ملخص عام
يستعرض هذا التقرير أهم الأحداث السياسية والأمنية والاقتصادية في سورية خلال شهر حزيران، حيث شهدت الجغرافيا السورية تصعيداً أمنياً في مختلف مناطق النفوذ، بدءً بالتصعيد الروسي في إدلب، وازدياد وتيرة العمليات الأمنية لتنظيم داعش في شرق سورية، وصولاً إلى زيادة ضحايا عمليات الاغتيال واندلاع اشتباكات بين فصائل محلية ومليشيات تابعة لقوات النظام في درعا. أما على الصعيد السياسي فاستمر النظام بمحاولات تعزيز الانفتاح على المحيط العربي وتثمير هذا التقارب باتفاقات اقتصادية، في ظل الرفض الغربي لمحاولات التطبيع أو رفع العقوبات دون خطوات جدية من طرف النظام. اقتصادياً؛ لايزال استنزاف الليرة السورية وانخفاض قيمتها مستمراً نتيجة السياسات الاقتصادية والمالية لنظام الأسد، مما ينعكس سلباً على القدرة الشرائية للسوريين ويزيد معاناتهم، لا سيما مع ارتفاع الأسعار قبيل عيد الأضحى المبارك. في حين استكملت المجالس المحلية والمنظمات المدنية في شمال سورية تنفيذ العديد من مشاريع التعافي المبكر في عدد من القطاعات الحيوية أبرزها قطاع الصناعة.
ارتفاع مؤشرات عدم الاستقرار الأمني
تعرضت مناطق عدة في إدلب لقصف جوي ومدفعي من قبل النظام وروسيا، وذلك على الرغم من الرعاية الروسية للمحادثات التركية مع النظام، إذ يستمر الواقع الأمني والعسكري المعقد ميدانياً كعامل لا يقل أهميةً عن الإرادة السياسية اللازمة لتحقيق تقدم على مستوى إنجاز تفاهمات أو اتفاقات تقنية، لا سيما مع تطوُّر القدرات العسكرية للفواعل المحلية في ظل استمرار الاستعصاء، الأمر الذي تجلَّى مؤخراً بقدرة فصائل عسكرية في ريف اللاذقية الشمالي على استهداف مدينة القرداحة بواسطة طائرة مسيرة أدت لمقتل شخص وإصابة آخر.
من جهة أخرى، قامت الأجهزة الأمنية التابعة لـ "هيئة تحرير الشام" باعتقال أكثر من 80 شخصاً اتهمتم بـالتعامل والتخابر لصالح جهات معادية، من بينهم شخصيات بارزة في جهاز "الأمن العام" وبعض الألوية العسكرية والإعلام الرديف. بالمقابل، تسعى الهيئة لإحداث اختراق في الاستعصاء الراهن على المستوى المحلي وتوسيع مساحات مناوراتها، وهو ما يتضح بقيامها بفتح قنوات تواصل مع قسد انعكس على أرض الواقع بتفاهمات اقتصادية بخصوص توريد مادة الفيول.
وفي شمال شرق سورية، تبنى تنظيم داعش أكثر من 24 عملية أمنية استهدفت "قوات سوريا الديمقراطية" والمتعاونين معها وأدت لمقتل 11 شخصاً وإصابة 26 بجروح متفاوتة بحسب بيانات التنظيم. وكان نشاط التنظيم قد انخفض خلال الشهور السابقة نتيجة العمليات الاستباقية للتحالف الدولي بالتعاون مع قوات قسد قبل أن يتصاعد مجدداً في شهر حزيران، على الرغم من قيام التحالف بأربعة عمليات إنزال في المنطقة خلال هذا الشهر أسفرت إحداها عن اعتقال قيادي في التنظيم في جنوب الحسكة، كما تحطمت مروحية عسكرية أمريكية وأصيب 22 جندياً حسب ما أعلنت عنه القيادة الأمريكية، وفي دير الزور وقعت اشتباكات عشائرية في 12 نقطة في عموم المحافظة وأسفرت عن قتلى وجرحى.
إضافة إلى ذلك، أعلنت الإدارة الذاتية عزمها إجراء محاكمات علنية، من طرفها، لآلاف المقاتلين الأجانب من عناصر التنظيم المعتقلين لديها. حيث يشكل ملف معتقلي التنظيم وعوائلهم المحتجزين في مخيمات وسجون غير مؤهلة عبئاً على الإدارة الذاتية بعد سنوات من احتجازهم دون محاكمة، لاسيما مع تصاعد هجمات تنظيم داعش في شمال شرق سورية والخوف من تكرار سيناريو اقتحام سجن الصناعة في الحسكة مطلع العام الماضي. في الوقت الذي لم تتجاوب الدول المعنية لدعوات استلام المحتجزين الذين يحملون جنسياتها، إضافة إلى العقبات القانونية التي تمنع إقامة محاكمات بإشراف دولي في مناطق لا تخضع لسلطة معترف بها.
من جهة أخرى، وفي سياق استمرار رفضها الاعتراف بالإدارة الذاتية واعتبارها كياناً "إرهابياً" يتبع لحزب العمال الكردستاني PKK؛ واصلت تركيا استهداف قيادات وعناصر الإدارة، حيث شن الطيران التركي المسيَّر غارة جوية استهدفت سيارة تقل قادة "مجلس مقاطعة قامشلو" شرق القامشلي، مما أدى لمقتل الرئيسة المشتركة للمجلس "يسرى درويش" ونائبة الرئاسة المشتركة "ليمان شويش" والسائق "فرات توما"، وإصابة الرئيس المشترك للمجلس "كابي شمعون".
أما عن درعا، فلا تزال مؤشرات فشل المصالحات والتسويات التي يروج لها النظام واضحة، فمن جهة أولى تشهد المحافظة سيطرة حالة الفوضى الأمنية، حيث قُتل 30 شخصاً في عمليات اغتيال، بالإضافة إلى 8 آخرين في حوادث أمنية متفرقة على مدار الشهر، إضافة إلى الاشتباكات المسلحة والتي كان آخرها اشتباك بين مجموعات محلية وميليشيات تابعة للنظام قرب معبر نصيب على الحدود السورية الأردنية، ناهيك عن استمرار عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود الأردنية عن طريق معبر نصيب. ومن جهة ثانية تدل زيادة معدلات هجرة الشباب -التي قاربت ما كان الحال عليه عقب التسويات في 2018 و2021- على فشل النموذج، إذ يخشى الشباب الملاحقة الأمنية من قبل النظام إضافة إلى المخاوف من انعكاسات الوضع الأمني المتردي في ظل تفشِّي ظاهرة الاغتيالات، الأمر الذي أدى إلى وفاة أكثر من 100 شخص من المحافظة غرقاً قبالة السواحل اليونانية في منتصف شهر حزيران.
نظام الأسد بين التقارب العربي والضغوط الغربية
قام النظام السوري بتعين سفير له في الجامعة العربية، وزار وزير خارجيته كلاً من العراق والسعودية حيث تم الاتفاق على استئناف التعاون الاقتصادي بين سورية والدول العربية. من جهته استقبل بشار الأسد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، وأكد على ضرورة "عدم تسيس ملف عودة اللاجئين"، كما طالب بتوفير متطلبات إعمار البنى المتضررة في القرى والمدن التي سيعودون إليها، وتأهيل المرافق الخدمية بمختلف أشكالها، مما يشير بوضوح الى رفض النظام المضي قدماً في استحقاقات العودة الآمنة للاجئين، لاسيما تلك المتعلقة بإيقاف الملاحقات الأمنية، وضبط وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، والإفراج عن المعتقلين وإصلاح النظام القضائي، وتوجهه عوضاً عن ذلك لاستثمار هذا الملف في الضغط على المجتمع الدولي لتحقيق مكاسب اقتصادية ورفع العقوبات المفروضة عليه.
وفي سياق استمرار الموقف الغربي الرافض للتطبيع، رفعت كل من كندا وهولندا دعوى قضائية مشتركة أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد نظام الأسد لارتكابه جرائم تعذيب وانتهاك القانون الدولي. وتثير هذه التحركات تساؤلات جوهرية حول جدوى التطبيع العربي مع النظام، ومدى قدرة بعض الدول العربية على إعادة تأهيل الأسد أو تخفيف العقوبات عنه في ظل فقدانها لأدوات تأثير حقيقية على الأرض في سورية.
من جهة أخرى، انتهت الجولة 20 من اجتماعات أستانا حيث حمل البيان الختامي نقاط مثيرة للاهتمام؛ منها "رفض جميع العقوبات الانفرادية التي تنتهك القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وميثاق الأمم المتحدة بما في ذلك جميع الإجراءات الانتقائية والإعفاءات المتعلقة بمناطق معينة من سوريا"، الامر الذي قد ينذر بتبلور موقف تركي يؤيد رفع العقوبات أو تخفيفها عن نظام الأسد. إضافة إلى ترحيب المجتمعين في أستانا بموافقة النظام على إدخال المساعدات من معبري الراعي وباب السلامة وذلك في تأكيد على رفض أية تحركات لتجاوز موافقة النظام وروسيا بعد انتهاء التمديد في آب 2023.
وفي شمال شرق سورية، أعلن كل من "مجلس سوريا الديمقراطية" وهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، التوافق حول بناء جبهة معارضة تتبنى" مشروع التغيير الوطني الديمقراطي"، وتضمنت الوثيقة المشتركة المعلنة خمسة مبادئ أساسية لإنجاح حل سياسي بمشاركة "القوى السياسية الوطنية الديمقراطية" وفق قرار مجلس الأمن 2254.
سياسات اقتصادية تعمق معاناة السوريين
لا تزال الليرة السورية تشهد انخفاضات متوالية وصلت إلى 9250 ليرة مقابل الدولار الواحد، نتيجة السياسات الاقتصادية والمالية المتبعة من قبل حكومة النظام، وفي سبيل إعادة الاستقرار لليرة والأسعار ومنع تهريب العملة الصعبة من البلد؛ أصدر مجلس النقد والتسليف قراراً سمح بموجبه للقادمين إلى سورية بإدخال مبالغ مالية تصل إلى 500 ألف دولار فيما لا يسمح للمغادر بإخراج مبلغ يتجاوز 10 آلاف دولار أو ما يعادلها من العملات الأجنبية.
أما عن الأوضاع المعيشية؛ فقد استمرت معاناة السكان من ارتفاع الأسعار تزامناً مع عيد الأضحى حيث سجل سعر طبق البيض 30 ألف ليرة في محافظة درعا و33- 34ألف ليرة في محافظتي حماة ودمشق، في حين يبلغ متوسط راتب الموظف الحكومي 100 ألف ليرة شهرياً! فيما وصل سعر الأضحية إلى 3 ملايين ليرة في بعض المناطق لتسجل أسعار الخراف ارتفاعاً قدره 6 أضعاف خلال عام واحد، يأتي ذلك وسط كساد شهدته الأسواق نظراً لعدم قدرة المواطنين على الشراء بسبب ارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية. وقد أشارت عدة تقارير إلى انخفاض حجم الحوالات الخارجية إلى سورية بمقدار 3 مرات خلال عيد الأضحى مقارنة بما كانت عليه في عيد الفطر الماضي، بينما أحجمت حكومة النظام عن تقديم أي منحة مالية أو زيادة في الرواتب قبيل عيد الأضحى. وكانت وزارة المالية في حكومة النظام قد قدرت معدلات التضخم لعام 2022 بـ 100% ولعام 2023 بـ 104.7% فيما بلغ التضخم بين عامي 2011 – 2023 حوالي 16 ألف بالمئة.
وفي مناطق المعارضة، حددت الحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ، سعر القمح القاسي بـ 330 دولاراً للطن الواحد في حين أصبح سعر القمح الطري 285 دولاراً للطن الواحد، وقد خيّب هذا السعر معنويات الفلاحين في المنطقة مقارنة بسعر العام الماضي الذي بلغ 450 دولاراً، إذ يعد هذا السعر أقل بـ 100 دولار من تسعيرة "الإدارة الذاتية" بينما يبلغ 222 دولاراً في مناطق سيطرة النظام، وقد يؤدي ذلك إلى إحجام الفلاحين في مناطق المعارضة عن بيع محاصيلهم للحكومة أو التجار، كما قد يدفع المزارعين لاستبدال محصول القمح بآخر يدر أرباحاً أكثر في حال بقاء التسعيرة على حالها.
وفي إطار مشاريع التعافي المبكر، استكملت المجالس المحلية وبعض منظمات المجتمع المدني تنفيذ العديد من المشاريع في عدة قطاعات حيوية، حيث افتتح المجلس المحلي في مارع مدينة صناعية جديدة تضم 50 معملاً جاهزاً و100 قيد التجهيز. وفي مدينة الراعي تم إيصال محولة رئيسية للمنطقة الصناعية بهدف تهيئة البنى التحتية للمشاريع، كما شارك وزير المالية والاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة "عبد الحكيم المصري" في افتتاح معمل خاص بحليب الأطفال المجفف في المنطقة الصناعية في المدينة.
أما عن مناطق الإدارة الذاتية، فقد شهدت مدينة الحسكة مظاهرة شارك فيها مئات المواطنين احتجاجاً على نقص مادة الغاز المنزلي، وسط ارتفاع أسعارها في الآونة الأخيرة بالسوق السوداء إلى نحو 150 ألف ليرة سورية ما يشكل ضعف السعر النظامي. كما شهد سوق عامودا إغلاق مكاتب وشركات الحوالات وصرف العملات؛ احتجاجاً على الشروط الجديدة للتراخيص والتي تتطلب ضمانات مالية وشروطاً لتجهيز المكاتب تتجاوز إمكاناتهم. وفي قرار جديد قوبل بالرفض والاستهجان من قبل التجار اعتمدت إدارة الجمارك في الإدارة الذاتية، نظاماً جمركياً جديداً لشحنات الخضار والفواكه الداخلة عبر المعابر الداخلية إلى منطقة الإدارة الذاتية، حددت الجمارك بموجبه رسوم البطاطا والبندورة والبصل الأخضر بـ 3 دولارات أمريكية والبصل اليابس بـ 10 دولارات والثوم بـ 20 دولاراً للطن الواحد، كما حددت قيمة رسوم إدخال شحنات الفاكهة التي لا تنتجها المنطقة كالكرز بـ 6 دولارات والموز بـ 16 دولاراً والأناناس 60 دولاراً للطن الواحد، الأمر الذي سينعكس على أسعار هذه السلع ويخفض القدرة الشرائية للأهالي ويرفع معاناتهم.
أخيراً، سجل فوج الإطفاء في مقاطعة الحسكة أضرار حرائق المحاصيل منذ بداية 2023، بحوالي 370 دونماً في الأرياف التابعة إدارياً لمقاطعة الحسكة، و418 دونماً من الأراضي المزروعة في مقاطعة القامشلي.
أقرّت حكومة النظام مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2023 بمبلغ 16,550 مليار ليرة سورية بزيادة 3,225 ملياراً (24.2%) مقارنة بموازنة العام 2022، توزّعت فيها الاعتمادات 13,550 ملياراً للإنفاق الجاري و3,000 مليار للإنفاق الاستثماري، وخلال اجتماع لمجلس الوزراء في حكومة النظام تم توضيح أن مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2023 "يركّز بشكل أساسي على إنجاز مشاريع ذات جدوى اقتصادية تُسهم بتعزيز الإنتاج، وتحسين الخدمات، وتنعكس إيجاباً بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتقديم كل الإمكانات المتاحة لإحداث نقلة حقيقية في القطاعين الزراعي والصناعي تُسهم في تحقيق متطلبات التنمية المتوازنة والشاملة".
سيُقارن المقال التالي تفاصيل الموازنة الحالية مع الموازنات السابقة ومدى قدرة حكومة النظام على الوفاء بالاستحقاقات المعيشية للسكان وتحقيق أهدافها المنشودة خلال العام المالي القادم.
لا تزال حكومة النظام تصدّر موازنات مالية منذ العام 2011 تُوهِم فيها المواطنين بأنها الأعلى قيمة وبقدرتها على إدارة المرحلة والوفاء بالاستحقاقات المعيشية وإعادة الإعمار، في الوقت الذي تُحجم عن عرض تفاصيل ميزانية العام المالي السابق من نفقات وعجز وديون أو حتى إصدار قطع الحسابات المالية؛ الأموال التي تم إنفاقها في الشقين الجاري والاستثماري، ما يجعل الأرقام الواردة في الموازنات الصادرة غير دقيقة وتفتقر للموضوعية.
ظهرت موازنة العام 2023 البالغة 16,550 مليار ليرة سورية أعلى بنسبة 24.2% من موازنة العام 2022 وبنسبة 1882% من موازنة العام 2011 بينما ستظهر في الواقع أقل بنسبة 16% من موازنة العام 2022 إذا قوّمت بالدولار الأمريكي فضلًا أنها الأقل على مدار السنوات الماضية وبنسبة 80% من موازنة 2011، حيث اتخذت الموازنة منحاً هبوطياً منذ العام 2011 لدى تقويمها بالدولار كما يظهر في الشكل رقم (1). حيث أفرغ النظام الموازنة من قيمتها الحقيقية عندما أفلت العنان لحدود الدين والعجز ولم يكترث لهبوط قيمة الليرة وخسارة مولّدات الدخل الرئيسية للموازنة؛ كالنفط والصادرات والسياحة والضرائب فضلاً عن عدم أخذ الظروف الاستثنائية التي تمر بها سورية بالاعتبار، وهو ما ساهم في تأصّل جذور الأزمة في الاقتصاد السوري ومعاناة السكان مع استمرار هبوط قيمة الموازنة والليرة، حيث وقَع نحو 90% من السكان تحت خط الفقر وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة.
ولم تعكس زيادة أرقام الموازنات بالليرة السورية تحسناً في الأوضاع المعيشية للسكان على مدار السنوات الماضية وهنا ستتجلى ملامح الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها المواطن عاماً تلو العام حيث انخفضت حصة الفرد من الموازنة في 2023 بنسبة 17% عن موازنة 2022 وبنسبة 73% عن العام 2011 كما يظهر في الشكل رقم (2)، وبمعنى آخر ستنفق حكومة النظام على المواطنين أقل بـ3 أضعاف ما أنفقته في عام 2010 ومع ذلك تتوقع أن يعيش المواطن بنفس مستوى معيشة عام 2011 عندما كانت قيمة الموازنة تساوي 17.88 مليار دولار، على الرغم من تناقص عدد السكان إلى النصف تقريباً (11.7 مليون نسمة من 21.4 مليون نسمة في العام 2010)([1]). ويُظهر الرسم أدناه ارتفاع حصة الفرد في العام 2012 إلى 2,382 دولار مع ارتفاع الموازنة إلى 24,55 مليار دولار في ذلك العام وهي القيمة الأعلى للموازنة في سورية على مدار العقود الماضية، ويُعزى هذا إلى محاولات النظام إخماد الثورة في بدايتها وتقديم مزيد من الخدمات والدعم الاجتماعي للمواطن
اعتبرت موازنة 2023 أكثر موازنات الدولة تخفيضاً لاعتمادات البند الاجتماعي إثر تراجعها إلى 0.94 مليار دولار من 1.68 مليار دولار في 2022 حيث انخفضت حصة الدعم الاجتماعي إلى 4,927 مليار من 5,529 مليار ليرة في موازنة 2022 كما يظهر في الشكل رقم (3)، وانخفضت حصة دعم الدقيق التمويني إلى 1500 مليار من 2,400 مليار ليرة في موازنة 2022 في حين أبقت على مخصصات دعم السكر والأرز بواقع 300 مليار ليرة، وزاد دعم المشتقات النفطية بنسبة 11% من 2,700 مليار ليرة إلى 3,000 مليار ليرة بدون أخذ هبوط قيمة الليرة بالحسبان([2]).
وتعرّضت منظومة الأجور لنكسة جراء سياسات حكومة النظام المالية والنقدية حيث عملت على زيادة الإنفاق الجاري على حساب الإنفاق الاستثماري وتوجيه الإيرادات نحو رفع الأجور والزيادات والمنح والتعويضات ضمن موازنة منكشفة لا تستند إلى مخزون احتياطي أو إنتاج، وبالتالي ستلتهم الزيادة العامة في الأسعار أي زيادة في الأجور، فبالكاد شكل الحد الأدنى للأجور والذي لا يتجاوز 92,970 ليرة (18 دولار الدولار يساوي 5000) 4.1% من الحد الأدنى لتكاليف المعيشة البالغ 2,234,339 مليون ليرة (446 دولار) لأسرة من خمس أفراد بحسب صحيفة قاسيون، وتجاوز متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية في شهر أيلول/سبتمبر 2022 حاجز 3.5 مليون ليرة بارتفاع نسبته 93% عن شهر أيلول 2021([3]).
وبذات المنهجية المتّبعة ارتفعت كتلة الرواتب والأجور والتعويضات في موازنة 2023 بنحو 2,114 مليار ليرة بزيادة قدرها 33% عن موازنة العام 2022 ويعد هذا أحد العوامل الأساسية التي تغذّي التضخم والعجز في الموازنة، وبالتالي ستسمح الموازنة بزيادة الأجور بمقدار الثلث ليصبح متوسط رواتب موظفي القطاع العام 173 ألف ليرة ارتفاعاً من 130 ألف ليرة، والتي بالكاد تكفي أسبوع من الشهر ما يدفع العمّال والموظفين لتقديم استقالاتهم وانخراط الشباب في أعمال غير مشروعة أو الهجرة للخارج أو اتباع استراتيجيات شظف العيش.
وعليه فإن دور الدولة الاجتماعي في هبوط منذ نحو عقد أمام تآكل قواعد الإنتاج الحقيقية ومولّدات الإيرادات، فضلاً عن زيادة حصة الإنفاق الجاري على حساب الإنفاق الاستثماري وارتفعت إلى أعلى نسبها لها في تاريخ سورية في موازنة العام 2022 إلى 85%، وارتفعت مخصصات الإنفاق الجاري من 2,000 مليار في موازنة 2022 إلى 3,000 مليار ليرة في موازنة 2023 بدون إيراد بنود لدعم قطاع الكهرباء والصناعة ودون اعتبار لانهيار قيمة الليرة وتجاوز سعر الصرف حاجز 5,000 ليرة أمام الدولار، وتُدلل هذه النسب إلى انحدار مؤشرات الدعم الاجتماعي من جهة وفشل النظام في دفع عجلة الإنتاج والنهوض بمرحلة إعادة الإعمار من جهة أخرى. ولابد من الإشارة أن نسب تنفيذ الإنفاق قد لا تتعدى 50% بالنسبة للإنفاق الجاري و38% للإنفاق الاستثماري بالنظر لحسابات القطع في موازنات 2012 و2013 على مدار السنوات الماضية.
