تم رصد صفحات التيارات السياسية وصفحة السويداء 24 وعدة شبكات أخبار محلية ومقاطعة البيانات بينها في الفترة بين شهر آب 2023 وآذار 2024.

([6])محتجون يغلقون عدة دوائر ومؤسسات حكومية، منها مديرية الاتصالات ومديرية الزراعة احتجاجاً على "عدم تجاوب الجهات الحكومية مع مطالب المواطنين في السويداء"، صفحة السويداء 24 على الفيسبوك، 05/11/2023، https://bit.ly/4aGTqpV .

([7]) قوات النظام السوري تدخل معقل «مكافحة الإرهاب» في السويداء، صحيفة الشرق الأوسط، رياض الزين 9/06/2022، https://bit.ly/3VRdSAo.

([8]) صفحة حزب اللواء السوري على الفيسبوك، 19/07/2023، https://bit.ly/3J70pwy .

التصنيف تقدير الموقف

شهدت سورية منذ منتصف عام 2023 حتى نيسان 2024 حراكاً شعبياً ضد “السلطات المحلية” في عدة مناطق. بدأ الحراك في منطقة شمال شرق سورية، إذ انتفض أبناء العشائر العربية ضد قوات سورية الديمقراطية "قسد"، لكن استطاعت قسد قمع الانتفاضة وملاحقة المشاركين بها. ثم جاءت مظاهرات السويداء ضد نظام الأسد في المحافظة بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية، لتتطور لاحقاً إلى المطالبة بالتغيير السياسي في سورية وفق القرار الأممي 2254. لم يلجأ النظام إلى استخدام العنف بشكل واسع في مواجهة المظاهرات، لكنه اعتمد سلوك الزعزعة الأمنية إضافة إلى المراهنة على عامل الوقت أملاً بخفوت المظاهرات. أما في شمال غرب سورية، بدأت القوى الشعبية في مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" بحراك ضد "حكومة الإنقاذ" و"جهاز الأمن العام" اللذين يقعان بشكل أو بآخر تحت السيطرة المطلقة لـ "أبو محمد الجولاني" الذي استفاد بدوره من استراتيجيات سلطتي الأمر الواقع في المنطقتين اللتين سبقتا إدلب إلى الحراك، واتبع استراتيجية مختلفة نوعاً ما عن قسد ونظام الأسد.

يحاول هذا المقال تفكيك الحراك في كل من المناطق الثلاث، من حيث أسباب انطلاقه، وذلك عبر فهم استراتيجيات تلك السلطات في التعاطي مع التحرّكات الشعبية والتعامل معها، والأسباب التي دفعت لاستخدام هذه الاستراتيجيات، والأدوات التي استعانت بها. إضافة إلى محاولة إبراز أوجه التباين بين النماذج الثلاثة ومعرفة الطرق التي استفادت من خلالها هذه السلطات من تجارب نظيراتها في المناطق الأخرى.

شمال شرق..عنف واختراقات في البنية المجتمعية

شهدت منطقة شمال شرق سورية في 25 تموز 2023 حالة توتّر استمرت عدة أيام، بدأت مع اندلاع اشتباكات بين قسد و"مجلس دير الزور العسكري" المنضوي تحتها، ليتوصل الطرفان إلى تهدئة مؤقتة انهارت مع اعتقال قسد رئيس المجلس "أبو خولة". على إثر الاعتقال، اندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات قسد ومجلس دير الزور العسكري، حيث كانت قسد تحضّر لعملية أمنية تسعى فيها لتفكيك الأخير.

 في البداية تمكنت العشائر العربية من طرد قوات قسد من معظم مدن وقرى ريف دير الزور الشرقي، وهي المنطقة الواقعة شمالي نهر الفرات، ثم توسعت الاشتباكات لاحقاً لتشمل أيضًا أرياف الحسكة والرقة وحلب. لكن هذه الاشتباكات توقفت بعد حوالي عشرة أيام بسبب عدم التوازن في القوى العسكرية بين الطرفين، واستطاعت قسد استعادة السيطرة على أغلب المناطق([1]).

يرجع سبب اتساع الحراك إلى امتداد القبائل والعشائر في هذه المنطقة بشكل متصل، حيث تتواجد في غرب حلب وإدلب والرقة ودير الزور والحسكة. ويشكل وجود تاريخ ثوري مشترك بين العشائر ضد النظام عاملاً محفزاً للحراك. إضافة إلى معاناتها من سياسات قسد من تهجير وظلم وتهميش([2]).

حاولت قسد استهداف البنية المجتمعية للحراك وتوظيف العامل العرقي ليكون أداة لتوقف الحراك ودب الخلاف بين مكونات المجتمع، وذلك باستخدام أدوات عديدة. أهمها، دفع مقاتلين من المكون العربي لإخماد الحراك([3]) في دير الزور وباقي المناطق. إذ هدف هذا النهج إلى إحباط عزيمة أبناء المنطقة وخلق شرخ كبير بين أبناء العرق الواحد، وهذا مشابه لما عمل عليه النظام لسنوات. وهكذا قوضت قسد الحراك باستخدام القوة واستطاعت السيطرة على قرية ذيبان وهي مسقط رأس إبراهيم الهفل الذي كان يقود الحراك والذي كان يعد شيخ قبيلة "العكيدات". ثم استدعت عمه هفل الهفل إلى" مؤتمر مجلس سوريا الديمقراطية الرابع"،  وبالتالي استطاعت قسد اختراق أهم وأكبر القبائل المشاركة بالحراك([4]).

تعاملت قسد مع الحراك منذ بدايته بعنف،حيث استخدمت قواتها الخاصة لقمع أبناء العشائر، واتبعت استراتيجية الترهيب والعنف المباشر دون محاولة فهم مطالب أبناء المنطقة. واختارت   قسد هذه الاستراتيجية عن غيرها لإدراكها عدم توازن القوى بينها وبين الطرف الأخر، باعتبار أن أبناء المنطقة لا يملكون أسلحة ومعدات كتلك التي تملكها قسد. إلى جانب ذلك، كان لدى قسد تخوف من الطروحات التي بدأت بالانتشار حول رغبة تركية -أمريكية- خليجية بالاعتماد على العشائر العربية في المنطقة، مما يشكل تهديداً على نفوذ قسد. وبالتالي، أرادت إلغاء أي تشكيل عسكري عشائري كي لا يكون بديلاً محليّاً محتملاً لها مع الدول الفاعلة. بالإضافة إلى تخوّفها من انتشار الحراك إلى المناطق الأخرى، وحينها سيكون من الصعب ضبط المنطقة من جديد. إذ إن أي زعزعة أمنية في منطقة شرق الفرات ستؤثر سلباً على قسد باعتبارها النموذج الحوكمي الأفضل في المنطقة من وجهة النظر الأمريكية، وتلك الزعزعة في حال حدوثها قد تعيد الحسابات الأمريكية حول كفاءة قسد في حكم المنطقة مستقبلاً وتقوي فرص العشائر في إنشاء علاقات أقوى مع أميركا وتركيا في آن واحد.

حاول نظام الأسد اختراق الحراك في دير الزور من خلال خلاياه المتواجدة في المنطقة ومن خلال بعض وجهاء العشائر التابعين له كمحاولة منه لتبنّي الحراك بقصد الإساءة للعشائر العربية، وزرع الشكوك بهذا الحراك لدى السوريين، وتأكيد سردية قسد على أن الحراك هو تمرد تقوده جماعات مدعومة من النظام والميليشيات الإيرانية. استخدم النظام  شيخ عشيرة البقارة([5]) الموالي لإيران "نواف البشير"، الذي وجّه دعوات لشيوخ العشائر العربية حثّهم فيها على الانتفاضة ضد قوات سوريا الديمقراطية واستهداف مواقعها العسكرية في المناطق التي تسيطر عليها. كما التقى البشير، صحبة عدد من وجهاء العشائر العربية من مدينة الحسكة، بالرئيس السابق لـ "مكتب الأمن الوطني"  في نظام الأسد اللواء علي مملوك في مطار القامشلي، حيث دعاهم الأخير إلى دعم جيش النظام وسحب أبنائهم من صفوف قوات سوريا الديمقراطية، مؤكداً أنه سيوفر المزايا والدعم الضروري لهم في حال تبنيهم الوقوف مع النظام.

مع كل هذه المحاولات، لم يُفلِح النظام في جذب عشائر المنطقة لعدة أسباب. أهمها، أن هناك تواجداً بارزاً لعدد كبير من أبناء وأخوة رؤساء العشائر في صفوف الجيش الحر، ولعدم وجود تقبّل مجتمعيّ للنظام في المنطقة التي عانت كثيراً من منهجية التدمير التي اتبعها النظام تجاههم.

السويداء..الزعزعة والفوضى الأمنية منهجاً

شهدت محافظة السويداء في آب 2023 حراكاً شعبياً يتضمن مطالباً بتحسين الأوضاع الاقتصادية والانتقال السياسي. كما تميزت ديناميات الحراك بمشاركة قسم من عشائر البدو في الحراك التي أضافت بمشاركتها بعداً وطنياً له، وأنه ليس مرتبطاً بالطائفة الدرزية فحسب. من ناحية أخرى؛ أفشلت هذه المشاركة محاولات النظام في دبّ الخلاف بين العشائر وأبناء المحافظة مثلما حدث في سبتمبر 2021. كما شهد الحراك توسعًا جغرافيًا ملحوظًا مقارنةً بموجات الاحتجاجات السابقة في المحافظة، ما يجعل موقف النظام صعباً لعدم وضوح مآلات الحراك وفيما إن كان سيمتدّ إلى مناطق أخرى أم لا.

