شارك مركز عمران ممثلاّ بالباحث محمد العبدالله، في حضور مؤتمر عقده معهد William Glasser بالتعاون مع منظمة قدرة في مدينة استنبول بتاريخ 8 و 9 تشرين الثاني 2018 بعنوان: "جودة الحياة في القيادة التربوية: نظرية الاختيار من أجل بناء تعليم فعال في عالمنا".
تمثلت أهداف المؤتمر في تقديم مفهوم جودة الحياة في المجال التعليمي والمدرسي من أجل تشارك أفضل الممارسات في تطوير التعليم والأداء القيادي التربوي، وتطوير بيئات تعلم فعَّالة في المؤسسات التعليمية والمدارس. وذلك من خلال عرض أفضل الأطر لنظرية الاختيار وممارساتها وأطر القيادة المرتكزة على الاختيار والمسؤولية وممارساتها في المؤسسات والهيئات التعليمية وتطبيقاتها وخاصة في المنطقة العربية.
أثمرت الجهود التركية على المستوى الدبلوماسي والميداني في تجنيب إدلب معركة دامية كان من الممكن أن تؤدي إلى كارثة إنسانية بكل المقاييس، وذلك عبر اتفاق سوتشي الذي توصل إليه الرئيسان التركي والروسي في 17 أيلول/سبتمبر 2018. وبالرغم من الارتياح والترحيب الدولي والمحلي بالاتفاق، والناتج عن النظر إليه من زاوية إنسانية؛ إلا أن الاتفاق يطرح جملة من التساؤلات حول تفصيلاته وآلياته التنفيذية، وما سيفضي إليه أخيراً، وبخاصة حول مستقبل إدلب وما تمثله من ثقل عسكري وسياسي كمعقل أخير للمعارضة السورية.
ولا يعد الاتفاق من حيث الشكل مختلفاً عما سبقه من اتفاقات بين أطراف أستانة حول مناطق خفض التصعيد، وبخاصة اتفاق ضم إدلب إلى تلك المناطق في أستانة 6، حيث تبدو تلك الاتفاقات في ظاهرها إنقاذاً لأرواح المدنيين وفتحاً للمجال أمام الحلول السياسية، ولكن مؤداها يكون مكاسب منخفضة التكلفة لموسكو تتيح لها قضم مناطق المعارضة الواحدة تلو الأخرى، وهو الأمر الذي يدفع إلى طرح التساؤلات التالية:
وعليه، تسعى هذه الدراسة إلى الإجابة عن التساؤلات السابقة، وفق عدة مداخل، بدءاً بتحليل المقدمات التي أفضت إلى اتفاق "سوتشي" حول إدلب والظروف المحلية والإقليمية والدولية التي رسمت سياقه، وذلك ضمن حسابات الربح والخسارة بالنسبة لطرفيه (روسيا وتركيا)، مقابل تفكيك التحديات التي تعترض الاتفاق ولاتزال، سواء ما يتعلق منها بتفصيلاته وآلياته التنفيذية، أو تلك المتعلقة باستدامته على المدى البعيد، خاصة بالنسبة للدور التركي وموقعه الوظيفي من الاتفاق، فنجاح أنقرة في تنفيذ الجزء المتعلق بالمنطقة العازلة لا يعدو كونه تذليلاً للعقبات الصغرى وتقدماً مرحلياً ستعقبه مراحل أكثر صعوبة. لتتوصل الدراسة إلى نتائج تمثل إجابات عن تساؤلاتها وتقدم استشرافاً لمستقبل منطقة خفض التصعيد الرابعة في ظل هذ الاتفاق، إضافة إلى تقديمها عدة توصيات مباشرة مبنيّة على أساس النتائج وتشخيص التحديات وكيفية تجاوزها.
أولاً: الاتفاق بين موسكو وأنقرة (الرابح والخاسر)
نجحت تركيا في وقف العجلة الحربية الروسية المنتشية بانتصاراتها السابقة في مناطق "خفض التصعيد" من التقدم إلى إدلب، وذلك بالتحرك على مستويين محلي- إقليمي ودولي، حيث اعتمد التحرك التركي على إتقان اللعب على المتناقضات والمصالح المتشابكة للدول المعنية بالملف السوري على تلك المستويات، فعلى المستوى المحلي عززت تركيا نقاط المراقبة الخاصة بها في ريف حماه وزادت عدد قواتها في إدلب، كما طلبت من الفصائل الحليفة لها ضمن تشكيلات "درع الفرات" و"غصن الزيتون" الاستعداد للمشاركة في المعركة، ونشرت أخبار عن إدخالها شحنات سلاح نوعي للمعارضة، الأمر الذي ساهم برفع معنويات فصائل المعارضة في "الجبهة الوطنية للتحرير" وعزز رغبتها بالدفاع عن مواقعها ورفض سيناريو المصالحات على غرار ما حدث في ردعا، وانعكست بالنتيجة تلك الروح المعنوية على الشارع في إدلب، والذي شهد تظاهرات بزخم كبير رافضة للمعركة.
على المستوى الإقليمي استغلت تركيا الموقف الأمريكي المتصلب اتجاه طهران وحاجة الأخيرة للموقف التركي الرافض للالتزام بالعقوبات الأمريكية حيالها، ونجحت في تحييدها عن المعركة، مُستفيدة من موقف أوروبي منسجم مع الموقف التركي من المعركة، خاصة ألمانيا وفرنسا، وبالتالي فإن طهران لن تغامر بتوتير الجو مع الاتحاد الأوروبي الرافض للانسحاب من الاتفاق النووي، ومع الدول التي تقود وساطة مع الولايات المتحدة بخصوص هذا الاتفاق، حيث اختارت طهران عدم توريط ميليشياتها في معركة على منطقة لا تعتبرها ضمن "سورية المفيدة" بالنسبة لها، خاصةً بعد تنفيذ اتفاق إخلاء كفريا والفوعة، وفي وقت تغرق فيه تلك الميليشيات في مستنقع داعش بريف دير الزور.
على المستوى الدولي أيضاً نجحت تركيا باستمالة الموقف الأوروبي لتأييدها، وذلك بلعب ورقة اللاجئين والتلويح بأن أي موجة لجوء ناجمة عن معركة في إدلب لن تقتصر أثارها على تركيا وحدها، وإنما ستطال أوروبا، وهو الأمر الذي يخلق مشكلة حقيقية وكابوساً بالنسبة للحكومات الأوروبية التي تواجه صعوداً لليمين المتطرف واحتجاجات شعبية ضد الهجرة واللاجئين، ناهيك عن احتمال تسلل مقاتلي القاعدة إلى أوروبا بين أفواج اللاجئين. إضافة إلى ذلك استفادت تركيا من مخاوف أوروبية حيال سلوك واشنطن اتجاه الاتحاد الأوروبي فيما يخص الناتو والاتفاقات التجارية بين الاتحاد وأمريكا، حيث عكست المواقف الأوروبية ما يمكن اعتباره رغبة في إثبات أن الناتو يستطيع التحرك منفرداً دون غطاء أمريكي، وهو ما تدل عليه تصريحات تركيا بأن "حدودها مع إدلب هي حدود الناتو"، والمواقف الحازمة من فرنسا وبريطانيا حول الكيماوي، والموقف الألماني الجديد نسبياً حول إمكانية التدخل العسكري في حال استخدام الكيماوي، وهذا ما قد يشير إلى إمكانية تفعيل دور تركي أوروبي على المستوى الدبلوماسي فيما يخص الملف السوري، يُعيد إحياء مسار جنيف ويمهد لانهيار أستانة، خاصة بعد الشرخ الذي أحدثته إدلب بين أطراف المسار الثلاثة.
في ظل تلك الجهود التركية لم يكن من الممكن لموسكو أن تمضي قدماً في معركة ليست محسومة دبلوماسياً، وهو ما اعتادت عليه سابقاً، كما أن موقف إيران وعدم نيتها للمشاركة في المعركة في ظل النقص العددي لقوات النظام يجعل الحسم العسكري للمعركة أقرب للمستحيل، خاصةً مع الدعم التركي للفصائل المعارضة ووجود قوات تركية على الأرض، وعليه لم يبق أمام موسكو إلا التراجع عن العمل العسكري والتفاوض مع تركيا حول بدائل تحقق للطرفين مصالحهم وتحافظ على مسار أستانة.
مما لا شك فيه أن موسكو بإبرامها لهذا الاتفاق تكون قد خضعت لجملة من الظروف المحلية والدولية، والتي عكست نجاحاً للجهود التركية على الصعيدين العسكري والديبلوماسي، وهو ما يُفهم بأنه نصر تركي حقق لأنقرة ما كانت تريده من وقف عملية عسكرية شاملة تشنها موسكو على إدلب، والواقع أن الاتفاق لم يحقق لتركيا مكاسب وإنما جنبها مجموعة من الخسائر المادية والسياسية على رأسها خسارة مصداقيتها أم حلفائها من الفصائل السورية في "جبهة التحرير الوطنية" وأمام جمهور الثورة السورية في الشمال السوري، وهو ما سينعكس بالضرورة على دورها السياسي والعسكري في الملف السوري، إذ سيؤدي أي تراجع لفصائل منطقة "خفض التصعيد" الرابعة إلى انكشاف مناطق السيطرة التركية على الشريط الحدودي مع سورية (درع الفرات، غصن الزيتون) أمام قوات النظام ومليشيات "قسد" التي أعلنت عن نيتها المشاركة في معركة إدلب، وبالتالي سيصبح ما حققته تركيا من مكاسب عسكرية مهدداً، بالإضافة إلى الأعباء الإنسانية التي ستتحملها تركيا نتيجة المعركة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها، وما سيترتب عن أي موجة نزوح جديدة من حراك سياسي داخلي معارض لطالما اتخذ من اللجوء السوري ذريعة لمهاجمة الحكومة التركية.
أما بالنسبة لموسكو فيبدو أن "الاتفاق المؤقت" على حد تعبير مسؤوليها([1])، قد حقق لها ما كانت تصبو إليه مرحلياً؛ فالمعركة في منطقة "خفض التصعيد" الرابعة تبعاً لطبيعتها الجغرافية والفصائل الموجودة فيها لا يمكن حسمها بمرحلة واحدة، فالمنطقة جغرافياً تقسم إلى منطقة سهلية على تخوم مناطق سيطرة النظام ومنطقة جبلية خلفها، وهو الأمر الذي يستوجب أن تكون المعركة على مرحلتين: الأولى تتم السيطرة فيها على المناطق السهلية، ثم مرحلة أخرى أكثر صعوبة وقد تستغرق أشهر للاستحواذ على المنطقة الجبلية، إضافة لذلك تشهد المنطقة السهلية تواجد كثيف للفصائل المعتدلة "جبهة التحرير الوطني"، ولذلك فالاستحواذ عليها في المرحلة الأولى بالنسبة لموسكو سيسهل عليها استخدام القوة المفرطة في المرحلة اللاحقة كون المنطقة ستكون في الغالب خاضعة لسيطرة "هيئة تحرير الشام"([2])، وعليه تكون موسكو وفقاً للاتفاق قد حققت أهداف المرحلة الأولى من المعركة دون خوضها، فهي قد استكملت تأمين مواقعها في ثلاث محافظات (حلب، حماه، اللاذقية) وأبعدت خطر استهداف قاعدة حميميم عبر الطائرات المسيّرة، وضمنت افتتاح طرق التجارة الضرورية للنظام، والتي سيساهم تأمينها بقضم ما لا يقل عن 10 كم2 من المساحات التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، حيث ستوكل مهمة تأمين تلك الطرق لدوريات مشتركة (روسية تركية إيرانية) بحسب تصريحات لقيادات في فصائل المعارضة([3]).
أما بخصوص المرحلة الثانية من المعركة والهيمنة المباشرة على إدلب، فيبدو أن موسكو على ثقة بأنها قادمة لا محالة وتأجيلها لفترة يصب في صالح موسكو، فقد أتاح انسحاب "هيئة تحرير الشام" من المنطقة العازلة بموجب اتفاق سوتشي الفرصة لموسكو لتشكيل بقعة جغرافية محدودة تقع تحت سيطرة تنظيمات إرهابية تتفوق بشكل كبير من الناحية القتالية والتسليحية على الفصائل المعتدلة في تلك المنطقة، مما قد يتيح لها الهيمنة المطلقة على تلك المنطقة، الأمر الذي سيخلق ذريعة لموسكو لفتح معركة، خاصة في ظل عجز تركيا على مدار عام من اتفاق أستانة 6 عن تفكيك "هيئة تحرير الشام"، ورفض الأخيرة للعرض التركي بحل نفسها والاندماج مع "جبهة التحرير الوطنية"([4])، إضافة إلى صعوبة خيار نقل التنظيمات المتطرفة من إدلب إلى مناطق أخرى كما تم سابقاً في عدة صفقات. وفي ظل هذا الواقع فالمرجح أن تفضي الأمور إلى معركة قد تفضل تركيا أن تخوضها بنفسها مع فصائل "جبهة التحرير الوطني" للتخلص من "هيئة تحرير الشام" أو بعض أجنحتها، الأمر الذي يُرجح ألا تعارضه موسكو؛ فمثل تلك المعارك تكون فاتورتها مرتفعة لناحية الخسائر البشرية في صفوف المدنيين، خاصةً مع تداخل مناطق الهيئة مع المناطق المدنية، وستتحمل تركيا أي ردود فعل دولية لتلك المعركة، كما حدث إبان تحرير مدينتي الباب وجرابلس من "تنظيم الدولة" وعفرين من مليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي PYD ، وبالنتيجة ستحقق موسكو مكاسب مجانية جديدة عبر عقد المصالحات أو عودة مؤسسات النظام إلى إدلب كمقدمة لتصفيتها كمنطقة أخيرة للمعارضة على غرار سابقاتها من المناطق.
يدعم هذا السيناريو لمصير إدلب أن اتفاق سوتشي لا يُعد جديداً، وإنما هو نسخة من الاتفاق الذي تم التوصل إليه في أستانة 6 لضم إدلب ومحيطها إلى مناطق خفض التصعيد في أيلول /سبتمبر من العام الفائت، حيث تضمن الاتفاق تشكيل منطقة عازلة بإشراف نقاط مراقبة إيرانية روسية تركية، وتكليفاً لتركيا بتفكيك التنظيمات المصنفة إرهابية([5])، ولم يُكمل الاتفاق عاماً واحداً حتى بدأت موسكو بالتحشيد للهجوم على المنطقة بذريعة الفشل التركي بتنفيذ مهمة تفكيك "هيئة تحرير الشام"، وهو السيناريو الذي ستعمل موسكو على تحقيقه اليوم في ظل استمرار الظروف ذاتها دون تغيير فيما يخص "هيئة تحرير الشام" والواقع العسكري والإداري والسياسي لمنطقة خفض التصعيد الرابعة، وهو ما يشكل مجموعة تحديات جدية لتركيا واختباراً لها أمام موسكو والمجتمع الدولي من جهة، وأمام سُكان تلك المنطقة من المدنيين والفصائل المتحالفة معها من ناحية ثانية، وأهم من ذلك لقدرتها على حماية أمنها القومي ودورها السياسي في الملف السوري عبر الاحتفاظ بمنطقة خفض التصعيد الرابعة.
ألقت موسكو الكرة في ملعب تركيا بقبولها باتفاق سوتشي، وهو الأمر الذي يمثل رهاناً روسياً على الوقت لاستعادة إدلب ومحيطها، فنجاح أنقرة بتنفيذ جزء الاتفاق المتعلق بالمنطقة العازلة لا يعدو كونه تذليلاً للعقبات الصغرى، وتقدماً مرحلياً ستعقبه مراحل أكثر صعوبة وعقبات أكبر حجماً تتعلق بتفكيك الهيئة، وتغيير الواقع الإداري والعسكري والاقتصادي للمنطقة في حال كان لدى أنقرة رغبة بالحفاظ عليها ودمجها تحت إدارتها مع منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون"([6])، ويمكن إجمال أبرز التحديات التي من الممكن أن تواجه الدور التركي، بالتالي:
بالرغم من نجاح أنقرة في تنفيذ الخطوة الأولى من الاتفاق والمتعلقة بسحب السلاح الثقيل من المنطقة العازلة؛ إلا أن استكمال الخطوات المرحلية اللاحقة من الاتفاق ستكون أكثر صعوبة وبحاجة إلى أمد أبعد مما اتفق عليه، وهو ما ستطالب به أنقرة غالباً، فانسحاب الفصائل المتشددة من المنطقة العازلة لم يتم وفق الجدول الزمني في 15 أكتوبر/ تشرين الأول، كما تُشير المواقف المعلنة للفصائل بأن الخطوة لن تسير بسلاسة كسابقتها، فقد رفضت أربعة تنظيمات جهادية الاتفاق (حراس الدين، أنصار التوحيد، جبهة أنصار الدين، جبهة أنصار الإسلام) وأعلنت تشكيل غرفة عمليات تحت مسمى "وحرض المؤمنين"، وعرضت صوراً لاستهداف مواقع قوات الأسد في معسكر جورين من نقاطها في المنطقة منزوعة السلاح المتفق عليها بعرض 20 كيلومتراً في مناطق سيطرة المعارضة([7]).
ويُشير بيان "هيئة تحرير الشام"([8])، والذي تأخر صدوره إلى قبل يوم من نهاية المهلة المحددة في الاتفاق لانسحاب الفصائل المتشددة، إلى أن الهيئة قبلت بسحب السلاح الثقيل كخطوة تكتيكية لكسب الوقت، ولكنها قد لا تسير إلى جانب تركيا في تنفيذ باقي بنود الاتفاق، حيث تضمن البيان شكراً لتركيا على جهودها ورفضاً للتخلي عن السلاح أو قتال النظام في إشارة مستقبلية إلى أنها لن تقبل حل نفسها، وقد يُمثل هذا البيان حلاً وسطاً توصل إليه جناحا الهيئة اللذان انقسما حول الاتفاق بين رافض (جناح أبو اليقظان المصري) وجناح يرحب بالاتفاق والاندماج مع "الجبهة الوطنية للتحرير" (جناح الجولاني)([9])، كما أن مواقف الفصائل المعتدلة حول الاتفاق جاءت أيضاً متحفظة على بعض بنوده فيما يتعلق بحدود المنطقة العازلة والدوريات الروسية، مما يُشير إلا أن تركيا اليوم أمام موقف حرج، خاصةً مع نفاد المهلة المتفق عليها لانسحاب التنظيمات المتشددة والمترافقة مع تصاعد اللهجة التهديدية من النظام وموسكو حول إمكانية استئناف المعركة في حال عدم التزام الطرف الآخر بوعوده، وأن الاتفاق مؤقت وإدلب ستعود إلى سيطرة النظام([10])، وهو ما يضع أنقرة أمام خيارين، الأول طلب تمديد المهلة الزمنية لانسحاب التنظيمات المتشددة من المنطقة العازلة، الأمر الذي قد تقبله موسكو مقابل تنازلات معينة من الطرف التركي بخصوص تفاصيل الاتفاق، ومن المرجح أن تكون التنازلات حول الدوريات الروسية في المنطقة العازلة، والثاني هو القيام بعمل عسكري محدود لإجبار الفصائل الرافضة للانسحاب على الالتزام ببنود الاتفاق، وهو خيار أقل ترجيحاً نظراً لأن أي اشتباك تركي مع هذه الفصائل قد يؤثر على الاتفاق برمته لأنه سيتجاوز حدود المنطقة العازلة، مما يفتح الباب أمام معركة شاملة في إدلب .
وفي ظل الاحتمال الأول ونجاح أنقرة بكسب المزيد من الوقت لإقناع الفصائل الجهادية بالانسحاب من المنطقة العازلة؛ فإن الخلافات حول باقي بنود الاتفاق لن تتوقف مع فصائل المعارضة أو مع "هيئة تحرير الشام"، وبخاصة حول نقطة فتح الطرق التجارية (M4-M5)، والتي يستلزم تأمينها انسحاب فصائل المعارضة بمقدار 10 كم2 على جانبي الطريق، مما يعني خسارة أراضٍ جديدة بالنسبة للمعارضة، وخسارة أكبر بالنسبة لهيئة "تحرير الشام"، والتي ستتنازل عن إدارتها للمعابر الحدودية مع تركيا بعد خسارتها لمعابر التجارة مع مناطق النظام في المنطقة العازلة، وهي أهم موارد تمويل الهيئة، ناهيك عن قبولها بحل نفسها والاندماج مع "جبهة التحرير الوطني"، تلك العقبات التي ستواجه تركيا الواقع على عاتقها مهمة التخلص من التنظيمات الإرهابية في إدلب كشرط لاستمرار الاتفاق؛ تجعل من خيارات أنقرة ضيقة وقد تفرض عليها في مرحلة ما خوض معركة مع تلك التنظيمات، وبخاصة مع الجناح المتشدد من "هيئة تحرير الشام" وغيرها من الفصائل المصنفة دولياً إرهابية (حراس الدين، أنصار الإسلام، الجهاديين المستقلين الفصائل، خلايا داعش، الحزب الإسلامي التركستاني) وهي تنظيمات تضم في غالبها مقاتلين أجانب وتتسم بالتشدد ورفض الحلول السياسية، الأمر الذي قد يدفع تلك التنظيمات للتوحد في مواجهة أي محاولات للتخلص منها، مما سيشكل كتلة صلبة من الجهاديين المتشددين الأجانب يصعب التخلص منها عسكرياً كون المعركة ستكون وجودية بالنسبة لهم، وذات فاتورة مرتفعة بشرياً في ظل وجودهم في مناطق ذات كثافة سكانية كبيرة.
تعكس التصريحات التركية رغبة أنقرة بالاحتفاظ بنقاط المراقبة الخاصة بها وبوجودها العسكري في إدلب ومحيطها لحين إجراء انتخابات في سورية([11])، واستكمال تأمين شريطها الحدودي من تواجد مليشيات PYD في شرق الفرات، وبالمقابل تُظهر التصريحات الروسية إصراراً على استعادة إدلب ولو بعد حين([12]). وفي ظل تلك الرغبات المتضاربة بين شريكي أستانة يبقى مصير إدلب معلقاً بمدى نجاح تركيا في تذليل العقبات المتعلقة بتنفيذ بنود الاتفاق مع نهاية العام الحالي، وقدرتها على فرض واقع جديد في إدلب وباقي المناطق الواقعة تحت سيطرتها في الشمال السوري، وهو ما يستلزم جهود أكبر لتذليل عقبات أخرى تعترض استدامة سيطرة المعارضة وتركيا على تلك المناطق، ويمكن تحديد تلك العقبات بالتالي:
يُشكل الواقع العسكري لمنطقة خفض التصعيد الرابعة معضلة حقيقية أمام تركيا؛ فالمنطقة تحتوي على ما يقارب 90 ألف مقاتل مختلفي التوجهات والمشارب العقائدية بين معتدل ومتشدد وأكثر تشدداً([13])، ناهيك عن الاختلافات المناطقية الناجمة عن تهجير حوالي 20 ألف مقاتل إلى إدلب من باقي المناطق السورية. الأمر الذي خلق واقعاً من الفوضى الأمنية تجلى في عمليات تفجير واغتيالات باتت شبه يومية في المنطقة، إضافة إلى حدوث اشتباكات متكررة بين "هيئة تحرير الشام" والفصائل المنضوية تحت "جبهة التحرير الوطني".
وفي ظل هذا الانفلات الأمني وفوضى السلاح؛ فإن مهمة تركيا في الحفاظ على المنطقة تحت سيطرتها وإبعاد شبح إخضاعها لسيطرة النظام مجدداً ستكون أقرب للمستحيلة، خاصةً في حال استنساخ تجربة درع الفرات في إدلب، وهو ما بدأت تركيا القيام به بالفعل. حيث طلبت من الفصائل في منطقة خفض التصعيد الرابعة تقديم كشوف ذاتية لمقاتليها وكشوف للسلاح الذي تمتلكه على غرار ما قامت به سابقاً مع فصائل درع الفرات وغصن الزيتون، وقد تكون تلك الخطوة تمهيداً لدمج فصائل إدلب بـ "الجيش الوطني" الذي تم تشكيله في الشمال السوري([14]). تلك المساعي التركية رغم أهميتها الظاهرية لتشكيل كيان عسكري جامع؛ إلا أن المشكلة تكمن في مضمونها إذا ما قيست بتجربة الجيش الوطني، فالفيالق الثلاثة المكونة للجيش هي كيانات على الورق فقط دون أي ارتباط حقيقي بقيادة مركزية، وهو أقرب إلى ائتلاف فصائل بإشراف تركي منه إلى جيش، حيث لا يملك وزير الدفاع أو رئيس هيئة الأركان التابعين للحكومة المؤقتة أي صلاحية فعلية لإصدار أوامر إلى الفصائل، وما زال أي فصيل داخل الجيش الوطني أكبر عملياً من كل الحكومة، ولا يقبل فعلياً تلقي أي نوع من الأوامر منها([15])، إضافة إلى عجز جهاز الشرطة العسكرية التابع لوزارة الدفاع عن ردع انتهاكات الفصائل اتجاه المدنيين وضبط سلوك أفرادها.
لا يقل الواقع الإداري لمحافظة إدلب سوءً عن واقعها العسكري لناحية الانقسامات من حيث التبعية، ووجود عدد كبير جداً من المجالس المحلية يقارب 140 مجلساً، وحسب تقرير أولي لمسح ميداني أجراه (مركز عمران للدراسات الاستراتيجية) مع وحدة المجالس المحلية، جرى في الفترة من 8 أبريل/نيسان 2018 وحتى 15 مايو/أيار 2018 في محافظة إدلب، فإن 59% من المجالس المحلية تُصنِّف نفسها بأنها تتبع إدارياً للحكومة المؤقتة مقابل 7% تُصنف نفسها تابعة لحكومة الإنقاذ. ومن الملاحظات وجود عدد من المجالس التي تتبع الحكومة المؤقتة لكنها مرغمة على التعاون مع حكومة الإنقاذ، فيما تصنف 16% من المجالس نفسها بأنها مستقلة عن حكومتي الإنقاذ والمؤقتة([16]). وعموماً، يمكن تسجيل عدة ملاحظات تجاه فاعلية المؤسسات السياسية والإدارية المحلية والجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني في محافظة إدلب، إذ تصطدم سياساتها بالعديد من العراقيل التي تحد من خياراتها، ويعود ذلك إلى عدة أسباب، أولاً: إلى التعارض في أجندات الجهات المسيطرة على المحافظة، وثانياً: إلى تشتت الإدارات والهيئات المدنية التي لا تزال تفتقر لرؤية استراتيجية موحدة تُمكنها من امتصاص صدمة النزوح وابتداع أدوات إدارة سياسية واقتصادية واجتماعية تتواءم مع الوضع غير المستقر للمحافظة، وثالثاً: للاعتمادية المفرطة على المنظمات الدولية والمحلية في تقديم المساعدات للسكان ومخيمات المهجرين والمجالس المحلية([17]).
هذا الواقع الإداري يُشكل أيضاً عقبة في وجه المساعي التركية لإعادة تنظيم المنطقة تمهيداً لدمجها مع منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، خاصةً في ظل احتمال اندماج "هيئة تحرير الشام" عسكرياً مع "الجبهة الوطنية"، وإدارياً ضمن هيكل الحكومة المؤقتة. الأمر الذي سيكون شكلياً ويحافظ للهيئة على المجالس المحلية التابعة لها، وهو ما سيؤدي إلى استمرار حالة التردي الإداري في المنطقة، ويفتح الباب أمام موسكو لطرح عودة مؤسسات النظام على الأقل لإدارة إدلب.
بالمقابل يبدو أن تركيا ليست غافلة عن صعوبات الواقع الإداري في إدلب، فبالتوازي مع مساعيها لضبط المشهد العسكري، بدأت بإجراء إحصاء مدني للسكان، كما ركز وفد "الائتلاف الوطني السوري" في زيارته لإدلب على ضرورة ضبط الواقع الإداري للمحافظة([18])، ومن المرجح أن يتم سحب نموذج الإدارة المتبع في مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون" على إدلب، وهو نموذج ليس أفضل حالاً بكثير، فالحكومة المؤقتة تعد غطاءً شكلياً دون صلاحيات فعلية في الإشراف والمتابعة للمشاريع، والتي يقوم الممول ذاته بعملية الإشراف عليها، كما تتبع أيضاً قطاعات الصحة والتعليم للإشراف التركي وليس للحكومة المؤقتة([19]).
لا تعتبر العملية العسكرية على إدلب هي الخطر الوحيد الذي يهدد سكانها بالكارثة، وإنما يُنذر الوضع المعيشي للسكان فيها بكارثة إنسانية وشيكة الحدوث ناجمة عن الفقر ونقص الخدمات الإغاثية. حيث يبلغ تعداد السكان في منطقة خفض التصعيد الرابعة (محافظة إدلب وريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي)، بحسب إحصاءات شهر آب/ أغسطس من عام 2018، ما يقارب من (3.867.663) نسمة. يمثل السكان المقيمين فيها نسبة 58% أي ما يقارب (2.226.736) نسمة، في حين بلغ عدد السكان النازحين (1.621.077) نسمة وما نسبته 41%. كذلك يشكل عدد السكان القاطنين في مخيمات النزوح (791.640) نسمة وما نسبته 20% من العدد الكلي لسكان المحافظة([20])، ويصل معدل الفقر بين السكان إلى 90.5%، ويبلغ تعداد العوائل التي تعيش بدخل شهري أقل من 40 دولار (107.622)([21]). ويعاني النازحون بشكل خاص من تردي الوضع الإنساني والاجتماعي بشكل كبير وعدم القدرة على تلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم، في ظل تفشي البطالة بشكل مرتفع وانعدام سبل المعيشة لدى نسبة كبيرة منهم ووقوعهم تحت خط الفقر المدقع. أضف إلى ذلك المشكلات المرتبطة بانهيار البنية التحتية والوضع الصحي المتردي وغياب المأوى وارتفاع الأسعار والظروف الأمنية الخطرة التي يعيشون ضمنها([22]). كما أسهم تدهور الأداء الاقتصادي على كافة المستويات في الانكماش في النشاطات الاقتصادية وبروز العديد من النشاطات غير الرسمية كانتشار العمل العشوائي وتنامي ظاهرة "تجار الأزمة"؛ مما أفسح المجال أمام اقتصاد مواز يحاكي الرسمي المفترض، بإيراداته وشبكاته وتعاملاته التجارية. كما أن سوء الأحوال الأمنية وتدخل "الجماعات المسلحة" في مفاصل الإدارة، والقصف العنيف، وانتشار الاغتيالات، شكلت عوامل رئيسية لهروب أصحاب الأموال للخارج وعدم استقبال المحافظة لأي نوع من الاستثمارات، فانتشرت على إثر ذلك البطالة في ظل حاجة المواطنين الماسة للعمل من أجل كسب المال([23]).
يشكل الوضع الإنساني تحدياً كبيراً أمام بقاء المحافظة على وضعها الحالي تحت سيطرة المعارضة وبإشراف تركي، فالأوضاع المُزرية للسكان عموماً وللمهجرين منهم خصوصاً قد تُهيء لموجات من العودة الجماعية إلى مناطق سيطرة النظام على غرار ما حدث مع 600 شخص من أهالي حي الوعر في حمص نتيجة الأوضاع المتردية في مخيمات جرابلس وريف إدلب([24])، وهو الأمر الذي سيصب في صالح الجهود الروسية لاستعادة اللاجئين قبل الحل السياسي، وبالتالي تدعيم صفوف قوات النظام عبر التجنيد الإجباري للعائدين. لذلك يُشكل الوضع الإنساني في إدلب وغيرها من المناطق التي تُشرف عليها تركيا تحدياً أمامها لا يقل أهمية عن تحدي إعادة الهيكلة العسكرية والإدارية، خاصةً في ظل تحملها وحيدة تقريباً لنفقات إعادة إعمار البنية التحتية في تلك المناطق (الصحة، التعليم) ورواتب مقاتلي "الجيش الوطني" و"الجبهة الوطنية للتحرير" في ظل أزمة اقتصادية تعيشها، وتراجع الدعم الدولي والعربي للمناطق الخاضعة تحت سيطرتها.