أخيراً: يؤكد كل ما سبق أن موازنة 2023 لا تحمل في طياتها أية حلول للأزمة الاقتصادية التي تعاني منها سورية ولا انفراجة للأوضاع المعيشية السيئة التي يعاني منها المواطن على مستوى هبوط القوة الشرائية والارتفاع العام في الأسعار وانقطاع الكهرباء ونقص المواد الأساسية كالمازوت والبنزين والمواد الغذائية، بل تعتبر استمراراً للأزمة ولذات المقاربة التي ينتهجها النظام والتي تسخّر مقدّرات وموارد الدولة لا لتحقيق التنمية الاقتصادية والاهتمام بالاستحقاقات المعيشية وإعادة الإعمار بل للبقاء في السلطة وحسب بدون كيل اهتمام للمواطن وما يكابده من صعوبات.
([1]) William Christou, Karam Shaar, 2021 budget reveals the depth of Syria’s economic woes, 1-12-2021, Atlantic council, short link: https://bit.ly/3tumWeX
([2]) ما الذي تعنيه إعادة طرح مسألة «الدعم» النقدي في سورية؟، 14-11-2022، قاسيون، رابط: https://kassioun.org/economic/item/75779-2022-11-14-02-40-02
([3]) 3.5 مليون وسطي تكاليف معيشة الأسرة السورية على أبواب الشتاء، 26-9-2022، قاسيون، رابط: https://kassioun.org/economic/item/75132-2022-09-25-23-34-29
تُعد مشكلة رواتب القطاع العام بشقيه المدني والعسكري من المشاكل ذات الجذور التاريخية الممتدة لنصف قرن من الزمن، ففي عهد حافظ الأسد عانى موظفو القطاع العام لسنوات طويلة من تردي قيمة رواتبهم نتيجة السياسات الاقتصادية المتبعة في تلك الفترة، وهو ما استمر لاحقاً في عهد بشار الأسد، بالرغم من جميع "محاولاته" لتحسين الوضع المعيشي لموظفي القطاع العام على حساب دعم قطاعات أخرى كالزراعة والصناعة.
لم يكن الفرق بين رواتب المدنيين والعسكريين ذا أهمية تذكر، إذ إن الهدف الكلي يتمثل بالاهتمام برواتب القطاع العام ككل ومن ضمنهم العسكريون، إلا أن الأحداث منذ عام 2011 سلطت الضوء على مختلف القطاعات في الدولة بما فيها الرواتب، إلا أنها لم تأخد حقها من ناحية التفصيل والمقارنة بين رواتب المدنيين والعسكريين والبحث بعمق في رواتب كل فئة منهما.
تحدد رواتب القطاع العام من المدنيين بناءً على نظام العاملين الأساسي في الدولة ([1])،أما رواتب العسكريين فتحدد بناءً على قانون الخدمة العسكرية بالنسبة لعسكريي الجيش([2])، وقانون خدمة قوى الأمن الداخلي بالنسبة لأفراد قوى الأمن الداخلي، ويتم إصدار تعليماتها التنفيذية من قبل القائد العام للجيش والقوات المسلحة.([3])
تاريخياً، صدرت زيادة الرواتب بمراسيم تشريعية عن رأس النظام منذ عهدي حافظ وبشار الأسد، ولم يسبق أن صدرت هذه الزيادات عن مؤسسات الدولة المعنية بالأمر، كما لم يسبق أن نفعت أي مطالبات أو ضغوط لزيادة الرواتب، في ظل غياب أي دور حقيقي لمجلس الشعب أو للنقابات منذ السيطرة عليها وتدجينها من قبل حافظ الأسد منذ ثمانينيات القرن الماضي.
ارتبطت الزيادات على الرواتب دوماً بارتفاع أسعار مواد أساسية تُحدد أسعارها من قبل "الحكومة"، كما كانت هذه الزيادات تشمل زيادة بنسب متساوية في القطاعين المدني والعسكري على حدّ سواء، أما الزيادات التي تمّت بعد عام 2011 فكانت تأتي نتيجة زيادة التضخم وانخفاض سعر صرف الليرة السورية، وكانت مترافقة مع زيادات مضطردة بأسعار المواد الأساسية، في ظل تردي الأوضاع المعيشية.
لاحقاً شهد عام 2018 زيادة رواتب العسكريين فقط دون غيرهم، وبشكل مباشر ومنفصل عن أي من موظفي القطاع العام، كما وصل الأمر في بعض الأحيان لأن تشمل بعض الزيادة فئات معينة من العسكريين دون غيرهم، بالإضافة لذلك أصبح هناك تمايز واضح لصالح أفراد الجيش عن أفراد قوى الأمن الداخلي بعد أن كانت رواتبهم متساوية، مع العلم أن هناك زيادات للعسكريين كانت تتم بشكل خفي تقريباً، كأن يتم إصدار مرسوم تشريعي يتضمن طي جدول الرواتب الوارد في المادة 87 من قانون الخدمة العسكرية واستبداله بجدول جديد يتضمن رواتب أعلى من دون أن يتم تحديدها بنسبة معينة.
ستقوم هذه الورقة برصد الرواتب في سورية منذ عام 1994، آخر سنة تمت زيادة الرواتب بها من قبل حافظ الأسد، وحتى عام 2022، للوقوف على حركة الزيادات بشكل عام وتلمس فلسفة وسياسة النظام في عملية زيادة الرواتب بين القطاع المدني والعسكري، وتقديم مقارنات مختلفة لرواتب المدنيين والعسكريين والوقوف على قيمها وما يقابلها بالدولار بسعر المصرف المركزي والسوق السوداء، وكذلك قيمة ضرائب الدخل المفروضة عليها، بالإضافة لتوفير أداة تفاعلية تُساعد على إجراء مقارنات بين مختلف فئات الرواتب بالليرة السورية والدولار الأمريكي، وذلك عبر استخدام أدوات تحليل كمّية للمعلومات، فقد تم الاعتماد على مصادر رسمية ومعادلات رياضية للوصول لقيمة الرواتب والتأكد من صحتها([4]).
جرت العادة في سورية أن يتم رفع الرواتب كل سنتين تقريباً، بمعدل 25%، في حين أن معدل التضخم كان يتجاوز 30 %سنوياً – قبل عام 2011 – وبالتالي يخسر العمال والموظفون سنوياً 17% نتيجة تراجع القوة الشرائية للعملة السورية([5])، وكانت آخر زيادة للرواتب في عهد حافظ الأسد قد أقرّت بالمرسوم التشريعي رقم 3 لعام 1994([6])، لتتوقف بعدها الزيادات لست سنوات متتالية لما بعد توريث السلطة لبشار الأسد في عام 2000، وبالتالي تآكلت الرواتب بشكل مضطرد وانخفض حجمها في الدخل القومي. سعت الدولة لتثبيت الرواتب والأجور عبر سياسة واضحة لتخفيض حجم الطلب الكلي من جهة، إضافة إلى ذلك فإن هذه السياسية هدفت لتخفيض التكلفة عبر سياسة الأجور الرخيصة من جهة ثانية.
بعد أقل من شهرين على توريث الحكم لبشار الأسد أصدر أول زيادة للرواتب كرسالة واضحة أن "الانتعاش الاقتصادي اقترب وأن حالة الركود الاقتصادي الممتدة من 1995 – 2000 انتهت"، إلا أن سياسة زيادة الرواتب بقيت على المنوال السابق نفسه، إذ تتم زيادة الرواتب كل سنتين تقريباً عدا الفترة الممتدة ما بين 1994 - 2000، وشهدت الفترة الممتدة ما بين 2000 – 2010 صدور 7 مراسيم تشريعية خاصة بالرواتب، بعضها كان يشمل قطاع العاملين بالدولة كافة، وبعضها كان خاصاً بالعسكريين – زيادة غير صريحة – كأن يتم تعديل جدول رواتبهم، أو حالة خاصة كإعادة العمل برتبة مرشح ومرشح أول.
في المقابل شهدت الفترة الممتدة ما بين 2011 – 2022 عدداً أكبر من المراسيم التشريعية الخاصة بالرواتب، إذ تم إصدار 14 مرسوم تشريعي منذ آذار عام 2011 شمل بعضها زيادات خاصة بالعسكريين فقط، أي إن فترة ما بعد عام 2011 شهدت ضِعف عدد المراسيم المتعلقة بالرواتب مقارنة بالفترة السابقة لها، في محاولة من النظام لسدّ وترميم الفجوة بين سعر الليرة السورية والدولار الأمريكي.
يبين الجدول التالي المراسيم التشريعية ونسب الزيادات التي تمت على الرواتب منذ عام 2000 وحتى عام 2022 كما يلي:([7])
استخدمت حكومة النظام أسلوب الضرائب غير المباشرة لتمويل زيادة الرواتب والأجور، والتي تُفرض على المنتجات البترولية والإسمنت والأسمدة إضافة إلى الزيوت المعدنية وغيرها من المنتجات البترولية الأخرى، وتسمى هذه الضرائب بـ"فروقات الأسعار"، لأن المؤسسات العامة التي تسوق هذه المواد تحول المبالغ مباشرة لوزارة المالية، وساهمت زيادة أسعار الطاقة لتمويل زيادة الرواتب والأجور بزيادة تكاليف المنتجات السورية وزيادة أسعار الخدمات، وقد أدت هذه الزيادة لتخفيض قدرة الصناعة السورية على المنافسة في السوق الوطنية وفي الأسواق الدولية([10]).
يُلاحظ هذا النمط العام في زيادة الرواتب والأجور بشكل وثيق، إذ يرافق هذه الزيادات ارتفاع في أسعار المواد الأساسية، وهذا هو النمط الأساسي السائد منذ عقود، طبعاً هذه النمط غير معكوس، بمعنى أن ارتفاع المواد الأساسية لا يرافقه دوماً زيادة في الرواتب والأجور، وقد تقوم حكومة النظام برفع أسعار المواد الأساسية مرات عدة قبل أن يتم رفع الرواتب والأجور، وهو ما يشير مباشرة لوجود "عطب اقتصادي" في الدولة وخلل في بيئة الإنتاج، وأن هذه الزيادات الحاصلة ما هي إلا محاولة لضبط الأسعار، وهي زيادات غير حقيقية، بل إنها مشجعة على زيادة التضخم أيضاً، وفيما يلي الزيادات على الرواتب التي تزامنت مع ارتفاع في أسعار المواد الأساسية:
شهد عام 2018 تغيراً في توازنات الزيادة على الرواتب، فقد صدر أول مرسوم تشريعي يتضمن زيادة صريحة لرواتب عسكريي الجيش فقط دون غيرهم من موظفي القطاع العام بما فيهم قوى الأمن الداخلي، وكأن هذه الزيادة تأتي كمكافأة لما قدمه عناصر الجيش في منع سقوط نظام الحُكم أمام الثورة السورية، كما جاءت لمعادلة رواتب الجيش لتكون قريبة من قيمة الرواتب التي تمنحها الميليشيات لعناصرها، أي إن المفاضلة بين الرواتب والامتيازات أصبحت تدفع المجتمع نحو العسكرة باتجاه الانضمام إلى الميليشيات أو للمؤسسة العسكرية بحسب نتائج المفاضلة([13])، إذ إن الرواتب الممنوحة من قبل الميليشيات أكبر من تلك الممنوحة رسمياً في المؤسسة العسكرية، ورواتب هذه الأخيرة أكبر من رواتب القطاع المدني، علماً أن هناك امتيازات رسمية وغير رسمية ممنوحة لأفراد الجيش والقوات المسلحة وعناصر الميليشيات تزيد من مداخيلهم الشهرية. كما لا يمكن الحكم على أن زيادة رواتب العسكريين دون غيرهم منذ عام 2018 جاءت بطلب روسي أو لا، لكنها على الأقل نابعة من حاجات النظام لها، (راجع الملحق للإطلاع على رواتب الموظفين في الدولة سواء بالقطاع المدني أو العسكري وقوى الأمن الداخلي في الفترة الممتدة ما بين 1994 - 2022).
ستكون المقارنة مرتبطة بفئتين إحداهما عسكرية والثانية مدنية وذلك عند بدء التعيين، على أن تكون بين أعلى فئة في المدنيين وهي "الدكتوراه" بمقابل أقل فئة عند العسكريين وهي "الجندي"([14])، وتعود أسباب هذه المقارنة لأمرين هما: أن الرواتب المذكورة هي رواتب بدء التعيين، أي لا يمكن مقارنة راتب حامل شهادة الدكتوراه مع راتب الضابط النقيب في الجيش، باعتبار أن النقيب قد أمضى حوالي 10 سنوات في الخدمة العامة؛ إن الفروق بين رواتب هاتين الفئتين متقاربة، مع ذلك يوجد غلبة لرواتب العسكريين على المدنيين([15]).
يلاحظ أن الفجوة بين رواتب الجندي وحامل الدكتوراه بدأت تضيق بشكل أكبر بعد عام 2011 حتى أصبحت متقاربة جداً بعد صدور المرسوم التشريعي رقم 8 لعام 2018 القاضي بزيادة رواتب العسكريين فقط، ثم اختفت تماماً في بداية عام 2022 بمقابل عام 2000، فقد كانت نسبة الفرق بين رواتب الفئتين تساوي 236% لصالح راتب حامل "الدكتوراه"، ثم أصبحت هذه النسبة 178.9 % في عام 2011 حتى وصلت في عام 2022 إلى 1.9 %، بالطبع في حال احتساب الرواتب المقطوعة قبل احتساب ضريبة الدخل عليها.
الشكل (1) مقارنة الرواتب بحسب الليرة السورية لكل من راتب الدكتوراه والجندي
إن عملية التسعير في سورية قائمة بشكل رئيسي على أساس الدولار الأمريكي وليس الليرة السورية، وبالتالي في حال إعادة المقارنة السابقة مقوّمة بالدولار، يُلاحظ وصول الرواتب لذروة قيمتها مقوّمة بالدولار بنهاية شهر آذار من عام 2011، فقد تم زيادة الرواتب بناءً على المرسوم التشريعي رقم 44 لعام 2011 بالتزامن مع بداية الثورة السورية، وفي ذلك الوقت كان سعر الدولار يساوي 47 ليرة بحسب سعر الصرف الرسمي و52 ليرة بحسب سعر السوق السوداء([16])، لاحقاً مع انكماش الليرة السورية بدأ مؤشر الرواتب مقابل الدولار بالانخفاض بشكل تدريجي، إذ لم تتمكن الزيادات المتلاحقة للرواتب منذ آذار 2011 وحتى 2022 من منع هذا الانخفاض أو حتى تسطيحه على الأقل، كما يُلاحظ أيضاً تأثير الأزمة اللبنانية عام 2019 على الليرة السورية وهو ما أدى لمزيد من الانخفاض في قيمة الرواتب على أساس الدولار.
إن الرواتب إذا تم قياسيها بحسب الدولار ما بين عام 2000 وعام 2022 سنجد أنها انكمشت بنسبة كبيرة جداً تقارب 360.8% وذلك بالنسبة لراتب بدء التعيين لحامل شهادة الدكتوراه، بينما انكمشت فقط بحوالي 156.3% لراتب الجندي في الجيش، وذلك نتيجة الزيادات الخاصة بالعسكريين دون غيرهم.
الشكل (2) الرواتب مقوّمة بالدولار بحسب السعر الرسمي من المصرف المركزي
الشكل (3) الرواتب مقوّمة بالدولار بحسب السوق السوداء
يوفر الشكل التفاعلي التالي إجراء المقارنات بين مختلف فئات الرواتب فيما بينها وبالليرة السورية والدولار الأمريكي
خضع قانون ضريبة الدخل لعدة تعديلات منذ تولي بشار الأسد الحكم، فقد أصدر في عام 2001 المرسوم التشريعي رقم 8 القاضي بإعفاء الـ 1,000 ليرة الأولى من الراتب الشهري من ضريبة الدخل، لاحقاً تم إعفاء الـ 5,000 ليرة الأولى من الراتب من ضريبة الدخل بموجب قانون ضريبة الدخل الجديد رقم 24 لعام 2003، واستمر تعديل ضريبة الدخل مرات عدة كان آخرها المرسوم التشريعي 24 لعام 2020([17])، المتضمن إعفاء الـ 50 ألف الأولى من الراتب من ضريبة الدخل عبر تعديل المادتين 68 و69 وإلغاء المرسومين التشريعيين 46 و48 لعام 2015.
النقطة الأساسية هنا أن قانون ضريبة الدخل قد أعفى في المادة 67 منه "العسكريين التابعين للقوات المسلحة وعناصر قوى الأمن الداخلي وعناصر الإطفاء" بالإضافة لفئات أخرى من ضريبة الدخل، في حين لم يتم تطبيق ذلك على موظفي القطاع العام والخاص، كما وأكد المرسوم التشريعي رقم 18 لعام 2003 المتضمن قانون الخدمة العسكرية في المادة 181 منه، استفادة العسكريين من مجموعة من الإعفاءات من ضمنها الإعفاء من الضرائب على الدخل ومختلف التعويضات والعلاوات، كما أكدّ المرسوم التشريعي رقم 1 لعام 2012 المتضمن قانون خدمة قوى الأمن الداخلي في المادة 155 منه ما تمّ منحه لعسكريي الجيش.
وبالتالي إذا تمت مقارنة الراتب المقطوع لكل من حامل شهادة الدكتوراه والجندي في الجيش عند بدء التعيين مع اقتطاع ضريبة الدخل، سنجد أن راتب الجندي الفعلي أكبر من راتب حامل شهادة الدكتوراه كما يلي:([18])
إن الرواتب المُقدمة لا تكاد تكفي ثلاثة أيام من الشهر، إذ يقدم مؤشر قاسيون أرقاماً لتكاليف المعيشة في سورية منذ عدة سنوات وبشكل دوري([19])، فقد بلغ مؤشر تكلفة المعيشة في شهر أيلول لعام 2022 لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد 3,6 مليون ليرة سورية، وهو ارتفاع غير مسبوق خلال فترة قياسية يهدّد ملايين السوريين الذين يعيشون اتساعاً كارثياً بين تكاليف المعيشة والحد الأدنى لأجر العامل السوري الذي ما يزال عند عتبة 92,970 ليرة سورية (أي أقل من نصف تكلفة الحد الأدنى لغذاء الفرد العامل لوحده) ([20])، وهو ما ساهم بجعل أكثر من 90% من إجمالي عدد سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر، وبالتالي اضطر كثير منهم إلى اتخاذ خيارات صعبة للغاية لتغطية نفقاتهم([21]).
يمكن مقارنة تكاليف المعيشة خلال السنوات الماضية مع الحد الأدنى للرواتب كما في الشكل التالي:
الشكل (4) الفرق بين تكلفة المعيشة والحد الأدنى للرواتب
يعاني قطاع الرواتب أسوة بباقي القطاعات في البلاد، والأكيد أن الموظفين لا يعتمدون بشكل رئيسي على رواتبهم التي لا تكاد تكفي عدة أيام، بل يعتمد هؤلاء على مصادر دخل متنوعة، كالحوالات المالية القادمة من الخارج، أو العمل بوظيفة ثانية في القطاع الخاص، بالإضافة لذلك قد يمتد الاعتماد على مصادر دخل غير مشروعة نتيجة الفساد المالي والرشاوى في الدوائر والمؤسسات الحكومية، أما بالنسبة للعسكريين بالرغم من الزيادات الخاصة بهم فهناك مصادر أخرى للدخل جميعها غير مشروعة، سواء عبر عمليات التعفيش أو الإتاوة وفرض الخوّة على المدنيين والسيارات التجارية العابرة على الحواجز، يضاف لها عمليات الفساد المالي المتعلقة بعمليات الشراء والعقود والمناقصات التابعة لوزارة الدفاع التي تشرف عليها لجان المشتريات في الوحدات العسكرية كل على حدا، وإن كانت هذه العمليات تتم بشكل أضيق نسبياً ويستفيد منها مجموعات محددة من الضباط وصف الضباط.
إن ما سبق ما هو إلا نتاج طبيعي في دولة ديكتاتورية، تضع كافة مواردها في خدمة الآلة العسكرية الخاصة بها، ولا تعمل على تهيئة دولة مدنية تنموية، وهو نتاج لبلاد مزقتها الحرب التي شنها النظام على الشعب السوري، وتظهر سياسة النظام بما يتعلق بالرواتب كسياسة واضحة المعالم يمكن تفسيرها بما يلي:
تعد هذه السياسة بمثابة إنذار للدول الحاضنة للاجئين باعتبار أن إعادتهم إلى كنف النظام مع وضع سلامتهم بعين الاعتبار، سيكون مصير القسم الأعظم منهم التطوع في المؤسسة العسكرية أو الالتحاق بالميليشيات المسلحة لأنه الباب الوحيد المقبول في ظل الظروف الاقتصادية السيئة التي تعاني منها سورية.
فيما يلي سُلم الرواتب الخاصة بالمدنيين والعسكريين وقوى الأمن الداخلي، وذلك منذ آخر زيادة في عهد حافظ الأسد في عام 1994 وحتى عام 2022:
أسعار الصرف بين الرسمي والسوق السوداء
تكاد تكون أسعار الصرف مقابل الدولار ثابتة قبل عام 2011، لاحقاً بدأت تختلف مع مرور الزمن ، وبدأ يظهر اختلاف حقيقي بين سعر صرف الليرة بحسب المصرف المركزي، وسعر السوق السوداء. وفقدت الليرة السورية قيمتها أمام الدولار أضعافاً مضاعفة منذ عام 2011 وانعكس ذلك سلباً على القوة الشرائية، بالإضافة لزيادة معدلات التضخم، ويُلاحظ أن الفجوة بين سعر الصرف الليرة بحسب المصرف المركزي والسوق السوداء تزداد نسبياً بشكل مضطرد([23]). فيما يلي أسعار صرف الليرة مقابل الدولار بتاريخ صدور المرسوم التشريعي لزيادة الرواتب:
([1]) "القانون 50 لعام 2004، نظام العاملين الأساسي في الدولة"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 06 كانون الأول/ ديسمبر 2004، تاريخ الوصول: 20/10/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3hqpqbF
([2]) "المرسوم التشريعي رقم 18 لعام 2003، قانون الخدمة العسكرية"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 21 نيسان/أبريل 2003، تاريخ الوصول: 14/01/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3GyL0Cq
([3])"المرسوم التشريعي 1 لعام 2012، قانون خدمة قوى الأمن الداخلي"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 2 كانون الثاني/يناير 2012، تاريخ الوصول 16/05/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3lbG5hA
([4]) إحدى المعادلات الرياضية المستخدمة لحساب الرواتب بعد المرسوم التشريعي 44 لعام 2011: حيث يشير (J7) لقيمة الراتب بعام 2008:
=CEILING( IF((J7+1500)>10000;((((J7+1500)-10000)*20%)+(10000*30%))+(J7+1500);((J7+1500)*30% +(J7+1500)));5)
([5]) علي كنعان، "الركود في سورية"، موقع مفهوم، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3Cocmdu
([6]) المرسوم التشريعي 3 لعام 1994 الصادر بتاريخ 30/4/2000، المتضمن منح زيادة قدرها 30% من الراتب أو الأجر الشهري المقطوع إلى الرواتب والأجور الشهرية المقطوعة لكل من العاملين المدنيين والعسكريين في الدولة.