أضاف تأييد شيوخ الطائفة الثلاثة (حكمت الهاجري، يوسف الجربوع، حمود الحناوي) لمطالب الحراك نقطة قوة لدى المتظاهرين، إذ إن تأييد المرجعية الدينية، ذات الأثر الكبير على المجتمع المحلي، دفع أبناء المجتمع للمشاركة الفاعلة بشكل أكبر. ومع ذلك، كان هناك اختلاف على مستوى خطابات المرجعية الدينية وتباين بين مواقف شيوخها من نظام الأسد. لكن ورغم هذه التباينات، ما تزال هناك حالة حصانة داخلية ضمن المجتمع الذي كان يعاني من توترات سابقة بسبب مواقف الشيوخ من النظام، مثل دعوة الشيخ حكمت الهاجري لأبناء السويداء عام 2018 للالتحاق بالخدمة العسكرية وعدم التخلف عنها([6]).  

حالة التلاحم ودعم الحراك من قبل المرجعية الدينية لم تدم طويلاً، حيث استطاع النظام اختراق وحدة القرار في المرجعية الدينية من خلال استغلال وجود رموز درزية ببنية النظام، ومنها محافظ ريف دمشق التابع للنظام "صفوان أبو سعدة"، الذي أجرى اجتماعات متكررة مع الشيخ "يوسف الجربوع" الذي أعلن لاحقاً تأييده للنظام ورفض التظاهر ضده.إلا أن "الجربوع" أكد دعمه للمطالبات المعيشية المحقة، وفقاً لبيان صدر عن دار "عين الزمان" الذي يترأسه. لكنه لم يتطرّق إلى المطالب الرئيسية التي ينادي بها متظاهرو السويداء بشكل علني، والتي تتمثل في إسقاط النظام ورحيل الأسد([7]).

تعامل النظام مع الحراك بشكل أمني، حيث لم يكن لديه رغبة في الوصول إلى خيار المواجهة الشاملة، وذلك عبر التعامل مع الحراك كحالة محلية معزولة عن البيئة الوطنية السورية الشاملة، وذلك لعدّة أسباب، أولاً الحفاظ على توازن القوة العسكرية بين الفصائل المحلية المؤيدة للحراك والمقربة من المرجعيات الدينية من جهة، وبين الميليشيات المقربّة من إيران التي تعمل في تجارة المخدرات والزعزعة الأمنية ومناهضة للحراك من جهة أخرى. ثانياً عدم رغبة النظام في إثارة حالة من الغضب في صفوف أقلية "الموحّدين الدروز" ذات الامتداد الإقليمي في سورية ولبنان وفلسطين. ثالثاً الحفاظ على صورة "حامي الأقلّيات" التي يحب النظام تصديرها للعالم. إلا أن هذه السياسة قد تتغير مع الوقت ومع مدى قدرة النظام على استيعاب وضبط الحراك بالحد الأدنى خاصة بعد إرسال رتل عسكري للمخابرات الجوية مؤخراً على أثر اعتقال أحد ظباط النظام من قبل المتظاهرين وهذا يعتبر مؤشر للتصعيد ولإمكانية تغير سياسات النظام تجاه الحراك([8]).

إدلب..سياسة احتواء أمنية دقيقة

تصاعدت التوترات في شمال غرب سورية مع اتساع دائرة المظاهرات المناهضة لهيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ السورية، إذ طالبت هذه المظاهرات بتنحي قائد الهيئة "أبو محمد الجولاني"، وبإطلاق سراح المعتقلين من سجون "الهيئة"، وبإجراء انتخابات لاختيار مجلس شورى ومجلس لقيادة "المناطق المحررة"([9]).

نتجت هذه التظاهرات عن أسباب عدة، منها خلاف داخل الهيئة، التي تعاني من صراع داخلي وتخبط بسبب تجميد مهام الرجل الثاني الذي اعتقل ثم اغتيل مؤخراً "أبو ماريا القحطاني"، بالإضافة إلى انشقاق القيادي الثالث جهاد عيسى الشيخ (المعروف أيضًا بأبو أحمد زكور)، والذي كشف عن قضايا تتعلق بتورط قائد الفصيل "أبو محمد الجولاني" بعدة أمور، من بينها التورّطَ بتفجيرات والتعاون مع جهات استخباراتية أجنبية([10]).

وعلى أثر هذه الفوضى الداخلية ارتفع مستوى احتقان الشارع تجاه سياسات “السلطات المحلية”، كما ازدادت التوترات في ظل الاعتقالات التي نفذتها الهيئة خلال العام الماضي، حيث اعتقلت ما يقارب 1000 شخص، بينهم عناصر وقادة عسكريون وأمنيون، بتهمة التعاون مع روسيا ونظام الأسد والتحالف الدولي. تم إطلاق سراح بعضهم في وقت لاحق، إلا أن آثار التعذيب ظهرت على العديد منهم ما أدى إلى تصاعد الاحتجاجات ضد الهيئة وطلب تحقيق عادل في هذه القضية([11])

في الواقع يعكس الاحتقان الشعبي تراكمات عدة لدى أهالي المنطقة أهمها، الانسداد السياسي الذي يحول دون تحقيق أي حل سياسي للقضية السورية. إذ تقيّد التفاهمات الإقليمية والدولية الحركة العسكرية، مما يجعل الفصائل بما في ذلك هيئة تحرير الشام عاجزة عن التحرك بقوة. وتتفاقم الأوضاع بسبب الهجمات اليومية من قوات النظام وحلفائه على مناطق إدلب وريفها، مع تقليص المساعدات الإنسانية وغلاء المعيشة وازدياد الفقر.

بعد تصاعد الأزمة، عقدت قيادة "تحرير الشام" سلسلة من الاجتماعات. بدأت بلقاء قائد الهيئة "الجولاني" مع النخب المجتمعية ووجهاء القرى والبلدات، بالإضافة إلى أعضاء مجلس الشورى وحكومة الإنقاذ. قدمت النخب والوجهاء خلال هذه الاجتماعات مطالب المتظاهرين، وتم التأكيد على بدء تنفيذ هذه المطالب([12]). بعدها حاولت الهيئة أن تعتمد مقاربة ضبط وتخفيف الخسائر لاحتواء الأزمة الداخلية وارتداداتها على مستوى البنية سواء شاقولياً أو أفقياً. ومن ناحية أخرى، وفي مسعى لتهدئة الشارع وتلبية مطالب المتظاهرين، اتخذت "تحرير الشام" عدة إجراءات وقرارات، تشمل تشكيل لجان لعقد اجتماعات مع الفعاليات المدنية والشعبية للاستماع إلى مطالبها، وتسهيل آلية التواصل بين الأهالي والجهات المسؤولة. كما تم إصدار عفو عام عن السجناء، وإعفاء / تخفيض رسوم تراخيص البناء.

خلاصات ختامية

تباينت ردات فعل “السلطات المحلية” على الحراك الشعبي في المناطق الثلاث، إلا أننا نستطيع ملاحظة تدرج مستوى العنف واختلاف الاستراتيجيات فيما بينهما. حيث استخدمت قسد القوة على الفور دون محاولات لتخفيف التوتر واستيعاب المطالب الشعبية التي تم تجاهلها على المدى طويل من قبل القيادات في قسد. وذلك لمعرفة قسد أنه لا يوجد توازن في القوى بينها وبين الحراك الشعبي. واستخدام القوة مباشرة بشكل سريع يصب في مصلحة قسد لتحافظ على مكانتها وصورتها المسيطرة أمام الدول الداعمة. أما فيما يخص استراتيجية النظام تجاه الحراك في محافظة السويداء، فكان أقل وطأة قياساً باستراتيجية قسد. حيث عمل النظام على تجنب الصدام المباشر مع المتظاهرين ، إذ تتمتع محافظة السويداء بوجود فصائل مسلحة قد تحقق لها نوعاً من توازن القوة مع النظام، إلى جانب تكوينها الطائفي العابر للحدود. فيما كانت الاستراتيجية المتبعة من قبل قيادة "هتش" في إدلب تدل على مدى استفادتها من التجارب السابقة للسلطات الأخرى، حيث اتبعت استراتيجية مختلفة تماماً عما سبق واستخدمت سياسة الاحتواء والتقرب من المجتمع المحلي من خلال تصدير صورة جديدة قوامها حرية التعبير والاستجابة للمطالب بالحد الأدنى.

من بين الاستراتيجيات الثلاث كانت استراتيجية "هتش" هي الأذكى على الصعيد الإجرائي، وإن لم تستطع امتصاص غضب الشارع. فقد حاولت أن تظهر بشكل أفضل مما ظهر عليه نظام الأسد وقسد، عبر تحقيق أو الوعود بتحقيق جزء كبير

من مطالب الشارع. فيما قوبلت المنطقتان الأخريان بحل أمنيّ قد يكون مؤقتاً كما في حالة شرق الفرات، أو برهانٍ على التفكك الداخلي داخل الحراك واللعب على اختراقه كحالة نظام الأسد في مواجهة حراك السويداء.

بنهاية المطاف تدل الحركة الشعبية وسياسات التعاطي معها على تنامي أزمة " القبول والشرعية"حيث ستكون مؤثرة على بنية ووظائف هذه السلطات وسيزداد حجم تلك الأزمة في ظل تعطل العملية السياسية مما يشير بشكل وازن إلى احتمالية توسع حجم تلك الأزمة لتزيد من حجم معاناة المواطن السوري في جميع المناطق.