من خلال استعراض الظروف المحلية والدولية المحيطة بالاتفاق الروسي التركي حول إدلب، ومناقشة الواقع العسكري والاقتصادي والإداري لمنطقة خفض التصعيد الرابعة، يمكن التوصل إلى النتائج التالية والتي تمثل إجابات للتساؤلات التي طرحتها الورقة، وهي:
تعيش منطقة خفض التصعيد الرابعة ما عاشته سابقاتها من المناطق فيما يخص الإشكالات العسكرية والإدارية والاقتصادية، والتي أفضت إلى سقوطها، ولذلك لا يعتبر اتفاق "سوتشي" إنقاذاً للمنطقة من مصير سابقاتها في حال استمرار ذات الظروف المحلية، والمواقف الإقليمية والدولية السلبية اتجاه المنطقة ومن خلفها الثورة السورية التي تعتبر هذه المنطقة آخر المناطق التي تمثلها. وفي الوقت ذاته يُمكن أن تشكل المنطقة فرصة لانطلاقة جديدة تفرض واقع جديد على مستوى الثورة السورية وتحسين شروط التفاوض على الحل السياسي مع النظام، وبالتالي فرصة للأطراف الإقليمية والدولية الراغبة بعدم تفرد موسكو بصياغة الحل السياسي، ومحاصرة نفوذ إيران في سورية، ولكن هذا الواقع الجديد بحاجة إلى عملية إعادة هيكلة شاملة على المستوى العسكري والإداري والسياسي للمنطقة، وتعاون إقليمي دولي مع الدور التركي. وعليه يمكن من خلال تحليل واقع المنطقة وإشكالياتها صياغة التوصيات التالية:
تُشكل منطقة خفض التصعيد الرابعة مع مناطق "درع الفرات" الواقعة تحت الإشراف التركي مساحة جغرافية كبيرة، وثقل سكاني هائل يُمثل كل المحافظات السورية، وعليه لابد من إعطاء طابع تنظيمي للجهود الشعبية المتمثلة بالتظاهرات يؤسس لفاعلية سياسية تحتاجها الثورة السورية بعد خساراتها المتعاقبة على المستوى العسكري وانحسارها إلى الشمال فقط، ويمكن ترجمة ذلك إلى خطوة عملية تتمثل بإعادة إحياء مفهوم التنسيقيات الثورية والتي تمثل كل قرية أو مدينة أو مجموعة من المهجرين وإعطاء تلك التنسيقيات طابع رسمي يعترف بها وبأعضائها من قبل المجالس المحلية والحكومة الانتقالية والائتلاف، وتأمين حاجات تلك التنسيقيات اللوجستية اللازمة لتنظيم التظاهرات. إن مثل هذه الخطوة ستشكل أرضية لفصل العمل العسكري والإداري عن السياسي في الشمال السوري، وستتيح الفرصة لإحياء فاعلية شعبية مؤثرة ومعبرة عن وجهة نظر جمهور الثورة السورية، كما أن وجود مثل تلك التنسيقيات ودعمها يُمكن أن يُستثمر في سبيل إحياء العمل السياسي ورفع الوعي الشعبي تحضيراً للاستحقاقات القادمة كالدستور والانتخابات البرلمانية وفق الرؤية الدولية.
يعيش الشمال السوري عموماً مشهداً عسكرياً بالغ التعقيد لجهة العدد الكبير من المقاتلين المنضوين تحت لواء فصائل متعددة الاتجاهات، العدد الغالب من قياداتها وأفرادها من خلفيات مدنية وليست عسكرية. ولم يعد هذا الواقع العسكري مقبولاً في ظل المرحلة القادمة، والتي سيكون عنوانها بناء السلام ما بعد النزاع، حيث تتطلب تلك المرحلة وفقاً للأجندة الدولية تصفية العسكرة وإعادة دمج أطراف الصراع في جيش وطني موحد بالتزامن مع مسار الحل السياسي. وهنا تكمن المشكلة، فطرفا اتفاق أستانة (روسيا، تركيا) يمتلكان رؤى غير مناسبة للتعامل مع ملف تصفية العسكرة، الرؤية الروسية تتمثل بالمصالحات وإعادة دمج من يرغب من المقاتلين في جيش النظام، وهو الأمر الذي يمثل إعادة رفد وترميم جيش النظام والحفاظ على عقيدته وليس إعادة هيكلته بشكل يجعله مؤسسة داعمة للسلام والتحول الديمقراطي في البلاد، أما الرؤية التركية فتتمثل بإنشاء بنية تحمل طابع المؤسسة العسكرية النظامية (وزارة دفاع وهيئة أركان)، ولكنها دون صلاحيات فعلية على الأرض، حيث تحتفظ الفصائل بكيانها المستقل وقياداتها ومناطقها، وهو ما يساهم باستمرار حالة الفوضى وتغول الفصائل على حالة المؤسسات المدنية، ويعدم أي إمكانية لدمج تلك الفصائل مستقبلاً في جيش وطني، وبذلك يتحقق لموسكو والنظام ما يرمون إليه في الحفاظ على مؤسسة عسكرية موالية للنظام وتشكل أداة حماية له.
بين تلك الرؤيتين، المطلوب اليوم في الشمال هو عملية إعادة هيكلة حقيقية للقطاع الأمني تمهد لعملية إعادة الهيكلة الشاملة على مستوى سورية، ولابد لتلك العملية في الشمال من أن تبدأ بعملية ما يسمى بالـ (DDR) "نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج"، وهي عملية تشمل نزع السلاح المنفلت وضبطه وإدارة الأسلحة الموجودة في المنطقة، ثم تسريح واستبعاد العناصر المدنية، خاصة على مستوى القيادات من الفصائل واستبدالهم بضباط وصف ضباط عسكريين تمهيداً لدمج الفصائل في كيان عسكري موحد، وتحتاج مثل هذه العمليات إلى خبرات دولية مارست مثل تلك البرامج في نزاعات سابقة، إضافة إلى إمكانات وبرامج اقتصادية لتمكين المقاتلين الذين يتم تسريحهم، وعادة يتم تقديم منح مالية للمقاتلين المسرحين لتمكنهم من العودة إلى الحياة المدنية، وتأمين مورد رزق بديل، وتلك الإمكانات لا تستطيع تركيا تحمل عبئها منفردة؛ لذلك لابد من إطلاق عملية إعادة هيكلة عسكرية في الشمال بإشراف المؤسسات الدولية المتخصصة كالأمم المتحدة و منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي ((OECD.
إن إطلاق عملية إعادة هيكلة حقيقية في الشمال يمكن أن ينتج كياناً عسكرياً ضخماً يحقق مكاسب للعديد من الأطراف؛ ومنها لجم التطلعات الروسية لهندسة حل سياسي يحقق مصالحها منفردة، ويساهم في حال دمجه في الجيش النظامي في إحداث تغيير حقيقي على مستوى بنية وعقيدة الجيش السوري بشكل يضمن استقرار السلام بعد النزاع، بالإضافة لذلك فمثل هذا الكيان يُمكن أن يتم الاعتماد عليه في مواجهة المليشيات الإيرانية مستقبلاً، وكسر احتكار قوات "سورية الديمقراطية" للمناطق المحررة من تنظيم الدولة شرق الفرات.
بالتوازي مع الحاجة لإعادة الهيكلة السياسية والعسكرية تظهر حاجة ملحة جداً في الشمال السوري لإعادة هيكلة إدارية تساهم في خلق نموذج حوكمي جديد، ولابد أن يرتكز هذا النموذج إلى وحدة القرار الإداري أي حصره في يد الحكومة المؤقتة على كافة المستويات ودمج أي كيانات إدارية أخرى ضمن الحكومة، وبخاصة على مستوى الدعم والنشاط الإغاثي، وهذا ما يتطلب تظافر الجهود بين القوى المحلية الفاعلة على الأرض ومجمل المؤسسات السورية المعارضة (وسائل إعلام، مراكز بحثية، تجمعات سياسية، منظمات مجتمع مدني)، وذلك لخلق نموذج حوكمة جديد للشمال السوري يهيئ لحكم مدني رشيد، ونظام لامركزية إدارية قابل للتعميم مستقبلاً على مستوى سورية، وهو ما يقتضي بالضرورة أيضاً توافر الدعم الدولي لخلق مثل تلك التجربة، وخاصةً لناحية دعم الحكومة السورية واعتباره الكيان الإداري الوحيد المخول بإدارة المنطقة. إن تحقق إعادة هيكلة إدارية وعسكرية في الشمال السوري سيساهم في خلق بيئة آمنة يُمكن استغلالها للتواصل مع رجال الأعمال السوريين للاستثمار في الشمال عبر مشروعات تحددها المجالس المحلية والحكومة المؤقتة وتوفر لها الحماية والإمكانات اللازمة، الأمر الذي سيساهم في خلق فرص عمل وتحريك النشاط الاقتصادي، وبالتالي التخفيف من نسبة الفقر.
تشكل منطقة خفض التصعيد الرابعة اليوم تحدياً كبيراً يحدد النجاح أو الفشل في التعامل معه مصير الحل السياسي في سورية، وهذا ما يتطلب من الجهات المحلية مدنية وإدارية وعسكرية تكريس جهودهم لدعم تنفيذ الاتفاق لتجنيب المنطقة شبح هجوم روسي جديد، ولابد للدول الداعمة للثورة السورية إقليمياً ودولياً دعم الجهود التركية على مستوى تنفيذ الاتفاق كمرحلة أولى، ومن ثم تأمين استقرار المنطقة عبر عملية إعادة الهيكلة السياسية والعسكرية والإدارية، والتي ستشكل فرصة لإعادة التفاوض إلى سكة جنيف وفق مقررات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وليس الرؤية الروسية، الأمر الذي يتطلب تنحية الملف السوري عن قائمة الملفات الخلافية مع تركيا، والتعامل مع المنطقة كآخر مناطق الثورة السورية وليس كمنطقة نفوذ تركي.
([1]) موسكو تؤكد تنفيذ اتفاق إدلب وتعتبر المنطقة العازلة مؤقتة، موقع صحيفة الشرق الأوسط، 28/9/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2ygHr2r
([2]) فابريس بالونش، الجولة الأولى من الحملة على إدلب قد تستهدف المتمردين المدعومين من تركيا، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 11/9/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2pSfEkc
([3]) بعد المنطقة العازلة... ثلاثة ملفات تنتظر التطبيق في إدلب، موقع صحيفة عنب بلدي، 10/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2RP20vi
([4]) "النصرة" ترفض طلب تركيا بحل نفسها وتحذر "الوطنية للتحرير" من استهدافها، موقع روسيا اليوم، 4/8/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2Mjnj4T
([5]) توافق بأستانا على منطقة خفض تصعيد في إدلب، موقع الجزيرة نت، 13/9/2017، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2NDbo1G
([6]) أردوغان: لن نخرج من سورية قبل أن يجري شعبها انتخاباته، موقع روسيا اليوم، 4/10/208، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2CJkfxB
([7]) أربعة تشكيلات “جهادية” ترفض اتفاق إدلب وتحاول عرقلته... تعرف إليها، موقع صحيفة عنب بلدي، 15/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2yHx0nU
([8]) "تحرير الشام" تعلق على اتفاق إدلب وترفض تسليم السلاح، موقع صحيفة عنب بلدي، 14/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2NHhj5W
([9]) اتفاق المنطقة العازلة في إدلب... السياق والواقع الراهن واتجاهاته، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 12/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2A6Jmbk
([10])برغم "اتفاق سوتشي"... روسيا تهدد مجددًا باجتياح إدلب، موقع الدرر الشامية، 23/9/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2CKiJeQ
([11]) أردوغان: تركيا لن تغادر سوريا حتى يجري الشعب السوري انتخابات، سبوتنيك عربي، 4/10/2018، متوافر على الرابط التالي: https://goo.gl/X1kZve
([12])برغم "اتفاق سوتشي"... روسيا تهدد مجددًا باجتياح إدلب، موقع الدرر الشامية، مرجع سبق ذكره.
([13]) فابريس بالونش، الجولة الأولى من الحملة على إدلب قد تستهدف المتمردين المدعومين من تركيا، مرجع سبق ذكره.
([14]) إدلب على خطى منطقتي "درع الفرات" و "غصن الزيتون"، موقع صحيفة عنب بلدي، 7/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2Ekxarw
([15]) الحكومة السورية المؤقتة الثالثة مراجعة وتقييم، مركز جسور للدراسات، 13/7/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2NIDaKb
([16]) تقرير أولي لمركز عمران غير منشور.
([17]) د. عمار القحف، فرص الاحتواء والسيطرة على إدلب في مسارات الأزمة السورية، مركز الجزيرة للدراسات، 24/5/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2s95y01
([18]) بعد المنطقة العازلة... ثلاثة ملفات تنتظر التطبيق في إدلب، موقع صحيفة عنب بلدي، مرجع سبق ذكره.
([19]) الحكومة السورية المؤقتة الثالثة مراجعة وتقييم، مركز جسور للدراسات، مرجع سبق ذكره.
([20]) محمد العبد الله، النازحون في إدلب... قراءة في التحديات والمآلات في ضوء التفاهم التركي-الروسي، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 3/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2zPAXJ8
([21]) د. عمار القحف، فرص الاحتواء والسيطرة على إدلب في مسارات الأزمة السورية، مركز الجزيرة للدراسات، مرجع سبق ذكره.
([22]) محمد العبد الله، النازحون في إدلب... قراءة في التحديات والمآلات في ضوء التفاهم التركي-الروسي، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، مرجع سبق ذكره.
([23]) د. عمار القحف، فرص الاحتواء والسيطرة على إدلب في مسارات الأزمة السورية، مركز الجزيرة للدراسات، مرجع سبق ذكره.
([24]) حين يستغل النظام السوري عودة النازحين كورقة سياسية، موقع DW، 3/8/2017، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2S4mqQM
أقام مركز عمران للدراسات الاستراتيجية لقاءً تعريفياً حول كتابه السنوي الرابع المعنون بــ : "حول المركزية واللامركزية في سورية: بين النظرية والتطبيق”. هدف اللقاء إلى مناقشة فصول الكتاب ومضامينه واستعراض الآراء والأفكار الواردة فيه مع عدد من الباحثين والسياسيين والإعلاميين.
خلال كلمة الافتتاح أوضح المدير التنفيذي لمركز عمران الدكتور عمار القحف، أهمية هذا الكتاب بما يشكلًه من مرجعية نظرية وتطبيقية لمفهوم اللامركزية في سورية، مزيداً بسيناريوهات تطبيقيه تحقق أهداف الشعب السوري في وحدة الأراضي السورية، وإعادة صوغ العلاقة بين الوحدات الإدارية وبين المركز في سورية المستقبل.
فيما قدم الباحثان معن طلاع وساشا العلو شرحاً موجزاً عن ضرورة استعادة الشرعية التي فُقدت لدى الأطراف كافة في سورية، عبر تنظيم أدوات الحكم المحلي المرتكزة إلى تجربة المجالس المحلية التي لم تجنح إلى الفدرالية المفرطة ولا إلى المركزيَّة المستبدة، وذلك من خلال طريق يزيد من قوة البُنى المحلية ويرسم حدوداً لصلاحيات المركز، تعتمد على منح الصلاحيات وليس التفويض الذي يخضع لسيطرة الدولة المركزيَّة.
بدوره سلط الباحث بدر ملا رشيد الضوء على تجربة الإدارة المحلية في مناطق سيطرة نظام الأسد ومناطق “الإدارة الذاتية”، مبرزاً أهم التحديات التي تقف في وجه تجربة المجالس المحلية.
ومن الجدير بالذكر أن الكتاب جاء على عشرة فصول لعشرة من الباحثين السوريين، وضّحوا في طياته مفاهيم عن اللامركزية وأشكالها وتطبيقاتها في بلدان خرجت من النزاعات، ومدى إمكانية تطبيقها في سورية، متطرقين إلى أشكال من اللامركزية (الاقتصادية، الإدارية، المالية، السياسية)، والرقابة المحلية والحكم المحلي، ومركزين على الوظائف الدستورية والقضائية والتشريعية بحسب أنماط اللامركزية. ومقدمين رؤية حول “اللامركزية النوعية كمدخل رئيسي للاستقرار في سورية” .
أما من جانب المنظمات غير الحكومية:
مع اندلاع النزاع في سورية في 2011، وجد السكان المحليون أنفسهم مضطرين لمغادرة مناطقهم في رحلة نزوح قسري أججها تصاعد وتيرة العمليات العسكرية والاستهداف الممنهج للمدنيين من قبل قوات النظام السوري في المناطق الثائرة ضده. حيث أجبرت هذه الظروف ملايين السوريين بمختلف الشرائح العمرية على هجرة مدنهم وقراهم، بحثاً عن مناطق أكثر أمناً داخل سورية. إلا أن تبدل السيطرة العسكرية على المناطق في العديد من المحافظات السورية، أفرزت حالة من عدم استقرار السكان النازحين في هذه المناطق، إلى جانب إجبارها أعداد متزايدة من السكان على ركوب موجة النزوح. ومع توالي سنوات النزاع ازداد عدد الأفراد النازحين ليصل إلى ما يقارب (6.784) مليون نازح في نهاية عام 2017([1]).
اتسمت موجات النزوح الداخلي في العديد من المناطق السورية بصفة النزوح المؤقت، بعد أن لجأ العديد من السكان للنزوح إلى المناطق القريبة من مناطقهم الأصلية على أمل الرجوع إليها قريباً بعد انتهاء الأعمال العسكرية. إلا أن واقع الحال أجبرهم على تكرار تجربة النزوح لأكثر من مرة مما فاقم من معاناتهم وضعفهم الاجتماعي على مدار السنوات السبع الماضية. وليس خفياً على المتابع للحالة السورية الوضع الإنساني الصعب الذي تعيشه هذه الكتلة البشرية من النازحين على مختلف الصعد، فمع غياب المأوى والظروف الاقتصادية الصعبة اضطرت نسبة كبيرة منهم للعيش في مخيمات تفتقد لأدنى مقومات الحياة الكريمة، منها ما أقيم بشكل عشوائي والبعض الآخر أقيم ضمن تجمع تشرف عليه بعض منظمات المجتمع المدني. وشكلت هذه المخيمات مستوطنات واسعة الامتداد يزداد أعداد النازحين فيها يوماً بعد آخر، مع افتقار غالبيتها إلى الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والصرف الصحي وغيرها من الخدمات الحياتية الأخرى. إلا أن التحدي الأكبر الذي يواجه سكان هذه المخيمات يتمثل في تأمين سبل عيشهم مع طول أمد وجودهم داخلها، وفي ظل غياب فرص العمل وقلة الدعم المقدم من قبل الجهات المانحة التي اقتصر دعم الكثير منها على تقديم بعض السلال الغذائية والصحية، مع وجود بعض المبادرات المحدودة لنشر سبل العيش ضمن هذه المخيمات. إلى جانب أن الكثير من العائلات المقيمة في هذه المخيمات تفتقد المعيل مما يفاقم من بؤسها واحتياجها، ولتشكل هذه المخيمات أحد أبرز التحديات في مناطق تواجدها مع قلة الإمكانات المادية المتاحة لدى المنظمات واللجان المحلية لتلبية احتياجاتها أو دمجها في المجتمعات المضيفة. ووفقاً لخطة الاستجابة الاستراتيجية للأزمة السورية التي وضعتها الأمم المتحدة لعام 2018 فقد بلغ حجم التمويل المطلوب لتلبية احتياجات النازحين داخلياً 5.3 مليار دولار أمريكي.
بناءً على ما سبق، فإن طرح قضية سبل العيش في الوقت الحاضر أصبح من الأهمية بمكان، بعد أن اقترب النزاع داخل سورية من نهايته، وبعد أن تحولت العديد من المخيمات إلى مدن وقرى صغيرة تعج بالحياة وتستلزم من ساكنيها السعي نحو تأمين الرزق لمواصلة حياتهم وتأمين متطلبات أسرهم، وخاصة تلك المخيمات المقامة في ريف حلب الشمالي ومحافظة إدلب.
تهدف هذه الدراسة إلى توصيف وتحليل واقع سبل العيش للسكان في مخيمات النزوح الداخلي، من خلال العمل بداية على تشخيص مصادر دخل سكان المخيمات، ومن ثم تحديد أهم المعوقات الرئيسية التي تحد من تنمية هذه السبل، وصولاً إلى وضع مجموعة من الآليات والبرامج التي يمكن أن تساعد على تنمية سبل العيش للسكان داخل هذه المخيمات. كذلك تهدف الدراسة من جانب آخر إلى التعرف على الدور الذي يمكن أن تلعبه مختلف الأطراف في تنمية سبل العيش، وتقديم مجموعة من التوصيات للتخفيف من أثر المعوقات التي تحد من تنمية سبل العيش وبما يعزز من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للسكان ضمن هذه المخيمات.
يتقدم مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بجزيل الشكر والتقدير للجهود التي بذلتها مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية لمساعدتها في تنفيذ الجانب الميداني للدراسة من خلال مكتبها في مدينة إعزاز.
يتكون مجتمع الدراسة من الأفراد المقيمين في مخيمات النزوح داخل سورية من الذكور والإناث ممن هم في سن العمل، وهم يمثلون وحدة التحليل في هذه الدراسة.
تتكون عينة الدراسة من (107) مستجوب تم اختيارهم وفق تقدير الباحث بطريقة الملاءمة، وقام الباحث باستهداف العينة في مخيم باب السلامة في مدينة إعزاز ومخيم الجبل في مدينة جرابلس في منطقة درع الفرات. وقد تم اختيار هذين المخيمين كونهما من المخيمات المكتظة بالنازحين، ووجودهما في منطقة تمتاز نسبياً بالاستقرار الأمني، ووجود نوع من التنظيم والإشراف على مخيمات هذه المنطقة. كما أن هاتين المدينتين أخذتا تشهدان حالة من عودة الحياة الاقتصادية إليهما ووجود توجه من الحكومة التركية لإعادة الإعمار الاقتصادي لهذه المناطق وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للسكان. وبالتالي تتيح لنا هذه العوامل دراسة وتقييم واقع وتحديات سبل العيش للأفراد القاطنين في مخيمات النزوح بشكل أفضل.
مع الأخذ بعين الاعتبار الحدود الزمنية والمكانية لإنجاز الدراسة والتي بذل القائمون على إعدادها جهود كبيرة لضمان تمثيل العينة المختارة لمجتمع الدراسة، إلى جانب الصعوبات التي واجهتهم في اختيار العينة الملائمة ضمن هذه المخيمات نتيجة عدم رغبة الكثير من النازحين لملء الاستمارة والتعاون مع الباحث. بسبب خصوصية موضوع الدراسة الذي يتعلق بدمج القاطنين في المخيمات اقتصادياً واجتماعياً مع مناطق تواجدهم. ولشعور عدد منهم بأن الهدف منه سياسي، وتحديداً التوطين وتجاهل حق العودة لمناطقهم الأصلية. إلى جانب عدم ثقة قسم منهم بجدوى مثل هذه الدراسات.
تحتوي منطقة درع الفرات على تجمعين للمخيمات أحدهما في مدينة إعزاز وهو الأقدم منذ النشأة، إذ أنه أنشأ مع بدء تدفق النازحين إلى المناطق المحررة في ريف حلب الشمالي عام 2012 عندما اكتمل تحرير معظم الريف الشمالي. بينما يقع التجمع الآخر في ناحية جرابلس وهو حديث نسبياً، حيث تم إنشاؤه بعد تحرير الناحية من قوات تنظيم الدولة في الأشهر القليلة التي تلت بدء عملية درع الفرات في شهر آب لعام 2016. في حين استمر تدفق النازحين إلى هذه المناطق في فترات وظروف مختلفة من تاريخ النزاع حتى الوقت الحاضر. بسبب تفضيل الكثير من النازحين والجهات المانحة على حد سواء مدينتي إعزاز وجرابلس نظراً لبعدها عن خطوط الجبهات وقربها من الحدود التركية والمجال الجوي التركي، الأمر الذي جعلها بمنأى عن التعرض للقصف والغارات الجوية إلى حد كبير مقارنة بغيرها من المناطق. ويحتوي تجمع إعزاز على 20 مخيم يوجد داخلها 97000 نازح، في حين يوجد 5 مخيمات في تجمع جرابلس يوجد داخلها 17000 نازح([2]). ويبين الشكل (1) والشكل (2) تفصيل أكثر عن الشرائح العمرية لسكان هذه المخيمات. إلى جانب ذلك يوجد عدد من النازحين الذين يعيشون مع أسرهم خارج أسوار هذه المخيمات في خيم عشوائية أو في سياراتهم الخاصة. ويبلغ عددهم في جرابلس حوالي 814، بينما لا تتوافر احصائيات عن عددهم في مدينة إعزاز([3]). كذلك يبين الشكل (1) عدد ونوع الفئات المستضعفة ضمن هذه المخيمات.
تم استخدام المنهج الوصفي التحليلي في هذه الدراسة في وصف وتفسير وتحليل واقع سبل العيش في مخيمات النزوح الداخلي، حيث يمكن من خلال هذا المنهج جمع البيانات من مجتمع الدراسة لمحاولة تحديد الواقع الحالي لسبل العيش والتحديات التي تحول دون تنميتها، ومن ثم تحليل مضمون البيانات التي تم جمعها وصولاً إلى عرض النتائج.
أما بالنسبة لطرائق جمع البيانات فقد تم الاعتماد على نوعين من البيانات:
لا توجد أرقام دقيقة لعدد النازحين داخل سورية، لكن بعض المصادر تحدد ولو بشكل تقريبي أرقاماً نسبية لهذا العدد، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى عدم استقرار النازحين وانتشار وجودهم في كافة أنحاء سورية وخاصة في المناطق شبه الآمنة.
منذ بداية النزاع أجبر أكثر من نصف سكان سورية على ترك منازلهم، وشهدت الأعوام 2011-2018 تزايداً متفاوتاً في حركة النزوح. ويقدر أن حوالي 8684 شخصاً أجبروا على مغادرة منازلهم أو مناطق إقامتهم يومياً في عام 2018. كما أن هناك ما لا يقل عن 5.2 مليون شخص لجؤوا إلى دول الجوار حتى نهاية آذار/مارس 2018. في حين بلغ عدد النازحين داخل سورية وفقاً لمركز مراقبة حركة النزوح الداخلي (6.6) مليون بتاريخ 15-04-2018، ويمثل الأطفال تقريباً ما لا يقل عن نصف هذا العدد، بينما يشكل الذكور والإناث نسبة 49% و51% على التوالي([4]). وبذا تعد سورية الآن البلد ذات العدد الأكبر من النازحين داخلياً في العالم([5]).
كما يبين الشكل (4) كثافة التوزع النسبي للأفراد النازحين في مختلف مناطق سورية والعدد التقريبي للأفراد ذوي فترة النزوح طويلة الأجل في المحافظات السورية.
توزعت مخيمات النزوح في معظم أرجاء سورية على اختلاف مناطق السيطرة العسكرية، واتسمت غالبيتها بالعشوائية وفقدانها لأدنى مقومات الحياة والنقص الكبير في تقديم المساعدات الإنسانية. وقد أدى تبدل السيطرة العسكرية على بعض المناطق إلى إزالة البعض من هذه المخيمات أو اضطرار سكانها إلى النزوح إلى أماكن أخرى لدواعي أمنية. ويبين الشكل (5) توزع مخيمات النزوح في سورية في بدايات عام 2018. إلا أن التركز الأكبر لمخيمات النزوح السوري كان في مناطق الشمال السوري التي احتضنت العدد الأكبر منهم منذ بداية اندلاع النزاع في بدايات عام 2011 حتى الوقت الحاضر.
ويُشير الواقع الحالي لمخيمات النازحين في الشمال السوري إلى وجود نوعين من المخيمات، وهي المخيمات النظامية التي تكفلت منظمات محلية ودولية برعايتها وتقديم الحاجات الأساسية لها، والمخيمات العشوائية التي أقامها الأهالي لتأمين مكان آمن يختبئون فيه بعيداً عن دائرة المعارك فاعتمد البعض منهم على الخيم القماشية فيما اعتمد آخرون على استخدام المرافق العامة كالمدارس وغيرها ملاذاً له. وتصنَّف غالبية هذه المخيمات في الشمال السوري تحت مسمى المخيمات العشوائية وفق تصنيف قطاع وإدارة تنسيق المخيمات. وقد بلغ عدد النازحين في هذه المخيمات بتاريخ 4 نيسان من عام 2018 (857324) نازحاً. في حين بلغ عدد مخيمات النزوح في الشمال السوري في 4 نيسان من عام 2018 (790) مخيماً. ويقدر عدد النازحين في مخيمات ريف حلب بـ (303790) نازحاً وبنسبة (35.01%) من عدد المقيمين في مخيمات النزوح في الشمال السوري. كذلك يبلغ عدد النازحين في مخيمات إعزاز وجرابلس (224923) نازح.
يندرج القسم الأكبر من مخيمات النزوح الداخلي ضمن مسمى المخيمات العشوائية وهي المخيمات التي يتم إنشاؤها من قبل النازحين أنفسهم بشكل ارتجالي نتيجة اضطرارهم لمغادرة مناطقهم بشكل مفاجئ دون أن يكون هناك أي إشراف من قبل أي جهة على هذه المخيمات. ونتيجة لانتشارها الكبير في مناطق الشمال السوري وتقاربها من بعضها نشأت مشكلة تداخل حدود هذه المخيمات، الأمر الذي يستحيل معه رسم خارطة دقيقة لها، أضف إلى ذلك حالة عدم استقرار هذه المخيمات التي يتم إزالة بعضها بعد تأسيسها أو انتقالها لمنطقة أخرى لأسباب متعددة. فضلاً عن عدم انطباق معايير الحياة السليمة فيها وعدم توفر الخدمات الأساسية للنازحين مما يزيد في معاناتهم اليومية. ووفقاً لتصنيف قطاع إدارة وتنسيق المخيمات فإن نسبة المخيمات العشوائية تبلغ 85.9%([7])-([8]). وتعزى هذه النسبة المرتفعة لمجموعة من العوامل التي تتمثل بعدم وجود إدارة مركزية للإشراف على هذه المخيمات وتقديم معلومات إحصائية دورية ومتكاملة عن أعداد المخيمات والقاطنين داخلها، والتراجع الكبير في دعم ملف المخيمات من قبل الوكالات والمنظمات الدولية، إلى جانب التقصير الكبير من قبل المنظمات المحلية لتلبية متطلبات هذه المخيمات وعدم إيلاءها الاهتمام الكافي بتخصيص جزء مناسب من موازناتها لذلك. مما تسبب بحرمان نسبة كبيرة من هذه المخيمات من المساعدات الإنسانية([9]). وقد كان لتفشي الفقر والبطالة الطويلة الأمد تداعيات سلبية كبيرة على قطاعي الصحة والتعليم مع النقص الحاد في الأدوية وارتفاع أسعارها. ويُقدر أن 82% من أماكن تجمع النازحين تعتمد بشكل كامل على المساعدات الإغاثية لتلبية حاجاتها الأساسية، فيما يقدر بأن 85% منهم غير قادرين على تلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية الشهرية من دون هذه المساعدات([10]).
ونظراً لغياب أفق واضح لمصير هذه المخيمات واستطالة وجودها، بدأت ترتسم معالم وجود توجه يقتضي بأن يطبق على هذه المخيمات معايير المجتمعات الثابتة وليس معايير sphere ([11]). وذلك لكون المخيمات الحالية أصبحت مجتمعات ثابتة، وقد مر على إنشائها سنوات تجاوز الستة في كثير منها، إلى جانب تحول العديد من التجمعات التي تحتوي على هذه المخيمات إلى ما يشبه القرى الصغيرة المتناثرة، واتخذت تسميات باتت تُعرف بها من قبل جميع السكان في مناطق وجودها، فضلاً عن تشكل الأسواق التجارية المتكاملة وتوفر الكهرباء والمياه والطرق وغيرها من الخدمات الأخرى([12]).
في الجانب القانوني، ينص القانون الدولي على وجوب تمتع الأشخاص المهجرين داخلياً بكامل حقوقهم إلى جانب المساعدة الإنسانية والحماية وهو ما يقع على عاتق الدولة، وتصبح المساعدة والحماية الدولية ضرورة عندما تكون السلطات الوطنية غير قادرة أو غير راغبة بالوفاء بالتزاماتها، أسوة بحماية حقوق اللاجئين والتزامات الدول المنصوص عليها ضمن أحكام المعاهدة الدولية الخاصة باللاجئين لعام 1951، والتي تشمل في حالة النازحين المساعدة في توفير الطعام والمأوى الملائم والرعاية الصحية والتعليم، وتسهيل تطبيق الحلول الدائمة الطوعية المتمثلة في العودة إلى الديار الأصلية([13]).