([7]) لا تتضمن المراسيم التشريعية الزيادات الحاصلة على المعاشات التقاعدية.
([8])"راتب الطيران" هو راتب إضافي مخصص للضباط الطيارين، يضاف للراتب المقطوع ولا يعد جزء منه، ورد في المادة 87 من قانون الخدمة العسكرية، مصدر سابق.
([9])إن مبلغ الـ 8% الممنوح للعسكريين ليس زيادة على أساس الراتب، بل هو تحديد لمقدار التعويضات والعلاوات والمكافآت على أساس الراتب الشهري، وشكل لغطاً من هذه الناحية عند نشره.
([10])علي كنعان، مصدر سابق.
([11]) تغير اسم الوزارة عدة مرات بعد عام 2000.
([12])تم رصد أسعار المواد الأساسية التي تزامنت مع زيادة الرواتب، دون تتبع كافة الزيادات على أسعار تلك المواد التي كانت ترتفع باستمرار دون أن يكون هناك زيادة على الرواتب.
([13])محسن المصطفى: "المفاضلة بين الميليشيات والجيش: مؤشرات تزايد الارتزاق"، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تاريخ النشر: 06 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، تاريخ الوصول: 20/10/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3DiG3gy
([14]) تُمنح رتبة الجندي في الجيش لمن تطوع بناءً على شهادة التعليم الأساسي.
([15]) تُمكن الأداة التفاعلية المدرجة في الموقع الإلكتروني من قيام المستخدم (القارئ) بتنفيذ المقارنات التي يريدها لكافة الفئات والرتب العسكرية بالشكل المناسب له.
([16]) تتم الإشارة لسعر الصرف بحسب المصرف المركزي بـ $F، بينما تتم الإشارة لسعر الصرف بحسب السوق السوداء بـ $B
([17]) المادة 68:أ: يحدد معدل الضريبة بما في ذلك إضافات الدفاع الوطني ورسوم المدارس وحصة البلدية والمساهمة النقدية في دعم التنمية المستدامة وفق الآتي:
4 بالمئة عن جزء الدخل الصافي الشهري الواقع بين الحد الأدنى المعفى و80٫000 ل.س. |
12 بالمئة عن جزء الدخل الصافي الشهري الواقع بين 170٫001 و200٫000 ل.س. |
6 بالمئة عن جزء الدخل الصافي الشهري الواقع بين 80٫001 و110٫000 ل.س. |
14 بالمئة عن جزء الدخل الصافي الشهري الواقع بين 200٫001 و230٫000 ل.س. |
8 بالمئة عن جزء الدخل الصافي الشهري الواقع بين 110٫001 و140٫000 ل.س. |
16 بالمئة عن جزء الدخل الصافي الشهري الواقع بين 230٫001 و260٫000 ل.س. |
10 بالمئة عن جزء الدخل الصافي الشهري الواقع بين 140٫001 و170٫000 ل.س. |
18 بالمئة عن جزء الدخل الصافي الشهري الذي يتجاوز 260٫000 ل.س. |
ب: يحدد معدل الضريبة بنسبة 10% عن كل دفعة مقطوعة.
المادة 69: ينزل من الدخل الصافي حد أدنى معفى من الضريبة وقدره 50٫000 ليرة سورية في الشهر.
([18]) لم يتم احتساب التعويضات والعلاوات لكلا الفئتين، باعتبار أن التركيز هو على الرواتب المقطوعة وعلى ضريبة الدخل.
([19]) مؤشر قاسيون: مؤشر لتكاليف المعيشة يصدر دورياً عن مجلة قاسيون التابعة لحزب الإرادة الشعبية ومقرها في دمشق.
([20]) " 3.5مليون وسطي تكاليف معيشة الأسرة السورية على أبواب الشتاء"، مجلة قاسيون، تاريخ النشر: 26 أيلول/سبتمبر 2022، تاريخ الوصول: 1/10/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3fN2SBl
([21]) "غريفيث لمجلس الأمن: 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر"، الجزيرة نت، تاريخ النشر: 28 تشرين الأول/أكتوبر 2021، تاريخ الوصول: 25/03/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3RUnLaK
([22])تتضمن رواتب الجيش الواردة رواتب الدرجات الأولى فقط، إذ أن لكل رتبة درجة راتب تتم ترقية العسكري إليها أثناء بقاءه في الرتبة لمدة معينة.
([23]) شمل هذا التعديل زيادة غير معلنة بشكل صريح على رواتب العسكريين.
([24]) شمل هذا التعديل زيادة غير معلنة بشكل صريح على رواتب العسكريين.
([25]) تم تعديل "راتب الطيران" ليتناسب والمهام الشاقة والخطرة التي يتعرض لها الضابط الطيار.
([26]) بما يخص سعر الصرف الرسمي تم الاعتماد على بيانات مصرف سورية المركزي (نشرة الحوالات) ، أما بيانات سعر صرف السوق السوداء، تم اعتمادها على الأداة التفاعلية التي قدمها كرم الشعار، (تملك الأداة منهجية خاصة بها لتحديد سعر صرف السوق السوداء)، رابط إلكتروني: https://www.karamshaar.com/exchange-rates
أنهت سورية العام 2020 بعقوبات اقتصادية غربية مثلما أنهت العام 2019، لم يكن ثمة ما يشير إلى انفراجة على الاقتصاد بعدما استمر النظام في سياساته العسكرية ورفضه لكل أشكال الحل السياسي. ومع نهاية كل سنة تنشغل المراكز البحثية في رصد وإحصاء الخسائر وتصدير أرقام بها، ويطرح سؤال من قبيل أي سنة هي الأصعب على سورية؟! وأي عامل ذاك الذي تسبب بآثار بالغة على الاقتصاد؟! وبين السؤالين لا يغيب مشهد القتل والتهجير والنزوح والفقر، على المواطن السوري الذي ذاق ولا يزال ويلات الحرب سنة تلو أخرى.
مثل سابقه حمل 2020 الكثير من الأحداث التي أرهقت كاهل المواطن واستنزفت القطاعات الاقتصادية، ابتداءً من العقوبات وخلاف رامي مخلوف – بشار الأسد إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض الليرة واستبدالها في مناطق المعارضة مروراً بانتشار فيروس كورونا وما خلّفه من أزمة صحية في بلد تدمر فيها 50% من المشافي بشكل كلي أو جزئي.
الليرة السورية بين الهبوط والاستبدال
انخفضت الليرة السورية لمستويات متدنية غير مسبوقة خلال العام جعلت البعض يردد أن هذا الحدث كان الأبرز طاول العام وأنه الأشد وطأة على الاقتصاد والمواطن.
فمع ارتفاع سعر صرف الليرة أمام الدولار إلى مستويات 3175 ليرة في 8 حزيران 2020 واجه المواطن ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار السلع والخدمات، ففي نهاية تشرين الثاني 2020 بلغت أسعار سلة من المواد الأساسية الحد الذي لم يعد الناس قادرين على إطعام أسرهم، كما أشار نائب منسق الإغاثة الطارئة في الأمم المتحدة عن الوضع الاقتصادي المتدهور في سورية، لافتاً أن 9.3 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي نقلًا عن أرقام برنامج الأغذية العالمي.
وتظهر هذه الأزمة جلية عند النظر إلى الأسعار ومقارنتها مع دخل محدود يبدأ بـ37 ألف ليرة، حيث بلغ سعر صحن البيض 5700 ليرة، وكيلو اللبن 1200 ليرة، وكيلو البرتقال 1200 ليرة، والتفاح 1600 ليرة، وكيلو البندورة 1500 ليرة، والبطاطا 1000 ليرة وكيلو الحليب 1000 ليرة، والأرز 1700 ليرة، والبرغل 1100 ليرة، ولدى مقارنة هذه الأسعار مع مثيلاتها في نهاية 2019 سيظهر أن الأسعار ارتفعت بنسب تفاوتت بين 17% و500%، علماً أن متوسط الأجور في سورية يبلغ 149 ألف ليرة شهرياً (52 دولار على سعر 2800 ليرة) في مختلف المهن والأعمال بحسب موقع salary explore . وعليه ستترك هذه الأسعار الأسرة حائرةً في تدبر أمورها بعد نفاذ دخلها خلال الأيام الأولى من الشهر.
وقد شكل هبوط قيمة الليرة وعدم استقرار الأسعار سبباً وجيهاً للمجالس المحلية في مناطق المعارضة في الشمال، لاستبدالها بالليرة التركية، وتثمين السلع والخدمات بها، لحفظ مدخرات الأهالي وفرض استقرار في الأسعار، إلا أن التشتت الحاصل في المنطقة مدنياً وعسكرياً من جانب، وافتقار المنطقة لمؤسسة نقدية تشرف على حركة الاستبدال وتدير كافة المعطيات الاقتصادية لفرض الاستقرار في الأسعار ومراقبة الأسواق، ساهم في إرباك المواطنين والأسواق وقلل من جدوى هذه الحركة.
“قيصر” من جهة ومخلوف من جهة أخرى
بمجرد العودة للوراء قليلاً والتفكير في أسباب انخفاض الليرة، سنجد أنفسنا أمام العقوبات، وهو عامل شديد الوطأة، إذ استقبلت سورية العام 2020 بتوقيع ترامب لقانون قيصر وسرى تنفيذه في 17 حزيران في ذات العام.
تسبب القانون بالفعل في زيادة الخناق على النظام ومؤسساته وشبكاته التجارية، ففي الوقت الذي كانت فيه العقوبات السابقة تحظر على الأشخاص الأمريكيين فقط ممارسة أعمال مع النظام أو مع أفراد وكيانات مدرجة في قائمة الأشخاص الممنوعين من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في أمريكا، نصّ قانون “قيصر” على فرض عقوبات على الأجانب من غير الأمريكيين في حال قاموا بنشاطات محظورة مدرجة في قوائم العقوبات ضد النظام، وهو ما يتيح للحكومة الأمريكية معاقبة أي فرد ومؤسسة وحكومة في العالم يثبت عليها؛ دعم النظام مالياً أو مادياً أو تقنياً، أو تشارك الحكومة أو المجموعات شبه العسكرية والمرتزقة داخل سورية أو روسيا أو إيران أو ممن تسبب بانتهاكات خطرة لحقوق الإنسان ضد الشعب السوري.
ستصبح سورية مع سريان القانون في 17 حزيران 2020 شبه مكبلة، ولا يبدو أن أحداً قد ينفذ من العقوبات لدى تعامله مع النظام، وهو ما لوحظ في انخفاض تعامل الدول المجاورة مع النظام وصعوبات متزايدة في تمويل الواردات من قبل مؤسسات الدولة وعلى رأسها البنك المركزي، وغذّت العقوبات الجديدة من الفساد في الأسواق واحتكام السوق إلى تجار الحرب الذي لا يجدون بُداً في رفع الأسعار بهدف التربح الفاحش واستغلال عجز النظام عن ضبط الأسواق وتمويل الاحتياجات، وتسبب القانون أيضاً في شلِّ استيراد البترول من إيران ما أضعف عملية الإنتاج ورفع الأسعار.
وربّ قائلٍ لا العقوبات ولا ضعف الليرة السورية بالعامل الذي تسبب في إنهاك الاقتصاد والمواطن في 2020! بل هو الخلاف الذي اندلع بين رامي مخلوف وبشار الأسد؛ والذي يعرفه القاصي والداني في سورية من خلال سيطرته على 7% من الناتج المحلي الإجمالي السوري وهذا الرقم كافٍ للدلالة على التحالف الموجود بين عائلتي مخلوف والأسد عبر إدارة استثمارات وأعمال وجعل الأولى وسيطاً للثانية.
كسرَ الخلاف الحاصل تلك الصورة النمطية الموجودة في تحالف العائلتين وتبخرت الثقة بالوجوه القديمة، فأُغلقت أسواق واستثمارات ووضَعت الحكومة يدها على أموال وأملاك لمخلوف، وظهرت وجوه جديدة على الساحة أُوكِل لها إدارة الأعمال والشركات مثل سامر فوز وقاطرجي وغيرهم، وهو ما أشعل حرباً داخلية بين رامي مخلوف والأسد ساحتها الفيس بوك ظهر أثرها على الاقتصاد من خلال المضاربة على العملة ورفع أسعار السلع وحالة الاضطراب في الأسواق المحلية والغموض لما هو آتٍ.
في النهاية! لا أرى مجالاً للشك في حجم الأثر لتلك العوامل على المواطن والاقتصاد، وأنها ستستمر في تفاعلها خلال العام 2021 وإلحاق مزيد من الأزمات المتراكبة على البلاد. ولكني أرجح أن العامل الأنكى الذي يمر على سورية منذ عشر سنوات هو فقدان واستنزاف الموارد البشرية من وفيات ومعتقلين وجوع وفقر وتسرب من المدارس، وأن وجود النظام بحد ذاته يمثل العقدة الرئيسية التي سيمثل حلها حلاً لكل مشاكل وأزمات سورية، هذا هو العامل الأشد وطأة على سورية خلال 2020.
يحاول التقرير التالي استكمال ما بدأه تقرير التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق المعارضة قبل عام ونصف من خلال رصد نشاطات المجالس المحلية والمنظمات خلال النصف الأول من عام 2020 بين كانون الثاني وحزيران، بهدف تشخيصها وفهم حركية العجلة الاقتصادية في المنطقة ووضعها في إطار يمكن مقارنة الفترات مع بعضها لمعرفة مدى التطور على صعيد كل منطقة على حدى والمنطقة برمتها، كما يفيد هذا العمل في إيجاد اتجاه (Trend) يمثّل قراءة شاملة لعملية التعافي تتضمن تفاصيل الأعمال والنشاطات في القطاعات الاقتصادية، ويمكّن من رسم تصورات مستقبلية لاتجاه التعافي ومداها الزمني بشكل مرحلي. وتتشكل أهمية هذا التقرير من استفراده في الطرح وسط تقارير دولية ومحلية لا تزال تقيس حركة النزوح وتقييم احتياجات النازحين والسكان ومراقبة السوق وإحصاء نشاطات المجالس المحلية بدون تحليلها، وأخيراً يُسهم التقرير في قراءة انعكاسات الأعمال والنشاطات على المواطنين وقدرة المجالس المحلية والفواعل على خلق فرص عمل وتحريك الطلب المحلي ولا يغفل مدى فائدة التقرير في توجيه الدعم لسد ثغرات في القطاعات الاقتصادية وأماكن تحظى بدعم أكثر من غيرها.
ويهدف التقرير إلى إعطاء وصف شامل للتعافي الاقتصادي المبكر في المنطقة وتقديم معلومات صحيحة بغية تحديد وجهة التعافي ونسب انخراط المناطق بالعملية. وتتلخص الأهداف الأساسية للتقرير بالنقاط التالية:
شملت عملية الرصد في هذه الفترة _النصف الأول من 2020_ مدن وبلدات "درع الفرات"، و"عفرين"، ومحافظة إدلب. تم التركيز على المدن الرئيسية والبلدات التي شهدت نشاطاً اقتصادياً ملحوظاً. ووفقاً للتصنيف الصناعي المعياري الدولي فقد تم تصنيف القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية التي سيتضمنها التقرير كما يلي: قطاع الإسكان والتعمير، قطاع الكهرباء والمياه، قطاع النقل والاتصالات، قطاع الصناعة، قطاع التجارة، قطاع التمويل، قطاع الزراعة والثروة الحيوانية، قطاع الخدمات الاجتماعية، وقطاع النزوح الداخلي.
وفي سبيل تنفيذ عملية الرصد تم الاعتماد على المعرّفات الرسمية للمجالس المحلية على "فيس بوك" و"تليغرام" ومتابعة المنظمات العاملة، المحلية والأجنبية، في المنطقة ورصد نشاطاتها وتقاريرها الدورية من بينها التقارير الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة، والتقارير الصحفية التي تحدثت عن المنطقة ونشاطاتها.
ومن بين المجالس المحلية التي تم رصدها في محافظة إدلب: أريحا، إدلب، حارم، سرمدا، سراقب، جسر الشغور، معرة مصرين، حزانو، سلقين، بنش، أرمناز، عزمارين، إسقاط؛ حربنوش، ترمانين، وفي ريف حلب تم رصد المجالس المحلية التالية: مارع، اعزاز، الباب، جرابلس، أخترين، قباسين، بزاعة، عفرين، صوران، الأتارب. أما المنظمات والمؤسسات التي تم رصدها: إحسان للإغاثة والتنمية، وهيئة ساعد الخيرية، ولجنة إعادة الاستقرار، ومنظمة شفق، ومنظمة بنفسج، ومنظمة بنيان، وتكافل الشام، ومنظمة وطن، وهيئة الإغاثة الإنسانية، والدفاع المدني السوري، ووحدة تنسيق الدعم، ومنظمة التنمية المحلية، ومنظمة بنيان، ومنظمة عطاء الخيرية، والرابطة الطبية للمغتربين السوريين، والمؤسسة الدولية للتنمية الاجتماعية، وتكافل الشام، وحكومة الإنقاذ، ومؤسسة بناء للتنمية، ومؤسسة يدا بيد للتنمية، واتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية، ومنظمة اقرأ الخيرية، ومنظمة رحمة بلا حدود، وغراس النهية، ومنظمة المساعدة السورية، ومديرية صحة إدلب، والاستجابة الإنسانية. يظهر الجدول أدناه القطاعات ونوعية النشاطات/ القرارات المرصودة:
لا يزال هناك عدة عوامل تُضفي صعوبة على التقرير من بينها: أعاقة الأوضاع العسكرية في إدلب عملية جمع المعلومات وتأخر من تنفيذ المشاريع وتعمل على تأجيل معظمها، واهتمام المجالس والمنظمات بنشاطات الإغاثة والوقوف على متطلبات النازحين، والبعد الثالث مرتبط بصعوبة التواصل مع بعض المجالس وعدم تسجيل كل أعمالهم ونشاطاتهم على معرّفاتهم الرسمية، أو عدم توضيح تلك النشاطات بشكل مفصّل عند نشرها، ولا تزال الصعوبة الأبرز تتمثل في عجز التقرير على تغطية بيانات القطاع الخاص في المنطقة. وأخيراً يلفِت التقرير الانتباه أن هذه الفترة شهدت نشاطاً أكثر للمجالس المحلية وبعض المنظمات في تنظيم عملية نشر الأعمال وطلبات التوظيف وهو ما انعكس إيجاباً على عملية الرصد.
تم تنفيذ 457 مشروع ونشاط في مناطق المعارضة بالشمال (ريف حلب الشمالي والشرقي ومحافظة إدلب) بنسبة منخفضة بنسبة والتي قاربت 24% أو بواقع 111 مشروع عن الفترة السابقة - النصف الثاني من 2019- وحسب الشكل رقم (1) فإن النسبة الأكبر للمشاريع المنفّذة كانت ضمن قطاع النزوح الداخلي (89 مشروع) وقطاع المياه (78مشروع) وقطاع التجارة (70 مشروع) وقطاع النقل والمواصلات (60مشروع) والإسكان والتعمير (59) مشروع، وتذيّلت قطاعات الزراعة والكهرباء والخدمات الاجتماعية والتمويل والصناعة المراتب الأخيرة. واللافت للانتباه خلال هذه الفترة أمرين:
وبشكل أكثر تفصيلاً يُظهر الشكل رقم (3) توزع المشاريع على المناطق المرصودة حيث تربّعت مدينة إدلب في المرتبة الأولى وجاءت مدينتي الباب واعزاز في المرتبة الثانية والثالثة على خلاف الفترات السابقة عندما كانت مدينتي الباب واعزاز تحتلان المرتبة الأولى والثانية في المؤشر.
فيما يخص القرارات التي اتخذتها المجالس المحلية في القطاعات المرصودة، يفيد هذا المؤشر معرفة حجم ما تصدره المجالس من تشريعات وقرارات وتعميمات والدور التشريعي الذي تلعبه المجالس في مأسسة العمل وضبط آليات العمل فيها، وقد بلغت عدد القرارات في هذه الفترة 85 قراراً وتعميماً في كافة القطاعات، وكان لإجراءات فيروس كورونا معظم القرارات والتعميمات من قبيل تعليق بعض النشاطات والدوام في المدارس وإيقاف عمل البازارات والنشاطات الاجتماعية حفاظاً على سلامة المواطنين، ومن بين أبرز القرارات التي اتخذتها المجالس المحلية خلال هذه الفترة:
ويُظهر الشكل رقم (4) الارتفاع الكبير في فرص العمل التي تركز معظمها في القطاع الطبي وتنفيذ أعمال البخ والتعقيم والتنظيف بعد انتشار فيروس كورونا، حيث تم تسجيل 891 فرصة عمل. مع الإشارة بأن الكثير من تلك الفرص ذات عقود مؤقتة تتراوح فترات العمل فيها من شهرين ونصف إلى سنة، وسُجّلت 12 مذكرة تفاهم تم توقيعها من قبل المجالس المحلية مع المنظمات والمؤسسات لتنفيذ مشاريع متنوعة.
فيما يتعلق بقطاع المياه والصرف الصحي يظهر الشكل أدناه تربع مدينة عفرين وجرابلس في مقدمة المدن والبلدات بـ 15 مشروع لكل منها من أصل 78 مشروع، في الوقت الذي تراجعت مدن مثل اعزاز والباب وأخترين ومارع نظراً لتنفيذ معظم هذه المشاريع خلال الفترة السابقة. ومن بين ما يلفت الانتباه كان توقيع مذكرة تفاهم بين منظمة "بناء" والمجلس المحلي في سرمدا لإنشاء شركة مياه تحت اسم "غدق" لتزويد المدينة بالمياه.
حافظ قطاع الكهرباء على عدد المشاريع عن الفترة السابقة، بإجمالي 22 مشروع، وجاءت أخترين في مقدمة المناطق بتنفيذ 7 مشاريع بعدما تم استجرار الكهرباء إليها، حيث تم تجهيز خط التوتر العالي وبناء منشأة للكهرباء وتمديد كابلات وتركيب عدادات كهرباء وتثبيت أعمدة اسمنت تحمل كابلات، وجاءت الراعي في المرتبة الثانية، فيما عادت مدن مارع وصوران إلى الوراء جراء الانتهاء من معظم المشاريع المتعلقة بالكهرباء خلال الفترة السابقة.