 

([1] ) محمود الفتيح :" انتفاضة العشائر وقوى الأمر الواقع: نموذج مصغر للخيبات السورية"، تلفزيون سوريا، 03.10.2023، https://bit.ly/3xMoOVI

([2]) محمد يوسف : " خبراء سوريون: اشتباكات دير الزور انتفاضة ضد "واي بي جي" الإرهابي"، الأناضول، 07.09.2023، https://bit.ly/4bc9yzS

([3])  "عشائر دير الزور يؤكدون وقوفهم إلى جانب قسد" ، Syriac press، 16.12.2023، https://bit.ly/4db5MZs

([4])  كمال شيخو: "انتخاب قيادة جديدة في «مجلس سوريا الديمقراطية» وإلغاء منصب «الرئيس التنفيذي»"، الشرق الأوسط،21.12.2023، https://bit.ly/3xSspBI

([5]) "شيخ عشيرة البكارة الموالي لإيران يحرض العشائر العربية على الانتفاضة ضد قوات سوريا الديمقراطية"، المرصد السوري لحقوق الأنسان، 28.08.2023، https://bit.ly/3Wf77bD

([6]) يمان زباد:  " انتفاضة السويداء في آب 2023: تحديات أمنية وسيناريوهات مفتوحة"، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 31.08.2023، https://bit.ly/3Ufnwub

([7])  " شيخ العقل يوسف جربوع ينحاز للنظام ويصف الأصوات المطالبة بإسقاط الأسد بـ "النشاز"، تلفزيون سوريا، 30.08.2023، https://bit.ly/3UvhKpo

([8] ) " بعد احتجاز ضباطه.. النظام السوري يرسل رتلاً عسكرياً من دمشق إلى السويداء"، تلفزيون سوريا، 25.04.2024، https://bit.ly/3WiE6f4

([9]) باسل حفار: "عملاء التحالف".. أزمة مركّبة تعيشها هيئة تحرير الشام"، الجزيرة، 28.03.2024، https://bit.ly/3vWYMig

([10]) " «هيئة تحرير الشام» تسرب اعترافات قيادي عراقي فيها... هل تمهد لإعدامه؟"، الشرق الأوسط،04.01.204، https://bit.ly/4aNKrUs

([11]) معاذ العباس:  " ماذا يريد المتظاهرون ضد هيئة تحرير الشام في إدلب؟"، الجزيرة ، 09.03.2024، https://bit.ly/3UwZmMR

[12] معاذ العباس، " ماذا يريد المتظاهرون ضد هيئة تحرير الشام في إدلب؟"، الجزيرة ، 09.03.2024، https://bit.ly/3UwZmMR

التصنيف تقدير الموقف
عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع مركز الدراسات الاستراتيجية ندوة مغلقة تحت عنوان "وهم الاستقرار السوري: المخاطر والمخارج"، وذلك في العاصمة الأردنية عمان.
وحضر الندوة التي أقيمت في الجامعة الأردنية بتاريخ 28 كانون الثاني 2024، المدير التنفيذي لمركز "عمران" د. عمار قحف، والباحث الأول في مركز عمران أ. أيمن الدسوقي، مع عدد من الباحثين والشخصيات الأردنية المهتمة بالملف السوري.
وتناولت الندوة الوضع القائم في سورية، وخارطة القوى المحلية والإقليمية والدولية، وسيناريوهات تطور المسألة السورية بما في ذلك استمرار الاستعصاء السياسي واحتمالات تزايد التوترات الأمنية.
كما وناقشت الندوة بتعمق " حرب المخدرات التي يخوضها الأردن على حدوده الشمالية مع سورية" بما في ذلك تفاصيل الجهات الراعية والداعمة لعمليات وجماعات ومسارات وخطوط التهريب.
 
 
 
 
 
 
 
التصنيف أخبار عمران

تُعد إشكالية الكابتاغون إحدى أكثر المعضلات الأمنية الحرجة للأردن، نظراً للمحاولات المتزايدة لتهريب المخدرات والأسلحة عبر حدوده التي أصبحت تهديداً للأمن الوطني الأردني وفق ورقة التقدير الرسمية، بالإضافة إلى عدم نجاعة الآليات الحالية في ردع الجهات المتورطة في الكابتاغون، وخصوصاً الميليشيات المدعومة من إيران والنظام السوري. رغم اتفاق خفض التصعيد في عام 2017 الذي كان من المفترض أن يؤمِّن -بضمانة روسية- إبعاد الميليشيات المدعومة من إيران 40 كم عن الحدود الأردنية، إلا أن روسيا لم تفِ بكامل تعهداتها. كما فشلت التسويات التي رعتها روسيا في عامي 2018 و2021 في تقديم بيئة توفر الأمن من خلال عملية نزع السلاح وإعادة الإدماج لمجموعات المعارضة المسلحة في درعا جنوب سورية.

لعبت الديناميات الأمنية للتسويات دوراً محورياً في خلق بيئة تُسهل تجارة الكبتاغون، أهمها غياب الفاعل الأمني المهيمن في ظل تعدد الفواعل من روسيا وإيران والنظام، بالإضافة إلى المجموعات السابقة من المعارضة التي خضعت لعملية تحول في دوافعها (سياسية أو اقتصادية) وأهداف استخدام القوة (صفرية أو متغيرة). فقد تخلَّت العديد من المجموعات المسلحة التي سبق وحاربت بشدة ضد النظام السوري عن طموحاتها السياسية لصالح مكاسب أخرى، وتورَّط العديد منها في تهريب الكابتاغون نتيجةً للتسويات غير الناجحة.

يُقدِّم هذا المقال رؤية للمشهد الأمني، وخصوصاً الترابط بين الحالة الأمنية والكابتاغون، كأحد ديناميات اقتصاد الحرب في درعا، كما يقدم عدة سيناريوهات سياساتيّة بديلة.

الوضع الراهن لمشهد التسويات

أسفرت تسويات عامي 2018 و2021 بين النظام السوري وفصائل المعارضة التي فرضت من قبل روسيا بشكل رئيسي عن عودة تدريجية لأجهزة النظام الأمنية إلى المحافظة، ودمج العديد من مقاتلي المعارضة في هذه الأجهزة، دون تحقيق تقدم ملموس فيما يتعلق بالمعتقلين أو الأشخاص المختفين قسريًا في سجون النظام. منذ التسوية الأولى، تميزت درعا بحالة أمنية هشة وتفشي استخدام العنف، المدفوع إلى حد كبير بأسباب سياسية، ضد مختلف الأفراد المدنيين والمسلحين، سواء كانوا مرتبطين بالمعارضة أو النظام.

شكَّلت الاغتيالات والاعتقالات التي تستهدف عشرات الأفراد شهرياً أدوات النظام للقضاء على خصومه، حيث اعتمد بشكل كبير على فرع المخابرات العسكرية في درعا/السويداء، بقيادة “لؤي العلي“، العميد الذي فُرضت عليه عقوبات من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وكندا، وتم ترقيته إلى منصبه الحالي قبل التسوية في عام 2018 بعد أن شغل منصب رئيس قسم المخابرات العسكرية/درعا بين عامي 2011 و2018، والذي سيكون له دور في إدارة شبكات مسلحة غير رسمية.

لهذا، اعتمد النظام على استخدام متغير للقوة لتعزيز سيطرته الجغرافية، والقضاء على خصومه، والاستفادة الاقتصادية من تهريب الكابتاغون، وتعزيز دوره المركزي في ديناميات التسوية في المحافظة. ومع ذلك، فإنَّ التحوُّل في سلوك النظام من الاستخدام الصفري للقوة إلى الاستخدام المتغير يعود في الأساس إلى الدبلوماسية القسرية الروسية والوضع القائم الذي فرضَ من الفواعل الخارجية، أي ديناميات الصراع المجمَّد نسبياً الذي بدأت ملامحه في التشكُّل عام 2018.

مسار التحول لفصائل المعارضة

اعتمدت فصائل المعارضة السابقة في درعا على استراتيجيات بقاء مختلفة للتكيُّف مع أو موازاة النفوذ الأمني المتزايد للنظام في المحافظة. وقد أدى مسار التحوَّل هذا إلى ظهور أنواع مختلفة من المجموعات المسلحة بدوافع وأهداف متباينة. ففي الوقت الذي أصبح فيه اللواء الثامن معنياً، بشكل رئيسي، بالحفاظ على الوضع القائم الجديد عقب التسوية والذي ضمن له سيطرة جغرافية على بعض المناطق المحلية والقدرة على المناورة والتوسع نسبياً؛ فإنَّ العديد من المجموعات الأخرى، أصبحت مرتبطة بالنظام، وتخلَّت عن دوافعها السياسية لصالح الدوافع الاقتصادية من خلال المشاركة في تهريب الكابتاغون و/أو أنشطة العنف (الاغتيالات) والبلطجة.

اللواء الثامن، والذي يقوده القائد المعارض السابق، أحمد العودة، ويتألف بشكل رئيسي من مقاتلي المعارضة السابقين في “قوات شباب السنة”، استمرَّ في الحفاظ على السيطرة الجغرافية في بصرى الشام في شرق درعا منذ تشكيله برعاية روسية عقب التسوية الأولى في عام 2018. ونظراً للبيئة الآمنة نسبياً  في مناطق سيطرته، حيث يلحظ معدلات أدنى للاغتيالات وحالة خدمية أفضل بالمقارنة مع المناطق الأخرى في درعا، نجح اللواء في الحفاظ على الدعم الاجتماعي وموازاة تأثير النظام ساعياً إلى الحفاظ على الوضع القائم للتسوية، وزيادة نفوذه عبر استخدام متغير للقوة، أي محدود النطاق.

في هذا السياق، نفَّذ اللواء الثامن عمليات أمنية متعددة ضد داعش أو المجموعات المتهمة بالانتماء إلى داعش في أجزاء مختلفة من درعا مثل جاسم في درعا الغربية في أغسطس/آب 2022، وحي درعا البلد حيث قضت العملية على ميليشيا حفو-حرفوش في المنطقة في ديسمبر/كانون أول 2022. وقد تمَّت هذه العمليات بعد تصعيد النظام وتهديده بشن هجمات في هذه المناطق بذريعة خلايا داعش، حيث استفاد اللواء الثامن من الرفض الاجتماعي لتدخل النظام وشبكة علاقاته المحلية. بالإضافة إلى دوره الوسيط، في مرحلة سابقة، بين النظام والمجتمعات المحلية لتخفيف التصعيد مثل حالات تصعيد مارس/آذار 2022 في جاسم وتصعيد فبراير/شباط 2020 في مدينة الصنمين شمال غرب درعا. بالإضافة لذلك، استهدف اللواء الثامن أيضًا مجموعات أخرى متورطة في تهريب الكابتاغون في شمال شرق درعا، بما في ذلك جماعة تابعة لفايز الراضي، قيادي سابق في المعارضة والذي اغتيل لاحقاً بعد تصعيد مع اللواء الثامن.