إلا أن واقع الحال يشير إلى أن المجتمع الدولي قام بتطبيق ما ورد في هذه المعاهدة في حدوده الدنيا على النازحين داخل سورية خلال السنوات الماضية، على الرغم من زيادة عدد النازحين داخلياً في سورية عن ضعفي عدد اللاجئين خارجها، ورزوحهم تحت خطر يفوق التخيل. حيث تذرعت الأمم المتحدة بالوضع الأمني لأماكن وجودهم ووجود مخاطر في عملية إيصال المساعدات إلى داخل سورية، وعدم قدرتها على العمل في أماكن تسيطر عليها بعض الفصائل العسكرية المتشددة. مما أدى إلى تفاقم الوضع المعيشي لهؤلاء النازحين في جميع القطاعات مع طول أمد وجودهم في هذه المخيمات. أضف إلى ذلك قيام الأمم المتحدة بتقديم المساعدات لإيصالها لأماكن النزوح عبر مؤسسات حكومة نظام الأسد، الذي كان المتسبب الرئيسي في نزوحهم من مناطقهم، الأمر الذي حرمهم من الاستفادة من هذه المساعدات بعد قيام هذه المؤسسات بسرقتها وبيعها في السوق السوداء وفق للعديد من التقارير الميدانية([14]). وقد أدى قيام الأمم المتحدة باعتماد النظام كأحد أطراف النزاع لإدارة توزيع مليارات الدولارات الأمريكية من المساعدات الدولية إلى التسبب في مصرع آلاف المدنيين بسبب التجويع أو الأمراض الناتجة عن سوء التغذية أو عدم الوصول إلى المساعدة الطبية. إلى جانب ذلك فقد أعلن تحالف مؤلف من 73 منظمة غير حكومية ومجموعة مساعدات تعمل في مناطق سيطرة المعارضة السورية في 8 أيلول من عام 2016 عن انسحابه من آليات رقابة مشتركة يديرها مكتب الأمم المتحدة في دمشق، وذلك احتجاجاً على ما وصفه بميول الأمم المتحدة الموالية لنظام الأسد وفقدانها الثقة بطريقة عمل المنظمة. وكانت رسالة الانسحاب هذه إشارة سياسية واضحة من هذه المنظمات ذات الصلة بمجموعات معارضة أو حكومات موالية للمعارضة السورية والتي تقدم المساعدات لأكثر من سبعة ملايين نسمة في سورية والدول المجاورة. الأمر الذي أدى عملياً إلى عدم تمكن الأمم المتحدة من الاستمرار في مواكبة ما يجري في شمال سورية وفي المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة حيث تقوم المنظمات الأهلية بالجزء الأكبر من عملها([15]). وقد أدى ما سبق إلى تفاقم الوضع الإنساني في هذه المخيمات. إلا أن المشكلة المستمرة تكمن في عدم قدرة الأفراد على تأمين لقمة العيش، فهناك نقص حاد للواردات الغذائية ومعظم سكان هذه المخيمات من العاطلين عن العمل أي لا دخل لديهم لتأمين احتياجاتهم التي لم تستطع المعونات المقدمة سد رمقهم فيها.
تقع منطقة درع الفرات في الشمال السوري، وتمتد على طول الشريط الحدودي الذي يفصل بين سورية وتركيا بمساحة تقدر بحوالي 2269 كم2، ويشكل نهر الفرات الحدود الطبيعية الشرقية لها مما يجعلها غنية بالمياه الصالحة للشرب والزراعة. وقد عانت هذه المنطقة من تبعات النزاع في سورية الذي أدى إلى دمار كلي في البنية التحتية لها وهجرة رؤوس الأموال الصناعية إلى المدن التركية؛ فضلاً عن هجرة اليد الماهرة منها إلى تركيا وأوربا، كما أنها عانت من الانكماش التجاري نتيجة الحصار الذي تخضع له من جانب قوات نظام الأسد جنوباً، إلى جانب ضعف حجم التبادل التجاري مع تركيا الذي اقتصر خلال الفترة الماضية على استيراد المواد الأساسية وإدخال المواد الإغاثية.
إن الانتعاش في الحياة الاقتصادية لمنطقة درع الفرات غير متوازن من حيث القطاعات. إذ يتركز النشاط الاقتصادي في هذه المنطقة في الفترة الحالية عموماً حول النشاط التجاري نظراً لقرب مناطقها من الحدود التركية وتوافر فرص التبادل التجاري والاستقرار الأمني الذي تعيشه المنطقة. ويتركز هذا النشاط بشكل أساسي في كل من مدن إعزاز والباب وجرابلس والراعي نظراً لوجود ثلاث معابر على الحدود مع تركيا كما يبين الشكل(6).
وتشهد المعابر حركة عبور كبيرة للبضائع من الأراضي التركية إلى المنطقة وعبرها إلى المناطق والمدن المجاورة؛ الأمر الذي أسهم في حل جزء كبير من المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها المنطقة من خلال زيادة تدفق رؤوس الأموال إليها وإحياء النشاط التجاري والصناعي. إذ يتم تصدير بعض المنتجات الزراعية بشكل محدود واستيراد البضائع التركية والمواد الخام اللازمة للأنشطة الصناعية، ولتجد هذه البضائع طريقها إلى مناطق الريف الشمالي ومدينة حلب عن طريق مجموعة من التجار والوسطاء الذين يشكلون دوراً هاماً في تأمين المواد الأساسية للسكان مثل المواد الغذائية ومواد البناء وبعض السلع الأخرى. وتتصدر تجارة المواد الغذائية الحركة التجارية بنسبة 35%، تليها تجارة الحبوب بنسبة 19%، ثم تجارة البذور والأسمدة بنسبة 14% لكل منهما وتجارة مواد البناء بنسبة 12%([16]). إلا أن الملاحظ هو كون هذه الحركة في غالبيتها هي باتجاه واحد من تركيا إلى هذه المناطق؛ مما يوجب العمل على دعم قطاعي الزراعة والصناعة لتنشيط دورة الحياة الاقتصادية وتأمين فائض للتصدير.
تشهد المنطقة بوادر لعودة النشاط الصناعي، فقد شجع مناخ الاستقرار النسبي الذي تعيشه المنطقة على إعادة تفعيل بعض المصانع القائمة وافتتاح مصانع جديدة في بعض المدن. ففي مدينة الباب تم افتتاح عدد من المصانع لمواد البناء وإنتاج البطاريات الصناعية والمنتجات الغذائية ومواد البناء والعديد من المنتجات الأخرى. وبالمقابل أعاق دمار البنية التحتية والنقص في الخدمات العامة افتتاح عدد من المصانع والورشات الموجودة، وحالت دون افتتاح مصانع وورشات جديدة. أضف إلى ذلك النقص في الموارد الخام وارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج وعدم توافر الوقود في الكثير من الأحيان وعدم توافر التيار الكهربائي، في حين تنشط في بعض المدن الأخرى بعض الورش الصناعية الصغيرة مثل ورشات الحدادة والأحذية والخياطة وصناعة المنظفات وورش صناعة مواد البناء، وورش إصلاح الآليات إلى جانب انتشار بعض معاصر الزيتون. حيث تؤَّمِن هذه الورش مصادر للدخل وتغطية الاحتياجات الاستهلاكية الأساسية لنسبة من سكان هذه المنطقة.
فيما يتعلق بالنشاط الزراعي تعد المنطقة زراعية بامتياز. ونتيجة لما شهدته هذه المنطقة من أعمال عسكرية فقد تقلصت مساحة الأراضي القابلة للزراعة. ويعتمد السكان في الوقت الحاضر على زراعة بعض المحاصيل الزراعية مثل الحبوب وبعض الأشجار المثمرة. ويعاني القطاع الزراعي من ارتفاع تكلفة الإنتاج الزراعي والحيواني، إلى جانب انخفاض أسعار المحاصيل الزراعية، وصعوبة تصدير بعض المحاصيل الزراعية الاستراتيجية وعدم وجود أسواق لتصريفها، الأمر الذي أدى إلى إحجام المزارعين عن زراعتها. وقلة عدد المنظمات التنموية المعنية بتنمية النشاط الزراعي والحيواني في المنطقة. ونظراً للطابع الزراعي لهذه المنطقة شهدت الآونة الأخيرة دخول إحدى أكبر الشركات التركية الزراعية إليها مع وجود توجه لدى الحكومة التركية لتمكين المنطقة اقتصادياً، وسيترافق دخول هذه الشركة مع دخول شركات أخرى تعمل في مجال دعم المشاريع الصغيرة. وتسعى الشركة إلى افتتاح مكتب لها في الداخل السوري، وذلك لتسهيل استثماراتها في المنطقة، في حين أن تعاملها سيكون بشكل مباشر مع المجالس المحلية بالتنسيق مع المكاتب الزراعية لديها([17]).
إلى جانب ذلك، ساهمت الحاجة الكبيرة إلى السكن بسبب ازدياد أعداد الوافدين والعائدين إلى المنطقة في إحياء وازدهار قطاع البناء الذي استطاع توفير الكثير من فرص العمل للسكان([18]). كذلك كان هناك انعكاس إيجابي لهذا الازدياد من خلال قيام عدد من الوافدين في دعم اقتصاد المنطقة عبر ضخهم لكمية من رؤوس الأموال في هذا القطاع.
نظراً لحاجة المنطقة إلى مشاريع تنموية كبيرة لإعادة تنشيط وإنعاش الحياة الاقتصادية فيها؛ تحاول المجالس المحلية العمل على توفير الظروف المناسبة لإطلاق مشاريع تنموية وخاصة في قطاع الزراعة، نظراً للإمكانيات التي تتمتع بها المنطقة من حيث طبيعة الأراضي الخصبة والجو الملائم لزراعة بعض المحاصيل. مما سيسهم في توفير فرص العمل والحد من البطالة، واستثمار الطاقات البشرية والخبرات الموجودة لدى المقيمين والنازحين على حد سواء لتنمية هذه المنطقة ومساعدة السكان على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
بالنسبة للجهات الناظمة للحياة الاقتصادية في المنطقة، فتنشط المجالس المحلية ولجنة إعادة الاستقرار في مناطق الدرع في محاولة منها لتنظيم القطاعات الاقتصادية وإعادة الإعمار الاقتصادي. إذ تحاول المجالس الإسهام في تنظيم هذه القطاعات عبر إحداثها بعض المكاتب التخصصية(([19])). إلى جانب قيام الحكومة التركية بتقديم الدعم الفني لهذه الجهات للتسريع في عملية إنعاش هذه المنطقة اقتصادياً عبر إطلاقها جملة من المشاريع الاقتصادية مثل مشاريع الإسكان، ومشروع تأسيس مدينة صناعية في مدينة الباب في 10 شباط من عام 2018. والتي من المتوقع أن تعمل على جذب معظم الصناعيين والتجار في المنطقة خلال الفترة المقبلة وإيجاد آلاف فرص العمل للشباب العاطلين عن العمل([20]). بعد أن عانت المنطقة خلال السنوات الماضية من غياب المشاريع الاستثمارية الضخمة التي تساعد على تشغيل الأيدي العاملة وتقليل نسب البطالة.
يبلغ عدد سكان المنطقة حوالي (987845) شخص يتوزعون في تسع مدن رئيسية كما يبين الشكل (7). وهذا الرقم في تزايد مضطرد بسبب حركة النزوح الداخلي باتجاه هذه المنطقة وعودة اللاجئين السوريين من تركيا. ويبلغ عدد المجالس المحلية الرئيسية في المنطقة 10 مجالس، يتبع لكل منها مجالس صغيرة تتلقى الدعم منها، ويتعامل الجانب التركي مع المجالس المحلية الرئيسية في المنطقة بصفتها حكومات محلية بيدها إدارة شؤون المنطقة كاملة، وتعتبر قوات الشرطة والأمن العام ذراعاً تنفيذية في كثير من الأحيان في الأمور التنظيمية وتطبيق القوانين التي تفرضها المجالس على الأهالي. ويشرف الجانب التركي بشكل شبه كامل على المجالس المحلية في المنطقة منذ أن بدأ بصرف رواتب شهرية لموظفيها، وبعد أن تولت "إدارة الطوارئ والكوارث التركية/آفاد" مسؤولية الإشراف الكامل على العمل الإنساني والإغاثي في المنطقة ومنعت أي منظمة أجنبية أو محلية من العمل فيها من دون إشرافها عليها. وتتبع المنطقة إدارياً إلى ولايتي غازي عينتاب وكيليس جنوبي تركيا. وانتدب الجانب التركي ممثلاً عنه في كل مجلس يحمل الصفة الرسمية: "مساعد والي"، وهو بمثابة والٍ على المدينة التي تتبع لها قرى ومزارع، وهذا المنصب يتسلمه 10 أشخاص هم بمثابة صلة الوصل بين المجالس المحلية والوالي([21]).
لا يمكن النظر إلى المدن في مناطق درع الفرات بأنها ذات سوية واحدة في توافر الخدمات والبنية التحتية، ويوجد اختلاف بين مدينة وأخرى، وهناك جهود تبذل من قبل الحكومة التركية بالتعاون مع المجالس المحلية ولجنة إعادة الاستقرار لتغطية جميع هذه المدن بالخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والاتصالات والنقل وغيرها من الخدمات وإعادة تأهيل البنية التحتية لها بهدف توطيد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لسكان هذه المناطق([22]). وتأمين العودة الكريمة للاجئين السوريين من هذه المناطق من المقيمين في تركيا. ويعود الاختلاف في ذلك إلى ارتباط المجالس المحلية في بعض المدن كالباب وجرابلس مع ولاية غازي عنتاب التي تلقت عناية أكبر، من ناحية حجم الخدمات المقدمة ونوعيتها وكثافتها. مقارنة بمجالس المدن المرتبطة بولاية كيليس كمدن إعزاز ومارع وصوران الذي يعود إلى فوارق الإمكانيات بين الولايتين.
تتركز مشكلات سكان منطقة درع الفرات بشكل أساسي في نسبة البطالة المرتفعة والارتفاع في معدلات الفقر وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين بشكل كبير، إلى جانب عدم توفر السكن مع ارتفاع الحاجة له بعد تزايد أعداد الوافدين والعائدين إلى المنطقة. مما أدى إلى ارتفاع أسعار إيجارات السكن بشكل لا يتناسب وإمكانات السكان المادية مع قلة فرص العمل وارتفاع تكاليف الحياة المعيشية. الأمر الذي انعكست آثاره السلبية بشكل أكبر على المهجرين والنازحين إلى هذه المناطق، مما أدى إلى بقاء العديد منهم ضمن المخيمات أو اضطرارهم للسكن في منازل مدمرة غير صالحة للسكن، ناهيك عن عدم تمكن نسبة كبيرة منهم من الحصول على أي فرصة عمل.
فيما يتعلق بمصادر دخل السكان، فقد أفرزت الأحداث التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية انعكاسات سلبية على حياة الأفراد نتيجة التدهور الكبير في مؤشرات سوق العمل، وفقدان نسبة كبيرة منهم لسبل عيشهم. بحيث أصبح اهتمامهم الرئيس في الوقت الحاضر منصباً على البحث عن عمل يقيهم شظف العيش بعد أن أصبح عبء تكاليف المعيشة ثقيلاً عليهم في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يكابدونها. ونظراً لطبيعة المنطقة الزراعية كما بينا سابقاً، فقد احتلت الزراعة المصدر الأول للدخل وفقاً لتقييم أعدته وحدة تنسيق الدعم في عام 2017 في المدن الرئيسية لهذه المنطقة. كما شملت مصادر الدخل الأخرى العمل في المهن الحرة والتجارة والصناعة والإسكان والعمل اليدوي وبيع المواشي ومنتجاتها والاعتماد على الحوالات المالية الواردة من الأقارب، إلى جانب الاعتماد على المساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات الإغاثية المحلية والدولية. وبات استخدام أكثر من وسيلة لكسب العيش لدى الأسر هو الشكل الأكثر شيوعاً في المنطقة([23]). نتيجة للتغيرات الكبيرة في جودة الحياة وطرق كسب العيش، وبعد أن أصبح الدخل المتولد من العمل وحده غير كاف لتغطية نفقاتها في كثير من الحالات نتيجة للانخفاض الكبير في مستوياته إلى جانب ارتفاع الأسعار، بحيث بات السكان ينفقون أكثر مما يكسبون. مما دفع الكثير من هذه الأسر إلى الاعتماد على مزيج من العمل والمساعدات الإنسانية لمقابلة احتياجاتها. إلى جانب الانتشار الواسع للأعمال غير الرسمية وغير المشروعة مثل تهريب البضائع. كذلك لوحظ انتشار بعض الأنشطة غير المقبولة اجتماعياً بهدف كسب العيش، كما برزت ظاهرة التوظيف لدى منظمات المجتمع المدني والمجالس المحلية والمنظمات غير الحكومية العاملة في المنطقة.
ويبين الشكل (8) أهم مصادر دخل السكان في المدن الرئيسية لمنطقة درع الفرات، والتي تتركز بشكل كبير في قطاعي الزراعة والتجارة.
فيما يلي تحليل لإجابات أفراد عينة الدراسة على الاستبانة البحثية المقدمة لهم.
أظهرت المعطيات الميدانية أن أفراد عينة الدراسة تتكون من الذكور بنسبة (90%) بينما بلغت نسبة الإناث (10%) كما يبين الشكل (9)، ويرجع انخفاض نسبة مساهمة النساء في عينة الدراسة إلى النظرة الاجتماعية المتحفظة تجاه عمل المرأة لدى العديد من العائلات السورية المقيمة داخل مخيمات النزوح، والتي تنتمي في غالبيتها إلى مجتمعات مدنية وحضرية ذات طابع محافظ. كذلك مثلت العوامل المرتبطة بالعادات الاجتماعية مانعاً من مشاركة الإناث في الاستجابة للمشاركة في تنفيذ الدراسة عبر ملء الاستبانة.
تركزت غالبية أعمار عينة الدراسة في فئة (30-19) وبنسبة (41%)، تلتها الفئة العمرية (40-31) بنسبة (34%)، وتمثل هاتين الفئتين الشريحة العمرية من الأفراد المقيمين في المخيمات والباحثة عن تأمين سبل العيش والتي تستهدفها هذه الدراسة بشكل أساسي. بينما حلت الفئة العمرية (أكبر من 40) في المرتبة الثالثة بنسبة (22%)، في حين حلت في المرتبة الأخيرة الفئة العمرية أقل من (18%) كما يبين الشكل (10).
وتعكس الفئة العمرية لعينة الدراسة تنوعاً في أعمار المستجوبين وتوازناً منطقياً من حيث النسب المئوية، مما يساهم في إغناء النتائج التي ستقدمها الدراسة.
بينت نتائج الدراسة الميدانية انخفاض المستوى التعليمي لدى عينة الدراسة، حيث بلغ مجموع نسبة حملة الشهادة الجامعية والمعهد المتوسط نسبة 23% فقط، في حين بلغت نسبة حاملي الشهادة الثانوية وما دون نسبة 77%. كما يبين الشكل (11). مما يؤشر إلى أن غالبية الأفراد من حملة الشهادات الجامعية من النازحين يقيمون خارج هذه المخيمات، بعد أن تمكن قسم كبير منهم من تأمين فرص عمل مكنَّتهم من تغطية تكاليف معيشتهم والاستقرار خارج مخيمات النزوح. ويفرض هذا بدروه تحدياً كبيراً على الجهات المهتمة بتنمية سبل العيش داخل هذه المخيمات للأفراد ذوي المستوى التعليمي المتدني التي تتطلب جهود وتكاليف أكبر لتأهليهم لسوق العمل. فضلاً عن وجود نسبة من الأفراد الأميين داخل هذه المخيمات.
تبين المعطيات أن غالبية أفراد العينة تراوح عدد سنوات وجودهم في مخيم النزوح بين (1-3) سنوات وشكل نسبة (64%) منها. في حين أن نسبة (28%) منهم تقل فترة وجودهم في المخيم عن السنة، بينما بلغت نسبة من تجاوزت فترة وجوده في المخيم (3) سنوات نسبة (8%) كما يبين الشكل (12). وتفسر هذه النسب بأن الأفراد الذين هم في سن العمل لا يستقرون لفترات طويلة داخل هذه المخيمات مقارنة بالنساء وكبار السن والأطفال. نظراً لصعوبة الحياة المعيشية واضطرارهم للبحث عن العمل خارج هذه المخيمات لإعالة عائلاتهم.
يمكن تصنيف مصادر دخل سكان المخيم ضمن مجموعتين، تشمل المجموعة الأولى المصادر المعتمدة على المساعدات والإعانات المقدمة من قبل الجهات والمنظمات المهتمة بدعم سكان هذه المخيمات، إلى جانب بعض المصادر التي تشمل المدخرات الشخصية واعتماد بعض السكان على أنفسهم في تأمين متطلباتهم الشخصية. ويبين الشكل (13) أهم مصادر التمويل ضمن هذه المجموعة.
ترى نسبة (42%) من عينة الدراسة أن المساعدات المقدمة من قبل المنظمات الدولية تأتي في مقدمة هذه المصادر من حيث الاعتماد عليها إلى حد كبير، بينما ترى نسبة (22%) منها أن هناك اعتماد إلى حد متوسط عليها، بينما ترى النسبة الباقية (43%) من العينة أن هناك اعتماد إلى حد منخفض على هذا المصدر. وتتركز هذه المساعدات بشكل أساسي على تقديم وجبات الطعام للمقيمين في المخيمات كمساهمة منها للتخفيف من النفقات المتعلقة بالغذاء، حيث أقام العديد منها مطبخ رئيسي في كل مخيم لتوزيع الوجبات المطبوخة والخبز على السكان، نظراً لارتفاع أسعار المواد الغذائية وعدم توفرها داخل بعض المخيمات مما يجبر النازحين على صرف جل دخلهم على الغذاء. في حين تشكل المساعدات المقدمة من المنظمات المحلية غير الحكومية وفقاً لـ (25%) من العينة أحد المصادر التي يعتمد عليها هذه المصادر إلى حد كبير، و(26%) إلى حد متوسط، في حين ترى نسبة (56%) منها أن هناك اعتماد إلى حد منخفض على هذه المساعدات كمصدر للدخل. تنشط العديد من المنظمات المحلية لتقديم المساعدات في هذه المخيمات من خلال توزيع السلال الغذائية والمواد الصحية ومواد التنظيف لتأمين المتطلبات المعيشية الضرورية. وبذلك تسهم هذه المساعدات في تغطية جزء من نفقات هذه العائلات. ووفقاً لغالبية سكان المخيمات فإن المساعدات التي يتلقونها تعد أكبر قيمة مما يمكن أن يوفروه لعائلاتهم إن هم حاولوا العودة إلى مناطقهم دون تأمين وظيفة أو سبيل للعيش؛ لذا يتشبث الكثير منهم بالبقاء في هذه المخيمات. إلا أن الواقع الحالي وفقاً للعديد من سكان هذه المخيمات يشير إلى وجود حالات فساد لدى بعض إدارات هذه المخيمات في توزيع المساعدات للسكان بشكل عادل أو سرقتها في بعض الأحيان، مما يؤثر بشكل كبير على مدى قدرتهم على مواجهة النفقات المعيشية نتيجة لغياب جهة رقابية رسمية للإشراف على هذه الإدارات، وأدى ذلك إلى تشكل مجموعات من المتنفعين من هذه المساعدات خلال السنوات الماضية سواء من المشرفين على هذه المخيمات أو حتى من قبل المنظمات التي يقوم البعض منها بتوزيع هذه المساعدات بغرض المتاجرة بمعاناة سكانها([24]). وبالتالي وعلى الرغم من تأقلم وتكيف السكان مع روتين الحياة في هذه المخيمات، لا يزال الكثير منهم يواجه تحديات خطيرة بسبب عدم الوصول المنتظم للمساعدات الإنسانية وبسبب عدم كفاية الموارد لدى المنظمات الداعمة، مما يجعل العديد من العائلات تكافح جاهدة من أجل إيجاد مصدر لكسب الرزق، وهو أمر يرتبط بقضايا عمالة الأطفال والزواج المبكر المستمرة في هذه المخيمات.
كذلك تمثل المساعدات المقدمة من الأقارب أحد هذه المصادر، حيث ترى نسبة (18%) من العينة أن هناك اعتماد إلى حد متوسط عليه، بينما ترى النسبة الباقية منهم (82%) أن هناك اعتماداً إلى حد منخفض عليه. يعتمد بعض سكان المخيمات على تلقي المساعدات من أقاربهم المقيمين خارج سورية لتأمين الحد الأدنى من متطلباتهم المعيشية إلى جانب قيام البعض منهم بالاستلاف من أقاربهم وأصدقائهم. إلا أنه ونظراً لطول فترة مكثهم في هذه المخيمات أصبح من الصعب الاعتماد على هذا المصدر لتغطية نفقات المعيشة.
من جانب آخر يعتمد سكان المخيمات على السحب من مدخراتهم الشخصية، فترى نسبة (25%) من العينة أن هناك اعتماد إلى حد متوسط على هذا المصدر، بينما ترى نسبة (6%) منها إلى أن وجود اعتماد كبير عليه، في حين ترى النسبة الأكبر من العينة (76%) إلى وجود اعتماد منخفض عليه. وتفسر النسب السابقة بكون السكان المقيمين في هذه المخيمات من الطبقات الاجتماعية الفقيرة التي ليس لديها القدرة على استئجار المنازل والعيش في المدن، بعد أن فقد الكثير منها أصولهم المادية ومدخراتهم نتيجة لنزوحهم من مناطقهم واستهلاك معظم هذه المدخرات مع استطالة أمد النزوح التي تجاوزت الأربعة أعوام لدى العديد من سكان المخيمات، وعدم القدرة على العودة إلى مناطقهم السابقة. مما تسبب بنفاذ معظم هذه المدخرات التي جلبوها معهم عند قدومهم.
كذلك ترى نسبة (16%) من عينة الدراسة أن هناك اعتماداً إلى حد متوسط من قبل السكان على بيع ممتلكاتهم الخاصة لتغطية متطلباتهم المعيشية، في حين أن ترى نسبة (3%) فقط أن هناك اعتماد كبير على هذا المصدر، وترى نسبة (81%) من العينة أن هناك اعتماداً منخفضاً على هذا المصدر لتغطية تكاليفهم المعيشية. فمع بدء رحلة النزوح اضطر الكثير من الأفراد بالتضحية بممتلكاتهم الخاصة كالسيارات والحلي وغيرها من المقتنيات لإعالة أنفسهم وتأمين نفقات عائلاتهم، وقد لعب طول فترة مكثهم في المخيمات وانقطاع سبل العيش لدى الكثيرين منهم دوراً كبيراً في استنزاف قيمة هذه الممتلكات وزيادة فقرهم ومعاناتهم. ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى اضطرار البعض من السكان المقيمين في بعض المخيمات إلى شراء خيمهم وتجهيزها من أموالهم الخاصة مما أثر بشكل كبير على نفاذ مدخراتهم نتيجة لانتشار المحسوبية في توزيع الخيم لدى بعض إدارات مخيمات النزوح. بينما لا تزال نسبة من سكان المخيم تتلقى راتبها من حكومة النظام السوري من المتقاعدين وممن لا يزال ضمن الملاك الوظيفي لبعض المؤسسات الحكومية للنظام. إذ ترى نسبة (18%) من عينة الدراسة أن هناك اعتماداً متوسطاً على هذا المصدر، بينما ترى نسبة (3%) أن هناك اعتماداً إلى حد كبير عليه، في حين ترى غالبية عينة الدراسة (86%) منها أن الاعتماد على هذا المصدر هو في حد منخفض. وهم في غالبيتهم من المتقاعدين والمعلمين، إلا أن هذا المصدر بدأ بالتلاشي هو أيضاً مع قيام حكومة النظام بإيقاف صرف الرواتب للمقيمين خارج مناطق سيطرته واشتراطه الحضور الشخصي لقبض هذه المرتبات وما يحمله ذلك من المخاطرة الأمنية لسكان هذه المخيمات.
إلى جانب مصادر الدخل السابقة لسكان المخيمات، فإن نسبة لا بأس بها من هؤلاء السكان تعتمد على نفسها لتأمين سبل عيشها من خلال عملها في بعض القطاعات كما يبين الشكل (14). ووفقاً لعينة الدراسة تأتي الأعمال الحرة في مقدمة هذه المصادر، إذ ترى نسبة (14%) منهم أن هناك اعتماداً إلى حد كبير على هذه الأعمال، بينما ترى نسبة (34%) منهم أن هناك اعتماداً إلى حد متوسط عليها، وترى النسبة الباقية (52%) وجود اعتماد إلى حد منخفض عليها. فنظراً لقلة فرص العمل المتاحة ضمن هذه المخيمات يلجأ السكان إلى ابتكار سبل عيش جديدة لتغطية نفقاتهم اعتماداً على خبراتهم الوظيفية السابقة قبل نزوحهم من مناطقهم.
وتتركز هذه الأعمال بشكل أساسي على الحرف اليدوية مثل مهن الحلاقة والخياطة والإكسسوارات. وقد قامت الكثير من النساء في هذه المخيمات بتحويل خيامهن إلى ورش عمل صغيرة لأشغال الخياطة والصوف والخرز وأعمال الصنارة والإبرة من أجل إعالة عائلاتهن بدلاً من استجداء المساعدات. على الرغم من الغياب الكبير لدعم المبادرات الإبداعية داخل هذه المخيمات وتنمية هذه الأعمال التي يمكن أن تشكل دعامة أساسية للكثير من الأسر في تأمين نفقاتها المعيشية([25]). وبالتالي لا بد من القيام بوضع برامج خاصة لتنمية هذه الأعمال وتقديم الحوافز المادية والمعنوية لنشرها داخل مخيمات النزوح، والعمل على تأمين جميع المستلزمات المطلوبة للأفراد الراغبين في تعلمها وكسب قوتهم منها. إلى جانب تأمين مستلزمات نجاحها عبر تقديم التدريب المهني المناسب وتقديم التمويل المتناهي الصغر لدعم الأفراد وتوفير التسهيلات المناسبة لتصريف المنتجات المصنَّعة.
في حين يشكل العمل في قطاع التعليم أحد مصادر كسب الرزق من خلال العمل في المدارس المنشأة داخل هذه المخيمات والمتبناة من قبل بعض المنظمات غير الحكومية، إذ ترى نسبة (13%) من العينة إلى أن هناك اعتماد إلى حد كبير على هذا المصدر، في حين يرى قسم آخر من العينة نسبته (20%) أن السكان يعتمدون على هذا المصدر إلى حد متوسط، بينما ترى النسبة المتبقية منها (67%) إلى وجود اعتماد بحد منخفض على هذا المصدر، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى أن المدارس التي تم إنشاؤها في هذه المخيمات تمت بمبادرات من قبل الأهالي حفاظاً على تعليم أبنائهم، لذا فإن غالبية المعلمين في هذه المدارس هم من المتطوعين الذين يقيمون في المخيمات وهم من أصحاب الكفاءات والخبرات التعليمية وذوي المؤهلات الجامعية، مع وجود بعض المنظمات الداعمة التي تكفلت بتغطية جزء من رواتبهم وتأمين مستلزمات هذه المدارس. إلا أن هذا الدعم وعلى مدار السنوات الماضية اتسم بمحدوديته وتوقفه في أحيان كثيرة، مما شكَّلَ عبئاً كبيراً في مدى القدرة على ديمومة التعليم في هذه المدارس، واضطر الكثير من الكادر التعليمي إلى التخلي عن مهنة التدريس والنزوح بين المخيمات للعمل بمهن أخرى لا تخدم المصلحة التعليمية([26]). الأمر الذي كان له تداعيات سلبية على ارتفاع نسبة الأطفال غير الملتحقين بالتعليم إلى مستويات كبيرة في مخيمات النزوح([27]). حيث تبرز بشكل واضح ظاهرة عمالة الأطفال في مخيمات النزوح الداخلي كأحد أبرز المظاهر السلبية التي تحمل العديد من التداعيات السلبية في حاضر ومستقبل أطفال هذه المخيمات. ولعل أحد أهم أسباب تسرب الأطفال من التعليم يرجع في جزء كبير منه إلى الظروف المادية الصعبة التي تعانيها العائلات القاطنة في هذه المخيمات مع غياب المعيل لدى الكثير منها؛ مما يجبر هذه العائلات على وضع اعتبارات أخرى مثل عمالة الأطفال لدعم الأسرة كأولوية أعلى من التعليم نظراً لعدم توفر الدخل الكافي اللازم لتغطية احتياجاتها المعيشية، إلى جانب غياب وجود المنظمات التي تتبنى تعليم هؤلاء الأطفال ودعم عائلاتهم([28]).
يمثل العمل في قطاع الزراعة وفقاً لرأي عينة الدراسة أحد مصادر كسب الرزق، فترى نسبة (6%) منها إلى أن هناك اعتماداً إلى حد كبير على هذا المصدر، في حين ترى نسبة (20%) منها أن هناك اعتماداً إلى حد متوسط عليه، بينما ترى بقية أفراد العينة (74%) منها أن هناك اعتماداً منخفضاً على هذا المصدر. يعتمد بعض سكان المخيم على العمل في الحقول الزراعية ومزارع الزيتون المجاورة للمخيم كعمال مياومه بأجور بخسة نظراً لحاجتهم الماسة لتأمين متطلبات المعيشة، ويتكون العمال بشكل أساسي من النساء والأطفال. وفيما يتعلق بالعمل في قطاع التجارة فترى عينة الدراسة بنسبة (5%) فقط أن هناك اعتماداً إلى حد كبير من قبل السكان على ممارسة العمل التجاري كمصدر للرزق، في حين ترى نسبة (21%) منهم أن هناك اعتماد إلى حد متوسط على هذا المصدر كوسيلة لكسب الرزق، بينما ترى غالبية أفراد العينة (74%) منهم وجود اعتماد إلى حد منخفض على هذا المصدر. حيث يمثل العمل في التجارة أحد وسائل كسب الرزق ويتركز في جانب كبير منه على افتتاح دكاكين صغيرة داخل هذه المخيمات والتي تتركز بشكل أساسي على المواد الاستهلاكية والألبسة. حيث تتشارك النساء مع الرجال العمل في هذه المهنة التي يتطلب العمل بها قليلاً من رأس المال للبدء به، وتعمل النسوة على تأمين الطلبيات من المراكز التجارية في المدن القريبة وإيصالها إلى المخيمات مقابل هامش ربح معين. وقد تطور الأمر بهذه الدكاكين حتى تحولت من دكاكين للبقالة، إلى محلات تجارية فيها كل المستلزمات، وشكلت سوقاً تجارياً متكاملاً في العديد من مخيمات الشمال السوري، ولم يعد هناك حاجة لذهاب النازحين إلى المدن الكبيرة للحصول على احتياجاتهم([29]).