فيما يتعلق بقطاع النقل والمواصلات فقد انخفض عدد المشاريع إلى 58 من 123 مشروع خلال الفترة الماضية وحازت جرابلس وأخترين واعزاز على المراتب الثلاثة الأولى كما يظهر في الشكل أدناه، والملاحظ في هذا القطاع استحواذ منطقة ريف حلب على معظم المشاريع فيه بفضل حالة الاستقرار النسبي التي تتمتع بها المنطقة، في حين تواجه منطقة إدلب وريفها تحركات عسكرية تعطّل حركية المشاريع في هذا القطاع بالمنطقة. والمعروف أن تزفيت الطرقات وتأهيلها بالبحص وتسوية الطرقات الفرعية يُسهم في تعزيز التبادل التجاري بين القرى والمدن وتسهّل حركة المواطنين بينها.
تراجع قطاع الإسكان والتعمير إلى المرتبة الخامسة (59 مشروع) من المرتبة الثالثة في الفترة السابقة بواقع 86 مشروع، وحافظت مدينة الباب على المرتبة الأولى بواقع 28 مشروع كما يظهر في الشكل أدناه علماً ليتراجع عدد المشاريع في المدينة بنسبة 45% عن الفترة السابقة (61 مشروع)، ولا يزال الفارق كبير في هذا القطاع بين المرتبة الأولى والثانية كما في الفترات السابقة، حيث يفصل بين مدينة الباب وبزاعة التي حازت على المرتبة الثانية، 19 مشروع، وبهذا لا تزال مدينة الباب تحوز على معظم الاهتمام في حركة البناء والإنشاء لتشكل مركز جذب للبناء السكني والتجاري بالنسبة للسكان والمنطقة عموما.
وفيما يتعلق بقطاع الخدمات الاجتماعية فقد تم تنفيذ 18 مشروع فقط هبوطاً من 41 في الفترة الماضية، وقد حازت مدينة اعزاز على معظم المشاريع بواقع 13 مشروع، حيث تم تجهيز حديقة للأطفال واستكمال بناء وافتتاح مشفى وفرن خبز وأنشأت مدرسة في الحي الجنوبي من اعزاز إضافة لمشاريع أخرى مشابهة.
وبالنسبة لقطاع الزراعة والثروة الحيوانية فقد تم تنفيذ 46 مشروع تعنى بتلقيح الحيوانات وتوزيع العلف والبذار على المزارعين، ولا يزال القطاع يشهد قفزات بطيئة للغاية إذ تم تنفيذ 43 مشروع في النصف الثاني من 2019 و21 مشروع في النصف الأول من نفس العام، في الوقت الذي تحتاج المنطقة لمشاريع أكثر في هذا القطاع من أجل الأمن الغذائي وتوفير معظم المواد الأساسية وخفض تكاليف المعيشة، وقد عانى الفلاحون خلال هذه الفترة من تذبذب سعر صرف الليرة أمام الدولار وانخفاض قيمتها بشكل كبير، إذ أسهم هذا في ارتفاع تكاليف المواد الأولية من سماد وبذار ومحروقات ومياه ويد عاملة، وهو ما يدفع الفلاحين لهجرة أراضيهم وترك المهنة أو الاستمرار وتحقيق أرباح منخفضة.
وبالانتقال إلى قطاع النزوح الداخلي والذي شهد نقلة نوعية في المؤشر بحصوله على المرتبة الأولى في المؤشر، بواقع 96 مشروع بعدما نفذ 90 مشروعاً في النصف الثاني من 2019، وحازت إدلب على المرتبة الأولى بين المناطق، ويُعزى هذا إلى نزوح المواطنين من مناطق الحملة العسكرية إلى مناطق أكثر أماناً، واحتاج النازحون لخدمات كثيرة ابتداءً من المخيمات إلى أعمال البنية التحتية من كهرباء وماء لمشاريع كثيرة في سياق ترميم المنازل في البلدات والمدن لتحسين ظروف النازحين القاطنين فيها.
وفيما يتعلق بقطاع التمويل تم تنفيذ 10 مشاريع خلال هذه الفترة، من قبيل مشروع مزاد علني لتأجير آلات زراعية وتأجير مجموعة من المحال التجارية ودعم المشاريع النسائية وإطلاق مشروع المال مقابل العمل، ومن بين المشاريع الكبرى التي طرحت خلال هذه الفترة، مشروع طرح معمل غاز في مدينة الباب للاستثمار. ولا يزال هذا القطاع هش جداً ولا يحظى باهتمام بالغ من قبل المجالس المحلية والمنظمات ويعزى هذا إلى ضحالة رؤوس الأموال في المنطقة وعدم توفر بنوك ومصارف، وانخفاض مستوى الأمان، والأهم من هذا وذاك عدم توفير بيئة قانونية تدافع عن الحقوق والملكيات وتحفظ لصاحب المال ملكيته وماله.
أما في قطاع التجارة فقد حافظ القطاع على قفزات متتالية بين الفترات المرصودة فمن 24 في النصف الأول لـ 2019 إلى 54 في النصف الثاني لـ 2019 إلى تنفيذ 87 مشروعاً خلال النصف الأول من 2020 مدفوعاً بحجم المناقصات المطروحة على التجار لتوريد سلع وخدمات، كتوريد المياه والمازوت والمعدّات الكهربائية وطباعة الكتب وتوريد قرطاسية وتجهيزات عديدة أخرى سواءً للمخيّمات أو لخارجها.
بقي قطاع الصناعة الأضعف على الإطلاق في هذه الفترة والفترات السابقة بدون إحداث أي خروقات تذكر في هذا القطاع الاستراتيجي والهام، حيث تم تنفيذ مشروع واحد فقط في مجال الاسمنت في بزاعة بريف حلب.
عموماً أظهرت البيانات أعلاه أن عدد المشاريع التي تم تنفيذها في المنطقة المرصودة بين كانون الثاني وحزيران 2020 نحو 457 مشروع موزّعة على القطاعات كافة، وقد تركزت جُل المشاريع في قطاعات النزوح الداخلي والمياه والتجارة والنقل والمواصلات، وحافظت ريف حلب على النسبة الأكبر من المشاريع بنسبة 59% (277 مشروع) فيما حازت إدلب وريفها على نسبة قدرها 41% (177 مشروع).
تُظهر المقارنة بين النصف الأول من 2020 والنصف الثاني من 2019 انخفاضاً في عدد المشاريع في مؤشر التعافي من 564 إلى 457 مشروع نتيجة جملة من العوامل لعلَّ أهمها العملية العسكرية للنظام في ريف إدلب الجنوبي وما تبعها من عملية عسكرية تركية "درع الربيع" والاتفاقات التي تبعتها بين الروس والأتراك ومن ثم الإجراءات المتّبعة فيما يخص فيروس كورونا، وقد تسبب هذا في صرف جُل المشاريع لتخديم النازحين الجدد وتوفير مسكن ملائم وظروف معيشية مناسبة، كما أسهم تردّي الصحة العامة في المنطقة لزيادة فرص العمل في القطاع الطبي عموماً (انظر الشكل 14)، وفيما يلي نسوق جملة من الملاحظات الأبرز على المؤشر مقارنة مع الفترة السابقة:
وبتلمّس جوانب القوة والضعف قي القطاعات المرصودة في مناطق "درع الفرات" و"عفرين" ومحافظة إدلب يظهر ما يلي:
بناء على تحليل البيانات أعلاه وتلمس جوانب القوة والضعف يوصي التقرير بجملة من التوصيات من شأنها توفير أطر رئيسية لعملية التعافي المبكر التي ولا شك تعتبر تحدياً رئيسياً لقوى المعارضة في الشمال السوري، ونذكر إضافة لما ورد في التقارير السابقة، ما يلي:
لم تكن فكرة استبدال الليرة السورية بجارتها التركية حديثة الطرح، ففي عام 2015، ونتيجة التدهور المتواصل في قيمة الليرة السورية، قامت نقابة الاقتصاديين السوريين الأحرار بالتعاون مع المجلس المحلي في حلب بطرح مبادرة لاستبدال الليرة السورية بالليرة التركية في المناطق المحررة، في محاولة منها لوقف آثار تذبذب أسعار صرف الليرة السورية وتراجع قيمتها الشرائية على المدنيين. ورغم تأييد معظم الفعاليات الثورية في حلب حينها لهذه المبادرة، إلا أنها لم تلق ذلك القبول الشعبي المطلوب في نسبة كبيرة من المناطق المحررة. ففي حين رأى مؤيدو المبادرة أنها وسيلة جيدة لمواجهة نظام الأسد اقتصادياً من جهة، وفرصة ممكنة لتحقيق استقرار اقتصادي محلي من جهة أخرى، رأى فيها المعارضون أنها تمثل نوعاً من أنواع التمهيد للتبعية الاقتصادية والسياسية لتركيا.
في الوقت الحاضر وفي ضوء التدهور المستمر في قيمة الليرة السورية وتوجس مختلف الجهات في الشمال السوري من تداعيات المرحلة القادمة، مع تردي الوضع الاقتصادي لنظام الأسد، ولجوئه إلى صك كميات كبيرة من الليرة السورية بدون وجود تغطية لها، إلى جانب الآثار السلبية المتوقعة لتطبيق قانون العقوبات الأمريكي "قيصر" على اقتصاد النظام، تجددت المطالبة باستبدال الليرة السورية بالليرة التركية كإحدى الحلول التي يمكن أن تخفف من تداعيات هذا التدهور في الحياة الاقتصادية للسكان في مناطق الشمال السوري، وكضرورة للتخلص من التبعية الاقتصادية للنظام.
وعليه تحاول هذه الورقة تقديم قراءة تحليلية في خطوة استبدال الليرة السورية، مسلطة الضوء على مقومات نجاح هذه الخطوة في شقيها الاقتصادي والاجتماعي، من خلال تحليل مدى توفر مقومات استبدال الليرة السورية بالتركية، ومدى توفر القبول المجتمعي لليرة التركية في الشمال السوري، إلى جانب محاولة استشراف مآل الليرة السورية في هذه المناطق، دون التطرق إلى الدلالات السياسية لهذه الخطوة.
تطرح قضية استقرار مناطق الشمال السوري في شقيها الاقتصادي والاجتماعي نفسها في الوقت الحاضر باعتبارها أحد أهم الركائز الأساسية في التعافي المبكر لهذه المناطق([1])، وفي ظل الظروف الأمنية غير المستقرة التي تعايشها، يأمل السكان المحليين من أبنائها والنازحين إليها بحد أدنى من الاستقرار الاقتصادي يخفف من أثر الظروف الأمنية على استقرارهم. وتأتي خطوة استبدال الليرة السورية في هذا الوقت متكئة على هذا التصور الذي ينادي بضرورة المساعدة على تمكين السكان المحليين وضمان استقرارهم الاقتصادي، في وقت بدت فيه حالة تدهور الاقتصاد السوري بشكل عام وتدهور العملة السورية بشكل خاص، حقيقة لا يمكن تجاهلها، وبعد أن بدأت تداعياتها ترخي بضلالها على اقتصاد هذه المناطق، مؤديةً إلى مزيد من التدهور في مؤشراتها الاقتصادية.
لذا يبدو أن هذه الخطوة أصبحت مطلباً ملحاً في الوقت الحاضر، فمن جانب سيتيح هذا الحل الحفاظ على ما تبقى من مدخرات السكان والحفاظ على قوتهم الشرائية، ومن جانب آخر سيحافظ إلى حد ما على الاستقرار الاقتصادي والمعيشي ضمن هذه المناطق التي تعاني بالأصل من مشكلات اقتصادية عدة كارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتردي الأوضاع المعيشية.
يطرح الإعلان الرسمي من قبل الجهات الحوكمية في مناطق الشمال السوري لخطوة استبدال الليرة السورية بالتركية مجموعة من التساؤلات، عن مدى جدواه، وعن مدى توفر المقومات الأساسية اللازمة لنجاح تطبيقه. |
لكن في الوقت ذاته يطرح الإعلان الرسمي من قبل الحكومة السورية المؤقتة و "حكومة الإنقاذ" لهذا الحل مجموعة من التساؤلات عن مدى القدرة على تحقيق المطلب السابق، وعن مدى توفر المقومات الأساسية اللازمة لضمان نجاح تطبيقه. فالحل في هدفه المعلن يستهدف الصالح العام في ضمان الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، لكن يسود اعتقاد لدى بعض المراقبين للشأن الاقتصادي في هذه المناطق أن هذه الخطوة، وبغض النظر عن المدى الزمني المتوقع لاستمرارها، تفتقد المقومات اللازمة لضمان نجاحها والتي كان لا بد من القيام بها مسبقاً قبل التوسع في طرح العملة التركية واعتمادها بشكل واسع كوسيط للتبادل، وتشمل هذه المقومات:
لكن من الملاحظ أن الإجراءات التي يتم القيام بها لتنفيذ هذه الخطوة تفتقد إلى حد كبير لهذه المقومات، ويشوبها عدم التنظيم والرقابة. فآلية ضخ العملة التركية تتم من خلال فروع مؤسسة البريد التركي ومكاتب الصرافة مع عدم وجود مؤسسة مالية محلية للتنسيق معها بهذا الخصوص للإشراف على تنظيم ومراقبة هذه العملية([2])، وتحديد الكميات المطلوب ضخها من الفئات الصغيرة لتغطية حاجات السوق النقدي في هذه المناطق، ومراقبة مكاتب الصرافة وإلزامها بسعر موحد عند استلامهم الليرة السورية من المواطنين. أضف إلى ذلك، قيام بعض الجهات الفاعلة المحلية بخطوات تهدف إلى تنظيم هذه العملية، لكنها تبقى في إطار الأجندات الخاصة لها للسيطرة على اقتصاد هذه المناطق([3]). الأمر الذي قد يخلف عدد من التداعيات السلبية مستقبلاً، ومن أبرز هذه التداعيات: حدوث عدم تناسب بين حجم الكتلة النقدية وحجم الكتلة الإنتاجية من السلع والخدمات، وما قد يسببه ذلك إحداث فجوة من نتائجها ارتفاع الأسعار والتضخم. إلى جانب توقع انتشار عمليات المضاربة بشكل كبير مما سيؤثر على المواطنين ذوي الدخل المحدود. وهناك تخوف من قبل السكان من ارتفاع الأسعار وعدم القدرة على مجاراتها، في ظل عدم وجود جهة قادرة على ضبط الأسعار وفق المستوى الحالي الذي يقل بنسبة تتراوح بين 20-30% عن أسعارها داخل تركيا، ومعاناة السكان من انخفاض مستوى الدخل ومعدل البطالة المرتفع، وعدم وجود دعم متواصل لهذه الأسعار يمكن أن يساعد المواطنين على إمكانية تحملها، وقد ظهر هذا جلياً في تقلبات أسعار مادة الخبز وانقطاعه أحياناً في عموم هذه المناطق([4]).
كذلك فإن غياب القدرة على ضبط الحركة التجارية ضمن هذه المناطق، واستمرار التجار في فرض سيطرتهم على الأسواق من ناحية نوعية وكمية السلع المستوردة ومن ناحية تحديد أسعارها وفقاً لهامش معين، وسعر صرف يحدد من قبلهم، الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على استقرار هذه الأسواق وعلى القدرة الشرائية للسكان.
مع بدء ضخ العملة التركية في مناطق الشمال السوري، تطرح قضية مدى اعتمادية الليرة التركية من قبل السكان المحليين نفسها كإحدى المقومات اللازمة للنجاح. وفي هذا الإطار لا بد من الإشارة إلى أن الليرة التركية كانت متداولة في هذه المناطق حتى قبل الإعلان الرسمي عن هذه الخطوة([5])، لكن المستوى المتوقع للاعتماد عليها بشكل كبير سيرتبط حتماً بمستوى القبول الشعبي لها مقارنة بالدولار الأمريكي واليورو. ووفقاً لبعض التقارير الميدانية الواردة من هذه المناطق فإن هناك تباين في تصورات السكان المحليين والمعنيين بالشأن الاقتصادي لجدوى استبدال الليرة السورية بالتركية([6]). ففي حين يرى بعضهم أنه ونتيجة لتدهور قيمة الليرة السورية يبدو خيار التعامل بالليرة التركية ضرورياً لعدم توقف النشاط
لا بد للجهات الحوكمية في مناطق الشمال السوري من تدارك فقدان المقومات الأساسية لنجاح استبدال الليرة السورية بالتركية كحل مؤقت، والسعي الجاد لتنظيم وحوكمة النشاط الاقتصادي ضمن هذه المناطق لضمان نجاح هذه الخطوة. |
التجاري المحلي، وتسهيلاً لعملية تداول السلع والخدمات بين المواطنين. حيث بدأ كثير من تجار المواد الغذائية برفض التعامل بالليرة السورية ما تسبب بأزمة أثرت سلباً على حركة البيع والشراء. إلى جانب ذلك، فإن هذه الخطوة سيكون لها آثار إيجابية على اقتصاد هذه المنطقة من خلال تخفيض تكالیف المعاملات التجارية، واستقرار في أسعار السلع وتوافرها([7])، وتشجيع الاستثمار التجاري والصناعي الذي سيضمنه استقرار السوق، خاصة وأن المنطقة تشهد حركة تعافي مبكر.
لكن بالمقابل، تشكك فئة أخرى بجدوى هذا التحول في ظل تدهور العجلة الاقتصادية والإنتاجية في هذه المناطق، وأن هذه الخطوة ستزيد من أعباء سكان الشمال السوري، ولن تغيّر من الواقع المعيشي المتردي. فالنسبة الأكبر من السلع الموجودة في هذه المناطق مصدرها تركيا، وهي مستوردة بالدولار الأمريكي، ومن المتوقع أن يبقى سعرها مرتفعاً، وفي حال استخدمت الليرة التركية، فهذه الأخيرة يتأثر سعر صرفها أيضًا بارتفاع وانخفاض الدولار. مع الأخذ بعين الاعتبار تفاوت المستوى المعيشي بين مناطق الشمال والداخل التركي، وعدم وجود دعم حقيقي للجهاز الإنتاجي ضمن هذه المناطق. أضف إلى ذلك أن عدم القدرة على ضبط حركة البضائع من وإلى هذه المناطق يمنع من تشكّل دورة اقتصادية مستقلة لها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لم يراع الأثر المحتمل لهذه الخطوة على المنتجين في هذه المناطق، من جانب القدرة على منافسة المنتجات التركية سواء من حيث الجودة أو من حيث تكاليف الإنتاج. إلى جانب ذلك، ينظر البعض بعين الريبة إلى الأطراف التي قد تستفيد من خطوة الاستبدال، وهم أصحاب المنشآت الصناعية والتجارية من السوريين الذين وطنوا استثماراتهم في الجنوب التركي، والذين يسعون إلى توسعة حصتهم ضمن أسواق الشمال السوري([8]). أضف إلى ذلك، أن الكثير من البضائع التي يتم توريدها إلى هذه الأسواق لا تمتاز بالجودة المقبولة، وبالتالي ضمان هامش ربح كبير لأصحاب هذه المنشآت، في ظل غياب هيئة تجارية فاعلة قادرة على ضمان جودة المستوردات إلى هذه المناطق.
كذلك ينظر البعض إلى العملة التركیة كونها غیر مستقرة بدرجة كبیرة في سعر صرفها، وبالتالي فهناك تخوف من قبل أصحاب رؤوس الأموال والتجار المحليين من اعتمادها بشكل كبير في تعاملاتهم التجارية حرصاً على رؤوس أموالهم، وذلك بناء على خبرتهم السابقة بالتعامل بالليرة التركية خلال الأعوام الماضية، والتذبذب الكبير في سعر صرفها([9]). لذا فإن هذه الشريحة سيكون تعاملها بالليرة التركية بحده الأدنى وفقاً لمقتضيات تيسير أعمالهم مع الجانب التركي ليس أكثر، والتي هي في جزئها الأكبر عمليات استيراد. كما أن عمليات التبادل التجاري لم تنقطع بشكل كامل بين هذه المناطق ومناطق النظام والإدارة الذاتية، بحكم الفائض الكبير من المنتجات والمحاصيل الزراعية لديها والتي لا تجد طريقها للتصدير عبر تركيا أو إلى غيرها من البلدان بحكم موقعها الجغرافي. وبالتالي وبكون مناطق النظام والإدارة الذاتية لا تقبل التعامل بالليرة التركية، فإنه يتوجب على التجار التعامل بالدولار الأمريكي والليرة السورية لتنفيذ هذه العمليات.
ولا يمكن إغفال أن هناك شريحة من السكان ضمن هذه المناطق تقدر بالآلاف لا تزال تتقاضى رواتبها من نظام الأسد ومن الإدارة الذاتية، من المتقاعدين والقائمين على رأس عملهم، وهذه الشريحة ستتأثر حتماً جراء تحويل التعامل بالليرة التركية بسبب تقليصها لقدرتهم الشرائية، لذا من المتوقع أن تُظهر رد فعل سلبي اتجاه هذه الخطوة وعدم تقبُل لها([10]). ورغم الانخفاض الكبير بقيمة هذه الرواتب مع التدهور المضطرد في قيمة الليرة السورية، إلا أنها تشكل مصدر الدخل الأساسي للعديد منهم.
من ناحية أخرى، يلعب موضوع تحديد الأجور بالليرة التركية مقوماً حاسماً لقبول هذه الخطوة من قبل المواطنين، إذا ما استثنينا الموظفين الذين يقبضون أجورهم من الجانب التركي([11]). فمع غياب جهة قادرة على فرض منح أجور العاملين بالليرة التركية، وترك هذا الأمر خاضعاً لمصالح أرباب العمل وتقديراتهم، سيشكل ذلك حتماً مشكلة كبيرة لدى العمالة ضمن هذه المناطق([12]). وبالتالي فإن هذا الإجراء قد يحتاج لفترة زمنية لتطبيقه وإلى ضرورة وجود جهة قادرة على ضبط وتنظيم الأجور ضمن سوق العمل.
انخفض الطلب على الليرة السورية بشكل كبير في مناطق الشمال السوري خلال الأعوام الماضية، بسبب فقدان فاعليتها للقيام بوظائفها الأساسية كعملة نقدية، مما فتح الباب واسعاً للقوى الاقتصادية والمالية في هذه المناطق التي تمتلك أغلب الموارد أن تقوم بتنفيذ أنشطتها وعملياتها التجارية والاستثمارية بالقطع الأجنبي. ولم تعد تمثل الليرة السورية بالنسبة لهم إلا مجرد وسيط مرحلي يسعون مباشرة للتخلص منه وتبديله بعملات أخرى. ومن المتوقع أن تداول الليرة التركية في جزءه الأكبر سيكون مرتبط بالتعاملات اليومية ذات القيم المالية الصغيرة الحجم، والتي تعتمد عليها النسبة الأكبر من سكان هذه المناطق الذين يصنفون ضمن فئة صغار الكسبة والعاملين بأجر وعمال المياومة. في حين سيستمر التعامل بالدولار الأمريكي للصفقات التجارية والمعاملات ذات القيم المالية الكبيرة الحجم.