بالمقابل، فإنَّ مجموعات أخرى، مثل تلك التي يقودها مصطفى المسالمة و عماد أبو زريق، وهما قياديان سابقان في المعارضة، لم تتخل عن كفاحها السياسي ضد النظام بعد التسوية فحسب، بل أصبحت تابعة للنظام، حيث أصبحت مدفوعة بدوافع اقتصادية في ظل الوضع القائم الجديد. حيث انخرطوا في عمليات تهريب مخدرات الكبتاغون، وفرض الإتاوات على السكان المحليين، والقيام باغتيالات ضد معارضي النظام نيابة عن المخابرات العسكرية، التي أصبحت تدير شبكة من المجموعات المسلحة المحسوبة عليها بشكل غير رسمي.

بحلول أبريل/نيسان 2023، تمّ فرض عقوبات على كل من أبو زريق والمسالمة، إلى جانب الأفراد المنتسبين لعائلة الأسد بما في ذلك أبناء عمومته، من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لمشاركتهم في إنتاج وتصدير الكابتاغون. لاحقاً، قُتل المسالمة بعد عدة محاولات لاغتيال حياته من قبل الفصائل المحلية بسبب تورطه في اغتيال العديد من معارضي النظام.

ميليشيا الحفوحرفوش هي جماعة مسلحة أخرى بقيادة اثنين من قيادات المعارضة السابقين، محمد المسالمة ومؤيد عبد الرحمن، الذين رفضوا التسويات ورفضوا التهجير إلى شمال سورية. كانت الميليشيا متمركزة في أحياء درعا البلد حتى المعركة التي قامت بها مجموعات محلية مدعومة من اللواء الثامن في نوفمبر/تشرين ثاني 2022، بسبب صلتهم بخلايا داعش، وتورطهم في تنفيذ اغتيالات ضد شخصيات معارضة بدوافع انتقامية، بالإضافة للتورط في أنشطة البلطجة مثل السرقة وفرض الإتاوات على السكان المحليين. حيث توضح جملة الديناميات الأمنية السابقة التداخل بين الديناميات الأمنية واقتصاد الحرب، وعلى رأسها تجارة الكابتاغون.

السياسات البديلة: معالجة معضلة الكبتاغون

لم تكن آلية العقوبات فعالة في إجبار النظام على تقديم تنازلات أو تغييرات ملموسة، كما توضَّح في حالة الاستخبارات العسكرية في درعا، كما لم يكن لها تأثير مماثل على قادة المعارضة السابقين، المرتبطين حاليا إلى النظام. بالنسبة للتواصل العربي مع النظام، فلم يفشل الأخير في إحراز تقدم في مكافحة تهريب الكبتاغون فحسب، بل زاد الاتجار نفسه أيضًا بعد محادثات التطبيع التي أدت إلى عودة النظام إلى جامعة الدول العربية في مايو/أيار العام الجاري، ناهيك عن تطوُّر القدرات التكنولوجية المتزايدة لتجار المخدرات مثل استخدام الطائرات بدون طيار “الدرون”.

بالنسبة لما يعنيه ذلك للسياسات الإقليمية: أولاً، يجب اعتبار الأمن القومي الأردني أمراً حيوياً للأمن الإقليمي من قبل حلفاء الأردن الدوليين والعرب في مواجهة الرغبة الإيرانية بدومينو جديد بعد لبنان والعراق واليمن وسورية. ثانياً، ينبغي إعادة النظر في الافتراض القائم بأن النظام السوري لديه الرغبة و/أو القدرة على التصدي لمشكلة الكابتاغون أو الانفصال عن إيران. ثالثاً، وأثناء تطوير سياسات مكافحة الكابتاغون، لا يمكن تجاهل الترابط بين أجهزة النظام الأمنية وتجارة الكابتاغون، بالإضافة إلى القدرات التقنية المتزايدة لشبكات التهريب. إنَّ التصريح السابق لوزير الخارجية الأردني  مايو/أيار بشأن احتمال القيام بعمل عسكري لمواجهة تهديد الكابتاغون في سورية، والغارات الجوية الأردنية الثلاث التي استهدفت مهربي المخدرات والمصانع في مايو/أيار وأغسطس/آب وديسمبر/كانون الأول 2023، يعني بشكل أو بآخر خياراً سياساتياً بديلاً قائماً على استخدام أدوات قسرية يمكن اعتمادها في مكافحة تهريب المخدرات.

ونظراً لعدم وجود حل شامل، يمكن توضيح ثلاثة سيناريوهات سياساتية بديلة:

  • تعزيز مؤسسات الدولة: إنَّ الترابط بين النظام وشبكات التهريب، واستخدامه الكابتاغون كسلاح، والعجز الحالي عن إنفاذ عملية إصلاح لقطاع الأمن (SSR) داخل بنية النظام يجعل من النظام شريكاً غير موثوق به في مواجهة الكابتاغون.
  • استهداف استباقي لشبكات الكابتاغون: كانت الضربات الجوية الأردنية السابقة “رد فعل” بطبيعتها ومحدودة بنطاقها. بالمقابل، فإنَّ الاستراتيجية الاستباقية تركز على استهداف المصانع العاملة في مواقع مختلفة في جميع أنحاء سوريا وكذلك تجار الكابتاغون البارزين. تتطلب مثل هذه الاستراتيجية دعمًا أمريكيًا وإقليميًا بالإضافة إلى التنسيق مع روسيا.
  • المنطقة العازلة: عملية تجريد من السلاح في جنوب سوريا تتطلب بالضرورة فرض وضع قائم جديد، أي اتفاقية جديدة مع روسيا وتسوية جديدة تعتمد على نزع السلاح. سيمنع سيناريو كهذا امتداد محتمل لحرب غزة إلى جنوب سوريا – حيث سيكون ذلك في مصلحة جميع الأطراف المعنية. ومع ذلك، فإن التحديات التقنية في تطبيق ومراقبة تسوية كهذه لن يكون سهلاً.

ختاماً، لم يعد من الممكن تجاهل ديناميات التسوية في درعا وإفرازاتها الأمنية وارتباط ذلك بديناميات اقتصاد الحرب، لا سيما مع خطر تمدد هذه الديناميات إلى محافظة السويداء المجاورة في ظل حالة عدم الاستقرار التي تشهدها.


المصدر: معهد السياسة والمجتمع 

رابط المقالة: https://bit.ly/3vf9uQp

 

التصنيف تقدير الموقف

ملخص عام

يستعرض هذا التقرير أهم الأحداث السياسية والأمنية والاقتصادية في سورية خلال شهر آب، حيث انفجرت الأوضاع الأمنية في دير الزور على خلفية حل "مجلس دير الزور العسكري" واعتقال قيادييه على يد "قوات سوريا الديمقراطية"، لتندلع اشتباكات عنيفة بين قسد والعشائر العربية التي طالبت بتأسيس إدارة محلية حقيقية تمثل أبناء المنطقة. وفي الجنوب تصاعد الحراك الشعبي ليشمل محافظة السويداء بأكملها بمشاركة واسعة من أهالي المحافظة والمرجعية الدينية مطالبين بالانتقال السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254 بعد فشل النظام بتحقيق المطالب الشعبية طيلة اثنتي عشرة سنة.

كما يبيّن التقرير في قسمه الاقتصادي عدم جدوى محاولات النظام لتدارك الأزمة الاقتصادية الخانقة عبر زيادة رواتب العاملين إذ تجاوز ارتفاع أسعار السلع الأساسية ضعفي زيادة الرواتب، ليرتفع متوسط تكاليف المعيشة لعائلة مكونة من 5 أفراد في سورية إلى أكثر من 10.3 ملايين ليرة، وتواجه سورية عجزاً بنحو مليوني طن من القمح لسد احتياجات البلاد خلال عام 2023.

نقمة واحتجاج: نتاج مجتمعي لسياسات النظام

أعلنت لجنة الاتصال العربية بعد اجتماعها في القاهرة عن نيتها استئناف اجتماعات اللجنة الدستورية في نهاية العام ولكن في العاصمة العُمانية مسقط([1])، مع عدم صدور أي قرار رسمي للجنة الدستورية المُعارضة بخصوص تغيير مكان انعقاد الجلسات، ويأتي قرار اللجنة ضمن مساعي إنشاء مسار عربي لتحريك القضية السورية تقوده عدة دول عربية وتسعى للتعامل مع المهددات الأمنية المتعلقة بتبعات "الأزمة" على الأمن الإقليمي المتمثلة بتجارة الكبتاغون والانتشار الإيراني والمليشيات العابرة للحدود، وهو ما بدى جلياً في دعوة لجنة الاتصال الوزارية العربية إلى تكثيف التعاون بين سورية والدول المعنية والأمم المتحدة لمواصلة التصدي للتهديد الأمني الخطير من قبل تنظيم «داعش»،

في المقابل، قلّل بشار الأسد، في مقابلة تلفزيونية، من أهمية المبادرات العربية وشدد على أن العلاقات السياسية ليست كافية مالم تقترن بتقديم الدعم "للدولة السورية" لاستعادة قوتها ولتتمكن من الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بمكافحة تجارة المخدرات التي أصبحت مصدر قلق للإقليم بأكمله، وتهيئة بيئة مناسبة لاستقبال اللاجئين. لم يقدم بشار الأسد أية إشارة للدول العربية حول إمكانية تقديم تنازلات من شأنها التحرك قدماً نحو الحل في سورية، حيث أصر على تكرار سردية التآمر الخارجي وصوابية نهجه الأمني في التعاطي مع المطالب الشعبية، مما يوضح أن غاية النظام للانفتاح على تلك البلدان كان اقتصادية بالدرجة الأولى بحكم تعاظم أزماته المالية والاقتصادية.