إلى جانب ذلك تبرز ظاهرة الباعة الجوالون بين المخيمات للمتاجرة بالبضائع والسلع الجديدة والمستعملة، ورغم محدودية المكاسب المحققة من هذا النشاط إلا أن امتهانها من قبل العديد من النازحين أسهم في تغطية جزء من نفقاتهم المعيشية([30]).
كذلك تمثل الأعمال الخدمية أحد مصادر كسب الرزق لسكان المخيمات وترى نسبة (7%) من العينة أن هناك اعتماداً كبيراً على هذا المصدر، في حين ترى نسبة (16%) منها أن هناك اعتماداً متوسطاً عليه، بينما ترى النسبة الأكبر من العينة (84%) محدودية الاعتماد على هذا المصدر. كذلك ترى غالبية عينة الدراسة أن هناك اعتماداً إلى حد منخفض على الأعمال غير القانونية كمصدر لكسب الرزق كالعمل في التهريب عبر الحدود مع تركيا. إلى جانب هذه المصادر ينخرط سكان المخيمات في مهن أخرى متنوعة لتأمين سبل عيشهم، ووفقاً لعينة الدراسة فإن (10%) منها ترى أن السكان يعتمدون على هذه المهن إلى حد مرتفع، بينما ترى نسبة (15%) منهم اعتماد السكان عليها إلى حد متوسط، في حين ترى غالبية أفراد العينة (75%) منهم إلى وجود اعتماد محدود من قبل سكان المخيمات على هذه المهن لتغطية معيشتهم. وتتركز هذه المهن بشكل أساسي في العمل لدى الفصائل العسكرية التابعة للجيش السوري الحر، ويعمد من يملك سيارة إلى نقل الركاب والبضائع، وكذلك يقوم البعض بالعمل لدى منظمات الإغاثة غير الحكومية المعنية بتقديم الدعم والإغاثة لمخيمات النازحين، حيث تقوم بعض هذه المنظمات باستقطاب بعض الأفراد من هذه المخيمات للعمل لديها ومنحهم أجور تمَّكِنهم من تأمين احتياجاتهم المعيشية، غير أنه ووفقاً لبعض التقارير يتسم العمل في هذه المنظمات بعدم ديمومته في كثير من الأحيان، إلى جانب انتشار المحسوبية والواسطة في استقطاب الأفراد لها مما يؤثر بشكل كبير على كفاءة أداء العمل الإغاثي، وفقدان أصحاب المؤهلات من القاطنين في المخيمات لفرصهم في شغل هذه الوظائف([31]).
بعد التعرف على مصادر دخل سكان المخيمات، لا بد من تشخيص أهم المعوقات التي تحول دون تنمية سبل العيش في هذه المخيمات. ويعرض الشكل (15) أهم هذه المعوقات.
يمثل الوضع النفسي والاجتماعي للأفراد القاطنين في المخيمات أحد أبرز معوقات تنمية سبل العيش في مخيمات النزوح الداخلي، إذ يعيش معظم السكان في ظروف بعيدة عن ظروف الحد الأدنى للعيش الإنساني الكريم، إلى جانب شعورهم بالخوف وعدم الأمان من البيئة المحيطة وعدم القدرة على التكيف في إطارها. ووفقاً للعديد من الدراسات تٌشَّكِل حركات النزوح الداخلي مصدراً لكثير من المشكلات الاجتماعية الخطيرة مثل انتشار حالات التوتر وانعدام الثقة وعدم الاطمئنان والقلق الجماعي، إلى جانب دورها في إحداث التمزقات التي تطال بنية النظام الاجتماعي، وإسهامها كذلك في ارتفاع نسبة الأمراض الاجتماعية كالعنف والجريمة والسرقة والتي تؤدي في كثير من الحالات إلى فقدان الثقة في المجتمع بل وأحياناً معاداته([32]). كما يعتبر النزوح بيئة خصبة لكثير من الأمراض النفسية الخطيرة على الفرد والمجتمع بعد أن تحولت إقامة الأفراد في هذه المخيمات من الوضع المؤقت إلى الوضع الدائم وعدم قدرة البعض منهم على تقبل فكرة نقلهم من بيئتهم وحاضنتهم الاجتماعية إلى هذا المكان الذي يفقد فيه الكثير منهم خصوصيته وينتابه الشعور بفقدان كرامته. ويتفق أكثر من (70%) من عينة الدراسة على أهمية هذا العامل باعتباره أحد المعوقات الأساسية لعدم تنمية سبل العيش داخل مخيمات النزوح، بسبب غياب الحافز لدى الأفراد للقيام بأي نشاط في سبيل تأمين معيشتهم نتيجة للصدمات النفسية التي لم يتمكن الكثير منهم من التعافي منها بعد، وركون الكثير منهم إلى الاعتماد على المساعدات المقدمة من المنظمات الداعمة أو الاعتماد على عمل أطفالهم.
تواجه مخيمات النزوح الداخلي مشكلة عدم استقرار الأفراد القاطنين داخلها في كثير من الأحيان لأسباب ترتبط بالبحث عن ظروف معيشية أفضل نظراً للتمايز الموجود في بعض الأحيان بين مخيمات النزوح من حيث الدعم المقدم للقاطنين وتوافر البنية التحتية للإقامة، وتوافر الخدمات التعليمية والصحية وغيرها من الخدمات ذات الصلة. إلى جانب ذلك يميل النازحون من مناطق معينة إلى التجمع بالقرب من بعضهم البعض لصعوبة التكيف مع النازحين من مناطق أخرى. ونظراً للاكتظاظ الحاصل في بعض المخيمات لا يجد البعض منهم الفرصة لاختيار مخيم النزوح قريباً من أبناء منطقته، الأمر الذي يخلق العديد من المشكلات الاجتماعية بين القاطنين في المخيمات بسبب اختلاف العادات والتقاليد فيما بينهم إلى حد ما. مما يضطر البعض منهم لمغادرة هذه المخيمات والنزوح إلى المدن والقرى القريبة رغم صعوبة وضعهم الاقتصادي. وترى عينة الدراسة بنسبة قاربت (80%) منها أن عدم استقرار الأفراد داخل مخيمات النزوح أسهم بشكل كبير في عدم القدرة على حصر الكفاءات والمؤهلات التي يحوزها القاطنين فيها بشكل متكامل، وبالتالي كان لذلك تأثير سلبي على عدم قدرة إدارات هذه المخيمات للاستفادة من إمكانياتهم ومساعداتهم لتأمين فرص العمل.
في حين يبرز عامل عدم وجود جهات رسمية داعمة لتأسيس سبل العيش داخل المخيم من بين أهم المعوقات لتنمية سبل العيش وفقاً لرأي عينة الدراسة بنسبة (75%). تعد منظمات الإغاثة الجهة الوحيدة والرئيسية الداعمة لمخيمات النزوح الداخلي منذ تأسيسها، نظراً لحجم المساعدات الكبير المطلوب تقديمه لهذه المخيمات والتي ازداد عدد سكانها بشكل كبير منذ بداية وجودها في عام 2012، وعدم تبني دعم هذه المخيمات من أي جهة حكومية أو دولية رسمية بشكل مباشر. إلى جانب ذلك فقد تركَّزَ دعم المنظمات لها في غالبيته على الجانب الإغاثي باعتبار وجود هذه المخيمات حالة طارئة وغير دائمة، مع عدم لحظ مخصصات واضحة لتنمية سبل العيش في أجندات وخطط هذه المنظمات على مدار الأعوام الماضية؛ وبالتالي فإن عدم إدراج سبل العيش على سلم أولويات عمل هذه المنظمات شكل عائقاً هاماً في مدى قدرة سكان المخيمات على إيجاد فرص العمل وفقاً لرأي عينة الدراسة بنسبة تجاوزت (72%). الأمر الذي فاقم لاحقاً من مشكلة عدم قدرة هذه المنظمات على تلبية احتياجات القاطنين في هذه المخيمات بشكل دوري ومتواصل كون أغلب المنظمات المعنية بتقديم الإغاثة مرتبطة بمنظمات ومتبرعين من الخارج. وبالتالي خلق هذا الأمر نوع من الاتكالية من قبل بعض سكان هذه المخيمات للاكتفاء بما يقدم لهم من المواد الإغاثية. إلا أن بعض هذه المنظمات تنبهت لهذه المشكلة وقامت بتدخلات تنموية لتشغيل الأفراد القادرين على العمل في هذه المخيمات وقد شملت هذه التدخلات برامج النقد مقابل العمل إلا أن انتشارها كان محدوداً ولم تسهم إلا بتشغيل نسبة بسيطة جداً من القاطنين في هذه المخيمات. إلى جانب أن عدم القدرة على تغطية تكاليف استمراريتها أو انسحاب المنظمات الداعمة كان له العديد من التداعيات السلبية على سكان المخيمات بعد فقدان فرص عملهم وهذا ما حدث مع منظمة "MEDICAL" التي قامت بتوظيف نحو 1120 موظفاً وعاملاً من أبناء أحد المخيمات ليشكل انسحابها من المخيم مشكلة كبيرة عليهم وعلى الحياة الاقتصادية داخل المخيم([33]). وإلى جانب المنظمات الداعمة لم تولِ إدارات هذه المخيمات قضية تنمية سبل العيش الاهتمام المطلوب في أجندات عملها بحيث كان تركيزها منصباً على الجانب الإغاثي وكيفية استقطاب دعم المنظمات الإغاثية للمخيمات. وقد لعبت إدارات هذه المخيمات دوراً أساسياً في تردي أوضاعها من حيث عدم قيامها بوضع الأسس والضوابط والسياسات الناظمة لإدارة هذه المخيمات منذ بداية تأسيسها، إلى جانب عدم قيامها باتخاذ الإجراءات اللازمة للنهوض بواقعها وتطوير حلول فاعلة ومستدامة للمشكلات التي تعاني منها؛ ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى عدم امتلاك هذه الإدارات للخبرات والمؤهلات الإدارية والفنية المطلوبة للقيام بذلك. ومن جانب آخر أسهم غياب التعاون والتنسيق الفاعل بين إدارات هذه المخيمات ومنظمات الإغاثة والمجالس المحلية وغيرها من الأطراف ذات الصلة في تردي الجانب التنظيمي والإداري والخدمي ضمن هذه المخيمات، مما أدى إلى تفاقم المشكلات وتردي حياة السكان داخلها بشكل كبير. حيث أن كثير من المنظمات الإغاثية التي وجهت برامجها لتقديم الدعم الإنساني لمخيمات النزوح انسحبت منها ولم تواصل تقديم الدعم لأسباب ترتبط بسوء التنظيم والإدارة، وعدم مصداقية الإحصائيات وتقارير تقييم الاحتياجات المقدمة من جانب إدارات هذه المخيمات([34]). إلى جانب غياب الشفافية وعدم تقديم الكشوفات المالية اللازمة، وارتباط بعض هذه الإدارات بشبكات من المنتفعين والمتنفذين في مناطق وجودها. يضاف إلى ذلك أن وجود البعض من هذه المخيمات في أماكن تسيطر عليها بعض الفصائل العسكرية الإسلامية المتشددة كان له تأثيراً سلبياً في إحجام المنظمات الداعمة عن تقديم التدخلات التنموية والإغاثية لهذه المخيمات، بسبب تدخل هذه الفصائل في عمل إدارات هذه المخيمات وتعيين أشخاص مقربين منها لإدارتها، إلى جانب فرض أجنداتها عليها في كيفية التعامل مع منظمات الإغاثة واستلام المواد الإغاثية منها وتوزيعها ضمن هذه المخيمات، مما أسهم إلى حد كبير في انتشار حالات الفساد وعدم التوزيع العادل لهذه المساعدات الإغاثية.
في ذات السياق تفرض البيئة المادية لمخيمات النزوح نفسها على مدى قدرة الأفراد الراغبين للعمل للمباشرة بمزاولة أي مهن مدرة للدخل، إذ تفتقد غالبية هذه المخيمات الظروف الملائمة لذلك، من حيث عدم توافر التيار الكهربائي والمياه والنقل والمستلزمات الأخرى، وعدم قدرة الأفراد على تحمل تكلفة تأمين المكائن والمعدات اللازمة للمباشرة بأي نشاط إنتاجي داخل المخيم. فترى نسبة (73%) من عينة الدراسة أن عدم وجود المستلزمات المطلوبة للقيام بأي أعمال مدرة للدخل يعد من بين معوقات تنمية سبل العيش في المخيمات. ويحتاج تأمين هذه المستلزمات إلى تدخل المنظمات وتوفير البيئة المادية الملائمة للعمل عليها. إلى جانب ذلك ترى عينة الدراسة بنسبة (68%) منها أن عدم تعاون سكان المدن والقرى القريبة من المخيمات مع سكان هذه المخيمات من بين المعوقات التي أدت إلى غياب فرص العمل عن مخيمات النزوح. فنتيجة لانهيار الشبكات الاجتماعية للمجتمعات المحلية للنازحين بعد انتقالهم للعيش في مناطق جديدة، إلى جانب الاكتظاظ السكاني الكبير في مناطق الشمال السوري بشكل عام؛ بات الحصول على فرصة عمل للسكان في طليعة احتياجاتهم نظراً لارتفاع تكاليف الحياة المعيشية في هذه المناطق وعدم وجود أفق واضح لمدة وجودهم في هذه المناطق. وبالتالي ينظر السكان المحليون للنازحين إلى مناطقهم بأنهم شكلوا ضغطاً مادياً كبيراً عليهم من حيث مزاحمتهم للسكان المحليين على فرص العمل المتاحة وقبولهم بأي أجر في سبيل العمل، ووجود الكثير من حالات استغلال سكان المخيمات من قبل السكان المحليين للعمل بأجور بخسة وضمن ظروف عمل قاسية. إلى جانب تسببهم بارتفاع مستوى تكاليف الحياة المعيشية واستنزاف الموارد المحلية والبنية التحتية لهذه المناطق. إلى جانب ذلك ينظر العديد من السكان المحليين إلى عدم وجود عدالة في توزيع المساعدات بين سكان المخيمات والسكان المحليين، فمع ارتفاع معدلات البطالة ومستويات الفقر في جميع هذه المناطق يطالب السكان المحليين بتخصيصهم بجزء من هذه المساعدات أسوة بسكان المخيمات. حيث ولَّدَ كل ذلك اتجاهاً سلبياً من قبل السكان المحليين نحو النازحين في مناطقهم وأثراً سلباً على تنمية سبل العيش في هذه المخيمات. ومن بين المعوقات الأخرى التي ترى عينة الدراسة بأنها ذات تأُثير في هذا المنحى هو الصعوبة التي تواجه القاطنين في التنقل من وإلى هذه المخيمات، نظراً للقوانين التي تفرضها إدارة هذه المخيمات بتقييد حرية التنقل لأسباب أمنية وتنظيمية، مما حرم الكثير من القادرين على العمل من الوصول إلى المدن المجاورة في حال تمكنهم من تأمين فرص العمل. إذ أن الإقامة في هذه المخيمات تخفف العبء المادي للعوائل القاطنة داخله من حيث عدم قدرتهم على تحمل تكاليف السكن في المدن، وبالتالي فإن الحد من قدرتهم على التحرك سيؤثر سلباً على وضعهم المعيشي وزيادة ضعفهم المادي وزيادة اعتمادهم على المساعدات الإغاثية.
مع انتشار غالبية مخيمات النزوح الداخلي في مناطق خارج سيطرة النظام في الشمال السوري، ومع غياب سلطة رسمية للإشراف المباشر على هذه المخيمات، تنفرد الإدارات المشرفة عليها باستخدام سلطتها لتنظيم حياة الأفراد القاطنين داخلها. مع عدم تمكن المجالس المحلية من الإشراف المباشر على هذه المخيمات لأسباب ترتبط بالولاءات القبلية أو التبعية للفصائل العسكرية المسيطرة على منطقة وجود المخيم والتي غالباً ما تتدخل لفرض إدارات محددة موالية لها، وأصبح هناك من يمارس دور السلطة وسط هذه الكتل البشرية المتضخمة. الأمر الذي تسبب في مشكلات اجتماعية كثيرة داخل هذه المخيمات لا سيما عدم التكيف؛ مما اضطر آلاف العائلات للتنقل بين مخيم وآخر بحكم التجمعات المناطقية والعشائرية والولاءات والقوانين غير المعلنة([35]). وقد أسهم بُعد المجالس المحلية عن الإشراف على هذه المخيمات إلى انتشار حالات الفساد الإداري في العديد منها الأمر الذي أدى إلى تدني مستوى الخدمات المقدمة لسكانها وعدم قدرة الإدارات الموجودة على تقييم واقع هذه المخيمات بشكل حقيقي لوضع حلول فاعلة للمشاكل التي تعاني منها. ووفقاً لبعض المصادر فإن هناك اجتماعاً سنوياً لمدراء المخيمات يتم عقده بحضور منظمة إدارة الكوارث والطوارئ التركية "AFAD"، ويتم فيه إطلاع المنظمة ورئيس دائرة المخيمات على جميع المشكلات التي يعاني منها سكان المخيمات. إلا أن النتائج المتمخضة عنه تنحصر في غالبها على الدعم الإغاثي للسكان وعدم معالجة المشكلات المزمنة التي يعانون منها وفي مقدمتها تأمين سبل العيش لهم. إذ ترى نسبة (73%) من عينة الدراسة أن عدم تمكن المجالس المحلية من الاضطلاع بدورها في هذا الصدد أثر بشكل كبير على تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي لسكان المخيمات من خلال عدم منحهم الفرصة للانخراط في الحياة الاقتصادية في مناطق تواجدهم. وكون المجالس المحلية تمثل السطلة الإدارية في هذه المناطق فهي الأقدر على تلمس احتياجات السكان في كافة مناطقها وتقديم الحلول الآنية والمستقبلية لمشكلات السكان بالتعاون مع الجهات الحكومية والمدنية والعسكرية.
إن المتتبع لواقع مخيمات النزوح يلحظ بشكل واضح أن هناك انتقال تدريجي للعديد من هذه المخيمات من الحالة المؤقتة إلى حالة الاستدامة الجزئية بعد مرور سنوات على إنشائها. بعد أن قام ساكنو هذه المخيمات بتحويل خيامهم إلى غرف إسمنتية تقيهم ظروف الطقس وتمنحهم مزيداً من الاستقرار. وبالتالي أصبحت هذه المخيمات بحاجة إلى جهة عليا لتنظيم أمورها ووضع خطط مستقبلية لها، ولم تعد تفي قدرات إدارة المخيمات الحالية للاضطلاع بهذا الدور بعد أن كان دورها محصوراً بتنظيم العلاقة بين سكان المخيم والمنظمات الداعمة. فثمة مشكلات اجتماعية جديدة تبلورت مع طول أمد وجود السكان في هذه المخيمات، تتطلب خططاً تنموية للتعامل معها ويأتي في مقدمتها ثنائية البطالة والجريمة. فالبطالة التي تغزو هذه المخيمات تصنف في إطار البطالة الطويلة الأمد والتي سيكون لها أثار سلبية جسيمة على بنية المجتمع المحلي، وبخاصة تلك المتعلقة بالآثار الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والصحية وانعكاساتها على حاضر ومستقبل سكان هذه المخيمات. لذا يبدو من الأهمية بمكان العمل على تدارك هذه الظاهرة والحد من تداعياتها السلبية من خلال العمل على تلمس آليات لبناء وتنمية سبل العيش في هذه المخيمات والبناء عليها لتصميم برامج ملائمة تتناسب وظروف هذه المخيمات من مختلف الجوانب، أضف إلى ذلك أن أي تغير في البناء الاقتصادي يتبعه مباشرة تغير في البناء الاجتماعي، وبالتالي لا بد من التفكير بآليات اقتصادية جادة في سبيل تحقيق خطوة نحو الاندماج الاقتصادي لمخيمات النزوح الداخلي في البيئة المحيطة بها. حيث يشكل الاندماج الاقتصادي الخطوة الأولى في طريق الاندماج الاجتماعي والثقافي والخدماتي.
ترى عينة الدراسة بنسبة تتجاوز (70%) بأن من أهم آليات تنمية سبل العيش في مخيمات النزوح يتمثل في تشكيل لجنة داخل إدارة المخيم مسؤولة عن تأمين فرص العمل، كما يبين الشكل (16). إذ أصبح من الأهمية بمكان تجاوز الدور التقليدي الذي عكفت عليه إدارات هذه المخيمات خلال الأعوام الماضية بتقلد وظيفة المنسق بين المنظمات المانحة والقاطنين في المخيمات لتأمين المواد الإغاثية، والعمل على تطوير حلول مستدامة لمشكلات السكان والتي تعد عملية تأمين سبل العيش لهم في مقدمتها. ويقتضي ذلك منها تأسيس مكاتب فرعية لديها لحصر مؤهلات وقدرات الأفراد المقيمين في المخيمات، واستحداث برنامج توظيف للاستفادة من هؤلاء الأفراد. والعمل على زيادة التنسيق والتواصل مع الجهات والمنظمات المهتمة بتنمية قطاع سبل العيش في هذه المخيمات. ويمكن تأسيس كيان أو وحدة داخل المخيم مسؤولة عن وضع تصورات لمشاريع إنتاجية وتأمين الدعم المالي لها وتوفير الفرص من التدريب لضمان نجاح هذه المشاريع.
كذلك لا بد من قيام إدارات المخيمات بحملات توعوية للأفراد القادرين على العمل، يتم من خلالها إطلاعهم على فرص العمل المتاحة في المخيمات، وكيفية الاستفادة من مؤهلاتهم وقدراتهم في العمل المنتج لدعم عائلاتهم، وإحاطتهم بمخاطر البطالة وتأثيراتها السلبية على مستقبلهم، والعمل على تضمين هذه الحملات بالتحفيز اللازم لانتشال الأفراد من الحالة النفسية والاجتماعية المزرية التي يعيشونها منذ قدومهم إلى هذه المخيمات بسبب ظروفهم الاقتصادية الصعبة، وكيفية التعافي من السلوكيات السلبية التي اكتسبوها أثناء وجودهم في هذه المخيمات والناتجة عن ظاهرة تفشي البطالة بشكل كبير بين صفوفهم. وتتفق عينة الدراسة على أهمية هذا العمل لتنمية سبل لعيش في المخيمات بنسبة تتجاوز (70%).
في ذات السياق ترى عينة الدراسة بنسبة تتجاوز (70%) أن على منظمات المجتمع المدني أخذ دورها في تنمية سبل العيش داخل مخيمات النزوح، وأن تقوم بإدراج قطاع سبل العيش في خططها التنموية، فخلال الأعوام الماضية كان تركيز هذه المنظمات منصباً على تزويد السكان بالمواد الإغاثية لتأمين مستلزمات الحياة الأساسية لهم. وقد يكون هذا مبرراً في بدايات توافد النازحين إلى هذه المخيمات؛ إلا أنه ومع استطالة فترة وجودهم فيها أصبحت المواد الإغاثية تمثل عاملاً ذو تأثيرٍ سلبيٍ على حياتهم بعد أن استكان العديد منهم للاعتماد على هذه المساعدات للعيش، مع انعدام فرص العمل وحاجة الكثير لإعادة التأهيل والتدريب للانخراط في الأعمال المنتجة والتي تقع في جزء كبير منها على عاتق هذه المنظمات من خلال برامجها المهنية والتشغيلية لانتشالهم من براثن البطالة.
إن تحسين الوضع الاقتصادي في مخيمات النزوح يرتبط بأحد جوانبه بتطوير البيئة المادية لهذه المخيمات، نظراً لأهمية البيئة المادية للعمل المنتج، وترى عينة الدراسة بنسبة تصل إلى (65%) ضرورة تهيئة البيئة المادية المناسبة داخل مخيمات النزوح لتكون قادرة على توطين بعض الصناعات التي تتناسب وظروف العيش في هذه المخيمات. ويمكن الاستفادة في هذا الصدد من تجربة العديد من الدول التي حولت مخيمات النزوح الداخلي لديها إلى مخيمات للعمل المنتج بهدف دمج سكان هذه المخيمات اقتصادياً واجتماعياً في البيئة الحضرية المجاورة بالاعتماد على آليات دمج محددة.
إن غالبية السكان في مخيمات النزوح لا يتمتعون بأي ملكية أو قدرة على توفير مثل هذه الملكيات، وبالتالي لا يشكل السكان في المخيم وحدة إنتاجية فلا أرض في المخيم يعتاش السكان من زراعتها، ومجالات العمل وسط المخيم ضئيلة لا تتعدى محلات البيع المتواضعة وبعض ورش العمل البدائية. وهذا يؤكد الحاجة الماسة للمساهمة الفعالة من أطراف ذات علاقة بالتنمية الاقتصادية، وذلك من خلال عدم اقتصار المخيم على توفير السكن والأنشطة التجارية البسيطة، بل تجاوزها إلى أنشطة اقتصادية حيوية وفعالة تفتح الأفق أمام النازح. ويعتمد تحسين الوضع الاقتصادي لمخيمات النزوح في جانب كبير منه على الدعم الدولي الذي يتم تخصيصه من الوكالات والمنظمات الدولية لتنفيذ برامج سبل العيش، وترى نسبة (60%) من عينة الدراسة أهمية هذا الدعم لتنمية سبل العيش، فخلال السنوات الماضية كان تركيز هذه الوكالات موجهاً إلى جميع قطاعات الإغاثة المشمَّلة في خطط الاستجابة الاستراتيجية للأزمة السورية منذ عام 2012 مع محدودية كبيرة للدعم المخصص من أجل قطاع سبل العيش في هذه الخطط داخل سورية بشكل عام ولمخيمات النزوح الداخلي بشكل خاص([36]). الأمر الذي أدى إلى الكثير من التداعيات السلبية على سكان هذه المخيمات من حيث عدم تمكنهم من القيام بالعمل المنتج وتراجع مستوى مهاراتهم وقدراتهم الإنتاجية. ونظراً لكون قطاع سبل العيش من القطاعات التي تحتاج تنميتها إلى جهود دولية فلا بد من قيام هذه الوكالات بتخصيص نسبة جيدة من دعمها لتنمية برامج سبل العيش لسكان هذه المخيمات. ويمكن استثمار هذا الدعم بالشكل الأمثل من خلال تنفيذ مشاريع اقتصادية بالقرب من مخيمات النزوح، مما يتيح الفرصة للسكان للاستفادة من فرص العمل والحد من البطالة، والحصول على مكان سكن أفضل.
ويمكن كذلك تنفيذ برامج للتمويل الصغير والمتناهي الصغر من خلال إتاحة الفرصة لسكان المخيمات بالحصول على القروض الميسرة والمساعدات المادية لتأسيس مشاريعهم الصغيرة والمتناهية الصغر بضمانات تتناسب مع قدراتهم المحدودة. ويعتمد نجاح تطبيق هذه البرامج عبر قيام هذه الوكالات بوضع منهجية عمل تتلاءم مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية لسكان المخيم من حيث تقديم التمويل والوصول إلى السكان المستهدفين من هذه البرامج. والعمل على بناء قدرات السكان من خلال تنظيم دورات لتوفير الدعم المهني والتعليم المالي لهم، وصولاً إلى تحقيق التمويل المستدام على المدى البعيد، من خلال نجاح مشاريعهم الصغيرة والمتناهية الصغر. إلى جانب توفير المستلزمات الأخرى الكفيلة بنجاح هذه المشاريع مثل تقديم الاستشارات الفنية وخدمات التسويق وغيرها من المستلزمات الأخرى. كذلك يمكن للوكالات الدولية العمل على بناء قدرات المنظمات غير الحكومية السورية بشأن تنفيذ برامج ومشاريع سبل كسب العيش والرصد والتقييم في هذا القطاع.
غير أن الصعوبة التي تكتنف نجاح مسعى الوكالات الدولية في توطين برامج سبل العيش كما أسلفنا سابقاً يكمن في أحد أوجهه في عدم وجود جهة عليا واحدة مركزية ذات إشراف مباشر على مخيمات النزوح يمكن لهذه الوكالات التنسيق والتعاون معها بشكل مباشر لتنفيذ برامجها. إذ تحجم العديد من هذه الوكالات عن العمل مباشرة مع إدارة كل مخيم بشكل منفرد لأسباب مرتبطة بالناحية التنظيمية وموثوقية هذه الإدارات وارتباطاتها مع جهات أخرى. وقد كان هناك محاولات عدة لتشكيل جسم مركزي موحد للإشراف على مخيمات النزوح خلال الأعوام الماضية لم يكتب لها النجاح، في حين تعد الإدارة العامة لشؤون المهجرين التابعة لحكومة الإنقاذ في محافظة إدلب كأول جسم إداري واضح المعالم تم تشكيله للإشراف على مخيمات النزوح وكل ما يدخلها من مساعدات أو مشاريع بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على إدارة المخيمات، مع افتقادها للإمكانات والموارد البشرية والمادية التي تؤهلها للنجاح في إدارة هذا الملف؛ إلى جانب عدم تقبل بعض المنظمات للعمل مع هذا الجسم الإداري؛ الأمر الذي أدى إلى انسحاب بعض من المنظمات الداعمة عن الاستمرار في تقديم دعمها في المحافظة([37]). غير أن هذه التجربة يبقى وجودها تبعاً لتغير ميزان القوى العسكرية داخلياً بين الفصائل وكونها عرضة للزعزعة كما حدث مع غيرها سابقاً.
ضمن هذا الإطار ترى عينة الدراسة بنسبة (62%) أهمية وجود آلية لتفعيل الاستفادة من الأموال والخبرات السورية المهاجرة لتنمية سبل العيش لسكان المخيمات. نظراً لتوطن كمية كبيرة من رؤوس الأموال والخبرات السورية في الخارج فلا بد من العمل من قبل جميع الفواعل ممثلة بالمجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني على بناء شراكات مع أصحاب رؤوس الأموال من السوريين في تركيا وغيرها من الدول لتنفيذ برامج تنموية فاعلة تتضمن إحداث مشاريع استثمارية في مناطق تواجد هذه المخيمات تهدف بشكل أساسي إلى تأمين فرص العمل لسكانها والحد من بطالتهم وجعلهم أكثر قدرة على الاندماج الاقتصادي والاجتماعي في مناطق وجودهم. إلى جانب نشر برامج تدريب وتأهيل مهني متخصصة يشارك فيها المغتربون السوريون بخبراتهم تكون موجهة للنازحين وسكان المجتمعات المستضيفة على حد سواء لتنشيط عملية إعادة الإنعاش الاقتصادي في هذه المناطق. إن الدور المنوط بالمجالس المحلية لتنمية سبل العيش في مخيمات النزوح أصبح من الأهمية بمكان، فمع تقلد هذه المجالس للوظائف الحكومية في مناطق تواجد مخيمات النزوح الداخلي، بات لزاماً على هذه المجالس وضع خطط بالتعاون مع الجهات الفاعلة للعب دورها في مساعدة سكان هذه المخيمات للاندماج الاقتصادي والاجتماعي في مناطقها، من خلال مساهمتها الفاعلة في إعادة التأهيل المهني للسكان عبر إلحاقهم بدورات مهنية تتناسب ومتطلبات فرص العمل في مناطق تواجدهم. وقد حاز هذا العامل على نسبة (63%) من الأهمية وفقاً لرأي عينة الدراسة كأحد آليات تنمية سبل العيش. كذلك فإن قدرة المجالس المحلية على تأطير المشاركة الشعبية لسكان المناطق ممن لديه الرغبة في مساعدة النازحين تعد ذات أثر فاعل في تنمية سبل العيش لهم وفقاً لرأي عينة الدراسة وبنسبة تقترب من (50%). فمع ارتفاع أعداد السكان داخل هذه المخيمات ومحدودية الدعم المقدم لهم من قبل المنظمات وانقطاعه في أحيان كثيرة يحاول بعض الأهالي من سكان مناطق تواجد هذه المخيمات الإسهام في التخفيف من معاناة النازحين عبر استقطاب العمالة من سكان هذه المخيمات كعمال مياومة في الحقول الزراعية وغيرها من الأعمال اليدوية والحرفية، إلى جانب قيام البعض بتقديم مساعدات عينية بشكل مباشر لهم. لذا فإن قدرة المجالس المحلية على تنظيم هذه العلاقة بين السكان المحليين وسكان المخيمات من شأنه أن يسهم في ضمان حقوق العمالة في هذه المخيمات وخلق نوع من الاستقرار النسبي في مثل هذه الأعمال. نظراً لوجود إقبال كبير على مثل هذه الأعمال من قبل سكان المخيمات لانعدام فرص العمل، وقيام البعض من أرباب العمل باستغلال حاجة هؤلاء السكان للعمل ومنحهم أجور منخفضة لا تتناسب ومستوى الجهد المقدم من قبلهم. إلى جانب قيام المجالس بالتعاون مع إدارات المخيمات بضمان التوزيع العادل للمساعدات العينية لسكان هذه المخيمات.