لكن من جانب آخر يحاجج البعض بأن هذه المناطق لا تزال تحوي كتلة نقدية لا يستهان بها من الليرة السورية([13])، وبالتالي فإن القدرة على التخلص من هذه الكتلة من دون إلحاق خسائر كبيرة بحامليها يعد من الأهمية بمكان، ويتطلب وجود خطوات واضحة للقيام بذلك من قبل الفواعل الرئيسية في هذه المناطق. وألا تتحول هذه العملية إلى وسيلة للتكسب من قبل البعض من خلال المضاربة. وقد لوحظ أنه ومع إقبال المواطنين على تحويل ما بجعبتهم من الليرة السورية إلى الليرة التركية ضمن مكاتب الصرافة المنتشرة في هذه المناطق، والتي تقلدت هذا الدور بحكم الوضع الراهن، وقيام العديد منها بعدم التقيد بسعر صرف موحد فيما بينها، وفرض أسعار صرف لما تراه مناسباً لها، وذلك في ظل عدم وجود جهة رقابية قادرة على ضبط هذه العملية، وضمان عدم استغلال حاجة الناس لتصريف ما لديهم من الليرة السوية خوفاً من تدهورها بشكل أكبر وعدم قبول التعامل بها ضمن هذه المناطق. الأمر الذي قد يخلق العديد من التبعات السلبية على مستوى قبول الليرة التركية من قبل المواطنين ذوي المدخرات المحدودة([14])، وعلى مصير الكتلة النقدية من الليرة السورية الموجودة لدى الأهالي.
ووفقاً لبعض التقديرات، إنه وعلى الرغم من بدء التداول الرسمي للعملة التركية في هذه المناطق، فإن من المتوقع بقاء الليرة السورية متوفرة في مناطق الشمال إلى حين من الزمن. لكن مع الانتقال التدريجي إلى التعامل بالليرة التركية، سيخف الطلب عليها وبالتالي ستتقلص الكتلة النقدية من الليرة السورية في هذه المناطق بحكم الأمر الواقع([15])، مع بقاء كميات منها لدى التجار لتنفيذ الصفقات التجارية مع مناطق النظام. ومع الانتقال التدريجي لاستخدام الليرة التركية بشكل أوسع، ستتراجع قيمة الليرة السورية بشكل أكبر مع انخفاض الطلب عليها وعدم قبولها كوسيط للتبادل داخل هذه المناطق.
وقد تكون هناك محاولات من النظام عبر شبكاته في هذه المناطق لضخ كميات كبيرة من الليرة السورية بهدف استبدالها بالدولار والليرة التركية([16])، إلا أن هذه المحاولات لا يتوقع نجاحها مثل ما حدث خلال الأعوام الماضية، وذلك بسبب تشكل وعي متزايد لدى المواطنين وتنَّبُه نسبة جيدة منهم للسياسة الخفية التي كان يتبعها نظام الأسد عبر وكلائه لاستنزاف مدخراتهم، وبالتالي ضرورة الحفاظ عليها وضمان استقرارهم المعيشي. مع ضرورة التنبه أيضاً إلى الخطوات التي يمكن أن يقوم بها النظام مستقبلاً في هذا الصدد، مثل منع تمرير بعض فئات هذه الكتلة النقدية لمناطقه، والعمل على مراكمتها داخل مناطق الشمال السوري، وبالتالي إلحاق خسائر أكبر باقتصاد هذه المنطقة مع استمرار فقدان هذه العملة لقيمتها.
وهنا تترتب مسؤولية اجتماعية على الجهات الفاعلة في هذه المناطق بتكثيف الحملات التوعوية للمواطنين لتبيان مخاطر التعامل بالليرة السورية في هذه المرحلة، وضرورة الإسراع باستبدال الليرة السورية بعملة أخرى للحفاظ على مدخراتهم. إلى جانب ذلك فإن المسؤولية الاجتماعية والوازع الأخلاقي والديني للتجار في هذه المناطق من الأهمية بمكان في الحد من تدهور الاستقرار الاقتصادي في هذه المناطق، من خلال مساهمتهم في التخلص من الكتلة النقدية من الليرة السورية عبر تمريرها إلى مناطق النظام من خلال الصفقات التجارية المنفذة، وعدم تنفيذ صفقات الاستيراد من مناطق النظام والإدارة الذاتية بالدولار الأمريكي. والابتعاد عن عمليات المضاربة ورفع أسعار السلع داخل أسواق هذه المناطق، وألا يكونوا عامل معرقل لنجاح هذه الخطوة.
إلى جانب ذلك، فهناك مسؤولية أمنية واقتصادية تترتب على قادة الفصائل العسكرية في هذه المناطق بالمساهمة بعملية التصدي لتهريب القطع الأجنبي، والتصدي لعمليات احتكار دخول وخروج السلع عبر المعابر الحدودية مع النظام والإدارة الذاتية([17])، والعمل على تفكيك الشبكات التابعة للنظام والإدارة الذاتية ضمن مناطقها للحؤول دون تسرب القطع الأجنبي من خلال هذه الشبكات.
نظراً لأهمية التوصل إلى حلول مستدامة لوقف عملية تدوير الليرة السورية بين هذه المناطق وكل من مناطق النظام والإدارة الذاتية، لا بد من السعي الجاد والحثيث للبحث عن أسواق خارجية لتصدير المنتجات والمحاصيل الزراعية، وتقليل كمية المستوردات من السلع والمواد من هذه المناطق إلى حدها الأدنى. بحيث يمكن فك التشابك التجاري والاقتصادي بين هذه المناطق، والمساعدة على تحقيق الاستقرار الاقتصادي المطلوب. حيث يلاحظ وجود خطوات من الجانب التركي في هذا الصدد، وإن لم ترق بعد إلى المستوى المطلوب، لتسهيل عمليات استيراد هذه المحاصيل إلى داخل تركيا([18])-([19])، إلى جانب وجود مساعٍ لدى الحكومة السورية المؤقتة في هذا الجانب وفقاً لإمكانيتها المتاحة للوصول إلى أسواق خارج تركيا. كذلك تبذل المجالس المحلية عبر مكاتبها الزراعية والتجارية جهوداً حثيثة لتمكين المزارعين من تسويق منتجاتهم تجاه الجانب التركي بشكل منظم، وبما يضمن تحقيق قيمة عادلة لهذه المنتجات([20]).
إن إقدام الفواعل الرئيسية في مناطق الشمال السوري ممثلة بكل من الحكومة السورية المؤقتة، و "حكومة الإنقاذ"، والمجالس المحلية باعتماد هذا الحل كوسيلة لتفادي التبعات السلبية المرتبطة بتدهور الليرة السورية، وسعيها للحفاظ على المصلحة العامة لسكان هذه المناطق بالحفاظ على مدخراتهم وضمان استقرارهم المعيشي، هو من الأهمية بمكان في هذه المرحلة الاقتصادية الحرجة. إلى جانب ذلك، فإن تمكن هؤلاء الفواعل من تحقيق الاستقرار النقدي بحده الأدنى يعد أحد أهم أركان البيئة الجاذبة للاستثمارات سواء أكانت محلية أم أجنبية، وهذه الاستثمارات تمثل المحرك الأساسي لعجلة النشاط الاقتصادي في هذه المناطق وتحقيق الاستقرار الاقتصادي المطلوب.
لكن لا بد لهذه الجهات من العمل على تدارك فقدان المقومات الأساسية لنجاح هذا المسعى، والسعي الجاد لتنظيم وحوكمة النشاط الاقتصادي ضمن هذه المناطق، بما يضمن الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لسكانها. إلى جانب القيام بمبادرات أخرى بهدف حماية مدخرات المواطنين مثل العمل على طرح مشاريع استثمارية في قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة بما يتلاءم والواقع الحالي، بالتعاون مع المنظمات والهيئات الدولية وتحت إشراف الجهات المختصة بهدف تنشيط الاستثمار في هذه المناطق، بحيث يتم الاعتماد بشكل رئيسي على توظيف رؤوس الأموال المحلية في هذه المشاريع، مما ينعكس إيجاباً على المواطنين بتنمية مدخراتهم وعلى التنمية الاقتصادية المستدامة في هذه المناطق، من خلال التوسع في خلق فرص العمل وتحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من المنتجات والخدمات.
([1]) تقدر مساحة هذه المناطق بنحو 12000 كم2، ويقطنها ما يقارب خمسة ونصف مليون نسمة، وتمثل أجزاء من محافظات حلب، إدلب، الحسكة، والرقة.
([2]) محمد كساح، الليرة التركية تنتشر في اعزاز.. من الذي بدأ الضخ؟، موقع اقتصاد، 10-06-2020: https://cutt.ly/DiF8Ajs
([3]) في عام 2017 أقدمت شخصيات مقربة من هيئة تحرير الشام على تأسيس ما يسمى "المؤسسة العامة لإدارة النقد وحماية المستهلك"، بهدف تنظيم عمليات الصرافة ومنع الاحتكار والتلاعب بأسعار العملات. وقد أتت هذه الخطوة وفقاً لبيان الهيئة بناءً على مطالبة العاملين في سوق النقد بوضع سياسة لإدارة النقد في إدلب، ولكن المتتبع لتحركات الهيئة للسيطرة على الموارد الاقتصادية في المحافظة، يدرك تماماً أن هذه الخطوة تصب في إطار هذه التحركات للسيطرة على إدارة سوق الحوالات والتحكم بحركة الأموال والتحكّم بمكاتب الصرافة، بعيداً عن مقتضيات المصلحة العامة.
انظر في ذلك: "تحرير الشام" تؤسّس “إدارة نقد” لمراقبة سوق الصرافة، جريدة عنب بلدي، 13-05-2017: https://cutt.ly/RiF8bkc ، بين التبعية والمشروع المُقلّد ... "مؤسسة النقد" تُهيمن على "الصرّافة" بإدلب، شبكة شام، 16-06-2020: https://cutt.ly/GiF8aCj
([4]) رامي إبراهيم، ارتفاع أسعار الخبز تزيد صعوبة الحياة في الشمال السوري، جريدة زيتون، 05-06-2020: https://cutt.ly/6iF8Mqn
([6]) تيم الحاج، بين الحاجة للتطبيق ومعوقات التنفيذ: إنهاء محفوف بالمخاطر للتعامل بالعملة السورية في الشمال، جريدة عنب بلدي، 14-06-2020: https://cutt.ly/uiF4a0N
([7]) يرى العديد من التجار أن هذه الخطوة ضرورية جداً، في ظل تدهور أسعار الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، واعتمادهم بشكل كامل على الاستيراد من تركيا، وفي ضوء ذلك فإن استقرار أعمالهم يعتمد على تداول الليرة التركية التي يمكن أن تسهم إلى حد كبير في تثبيت أسعار المواد في هذه المناطق.
([8]) محمد السلوم، دعوات تداول الليرة التركية بدلاً من السورية ليست في مصلحة محدودي الدخل، مجلة الغربال، 28-07-2015: https://cutt.ly/biXoKW7
([9]) بلغ سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي في بداية عام 2014 (2.15) في حين بلغ سعر الصرف نهاية شهر يونيو/حزيران لعام 2020 (6.85).
([10]) احتجاجات في منطقة تل أبيض بعد تحديد سعر الخبز بالليرة التركية، جريدة عنب بلدي، 22-06-2020: https://cutt.ly/MiF4nGl
([11]) وفقاً لبعض التقديرات فإن عدد الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم من الجانب التركي في ريفي حلب الشمالي والشرقي يتجاوز 75 ألف موظف، وهي تشكل نسبة بسيطة مقارنة بعدد السكان في هذه المناطق. وتقدر الكتلة النقدية من الليرة التركية المدفوعة من الجانب التركي كرواتب ومصاريف بنحو 70 مليون شهرياً للعاملين في المجالس المحلية والمؤسسات الخدمية المدنية والجيش الوطني وقوى الأمن الداخلي.
([12]) محمد كساح، ما هو الحل لحفظ حقوق عمال إدلب الذين يعيشون على أقل من (1 دولار) يومياً؟، موقع اقتصاد، 20-06-2020: https://cutt.ly/CiF4XTm
([13]) لا توجد إحصاءات دقيقة عن حجم هذه الكتلة النقدية، وقد ذكر وزير المالية في الحكومة السورية المؤقتة أن حجم الكتلة النقدية في مناطق الشمال السوري تتجاوز قيمتها 100 مليون دولار أمريكي. أنظر في ذلك: ضرورة استبدال العملة في الشمال السوري والصعوبات المُترتِّبة على ذلك، موقع نداء سورية، 20-05-2020: https://cutt.ly/niF46Qj
([14]) محمد كساح، إدلب تشكو: لا سعر موحد لبيع الليرة التركية، موقع اقتصاد، 17-06-2020: https://cutt.ly/YiF7sbn
([15]) صرّافون في شمال حلب: الطلب على الليرة السورية محدود للغاية، موقع اقتصاد، 25-06-2020: https://cutt.ly/7iHcO6C
([16]) الشمال السوري: استبدال الليرة السورية بالتركية، جريدة المدن، 04-12-2019: https://cutt.ly/siF7Wbw
([17]) أحمد زكريا، المعابر الداخلية في شمالي سوريا.. مهمة جداً، لكن تعكرها التجاوزات، موقع اقتصاد، 21-03-2020: https://cutt.ly/7iGYo1W
([18]) من ريف حلب إلى تركيا.... محاصيل الشمال تسوّق بالليرة التركية، جريدة عنب بلدي، 31-03-2019: https://cutt.ly/QiF7Spf
([19]) بعد القمح.. بيع العدس إلى تركيا من ريف حلب، جريدة عنب بلدي، 11-06-2020: https://cutt.ly/WiF7C3j
([20]) شروط تسويق محصول "العدس" من ريف حلب إلى تركيا، جريدة عنب بلدي، 25-03-2019: https://cutt.ly/JiF74rV
يشهد النظام منذ بداية 2011 أزمة اقتصادية خانقة تصاعدت حدتها سنة تلو أخرى، فتهاوت قطاعات الاقتصاد وانخفضت قيمة الليرة السورية وارتفع المعدل العام للأسعار ودخل الاقتصاد في ركود تضخمي. وشكل عام 2019 عاماً استثنائياً بسبب باقة من الأمور بينها العقوبات ووصول سعر صرف الليرة مقابل الدولار مستوى غير مسبوق إلى 950 ليرة وشح شديد في المحروقات وانقطاع متواصل في خدمة الكهرباء وقد ساهم هذا في ارتفاع حدة الانتقادات من حاضنة النظام وعدم الرضى الشعبي حيال الظروف المعيشية السيئة.
كشفت هشاشة الاقتصاد السوري والأزمة التي دخل بها ارتباطاً وثيقاً بمسببين هما: العسكرة؛ التي استنزفت البلاد مواردها البشرية والمالية وما تسببت به من تدمير للمرافق والمدن أعادت عجلة التنمية لعشرات السنين إلى الوراء وكبّدت الاقتصاد خسائر قاربت الترليون دولار. وإدارة النظام المتخلّفة للموارد والتي ألحقت بالاقتصاد اختلالات هيكلية وإشكالات لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من إيجاد حلول جذرية لها. لذا لم يكن الاقتصاد السوري بعد اندلاع الثورة في 2011 بحاجة إلا للكز الهيكل الهش ليدخل في دوامة من الهبوط.
يهدف هذا التقرير إلى تلمس أبعاد الأزمة الاقتصادية التي واجهها النظام في العام 2019 وتحديد جذورها وتبيان آثارها على الوضع الاجتماعي والاقتصادي. ويحاول التقرير خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2020 مراجعة مؤشرات الأزمة المرصودة في العام 2019 ورؤية التغيرات فيها، واستشراف وضع الليرة السورية باستخدام أدوات تحليل تقنية لتوقع حركة السعر حتى نهاية العام 2020. ومن ثم سرد مجموعة من الصعوبات التي تواجه الاقتصاد والمواطن بالنظر إلى ما تم تقديمه. ويخوض التقرير في فهم مؤشرات الاقتصاد السلبية في عام 2019 عبر التكوّن التاريخي لهيكل الاقتصاد السوري ما قبل 2019 وقبل الثورة، فيصبح تحليل ما هو آني في إطار الكل التاريخي الذي شكل الاقتصاد ولعب في تكوين هشاشته.
اعتمد التقرير في رصد آثار الأزمة وكشف أبعادها على تقارير الواقع الحوكمي وإعادة الإعمار في مناطق سيطرة النظام في العام 2019([1])، فخرج بجملة من الأبعاد التي أسهمت في احتدام الأزمة الاقتصادية في هذا العام ومن بينها: العقوبات الدولية؛ والارتفاع العام في الأسعار؛ وشلل الإنتاج؛ والنقص الكبير في مواد المحروقات؛ وأخيراً تهاوي الليرة السورية.
فشلت حكومات النظام المتعاقبة على مدار العقود الأربعة السابقة لانطلاق الثورة؛ في بناء نموذج اقتصادي مستدام وخلق بيئة تنموية تشاركية يحدد لهذه الدولة وسكانها هوية اقتصادية شكلاً ومضموناً. فتقلّب الاقتصاد بين الاشتراكية؛ منذ هيمنة "حزب البعث العربي الاشتراكي" على الدولة في العام 1963، والسوق الحر في أواخر عهد حافظ الأسد على إثر إصدار قانون الاستثمار رقم 10 في العام 1991، والشكل الأخير ظهر مع بداية عهد بشار الأسد بالتوجه نحو ما سمي بـ "اقتصاد السوق الاجتماعي" وبينما كان الهدف خدمة الطبقة السائدة في المجتمع. قادت تلك النماذج إلى خدمة "رأسمالية المحسوبيات" ولإنتاجية ضعيفة وعدم استثمار الإمكانيات الكامنة لسورية اقتصادياً واجتماعياً ومؤسساتياً.
لازَم الاقتصاد السوري على مدار العقود السابقة، بينها عقد الثورة، افتراضان يعود لهما السبب في هشاشة البينة الاقتصادية السورية ووقوعها دوماً في إشكالات متعددة. يتعلق الأول: بعسكرة الدولة وما أحدثته من استنزاف في كافة الموارد؛ والثاني: يتعلق بأزمة في إدارة الاقتصاد والتي تسببت باختلالات هيكلية.
فمن خلال ثلاثية الدولة العميقة، الجيش والمخابرات وحزب البعث، أحكمت عائلة الأسد هيمنتها على الدولة والمجتمع بعيداً عن السلطة التشريعية والتنفيذية الظاهرية. وعمدت إلى عسكرة الدولة عبر تضخيم المؤسسة العسكرية من حيث الكم والوظيفة، عبر الخدمة الإلزامية والانتشار الكثيف للقطع العسكرية بين البلدات والمدن ونشر الآلات العسكرية في الأحياء وممارسة القمع مستخدماً مختلف أنواع الأسلحة بينها ما هو محرم دولياً، كما استحوذ الجيش على حصة كبيرة من الموازنة العامة. ومنذ العام 1990 أصبحت نفقات الدفاع تزيد كثيراً على المبالغ التي يمكن لسورية تخصيصها للإنفاق الإنمائي([2])؛ وارتفع الإنفاق العسكري من 14 مليار ليرة سورية في العام 1988 إلى 120 مليار ليرة في العام 2011 وبلغ أعلى مستوى للإنفاق العسكري نسبة للإنفاق الحكومي في العام 1991 عند 30.4% فيما أخفت الحكومة البنود المتعلقة بالديون لتمويل عقود الشراء والصيانة وقطع التبديل والتي إذا أضيفت سترفع من معدلات الإنفاق العسكري بشكل كبير([3]). وزادت المصروفات العسكرية بعد الثورة أيضاً بمعدلات عالية بواقع 14.5 مليار دولار بين 2011 – 2015 فضلاً عن ارتفاع معدلات الدين لروسيا وإيران حليفي النظام ومن أسنداه بعملياته العسكرية بالأسلحة والعتاد اللازم.
عرّضت ممارسات النظام العسكرية البلاد لدمار كبير وشلّت قطاعات اقتصادية بأكملها واستنزفت مقدرات البلد الطبيعية والبشرية والمالية، فتراجع الاقتصاد النظامي مقابل ازدهار الأسواق السوداء وانتشرت أعمال ووسائل جديدة وسادت عمليات السلب والابتزاز والتهريب واستغلال السكان والسيطرة على الأصول المربحة.
وبلغت خسائر الاقتصاد السوري بسبب الحرب 260 مليار دولار بناء على الدمار التي تعرضت له البلد و689 مليار دولار مع تكلفة النمو الذي لم يحصل على مدار الأعوام الماضية، وستصل الخسائر إلى 1.3 ترليون دولار إذا استمرت الحرب في العام 2020([4]). وفيما يلي بعض المعطيات التي تعكس الحالة الاقتصادية العامة:
ومع بداية العام 2019 دخل النظام السوري منتشياً بانتصاراتٍ ناجزةٍ على الساحة العسكرية على مدار السنوات الماضية ابتداءً من السيطرة على مدينة حلب في أواخر العام 2016 وبسط سيطرته على حزام دمشق في الغوطة الشرقية في نيسان 2018 وريف حمص الشمالي وحماة الجنوبي في أيار 2018 ومحافظة درعا في تموز من نفس العام، متسلحاً بمصالحات هشّة وتهجيرِ من يرفض من الثوار والأهالي إلى الشمال في محافظة إدلب. ومع توسع سيطرة النظام على حساب المعارضة زادت وتيرة تصريحات النظام الداعية لرفع العقوبات وبدء عملية إعادة الإعمار وإعادة شرعيته الإقليمية والدولية وأن الأوضاع الاقتصادية ستؤول للتحسن، إلا أن إيقاع المؤشرات الدولية والإقليمية جاء على غير ما اشتهى له النظام، إذ بدأ العام بعقوبات اقتصادية أوروبية وانتهى بفرض قانون "سيزر" من الولايات المتحدة، وأَفشلَت الأخيرة جهود بعض الدول في إعادة شرعية النظام وعودته لحضن الجامعة العربية.
من بين أبرز الملامح التي ساهمت في رسم مشهد سوداوي للاقتصاد السوري في العام 2019كما في الشكل رقم(1): : إصرار النظام على استمراره في الممارسات الاضطهادية مما أدى إلى ازدياد حدة العقوبات على النظام من قبل الولايات المتحدة وأوروبا؛ وتفاقم مشكلة تأمين مواد الطاقة؛ والشلل المستمر في قطاعات الإنتاج؛ والتراجع الملحوظ في مستويات المعيشة وأخيراً تسجيل الليرة السورية سعر صرف غير مسبوق عند 950 ليرة في نهاية العام.