وفي إطار محاولاته لامتصاص حالة الغضب الشعبي الناجم عن تردي الوضع المعيشي في المحافظات الواقعة تحت سيطرته، أصدر الأسد مرسوماً يقضي بتغيير محافظ طرطوس الذي تعرض للضرب من قبل بعض الأهالي الغاضبين في بلدة دوير رسلان نهاية شهر تموز خلال لقاء جمعه مع أعضاء من مجلس البلدة ومجموعة من المواطنين([2]). إلا أن المحافظ الجديد، العميد المتقاعد "فراس أحمد الحامد" كان أحد أبرز قادة الأفرع الأمنية التابعة للنظام، ومدرج على لائحة العقوبات الغربية نظراً إلى دوره في دعم نظام الأسد والمشاركة في انتهاكات واسعة النطاق بحق الشعب السوري، الأمر الذي يدل على استمرار النظام في سياسية "تبديل الأدوار" والالتفاف على المطالب الشعبية في تعاطيه مع الأزمات المحلية المستمرة.

وفي ذات السياق وتأكيداً على فشل سياسات الأسد، يشهد جنوب سورية وتحديداً محافظة السويداء حراكاً اجتماعياً هو الأكبر منذ سنوات، إذ شكَّل الدافع الاقتصادي أحد الأسباب الرئيسية لاندلاع الاحتجاجات. ولكن دينامياته الراهنة تختلف من حيث اتساع نطاقه جغرافياً ليشمل 48 نقطة، ومشاركة المراجع الدينية إضافة إلى جزء من عشائر البدو، وذلك بعد محاولة نظام الأسد سابقاً صنع أدوات زعزعة داخلية في المدينة تشمل مستويين أحدهما إحداث فتنة بين أهالي السويداء والعشائر كما حدث في عام 2021، وثانيهما صناعة عصابات محلية تُسهم في الزعزعة الأمنية التي تُفضي إلى تصدير السويداء كمدينة تشهد اضطراباً أمنياً وتحتاج إلى تدخل "الدولة" كضامن للسلم المحلي هناك، وأيضاً ساهمت تلك العصابات بصناعة وتجارة الكبتاغون وإيصاله إلى الحدود الأردنية.

يتجه المشهد في السويداء نحو عدة سيناريوهات تتراوح بين أن يتبنى النظام لفكرة "اللا مبادرة" وتجاهل الحراك وذلك في حال اقتصر داخل مدينة السويداء ولم يمتد إلى مناطق سيطرة النظام الأخرى وبالتالي يُراهن النظام على الوقت لكسر إرادة المحتجين، أو أن يعمل النظام على تنشيط العصابات المحلية في المدينة عبر استفزاز الأهالي أو اغتيال بعض رموز الحراك وخاصة إذا أصبح هذا الحراك معطلاً لخطوط تهريب الكبتاغون.

وفي سياق "الدبلوماسية الروتينية" تسلَّم رئيس الائتلاف رسالة من وزيرة الخارجية الفرنسية تضمنت تأكيداً على الموقف الفرنسي من وجوب الانتقال السياسي في سورية وأن محاسبة مجرمي الحرب من الأولويات الفرنسية في الملف السوري، وأما من جانب الهيكلية الداخلية لمؤسسات المعارضة؛ فقد تمت إعادة انتخاب بدر الدين جاموس رئيساً لهيئة التفاوض السورية لدورة ثانية.

أحداث أمنية تقلق خرائط النفوذ

تصاعدت الأحداث الأمنية في مناطق متعددة من سورية. ففي شمال غرب شهد محور جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي اشتباكات عنيفة مستمرة بين فصائل "الفتح المبين" وقوات نظام الأسد منذ عدة أيام، إذ اندلعت الاشتباكات بعد سيطرة الفصائل العسكرية على قرية "الملاجة" عقب عملية برّية بدأت بتفجير نفق حفره مقاتلو المعارضة من مناطق سيطرتهم إلى أسفل التجمع الرئيسي لقوات النظام في القرية، قبل أن يبدأ اقتحام النقاط والسيطرة عليها ثم الانسحاب مع الاحتفاظ ببعض النقاط الاستراتيجية، بالتزامن مع ذلك شنت الطائرات الروسية غارات جوية لمساندة قوات النظام في محاولاتٍ لاسترجاع النقاط التي خسرتها. وأسفرت الاشتباكات عن سقوط عشرات القتلى من قوات النظام حتى الآن، كما سقط 7 قتلى من مقاتلي المعارضة خلال ثلاثة أيام من الاشتباكات.

وفي شرق سورية، تصاعدت وتيرة الاقتتال بطريقة متسارعة على خلفية عزل "قوات سوريا الديمقراطية" لقائد مجلس دير الزور العسكري "أحمد الخبيل" واعتقاله مع قياديين أخرين بعد دعوتهم لاجتماع قرب مدينة الحسكة. وتطورت الأحداث بعد توجه قسد لانتهاج سياسة أمنية لاحتواء ردود الفعل([3]) التي نتجت بعد دعوات للانتفاض على قوات قسد والمطالبة بالإفراج عن قادة المجلس المحتجزين. إذ اندلعت اشتباكات عنيفة في بلدات العزبة والحصين في ريف دير الزور الشمالي وتم قطع الطرقات ما دفع عناصر قسد لترك الحواجز العسكرية والتحصن في مقراتهم.

ساهم استخدام قسد للعنف في وجه المحتجين بدفع عشائر أخرى للدخول على خط المواجهات ومنها عشيرة العكيدات([4])، الأمر الذي أدى لتوسع رقعة الاشتباكات لتشمل معظم ريف دير الزور الشرقي مطالبة بمعالجة مظالم أهالي دير الزور وإبعاد قيادات حزب العمال الكردستاني عن المنطقة. في حين تصر قسد على المضي قدماً في حملة "تعزيز الأمن" لملاحقة خلايا تابعة لتنظيم داعش ونظام الأسد ومجموعات "خارجة عن القانون". تعتبر هذه الأحداث الأمنية المستمرة والمتصاعدة اختباراً حقيقياً لمستقبل قوات سوريا الديمقراطية ومشروع "الإدارة الذاتية شمال وشرق سوريا"، وخرائط النفوذ والسيطرة في المنطقة.

من جهة أخرى، شهدت مناطق سيطرة النظام خروقات أمنية في مناطق كانت محصنة إلى حد بعيد لا سيما دمشق وريفها. حيث شهدت مدينة المعضمية انفجاراً لسيارة مفخخة بعبوة ناسفة، كما شهدت محافظة القنيطرة تفجيراً استهدف ضابطتين للنظام، وذلك بعد تفجيرات عدة شهدتها دمشق وريفها ومحافظات أخرى منذ شهر أيار، الأمر الذي يوضح ضعف القدرات الأمنية للنظام الذي يزداد اعتماده على الميليشيات غير النظامية من جهة، وتنامي نشاط تنظيم داعش الذي تبنى تفجيراً استهدف منطقة السيدة زينب من جهة أخرى.

وكثابت مستمر، تستمر الضربات الجوية الإسرائيلية في استهداف مواقع متفرقة لقوات النظام والميليشيات المرتبطة بإيران، وخاصةً مواقع ومستودعات الأسلحة، ومراكز تطوير الأسلحة لا سيما الصاروخية والمسيرات، والمطارات التي تستخدمها إيران لنقل الأسلحة.

أزمات اقتصادية تزيد من معدلات السخط والهجرة

أقرّ بشار الأسد مرسوماً تشريعياً ينص على زيادة الرواتب والأجور بنسبة 100% للعاملين في القطاع العام من المدنيين والعسكريين اعتباراً من شهر أيلول 2023 وبعد أيام ألحق الزيادة بمنحة مالية بنسبة 50% من الأجور لعدد من الفئات، كما رفع أسعار الوقود، وخفض الدعم عن مياه الشرب، بنسبة تصل بحدها اﻷدنى إلى 400% على خلفية قرار رفع تعرفة المتر المكعب للمياه، ورفع أسعار شرائح الكهرباء فوق 1500 كيلو واط بنسبة 20% والاسمنت بنسبة 100%، ومنذ إعلان الزيادة والشارع السوري يعيش صدمة حيث شهدت الأسواق موجة ارتفاعات طالت معظم السلع والخدمات بنسب فاقت الـ 300%، ليرتفع متوسط تكاليف المعيشة لعائلة مكونة من 5 أفراد في سورية إلى أكثر من 10.3 ملايين ليرة سورية بحسب مؤشر "جريدة قاسيون" بعدما كان في شهر تموز الماضي 6.5 ملايين ليرة في الوقت الذي لم يتجاوز فيه متوسط الرواتب بعد الزيادة الـ200 ألف ليرة، وعمد النظام إلى تغطية زيادة الرواتب من خلال إلغاء الدعم عن المشتقات النفطية والمياه والكهرباء حيث بلغت الوفورات من رفع الدعم 5 ترليون و400 مليار ليرة سنوياً. وتسببت تلك السياسات في هبوط مستمر لقيمة الليرة فاقت الـ 15 ألف ليرة أمام الدولار في حين سعّر المركزي سعر صرف دولار الحوالات عند 10900 ليرة وانخفضت القوة الشرائية للمواطن بالشكل الذي جعل الزيادة على الرواتب بدون جدوى، وهو ما يزيد من فقر السكان ومعاناتهم في تحصيل سُبل العيش، كما يشير إلى عدم نجاعة الإدارة الاقتصادية التي تتعامل مع الأزمة بحلول غير مجدية.