في حين ترى نسبة (58%) من أفراد عينة الدراسة أن امتثال الأفراد الراغبين في تأمين فرص العمل داخل المخيمات للتعليمات والإجراءات من العوامل الهامة في تنمية سبل العيش. نظراً لحالة الفوضى التنظيمية والإدارية التي تسود الكثير من مخيمات النزوح، فإن التنظيم الشخصي للأفراد والتزامهم بالقوانين والتعليمات المفروضة يلعب دوراً هاماً في نجاح الجهات والمنظمات المشرفة على هذه المخيمات في تشخيص مؤهلات وقدرات الأفراد ولحظهم في خططها ذات الصلة بتأمين فرص العمل والتأهيل المهني.
يُنظر إلى برامج سبل العيش كونها برامج تنموية محورها فرص العمل، وتشمل مجموعة من السياسات التي يمكن أن تزيد إلى أقصى حد ممكن من توليد الوظائف المنتجة. ويعتمد وضع برامج فاعلة لتنمية سبل العيش لمخيمات النزوح على التفكير جيداً بمدى ملاءمتها للظروف داخل وخارج هذه المخيمات، ومدى إمكانية تطبيقها وجني ثمارها على الأمدين القصير والبعيد، إلى جانب توافقها واتساقها مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي لمناطق تواجد هذه المخيمات. ولا بد أن يتم إعداد وتصميم وتنفيذ هذه البرامج بالتشارك والتعاون مع جميع الأطراف المشاركة بعملية التنمية في هذه المناطق، والعمل كذلك على تحديد المخاطر المرتبطة بتطبيق هذه البرامج وكيفية إدارة هذه المخاطر. ويتمثل الهدف النهائي لهذه البرامج في مدى قدرتها على المساهمة في تمكين سكان هذه المخيمات من تحقيق تطلعاتهم في تأمين مصادر الرزق والتقليل من اعتمادهم على المساعدات الإغاثية قدر الإمكان.
يأتي برنامج التعليم والتدريب المهني في مقدمة هذه البرامج وفقاً لرأي عينة الدراسة بنسبة أهمية قريبة من (80%) كما يبين الشكل (17). إذ تلعب المساعدة المعرفية للأفراد في المجال المهني داخل المجتمعات الهشة دوراً هاماً في تنمية مهارات وقدرات الأفراد ضمن هذه المجتمعات، ويجب النظر إلى أهميتها بالتوازي مع أهمية المساعدة المالية والدعم المادي المقدم لهذه المجتمعات. مع الأخذ بعين الاعتبار أن تكون هذه المساعدة مرتكزة على الكفاءة في تقديمها وأن تكون موجهة بشكل دقيق للحصول على فرص العمل، وأن تكون متناسبة مع السياق الاجتماعي واحتياجات سوق العمل المحلي لمناطق تواجد هذه المخيمات، بحيث تسهم بشكل فاعل في الحد من الفقر وضمان إدماج سكان المخيمات في الحياة الاجتماعية والاقتصادية في مناطق تواجدهم. وأن تسهم كذلك في عملية إعادة تأهيل وترميم الاقتصاد المحلي.
وتعد برامج التدريب المهني في هذه المناطق واحدة من الأدوات القوية لإبقاء الناس متجذرين في مناطقهم ومساعدتهم على الحفاظ على الحد الأدنى لجودة الحياة. ويمكن تنفيذ برامج التدريب المهني من خلال بعض أو جميع الخطوات التالية:
يبين الشكل (18) مجموعة من دورات التدريب المهني ورأي أفراد عينة الدراسة حول مدى أهميتها لسكان المخيمات، حيث يوجد تقارب في مدى أهمية هذه الدورات نظراً لتنوع الخلفيات المهنية للأفراد القاطنين في هذه المخيمات، إلى جانب وجود حاجة فعلية لمثل هذه الدورات يمكن تلمسها بشكل واضح من خلال نسب الأهمية التي حازتها من قبل أفراد العينة. ويرجع التباين النسبي المحدود في درجة أهمية هذه الدورات إلى تقديرات خاصة بأفراد العينة لمدى الأهمية الفعلية لكل دورة مقارنة بغيرها من الدورات المهنية، كذلك يعكس تنوع الاهتمام بهذه الدورات إلى مدى الحاجة لها. ويعتمد نجاح هذه الدورات إلى حد كبير على مدى التعاون والتنسيق القائم بين الأطراف المعنية بتنمية سبل العيش في هذه المخيمات، من خلال توفير مقومات نجاح هذه الدورات وتوظيف مخرجاتها في الاقتصادات المحلية لمناطق تواجد المخيمات. إلى جانب خلق الحوافز المادية والمعنوية لدى سكان هذه المخيمات للالتحاق بهذه الدورات والاستفادة منها لتعزيز قدراتهم المهنية وتمكينهم من الانخراط في المجتمع المحلي بشكل أكبر، ومساهمتهم في عملية الإنعاش الاقتصادي في مناطق تواجدهم.
في حين حل برنامج محو الأمية في المرتبة الثانية من حيث الأهمية النسبية بنسبة (74%) وفقاً لرأي عينة الدراسة. حيث تعد مشكلة تفشي الأمية في مخيمات النزوح من المشكلات التي باتت متأصلة في هذه المخيمات نتيجة انقطاع نسبة كبيرة من الأفراد عن مواصلة تعليمهم بعد انتقالهم للعيش داخلها، وعدم قدرتهم على مواصلة تعليمهم بسبب افتقار هذه المخيمات لسبل التعليم؛ مما عمَّق من معاناتهم فارضاً في الوقت ذاته جملة من التحديات المرتبطة بتأمين سبل عيشهم. لذا ترى عينة الدراسة أهمية تطبيق برنامج محو الأمية لإكساب الأفراد المتسربين من التعليم القدرة الكافي من المعرفة التي يمكن أن تساعدهم في الاستجابة بشكل أكبر لبرامج سبل العيش والاستفادة من مخرجاتها.
تعد مخيمات النزوح من أكثر الأماكن التي تشهد معدلات فقر مرتفعة نظراً لفقدان سكان هذه المخيمات القدرة على العمل المنتج واعتمادهم بشكل كبير على المساعدات الإغاثية مما فاقم من معدلات الفقر بينهم. ترى عينة الدراسة أهمية تطبيق برنامج تمكين اقتصادي للأسر الفقيرة، وقد حل هذا البرنامج في المرتبة الثالثة من حيث الأهمية النسبية بنسبة تقترب من (80%). ويهدف البرنامج بشكل أساسي إلى توسيع فرص سبل العيش أمام الأسر الفقيرة وبناء قدرتها على الاستفادة من تلك الفرص إلى جانب تحديد مستويات الفقر وكيفية علاجها، والتخفيف من معاناتها ومساعدتها في تجاوز جزء من الصعوبات التي تواجهها. ونظراً لخصوصية الظروف المادية المحيطة بهذه الأسر داخل وخارج المخيمات؛ فإن تصميم برنامج تمكين اقتصادي خاص بها يتطلب استخدام تدخلات تنموية خاصة، تستهدف بداية تقديم الحماية الاجتماعية للأسر التي لا تستطيع تغطية احتياجاتها الأساسية بشكل دائم وهي الشريحة الأكبر في هذه المخيمات، مثل أسر الأيتام وأسر ذوي الاحتياجات الخاصة والأسر التي يعجز معيلها عن العمل، والمساهمة في إعفاف هذه الأسر وإغناءها عن ذل السؤال أو اللجوء إلى وسائل غير مشروعة لإعالة نفسها. بينما يتم تقديم مساعدات تنموية على شكل تمويل متناهي الصغر للأسر تحت خط الفقر وتأهيلها مهنياً والعمل على زيادة فرص حصولها على مورد دخل ثابت عبر تأمين مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية واستثمار الموارد المتاحة لديها. وهي الأسر القادرة على تأمين احتياجاتها الأساسية بشكل جزئي إلا أنها تعاني من ضعف في مواردها المالية والاجتماعية نتيجة فقدانها لشبكاتها الاجتماعية بعد خروجها من مجتمعاتها الأصلية.
في حين حل برنامجي ريادة الأعمال والمشاريع الصناعية الصغيرة في المرتبة الثالثة بنسبة أهمية قريبة من (60%) وفقاً لرأي عينة الدراسة. إذ يلعب الاستهداف الفعال للسكان في المخيمات بمشاريع صناعية صغيرة ومتناهية الصغر وتبني مبادرات ريادة الأعمال، إلى جانب بناء قدرات أصحاب هذه المشاريع والمبادرات وتقديم الحلول لهم دوراً هاماً في إيجاد مصادر الدخل والتقليل من نسب الفقر والبطالة وتعزيز سبل العيش المستدامة. كما تسهم هذه المشاريع والمبادرات في تنشيط عجلة الاقتصاد المحلي في مناطق تواجد هذه المخيمات. ولا بد لنجاح هذا المسعى من ضرورة إنشاء حاضنات أعمال تشاركية بين الجهات المهتمة بدعم هذه المخيمات لتوفير خدمات متكاملة استشارية إدارية وفنية لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، وتقديم الدعم اللازم لرواد الأعمال ذوي الأفكار الصناعية والتجارية لتأسيس مشاريعهم الجديدة في هذه المخيمات والتي تم التفكير بها بناءً على معرفتهم بظروف هذه المخيمات وما هي المشاريع المدرة للدخل التي يمكن تأسيسها داخلها لتحقيق النجاح المنشود منها.
إضافة إلى البرامج السابقة ترى العينة أهمية تطبيق برنامج التمويل الصغير والمتناهي الصغر للمشاريع، وقد حل في المرتبة الرابعة من حيث درجة الأهمية النسبية بنسبة تقترب من (60%). إذ يلعب هذا البرنامج دوراً هاماً في إشراك الفئات الفقيرة والمهمشة في الدورة الاقتصادية لمناطق تواجد مخيمات النزوح، ويشكل عاملاً مساعداً للسكان في تحمل الآثار الناجمة عن النزاعات وتخفيف موجات النزوح المتكررة، من خلال تمكينهم ودعم قدرتهم على مواجهة الصدمات الاقتصادية عبر إطلاق مشاريع تنموية صغيرة ومتناهية الصغر داخل وخارج المخيمات تؤمن فرص عمل لعدد كبير من السكان. كما يمكن لهذا البرنامج أن يمثل أحد الإجراءات التدخلية التي يمكن أن تشجع النشاط الاقتصادي المحلي على النمو وتدعم عملية إعادة الإنعاش الاقتصادي، من خلال البحث عن الأنشطة الاقتصادية الملائمة لسكان المخيمات والتركيز على تقديم الائتمان الإنتاجي لهم مما يسهم في تحريك عجلة الإنتاج الصناعي والزراعي بحدها الأدنى. إلا أن القدرة على تأمين هذا التمويل هو تحدي بحد ذاته. فنظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها مناطق مخيمات النزوح يعد إيجاد مورد تمويل محلي أمراً صعباً، لذا فإن جميع عمليات التمويل في الوقت الحاضر تعتمد على المنظمات غير الحكومية الدولية أو الدول الأجنبية التي تواجه صعوبات في الوصول إلى هذه المناطق. وهناك تحدي آخر يواجه المشاريع الصغيرة هو العائد المنخفض منها نظرا لعدم وجود سوق لتصريف المنتجات، وارتفاع تكلفة المواد الخام، وقضايا الأمن والبضائع المهربة التي تتنافس مع المنتجات المحلية. وينبغي النظر كذلك في ارتفاع معدل الفائدة على قروض التمويل الصغير. ومعظم مؤسسات التمويل الأصغر تطبق رسوم معدل فائدة مرتفعة بسبب ارتفاع مخاطر هذه القروض على هذه المؤسسات وخاصة في المناطق غير المستقرة كمخيمات النزوح.
في المرتبة الخامسة حل برنامج التمكين الاقتصادي للمرأة بنسبة أهمية بلغت (52%) وفقاً لرأي عينة الدراسة. إذ تعد النساء من الفئات الاجتماعية الأكثر تأثراً بالنزاع الدائر في سورية. وتعد مخيمات النزوح مأوى للكثير من النساء الأرامل والمعيلات لأسرهم اللواتي يكافحن في صراع شاق لتأمين سبل العيش ويواجهن تحديات كبيرة لرعاية أسرهم وتوفير أبسط الحاجات الأساسية معتمدات فقط على المساعدات الإغاثية ومساعدات الأقارب ومساعدات أهل الخير. ولم يكن سهلاً بالنسبة لهن تقبل هذا الأمر إلى جانب عدم ديمومة هذه المساعدات في كثير من الأحيان. لذا لا بد من أن يكون لهن الأولوية في الاستهداف عن غيرهن من الفئات الأخرى ببرامج سبل العيش وتعزيز الصمود الاقتصادي بعد الزيادة المتصاعدة لهذه الفئة من النساء والنفاذ المحدود لمصادر الدخل بسبب قلة فرص العمل وعدم تقبل المجتمع لعمل المرأة في غالبية مناطق مخيمات النزوح. ويرتكز برنامج التمكين الاقتصادي بشكل أساسي على توسيع الفرص الاقتصادية المتاحة للنساء ومساعدتهن في الولوج إلى سوق العمل من خلال مجموعة من التدابير تشمل بناء المهارات والمعارف والقدرات الإنتاجية لها عبر التدريب المهني. مما يسهم في تعزيز ثقة المرأة بنفسها من حيث كونها قادرة على تحسين مستواها الاقتصادي والاعتماد على نفسها في تأمين نفقاتها وعدم الركون بشكل كامل للبقاء أسيرة للمساعدات الإغاثية، ولجعلها في مأمن من الاستغلال وسوء المعاملة وجعلها أكثر قدرة على المشاركة الفاعلة في بناء المجتمع المحلي.
ويمكن وضع مجموعة من التوصيات الخاصة بتمكين النساء تشمل:
في المرتبة الأخيرة حل برنامج النقد مقابل العمل بدرجة أهمية نسبية قريبة من (40%) وفقاً لرأي العينة. ويعد برنامج النقد مقابل العمل أحد أهم أشكال المساعدة الإنسانية التي يتم تقديمها في المناطق المتضررة من النزاعات. ويتمثل هدف البرنامج في تسهيل حصول المجتمعات المحلية الهشة على استقلالها من المساعدات الإنسانية طويلة المدى في أسرع وقت ممكن ودعم الاقتصاد المحلي في مناطق تواجد هذه المجتمعات. ويمكن للمنظمات غير الحكومية أن تعقد شراكات مع الوكالات والمنظمات الدولية لتوفير فرص عمل قصيرة الأجل لبعض سكان هذه المخيمات بهدف توفير فرص عمل على المدى القصير خصوصاً في الأشغال العامة التي تحسن البنية التحتية الاجتماعية الأساسية للمخيم كالملاجئ والحمامات وشبكات الصرف الصحي، بهدف تسهيل سبل العيش اليومي للنازحين والتخفيف من معاناتهم المعيشية، وتحسين الوضع البيئي والصحي للمخيمات.
وغالباً ما تنطوي معظم فرص العمل المقدمة في هذا البرنامج على العمل اليدوي، لذلك فإن غالبية المستفيدين منها هم من الرجال، وبالتالي تستفيد أسرهم بأكملها من الدخل الذي توفره هذه الوظائف على المدى القصير. كذلك يمكن لهذا البرنامج أن يقدم فرص عمل مؤقتة للنساء مثل أنشطة التوعية المتعلقة بالصحة في مراكز التوزيع. كما يمكن لهذا البرنامج أن يؤمن فرص عمل مؤقتة خارج المخيمات وفقاً لظروف مناطق تواجدها، كأن يتم إقامة مشاريع مؤقتة لاستصلاح الأراضي الزراعية وإزالة الأشجار الضارة. وقد قامت بعض المنظمات غير الحكومية بتطبيق هذا البرنامج في مناطق خارج المخيمات مثل منظمة بنفسج التي قامت بتنفيذ مجموعة من المشاريع في عدد من المناطق ضمن هذا البرنامج بالتنسيق مع المجالس المحلية والهيئات المجتمعية بعد قيامها بإجراء تقييم أولي للمناطق المستهدفة. كذلك قامت المنظمة بوضع معايير لاختيار المستفيدين من هذه المشاريع تضمنت وجود حاجة ماسة للشخص، وألا يكون للأسرة دخل ثابت، ولا تمتلك أصولاً وأملاكاً، كما تفرض أن يكون الشخص قادر على العمل وتجنب جمع شخصين من أسرة واحدة في المشروع. ويرى الأهالي أنه وعلى الرغم من قلة المشاريع المنفذة في هذا الإطار ووجود بعض المحسوبيات لدى القائمين عليها في اختيار الأفراد لفرص العمل إلا أنها تبقى أفضل من السلال الغذائية التي عودت الكثير منهم على ترك العمل والشجار للحصول على المساعدات والمعونات([40]). كذلك قامت مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية بإطلاق مشروع النقد مقابل العمل في ريف حمص الشمالي من خلال قيامها بإعادة تأهيل الفرن الآلي في مدينة الرستن والاستفادة من جهود 250 عامل لتنفيذ هذا المشروع([41]). واستجابة لنداء السكان في منطقة سهل الغاب التابعة للريف الشمالي الغربي في محافظة حماة قامت مؤسسة إحسان بإطلاق مشروع هدف إلى إعادة تأهيل حوالي 35 كم من البنى التحتية لقنوات الري لتسهيل وصول المياه واستمرار تدفقها ضمن برنامج النقد مقابل العمل، حيث أسهم المشروع في تأمين فرص عمل لحوالي 1600 شخص ضمنه([42]). كما أن هناك تجربة مميزة لمنظمة "people in need" التي قامت بتنفيذ برنامج النقد مقابل العمل في محافظات حلب وإدلب منذ شهر نيسان 2015، حيث تمكنت أكثر من 1930 أسرة سورية من كسب لقمة العيش وتوفير المأكل والملبس لأسرهم ودفع الإيجارات المترتبة عليهم([43]). إلى جانب وجود بعض المبادرات من قبل بعض المنظمات الأخرى. وعلى الرغم من أن غالبية هذه المشاريع تنفذ خارج مخيمات النزوح إلا أنه يمكن إشراك سكان المخيمات في الاستفادة من مخرجاتها في مناطق تواجد مخيماتهم. أو تخصيص مشاريع خاصة بهم ضمن برنامج النقد مقابل العمل.
تشكل الفئة العمرية ما دون 18 سنة نسبة (50%) تقريباً تليها الفئة العمرية (19-50) ما نسبته (40%) تقريباً وتشكل الفئة العمرية (أكبر من 50) النسبة المتبقية. ويشكل الذكور نسبة (45%) من سكان المخيمات في حين تشكل الإناث نسبة (55%) تقريباً. في حين يبلغ عدد الأفراد في مخيمات النزوح (1050000) تقريباً في مخيمات الشمال السوري، منه (225923) تقريباً في مخيمات منطقة درع الفرات. ووفقاً لتقديرنا هناك نسبة (40%) تقريباً من سكان المخيمات ممن هم في سن العمل. والذين يتركز غالبيتهم في الفئة ذات التعليم المحدود وما دون الثانوي لكلا الجنسين. نتيجة لانقطاع نسبة كبيرة منهم عن مواصلة تعليمهم، وانتقال نسبة كبيرة من الفئات المتعلمة للسكن خارج هذه المخيمات. في حين تتجاوز نسبة البطالة في صفوف المقيمين في هذه المخيمات حاجز (80%). حيث تتركز النسبة الأكبر من مصادر دخل الأفراد في الاعتماد على المساعدات الإنسانية، يليها الاعتماد على الأعمال الحرة والعمل في الزراعة والتجارة والتعليم بشكل أساسي.
توصلت الدراسة إلى وجود مجموعة من المعوقات التي أثرت سلباً على تنمية سبل العيش لمخيمات النزوح، يأتي في مقدمتها الوضع النفسي والاجتماعي للأفراد القاطنين في المخيمات، وغياب الحافز لدى الأفراد للقيام بأي نشاط في سبيل تأمين معيشتهم. تلتها مشكلة عدم استقرار الأفراد القاطنين داخلها في كثير من الأحيان لأسباب ترتبط بالبحث عن ظروف معيشية أفضل نظراً للتمايز الموجود في بعض الأحيان بين المخيمات. إلى جانب ذلك يشكل غياب جهات رسمية داعمة لتأسيس سبل العيش داخل المخيمات، وعدم قيام المنظمات غير الحكومية في إدراج سبل العيش في سلم أولويات أجندات عملها وتركيزها على الجانب الإغاثي. ومن جانب آخر شكلت البيئة المادية لهذه المخيمات معوقاً إضافياً لعدم التمكن من إطلاق سبل العيش، مثل عدم وجود المستلزمات المطلوبة للقيام بأي أعمال مدرة للدخل، وعدم تعاون سكان المدن والقرى القريبة من المخيمات مع سكان هذه المخيمات، والصعوبة التي تواجه القاطنين في التنقل من وإلى هذه المخيمات بسبب القوانين التي تفرضها إدارة هذه المخيمات بتقييد حرية التنقل لأسباب أمنية وتنظيمية. في حين مثلَّ غياب سلطة رسمية للإشراف المباشر على هذه المخيمات وانفراد الإدارات المشرفة عليها باستخدام سلطتها لتنظيم حياة الأفراد القاطنين داخلها، مع عدم تمكن المجالس المحلية من الإشراف المباشر على هذه المخيمات عوائق إضافية أخرى في عدم قدرة سكان المخيمات على إيجاد فرص العمل.
بناءً على المعوقات التي تم تحليلها في هذه الدراسة، فإنه يمكن اعتماد مجموعة من الآليات لتنمية سبل العيش، والتي يمكن أن يشترك فيها العديد من الفواعل على المستوى المحلي والدولي. ويأتي في مقدمة هذه الآليات تشكيل لجنة داخل إدارة المخيم مسؤولة عن تأمين فرص العمل التي تعد إحدى المشكلات المستدامة للأفراد. إلى جانب قيام إدارات المخيمات بحملات توعوية للأفراد القادرين على العمل، لاطلاعهم على فرص العمل المتاحة وكيفية الاستفادة من مؤهلاتهم وقدراتهم في العمل المنتج لدعم عائلاتهم وإحاطتهم بمخاطر البطالة وتأثيراتها السلبية على مستقبلهم. ومن بين الآليات الأخرى قيام منظمات المجتمع المدني بأخذ دورها في تنمية سبل العيش داخل مخيمات النزوح، من خلال قيامها بإدراج قطاع سبل العيش في خططها التنموية وزيادة مخصصات هذا القطاع. كذلك قيام الوكالات والمنظمات الدولية بتحسين الوضع الاقتصادي للسكان عن طريق توجيه جزء كبير من الدعم المقدم من قبلها لتنفيذ برامج سبل العيش. كذلك لا بد من ضرورة تهيئة البيئة المادية المناسبة داخل مخيمات النزوح لتكون قادرة على توطين بعض الصناعات التي تتناسب وظروف العيش في هذه المخيمات.
من الآليات الأخرى التي يمكن تبنيها في هذا الصدد، ضرورة وجود آلية لتفعيل الاستفادة من الأموال والخبرات السورية المهاجرة لتنمية سبل العيش لسكان المخيمات من قبل جميع الفواعل ممثلة بالمجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني على بناء شراكات مع أصحاب رؤوس الأموال من السوريين في تركيا وغيرها من الدول لتنفيذ برامج سبل العيش. كذلك لا بد من تفعيل دور المجالس المحلية في إشرافها وتنظيمها لهذه المخيمات ومنح القدرة لسكانها على الاندماج الاقتصادي من خلال إسهامها في تنمية سبل العيش، وقيامها بتأطير المشاركة الشعبية لسكان المناطق ممن لديه الرغبة والقدرة لمساعدة النازحين، مما يؤثر بشكل فاعل في تنمية سبل العيش لهم. في حين يمثل امتثال الأفراد الراغبين في تأمين فرص العمل داخل المخيمات للتعليمات والإجراءات من العوامل الهامة في تنمية سبل العيش. حيث يساعد ذلك على تشخيص مؤهلاتهم وقدراتهم ولحظهم في أي خطط ذات صلة بتأمين فرص العمل والتأهيل المهني.
يمكن إيراد مجموعة من التوصيات والمقترحات التي يمكن أن تسهم في إنجاح تنمية سبل العيش للقاطنين في مخيمات النزوح الداخلي، ونظراً لتنوع الجهات التي يمكن أن يكون لها دور في تنفيذ آليات وبرامج سبل العيش، سيتم تصنيف هذه الحلول وفقاً لهذه الجهات كما يلي:
تعد قضية النزوح الداخلي إحدى أبرز القضايا الإنسانية التي تعكس تبعات النزاع الدائر في سورية منذ بداية عام 2011. فوفقاً للعديد من التقارير الدولية أصبحت سورية البلد ذات العدد الأكبر من النازحين داخلياً في العالم، ويمثل الأطفال ما لا يقل عن نصف هذا العدد. إلى جانب ذلك يمثل النازحين الفئة الأكبر من السكان المحتاجين للمساعدات الإنسانية العاجلة كونهم من المجموعات الأكثر ضعفاً في المجتمع والتي هي بأمس الحاجة إلى الحماية والمساعدة لتأمين النقص الحاد في مستلزمات الحياة الأساسية؛ ناهيك عن المشكلات الاجتماعية والصحية والنفسية التي يعانون منها والتي سيكون لها العديد من التداعيات السلبية على حاضرهم ومستقبلهم.
تمثل مخيمات النزوح الوجه الأبرز لمعاناة النازحين داخلياً، وهي المخيمات المنتشرة في العديد من المناطق السورية، والتي تؤوي النازحين الأشد فقراً الذين ضاقت ذات يدهم لتأمين المسكن المناسب في مناطق نزوحهم. فلجأ البعض منهم للإقامة في مخيمات نظامية تشرف عليها بعض المنظمات غير الحكومية، في حين لجأ البعض الآخر إلى بناء مخيمات عشوائية بمفرده ممثلة النسبة الأكبر في مخيمات النزوح. تلك المخيمات التي تفتقد لأدنى مقومات الحياة والعيش الكريم. إلى جانب الإهمال الذي وصل إلى مرحلة عدم الاكتراث الإنساني، بحيث باتت معاناة القاطنين داخلها كواحدة من أصعب المآسي التي يتعرض لها الشعب السوري.
مع استطالة وجود هذه المخيمات وغياب أفق واضح لمستقبل قاطنيها، فإن التحدي الأكبر لهم يكمن في مدى قدرتهم على تأمين سبل العيش والاعتماد على الذات لتغطية نفقاتهم المعيشية. تلك القدرة التي يجب أن تتضافر في سبيلها جهود العديد من الفواعل المحلية والدولية المهتمة بالإشراف على هذه المخيمات ودعمها. من خلال التعاون فيما بينها لبناء سياسات مستقبلية لتنمية سبل العيش لسكان هذه المخيمات عبر آليات وبرامج مدروسة تتناسب وظروف هذه المخيمات وقدرات ومؤهلات سكانها، وتذليل جميع المعوقات التي تعترض تنفيذ هذه البرامج. بحيث يمكن البناء عليها والاستفادة من مخرجاتها لدمج سكان المخيمات في محيطهم الاجتماعي وانتشالهم من دوامة الفقر والاعتماد على المساعدات الإنسانية.
تبقى القضية الأهم التي تطرح نفسها في هذا الصدد تتمحور حول مستقبل هذه المخيمات بعد انتهاء النزاع في سورية وآليات التعامل معها، وهل سيتم إدماج ساكنيها في مجتمعاتهم المحلية الجديدة، وهل سيتم لحظهم في أي تسوية سياسية قادمة، وماذا عن حقهم في العودة إلى مجتمعاتهم الأصلية التي نزحوا منها بعد تعرضهم للتهجير القسري، وما هي الضمانات الأمنية والاجتماعية المقدمة لهم في حال عودتهم إليها. هذه الأسئلة وغيرها تؤشر بشكل واضح إلى أي مدى تعد قضية النزوح الداخلي في سورية من القضايا الشائكة ذات البعد الإنساني والاجتماعي والسياسي. والتي تحمل في ثناياها العديد من التداعيات السلبية على النازحين أنفسهم وعلى المناطق التي نزحوا إليها، إلى جانب تداعياتها السلبية في المستقبل فيما يتعلق بالعودة الطوعية للنازحين لمناطقهم، ومدى إمكانية إعادة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لهذه المناطق بعد انتهاء النزاع والبدء بعملية إعادة الإعمار.
([1]) Internal Displacement Monitoring Center: https://goo.gl/rWaucz
([2]) ldp sites integrated monitiring matrix: https://data2.unhcr.org/ar/dataviz/13
([3]) تقرير داينمو درع الفرات، وحدة تنسيق الدعم، تشرين الثاني 2017.
([4]) Humanitarian Needs Overview 2018: https://goo.gl/a8gw1w
([6]) United Nations office for the coordination of humanitarian affairs (OCHA): http://www.unocha.org/syria
([7]) قطاع إدارة وتنسيق المخيمات هو أحد قطاعات العمل الإنساني وفقاً لتصنيف الأمم المتحدة، ويشمل كل من نشاطي تنسيق المخيمات وإدارة المخيمات. حيث يتمثل الهدف الرئيسي في الوصول إلى الوضع الإنساني الملائم للإيصال الفعال للمساعدات وتحقيق مبادئ الحماية. في حين يتركز نشاط إدارة المخيمات على تنسيق الخدمات، وإنشاء آليات إدارية بديلة وحشد المجتمع المحلي، والحفاظ على البنية التحتية للمخيم، وجمع المعلومات ومشاركتها وتقديم الخدمات ورصد ومراقبة جهات التسليم.
([8]) Humanitarian Response, CCCM Cluster: IDP Sites Integrated Monitoring Matrix (ISIMM), June, 2018: https://goo.gl/oXyRb3
([9]) Syria crisis, Camps and informal settlement in northern Syria, humanitarian baseline review, June, 2014.
([10]) هارون محمد ومروة مقبول، 82% من تجمعات النازحين تعتمد كلياً على المساعدات الإنسانية، صوت العرب من أمريكا، 06-06-2018: https://goo.gl/h73oG2
([11]) تم المباشرة بمشروع sphere في عام 1997 من قبل مجموعة من الوكالات الإنسانية غير الحكومية إلى جانب الحركة الدولية للصليب الأحمر بهدف تحسين جودة أعمالهم، واستعدادهم لقبول المساءلة عن ذلك. وتم تحديد مجموعة من المعايير الدنيا في قطاعات رئيسية منقذة للحياة. وتغطي هذه المعايير الأنشطة التي تلبي الحاجات العاجلة اللازمة للبقاء على قيد الحياة للسكان المتضررين من الكوارث والنزاعات، ولا سيما في السياقات التي تنطوي على حالات انعدام الأمن والنزوح.
([12]) طارق أبو زياد، مخيمات النزوح من خيام متناثرة إلى مدن منظمة، جريدة عنب بلدي، 21-01-2018: https://goo.gl/xpPmqU
([13]) علاء رشوان، مأساة النزوح الداخلي في سورية، المجلة الإلكترونية، ع 21، 2014، المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، منظمة العفو الدولية،
([14]) عبدو الفضل، مساعدات الأمم المتحدة إلى السوريين تجارة يسيرها مسؤولو النظام، وكالة سمارت للأنباء، 25-05-2017، https://goo.gl/tt12Jy
([15]) Aron Lund، The UN enters Syrıa`s moral labyrinth, 09-09-2016, Carnegie Middle East Center: https://goo.gl/d5KrZg
([16]) تقرير داينمو درع الفرات، وحدة تنسيق الدعم، تشرين الثاني 2017.