يبين الملحق رقم (1) جميع العقوبات الدولية التي تعرّض لها النظام السوري خلال عام 2019 من أوروبا وأمريكا، وتمت إضافة بعض العقوبات التي مسّت، إيران، حليف النظام؛ لما لإيران من تأثير في تمويل العمليات القتالية وتوفير الدعم المالي والمادي لاقتصاد النظام. ويظهر من العقوبات المفروضة مجموعة من الملاحظات نوردها كما يلي:
أولاً: تشكلت أول ضربة للنظام عبر عقوبات أوروبية على شركات إنشائية مهتمة في أعمال إعادة الإعمار ورجال أعمال لهم علاقات بالنظام ومستفيدين من المشاركة في تطوير عقارات فاخرة ومشاريع تدعم النظام، من بينهم: سامر فوز، حسام قاطرجي، مازن ترزي، ومن بين الشركات: شركة مطورين المساهمة الخاصة، شركة ميرزا، شركة بنيان، شركة أمان القابضة، شركة روافد التي يمتلكها رامي مخلوف، ليبلغ بهذا عدد الشخصيات السورية المشمولة بالعقوبات الأوروبية 270 شخصاً بالإضافة إلى 72 كياناً على صلة بنظام الأسد([9]). ومن ثم جاءت العقوبات الأمريكية في حزيران على سامر فوز وأقاربه حسين وعامر فوز و13 كياناً يملكها سامر فوز يقوم بأعمال إعادة الإعمار وإعادة تطوير سورية، لتُفشِل مساعي النظام في تصدير أشخاص جدد وتبييض صورته أمام المجتمع الدولي. وشكّل قانون "سيزر" الموقّع في 21 كانون الأول 2019 مرحلة جديدة من اشتداد وتيرة العقوبات، إذ من شأن هذا القانون أن يفرض عقوبات على النظام وكل من يدعمه مالياً أو عينياً أو تكنولوجياً.
بعيداً عن “الجدل” الاقتصادي بتأثير تلك العقوبات من عدمها على أنظمة شمولية، تعد هذه العقوبات مع بداية العام رسالة واضحة من الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي بعدم تغيير سياستها المتبعة في معاقبة النظام على سلوكه الإجرامي والقمع الممارس ضد المدنيين، ومن جانب آخر تشير إلى عمق النظرة الأوروبية ومتابعتها الحثيثة في استهداف أركان النظام وقائمة الرجال والشركات الداعمة له والمساهمة في تعويمه. ومع تجديد العقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي وأمريكا حتى 1 حزيران من العام 2020 ترسل رسالة مفادها أنه لا حل في سورية مع ممارسات النظام العسكرية وانتهاكاته، وأن مصير النظام العزلة الدولية ومزيد من العقوبات للرضوخ للقرارات الدولية. ويتوافق تجديد العقوبات الأوروبية في 2020 مع بدء سريان قانون "سيزر" ليعملا جنباً إلى جنب على خنق النظام واقتصاده أكثر ومعاقبة كل من يدعمه وينفذ مشاريع تعود بالفائدة على النظام.
ثانياً: إفشال حركات النظام في تسويق إعادة الإعمار والترويج لنفسه عبر معرض دمشق الدولي في دورته الـ 61 في شهر أيلول، حيث حذّرت الولايات المتحدة في 23 آب من مشاركة الشركات التجارية والأفراد في المعرض وتعاملهم مع نظام الأسد بما يعرّضهم للعقوبات، وقد بلغ عدد الدول المشاركة في المعرض 38 دولة فقط وشغلت إيران وروسيا معظم المساحة المشغولة فيه، وغاب توقيع العقود الكبيرة مع شركات عربية حضرت المعرض مثل الإمارات وسلطنة عُمان خوفاً من التهديدات الأمريكية وجاءت مشاركة دول مثل الصين والأرجنتين والعراق ولبنان وعُمان والإمارات والجزائر شبه شكلية([10]).
ثالثاً: أدت العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران بهدف تجفيف إيراداتها من النفط وعزلها عن النظام المالي العالمي، إلى تقييد حركة الناقلات النفطية الإيرانية والأجنبية من وإلى إيران وبالتالي عدم القدرة على إيصال النفط لسورية كما في السابق.
وكانت الولايات المتحدة حذرت في شهر آذار من مخاطر إيصال شحنات النفط للنظام السوري وأضافت وزارة الخزانة الأمريكية إلى لائحة العقوبات العشرات من الناقلات الجديدة المشارِكة في شحنات النفط غير المشروعة، بما في ذلك 16 ناقلة تشحن النفط إلى سورية وأكثر من 30 تشارك في عمليات النقل من سفينة إلى سفينة. وأدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكي 16 كياناً و10 أفراد وحدد 11 سفينة شحن كممتلكات محجوزة تسري عليها العقوبات، كما حصل مع الناقلة الإيرانية "غرايس 1" التي غيّرت اسمها لاحقاً إلى "أدريان درايا 1" وأشارت وزارة الخارجية الأمريكية أن الناقلة "غريس 1" كانت تساعد "الحرس الثوري الإسلامي" عن طريق نقل النفط من إيران إلى سورية، وحذّرت الوزارة من عواقب وخيمة لأي فرد مرتبط بالناقلة.
رابعاً: تسببت العقوبات الأمريكية المفروضة على أذرع مالية مقرّبة من "حزب الله" كما حصل مع بنك "جمال ترست" في لبنان، ومكاتب صرافة وشركات سورية ولبنانية من إثارة مخاوف في سورية للحد من حركة الأموال([11])، وبات من نافلة القول إن لبنان تشكل رئة سورية وبوابتها نحو العالم الخارجي. ومع نهاية عام 2019 واندلاع احتجاجات في لبنان على إثر سوء الأوضاع المعيشية أغلقت البنوك أبوابها وتم تقييد بيع الدولار في شهر آب ومنع المودِعين من سحب مدخراتهم بها، فباتت أموال المستوردين السوريين والودائع في المصارف اللبنانية شبه محجوبة وبالأخص بعد دخول لبنان أزمة مالية جراء تخلّفه عن سداد سندات دولية مقوّمة بالدولار في 9 آذار 2020 وهو ما يعكس الضغوط المالية والاقتصادية الشديدة التي يمر بها لبنان بحسب وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني([12]).
تعرّضت ميزانية سورية لصدمة قوية جراء خسارتها أهم مولّدات الإيرادات ممثلة بالنفط والغاز والمعادن تشكّل 25% من عائدات الميزانية، وعليه لم يتمكن النظام من رفع القدرة الإنتاجية للبلاد، وزادت العقوبات الأجنبية المفروضة على إمدادات الوقود للنظام ورصد أي ناقلة نفط متجهة إلى سورية تحمل وقود وغاز طبيعي من صعوبة الموقف، إذ مدّت إيران النظام معدل ناقلتين كل شهر عبر الخط الائتماني الموقع بين البلدين([13]).
أسهم هذا في عدم قدرة النظام على تلبية احتياجات البلاد من المحروقات من بنزين ومازوت وغاز وكهرباء، إذ تقدر حاجة سورية اليومية من مواد الطاقة: 136 ألف برميل خام، ونحو 4.5 مليون لتر بنزين، و6 ملايين لتر مازوت، و7000 طن فيول، و1200 طن غاز منزلي أو 120 ألف اسطوانة غاز، وتقدر الفاتورة المالية اليومية 8.8 مليون دولار وعليه تصل قيمة الفاتورة الشهرية إلى 264 مليون دولار و3 مليارات و168 مليون دولار سنوياً، فيما أشارت الحكومة أن قيمة الفاتورة الشهرية لشراء المشتقات النفطية تبلغ 200 مليون دولار([14]). وقد أسهم توقف الخط الائتماني الإيراني نهاية 2018 في عرقلة تسديد فاتورة الطاقة وإمداد البلاد بما تحتاجه من محروقات فتشكلت أزمة كبيرة، حيث وصل العجز في مادة المازوت إلى 90 يوماً، والبنزين إلى 108 أيام، والغاز إلى 45 يوماً([15]).
يُظهر الشكل رقم (2) حجم إنتاج واستهلاك النفط من 2010 حتى 2019، ويبدو جلياً هبوط الإنتاج من 385 ألف برميل في 2010 إلى 24500 ألف برميل نفط يومياً مع نهاية العام 2019([16])، وهو أقل من إنتاج عام 2010 بنسبة 94% ولا شك أن هذا الحجم من الإنتاج غير قادر على الإيفاء بالاحتياجات اليومية سوى بـ18% إذا عُرف أن الاستهلاك اليومي يبلغ 136 ألف برميل يومياً في 2019.
وجراء عدم قدرة الحكومة على تغطية حاجة السوق المحلية سمحت في 4 آذار 2019 لغرف الصناعة والصناعيين باستيراد الفيول والمازوت براً وبحراً لمدة 3 أشهر وعادت ومددت الفترة لمدة 3 أشهر أخرى، ويفسر هذا الإجراء عجز الحكومة للوصول إلى حلول ضمن الظروف الراهنة ورمي العبء على كاهل التجار، علماً أن هذا الحل يخلق أزمة بحذ ذاته في سوق الصرف، فالنقص في الدولارات لدى المركزي سيحيل التاجر لطلب دولارات من السوق السوداء وهو ما يخلق طلباً متزايداً يؤدي لارتفاع السعر، كما يُفهم من خطوة الحكومة تلك نجاح العقوبات في تقييد وصول المحروقات إلى النظام وحركية النظام المالية في النفاذ للأسواق الدولية، وانكشافه أيضاً على إمدادات الطاقة القادمة من إيران حتى إذا توقفت الإمدادات الإيرانية وقع النظام في فاقة وعجز.
والوضع في قطاع الغاز ليس أفضل حالاً، إذ انخفض الإنتاج بنسبة 51% من 34 مليون متر مكعب في 2010 إلى 17.5 مليون متر مكعب يومياً في 2019، واعتمد النظام على استيراد الكمية المتبقية من الخارج لتغطية الاحتياجات اليومية([17]). وتبلغ حاجة الاستهلاك اليومية للغاز حوالي 1200 طن يومياً تشكل نسبة الاستيراد منها 50% يومياً فيما الـ50% الأخرى تأتي من الإنتاج المحلي([18])، وبلغة الاسطوانات تقدر الحاجة اليومية بين 120 – 140 ألف اسطوانة يتم تأمين بين 40 – 50% منها محلياً والباقي يتم استيراده([19]). وما انطبق على أزمة البنزين والمازوت ينطبق على أزمة الغاز من حيث اعتماد النظام على الإمدادات الإيرانية التي توقفت إضافة إلى تشديد العقوبات على النظام وإيران.
يُدلل الشكل رقم (3) على أسعار الغاز والبنزين والمازوت، الرسمية، إلا أن الأسواق في الواقع لا تعترف بهذه الأسعار، أمام أزمة العرض، إذ بلغ سعر الاسطوانة في محافظة حلب بالسوق السوداء نحو 17 ألف ليرة بداية 2019، بينما وصل سعرها في مناطق متفرقة في ريف دمشق إلى 11 ألف ليرة سورية، وشوهدت طوابير طويلة جداً لأناس ينتظرون دورهم للحصول على اسطوانة غاز من مراكز التوزيع، والأمر سيّان أمام كازيات البنزين والمازوت، وقد بلغ سعر لتر المازوت 450 ليرة في السوق السوداء([20]). وانتهى عام 2019 بدون إيجاد حلول للأزمة سوى الوعود والسماح للقطاع الخاص بالاستيراد، إضافة إلى فكرة البطاقة الذكية حيث يمنح حاملها حصته من الغاز كل 23 يوماً؛ وتعتبر هذه الأداة التقنية حلاً لمشكلة الازدحام لا لنقص المعروض.
فيما بقي التقنين في الكهرباء الوضع المتسيّد في مناطق عدة من سورية وعلى رأسها دمشق حيث وصلت ساعات التقنين إلى 20 ساعة يومياً في بعض الأوقات في الكثير من المناطق المتاخمة لدمشق([21])، وفي معظم مناطق ريف دمشق تُقطع الكهرباء بمعدل أربع ساعات ثم تأتي مدة ساعتين ولكن خلال هاتين الساعتين تنقطع مرات عدة([22]). وترجِع أسباب الانقطاع المتكرر للكهرباء إلى استجرار الكهرباء غير المشروع، وإجراءات الصيانة وإصلاح الاعطال لمحطات الكهرباء؛ جراء تحميلها أكثر من طاقتها بعد زيادة استخدام الكهرباء كبديل عن الوقود في التدفئة والتبريد، إضافة لعدم توفر مواد المحروقات من فيول وغاز والتي تسهم بنسبة 56% في توليد الطاقة الكهربائية؛ يُشار أن توليد 500 ميغا واط من الكهرباء يحتاج إلى 20 مليون متر مكعب من الغاز و10 آلاف طن من الفيول([23])، فضلاً عن خروج قوة الدفع المائي على نهر الفرات من سيطرة النظام، وخروج 34 محطة توليد من أصل 54 محطة عن الخدمة خلال سنوات الحرب([24]) ([25]). وهو ما يفسر عدم تحسن الكهرباء حتى نهاية 2019 على الرغم من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع الروس والإيرانيين وشركات الطاقة التي شاركت في معرض دمشق الدولي بين 2017 و2019. يُظهر الشكل رقم (4) الانخفاض الحاصل في توليد الكهرباء بين 2011 و2019 من 9000 ميغاواط إلى 5000 ميغا واط، بنسبة 45%.
يعد الحديث عن القطاع العام والخاص في سورية بتجلياته من زراعة وصناعة وتجارة خلال سنوات الحرب حديثاً شائكاً، إذ أرخت الحرب بظلالها على قدرات إنتاجية كبيرة تسببت بزيادة معدلات الاستيراد وفقدان ميزة تغطية الحاجات المحلية وسياسة إحلال الواردات، وهو ما خلق حاجة متزايدة للقطع الأجنبي لتغطية طلبات الاستيراد تلبيةً للاحتياجات الأساسية. كما أن الفساد المستشري جعل الموارد الاقتصادية بيد قلة من "الأولغارشيا" المتحكّمة والمقرّبة من السلطة والتي تبحث دوماً عن المال السهل، ومن جهة أخرى أسهمت العقوبات وتحذيرات الولايات المتحدة للدول من مساعدة النظام والتعامل معه من جعل سورية وقطاعاتها الاقتصادية عبارة عن شبه جزيرة معزولة لا تتعامل إلا مع دول قليلة.
وعلى الرغم من السياسات والوعود والإجراءات في تشغيل العجلة الإنتاجية بالبلد إلا أنها لم ترق إلى ما هو كفيل بإحداث تطور ملموس في الحركة الإنتاجية، فبلغت نسب التراجع في العديد من المنتجات بين 44 - 99% في الفترة بين 2010 و2018 ومن بين القطاعات الإنتاجية المتراجعة في القطاع العام: الإسمنت، الكابلات، البرادات والتلفزيونات، الأسمدة، الجلود المدبوغة، الغزل والأقمشة القطنية، التبغ، حليب مبستر، الزيت النباتي، الطحين والخبز([26]). ولا عجب في هذا التراجع بسبب الإشكال في سلاسل الإمدادات الناجم عن تعسر الاستيراد إما بسبب العقوبات أو سياسات النظام المالية أو لعدم توفر القطع الأجنبي وتذبذب سعر الصرف وأسباب أخرى، فصناعة الملابس بحاجة لاستيراد أقمشة وخيوط، والصناعات البلاستيكية بحاجة لاستيراد حبيبات بلاستيكية، والأدوية بحاجة لاستيراد المادة الدوائية الفعّالة، وصناعة الأجهزة الالكترونية بحاجة لاستيراد قطع الكترونية، وكل هذا وغيره متوقف.
يبين الشكل رقم (5) الانخفاض في مؤشر الصناعة بين 2010 – 2016 من 89 إلى 7 في قطاعات الصناعات الاستخراجية، والصناعات التحويلية: مثل الأثاث والأخشاب والورق والفحم والجلود والمعدات الكهربائية والآلات ومنتجات المطاط والمواد الكيميائية والغذائية والمشروبات، وصناعة الكهرباء والماء. وتشير الوقائع إلى استمرار ضعف الصناعات الاستخراجية والكثير من الصناعات التحويلية بعد العام 2016.
وبلغ عدد الشركات التي تم ترخصيها على مدار العام 2019 نحو 105 شركات فقط في مختلف القطاعات كما يُظهر الشكل رقم (6)، وهو رقم متواضع جداً في الوقت الذي تحتاج فيه سورية إلى عشرات آلاف الشركات لإعادة بناء ما دمرته الحرب. المُلفت للانتباه استحواذ قطاع الخدمات والتجارة على أكثر الشركات المنشأة وهي إشارة إلى انخفاض رؤوس أموال تلك الشركات؛ وعدم المخاطرة والدخول في سوق تعاني من عقوبات وأزمات غير واضحة المعالم وبالتالي الدخول في أعمال ذات طبيعة تجارية وذو كثافة مالية قليلة ولا تحتاج إلى توظيف عاملين كثُر؛ وفشل مقاربة النظام في اجتذاب استثمارات وأموال تسهم في إعادة إعمار البلد على الرغم من التطورات العسكرية على الأرض؛ ويمكن ملاحظة ضعف بطانة وأعوان النظام ورغبتهم في جمع أموال سهلة من خلال التجارة التي تحتوي على طرق فساد كثيرة واستغلال للمواطنين، وعدم المخاطرة في استثمار أموالهم بالصناعة والزراعة في هذا الظرف الذي تمر به سورية.
ومن جملة الشركات التي تم ترخيصها في قطاع الخدمات والتجار: الشحن البري والبحري والاستيراد والتصدير والتجارة العامة والعقارات واللوجستيات والاستثمارات السياحية، في حين كان نصيب قطاع الصناعة 13 شركة عاملة في الاسمنت والأسلاك الكهربائية وصناعة المواد البلاستيكية وصناعة الأدوية، فيما حاز قطاع الزراعة على الحصة الأقل. مع التنويه أن هذا العدد هو ما تم رصده خلال تقارير الواقع الحوكمي الصادرة عن مركز عمران للدراسات. ولا يجب إغفال المشاريع السياحية والعقارية التي تم ترخيصها مثل "ماروتا سيتي" و"جاردن ستي" ومنشآت سياحية في طرطوس واللاذقية في وقت عُدَّت سورية البلد الأفقر في العالم([27]).
وحازت لبنان على المرتبة الأولى بـ27 شركة من حيث مصدر المكون الأجنبي للشركات المرخّصة أو من ساهمت في الترخيص، وتليها الصين بـ5 شركات، ومن ثم العراق والأردن وإيران بـ4 شركات، وجاءت الكويت والإمارات بـ3 شركات، وروسيا وفلسطين وتونس بشركتين، وأخيراً هناك اسبانيا واليمن ومصر والسودان وهولندا بشركة واحدة لكل منها. ويشير اهتمام شركات ذات مكوّن لبناني للعمل في سورية إلى التداخل السوري – اللبناني من خلال مليشيا "حزب الله" الداعم للنظام عسكرياً ومالياً ومادياً، كما يُظهر تركز الشركات في هذه البلدان إلى انحسار انجذاب المستثمرين من بلدان ذات ثقل استثماري مثل أوروبا وأمريكا وبلدان آسيوية، بسبب طبيعة سورية الطاردة للاستثمار جراء العقوبات الدولية المفروضة عليها وعدم التوافق على حل سياسي يضع حداً للأزمة ويؤذن ببداية مرحلة الانتقال السياسي للسلطة وبدء مرحلة إعادة الإعمار، ويمكن القول أن هذه البلدان بعضها حليف للنظام أو لا مشكلة لديه في بقاءه في السلطة.
يتمثل أحد أوجه القصور في الاقتصاد الكلي في الميزان التجاري، كما يوضح الرسم البياني رقم (7) بشكل لا تخطئه العين الميزان التجاري الخاسر بين الصادرات والواردات حتى عام 2017، وتراجعت الصادرات في عام 2018 بنسبة 1% عن العام السابق وبلغت قيمتها الإجمالية 713 مليون دولار، مع الإشارة أن معظم الصادرات هي عبارة عن مواد خام زراعية إضافة للفوسفات ومعادن مثل النحاس والرصاص([28]). بالرغم من أهمية سورية الاستراتيجية كممر يربط القارات إلا أن الأوضاع الأمنية وشلل قطاعات الإنتاج السوري وسياسات الحكومة المالية المتخبّطة لا تسمح بتحسن هذا المؤشر.
وأدى رفع النظام لرسوم ترانزيت مرور الشاحنات عبر المعابر الحدودية البرية في أيلول 2018 إلى انخفاض الصادرات الأردنية إلى وعبر سورية، في الربع الأول من 2019 بعد تصدير ما قيمته 19 مليون دينار (نحو 27 مليون دولار) مقابل 61 مليون دينار (نحو 86 مليون دولار) خلال الفترة ذاتها من العام 2018 حيث بات مرور الشاحنة الواحدة يكلف ألف دولار([29])، جنباً إلى جنب مع مطالبة الملحق التجاري الأمريكي في السفارة الأمريكية في عمّان بحظر أي نشاط تجاري أردني مع سورية([30]).
ولحق قطاع الزراعة بقطاعي الصناعة والتجارة، حيث تراجعت قدرة سورية على إنتاج غذائها بشكل كبير وعلى رأسها المحصول الاستراتيجي، القمح، العنصر الأساسي في صناعة الخبز. وعلى الرغم من الأمطار الجيدة في موسم 2019 وزراعة 1,26 مليون هكتار وهي قرابة 3 أرباع المساحات المزروعة في 2010 بلغ الإنتاج 2170 مليون طن من القمح وهذا يمثل نصف إنتاج العام 2011 كما يبين الشكل رقم (8)، ووصل الإنتاج للقاع في العام 2018 بنحو 1199 مليون طن من 642 ألف هكتار تم حصدها فقط، وهو أدنى إنتاج منذ 29 عاماً([31]).
ويُعزى التحسن الحاصل في موسم 2019 إلى الهطولات المطرية إذ توسّع الإنتاج البعلي ليصل إلى قرابة مليون طن في موسم 2019 ولا يزال المزارعون يواجهون ظروفاً سيئة، فالكثير من المزارعين لم يعد بإمكانهم الحصول على البذار والأسمدة والمازوت والأكياس والعمالة والآلات إما بسبب عدم توفرها أو بسبب غلاء ثمنها فضلا عن هجرة الفلاحين لأراضيهم بسبب النزوح الداخلي والهجرة خارج البلد، ووجود ألغام في بعض حقولهم، إلى جانب محدودية فرص التسويق([32]).
لم يقتصر فشلُ النظام على التعامل مع إشكال نقص محصول القمح، فهناك حالة مغايرة عبر محاصيل حققت فائضاً كبيراً كما في الحمضيات، فشل النظام في إيجاد أسواق لتصريفها في الداخل أو الخارج. ويكاد خط التصريف المحلي لا يتجاوز دمشق وتشير التقديرات إلى استيعاب السوق المحلية ثلث الإنتاج خلال الموسم ما يترك كميات كبيرة جاهزة للتصدير. وبات المزارعون في الساحل يعانون من فائض إنتاجهم وعدم القدرة على تسويق محاصيلهم بأسعار مُجدية إذ يباع الكيلو دون سعر التكلفة، وهو ما دفع البعض لاقتلاع أشجار البرتقال واستبدالها بزراعات استوائية، إذ بلغ عدد الأشجار المقلوعة في 2016 نحو 5086 شجرة وقفز العدد في عام 2017 لـ 20338 شجرة([33]).