وعلى صعيد آخر ستضطر حكومة النظام إلى استيراد نحو مليوني طن من القمح لسد احتياجات البلاد فالكميات المسوقة من القمح خلال الموسم الحالي لن تتجاوز 800 ألف طن كحد أقصى، علماً أن الحاجة تقدر بحدود 3 ملايين طن، وأعلنت المؤسسة السورية للحبوب عن مناقصة لشراء 200 ألف طن من القمح الطري تقدمت لها شركات روسية.

وفي سياق تعزيز التقارب مع المملكة العربية السعودية، وبعد انقطاع للاستثمارات في سورية منذ العام 2011، منحت حكومة النظام رخصة لشركتين تعود ملكيتهما لمستثمرين سعوديين للاستثمار في قطاعات الفوسفات والأسمدة والإسمنت في سورية. بالمقابل فقد ضيقت المملكة مرور الشاحنات السورية عبر معبر نصيب وصولاً إلى الأراضي السعودية بعد طلبها مواصفات معينة للشاحنات القادمة من مناطق سيطرة النظام وهو ما تسبب بتوقف مئات الشاحنات والبرادات المحمّلة بالخضار والفواكه والبضائع المختلفة في معبر نصيب.

وفي مؤشر بالغ الأهمية وله دلالات اقتصادية، فقد تنامى معدل هجرة التجارة، لاسيما تجار حلب ودمشق، كما حلّ مع أكبر خمسة صاغة في دمشق من ضمنهم باشورة وسعيد منصور والجزماتي، الذين نقلوا كافة مخزونهم من الذهب والمقدر بحوالي 300 كيلو (ما يقدر بـ 1 بالمئة من إجمالي احتياطي البلاد من الذهب) إلى الخارج.

وبذات أدوات معالجة الأزمة التي يتبعها النظام رفعت "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية رواتب الموظفين العاملين لديها من مدنيين وعسكريين بنسبة 100 في المئة ليصبح الحد الأدنى للرواتب مليوناً و40 ألف ليرة سوريّة، وبلغ الحد الأعلى 8 ملايين و222 ألف ليرة سورية، وضاعفت أيضاً أسعار المازوت المخصص للتدفئة، وخصصت 300 لتر من مادة المازوت للتدفئة لكل منزل خلال الشتاء المقبل. وحول مشاريع التعافي المبكر التي يجري تنفيذها في شمال وشرق سورية، تم إنجاز 90% من مشروع طريق “عمبارة” الذي يربط مدينة القامشلي بالطريق الدولي M4، وبلغت ميزانية تعبيد الطرقات ضمن الخطة السنوية للمشاريع الاستثمارية لعام 2023 نحو 794,633 دولاراً.

وفي إطار  الضبط والتحكم الاقتصادي، فقد أصدرت الإدارة قانونين، الأول “تنظيم أعمال الصرافة والحوالات” الذي حدد الحد الأدنى لرأسمال شركات ومكاتب الصرافة العاملة بـ500 ألف دولار لشركات الصرافة، و50 ألف دولار أمريكي كرأسمال لمكاتب الصرافة ، والثاني "تنظيم تجارة المعادن الثمينة وتصنيعها"، تضمَّن إجراءات الترخيص ومزاولة المهن المتعلقة بهذه التجارة، وعدم جواز مزاولة تجارة أو صناعة المعادن الثمينة والأحجار الكريمة إلا بعد الحصول على الترخيص من مديرية المعادن الثمينة في “مكتب النقد والمدفوعات المركزي”، كما صادقت الإدارة على مسودة قانون مكافحة غسيل الأموال والمؤلف من 66 بنداً .

أما في مناطق شمال غرب سورية، فقد رفعت المديرية العامة للمشتقات النفطية في "حكومة الإنقاذ" أسعار البنزين والغاز المنزلي، بعد مرور أكثر من أسبوعين على انقطاع مادة البنزين في المناطق الخاضعة لـسيطرتها.

ولتشجيع الاستثمار عقدت "الحكومة السورية المؤقتة" الاجتماع التمهيدي مع الفعاليات المحلية لعقد مؤتمر الاستثمار في المناطق المحررة والذي يهدف إلى تحقيق الارتقاء والنهوض بالبيئة الاستثمارية في الشمال السوري، وتم توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة المالية والاقتصاد في الحكومة المؤقتة ومركز الدراسات والأبحاث في جامعة حلب ونقابة الاقتصاديّين ومؤسسة "IDEA 2020"، تضمنت سبل التعاون المثمر بين الأطراف الأربعة ضمن قطاع الاستثمار من خلال تبادل المعرفة والخبرات، وتحديد الأدوار والمسؤوليات، والتحضير لعقد المؤتمر الاستثماري الأول في الشمال السوري بغية تحقيق الأهداف المشتركة والارتقاء بالبيئة الاستثماريّة.

من جهة ثانية، لا تزال أزمة الكهرباء في مناطق ريف حلب تتفاعل على المستوى الشعبي حيث أثار رفع شركة “Ak Energy” لتوريد وتوزيع الكهرباء، أسعار الكهرباء، غضب الأهالي في ريف حلب، ما أدى لاحتجاجات وحالة توتر أمني أمام مقر الشركة في اعزاز([5]). ورفعت المجالس المحلية في الباب وقباسين وبزاعة ومارع دعاوى قضائية ضد شركتي الكهرباء بخصوص الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، وعدم الالتزام بالتسعيرة المحددة من قبل المجالس، وعلى إثر هذه الأزمة أعلنت المجالس المحلية عن رغبتها في استجرار عقود جديدة لتزويد المدن الثلاث بالطاقة الكهربائية كحل بديل عن المزود الحالي.

ومن بين أبرز المشاريع في إطار "التعافي المبكر " في ريف حلب وإدلب كان إنشاء 38 شقة سكنية في مخيم "الخيرات 5" بــكفرلوسين من قبل المنظمات والمجالس المحلية وبمتابعة من مديرية شؤون المخيمات، وقشط الزفت القديم في الطريق الواصل بين بلدة كفر كرمين ومدينة الأتارب تمهيداً لتعبيده، والبدء بمشروع تأهيل وتوسعة طريق الدانا الزراعي، بطول 1750 متراً وعرض 24 متراً. كما أجرت المؤسسة العامة للاتصالات توسعة وتمديد شبكة فرعية للهاتف الأرضي والإنترنت في شارع الثلاثين في مدينة إدلب،  وتم البدء بتجهيز طريق عفرين كفرجنة البالغ 9500 متر بين المجلس المحلي في عفرين والتحالف العملياتي (الدفاع المدني السوري وسامز والمنتدى السوري) تمهيداً لتعبيده  ويعتبر طريقاً حيوياً يربط بين عفرين واعزاز، وتوسعة الطريق العام في بلدة حزانو تمهيداً لتعبيده ضمن مشروع توسعة طريق إدلب - باب الهوى، وأطلقت منظمة "يداً بيد للإغاثة والتنمية" مشروع سكني "الأمل 2" في منطقة جرابلس، يتكون من 60 شقة سكنية لإيواء المهجرين.


([1])  تضم لجنة الاتصال العربية كلاً من مصر، والسعودية، الأردن، العراق، ولبنان

([2])تعرض محافظ طرطوس المعزول نهاية شهر تموز للضرب على يد أهالي في بلدة دوير رسلان، وذلك خلال لقاء جمعه مع أعضاء من مجلس البلدة المنحل ومجموعة من المواطنين الغاضبين، في أعقاب قرار وزير الإدارة المحلية في حكومة النظام حل المجلس البلدي إثر تجاوزات خلال انتخابات المجالس، الأمر الذي رفضه الأعضاء المنتخبون للمجلس المنحل وبعض الأهالي

([3])  أولى ردود الفعل على احتجاز قيادة "مجلس دير الزور العسكري" جاءت نتيجة دعوات من شقيق "أحمد الخبيل" وقيادات من المجلس لعناصره وأبناء عشيرة البكير، التي ينتمي لها الخبيل، والعشائر الأخرى للتمرد على قرار حل المجلس وعزل قيادته

([4]) تعد العكيدات أكبر تحالف عشائري في المنطقة ولها تاريخ من الخلافات مع أحمد الخبيل" أبو خولة" قائد مجلس دير الزور العسكري

([5]) رفعت شركة “Ak Energy” أسعار الكهرباء ذات الاستخدام المنزلي من 3.2 ليرة تركية، إلى 4.5 ليرة للكيلو واط الواحد، والكهرباء التجارية إلى 5.75، بعدما كانت أربع ليرات تركية.