([17]) شركة زراعية عملاقة تعتزم دخول درع الفرات، تقارير خاصة، موقع اقتصاد، 17-02-2018: https://goo.gl/2FpqPg
([18]) إحدى ثمار الأمن .. ازدهار قطاع الأمن بمنطقة "درع الفرات" شمالي سورية، صحيفة يني شفق، 29-07-2018: https://goo.gl/m9hGkt
(([19])) أحمد الصوراني، دعماً للمشاريع الزراعية الصيفية قام المجلس المحلي بمدينة إعزاز بريف حلب بتقديم البذار والسماد والمياه لمساعدة المزارعين الذين يعيشون أوضاع اقتصادية حرجة، موقع أورينت نيوز، 19-06-2015: https://goo.gl/qPja1g
([20]) خالد الخطيب، البدء ببناء المدينة الصناعية الأولى في منطقة درع الفرات قرب الباب برعاية تركيا، موقع المونيتور، 01-03-2018: https://goo.gl/ev6qzV
([21]) خالد الخطيب، "درع الفرات": حكومات محلية تدعمها تركيا، جريدة المدن الإلكترونية، 01-07-2018: https://goo.gl/R9Uzic
([22]) شركة تركية تتكفل بإعادة الكهرباء لـ إعزاز على مدار 24 ساعة، تقارير خاصة، موقع اقتصاد، 02-03-2018: https://goo.gl/mcauBa
([23]) Understanding livelihoods in northern Syria: how people are coping with repeated shocks, constant change and an uncertain future, an assessment using a Household Economy Approach and hazard mapping to better understand livelihoods in northern Syria, save the children, January 2015.
([24]) الضيف الثقيل حل... الشتاء يهدد حياة النازحين في الشمال ويزيد معاناتهم، شبكة شام، 03-012-2016: https://goo.gl/vxUdGz
([25]) سارة الحاج، بصنارات النازحات في ريف إدلب ... قبعات تباع في أسواق دول مجاورة، موقع الحل، 01-02-2018: https://goo.gl/aDT2CC
([26]) محمود علي، عدم الاستقرار المادي لمدارس مخيمات النزوح يهدد استمراريتها، موقع أمية برس، 03-10-2016: https://goo.gl/99FFfm
([27]) سالم الحجي، موسم اللجوء إلى "هناك".. نزوح نحو مخيمات الموت، جريدة سوريتنا، 06-06-2016: https://goo.gl/Wb2ZsG
([28]) مدارس المخيمات تصبح سكناً لنازحين جدد.. أكثر من 10 آلاف طالب محرومون من التعليم في ريف حلب الشمالي، موقع سوريتنا، 14-04-2016: https://goo.gl/1j8iNz
([29]) طارق أبو زياد، مخيمات النزوح من خيام متناثرة إلى مدن منظمة، جريدة عنب بلدي، 19-01-2018: https://goo.gl/rbrd1U
([30]) ريف حلب: جولة في مخيم باب السلامة الحدودي للنازحين. عرضت على قناة الجزيرة مباشر،2014-12-20: https://goo.gl/ftFHHD
([31]) انظر في ذلك: مظاهرات عارمة في عموم مخيمات الشمال السوري في المناطق الحدودية وذلك تنديداً بمنظمة ACTED والتي وصفها المتظاهرون بالفساد: https://goo.gl/dZSWNW
([32]) مأمون سيد عيسى، دراسة في الأوضاع الصحية لمخيمات النازحين في الشمال السوري، 15-05-2018، جمعية عطاء للإغاثة الإنسانية.
([33]) سالم الحجي، موسم اللجوء إلى "هناك".. نزوح نحو مخيمات الموت، مصدر سابق.
([34]) سلطان جلبي، تجمعات النازحين في الشمال السوري .... فوضى الاجتماع وتحديات الإدارة، جريدة الحياة الإلكترونية، 20-03-2016: https://goo.gl/nGKiuq
([35]) لبنى سالم، حياة المخيمات ... هذه يوميات النازحين السوريين في الداخل، موقع العربي الجديد، 10-04-2017: https://goo.gl/rMwGDP
([36]) محمد العبدالله، تنمية سبل العيش في المناطق السورية المحررة: دراسة تحليلية، 24-12-2015، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية.
([37]) سطوة هيئة تحرير الشام تقيد عمل "المنظمات الإنسانية" وتخنق المساعدات، شبكة شام، 09-11-2017: https://goo.gl/X5e4QS
([38]) - بنت البلد.. أين أصبحت في الثورة السورية، 19-09-2016، عنب بلدي https://goo.gl/ouW5tH
([39]) - هيئة نسائية لدعم المرأة والطفل”.. في مدينة إدلب، 22-01-2017، سوريتنا برس: https://goo.gl/gjoKw3
([40]) "النقد مقابل العمل".. مشاريع قصيرة الأجل لتشغيل أهالي إدلب، جريدة عنب بلدي، 23-07-2017: https://goo.gl/AxKpbS
([41]) مشروع النقد مقابل العمل – ترميم الفرن الآلي في الرستن، مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية، 22-02-2028: https://goo.gl/89t7aC
([42]) إطلاق مشروع النقد مقابل العمل في سهل الغاب، مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية، 06-10-2017: https://goo.gl/7FEJNc
([43]) مساعدة العائلات السورية من خلال برنامج "الأجر مقابل العمل"، المساعدات الإنسانية والحماية المدنية، المفوضية الأوروبية، 27-04-2016: https://goo.gl/czjdnq
تركزت أولويات حكومة النظام السوري خلال شهر أيلول 2018 على الملفات التالية: التربية والتعليم، المهجرين، إصلاح واستثمار القطاع العام وانتخابات الإدارة المحلية.
البداية بملف التربية والتعليم، أقر مجلس الوزراء خطة لتطوير منظومة التعليم العالي تشمل البنية التحتية والبحث العلمي والمناهج الجامعية، ويقدر عدد الطلاب الجامعيين بما يزيد عن 700 ألف طالب يتوزعون بين 42 ألف طالب في الجامعات 22 الخاصة، و693 ألف طالب وطالبة جامعية في الجامعات الحكومية الثمانية.([1])
بالانتقال إلى التعليم الأساسي، تجهزت وزارة التربية بكادرها المقدر بــ 300 ألف بين مدرس وإداري لاستقبال ما يزيد عن أربعة ملايين طالب وطالبة يتوزعون على أكثر من 15 ألف مدرسة([2])، حيث قامت وزارة التربية بإعادة تأهيل 786 مدرسة منها؛ 660 مدرسة من الموازنة الاستثمارية للوزارة، و40 مدرسة من موازنة الخطة الإسعافية و86 مدرسة بالتعاون مع المنظمات الدولية([3])، مع الإشارة إلى توقف منظمة اليونيسيف عن تقديم الدعم للطلاب بحسب ما أفاد به وزير التربية([4])، كما تم طباعة الكتب المدرسية المجانية بزيادة قدرها 15 مليون كتاب مدرسي عن العام الماضي وبكلفة قاربت 11 مليار ل.س (حوالي 25 مليون $ على أساس سعر صرف 434 ل.س لكل دولار أمريكي).([5])
فيما يتعلق بملف المهجرين، تواصل موسكو الترويج لخطتها بخصوص عودة اللاجئين السوريين، وذلك بالتنسيق مع حكومة النظام وبالتواصل مع الدول والوكالات الأممية المعنية بالأمر، حيث أفادت إحصائيات مركز استقبال وتوزيع وإقامة اللاجئين التابع لوزارة الدفاع الروسية (تأسس في تموز 2018([6])) عن عودة 247041 شخصاً لسورية منذ أيلول 2015، غالبيتهم قدموا من خلال المعابر الحدودية مع لبنان.([7])
طلب مجلس الوزراء من وزارة الأشغال العامة والإسكان الإسراع بإنجاز خطة إصلاح القطاع العام الإنشائي وإقرار ميزات تفضيلية لهذه الشركات لمدة عام وتأمين جميع مستلزماته، كما طلب المجلس من وزارات الصناعة والموارد المائية وهيئة التخطيط والتعاون الدولي وضع آلية تنفيذية لدعم استمرار استثمارات القطاع العام في مجال تعبئة المياه المعدنية "مياه الشرب" نظراً للعوائد الاقتصادية المجدية التي يحققها الاستثمار في هذا القطاع.([8])
استحوذ تنظيم انتخابات الإدارة المحلية على اهتمام الحكومة ووزاراتها، حيث أدلى ما يزيد عن 4 مليون ناخب بأصواتهم في الانتخابات من أصل 16.349.357 ممن يحق لهم التصويت لاختيار 18478 مرشحاً بحسب ما أعلن عنه رئيس اللجنة القضائية العليا للانتخابات سليمان القائد([9])، ليتم لاحقاً إصدار المرسوم رقم 3044 المتضمن أسماء أعضاء مجالس المحافظات الفائزين بانتخابات الإدارة المحلية، وكذلك المرسوم رقم 305 المتضمن أسماء أعضاء مجالس مدن مراكز المحافظات الفائزين في انتخابات الإدارة المحلية.
استمرت وزارة الإدارة المحلية والبيئة تقديم المساعدات والإعانات المالية لمجالس الوحدات الإدارية، حيث خصت الوزارة محافظة ريف دمشق بـ 500 مليون ل.س (حوالي مليون و150 ألف $) للارتقاء بواقع النظافة في المحافظة، سيما في المناطق التي تمت استعادتها مؤخراً في الغوطة الشرقية، كما وافق مجلس الوزراء على تخصيص مبلغ مليار وخمسمئة مليون ل.س (حوالي 3 و500 ألف $) من الإيرادات المحلية لدعم الموازنة المستقلة لتنفيذ مشاريع خدمية في كل من محافظتي دمشق والقنيطرة.
في سياق متصل، وافقت وزارة المالية على تمويل موازنة محافظة ريف دمشق بمبلغ 5.7 مليار ل.س (حوالي 13 مليون $) من أصل 6.6 مليار ل.س (حوالي 16 مليون $) كانت قد طلبتها المحافظة لتمويل موازنتها للعام المقبل، كما أنهت محافظة ريف دمشق إعداد الدراسات ذات الصلة لتأسيس تأسيس شركة قابضة للمحافظة على غرار محافظة دمشق.([10])
هيمن معرض دمشق الدولي وملف معبر نصيب الحدودي والعلاقات الاقتصادية مع الدول الحليفة على برنامج عمل الحكومة السورية الاقتصادي، حيث انعقد معرض دمشق الدولي بدورته 60 بمشاركة 1729 شركة من 48 دولة أبرزها التشيك والهند([11]) وإيران وروسيا، وتعتبر مشاركة طهران وموسكو الأكبر من نوعها مقارنة بغيرها من الدول، حيث شاركت 37 مؤسسة وشركة روسية متنوعة في المعرض، بينما شاركت 54 شركة إيرانية بزيادة 13 شركة عن العام الماضي، وقدرت مصادر حكومية قيمة العقود التي تم توقيعها خلال المعرض بما يزيد عن 15 مليون $ خلال الأيام الأولى من المعرض.([12])
كذلك التقى رئيس مجلس الوزراء وفداً من رجال الأعمال السوريين المغتربين والعرب والأجانب وممثلي الشركات المشاركة في معرض دمشق الدولي، حيث خرج اللقاء بتوصيات من أبرزها؛ الإسراع في إنجاز قانون الاستثمار الجديد والقوانين ذات الصلة والتنسيق مع جميع الجهات لوضع خريطة استثمارية تغطي احتياجات التنمية المستدامة قطاعياً وإقليمياً، بما يلبي متطلبات مرحلة إعادة الإعمار، مع التأكيد أهمية وضع الخطط والبرامج وإصدار القوانين والأنظمة من الجهات المعنية للعمل على تحفيز عودة وتوظيف رؤوس أموال المغتربين السوريين، وإعادة ضخها في مشروعات إعمار الاقتصاد الوطني، هذا وقد ناقش مجلس الوزراء المسودة الأولية لمشروع قانون الاستثمار الجديد بهدف جذب الاستثمارات.
تواصل حكومة النظام تقديم تسهيلات لرجال الأعمال لتأسيس شركات اقتصادية، وفي هذا الصدد صادقت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على تأسيس 7 شركات في شهر أيلول 2018 بحسب ما هو مرفق في الجدول، ليبلغ عدد الشركات المسجلة في الوزارة وأمانة السجل التجاري حتى نهاية منتصف أيلول 80.599 شركة تتوزع بين مساهمة مغفلة ومحدودة المسؤولية وقطع مشترك وقطاع العام وتضامنية وتوصية.
بالانتقال إلى معبر نصيب الحدودي، قام فرعا مؤسسة الإسكان العسكري والشركة السورية للاتصالات بدرعا بأعمال إعادة تأهيل البنى التحتية في معبر نصيب الحدودي تمهيداً لإعادة الخدمات الأساسية إليه، وقد استقبلت سورية وفداً من غرفة تجارة عمان في إطار مشاركته في فعاليات معرض دمشق الدولي، وناشد رئيس الوفد الأردني والنائب الأول لرئيس مجلس إدارة غرفة تجارة عمان غسان خرفان الحكومتين السورية والأردنية فتح المعبر التجاري بين البلدين (نصيب) باعتباره طوق النجاة لانتعاش الاقتصاد وإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح.
بالمقابل أكد رئيس غرفة تجارة دمشق غسان القلاع أهمية العلاقات التاريخية بين سورية والأردن وضرورة إقامة علاقات وشراكات اقتصادية بين البلدين، لتعلن وزارة النقل السورية افتتاحها للمعبر نهاية شهر أيلول في ظل غياب تأكيد الجانب الأردني، مما دفع الجانب السوري لإعلان تأجيل افتتاح المعبر لغاية العاشر من شهر تشرين الأول 2018، لتسفر المفاوضات القائمة بين الجانبين عن افتتاح المعبر يوم 15-10-2018 عقب التوصل إلى اتفاق لمعالجة النقاط الخلافية التي كانت تحول دون افتتاح المعبر.
فيما يتعلق بملف العلاقات الاقتصادية مع الدول الصديقة، انعقد منتدى الأعمال الروسي السوري بمشاركة واسعة من شخصيات سورية وروسية تضمنت: سمير حسن رئيس مجلس الأعمال السوري_ الروسي، ووزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري سامر الخليل، رئيس اتحاد غرف الصناعة، فارس الشهابي، ورئيس اتحاد غرف التجارة محمد غسان قلاع، والنائب الأول لحاكم مصرف سوريا المركزي حازم قرفول، والمدير التنفيذي لمجلس الأعمال السوري الروسي، لؤي يوسف، ومن الجانب الروسي، نائب وزير التجارة والصناعة الروسي غيورغي كالامانوف، سفير روسيا في دمشق ألكسندر كينشاك، نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة فلاديمير بدالكو، ونائب المدير العام لشركة "ألماز أنتي" ألكسندر فيدروف. هذا وتم الإعلان عن تأسيس شركة مشتركة لبناء 2000 وحدة سكنية في سورية خلال 3 سنوات المقبلة، كما تم الاتفاق على رفع مستويات التبادل التجاري وتدفق البضائع السورية بشكل أفضل إلى الأسواق الروسية، وكذلك تدفق البضائع الروسية إلى السوق السورية عبر خط بحري منتظم لنقل البضائع بين المرافئ السورية ونظيرتها الروسية.
في نفس السياق، ترأس محافظ اللاذقية إبراهيم خضر السالم اجتماعاً موسعاً للجنة متابعة وتنسيق الأعمال مع مدينة يالطا الروسية (كانت اللاذقية قد وقعت معاهدة توأمة مع يالطا في نيسان 2018)، وقدمت اللجنة التي تضم مديري شركة المرفأ والسياحة والشؤون الاجتماعية والعمل والزراعة والتربية والثقافة والتبغ والصحة وشركة غزل اللاذقية وجامعة تشرين ومجلس مدينة اللاذقية العديد من التصورات والرؤى والآليات التي تعزز توسيع وتعميق مجالات التعاون المشترك بين اللاذقية ويالطا.
وفي إطار الزيارات المتبادلة، التقى السيد راؤول خادجيمبا رئيس جمهورية أبخازيا أعضاء غرفة تجارة دمشق وعدداً من الفعاليات الاقتصادية والتجارية لبحث آليات التعاون الممكنة بين البلدين في مجال السياحة والزراعة والتبادل التجاري والمشاريع الاستثمارية، وأكد الرئيس العمل الجاد لتفعيل الاتفاقيات التي تم توقيعها مع الجانب السوري خلال زيارته الأخيرة لدمشق. وعن العقود الموقعة مع الجانب الروسي فشملت، 1) تنفيذ عقد روسي لتوريد 144 آلية ثقيلة إلى وزارة الأشغال العامة والإسكان بقيمة تصل إلى 9 مليارات ل.س، 2) توقيع عقد لتوريد 200 ألف طن من القمح الروسي لسورية بقيمة تقدر بـــ 44.9 مليون $، 3) مفاوضات لتوقيع شركة ستروي غاز الروسية المملوكة لرجل الأعمال الروسي غينادي تيموشينكو عقداً بقيمة 200 مليون $ لاستثمار الشركة العامة للأسمدة ومعاملها الثلاث في حمص.
العلاقة مع إيران، زار وفد إيراني مكون من 180 شركة تحت مسمى "مؤسسة المستضعفين" سورية، حيث التقى عدداً من المسؤولين السوريين، وقد تطرقت المباحثات إلى إقامة مصانع مختصة بمواد البناء وتأمين الأراضي والأمكنة المناسبة لإقامتها، كذلك تنفيذ اتفاق مذكرة التفاهم الموقع عليها لبناء 30 ألف وحدة سكنية في سورية، كما شاركت إيران بــ 54 شركة إيرانية في الدورة 60 لمعرض دمشق الدولي. إضافة لما سبق، قام وفد إيراني برئاسة السفير الإيراني في دمشق جودت ترك أبادي ومشاركة حسن دنائي رئيس لجنة العلاقات الاقتصادية السورية-الإيرانية، ومرتضى بيرنش معاون نائب رئيس الجمهورية الإيراني بزيارة إلى سورية حيث التقوا عدد من الشخصيات السورية وغرف التجارة كحلب ودمشق، وقد تطرقت المباحثات إلى تطوير التبادل التجاري بين البلدين، الأمر الذي لاقى تأييداً من محمد حمشو " أمين سر غرفة تجارة دمشق"، وفيما يتعلق بالعقود الموقعة مع الجانب الإيراني فشملت، 1) توقيع عقود توريد سيراميك وبلاط من إيران لسورية، 2) عقد تفاهم مع شركة السلام لإنشاء مصنع مشترك على الأرض السورية لإنتاج منتج إيراني بتقنية النانو يستخدم في واجهات المباني السكنية والتجارية، 3) اتفاق مبدئي لإنشاء مصنع مشترك للبلاط مع مجموعة بكور السورية على هامش معرض دمشق الدولي([13])،4) توقيع شركة حديد حماة بروتوكول مع الشركة الإيرانية (IRFECO) لتوريد عمرتي أفران وأربع عمرات بواتق لمعمل صهر الحديد بحماة، 5) تنفيذ اتفاقية موقعة بين اتحاد الغرف الزراعية السورية والشركة الإيرانية لصناعة الجرارات لتأمين جرارات زراعية للمزارعين السوريين.
شهد شهر أيلول تنامي العلاقات الاقتصادية بين سورية وعدد من الدول الصديقة، حيث شاركت الهند بـ 22 شركة في معرض دمشق الدولي لتتوج المشاركة بتوقيع مجموعة من الاتفاقيات مع الجانب الهندي اشتملت على؛ 1) توقيع الشركة الهندية لصناعة الجرارات الحديثة (شركة سورية أسست حديثاً) اتفاقاً مع شركة سوناليكا الهندية (أكبر شركة لتصنيع الجرارات في العالم) يقضي بإنشاء معمل للجرارات في سورية،2) توقيع شركة تعمري السورية اتفاقاً مع شركة هندية لتأسيس معمل للمحولات الكهربائية بقيمة 500 مليون ليرة سورية، 3) توقيه اتفاق بين اتحاد غرف التجارة السورية واتحاد الصناعات الهندي يهدف إلى تعميق تبادل المعلومات وتدريب الأيدي العاملة.
شاركت الصين بــ 50 شركة في معرض دمشق الدولي من أهمها، شركة سينوما لصناعة الاسمنت، شركة سانيول للمصاعد، شركة شلرات للتكييف، شركة أل سي للرخام والغرانيت، وقد أعلن السفير الصيني بدمشق تشي تشيانجين عن خطة خاصة لإعادة إعمار الاقتصاد المدعوم بالنهضة الصناعية، من خلال توفير قروض بقيمة 20 مليار دولار لتعزيز التعاون مع دول المنطقة العربية بما فيها سورية.
أعرب الناطق باسم الغرفة الاقتصادية التشيكية ميروسلاف ديرو عن رغبة الغرفة باستئناف العلاقات التجارية بين سورية وتشيكيا، مبيناً بأن الغرفة تحضر لزيارة رجال أعمال تشيك إلى سورية، هذا وتجدر الإشارة إلى مشاركة 19 شركة تشيكية في معرض دمشق الدولي.
تسعى حكومة النظام السوري إلى استعادة مركزيتها في إدارة ملفي التربية والتعليم، رغبةً منها بالاستئثار بالدعم الأممي المخصص لهذا الملف، فضلاً عن ضبط العملية التربوية بما يتماشى مع توجهاتها، وفي سبيل ذلك تروج الحكومة لقدرتها على تنظيم الملف بما تتمتع به من كادر بشري وبنية تحتية وبما تحوزه من اعتراف رسمي، ويفسر التوجه السابق ازدياد عدد الكتب المدرسية المطبوعة لتوفير احتياجات الطلاب الجدد من المناطق التي تمت استعادة السيطرة عليها مؤخراً من قبل قوات النظام، فضلاً عما أفادت به مصادر مطلعة في إدلب بتوزيع مناهج النظام في المجمعات التربوية المنتشرة في المحافظة، نتيجة تعثر هيئة علم عن طباعة المنهاج المعدل لعدم توافر الدعم الكافي لها.([14])
تواجه حكومة النظام في توجهها السابق تحدياً من قبل الإدارة الذاتية الساعية لاحتكار العملية التعليمية في مناطق سيطرتها ووفق المناهج الخاصة بها، حيث اتهمت مديرة التربية التابعة للنظام السوري في الحسكة إلهام صاروخان الإدارة الذاتية بالتضييق على المدارس التي تتبع للنظام وإغلاقها، حيث يبلغ عددها 22 مدرسة موزعة في المربعين الأمنيين في مدينتي الحسكة والقامشلي.([15])
يخضع ملف إصلاح شركات القطاع العام للتجاذب بين الحكومة والنقابات العمالية، إذ تتباين وجهات نظر الطرفين في كيفية التعاطي مع هذا الملف بين راغب بالحفاظ عليه وإعادة تأهيله (النقابات العمالية)، وبين داعي لإعادة النظر بسياسة الحكومة تجاه هذا القطاع عبر التخلي عن الشركات الخاسرة وفتح أخرى للاستثمار الخاص وللشراكات الأجنبية، ويبدو بأن الحكومة تتنصل تدريجياً من وعودها السابقة للنقابات العمالية لصالح المضي بخيار خصخصة شركات القطاع العام بسبب افتقارها للقدرة المالية الذاتية التي تمكنها من إعادة تأهيل هذا القطاع، وسعيها لتحقيق الإيرادات بالسرعة الكلية لرفد خزينة الحكومة، إلى جانب التقليل من النفقات الحكومية المخصصة لهذا القطاع. إلا أن العديد من المراقبين يفسر توجه حكومة النظام نحو ذلك برغبة حليفيها الروسي والإيراني بالاستحواذ على مؤسسات هذا القطاع وفرض مزيد من السيطرة على الاقتصاد السوري من خلال تكبيله بعقود استثمارية ذات آجال طويلة([16])، وما يحمله هكذا خيار من ارتدادات اجتماعية سلبية على طبقة العمال. بالانتقال إلى ملف انتخابات الإدارة المحلية، شهدت الانتخابات إقبالاً ضعيفاً، حيث شارك فيها ما يزيد عن 4 مليون ناخب من أصل 16 مليون ممن يحق لهم الاقتراع أي حوالي 25% من مجمل الناخبين بحسب ما أعلن عنه رئيس اللجنة القضائية العليا للانتخابات([17])، في حين تفاوتت نسبة المشاركة على مستوى المحافظات فلم تتجاوز حاجز 30% في محافظة حمص([18])، في حين بلغت حوالي 50% في محافظتي طرطوس([19]) وحماة([20])، ويعزى سبب انخفاض المشاركة عموماً إلى غياب أجواء المنافسة عقب صدور لوائح الوحدة الوطنية للبعث، فضلاً عن انخفاض سقف توقعات الناخبين من مجالس الإدارة المحلية في ظل هيمنة المركز على قراراتها وتحكمه بتمويلها وضعف صلاحياتها.
أظهرت النتائج هيمنة مطلقة لحزب البعث على مقاعد مجالس الوحدات الإدارية، بما يتماشى مع توجه النظام القاضي بتعويم دور حزب البعث داخل مؤسسات الدولة وفي الإدارات المحلية للاستفادة من شبكاته المحلية وخبرته البيروقراطية، كما كشفت النتائج نجاح إيران بإيصال عدد من مؤيديها السياسيين وميليشياتها المحلية لعضوية عدد من مجالس الوحدات الإدارية كتولي حسين أحمد العلوش (أحد أعضاء ميليشيا الباقر "دفاع محلي في حلب") عضوية مجلس محافظة حلب، ولم يكن لإيران أن تنجح في مسعاها هذا لولا موافقة النظام وبدعم مباشر من حزب البعث بحسب ما أفادت به بعض المصادر الصحفية([21])، كما يعود إلى نجاح طهران بكسب ود بعض المجتمعات المحلية من خلال أذرعها الخدمية "جهاد البناء"، وتفعيلها للشيعة السوريين سياسياً على الصعيد المحلي، ويتيح الانخراط الإيراني في المجتمعات المحلية لطهران إمكانية دمج هياكلها تدريجياً في صنع القرار المحلي، والتأثير عليه واستغلاله في عملية إعادة الإعمار فضلاً عن إمكانية توظيفه مستقبلاً في الانتخابات البرلمانية.
بالمقابل لم يلحظ انخراط روسي في انتخابات الإدارة المحلية، وربما يعزى ذلك إلى استراتيجية موسكو بالعمل في سورية انطلاقاً من مؤسسات الدولة ومن خلالها "من الأعلى للأسفل"، فضلاً عن عدم مراكمتها بعد لثقل داخل المجتمعات المحلية لافتقارها للقدرات والأدوات مقارنة بإيران.
على الصعيد الاقتصادي، تسعى حكومة النظام جاهدة إلى استقطاب رؤوس الأموال من الخارج على مستوى الشركات والأشخاص، وتنشيط حركة الاستثمار والادخار للمقيمين في الداخل بهدف تحريك عجلة الاقتصاد بعد ركودها خلال الأعوام الماضية. من خلال قيامها بعدد من الإجراءات على الصعيدين المالي والاقتصادي، ففي الجانب المالي وافق مجلس الوزراء الموافقة على إصدار شهادات إيداع بالقطع الأجنبي نقداً في المصارف العاملة بعوائد تنافسية تصل إلى 4.25 %، كما تم تعديل نسبة الفائدة في المصارف العامة، في ظل توجه حكومي لافتتاح مصارف جديدة أو فروع لمصارف عاملة في البلد في المناطق الحرة، فضلاً عن إجراء تعيينات جديدة في القطاع المالي، حيث تم تعيين حازم يونس قرفول حاكماً لمصرف سورية المركزي عوضاً عن دريد ضرغام، كذلك إسناد وظيفة مدير عام المصرف الصناعي إلى د. عمر محمد سيدي، ووظيفة مدير عام المصرف العقاري إلى د. مدين جواد علي، ويهدف النظام من هذه الإجراءات إعادة تنشيط القطاع المالي والمصرفي، وتصدير شخصيات جديدة لهذا القطاع غير مشمولة بالعقوبات الدولية.
يلحظ تنامي الإيرادات المالية المحلية للنظام والمتأتية من تحصيل العوائد الضريبية والرسوم الجمركية ورفع قيمة بدلات استثمار الأملاك العامة وتزايد إنتاج النفط والغاز، حيث ارتفعت الإيرادات المحلية من حوالي 321 مليار ل.س (حوالي 740 مليون $ باحتساب سعر صرف 434) في 2017 لتصل إلى حوالي 410 مليار ل. س في 2018 (حوالي 945 مليون$) بحسب بيان الموازنة العامة للدولة، دون أن تصل بعد إلى مستوى ما كانت عليه قبل 2011 والتي كانت تقدر بـــ 660 مليار ل.س في 2010 (حوالي 13 مليار و200 مليون $ على أساس سعر صرف 50)، في ظل بقاء جزء معتبر من المنطقة الشرقية ومحافظة إدلب خارج سيطرة النظام بما يحتويانه من موارد محلية.
وفي جانب إعادة الإعمار، استقطب معرض دمشق الدولي مشاركة 1729 من 48 دولة ومعظمها صديقة للنظام السوري، ومما يلحظ ارتفاع حجم المشاركة الإيرانية من 41 في الدورة السابقة للمعرض لتصل إلى 54 شركة إيرانية في الدورة الحالية، وتأتي المشاركة الإيرانية المكثفة في معرض دمشق الدولي في سياق زيارات مكثفة لوفود إيرانية اقتصادية لدمشق خلال شهر أيلول من أبرزها؛ زيارة وفد مكون من 180 شركة تحت اسم "مؤسسة المستضعفين"، زيارة وفد إيراني برئاسة السفير الإيراني في دمشق جودت ترك أبادي ومشاركة حسن دنائي رئيس لجنة العلاقات الاقتصادية السورية-الإيرانية، ومرتضى بيرنش معاون نائب رئيس الجمهورية الإيراني، زيارة وزير الكهرباء السوري إلى طهران، وتحيل القراءة الأولية لهذه الزيارات وما تحقق عنها من عقود اقتصادية ومذكرات تفاهم إلى تكثيف إيران ضغوطها على النظام للحصول على امتيازات اقتصادية أسوة بنظيرتها روسيا، وهو ما دفع النظام إلى توقيع هذه العقود لاسترضاء طهران وامتصاص ضغوطها، في حين تجدر الإشارة إلى حجم التحديات التي تواجه تنفيذ هذه العقود، سيما في ظل ضعف القدرة التمويلية للنظام وإيران نظراً لوضعهما الاقتصادي، فضلاً عن مراوغة النظام في تنفيذ هذه العقود، وتفصح هذه الزيارات والعقود الموقعة عن تنامي دور أذرع الحرس الثوري الإيراني في الاقتصاد السوري "مؤسسة المستضعفين"، حيث يسعى الحرس الثوري جاهداً إلى استخدام سورية كمنصة للتهرب من العقوبات المفروضة عليه، كذلك إنشاء مشاريع اقتصادية تمكنه من لعب دور مؤثر في عملية إعادة الإعمار كمشاريع البنية التحتية والطاقة الكهربائية.
بالمقابل، تواصل موسكو تمددها في الاقتصاد السوري وهو ما يلحظ بحجم العقود الموقعة والمنفذة بين الطرفين سيما في مجال القمح والمعدات الثقيلة، كذلك بانعقاد منتدى الأعمال الروسي _السوري والتنسيق المتواصل بين اللاذقية ويالطا وتنامي الاهتمام بتعزيز التجارة مع جزيرة القرم، ومما يلحظ اهتمام موسكو بالاستحواذ على شركات القطاع العام الرابحة، حيث يدور الحديث عن توقيع وزارة الصناعة عقداً مع شركة ستروي غاز الروسية لاستثمار "الشركة العامة للأسمدة G.F.C" ومعاملها الثلاثة في حمص بقيمة 200 مليون$.
([1]) فادي بك شريف، التعليم العالي 693 ألف طالب في 8 جامعات حكومية، جريدة الوطن، تاريخ 23-09-2018. رابط إلكتروني https://bit.ly/2RDSWJA
([2]) 14 ألف مدرسة جاهزة للعام الدراسي الجديد، جريدة تشرين، 01-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2C2OIpd
([3]) 4 ملايين طالب يقرعون أجراس العودة إلى المدارس في 15 ألف مدرسة، جريدة البعث، تاريخ 03-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2Ntlz94
([4]) محمود الصالح، وزير التربية للوطن: اللباس المدرسي إلزامي هذا العام، جريدة الوطن، تاريخ 02-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2OIjaMl
([5]) غيداء حسن، 11 مليار ليرة قيمة الكتب الموزعة للطلاب مجاناً، جريدة تشرين، تاريخ 04-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2C3sDHt
([6]) روسيا تنشئ في سوريا مركزا لاستقبال وتوزيع وإيواء اللاجئين، روسيا اليوم، تاريخ 18-07-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2NETVpI
([7]) (النشرة الإعلامية مركز استقبال وتوزيع وإقامة اللاجئين (13 تشرين الأول 2018)، وزارة الدفاع الروسية، رابط إلكتروني https://bit.ly/2QR33tl
([8]) نتائج الأحد الحكومي تحفيز المهجرين للعودة إلى منازلهم، جريدة الوطن، تاريخ 03-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2zWpMhM
([9]) محمد منار حميجو، الخاسرون يطعنون بالنتائج خلال 5 أيام من صدور المراسيم والقرارات. جريدة الوطن، تاريخ 23-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2Qyj6fu
([10]) عبد المنعم مسعود، 661 مركز انتخابي في ريف دمشق.. عدس تقيم 1276 كتلة بناء في حرستا و500 مليون لترحيل القمامة في الغوطة الشرقية، جريدة الوطن، تاريخ 10-09-2018. رابط إلكتروني https://bit.ly/2RrX8Mp
([11]) افتتاح معرض دمشق الدولي بمشاركة 48 دولة أجنبية وعربية، روسيا اليوم، تاريخ 06-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2Num96q
([12]) قيمتها أكثر من 15 مليون دولار. عقود بالجملة توقع بمعرض دمشق الدولي، موقع دمشق الآن، رابط إلكتروني https://bit.ly/2E5OIYt
([13]) عقود إيرانية هامة تظهر حصيلتها نهاية المعرض، موقع SYRIRAN، رابط https://bit.ly/2NugLAf
([14]) حديث أجراه معد المادة مع أحد العاملين في الملف التعليمي في محافظة إدلب، تاريخ المقابلة 05-10-2018.