وبقيت وعود النظام لمزارعي الحمضيات حبراً على ورق مثل وعود التصدير وافتتاح معامل لتغليف وتسويق الإنتاج ومشروع العصائر، إضافة لعدم استثمار الفاكهة في مجالات التجفيف والمركبات الطبية والغذائية الصحية، فيما لا يتجاوز مجموع ما تم تصديره إلى روسيا 10 آلاف طن أي لا تشكل أكثر من 1% من فائض الإنتاج، ويُشار أن كميات التصدير في العام 2017 لم تتجاوز عملياً 3000 طن من ثمار البرتقال بحسب منظمة الفاو، فيما بلغت كميات التصدير في 2019 نحو 140 ألف طن ولا تشكل سوى 28% من الفائض المتعارف عليه والمقدر بـ500 ألف طن من الثمار([34]).
لم تكن نهاية العام 2019 أسهل من بدايتها مع الارتفاع المتزايد لأسعار السلع والخدمات وتهاوي القوة الشرائية للدخول، وهو ما ساهم في تردي الأوضاع المعيشية للمواطن. يشير الرسم البياني أدناه في الشكل رقم (9) مسيرة مؤشر أسعار المستهلك بين 2010 و2018 ويظهر بوضوح الارتفاع المطّرد فيه ونقطة التحول في العام 2015 بعد خسارة النظام لمساحات جغرافية واسعة ضمّت موارد طبيعية لها مساهمة كبيرة في الموازنة العامة، وهو نفس العام الذي تدخلت فيه روسيا لنجدة النظام عسكرياً. وأسهم الاستنزاف في الموارد والتشظي على الأرض بالتأثير على الأسواق عرضاً وطلباً وأدى لارتفاع معدلات التضخم.
والجدير بالذكر أن الواقع يخالف الأرقام الصادرة عن نشرات المؤسسات الرسمية التابعة للنظام فبعض السلع بلغ الارتفاع فيها أكثر من 1000 و2000%. على العموم أسهمت إجراءات النظام عبر السنوات الماضية في طباعة العملة بدون غطاء إنتاجي أو أصل مالي، إلى زيادة حتمية في معدلات التضخم وللإشارة فقد رفع المصرف المركزي الكمية المعروضة من الليرة في السوق المحلية بأكثر من 289% بين 2010 - 2016 في الوقت الذي بلغ معدل النمو السنوي للمعروض النقدي 16.1% بين 2006 - 2011([35]). كما أن اعتماد موازنات مالية كما هو موضح في الجدول رقم (1) تقوم على التمويل بالعجز خلال السنوات الماضية كانت بمثابة بيئة خصبة لارتفاع الأسعار، حيث ارتفع عجز الموازنة من 195 مليار ليرة عام 2011 إلى 946 مليار ليرة في موازنة العام 2019، وانخفض حجم الموازنة العامة بالدولار من 17 مليار دولار في 2011 إلى 7 مليارات دولار في 2019.
العام |
2011 |
2012 |
2013 |
2014 |
2015 |
2016 |
2017 |
2018 |
2019 |
الموازنة العامة |
1790 |
2288 |
1965 |
842 |
353 |
404 |
519 |
693 |
773 |
النفقات الجارية |
771 |
1420 |
1459 |
558 |
236 |
252 |
352 |
350 |
371 |
النفقات الاستثمارية |
814 |
636 |
387 |
230 |
93 |
104 |
132 |
179 |
219 |
الجدول رقم (1) الموازنات العامة وبنودها الجارية والاستثمارية بين 2011 و 2019 – الرقم بعشرات الملايين- الوحدة دولار - المصدر: المصرف المركزي السوري |
لم يحصل أي تطور ملموس في العام 2019 فيما يتعلق بمؤشر أسعار المستهلك على الرغم من استعادة النظام لمساحات واسعة من المعارضة وإعادة تشغيل المعارض وفتح المعابر الحدودية، إذ واصل المؤشر الارتفاع خلال العام كما يظهر في الشكل رقم (10) من 790 في نهاية 2018 إلى 880 في شهر آب 2019 علماً أن الأشهر التالية شهدت ارتفاعاً أكثر في الأسعار لذا من المتوقع أن يستمر المؤشر في الارتفاع. ويُفسّر الارتفاع العام بالأسعار بجملة من العوامل من بينها: اشتداد وتيرة العقوبات المفروضة على سورية؛ وانخفاض قيمة الليرة السورية؛ واعتماد موازنات ذات عجز مالي كبير وغلبة الإنفاق الجاري على الإنفاق الاستثماري؛ واستمرار هشاشة القطاعات الإنتاجية في البلد من زراعة وصناعة مع عدم قدرة الحكومة على الإيفاء بوعودها؛ وأخيراً عدم جدوى سياسات الرقابة والضبط والإغلاق بالشمع الأحمر وتسيير الدوريات كسياسات حكومية لحماية المستهلك.
وفي صورة أكثر قرباً لتفسير تلك الأرقام وإسقاطها على الوضع الاجتماعي يُظهر الشكل التالي رقم (11) سلّة من المواد الأساسية التي تحتاجها أسرة مكونة من 5 أفراد في دمشق، حيث احتاجت الأسرة في الربع الأخير من 2019 لنحو 380 ألف ليرة سورية لتغطية تكاليفها شهرياً بحسب "مؤشر قاسيون" لتكاليف المعيشة، بلغت تكلفة الغذاء والمشروبات فيها 147 ألف ليرة أي نحو 38% من التكلفة الإجمالية. حجم المشكلة لا يظهر في ارتفاع الأسعار لوحده بل عند مقارنته بمعدل الأجور، إذ بلغ متوسط الأجور 60 ألف ليرة سورية (67 دولار الدولار يساوي 900 ليرة في نهاية 2019) بحسب الزيادة الأخيرة الصادرة في المرسوم التشريعي رقم 23، علماً أن متوسط الأجر بلغ في 2017 نحو 35500 ألف ليرة (68 دولار) وفي 2010 نحو 11350 ألف ليرة (200 دولار). وبالتالي فإن العامل الذي يتقاضى 60 ألف ليرة يحتاج لمضاعفة أجره مرتين ونصف للحاق بتكاليف الغذاء والمشروبات، وبحاجة لمضاعفته نحو 7 مرات للحاق بتكاليف المعيشة الكاملة البالغة حوالي 400 ألف ليرة، وفي حال عدم حصوله على كامل المبلغ سيلجأ لاتباع استراتيجيات التكيف مع شظف العيش من بينها التقشف والاقتصار على شراء الأساسيات فقط، وبيع الأصول، وإخراج الأطفال من المدارس وزجّهم في سوق العمل، وتزويج البنات باكراً، واللجوء إلى الأعمال غير المشروعة، أو الهجرة من البلد.
لقد أدّت الأوضاع المعيشية المتردية والفجوة بين الأجور والتكاليف إلى وقوع معظم السكان تحت خط الفقر بنسبة بلغت 83% لتكون سورية الأكثر فقراً على مستوى العالم([36]). علماً أن حد الفقر يبلغ 1.9 دولار لكل فرد يومياً و285 دولار شهرياً لأسرة مكونة من 5 أفراد، هذا يعني أن الأسرة بحاجة لـ256,500 ألف ليرة (الدولار 900 ليرة في نهاية 2019) شهرياً لتكون على خط الفقر وبالعودة إلى تكاليف الأسرة المعيشية الشهرية والتي تقارب 380 ألف ليرة أو 422 دولار سيكون خط الفقر السوري اليومي عند 2.8 دولار للفرد يومياً، وهذا الرقم أعلى من الخط العالمي للفقر بنسبة 147% أي أن الأسرة السورية عليها أن تمتلك 1.4 ضعف ما يملكه فقراء العالم لتصبح على خط الفقر العالمي. ومع بلوغ الأجر الوسطي 60 ألف ليرة (67 دولار) سنخلص إلى حاجة رفع الأجر ثلاث مرات وربع لتصبح الأسرة على خط الفقر العالمي في سورية.
لم تُفلح إجراءات الحكومة في ضبط الأسعار ومنع التلاعب والاستغلال من كبح لجام السوق السوداء حيث لجأت إلى زيادة عدد دوريات التموين لمراقبة الأسعار ومخالفة التجار غير المتقيّدين بالأسعار الرسمية أو أصحاب المحلات الممتنعين عن البيع، وتم فرض غرامات باهظة على المخالفين، كما لم يُسهم قرار رفع الأجور والرواتب إلا في زيادة معظم أسعار السلع والخدمات، فالزيادة في الأجر يقابلها زيادة في الأسعار ما يحيل إلى تبخر القوة الشرائية للدخل.
ولو أمكن قياس درجة حرارة الشارع السوري، أو مدى رضى المواطن على توفر الخدمات والسلع وقدرته على الشراء لظهر مدى السخط والإحباط من الظروف المعيشية السيئة بسبب الغلاء وانخفاض القدرة الشرائية للدخل، وقد تبدى ذلك في خروج مواطنين في السويداء الخاضعة للحكومة هاتفين "بدنا نعيش" ورفع شعارات في درعا كُتب عليها "ما بدنا ليرة ولا دولار بدنا تنزل الأسعار" جراء ارتفاع الأسعار لمعدلات وصلت لـ1000% في بعض السلع وتبخر القدرة الشرائية للمواطن وانتشار مخاوف من حصول مجاعة([37]).
يجدر التنويه هنا أنه تم تثبيت الفترة الزمنية لسعر الصرف حتى نهاية آذار 2020 ليتسنى تطبيق أدوات التحليل التقنية والأساسية.
أسهمت جميع المعطيات السابقة في تعطيل قدرة الليرة السورية على الصمود في مستوى سعري ثابت بينما قادت السوق السوداء مسيرة الارتفاع في سعر الصرف أمام الدولار قُدماً مدفوعةً بالعقوبات والمُهددات السياسية والعسكرية والاقتصادية جنباً إلى جنب مع المضاربة واستغلال تثبيت المركزي لسعر الصرف. وقد شجعت الأوضاع المضطربة والتذبذب الحاصل في قيمة الليرة لزيادة ظاهرة "الدولرة" في الاقتصاد.
لامس سعر صرف الليرة مقابل الدولار أعلى سعر في السوق السوداء عند 950 ليرة في كانون الأول 2019 فيما بقي سعر الصرف الرسمي عند 434 ليرة، لتنخفض قيمة الليرة بنسبة 94%. وتخلل هذا العام عدة أمور ساهمت في انخفاض الليرة وصعود سعر الصرف في 3 موجات كما يظهر في الشكل رقم (13) يمكن إيجازها بما يلي:
ومن الناحية التقنية، شكل وصول السعر إلى 700 ليرة للمرة الأولى مستوى المقاومة الأول واختراق حاجز نفسي مهم كما يظهر في الشكل رقم (13)، ليصبح اختراقه لاحقاً دافعاً للصعود واختبار مستويات جديدة ملامساً أعلى سعر لليرة عند 950 ليرة ويرسم عند هذا السعر خط المقاومة الثاني، فيما كانت خطوط الدعم بعد كل موجة صعود عند 600 ليرة و755 ليرة. ويبدو الاتجاه الصاعد واضح كما في الشكل رقم (14) عند تطبيق "الوسطي الحسابي المتحرك" لمدة 14 يوم (للمدى القريب) و50 يوم (للمدى المتوسط) كون السعر يتحرك فوق الوسطي الحسابي.
ظهر متغيرٌ طارئٌ استثنائي أثناء فترة إعداد وإخراج التقرير بصعود سعر صرف الليرة أمام الدولار إلى فوق 3000 ليرة جراء أزمة رامي مخلوف مع بشار الأسد والتي تفاعلت خلال نهاية شهر نيسان حتى شهر حزيران الحالي، حول قضية الاتهامات الموجهة لشركة "سيريتل" حيث تغيّرت لهجة رامي مخلوف من مناشدة لبشار الأسد في الفيديو الأول إلى رسائل تحذيرية وتهديد في آخر منشور له في 1 حزيران 2020. وجراء تفاعل الأزمة بين الحكومة ورامي مخلوف واشتداد حدة المضاربة خرجت الليرة عن السيطرة لتصعد يومياً بين 100-300 ليرة وتصل عتبة 3175 في 8 حزيران 2020 لتشهد على إثر ذلك الأسعار العامة ارتفاعاً ملحوظاً واضطراباً حلَّ في الأسواق المحلية.
دخلت سورية مع بداية العام 2020 مرحلة الهبوط من أوسع أبوابه على كافة المستويات. إذ أضاف الاتحاد الأوروبي في 17 شباط 8 رجال أعمال وكيانين إلى قائمة العقوبات بسبب علاقاتهم مع نظام الأسد وتحقيق أرباح عالية جراء تلك العلاقة، وفي 20 شباط فرض مكتب الأمن القومي الأمريكي عقوبات على 12 شخصاً وشركة بينها شركة هندسة عسكرية ومزوّد صيني للاتصالات اللاسلكية ومنتجات الأقمار الصناعية في إطار دعمها لإيران وسورية وكوريا الشمالية، وطبّقت وزارة الخارجية الأمريكية عقوبات على وزير الدفاع علي أيوب تتضمن تجميد أصول وحظر سفر، بسبب مسؤوليته عن العنف والأزمة الإنسانية الكارثية في شمال سورية منذ كانون الأول 2019. ومع اقتراب موعد تطبيق قانون "سيزر" في حزيران 2020 سيكون هناك ضغط أكبر على النظام وداعميه وكل من يتعامل معه على كافة الأصعدة.
ومن المتوقع أن تستمر معاناة النظام في تأمين مواد المحروقات بسبب عدم قدرة إيران على إيصال ناقلات محمّلة بالمحروقات من بنزين ومازت وغاز طبيعي للنظام. كما أن جميع محاولات النظام في تسويق إعادة الإعمار ستبوء بالفشل بسبب تقويضها من الولايات المتحدة عبر قانون "سيزر"، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من التدهور في قطاعي الصناعة والتجارة.
فيما يخص قطاع الزراعة فقد عمد النظام إلى السماح باستيراد القمح جراء العجز المتواصل بين الإنتاج والاحتياج، ما أدخل البلاد في أزمة خبز وأدى نقص المادة في الأسواق إلى ظهور سوق سوداء حيث بيعت ربطة الخبز بـ500 ليرة (10 أرغفة) بينما يبلغ سعرها الرسمي 50 ليرة([38]). ولم تكن موازنة العام 2020 أفضل من سابقاتها ولم يصحح النظام الخطأ الهيكلي في اعتماده على التمويل بالعجز وتحمل ديون محلية وخارجية، إذ اعتمد موازنة بحدود 6 مليارات دولار (الدولار 665) وهي أقل من موازنة 2019 بقيمتها بالدولار وليس بالليرة([39]).
وقفزت أسعار الكثير من السلع التموينية في الأسواق المحلية بشكل غير مسبوق، ولدى مقارنة أسعار عيّنة من المواد في 31 كانون الأول 2019 مع نفس المواد في 28 آذار 2020 ستظهر نسب الارتفاع بين ضعف وأربع أضعاف السعر السابق كما يظهر في الشكل رقم (15). وهي نسب ستؤدي إلى ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك ومعدل التضخم، لذا من المتوقع أن ترتفع هذه التكلفة ساحبة معها تكاليف المعيشة الشهرية للربع الأول في 2020 ارتفاعاً عن 380 ألف ليرة.
لم تكن أسعار الغذاء ما ارتفع فقط، إذ ارتفعت أيضاً أسعار البنزين بكل تصنيفاته بحسب قرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في الأول من آذار 2020، حيث بلغ سعر لتر البنزين المدعوم أوكتان (90) 250 ليرة ارتفاعاً عن 225 ليرة، ومما لا شك فيه أن الارتفاع في أسعار المحروقات ستقود لارتفاع أسعار السلع والخدمات([40]).
وفيما يتعلق بسعر صرف الليرة مقابل الدولار فقد عبّر المرسومين 3 و 4 الصادرين عن بشار الأسد في كانون الثاني من 2020 عن فلسفة النظام الأمنية وتعاطيه مع المعطيات الاقتصادية، إذ تم تشديد الإجراءات الأمنية ضد المتعاملين بغير الليرة، وتصل عقوبة المخالفين حد الاعتقال والسجن 7 سنوات وفرض مبالغ مالية تصل إلى 5 ملايين ليرة، وتشير قرارات كهذه لعجز البنك المركزي عن استخدام أدوات السياسة النقدية كالتدخل بضح دولار في الأسواق ورفع معدل الفائدة لكبح جماح التضخم وحماية الليرة. وعلى الرغم من الإجراءات الأمنية مع المخالفين إلا أن الليرة استمرت في الهبوط([41]).
وشكل سعر صرف الليرة مقابل الدولار موجة الصعود الرابعة بين كانون الثاني وآذار مسجلاً أعلى سعر في 26 آذار 2020 عند 1360 ليرة كما يظهر في الشكل رقم (16). وساهم في هذا الارتفاع تصاعد وتيرة الأزمة المالية في لبنان طالت الاحتياطات بالعملات الأجنبية وإعلان الحكومة في 8 آذار عن تعليق سداد سندات "يوروبوند" للمرة الأولى في تاريخ لبنان؛ ومن ثم جاء إعلان الحكومة عن أول إصابة بفيروس "كورونا" في سورية في 22 آذار واتخاذ جملة من الإجراءات في إطار الحجر الصحي الجزئي.
ومع تطبيق اتجاه متسارع، trend line exponential على الرسم البياني في الشكل رقم (17) حتى نهاية 2020 سيظهر سيناريو ارتفاع سعر الصرف إلى مستوى 2000 ليرة أمام الدولار.
يواجه الاقتصاد السوري جملة من العوامل خلال عام 2020، تجعل الواقع أكثر صعوبة ويُنذر باستنزاف متزايد لجيوب السوريين وتعبهم ومن بينها ما يلي:
العقوبات: لم تثبت التجارب التاريخية نجاعة العقوبات في تعديل سلوك الأنظمة الشمولية، إلا أن ما طُبّق من عقوبات على سورية وإيران، ومن ثم فقانون "سيزر" كفيل بزيادة الخناق على النظام وتقييد قدرته على التهرب والالتفاف على العقوبات، إذ من شأن القانون فرض عقوبات على الأفراد الأجانب الذين يبيعون أو يوفرون كميات يُعتدّ بها من سلع أو خدمات أو تكنولوجيا أو معلومات تيسّر أو توسّع نطاق الإنتاج النفطي السوري الحكومي المحلي، وخدمات بناء أو هندسة وطائرات أو قطع غيار أو خدمات أخرى للحكومة، وبالتالي قد يشهد قطاع الطاقة مزيد من التدهور وشح متزايد في المحروقات، وإيقاف مساعي النظام في تسويق ملف إعادة الإعمار وأخيراً إفشال أي محاولة لإعادة الشرعية للأسد وإعادة العلاقات كما كانت.
تخلي الدولة عن الدعم: تخلّي النظام عن دعم المواد الأساسية من غذاء ومحروقات يخفف عن كاهله مبالغ مالية كبيرة وأعباءً اجتماعية لكنها في نفس الوقت تزيد من ارتفاع الأسعار ومن سخط المواطنين على النظام.
حلفاء الأمس: أسهمت العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، بسبب مساندتها النظام وتدخلها في سورية، والأزمة الاقتصادية في لبنان، والضغوط الاقتصادية على روسيا، للحد من قدرة تلك البلدان على مساعدة النظام مالياً ومادياً التي لطالما اعتبرها حليفاً له.
كورونا: تشكل جائحة كورونا ضيفاً ثقيل الظل على سورية على مستوى الحكومة والاقتصاد والمواطن، إذ تواجه سورية هذا الفيروس وسط نظام رعاية صحي متردٍ جداً فـ50% من المشافي خارج الخدمة وتراجع إنتاج الأدوية لأكثر من 50% وهرب أكثر من ثلثي العاملين في مجال الرعاية الطبية من البلاد إضافة إلى ارتفاع أسعار مئات الأصناف من الأدوية. ومع انتشار الوباء في سورية ارتفع سعر الكمامة إلى 3500 ليرة من 30 ليرة، وسعر عبوة مطهر اليدين من 250 إلى 500 ليرة وزجاجة الكحول الطبية بلغ سعرها 2500 ليرة بعدما كانت 500 ليرة.
تشظي البلاد: يُسهم استمرار اندلاع عمليات عسكرية كما في العملية التركية "درع الربيع" في آذار 2020 وعدم التوصل لاتفاق مع الإدارة الذاتية في شمال شرق الفرات، بضغوط متزايدة على الاقتصاد السوري جراء توزع الأدوار والثروات.
أسهمت عسكرة الدولة وسوء إدارة النظام للاقتصاد قبل الثورة لترسيخ إشكالات هيكلية رافقت الاقتصاد السوري خلال العقود الماضية التي سبقت الثورة، ومع تنامي هذين العاملين وتغوّل النظام في الحلول الأمنية وزج أفراد الجيش واستخدام كافة أنواع الأسلحة لقمع المتظاهرين وإعادة السيطرة على المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وزاد حجم الإنفاق العسكري فاستنزف الاحتياطي الأجنبي في البنك المركزي وهبطت قيمة الليرة إلى أدنى مستوى لها وتردت مستويات المعيشية وارتفع حجم الديون الخارجية لصالح إيران وروسيا.
واتبع المجتمع الدولي سياسة فرض العقوبات والعزلة الدولية لتعديل سلوك النظام القمعي ومنع أي تحركات إقليمية ودولية لإعادة الشرعية للنظام وتمرير أموال إعادة الإعمار، فراقبت الولايات المتحدة وأوروبا عن كثب الكيانات ورجال الأعمال والمقرّبين من النظام الذين ساهموا في تطوير البلد وإعادة الإعمار وتم تطبيق عقوبات عليهم، وأثّرت العقوبات الأمريكية على إيران على المساعدات المقدمة للنظام فعانت سورية من شح شديد في المحروقات أدى لارتفاع أسعارها في الأسواق المحلية، وأغلقت الأزمة الاقتصادية في لبنان المتنفس الوحيد الذي يستخدمه النظام في تعاملاته المالية والاقتصادية مع العالم. ومع نهاية العام 2019 فرضت الولايات المتحدة على سورية عقوبات شديدة ضمن قانون "سيزر" ليلامس سعر صرف الليرة مقابل الدولار أعلى سعر في تاريخه عند 950 ليرة.