التصنيف تقارير خاصة

ملخص تنفيذي

  • شهدت محافظة السويداء في آب 2023 عودة الحراك المطالب بتحسين الأوضاع الاقتصادية والانتقال السياسي، وأثرت انتفاضة تموز عام 2022 في المشهد الحالي، حيث أعادت الميليشات بعد الانتفاضة تموضعها مابين الفواعل المحلية، فمنها من استمر بالوقوف مع الأفرع الأمنية التابعة للنظام ومنها من انحاز للحراك الشعبي، وقسم التزم الحياد بالتزامن مع تراجع فعاليتها ودورها .
  • تميزت ديناميات حراك آب 2023 عما سبقه بمشاركة قسم من عشائر البدو في الحراك، بالإضافة لتأييد شيوخ الطائفة الثلاث ( حكمت الهاجري – يوسف الجربوع – حمود الحناوي) لمطالب الحراك مع اختلاف مستوى التصعيد في خطاباتهم ومواقفهم من نظام الأسد، وأيضاً التوسع الجغرافي للحراك مقارنة بالحراكات السابقة حيث بلغت عدد نقاط التظاهر 43 نقطة بينما اقتصرت سابقاً على ثلاث نقاط في مركز مدينة السويداء والقريا وشهبا.
  • بالنظر إلى العصابات المحلية المنتشرة في المحافظة نجد أن العصابات المُرتبطة بإيران وحزب الله تشكِّل أكثر عوامل التهديد للسلم الأهلي، حيث تشرف على خطوط التهريب بالإضافة لقيامها بعملات الخطف وصناعة المخدرات والاتجار بها، ومازالت تلك العصابات متمسكة بمقراتها وفعاليتها وأدوارها مازالت قائمة في المحافظة.
  • لم تتبلور آلية تعامل نظام الأسد مع السويداء حتى الآن، مما يوحي أن أولوية النظام حالياً تتركز في منع امتداد الحراك خارج جغرافيا المدينة أكثر من إيقافه، وبالتالي قد تكون أحد أدواته هي الاستثمار بالعصابات التابعة لإيران لتفكيك هذا الحراك، أو استنزاف المدينة في حال بقي الحراك مركزاً فيها عبر عدم تقديم أي مبادرة ولكن سحب الخدمات منها تدريجياً، ورغم ذلك تبقى خيارات المجتمع المدني في السويداء واسعة في حال رُفِع مستوى التنسيق مع المناطق الأخرى الخارجة عن سيطرة الأسد، وأيضاً الحفاظ على سردية الانتقال السلمي، بالتزامن مع عكس مطالب الحراك إلى تمثيل سياسي خارجي وداخلي يبحث في سيناريوهات أكثر تعقيداً.

تمهيد

شهدت محافظة السويداء في آب 2023 عودة المظاهرات المطالبة بتحسين الوضع الاقتصادي والانتقال السياسي في سورية ، وجاء ذلك الحراك بدايةً رداً على رفع أسعار المحروقات وبعض السلع الأخرى، ولكن سرعان ما تحولت المطالب إلى سياسية تُطالب بتطبيق القرار 2254 والمناداة بإسقاط النظام وذلك بتأييدٍ من المرجعيات الدينية التي شاركت في التظاهرات. يحاول تقدير الموقف أدناه الوقوف على ما جرى في السويداء خلال النصف الأول من عام 2023 ، وتفكيك خارطة المطالب المحلية وتأُثيرها على المنطقة الجنوبية، كما سيفند طبيعة السياسات التي سينتهجها النظام وحلفائه (روسيا – ايران) والميليشيات التابعة لهم في المنطقة، وتلمُّس الاتجاهات المستقبلية للمشهد الميداني في السويداء.

انتفاضة آب: متغيرات نوعية

شكلت انتفاضة أهالي السويداء في تموز 2022 ضد المليشيات المتورطة في عمليات الخطف وتجارة المخدرات مفترق طرقِ في المحافظة، حيث كانت تلك الانتفاضة مدعومة بشكل كامل من المرجعيات الدينية من جهة وأيضاً رافقتها مظاهرات بسبب سوء الأحوال المعيشية نتيجة قرار رفع " الدعم الحكومي" عن عدد كبير من العائلات في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد([1]). وكنتاج لتلك الانتفاضة أعادت الميليشيات تموضعها ما بين الفواعل المحلية،فمنها من استمر بالوقوف مع الأفرع الأمنية التابعة للنظام ومنها من انحاز للحراك الشعبي، وقسم التزم الحياد بالتزامن مع تراجع فعاليتها ودورها، ويمكن تقسيم هذا التموضع وفق الآتي ( انظر الجدول رقم 1):

  • ميليشيات حافظت على اصطفافها ولكن تراجعت أدوارها كـعصابة فداء العنداني وعصابة نهاد المؤيد
  • ميليشات اختفى دورها بعد استهدافها بالانتفاضة أو محاولات اغتيال لقادتها لاحقاً أو قامت بعملية تسوية مع حركة رجال الكرامة والمرجعيات الدينية، مثل عصابة قوات الفد وعصابة ناصر السعدي
  • مليشيات أصبحت علاقتها مع إيران أكثر تجذراً وهي من مهددات السلم الأهلي في المنطقة مثل.عصابة نافذ أسد الله وعصابة المقاومة الشعبية

والجدير بالملاحظة في هذا السياق استمرار نشاط المجموعات المرتبطة بإيران بشكل مباشر عبر شعبة المخابرات العسكرية أو بحزب الله اللبناني في محافظة السويداء وريفها، وتعتبر عصب المصالح الإيرانية في المنطقة سواء بتأمين خطوط تهريب المخدرات أو محاولات زعزعة الأمن داخل المحافظة لتثبيت فكرة أن الفوضى الأمنية هي السائدة وأن المحفاظة بحاجة لإعادة دور الدولة الضامنة للسلم المحلي، وتصدير السويداء على أن فيها صراع داخلي قد يتطور إلى حرب أهلية في غياب وجود الدولة.

وبالنظر إلى ديناميات حراك آب 2023 يُلاحظ أن هذا الحراك يختلف عما سبقه فيما يلي:

  1. مشاركة قسم من عشائر البدو  في الحراك: وأهمهم العشائر في بلدة المنصورة،([2]) حيث كانت التوترات قائمة بين أهالي السويداء والعشائر البدوية  وشكَّل هذا التوتر أحد أهم أنوية الخلاف الداخلي في المحافظة كما حدث في أيلول 2021، وتقسم العشائر البدوية إلى عشائر تشيعت بعد عام 2000 وهي مقربة من إيران في المنطقة، وعشائر سنية شارك قسم منها في الحراك وأضافت بُعداً وطنياً على أن الحراك غير مرتبط فقط بالطائفة الدرزية في المنطقة.
  2. مشاركة المرجعيات الدينية: تُقسم المرجعية الدينية في المحافظة إلى ثلاث شيوخ : حكمت الهاجري، يوسف الجربوع وحمود الحناوي وجميعهم أيدوا مطالب حراك آب 2023 مع اختلاف مستوى التصعيد في خطاباتهم ومواقفهم من نظام الأسد، وبالتالي شكل موقف المرجعية الدينية مع الناشطين في هذا الحراك ثنائية لم تتكرر سابقاً منذ عام 2011، وهو مايعطي حصانة مبدئية للمدينة ضد الفتنة الداخلية التي كانت توتراتها موجودة سابقاً بسبب مواقف الشيوخ من النظام مثل دعوة الشيخ حكمت الهاجري أبناء السويداء عام 2018 للالتحاق بالخدمة العسكرية وعدم التخلف عنها.
  3. التوسع الجغرافي للحراك: انحصرت نقاط التظاهر في الحراكات السابقة في السويداء بثلاث نقاط أساسية وهي: مركز مدينة السويداء والقريا وشهبا، بينما تجاوزت نقاط التظاهر في حراك آب 48 منطقة لم تُشارك سابقاً في الاحتجاجات، مما يشير إلى أهمية مشاركة المرجعيات الدينية في الحراك وتأثيرهم على المجتمع في المحافظة، وتمحورت مطالب الحراك في تلك النقاط بثلاث محاور : تحسين الواقع المعيشي – أهمية تطبيق القرار 2254 والانتقال الديمقراطي في البلاد – رفض عودة مقرات حزب البعث للعمل في المدينة. ( انظر الخريطة رقم 1 والتي توضح توسع نقاط الاحتجاج والتظاهر)

الميليشيات المحلية ومواقفها: التحدي الأبرز لمعادلة الاستقرار 

كان فشل هجوم "تنظيم الدولة" على الريف الشرقي للسويداء عام 2018 سبباً في تغير السياسة الأمنية للنظام اتجاه المحافظة،حيث أبدت الفصائل المحلية تكاتفاً ضد هجوم التنظيم وذلك تحت فلسفة "صيانة الأرض والعرض" التي دعت لها المرجعيات الدينية حينها، تَبعه توكيل مهمة الضبط الأمني إلى اللواء كفاح ملحم (معاون شعبة المخابرات العسكرية حينها ورئيس الشعبة لاحقاً) حيث سعى إلى تفكيك الفصائل المحلية وأبرزها رجال الكرامة والتشجيع على الانشقاق عنها عبر تغذية الخلافات البينية ودعم الفصائل مالياً، ونتيجة لمحاولات ملحم تم عقد اتفاق بينه ملحم و بين تلك المجموعات ينص على "اطلاق الصلاحيات وتولي مهمة التسويات لجل المطلوبين أمنياً وضمهم لمجموعاتهم مقابل عدم المساس بأجهزة الدولة لاسيما الأفرع الأمنية" التي كانت مستهدفة بالحراك الشعبي([3]).

استمرت وتيرة تشكيل جماعات مسلحة محلية تختلف تبعيتها بين شعبة المخابرات العسكرية من خلال فرع الأمن العسكري، وفرع المخابرات العامة (أمن الدولة)، بالإضافة إلى العلاقات المباشرة مع إيران عبر حزب الله أو غير المباشرة معها حتى تموز عام 2022، حيث أطلقت حركة رجال الكرامة وبدعوة من المرجعيات الدينية حملة واسعة ضد العصابات المحلية المُشرفة على الخلل الأمني في المنطقة وأكبرها حركة الفجر بقيادة راجي فلحوط، ونتج عن تلك الانتفاضة تغير في خارطة الفصائل المحلية وأدواتها وفعاليتها وآليات تمويلها ( انظر الجدول 1)، حيث عَمِلت المرجعيات الدينية على اطلاق مسار للمصالحة تستهدف فيه الفصائل التي تورطت في عمليات الزعزعة الأمنية بأن تسلم الفصائل سلاحها المتوسط والثقيل لرجال الكرامة وتُغادر منطقة نفوذها، كما جرت عدة محاولات اغتيال لقادة عدة فصائل فانعكس ذلك على ثِقل الفصيل وفعاليته ضمن الخارطة الأمنية ضمن المحافظة.