([15]) مديرة تربية النظام في الحسكة تتهم قسد بإغلاق المدارس الرسمية، موقع روك أونلاين، تاريخ 05-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2A84Uo8
([16]) ستروي غاز تنوي استثمار شركة الأسمدة بــ 200 مليون $، موقع الاقتصادي، تاريخ 02-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2A7foUH
([17]) محمد منار حميجو، الخاسرون يطعنون بالنتائج خلال 5 أيام من صدور المراسيم والقرارات. جريدة الوطن، تاريخ 23-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2Qyj6fu
([18]) إقبال ضعيف على انتخابات الإدارة المحلية في سوريا، الشرق الأوسط، تاريخ 17-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2MzS44U
([19]) عضو في اللجنة القضائية للانتخابات: الناخب وحده من يتحمل مسؤولية وصول المرشحين!، موقع سناك سوري، تاريخ 19-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2Ce0lKf
([20]) 53 % نسبة المقترعين لانتخابات الإدارة المحلية في حماه، موقع سناك سوري، تاريخ 18-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2ITAgl8
([21]) مجد الخطيب، ماذا تريد إيران من انتخابات الادارة المحلية؟، موقع المدن، تاريخ 16-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2OUKpmJ
يركز هذا التقرير على توصيف المشهد الميداني قبل الاتفاق والسياق العسكري الذي أفضى إلى اتفاق المنطقة العازلة ويوضح طبيعة هذا الاتفاق ودوافعه ومواقف القوى الميدانية حياله، مستعرضاً أبرز التحديات التي تعترضه لا سيما تلك المتعلقة بالميليشيات الإيرانية المنتشرة على محيط المنطقة او تلك المرتبطة بمصير هيئة تحرير الشام.
شهد مطلع شهر سبتمبر/أيلول 2018، تمركز حشود من قِبل قوات النظام وبعض الميلشيات المحسوبة على إيران بالقرب من إدلب، وتحديداً على الجبهات الاستراتيجية في محافظة إدلب([1])؛ إذ أكد النظام وحلفائه (مراراً وتكراراً) أنهم ماضون باتجاه استرجاع محافظة إدلب وذلك ضمن إطار استكمال استراتيجية "بسط السيطرة والنفوذ"؛ ومما عزز دوافع هذا الاسترجاع المتخيل أهمية المحافظة ودورها في تحسين ظروف التنمية التي تشكل أبرز تحديات النظام الراهنة؛ تلك الظروف التي ستتحسن باسترجاع الطريقين الدوليين (M5)، (M4) وما سيشكله عودة الزخم التجاري من أثر مادي.
ناهيك عن نية النظام استثمار سيناريو "المصالحات" وتطبيقه على إدلب بغية إخراج المعارضة المسلحة هناك عن معادلات الصراع وبالتالي تجاوز أسئلة صراع النظام والمعارضة والانتقال إلى مستويات جديدة؛ وفي سبيل ذلك بدأت خطط الانتشار والتمركز والتي كان أغلبها قريباً من نقاط المراقبة التركية في إدلب، الأمر الذي استدعى من الجانب التركي بإرسال تعزيزات عسكرية على نقاط مراقبتها في كلٍ من:
زادت الحشود العسكرية من الجانب التركي والقوات الموالية نسبة التوتر في المنطقة، وارتفعت نسبة العمليات العسكرية من قبل الجبهة الوطنية وهيئة تحرير الشام من جهة وقوات النظام والميلشيات الإيرانية من جهة أُخرى.
بالعموم تشكلت مجموعة من الهواجس الروسية والتركية والتي ساهمت في اختبار الأدوات السياسية للحل، فعلى الجانب التركي ارتفعت وتيرة الحذر من تبعات تلك العملية على المستوى الإنساني التي سترتد بالدرجة الأولى على تركيا لا سيما بتلك المتعلقة بالقدرة على استيعاب موجة اللجوء والتي سوف تترافق مع هجوم قوات النظام، حيث يبلغ عدد سكان محافظة 3 ملايين مدني، ثلثهم من النازحين داخلياً بسبب النزاع المستمر منذ سبع سنوات؛ ناهيك عن الهاجس الأمني التركي الذي يرى بالعملية تهديداً لخطوط الدفاع الأمامية لمنطقتي درع الفرات وغصن الزيتون وهي مناطق النفوذ التركي المشكلة كواقع صد ضد طموحات الPYD الذي لا يزال يسير بمفاوضات مع النظام؛ لذلك تعد خسارة إدلب أو انسحاب تركيا من نقاطة مراقبتها الـ 12 بمثابة إيعاز بقرب انسحاب تركيا من الشمالي السوري، لذا حاولت تركيا قبل 17 أيلول/ سبتمبر إلى الوصول إلى اتفاق يرضي أطراف الأستانة ولا يضر بمصالحها في الشمال السوري.
أما الهواجس المتعلقة بالجانب الروسي فتتمثل بالدرجة الأولى بعدم رغبة موسكو في إفشال اتفاق الأستانة بحكم اعتباره التحالف الدولي الأقوى الأن في سورية؛ كما تعي روسيا بأن وقوفها ضد الجانب التركي سوف يؤدي إلى تقوية العلاقة الأمريكية-التركية، وهذا أمر قد ينعكس على روسيا بشكل سلبي في سورية؛ كما طمحت موسكو في اختبار الأدوات السياسية بغية الحد من هجمات الطائرات المسيرة (Drones) على المواقع العسكرية الروسي في مطار حميميم وسهل الغاب؛ ناهيك عن أن العدد المحدود للقوات الروسية البرية أو القوات المحلية الموالية لها سيجعل الميليشيات الإيرانية هي القوات الأكثر قدرة على ملء أي فراغ في إدلب، وهو أمر قد لا ترغب رسيا بحدوثه، خاصة بعد تجاربها في ريف حلب الشرفي، ريف الرقة الجنوبي، ومحافظة دير الزور.
ساهمت تلك الهواجس التركية والروسية في الدفع باتجاه عقد قمة طهران التي جرت في 7 أيلول/سبتمبر 2018 بهدف الوصول إلى مخرج يراعي كافة الهواجس؛ وعلى الرغم من وضوح الخلافات بين تلك الدول في هذه القمة؛ إلا أنه يمكن اعتبارها بمثابة "الخطوة الأولى" ضمن حركة الوصول لاتفاق المنطقة العازلة في إدلب والذي أعلنت عنه كلٍ من روسيا وتركيا في 17 أيلول/ سبتمبر 2018.
مع إعلان الاتفاق بين روسيا وتركيا حول إنشاء منطقة عازلة في إدلب، نشرت بعض الجهات الرسمية من الجانبين الروسي والتركي مواصفات تلك المنطقة؛ وكان الحديث في بداية الأمر على أنه سيتم اقتطاع 7.5 إلى 10 كم من مناطق الثوار ومثلها من مناطق النظام، أي ممنوع تواجد قوى الثورة السورية وقوات للنظام في هذه المنطقة، وسيتم تسيير دوريات تركية روسية مشتركة فيها، فيما سوف تقوم تركيا بدعم مناطق قوى الثورة السورية لوجستياً، وتبقى روسيا المشرفة على مناطق النظام([3]).
فيما بعد تم توضيح بند انسحاب الفصائل من المنطقة العازلة، وتم التأكيد أن الانسحاب يشمل "القوات المتشددة" بسلاحها الخفيف والثقيل، فيما يحق لقوى الثورة السورية البقاء ولكن تحت إشراف القوات التركية في المنطقة.
تمتد المنطقة العازلة من شمال غرب حلب بالقرب من بلدتي نبّل والزهراء والتي تعتبر من أبرز معاقل الميليشيات الموالية لإيراني في الشمال الحلبي وحتى بلدة صوران شمال حماة، وتلامس المنطقة العازلة حدود مدينة حلب ومعظم الأوتوستراد الدولي (M5) المار بمناطق سيطرة قوى الثورة السورية، وثم تمتد المنطقة العازلة من بلدة صوران شرقاً وحتى السقيلبية، أما الحدود الغربية للمنطقة العازلة فتمتد على طول سهل الغاب الأوسط وحتى جبل التركمان، وكذلك شهدت هذه المنطقة بناء مراكز للشرطة العسكرية الروسية والتي حدث على إثرها خلافات حادة مع قوات الفرقة الرابعة وقوات الدفاع المحلي الموالية لإيران.
ومع نهاية شهر أيلول\سبتمبر 2018، نشرت بعض المواقع الموالية للنظام خبراً تتحدث فيه بأن المنطقة العازلة لن تكون بالمناصفة بين مناطق سيطرتي قوى الثورة والنظام[4]، وأكد الخبر أن المنطقة سوف تكون في مناطق قوى الثورة السورية بعق 15 كلم بدأً من نقاط التماس وهو الأمر الذي تم نفيه من قبل الجبهة الوطنية للتحرير وفيلق الشام([5]).
أما فيما يتعلق بمواقف القوى العسكرية المتواجدة في إدلب فترى الجبهة الوطنية للتحرير (على لسان عمر حذيفة الشرعي العام) أن أمر ترسيم المنطقة العازلة هو حل مرحلي وليس نهائي، ولذلك فإن الدخول التركي للمناطق المحررة بحدودها الآنية هو قرار دولي ولن يتم الانسحاب إلا بقرار دولي آخر؛ كما صرح النقيب ناجي المصطفى "المتحدث الرسمي للجبهة الوطنية للتحرير" بأن النقاط العسكرية التابعة لفصائل قوى الثورة السورية ستبقى تحت سيطرتها، وبكامل جاهزيتها "لأن النظام السوري والميليشيات الموالية لا تلتزم بالعهود والمواثيق".
من جهته وضح العقيد مصطفى بكور "المتحدث الرسمي لجيش العزة" بأن جميع نقاط جيش العزة توجد ضمن المنطقة العازلة، ولكنه ما زال وسيبقى بنقاطه العسكرية، وأي قرار بشأن سحب السلاح الثقيل أو تسليم النقاط سيُحدد لاحقاً خلال اجتماع مجلس الشورى الخاص بالجيش وبما يتناسب مع مصلحة الثورة([6])، ورفض الجيش (على لسان الرائد جميل الصالح القائد العام لجيش العزة) تسيير دوريات روسية في الجانب المحرر من المنطقة العازلة التي تم التوصل إليها في اتفاق سوتشي بين تركيا وروسيا، وأكد أن جيش العزة لن يقبل بأن تكون المنطقة العازلة من الجانب المحرر فقط وطالب بأن تكون مناصفة بين مناطق الثوار ومناطق النظام، مع التأكيد على رفض قيادة الجيش فتح الطرق الدولية في الشمال السوري (M5-M4) إلا بعد إطلاق سراح المعتقلين من سجون النظام.
يعتبر الاتفاق "أفضل سيناريو" في الوقت الحالي بالنسبة لكل من تركيا وروسيا، وعلى الورق لا تشوب الاتفاق لا أي شائبة، لكن تنفيذه لن يكون مهمة سهلة، إذ أنه يجب أخذ عدة نقاط في الاعتبار قبل نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر 2018 من قِبل الجانب التركي والروسي؛ فأبرز تحديان على الجانب التركي يتمثلان في الآتي:
بينما على الجانب الروسي يعد الاختبار الأثقل هو التحكم في الميليشيات الإيرانية والسيطرة على قرارها؛ حيث عَجِزَت موسكو من تحقيق ذلك في عدة مناسبات سابقها ولعل أبرزها كان في محافظتي حلب ودير الزور، فما الذي يميز هذا الاتفاق؟ وما هي الضمانات الروسية على عدم محاولة الميليشيات بالاستفادة من تحول خطوط الدفاع الأولى في إدلب إلى منطقة عازلة منزوعة أو محدودة السلاح؟ خاصة أن الميليشيات الموالية لإيران تتمركز في مدينة حلب وأريافها، بعض المواقع في ريف حماه الشمالي، وقاعدة جورين في سهل الغاب. ويفيد الجدول أدناه بحجم هذا التواجد في المناطق المحيطة بالمنطقة العازلة وصعوبة ضبطه روسياً.
لعل ما ميز المرحلة ما بعد إعلان اتفاق إدلب هو إسراع الجانب الروسي إلى تسويق جديته في تطبيق الاتفاق، حيث نشرت عدة وسائل إعلام روسية رسمية خبر انسحاب قوات النظام وعدة ميليشيات من جورين في سهل الغاب، كرناز في حماه الشمالي، وأبو دالي في ريف حلب الجنوبي، وهذا الأمر ليس كما نشره الروس([8])، حيث واجهت الشرطة الروسية عدة صعوبات في التعامل مع قوات النظام والميليشيات ولعل أبرزها كان في قاعدة جورين بسهل الغاب، حيث رفضت قوات الدفاع المحلي الموالية لإيران الانسحاب من مواقعها وكاد أن يصل الوضع إلى الاشتباك المباشر مع الشرطة العسكرية الروسية([9]). وفي نهاية المطاف رضخت روسيا إلى مطلب قوات الدفاع المحلي وأنشأت مركز صغير للشرطة العسكرية داخل القاعدة، طريقة تعامل روسيا مع هذه الحادثة من أهم المؤشرات التي تبرهن عدم قدرة روسيا ضبت الميليشيات الموالية لإيران([10]).
على صعيد الاستهداف العسكري، فلوحظ غياب الطيران الروسي بشكل كامل من بعد توقيع الاتفاق مع انخفاض نسبة الاستهداف الصاروخي من قبل قوات النظام، وغالبا ما يعلل إعلام النظام تلك الضربات بسبب وجود القوات المتطرفة أمثال هيئة تحرير الشام وحراس الدين. وفيما يتعلق بالواقع الأمني داخل مناطق سيطرة قوى الثورة السورية، لم يحدث أي تغير على صعيد الاغتيالات والمفخخات، فسياسية التصفية وإضعاف الهيكلية الأمنية موجودة في مناطق قوى الثورة منذ شهر نيسان/أبريل 2018، لذا لا يمكن ربط حوادث الاغتيالات والمفخخات التي حدثت في النصف الثاني من شهر أيلول/سبتمبر باتفاق المنطقة العازلة في إدلب.
ويعد ملف هيئة تحرير الشام وهو الملف الأكثر اختباراً للاتفاق؛ وهو أمر تعاملت معه الهيئة بشديد من الحرص فعلى الرغم من ظهور انقسام داخلي إلا أن الموقف العام اتى على شكل موافقة على الاتفاق على الأقل في الوقت الحالي؛ وتمثل بانسحاب هيئة تحرير الشام من محيط نقاط المراقبة التركية في ريف إدلب الجنوبي وتسليمها لفيلق الشام؛ وصد الهيئة بالتعاون مع الجبهة الوطنية لمحاولة بعض الميلشيات الموالية لإيران من التقدم على جبهة جبل التركمان؛ ومنعت فصيل حراس الدين من أن يقوم بعمل مضاد يستهدف مواقع النظام؛ كما سمحت حكومة الإنقاذ لبعض المنظمات بمعاودة نشاطها في مناطق مختلفة من إدلب، بعدما كانت تحظر أي نشاطٍ لها في إدلب([11]).
وفي هذا الصدد يوضح المطلعون على بنية الهيئة تنامي تيارين داخلها الأولى بقيادة (أبو محمد الجولاني) أمير التنظيم، ويبدي جاهزيته للانخراط في الجبهة الوطنية للتحرير، بينما التيار الثاني يقوده "أبو اليقظان المصري" ويرفض ذلك تماما، ويدفع نحو رفض الاتفاق، ولعل ما يؤكد ذلك هو حملة الاعتقالات التي قام بها الذراع الأمني لهيئة تحرير الشام واعتقلت مقاتلين من الجنسية المصرية من هيئة تحرير الشام دون توضيح سبب الاعتقال. وفي هذا السياق ينبغي التوضيح على أنه هناك ست مجموعات غادرت مع قياداتها إلى جهات أكثر تشدداً مثل حراس الدين وأنصار الإسلام.[12]
وعموماً في حال عملت الهيئة على المستوى الميداني على عرقلة الاتفاق فإنه يرجح إحدى السيناريوهين إما بدء عمل عسكري على هيئة تحرير الشام من قبل تركيا والجبهة الوطنية للتحرير؛ أو اقتناص الروس الفرصة ودعم النظام وحلفائه للدخول إلى إدلب مما يجعل تداعيات هذا الأمر مفتوحة وبالغة الحدية.
ختاماً؛ ينبغي التأكيد على أن هذا الاتفاق والذي أقل السيناريوهات ضرراً فإنه يحمل في طياته تحديات بالغة الأهمية تتطلب تعاملاً نوعياً حيالها؛ والبناء على هذا الاتفاق لضمان إعادة تمتين القوة الدفاعية وضبط البنية المحلية أمنياً وإدارياً؛ حيث أن التعاطي مع أن هذا الاتفاق على أنه اتفاق نهائي فإن معطيات الواقع الميداني تدلل على مؤشرات لا تزال قيد الاختبار.
([1]) سهل الغاب (جورين) – ريف اللاذقية الشمالي – ريف حماه الشمالي – ريف إدلب الجنوبي الشرقي.
([2]) مواصفات مدفعية الـ T-155: https://goo.gl/5UWkS3
([3]) سوريا: ما هي بنود اتفاق إنشاء منطقة منزوعة السلاح بإدلب؟ - BBC - 18 سبتمبر/ أيلول 2018 - https://goo.gl/dPyMh2
([4]) ارتباك في صفوف المعارضة مع اقتراب تطبيق اتفاق إدلب – جريدة الحياة – 1 تشرين الأول - https://goo.gl/TGLUkC
([5]) إدلب.. فيلق الشام ينفي الانسحاب من المنطقة العازلة – العربية - 30 سبتمبر/ أيلول 2018 - https://goo.gl/YVqNfz
([6]) “جيش العزة” يرفض شروط المنطقة العازلة في اتفاق إدلب – عنب بلدي - 30 سبتمبر/ أيلول 2018 - https://goo.gl/bvEcRB
([7]) المعلومات هي نتائج تقرير خاص غير منشور من مسار الإدارة المحلية في مركز عمران قبل نهاية عام 2018
([8]) أجرت وحدة المعلومات بتاريخ 3 تشرين الأول مقابلة مع المتحدث الإعلامي في الجبهة الوطنية للتحرير والذي أكد على أن انسحاب الميليشيات الإيرانية يجري ببطء وليس كما يصرح الإعلام الروسي.
([9]) أجرت وحدة المعلومات بتاريخ 1 تشرين الأول مقابلة مع مصدر خاص مقرب في مناطق النظام بسهل الغاب والذي أكد حدوث خلافات بين الشرطة العسكرية الروسية وقوات الدفاع المحلي الممولة من إيران.
([11])أكد أحد كوادر المجالس المحلية في جبل الزاوية بتاريخ 2 تشرين الأول أن حكومة الإنقاذ سمحت لبعض المنظمات الإغاثية بمعاودة مزاولة نشاطاتها ولكن بشكل مراقب.
لم يكد يُعلن نبأ التوصل إلى تفاهم بين أنقرة وموسكو مؤخراً بخصوص محافظة إدلب حتى سادت حالة من الهدوء النسبي في جميع أرجائها. وبعيداً عن النتائج المتمخضة عن هذا الاتفاق في بعديها السياسي والعسكري؛ شكل البعد الإنساني الوجه الأبرز لهذا الاتفاق في تمكنه من الحؤول دون وقوع كارثة إنسانية كانت ستعد الأكبر في تاريخ النزاع الدائر في سورية عبر الأعوام السبع الماضية. بعد أن باتت المحافظة موئلاً أخيراً للنازحين والمهجرين داخلياً ممن ركبوا موجة النزوح لأكثر من مرة إلى أن استقر بهم المطاف في هذه البقعة من الأرض السورية مبتغين الحفاظ على أرواحهم وعائلاتهم بعد أن اختبروا أهوال الحرب وقسوة الحياة في مناطق سيطرة نظام الأسد، وليشكلوا فيها كتلة بشرية يقترب عددها من مليوني شخص.
تعد قضية النازحون في إدلب من القضايا الشائكة ذات البعد الإنساني والاجتماعي والسياسي، وهم الذين تبلغ نسبتهم 41% من السكان الحاليين في المحافظة، ويتوطن نصفهم تقريباً في مخيمات منتشرة على طول الشريط الحدودي مع تركيا يربو عددها على 280 مخيم، وتمثل المخيمات العشوائية القسم الأكبر منها بنسبة تقارب 86%. ولم يعد يخفى على المتابع لمجريات النزاع في سورية الظروف الإنسانية الصعبة التي يقاسيها سكان هذه المخيمات بمختلف جوانبها الصحية والاجتماعية والتعليمية والمعيشية والنفسية التي أفرزت وستفرز العديد من التداعيات السلبية عليهم.
فقد شكلَّ طول أمد وجودهم في هذه المخيمات وأعدادهم المرتفعة والمتزايدة عاملاً أثقل كاهل المنظمات الإغاثية والإنسانية عن تلبية الاحتياجات المتنوعة لهذه الكتلة البشرية الضخمة، إلى جانب غياب أي رؤية مستقبلية لمصيرهم من قبل الجهات الدولية والمحلية. وما سيشكله ذلك من تحدي مستقبلي في توطينهم وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لهم بعد أن أضحت عودتهم إلى مناطقهم الأصلية مثار تخوف وريبة على مصيرهم، بعد أن بسط النظام وحلفائه سيطرتهم عليها وهم في غالبيتهم من المحسوبين على الفئات المعارضة للنظام في شقيها العسكري والسياسي. وليخلق هذا بالتالي أزمة إنسانية كبيرة تتفاقم تبعاتها وتأثيراتها السلبية يوماً بعد يوم على النازحين أنفسهم وعلى السكان المحليين في مناطق نزوحهم.
يبقى مستقبل النازحون في محافظة إدلب رهناً للاتفاقات الدولية والإقليمية والتي غالباً ما تخضع لتفاهمات بين الفواعل الرئيسية في الملف السوري. لذا فمع استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه ووجود حالة من الاستقرار النسبي في مناطق مخيمات النزوح؛ يبدو من الأهمية بمكان قيام الجهات ذات الصلة بالنظر في مستقبل قضية النازحين وآليات التعاطي معها من مختلف الجوانب، ووضع تصور مستقبلي حول ذلك يتضمن الإجابة على مجموعة من التساؤلات الجوهرية التي باتت تؤرق النازحين فضلاً عن السكان المحليين.
وتدور هذه التساؤلات حول حقهم في العودة إلى مناطقهم الأصلية التي نزحوا منها بعد تعرضهم للتهجير القسري، وما هي الضمانات الأمنية والاجتماعية المقدمة لهم في حال عودتهم. وهل سيتم وضع خطط لإدماج النازحين ضمن مجتمعاتهم المحلية الجديدة وما هي متطلبات ذلك وفرص نجاحه، وإلى أي مدى ستتمكن المنظمات الإنسانية من الاستمرار في توفير الدعم اللازم لهذه الكتلة البشرية من النازحين مع عدم وجود أفق واضح بشأن حل قضيتهم وتضاءل الدعم الإنساني المقدم من قبل الجهات المانحة.
ويبقى التساؤل الذي يطرح نفسه في هذا السياق متمحوراً حول مدى أولوية قضية النازحين في إدلب بالنسبة للدول الضامنة للملف السوري وقيامهم بإدراجها في أي تسوية سياسية قادمة. حيث سترسم الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها من التساؤلات الأخرى ذات الصلة صورة أكثر وضوحاً عن مستقبل النازحين، وما يتطلبه ذلك من وضع آليات للتعامل مع هذا الملف الشائك.
رغم الغموض الذي لا يزال يحيط بمصير محافظة إدلب وعدم حسمه بشكلٍ نهائي، ستبقى قضية النازحين فيها من التحديات الكبيرة في حاضرها ومستقبلها، مع ما يتطلبه ذلك من الإسراع في وضع حلول مستدامة لها وتحديد مصير هذه الكتلة البشرية الضخمة داخل وخارج مخيمات النزوح. والتي يبدوا أن استمرارها بالشكل الحالي لم يعد مقبولاً لا من الناحية الإنسانية ولا من الناحية الأخلاقية، بعد أن تردى الوضع الإنساني فيها إلى مستوى لا يمكن تصوره، ناهيك عن الإفرازات الاجتماعية السلبية ضمن هذه المخيمات والتي تتطلب لحظها من جميع الجهات ذات الصلة والتنبيه إلى تداعياتها السلبية على حاضر ومستقبل السكان أنفسهم وعلى مناطق تواجد هذه المخيمات. وذلك في ظل وجود بيئة أمنية غير مستقرة يمكن أن تسَّهِل من عملية استقطاب الأفراد داخل وخارج هذه المخيمات من قبل بعض التنظيمات التي لا تزال فلولها منتشرة في هذه المناطق مستغلة الظروف المادية القاسية لهم وغياب أفق واضح يحدد مصيرهم.
المصدر السورية نت: https://goo.gl/EC59Tf
لا تغدو انتخابات الإدارة المحلية في سورية والتي أجريت في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد بعد تمديد الدورة الانتخابية للمجالس القائمة منذ انتخابات الإدارة المحلية في ديسمبر 2011 ، لا تغدو هذه الانتخابات خطوة جدية في إعادة تمثيل المحليات على أسس من مشاركة المجتمعات المحلية في إدارة وحداتها الإدارية، ونقل المزيد من الصلاحيات من المركز إليها على الاقل وفق ما يتيحه القانون الإداري 107 الصادر في العام2011، بعد إخراجه من أدراج النظام كخطوة شكلية لامتصاص الانفجار الاجتماعي الحاصل، حيث لم يحظى على ما يبدو قبل هذا التاريخ بقبول الأسد منذ أن تمت صياغته من قبل خبراء في القانون الإداري في العام2009 ، رغم أنه لم يحل عقدة المركزية، وصمم صوب اللامركزية ولكن وفق منظور مركزي ، كما أنه وبعد صدوره لم يجد صدى على أرض الواقع إلا في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام ، حيث اعتمدت الحكومة السورية المؤقتة القانون وأصدرت لائحته التنفيذية مع الكثير من التشدد بالالتزام بمضامينه مع استثناءات طفيفة تراعي الظرف اللامركزي المفرط الذي أوجدته حالة الحرب والتشظي المجتمعي ورغم تواضع العملية الحوكمية في مناطق المعارضة بشكل كبير نتيجة تغول الكثر من الفصائل على البنى المحلية وعدم اعتماد القانون 107 أو غيره وعدم وجود دليل تنظيمي للكثير من المجالس وضعف المشاركة الشعبية والرقابة المجتمعية،
إلا أن الكثير من مناطق المعارضة شهدت انتخابات محلية راعت الكثير من معايير النزاهة ومثلت قطاعات واسعة من المجتمعات المحلية، واتسمت علاقة الكثير منها بالتوتر مع سلطات الأمر الواقع في مقابل السعي لبناء حوار مجتمعي حقيقي ومشاركة محلية في صنع القرار واعادة الاعتبار للمستويات الإدارية واعتماد اللائحة التنفيذية للقانون 107 بشكل أو بآخر، أما في مناطق النظام فقد صدّرت حالة الحرب نماذج من اللامركزية الغير المحوكمة ، فالفاعل المحلي الفعلي غير معتمد من المركز بل بسلطة الأمر الواقع وانصراف جهد الحكومة المركزية والنظام نحو التعاطي مع متطلبات الحرب، إضافة الى تضخم ظاهرة أمراء الحرب (المليشيات المحلية) الذين كانوا يديرون مصالح المحليات بالشراكة مع مصالحهم،
فيما تجاوزت البنى المحلية المعتمدة رسمياً بنتيجة انتخابات 2011 المركز إلا من باب الأخذ بالعلم في الوقت الذي تتعززت فيه شبكات المصالح بين أمراء الحرب والموظفين السوريين العاملين لدى الجهات المانحة في سورية كالصليب الأحمر والأوتشا والأكسفام ومن يلتحف بأرديتهم من الشركات الغربية -هروباً من الحظر المفروض على النظام -من جهة والقائمين على الوحدات المحلية من جهة أخرى، في ظل غياب حالة الاستقرار السياسي والسلم الأهلي التي تتيح المزيد من المشاركة في هذه البنى وفي التخطيط للتنمية ولتوفير الخدمة وفي ظل تردي الظرف الأمني واستمرار الانتهاكات التي تعيق عملية المساءلة والرقابة المجتمعيتين.
بالعودة إلى انتخابات الإدارة المحلية الأخيرة ، فلا يمكن بحال توهم تعليل العودة إليها على أنه محاولة لتعريف الحل السياسي في سورية من خلال تحقيق أحد أهم مضامينه وهو التحول إلى نظام لامركزي يعتمد أسس الحوكمة كمدخل أساس لتوطيد مبدأ الدولة الديمقراطية محلياً ، فمن حيث التمثيل أعاد النظام طرح قوالبه التسلطية من خلال طرح ائتلاف الأحزاب الموالية له بلبوس مغاير عن الجبهة الوطنية التقدمية تحت اسم قائمة الوحدة الوطنية وبحصص من المقاعد طاغية على مقاعد المستقلين (70% للقائمة -30 % للمستقلين) بحسب تصريح محمد عزوز القيادي البعثي لصحيفة البعث الرسمية، كما جرى التعاطي سابقاً مع احتمالية ضعف الاقبال على الانتخابات البلدية ، من خلال تعريف وحدات محلية غير معتمدة في القانون الإداري 107 الذي حدد المستويات الإدارية للوحدات الإدارية (مدينة – بلدة –بلدية) بحسب عدد السكان والقانون 1378 الذي صنف الوحدات الإدارية في سورية بحسب القانون 107، وذلك من خلال منح الشخصية الاعتبارية لعدد من القرى والوحدات الصغيرة، بقصد زيادة عدد المرشحين عنها، كما عمد النظام إلى اعتماد فوز قوائم الوحدة الوطنية بالتزكية في ريف حمص والقامشلي وغيرها بنتيجة انسحاب بعض المستقلين أو توقيفهم( من قبل وحدات حماية الشعب الكردية) يضاف إلى ذلك ايضاً جملة من التجاوزات في المراكز الانتخابية كان الهدف منها التأثير على الناخبين من خلال تحيز بعض اللجان الانتخابية لقوائم حزب البعث وتجاهل استخدام الحبر السري في كثير من المركز مما حدى بكثير من الناخبين إلى تكرار الاقتراع، إضافة إلى الضغط على الموظفين والطلاب للمشاركة في الانتخابات بعد إجرائها في يوم دوام رسمي.
لا تحقق انتخابات الإدارة المحلية بالنسبة للنظام أي شرعية حقيقية لتردد النظام في اعتماد القوانين الإدارية والالتزام بها، ولا تحقق أي مشروعية لضعف المشاركة الشعبية في الاقتراع ولعدم تمثيل المرشحين لما يزيد عن 12 مليون مهجر (بين نازح ولاجئ) ومعتقل، كما أنها لن تفرز مشاركة حقيقية في الرقابة والمساءلة لعمل المجالس "المنتخبة" بسبب غياب الحريات والحياة السياسية والقضاء المستقل ولن يتسم عمل هذه المجالس بالشفافية، لارتباطها بشبكات مصالح لقادة ميليشيات هدف النظام من عملية الانتخابات لمكافأتهم وقوننة وضعهم ضمن الوحدات الإدارية، وما ترشح مقاتلين من مليشيا نسور الزبعة و كتائب البعث والباقر وغيرها إلا أمثلة فاقعة على ذلك، كما يأتي حرص النظام على شكل الانتخابات البلدية في سبيل شرعنة تطبيق قوانينه الاستثنائية (القانون 10، المرسوم 66) التي تستلزم وجود مجالس محلية "منتخبة "، وليكافئ اللجان التنفيذية المؤقتة التي اعتمدها في المناطق التي سيطر عليها مؤخراً بمنحها اعتمادية ومرجعية "منتخبة"، وأيضاً لتحفيز خطى الدول المترددة بدعم مسيرة إعادة الأعمار بإدعاء وجود هيئات لامركزية "منتخبة" قادرة على تقييم الاحتياج من إعادة الإعمار، بما يعني توظيف موارد المحليات ومنحها صلاحيات مرتبطة بإعادة الإعمار في مقابل الاحتفاظ بالسياسة في المركز.