ولاحقاً في عام 2020 أصبح الاقتصاد على أعتاب انهيار متسارع بعد ظهور وباء كورونا واشتداد الأزمة الاقتصادية في لبنان واقتراب موعد سريان قانون "سيزر" في شهر حزيران واندلاع عمليات عسكرية في الشمال، وهو ما رسم صورة قاتمة لمستقبل سورية قد يجعلها بلداً معزولة ومتخلفة في كافة المؤشرات.
وبيّن التقرير في تحليل الجانب التقني لسعر صرف الليرة السورية حتى الربع الأول من 2020 سلوك الليرة أربع موجات صعود بعد اختراق مستوى 700 ليرة و950 ليرة و1230 ليرة و1360 ليرة وأظهر استخدام المتوسط المتحرك على المدى القريب والمتوسط والاتجاه المتسارع احتمال صعود السعر إلى 2000 ليرة في نهاية العام 2020.
انعكس تردي أوضاع الليرة والإنتاج على مؤشر أسعار المستهلك ليرتفع حتى شهر آب 2019 إلى 880 ومن المتوقع أن يتجاوز الرقم مستوى 1000 مع التحديثات التي حصلت على الأرقام والمؤشرات بعد ذلك الشهر. ولدى مقارنة أسعار مجموعة من السلع الأساسية بين 31 كانون الأول 2019 و28 آذار 2020 تبين ارتفاع الأسعار ضعف وأربع أضعاف السعر السابق، وهو ما سيزيد من تكاليف احتياجات الأسرة من 5 أفراد إلى أكثر من 380 ألف ليرة في الربع الأخير من 2019، ولم تفلح سياسة زيادة الأجور إلى 60 ألف ليرة إلا لمزيد من ارتفاع المعدل العام للأسعار. وبدورها ساهمت الزيادة في الأسعار والارتفاع في تكاليف المعيشة والانخفاض المتواصل في بيئة العمل، إلى زيادة معدلات الفقر لتتربع سورية على عرش أفقر دولة في العالم بوقوع 83% من السكان تحت خط الفقر.
أخيراً وبعد تسع سنوات من الثورة ومن ممارسات النظام العسكرية وإدارته السيئة للاقتصاد يبدو جلياً أن عام 2019 كان الأسوأ على النظام من حيث فرض مزيد من العقوبات واحتدام أزمة المحروقات وانخفاض قيمة الليرة وفشل جهوده في إعادة الإعمار وعودة الشرعية، والأسوأ على المواطن بعد تزايد الأسعار وتآكل القوة الشرائية وحرماناً متعدد الأبعاد، وهو ما يدخل البلاد في سيناريو كارثي خلال الشهور المقبلة. ولا يمكن الحديث عن أي تغير إيجابي في المؤشرات دون وضع البلد على سكة الانتقال السياسي للسلطة وفق القرارات الدولية ذات الشأن بالملف السوري، وإيقاف العسكرة وإدارة الاقتصاد من أشخاص ذوي كفاءات عالية قادرين على تصحيح ما آلت إليه الأوضاع.
التاريخ |
البلد |
القطاع/النوع |
الوصف |
21 كانون الثاني |
أوروبية |
الإنشاء وإعادة الإعمار |
محكمة الاتحاد الأوروبي تفرض عقوبات على شركة بنا العقارية وشام القابضة |
21 كانون الثاني |
أوروبية |
الإنشاء وإعادة الإعمار |
إضافة 11 رجل أعمال و5 مؤسسات للعقوبات لدعم/استفادة من النظام من خلال المشاركة في تطوير عقارات فاخرة ومشاريع تدعم النظام. |
21 كانون الثاني |
أوروبية |
محاسبة |
إضافة 9 أشخاص ومؤسسة للعقوبات المفروضة على استخدام النظام للأسلحة الكيميائية، تشمل تجميد أصول ومنع سفر. |
21 كانون الثاني |
ألمانية |
مكافحة إرهاب |
منع خطوط الطيران الإيرانية "mahan air" من تشغيل رحلات الركاب من وإلى مطاراتها بسبب نقل المليشيات ومعداتهم إلى سورية وبلدان الشرق الأوسط الأخرى التي تشهد نزاعات. |
24 كانون الثاني |
أمريكية |
مكافحة إرهاب |
فرض عقوبات على مليشيات مدعومة من إيران لها مقرات في سورية، فاطميون ولواء زينبيون، لتقديم الدعم المادي لفيلق الحرس الثوري الإسلامي، قدس. |
6 شباط |
أمريكية |
محاسبة |
أقر مجلس الشيوخ الأمريكي بالأغلبية قانون سيزر القاضي بفرض عقوبات على النظام وداعميه. |
8 شباط |
أوروبية |
تجارة وصناعة |
تجديد العقوبات السنوية على رجل الأعمال وائل عبد الكريم وشركة الكريم للتجارة والصناعة في سورية. |
4 آذار |
أوروبية |
محاسبة |
الاتحاد الأوروبي يضيف سبع وزراء لقائمة العقوبات السورية (حجز أصول ومنع سفر) على خلفية التغييرات الحكومية في سورية. |
7 آذار |
أوروبية |
محاسبة |
المحكمة الأوروبية ترفض رفع العقوبات عن مؤسسات مرتبطة برامي مخلوف هي: شركة صروح، والمشرق للاستثمار، ودريكس تكنولوجي. |
27 آذار |
أمريكية |
النفط |
نشر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية تقريراً حول المخاطر التي تواجه الأطراف المشاركة في شحنات النفط للحكومة السورية بغض النظر عن مواقع أو جنسية أولئك الذين يسهلون هذا الدعم. |
29 آذار |
أوروبية |
محاسبة |
دول مقدونيا وصربيا وألبانيا والبوسنة توافق على قرار الاتحاد الأوروبي بتمديد العقوبات على سورية |
8 نيسان |
بريطانيا |
مكافحة غسيل الاموال |
نشرت بريطانيا لوائح بموجب قانون العقوبات ومحافظة غسل الأموال لعام 2018 بشأن سورية والذي سيدخل حيز التنفيذ بعد أن غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق. |
9 أيار |
أمريكية |
محاسبة |
تجديد العقوبات على سورية لمدة عام بسبب وحشية النظام وقمع الشعب السوري وما يتعلق باستخدام الاسلحة الكيميائية |
10 أيار |
أوروبية |
محاسبة |
رفضت المحكمة الأوروبية طلب عمار شريف لإلغاء العقوبات الخاصة به |
17 أيار |
أوروبية |
محاسبة |
تجديد العقوبات المفروضة على سورية لمدة عام حتى 1 حزيران 2020 على خلفية العنف الممارس من النظام ضد المدنيين |
23 أيار |
بريطانية |
التمويل |
مصادرة 25 ألف جنيه استرليني من ابنة أخت بشار الأسد، أنيسة شوكت، بعد استخدام حسابها المصرفي للتهرب من العقوبات والاحتفاظ بأموال النظام السوري. |
29 أيار |
بلجيكية |
الأسلحة الكيميائية |
أدانت المحكمة الجنائية في بلجيكا 3 شركات وشخصين من مدراءها الإداريين بانتهاك عقوبات الاتحاد الأوروبي لتصدير مواد كيميائية إلى سورية دون ترخيص، احتوت 24 عملية تسليم للنظام بينها 160 طن من مكونات غاز السارين |
12 حزيران |
أمريكية |
إعادة الإعمار |
حدد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكية، سامر فوز وأقاربه حسين وعامر فوز و13 كياناً يملكها سامر فوز يقوم بأعمال إعادة الإعمار وإعادة تطوير سورية. |
24 حزيران |
أمريكية |
محاسبة |
فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على خامنئي وثمانية من كبار القادة العسكريين في إيران. واستهدفت تصفير إيرادات النفط الإيرانية ومنع أي دولة وشركة للتعامل معها في هذا المجال. |
4 تموز |
بريطانية |
النفط |
الاستيلاء على ناقلة عملاقة "غرايس 1" شرق جبل طارق يشتبه أنها خرقت عقوبات الاتحاد الأوروبي عن طريق نقل النفط الخام إلى مصفاة بانياس في سورية. |
8 تموز |
بريطانية |
النفط |
اعتمد جبل طارق لوائح قانون العقوبات لعام 2019 والاعتراف والتنفيذ التلقائي لجزاءات الأمم المتحدة والاتحاد الاوروبي والمملكة المتحدة. |
15 آب |
أمريكية |
النفط |
طلبت وزارة العدل الأمريكية الاستيلاء على الناقلة الإيرانية "جريس 1" التي احتجزتها في جبل طارق للاشتباه في اختراق عقوبات أوروبا على سورية |
16 آب |
أمريكية |
النفط |
أشارت وزارة الخارجية الأمريكية أن الناقلة "غريس 1" كانت تساعد الحرس الثوري الإسلامي عن طريق نقل النفط من إيران إلى سورية، وحذرت الوزارة من عواقب وخيمة على أي فرد مرتبط بالناقلة |
23 آب |
أمريكية |
محاسبة |
حذرت الولايات المتحدة من مشاركة الشركات التجارية والأفراد في معرض دمشق الدولي وتعاملهم مع النظام السوري وهو ما قد يعرضهم للعقوبات. |
29 آب |
أمريكية |
محاسبة التمويل |
أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية بنك جمال ترست على لائحة العقوبات لتقديمه خدمات مصرفية لحزب الله ومؤسسة الشهداء في إيران. |
2 أيلول |
أمريكية |
النفط |
طبق مكتب مراقبة الأصول الأجنبية ناقلة "أدريان درايا 1" كممتلكات محجوزة، وربان الناقلة كومار أخليش من الحرس الثوري الإيراني. |
6 أيلول |
أمريكية |
مكافحة الإرهاب |
أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية 16 كياناً و10 أفراد وحدد 11 سفينة شحن كممتلكات محجوزة. وهؤلاء هم شبكة تتألف من مسؤولين وشركات شحن وتأمين يديرها الحرس الثوري الإيراني الداعم للنظام السوري. |
10 أيلول |
أمريكية |
محاسبة والتمويل |
عاقب مكتب مراقبة الأصول الأجنبية قائمة من الأشخاص والشركات بتهمة تقديم الدعم المالي لجماعات مصنفة إرهابية، ومن بينها شركة سكسوك للصرافة في تركيا ولبنان وسورية، وشركة الحرم للصرافة، والخالدي، والحبو للمجوهرات. |
11 أيلول |
بريطانية |
النفط |
اتهمت إيران بتسليم النفط لنظام الأسد في انتهاك لتأكيداتها أنها لن تسلم النفط لأي كيان في سورية أو مكان آخر يطبق عليه عقوبات في أوروبا بعد إطلاق سراح سفينة "أدريان داريا 1". |
20 أيلول |
أمريكية |
مكافحة الإرهاب |
استهداف البنك المركزي الإيراني وصندوق التنمية الوطنية الإيرانية وشركة اعتماد للتجارة. |
23 أيلول |
بريطانية |
محاسبة |
اتهام شركة دان بونكيرنع بانتهاك العقوبات على سورية في أوروبا من قبل المدعي العام الدينماركي، بزعم أن الشركة باعت ما لا يقل عن 30 ألف طن من وقود الطائرات لنظام الأسد. |
30 أيلول |
أمريكية |
النفط |
حدد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية كيان (شركة مارتيم) و3 أشخاص و5 سفن قيل إنها سهلت إيصال وقود الطائرات إلى القوات الروسية في سورية. |
14 تشرين الأول |
أمريكية |
الأسلحة الكيميائية |
مدد المجلس الأوربي التدابير التقييدية التي تتناول استخدام الأسلحة الكيميائية وانتشاراها حتى 16 تشرين الأول 2020، وتشمل حظر السفر وتجميد الأصول على 9 أشخاص وكيان، 5 منهم مرتبطين بنظام الأسد. |
25 تشرين الأول |
كندية |
محاسبة |
تطبيق عقوبات على المواطن السوري الكندي نادر محمد قلعي، بسبب خرقه التدابير الاقتصادية الخاصة بسورية بعد دفع ما يعادل 140 ألف دولار كندي إلى شركة العقارات والاتصالات السورية. |
28 تشرين الأول |
بريطانية |
محاسبة |
فرض مكتب العقوبات المالية عقوبة قدرها 146,341 ألف جنيه استرليني على شركة تاليا المحدودة للتوظيف لخرقها لوائح العقوبات على سورية. |
19 تشرين الثاني |
أمريكية |
مكافحة الإرهاب |
حدد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية 2 من وكلاء المشتريات في "داعش" ومقرهما تركيا و4 شركات مرتبطة بـ"داعش" تعمل في سورية وتركيا والخليج وأوروبا لتقديم الدعم المالي واللوجستي لـ"داعش". |
18 كانون الأول |
أمريكية |
محاسبة |
صادق مجلس الشيوخ الأمريكي على قانون "سيزر لحماية المديين السوريين عام 2019" يسمع بفرض عقوبات على مسؤولين وقادة عسكريين ومدنيين سوريين وكل من يثبت تورطه في الأعمال الوحشية في سورية. |
21 كانون الأول |
أمريكية |
محاسبة |
ترامب يوقع على قانون سيزر ليصبح ساري المفعول |
الجدول رقم (1) العقوبات الأمريكية والأوروبية على النظام السوري خلال 2019 المصدر:
Enab Baladi, US department of treasury, European sanctions
([1]) استقى الباحث فكرة التقرير وبيانات كثيرة للاقتصاد السوري على التقارير الصادرة خلال عام 2019 من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، مؤشرات الواقع الحوكمي وإعادة الإعمار في مناطق سيطرة النظام السوري خلال عام 2019 انهيار متواصل، واعتمادية متنامية، رابط: https://t.co/tf26VRsiug?amp=1
([2]) المحمود حمود، اقتصاد الحرب في الصراع السوري: تكتيك "دبر راسك"، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 23 تموز 2015، رابط:
https://carnegie-mec.org/2015/07/23/ar-pub-60273
([3]) الإنفاق العسكري في سورية من 1988 – 2011 ونسبتها من الإنفاق الحكومي ومن الناتج المحلي الإجمالي، معهد ستوكهولم للسلام، المصدر:
https://www.sipri.org/databases/milex
([4]) خسائر الاقتصاد السوري تقترب من ترليون دولار والتعافي يحتاج 20 عاماً، cnbc عربية، رابط يوتيوب: https://bit.ly/2Use3kQ
([5]) الموازنة العامة في سورية لعام 2019: أداة لتمويه الواقع الاقتصادي، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 24 كانون الأول 2018، رابط مختصر: https://bit.ly/2YOJxVi
([6]) سورية مواجهة التشظي، المركز السوري لبحوث السياسات، تقرير يرصد آثار الأزمة السورية خلال العام 2015، شباط 2016.
([7]) سورية مواجهة التشظي، المركز السوري لبحوث السياسات، مصدر سابق.
([9]) رجال أعمال "ماروتا سيتي".. تحت عقوبات الاتحاد الأوروبي، المدن، 22 كانون الثاني 2019، رابط مختصر: https://bit.ly/33WNIPv
([10]) معرض دمشق الدولي نجاح إعلامي تكذبه الأرقام، عنب بلدي، 6 أيلول 2019، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/326378
([11]) واشنطن تفرض عقوبات على شركات سورية مختصة بتحويل الأموال، عنب بلدي، 11 أيلول 2019، رابط: https://bit.ly/2AZZnT6
([12])يازجي جهاد، مصائب سورية الاقتصادية المتزايدة: الأزمة اللبنانية، قانون قيصر، ثم فيروس كورونا، 26 آذار 2020، مبادرة الإصلاح العربي، رابط: https://bit.ly/2w9bADc
([13]) هكذا تغزو إيران سورية اقتصادياً، إيران انسايدر، رابط مختصر: https://bit.ly/2X4qdTr
([14]) تصريح لرئيس الحكومة عماد خميس في مجلس الشعب، كانون الثاني 2019، موقع الحل السوري، رابط مختصر: https://bit.ly/3azasaX
([15]) أزمة البنزين: الائتمان الإيراني متوقف.. بانتظار التنازلات؟، المدن، 17 نيسان 2019، رابط مختصر: https://bit.ly/2UQ3Uhp
([16]) تصريح لوزير النفط والثروة المعدنية، علي غانم أثناء مداخلة للوزير في مجلس الشعب في أكتوبر 2019، رابط: https://www.syria-oil.com/11938/
([17]) أخبار النفط والغاز السوري، تشرين الأول 2019، رابط: https://www.syria-oil.com/11935/
([18]) أخبار النفط والغاز السوري، شباط 2020، رابط: https://www.syria-oil.com/12859/
([19]) أخبار النفط والغاز السوري، شباط 2020، رابط: https://www.syria-oil.com/12917/
([20]) اسطوانة الغاز تنخفض إلى 7 آلاف ليرة في السوق السوداء، 12 كانون الثاني 2019، عنب بلدي، رابط: https://bit.ly/2AZZnT6
([21]) شباط فادي، في "سوريا الأسد".. هل أصبح التقنين الكهربائي إنجازاً؟، 21 آذار 2019، اقتصاد، رابط: https://www.eqtsad.net/news/article/24384/
([22]) فارس محمد، سوريا الحنين إلى الكهرباء، 15 نيسان 2019، درج، رابط: https://daraj.com/16640/
([23]) شباط فادي، في "سوريا الأسد".. هل أصبح التقنين الكهربائي إنجازاً؟، مصدر سابق.
([24]) مكية أسامة، قطاع الكهرباء في سورية ينهار تحت وطأة الحصار، 12 آذار 2016، الحل، رابط مختصر: https://bit.ly/33XlXXd
([25]) فارس محمد، سوريا الحنين إلى الكهرباء، مصدر سابق.
([26]) ما هي أهم الصناعات العامة المتوقفة والمتراجعة؟، قاسيون، 24 شباط 2020، رابط: https://bit.ly/2WXoS0t
([27]) سورية الأكثر فقرا في العالم، عنب بلدي، 22 شباط 2002، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/365162
([28]) محمود عشتار، الصادرات السورية خام ومتراجعة في 2018، قاسيون، 6 آب 2019، رابط: https://kassioun.org/economic/item/62551-2018
([29]) مرور الشاحنة الواحد عبر سورية يكلف ألف دولار، بروكار برس، 26 نيسان 2019، رابط مختصر: https://bit.ly/3ayoKsl
([30]) أمريكا تطالب تجار الأردن بمغادرة أسواق النظام بأسرع وقت، بروكار برس، 24 آذار 2019، رابط مختصر: https://bit.ly/2youxT6
([31])الطقس غير المستقر والنزاع الذي طال أمده يلحقان الضرر بالإنتاج الزراعي في سورية، 9 تشرين الأول 2018، منظمة فاو الدولية، رابط مختصر: https://bit.ly/2JGfkzj
([32]) موسم 2019 مليونا طن من القمح ومثلها من الشعير، 9 أيلول 2019، قاسيون، رابط: https://www.kassioun.org/economic/item/62853-2019
([33]) موسم الحمضيات الحقول عامرة بالخير ماذا عن التسويق، 10 كانون الأول 2018، سانا، رابط: https://www.sana.sy/?p=859529
([34]) توزع عوائد الحمصيات بين المنتجين والتجار والمصدرين، قاسيون، 3 شباط 2020، رابط: https://bit.ly/2QXNHpq
([35]) ظاهر جوزيف، الأسباب العميقة لتدهور قيمة الليرة السورية، 31 كانون الثاني 2020، مسارات الشرق الأوسط، رابط مختصر: https://bit.ly/3bJDS6u
([36] سورية الأكثر فقراً في العالم، 22 شباط 2020، عنب بلدي، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/365162
([37]) احتجاجات السويداء تتمسك بـ«مطالب معيشية» وتبتعد عن السياسة، 19 كانون الثاني 2020، الشرق الأوسط، رابط مختصر: https://bit.ly/3dPE9Xp
([38]) السماح باستيراد الطحين للجميع أزمة خبز مستمرة في سوريا، 30 آذار 2020، عنب بلدي، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/373805
([39]) حداد وجيه، موازنة 2020 السورية: التمويل بالعجز، 29 تشرين الأول 2019، المدن، رابط: https://bit.ly/2V4CeFR
([40]) سوريا ترفع أسعار البنزين، 1 آذار 2020، روسيا اليوم، رابط: https://bit.ly/2xEthLi
([41]) مراسيم الأسد لمواجهة "الدولرة"... صارمة لكنها هشة، عنب بلدي، 2 شباط 2020، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/359970
رأى الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، معن طلَّاع، أثناء حديثه مع العربي 21 " حول انخفاض قيمة الليرة السورية ومدى تأثير ذلك على نظام الأسد. أن "التحديات ما بعد الحرب، يكون لها عادة تداعيات أكبر من فترة الحرب ذاتها. لذلك يحاول الأسد التهرب من تلك التداعيات، عبر الإبقاء على استمرار الحرب، كسبا للوقت، وأملاً في التكيف مع هذه التحديات"
متابعاً القول أن "سير العقوبات الاقتصادية على النظام، وأزمات ما بعد الحرب، في ظل استنزاف تام لقدرات الدولة والحكومة، ورهن كل موارد الدولة لخدمة العجلة العسكرية، فرضت نفسها الآن". ووفقاً لرأي الباحث، فإن كل هذه التداعيات، والاقتصادية منها على وجه التحديد، ستساهم في مكان ما بزيادة التحديات، والغرق في الأزمات أكثر.
وقال طلاع: "لكن الغرق في الأزمات، لا يبرر الإفراط في التفاؤل بحتمية سقوط النظام السوري من الأوساط المعارضة، فالنظام السوري نظام شمولي، وعوّدتنا هذه النوعية من الأنظمة أن الأزمات الاقتصادية لا تعنيها كثيراً".
مضيفاً أن "هذه الأزمات غالباً ما تتحمل تبعاتها الحاضنة الشعبية، بينما لا يعني النظام إلا البقاء في السلطة، وهذا ما بات يتضح من خلال مسار العملية السياسية"، مشيراً إلى "تجاوز الأسد لكل ما ينص عليه القرار الأممي 2254، بدءاً من المرحلة الانتقالية، كما أنه يتم تجاوز الدستور".
وكذلك، فإن ما يهم النظام، وفق طلاع، هو "إعادة تمكين أجهزته الأمنية، وإيجاد هامش له في ظل علاقاته مع الحلفاء، للمناورة والتفاوض وتقديم الصفقات، مثل إعادة اللاجئين مقابل إعادة الإعمار، وهذه الصفقات قد تكون عبر شبكات اقتصادية جديدة".
وبهذا المعنى، يعتقد الباحث أن الأزمة "قد تدفع بالنظام إلى تقديم المزيد من التنازلات الاقتصادية مع الحلفاء"، خاتماً بالقول: "بعبارة أخرى، النظام اليوم في مرحلة تصدير الأزمة الاقتصادية، لتكون تداعياتها على الشعب فقط، وليس عليه من الناحية السياسية والأمنية".
المصدر: http://bit.ly/33Nl2qq