ويُلاحظ أن أكثر الفصائل تَمُسكاً بمقراتهم ويُشكلون تهديداً للسلم المحلي في المحافظة هي الفصائل المُرتبطة بإيران أو حزب الله، حيث تشرف تلك الفصائل على خطوط التهريب بالإضافة لقيامها بعمليات الخطف وصناعة المخدرات والاتجار بها ونقلها إلى الحدود، ومن جانب آخر اعتمدت حركة رجال الكرامة وأهالي السويداء بشكل عام على أداة خطف ضباط الأمن مقابل كل حالة اعتقال يقوم بها نظام الأسد سواء على مدخل المدينة أو في العاصمة دمشق، حيث قامت الحواجز في شهر تموز 2023 باعتقال 6 شباب من المحافظة، قوبل ذلك بخطف 35 ضابط أمنٍ من طرف أهالي السويداء حتى تمت مبادلة المعتقلين بين الطرفين لاحقاً.

السويداء ما بين خطط النظام ومتطلبات التكاتف الوطنية

تتأثر السيناريوهات المتوقعة بعوامل داخلية متعلقة بتركيبة المدينة وبين خيارات النظام بالتعامل مع الحراك الأخير، وعلى الرغم من ضعف المدينة اقتصادياً ولكنها تمتلك ثقلاً مهما لنظام الأسد لا سيما أنها تشكل ممراً أساسياً لتهريب الكبتاغون، إضافة أن تموضعها إلى جانب درعا المماثلة في الحراك المُنطلق في آب 2023 شكل جيباً معارضاً قد يتجاوز الخلافات التي سعى النظام لتغذيتها بين المدينتين خلال سني الثورة،وأهم مايُميز التركيبة الديمغرافية للسويداء أن المجتمع يمتلك بُعداً إقليمياً في فلسطين ولبنان والعلاقة المتينة بين الشيخ حكمت الهاجري من طرف والشيخ موفق طريف رئيس الطائفة الدرزية ووليد جنبلاط من طرف آخر.

لذلك كان منهج نظام الأسد بالتعامل مع المدينة يقوم على أمرين: أولهما عزل المدينة عن محيطها عبر إشعال فتن طائفية ومناطقية بينهم وبين العشائر وأهالي درعا، ثانيهما استبعاد الحل العسكري المفتوح على غرار باقي المدن التي انطلقت فيها المظاهرات، وبالتالي كان سعي النظام وحلفائه يُركز على أن يصبح وجود الدولة المُصاحب لأفرعها الأمنية مطلباً شعبياً في حال ارتفعت وتيرة الصراعات المحلية في المدينة، بالإضافة لإطلاق يد الميليشيات المحلية للزعزعة الأمنية مما يصب في هدفه، وبناء على امتداد المساحة الجغرافية للحراك ووضوح موقف المرجعيات الدينية للمدينة من مطالب المجتمع المحلي، ورغم ما يمتلكه النظام من خيارات إلا انه يمكن مواجهتها بالتمسك بالمطالب السياسية المتسقة مع القرار 2254 من جهة وبسياسات التماسك المحلي من جهة ثانية وديناميات التكاتف الوطني عبر مساندة السوريين لحراك المحافظة من جهة ثالثة، ومن الخيارات المتوقعة لسياسات النظام حيال هذا الحراك نذكر:

  1. "سياسة اللامبادرة" : وذلك من خلال امتناعه عن تقديم أي عروض أو تنازلات للحراك في حال انحصاره ضمن المحافظة ولم يمتد ليشمل مدن أخرى أكثر حساسية لدى النظام مثل دمشق والمحافظات الساحلية، أو لم يتم التحول لتنسيق الحراك على مستوى المنطقة الجنوبية ككل بين درعا والسويداء، وبالتالي تُستنزف المدينة عبر إضرابها المفتوح وفقدان الخدمات وتدهور الوضع الاقتصادي في ظل الزيادات المتتالية، مما يؤهل النظام أن يُقدم لاحقاً تنازلات هامشية مثل بعض الوعود الأمنية أو تغيير المجلس المحلي للمدينة بهدف فض الحراك القائم.
  2. زيادة أدوات الزعزعة الأمنية: وذلك في حال تجاوز الحراك حدود المدينة ليشمل مدن أخرى، وتتضمن تلك الأدوات هجمات "تنظيم الدولة" التي بدأ النظام بتحذير أهالي السويداء منها، وتحريك الميليشات التابعة له والمقربة من إيران إما ضمن مواجهة مفتوحة مع الفصائل المقربة من المرجعية الدينية مثل رجال الكرامة وفصيل مرهج الجرماني، أو ضمن اغتيالات لوجهاء محليين من محافظة السويداء أو العشائر في ريفها، مما يُفضي إلى زعزعة أمنية تُغطي على الحراك القائم وتفتح الباب لإعادة "الدولة" إلى المدينة لضبط السلم الأهلي فيها.
  3. الحصار الاقتصادي للمدينة أو الحل العسكري ضدها، ويعتبر من الخيارات المستبعدة حالياً كون تماسك الحراك يسحب من النظام فكرة قتاله ضد جماعات ارهابية أو وجود بؤر للتطرف في المدينة، بالإضافة إلى وجود تجمعات لأهالي مدينة السويداء مثل جرمانا في دمشق قد تكون نُقاط تظاهر وعصيان وبوابة لتجديد الحراك في العاصمة في حال كان هناك سياسية تجويع أو اجتياح للمدينة، بالإضافة لاحتمالية توحد الميليشيات في وجه أي حل عسكري بسبب تجذر مبدأ (( صيانة العرض والأرض)) لدى أهل السويداء.

خاتمة

لم تتبلور آلية تعامل نظام الأسد مع المدينة حتى الآن على عكس وضوحه سابقاً بالتعامل العسكري مع المدن الثائرة ضده، مما يوحي أن أولوية النظام حالياً تتركز في منع امتداد الحراك أكثر من إيقافه، وذلك يعود لتراجع إمكانياته على ضبط المدن الكبرى بالتزامن مع تراجع اقتصادي وحالة سخط اقتصادية عامة في مناطقه، وبالتالي قد تكون ورقة الحل باستثمار الأدوات الايرانية ( الفصائل التابعة لها) خصوصاً في حال تعرض خطوط التهريب أو القائمين عليه لأي زعزعة تنتج عن محاولات المجتمع المحلي في السويداء الضغط على النظام وحلفائه.

ولكن تبقى خيارات المجتمع المحلي القائم بالحراك واسعة في حال رفع مستوى التنسيق مع المناطق الخارجة عن سيطرة النظام والحفاظ على سردية الانتقال السلمي للسلطة حسب القرار الأممي 2254، بالتزامن مع إيجاد بدائل محلية في حال أغلق النظام مؤسساته الخدمية في المدينة، وعكس مطالب الحراك إلى تمثيل سياسي خارجي وداخلي يبحث في سيناريوهات أكثر تعقيداً.

الملاحق

أولاً: الخريطة رقم 1 : مقارنة بين عدد نقاط التظاهر والاحتجاج في المحافظة خلال شهر آب 2023 وتلك التي كانت في احتجاجات تموز 2022.


ثانياً: الجدول (1) : العصابات الموجودة في السويداء وتغير نشاطها وأدوارها وتبعيتها بين عامي 2022 و2023


 

([1])المشهد الأمني في السويداء: قراءة في السياق والمآلات المتوقعة، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، يمان زباد 08/08/2022 https://rb.gy/rtqcs

([2])لحظات وصول وفد من عشائر البدو إلى ساحة السير، يوتيوب 24/08/2023 https://www.youtube.com/watch?v=IcSAIMq2oOY

([3])المشهد الأمني في السويداء: قراءة في السياق والمآلات المتوقعة، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية

التصنيف تقدير الموقف
الإثنين تموز/يوليو 22
المُلخَّص التنفيذي: قسَّمت الدراسة مبناها المنهجي وسياقها المعلوماتي والتحليلي إلى فصول ثلاثة، مثّل الفصل الأول منها: مدخلاً ومراجعة لتاريخ القبائل والعشائر في الجغرافية السورية بشكل عام وفي محافظتي حلب وإدلب…
نُشرت في  الكتب 
الأربعاء آب/أغسطس 23
يأتي نشر هذا الكتاب في وقت عصيب على سورية، خاصة في أعقاب الكارثة الطبيعية التي حلت بالبلاد، إضافة إلى الزلازل السياسية التي شهدها الشعب السوري منذ بداية الثورة السورية عام…
نُشرت في  الكتب 
الخميس نيسان/أبريل 29
الملخص التنفيذي مع تراجع سُلطة الدولة المركزية لصالح صعود تشكيلات دون دولتية، منها ذات طابع قومي وديني؛ برزت نماذج مختلفة من أنماط الحكم المحلي في الجغرافية السورية، والتي تأثرت بالخارطة…
نُشرت في  الكتب 
معن طلَّاع
على الرغم من وضوح تمسك جل فواعل المنطقة بقواعد الاشتباك السائدة على مدار العقدين الماضيين،…
الأربعاء تشرين1/أكتوير 02
نُشرت في  مقالات الرأي 
رهف اللحام
بذاكرة مُثقلة بالمجازر والمآسي والصور الخانقة؛ نسترجع نحن السوريين تواريخ أيامنا المرتبطة بجرائم حرب تنافس…
الأربعاء آب/أغسطس 21
نُشرت في  مقالات الرأي 
محسن المصطفى
أصدر بشار الأسد في 11 آب/أغسطس 2024 مرسوماً يقضي بدعوة مجلس الشعب الجديد للانعقاد لأول…
الأربعاء آب/أغسطس 21
نُشرت في  مقالات الرأي 
محسن المصطفى, يمان زباد
حتى عامٍ مضى، كان يبدو أن أكبر مشاكل نظام الأسد الداخلية تتمثل في وجود مناطق …
الجمعة آب/أغسطس 16
نُشرت في  مقالات الرأي