أما بالنسبة للروس فتغدو انتخابات الإدارة المحلية ضمن سياق سياسي متصل يتجاهل كل متطلبات الحوكمة، ويتجه بشكل مباشر نحو هندسة الحل على الطريقة الروسية تحت عنوان ضمني هو إعادة توليد شرعية النظام وتعويمه عبر تجاهل الاسئلة الأساسية المتعلقة بالإصلاح الأمني -المفضي حكماً إلى تغيير النظام- إلى اختزال الحل بمساق الانتخابات (دون توفير مقوماتها من الأمن والسلام المجتمعيين) من أدنى إلى أعلى وقبل ذلك مساق التعديلات الدستورية، وهو ما يفسر عدم حماسة الفاعل الروسي لتهجير الحواضن في المناطق المسيطر عليها بل والسعي إلى إعادتها ضمن لعبة الشرعية المزيفة.
وفيما يتعلق بالفاعل الإيراني فقد وجد هو الآخر نفسه مضطراً إلى دعم الانتخابات كبوابة للعودة للتحكم بالمجتمعات المحلية وادارة أنشطة إعادة الإعمار المنطلقة منها وهو برأيي لن يصادم الفاعل الروسي في مسعاه إلى توظيف العودة من خلال الانتخابات فمساقه تفصيلي مرتبط بصفقات جزئية محلية متعلقة بالنفوذ والتحكم بالأنشطة الاقتصادية وتفاعلات عملية إعادة الإعمار، أما مساق الفاعل الروسي فمرتبط بنظرته الكلية لشكل الحل في سورية وانعكاس ذلك على مصالحه الكبرى في المنطقة.
ستبقى أزمة النظام مع المشروعية المجتمعية ملازمة لبقائه، وما التجاوزات الفجة التي صبغت الانتخابات المحلية والتحضير لها ومخرجاتها إلا نموذج لتعاطي النظام مع القضايا الإشكالية التي مثلت جذر الصراع في البلاد، بل إن التحول نحو الحوكمة الرشيدة بما تحققه من مشاركة وقوننة ورقابة مجتمعية وشفافية ومساءلة، يناقض جذرياً فلسفة النظام وهو أساس مطالب قطاع كبير من السوريين منذ اندلاع الثورة.
تعد قضية النازحين في محافظة إدلب من القضايا الشائكة ذات البعد الإنساني والاجتماعي والسياسي، وهم الذين تبلغ نسبتهم 41% من السكان الحاليين في المحافظة، ويتوطن نصفهم تقريباً في مخيمات منتشرة على طول الشريط الحدودي مع تركيا يربو عددها على 280 مخيم، وتمثل المخيمات العشوائية القسم الأكبر منها بنسبة تقارب 86.4%([1]). في حين تمثل النسبة الباقية مجموعة من المخيمات المخططة ومخيمات الاستقبال والمراكز الجماعية. وعلى امتداد الأعوام الماضية بدأت الكثير من هذه المخيمات تنحو تدريجياً نحو الاستقرار والاستدامة بعد أن تحولت الكثير من الخيم إلى أبنية اسمنتية وتحولت المدن إلى ما يشبه القرى الكبيرة بمسميات أصبحت معروفة من قبل جميع سكان هذه المناطق. أضف إلى ذلك الكثافة السكانية المرتفعة ضمن هذه المخيمات بفئاتها العمرية المتنوعة، ولتشكل مجتمعات جديدة خلقتها ظروف الحرب واضطرار الأهالي للإقامة داخلها.
تعيش محافظة إدلب اليوم حالة من الهدوء النسبي على وقع نتائج الاتفاق الذي جمع كل من أنقرة وموسكو لإنهاء الحراك العسكري عليها. وقد عدً هذا الاتفاق وفقاً للمراقبين بمثابة تسوية سلمية مؤقتة لملف المحافظة يختبر من خلالها بنك الأهداف الأمنية المتفق عليه بين كل من روسيا وإيران وتركيا وفقاً لتفاهمات معينة فيما بينها. ومجنباً بالتالي المحافظة معركة عسكرية كبيرة كانت تهدد في حال وقوعها بكارثة إنسانية يمكن أن تتسبب بأعداد كبيرة من القتلى والجرحى من المقيمين والنازحين، فضلاً عن موجات نزوح جديدة ستعد الأكبر منذ اندلاع النزاع في سورية بداية عام 2011.
وعليه تحاول هذه الورقة قراءة واقع ومصير النازحين داخل محافظة إدلب في ظل المتغيرات العسكرية على الأراضي السورية بعد سيطرة نظام الأسد على الجنوب السوري والغوطة الشرقية التي أدرجت سابقاً ضمن ما يسمى مناطق خفض التصعيد، وما تبع ذلك من عودتها لسيطرة النظام نتيجة للتوافقات بين الفواعل الإقليمين والدوليين ذوي الصلة، وليطرح ذلك تساؤلاً عن مصير محافظة إدلب المندرجة حالياً ضمن مناطق خفض التصعيد. وذلك سعياً لمعرفة أثر التطورات العسكرية المحتملة على مستقبل النازحين فيها، وسط تعقيد وتشابك مصالح اللاعبين الدوليين والإقليمين فيها.
لم تهدأ الحملة العسكرية على محافظة إدلب من قبل النظام وحلفائه منذ خروجها عن سيطرته، وشهدت العديد من بلداتها حملات قصف جوي ومدفعي واشتباكات على أطرافها([2]). وبهدف تخفيض حدة التصعيد ووقف إطلاق النار قامت كل من تركيا وروسيا وإيران بالاتفاق على إدراج المحافظة ضمن مناطق خفض التصعيد في اجتماع الاستانة السادس في 15 أيلول من عام 2017. حيث تم تقاسم الأدوار والنفوذ بين هذه الدول لتطبيق ذلك، إلا أن القصور الذي شاب بعض نقاط الاتفاقية وخاصة ما تعلق منه بالملف الأمني، منح الفرصة للنظام والمليشيات الموالية له لاقتحام مناطق جنوب شرق المحافظة في كانون الأول/ديسمبر من عام 2018. ليسيطر على مساحة تقدر بـ 17.5%([3]).
شهدت المحافظة خلال الأعوام الماضية استقبال موجات كبيرة من النازحين من شتى بقاع الجغرافية السورية بعد تحررها من قبضة النظام السوري، ومشَّكِلة مقصداً اجتذب مئات الآلاف من النازحين إليها فيما بعد، متضمنة حملات التهجير القسري التي اتبعها نظام الأسد على مدار هذه الأعوام لنقل معارضيه من مناطقهم الأصلية لتوطينهم فيها. حيث استقر قسم منهم في مدنها وبلداتها وداخل المخيمات؛ بينما فضَّل البعض الآخر منهم العبور إلى الأراضي التركية. وقد أدى قيام تركيا بإغلاق حدودها في وجه تدفق النازحين إليها مؤخراً إلى ارتفاع الكثافة السكانية فيها بشكل كبير مفاقماً بالتالي من تردي الوضع الإنساني والاجتماعي للسكان، وعدم القدرة على تلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم، في ظل تفشي البطالة بشكل مرتفع وانعدام سبل العيش لدى نسبة كبيرة من النازحين ووقوعهم تحت خط الفقر المدقع، أضف إلى ذلك المشكلات المرتبطة بانهيار البنية التحتية والوضع الصحي المتردي وغياب المأوى وارتفاع الأسعار والظروف الأمنية الخطرة. وليخلق هذا بالتالي أزمة إنسانية كبيرة تتفاقم تبعاتها وتأثيراتها السلبية يوماً بعد يوم على النازحين أنفسهم وعلى السكان المحليين في مناطق نزوحهم.
وفقاً للعديد من التقارير والإحصاءات الميدانية، بلغ عدد السكان في محافظة إدلب وريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي في شهر آب من عام 2018 ما يقارب من (3.867.663) نسمة. يمثل السكان المقيمين فيها نسبة 58% أي ما يقارب (2.226.736) نسمة، في حين بلغ عدد السكان النازحين (1.621.077) نسمة وما نسبته 41%. كذلك يشكل عدد السكان القاطنين في مخيمات النزوح (791.640) نسمة وما نسبته 20% من العدد الكلي لسكان المحافظة([4]). ويقيمون في المخيمات المنتشرة في مناطق المحافظة القريبة من الحدود التركية، والتي تفتقد غالبيتها لأدنى مقومات العيش الكريم، ويقاسي سكانها مرارة العيش وعوز الحاجة وقسوة الفقر والمرض والجهل. ولتمثل هذه المخيمات الوجه الأبرز لمعاناة النازحين داخلياً، فسكانها هم من النازحين الأشد فقراً ومن بين الفئات الاجتماعية الأشد ضعفاً من النساء وكبار السن والأطفال، والذين يشكلون بمفردهم نصف عدد سكان هذه المخيمات. أضف إلى ذلك أن النسبة الأكبر من هذه المخيمات هي من المخيمات العشوائية التي تشكل نسبة تزيد عن 86% منها كما ذكرنا سابقاً، والتي بناها النازحون بأنفسهم، والتي لا يتم لحظها غالباً من قبل المنظمات الإغاثية نظراً لكثرة عددها وانتشارها العشوائي واكتظاظها الكبير بالسكان مُشَّكِلة مستوطنات واسعة الامتداد يزداد أعداد النازحين فيها يوماً بعد آخر([5]).
لم يعد يخفى على المتابع لمجريات النزاع في سورية الظروف الإنسانية الصعبة التي يقاسيها سكان هذه المخيمات بمختلف جوانبها الصحية والاجتماعية والتعليمية والمعيشية والنفسية التي أفرزت وستفرز العديد من التداعيات السلبية عليهم. فقد شكلَّ طول أمد وجودهم في هذه المخيمات وأعدادهم المرتفعة والمتزايدة عاملاً أثقل كاهل المنظمات الإغاثية والإنسانية عن تلبية الاحتياجات المتنوعة لهذه الكتلة البشرية الضخمة، إلى جانب انتشار حالات الفساد في العديد من هذه المخيمات والعراقيل المرتبطة بإيصال المساعدات إليها مع تنوع الفصائل العسكرية المسيطرة على مناطق هذه المخيمات خلال الأعوام الماضية، وغياب إدارة مركزية موحدة معترف بها للإشراف عليها. أضف إلى ذلك غياب أي رؤية مستقبلية لمصير النازحين داخل وخارج المخيمات من قبل الجهات الدولية والمحلية. وما سيشكله ذلك من تحدي مستقبلي في توطينهم وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لهم بعد أن أضحت عودتهم إلى مناطقهم الأصلية مثار تخوف وريبة من قبل غالبيتهم على مصيرهم، بعد أن بسط النظام وحلفائه سيطرتهم عليها وهم في غالبيتهم من المحسوبين على الفئات المعارضة للنظام في شقيها العسكري والسياسي.
في حين يُنظر إلى التفاهم الذي توصلت إليه كل من أنقرة وموسكو يوم 17 أيلول/سبتمبر الجاري بكونه مجرد اتفاق مرحلي ولا يمكن اعتبار بنوده إلا حلاً مؤقتاً بانتظار التفاهم الجديد أو النهائي بين أنقرة وموسكو([6])، إلا أنه أسهم في تفادي اندلاع معركة كبرى على محافظة إدلب. والتي وصفها الكثير من المراقبين بأنها لو وقعت لكانت من بين أكثر المعارك تأثيراً على الوضع الإنساني في سياق النزاع السوري على مدار الأعوام السبع الماضية، نظراً لما تحمله هذه المعركة من دلالة رمزية لهذه المحافظة التي تحتضن في ثناياها العدد الأكبر من المهجرين قسرياً والنازحين داخلياً عبر هذه الأعوام من مختلف بقاع الجغرافيا السورية([7]). وهم الذين ركبوا موجة النزوح لأكثر من مرة إلى أن استقر بهم المطاف في هذه البقعة من الأرض السورية مبتغين الحفاظ على أرواحهم وعائلاتهم بعد أن اختبروا أهوال الحرب وقسوة الحياة في مناطق سيطرة النظام. لذا فإن تسليط الضوء على واقع ومصير النازحين يعد من الأهمية بمكان بغية وضع تصور لما يمكن أن تؤول إليه أوضاعهم وفقاً للتطورات المستقبلية المحتملة التي يمكن رسمها بناءً على المعطيات المتغيرة المرتبطة بمصير المحافظة.
على مدار الأعوام الماضية لم يسلم النازحون في محافظة إدلب داخل وخارج مخيمات النزوح من استهداف قوات النظام وحلفاؤه لهم بالقصف الجوي والمدفعي والطائرات المسيرة التي أودت بحياة مئات المدنيين ضمن هذه المخيمات([8]). ولتشكل هذه الهجمات دليلاً إضافياً على المجزرة التي يرتكبها النظام وحلفاؤه بحق المدنيين العزل، على الرغم من النداءات المتكررة التي أطلقتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بعدم استهداف هذه المخيمات واحترام الطبيعة المدنية والإنسانية لسكانها. لذا كان هناك تخوفاً من سكان هذه المخيمات فيما لو تمكنت قوات النظام من دخول المحافظة لكانت التكلفة مرتفعة للغاية على المستوى الإنساني، لأنها لن تتوانى عن استعمال سياسة الأرض المحروقة كما فعلت في مناطق أخرى سابقاً. وستعمد إلى استهداف هذه المخيمات، سيما وأنها تعد الحاضنة الشعبية للكثير من المعارضين للنظام السوري. من خلال قيامها بحملات اعتقال واسعة وملاحقات أمنية ضمنها وزج الذكور المتواجدين داخلها للالتحاق بها، وغيرها من الممارسات اللاإنسانية.
وأشارت المعطيات الواردة من داخل هذه المخيمات إلى وجود حالة من الترقب والتخوف الكبير لدى السكان مع اقتراب قوات النظام والمليشيات المساندة له من المحافظة للسيطرة عليها. مما كان سيفرض على النسبة الأكبر من النازحين والقاطنين في هذه المخيمات ركوب موجة نزوح جديدة، يشاركهم فيها السكان المقيمين الذين سيشكلون كتلة جديدة من النازحين. إلا أن هذه الموجة لو حصلت لكانت أصعب من سابقاتها على النازحين القدامى الذين عانى الكثير منهم من تجربة النزوح لأكثر من مرة نظراً لانعدام مقاصد النزوح المتاحة أمامهم وانسداد أفق الحركة لديهم باتجاهاتها المختلفة، وما سيحمله ذلك من مخاطر عليهم في حال تم المجازفة بالتوجه إليها. وفيما يلي توضيح لأبرز هذه الاتجاهات المحتملة:
تعد منطقة درع الفرات وعفرين من بين الوجهات الأهم التي كان من المتوقع أن يقصدها العدد الأكبر من النازحين. لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد، إلى أي مدى ستكون هذه المناطق قادرة على استقبال هذه الموجات الكبيرة من النازحين داخل وخارج المخيمات والتي تقدر بأكثر من مليوني نازح كما يبين الشكل. وهي المناطق التي كانت مقصداً للنازحين بعد وقوعها تحت إشراف الجانب التركي منذ عام 2016، واحتوائها على العديد من النازحين داخل وخارج المخيمات الذين يتجاوز عددهم 400000 نازح تقريباً. ناهيك عن ظروفها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تحتاج الكثير من الوقت والجهد والكلفة المادية لتحسينها من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والأمني لسكانها بعد تحريرها من تنظيم داعش وتنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD). أضف إلى ذلك أن استقبال هذه الموجة الكبيرة من النازحين سيفاقم من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية للسكان والنازحين الموجودين داخلها. ناهيك عن وجود توجه لدى الحكومة التركية لتسهيل عودة اللاجئين السوريين لديها إلى هذه المناطق. لذا فإن هذه الموجة الكبيرة من النازحين كانت ستتسبب في أزمة إنسانية كبيرة من حيث عدم القدرة على تأمين المأوى والمستلزمات الأساسية لهذا العدد الكبير منهم وهم في غالبيتهم من الأطفال والنساء وكبار السن([9]).
الشكل رقم 1: يبين أعداد النازحين في محافظة إدلب ومقاصد النزوح المحتملة
المصدر: صُممت الخريطة بواسطة مركز عمران وتم الاستناد على الأرقام الصادرة عن منسقو الاستجابة في الشمال السوري.
2. التوجه نحو دخول الأراضي التركية
تعد محافظة إدلب إحدى المناطق الحيوية الهامة لتركيا لتوضعها على حدودها، وتفرض أنقرة في الوقت الحاضر إجراءات مشددة للدخول إلى أراضيها على جانب حدودها مع سورية، وهي التي تستضيف ما يقارب من أربعة ملايين لاجئ سوري لديها وفق الأرقام غير الرسمية. مما يجعل من احتمالية عبور هذا العدد الكبير من النازحين إلى الأراضي التركية أمراً مستبعداً في الوقت الحاضر بناءً على المعطيات الحالية في تركيا لعدم استقبال المزيد من اللاجئين السوريين. في وقت تتعرض فيه الحكومة التركية لضغوط داخلية وأوروبية للحد من تدفق اللاجئين اليها، ومعاناة أنقرة من تحديات اقتصادية هي الأكبر على الاطلاق منذ تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في عام 2002([10]). إلى جانب وجود تخوف لدى أنقرة من أن يتم ممارسة ضغوط عليها لفتح حدودها أمام النازحين استجابة للحالة الإنسانية التي ستحدث على حدودها لو تم اندلاع هذه المعركة. ومن جانب آخر فإن توجه النازحين للخروج من سورية يتعارض مع جهود موسكو التي تسعى جاهدة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم من دول الجوار، والذي قد يمثلَّ أحد عوامل التوافق بين البلدين لوقف هذه المعركة. لذا تسعى أنقرة جاهدة لمنع انفجار موجة نزوح وتهجير جديدة لسكان هذه المحافظة.
قبيل توجه قواته إلى محافظة إدلب، بدأ النظام يروج لفكرة المصالحات والممرات الإنسانية ومراكز إيواء النازحين، وهو نفس السيناريو الذي عمل عليه سابقاً في الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي ودرعا تحت إشراف روسيا. ومع استمرار زخم قدوم معركة إدلب بدأت آلة إعلام النظام تروج لقيامه بتجهيز مراكز إيواء لاستقبال النازحين من محافظة إدلب في حال توجههم إلى مناطقه عبر فتح الممرات الإنسانية([11]). وهو الطرح الذي تبناه مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا مؤخراً، من أجل إجلاء السكان المدنيين قبيل هجوم وشيك يعد له النظام وحلفاؤه([12]). ولا تختلف تصريحات المبعوث الدولي كثيراً عن روسيا وافتتاحها ما يسمى "المعبر الإنساني في أبو الظهور" وهو مشاركة حقيقية في عمليات التهجير القسري التي تمارسها روسيا وقوات النظام في مختلف أرجاء سورية. إلا أن هذا الطرح لم يلقَ قبولاً لدى نسبة كبيرة من السكان المقيمين والنازحين، لعدم ثقتهم بمصيرهم ضمن هذه المراكز التي تعد أشبه بمراكز أو معسكرات اعتقال كبيرة، وتخوفهم من ردود فعل انتقامية من مقاتلي ومؤيدي النظام السوري. هذه الحقيقة التي تجسدت بشكل حقيقي في مراكز الإيواء التي أقامها النظام للنازحين من الغوطة الشرقية والتي تحولت لمراكز اعتقال للنازحين داخلها بعد أن فرض النظام عليها حصاراً مطبقاً مانعاً الدخول والخروج إليها إلا بموافقات رسمية من قبله وبعد أن جرَّدَ الداخلين إليها من بطاقاتهم الشخصية بهدف إجراء عملية التدقيق الأمني عليها. إلى جانب كون هذه المراكز غير مهيأة لاستقبال المدنيين بسبب نقص التجهيزات والمستلزمات المعيشية ضمنها التي لا تفي والأعداد الكبيرة للمقيمين داخلها([13]). ومن جانب آخر فإن مصير العديد من الشباب ممن هم في سن الخدمة العسكرية ضمن هذه المراكز يبقى مجهولاً في ظل وجود إشاعات تفيد بقيام النظام بتجنيدهم إجبارياً ضمن قواته أو اعتقالهم في فروعه الأمنية([14]).
يبقى مستقبل النازحون داخل وخارج مخيمات النزوح في محافظة إدلب رهناً للاتفاقات الدولية والإقليمية والتي غالباً ما تخضع لتفاهمات بين الفواعل الرئيسية في الملف السوري. وقد أرسى التفاهم الروسي التركي الأخير حول مصير المحافظة جواً من الاستقرار النسبي للسكان في مرحلته الأولى. وما سيتبع ذلك من مراحل قادمة ستعمل فيها أنقرة على التفرغ لضبط المحافظة أمنياً وعسكرياً، في حين من المتوقع أن يكون هناك ترتيبات وتوافقات مع الفواعل المحلية لكيفية إدارة المحافظة على غرار ما هو حاصل في منطقة درع الفرات. أو قد يتم الاتفاق على سيناريو يتضمن عودة مؤسسات الدولة السورية لتقلد الجانب الإداري في هذه المحافظة وبقاء الجانب الأمني بيد أنقرة وفقاً لصيغ إدارة مشتركة بين الجانبين.
لذا فمع استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه في محافظة إدلب ووجود حالة من الاستقرار النسبي في مناطق مخيمات النزوح، يبدو من الأهمية بمكان قيام الجهات ذات الصلة بالنظر في مستقبل هذه المخيمات وآليات التعاطي معها من مختلف الجوانب. وهذا الدور يقع جزء كبير منه على الحكومة التركية لوضع تصور مستقبلي حول ذلك بالتعاون ما بين الأطراف الدولية والمحلية ذات الصلة. ومن المفترض أن يتضمن هذا التصور جملة من التساؤلات حيال النازحين داخل وخارج المخيمات، والتي يمكن حصرها بما يلي:
سترسم الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها من التساؤلات الأخرى ذات الصلة صورة أكثر وضوحاً عن مستقبل النازحين داخل وخارج المخيمات، وما يتطلبه ذلك من وضع آليات للتعامل مع هذا الملف الشائك.
مع التوصل إلى تفاهم أولي بين أنقرة وموسكو على محافظة إدلب، يؤجل فصل جديد من فصول المأساة الإنسانية على بقعة جغرافية أخرى من الأرض السورية، إلا أن هذا الفصل كان من المتوقع أن يكون الأكثر إيلاماً في حال وقوعه مخلفاً أزمة إنسانية غير مسبوقة، نظراً لتكدس ما يقارب من أربعة ملايين نسمة في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة التي تعد آخر معاقل المعارضة السورية. غير أن الوجه الأكثر إيلاماً في هذه الأزمة هم الأفراد النازحين داخل وخارج المخيمات، وهم من الفئات الاجتماعية الهشة من النساء والأطفال وكبار السن الذي اضطرتهم ظروف الحرب عبر الأعوام الماضية للنزوح من مدنهم وقراهم من مختلف بقاع الجغرافية السورية قاصدين هذه البقعة هرباً من بطش الآلة العسكرية للنظام وحلفائه.
لذا فإن التحديات الإنسانية كانت ستمثل الوجه الأبرز لهذه المعركة في حال وقوعها، وهو ما يفرض على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تحمل مسؤولياتهم اتجاه النازحين، وقيامهم بوضع الخطط الإغاثية للتخفيف من حجم المعاناة الإنسانية لهم. مع ما يتطلبه ذلك من فاعلية مدنية تعمل على تحييد المدنيين بوجود قوات فصل أو منظمات دولية لحمايتهم، أو بالدفع باتجاه تشكيل مناطق محايدة منزوعة السلاح يشرف عليها – أمنياً وإدارياً – فعاليات محلية للتخفيف من حدة موجات النزوح الداخلي للسكان المدنيين باتجاه مناطق بعيدة في حال اندلاع أي مواجهات عسكرية، والعمل على تأمين مستلزماتهم المعيشية بالتعاون والتنسيق مع المنظمات الإغاثية.
رغم الغموض الذي لا يزال يحيط بمصير محافظة إدلب وعدم حسمه بشكلٍ نهائي، ستبقى قضية النازحين فيها من التحديات الكبيرة في حاضرها ومستقبلها، مع ما يتطلبه ذلك من الإسراع في وضع حلول مستدامة لهذه القضية وتحديد مصير هذه الكتلة البشرية الضخمة داخل وخارج مخيمات النزوح. والتي يبدوا أن استمرارها بالشكل الحالي لم يعد مقبولاً لا من الناحية الإنسانية ولا من الناحية الأخلاقية، بعد أن تردى الوضع الإنساني فيها إلى مستوى لا يمكن تصوره، ناهيك عن الإفرازات الاجتماعية السلبية ضمن هذه المخيمات والتي تتطلب لحظها من جميع الجهات ذات الصلة والتنبيه إلى تداعياتها السلبية على حاضر ومستقبل السكان أنفسهم وعلى مناطق تواجد هذه المخيمات. وذلك في ظل وجود بيئة أمنية غير مستقرة يمكن أن تسَّهِل من عملية استقطاب الأفراد داخل وخارج هذه المخيمات من قبل بعض التنظيمات التي لا تزال فلولها منتشرة في هذه المناطق مستغلة الظروف المادية القاسية لهم وغياب أفق واضح يحدد مصيرهم.
([1]) Humanitarian Response, CCCM Cluster: IDP Sites Integrated Monitoring Matrix (ISIMM), July, 2018: https://goo.gl/LukmBf
([2]) تقع محافظة إدلب في أقصى الشمال الغربي لسورية المحاذي للحدود التركية، وتحيط بها محافظة حلب شرقاً ومن الجنوب محافظة حماة ومحافظة اللاذقية من الغرب. وتبلغ مساحة المحافظة 6100 كم2، وتقسم المحافظة إلى خمس مناطق إدارية وهي مركز المحافظة (مدينة إدلب)، ومعرة النعمان، وجسر الشغور، وأريحا وحارم. وبلغ عدد سكان المحافظة عند تاريخ 31-12-2010 (2.071) مليون نسمة بحسب سجلات الأحوال المدنية. وقدر عدد السكان المقيمين بنحو (1.535) مليون نسمة. وكانت محافظة إدلب من أولى المحافظات التي شهدت مظاهرات ضد حكومة نظام الأسد وخرجت عن سيطرتها في آذار من عام 2015.
([3]) عمار قحف، فرص الاحتواء والسيطرة على إدلب في مسارات الأزمة السورية، 24-05-2018، مركز الجزيرة للدراسات. م
([4]) منسقو الاستجابة في شمال سورية، 12-08-2018.
([5]) أوضاع معيشية مأساوية للنازحين في إدلب، موقع ديارنا، 10-09-2018: https://goo.gl/LG6ARL
([6]) قراءة ميدانية في التفاهم الروسي – التركي: هدنة بانتظار حل، جريدة الشرق الأوسط، 22-09-2018: https://goo.gl/awzWWa
([7]) التكلفة الإنسانية للهجوم على إدلب.. هل تدخل في الحساب؟، هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية، 31-08-2018: https://goo.gl/kncCEt
([8]) قصف يوقع مجزرة في مخيم للنازحين جنوبي إدلب، جريدة عنب بلدي، 20-03-2018: https://goo.gl/i2tzie
([9]) يونيسف: الهجوم على إدلب يضع مليون طفل سوري في خطر، وكالة رويترز للأنباء، 31-08-2018: https://goo.gl/nPiBcG
([10]) علي باكير، لماذا تعارض تركيا عملية إدلب؟، 06-09-2018، جريدة القبس الإلكتروني: https://goo.gl/U92icU
([11]) ساعات ما قبل معركة إدلب... افتتاح معبر أبو الضهور يوم الخميس لخروج المدنيين، وكالة سبوتنيك، 15-08-2018: https://goo.gl/AvWoBx
([12]) دي مستورا يعرض الذهاب إلى إدلب لتأمين ممر إنساني، جريدة الحياة، 30-08-2018: https://goo.gl/LvgLHM
([13]) الأمم المتحدة: "وضع مأسوي" في مراكز إيواء نازحي الغوطة الشرقية، إذاعة مونت كارلو الدولية، 21-03-2018، https://goo.gl/d9Hiuw
([14]) مراكز إيواء نازحي الغوطة .. “احتجاز مؤقت”، جريدة عنب بلدي، 28-03-2018: https://goo.gl/Fsc3sj
بعد سبعة أعوام من الصراع بين الشعب والكتلة الحاكمة، تمر سورية اليوم في مخاض عسير وتحول في بُنية الصراع يتقلص فيها بشكل كبير دور وفعالية العنصر المحلي لقاء نفوذ دولي مباشر. فقد تلاشى لدرجة كبيرة دور الفصائل المسلحة المعارضة مقابل تزايد مباشر في النفوذ الدولي عسكرياً وإدارياً وسياسياً. كما تمر هذه القوى المسلحة في مرحلة صراع للبقاء أو الاندماج تحت وصاية دولية مباشرة، بعد أن كانت تستلم الدعم من غرفتي العمليات الشمالية أو الجنوبية. وتتم هذه العملية بعد سلسلة اجتماعات الأستانة وسوتشي بعد أن تم سابقاً تدجين القوى السياسية في الأجسام الرسمية لتقوم بوظائف وأدوار محددة خاصة لدول ذات نفوذ مباشر عليها. وفي الوقت نفسه فإن النفوذ الروسي المباشر تغوَّل سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وإدارياً وبالتالي تم إنهاء مفهوم الإطار الموحد لـ"منصة النظام" مقابل "منصة المعارضة" وفق مفهوم جنيف 2 عبر خلق منصات عديدة في طرفي المعارضة والنظام وقوات سوريا الديمقراطية. في الوقت ذاته تم دمج مناطق النفوذ والسيطرة الميدانية لتصل في 2018 إلى مناطق شمال وشمال غرب تحت سيطرة تركية، وشمال شرق تحت سيطرة أمريكا وقوات سوريا الديمقراطية، وجنوب غرب سورية تحت نفوذ أمريكا والأردن مع السماح لإسرائيل بضرب أي مواقع تراها مهددة. أي إنه تم إنهاء مناطق الحصار والتجمعات المعارضة. وبالتالي فإن المشهد بات أكثر وضوحاً من حيث النفوذ الدولي والإقليمي، إذ لا تزال تستمر عمليات ضبط ودمج المجموعات المسلحة المعارضة والموالية.
تتسم هذه المرحلة الجديدة بالصفقات الجزئية والمركبة على نتائج بعضها بعضاً، وبأن الترتيبات بين الدول الفاعلة باتت تتبع سياسة "خطوة خطوة". كما أن إطار "محاربة الإرهاب" الذي كان مبرِراً لدخول هذه الدول لم يعد هو الإطار المبرر لبقاء واستمرار نفوذ هذه الدول. فباتت الولايات المتحدة ترتكز أكثر فأكثر إلى "الخطر الإيراني"، وباتت تركيا ترتكز إلى "محاربة حزب العمال الكردستاني" وتأمين الحدود، وباتت إسرائيل تبرر تدخلها بحماية حدودها من "الخطر الإيراني" ومنع نقل الأسلحة والمقاتلين تجاه حدودها، وبات الأردن أيضاً مهتماً بحماية كيانه من "الهلال الشيعي".
في ضوء هذا المشهد الجديد، تناقش أوراق هذا الكتاب محاور عدة، ترتبط بشكل سورية الحالي من الناحية الحوكمية وكيف تتقارب التجارب الميدانية في مختلف مناطق النفوذ أو تتباعد عن مفاهيم المركزيَّة واللامركزيَّة بأنواعها وأطيافها المختلفة عمودياً وأفقياً. ويحاول الباحثون في هذا الكتاب أولاً، توضيح مفاهيم اللامركزيَّة وأشكال اللامركزيَّة وكذلك تطبيقاتها في بلدان خرجت من النزاعات، وكيف كان الاتفاق على شكل الحوكمة مهماً في ضمان وحدة الأراضي وكذلك في دفع الملف التفاوضي إلى مرحلة أكثر التصاقاً بالواقع الجديد. ثم يعرج الباحثون على توصيف وتحليل اللامركزيَّة من حيث الوظائف السياسية والأمنية والمالية والتنموية، وكذلك مراجعة الأسس الدستورية والقانونية للامركزيَّة الإدارية والسياسية في سورية. ثم يستعرض الباحثون تجربة وتطبيقات الحوكمة بعد 2011 في مناطق سيطرة النظام ومناطق المعارضة وكذلك مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية. ويستعرض الباحثون في ثنايا أوراقهم تجارب العراق ولبنان وتجارب دول أخرى خرجت من النزاع وكيف تم فيها التفاوض على صلاحيات المركز مقابل صلاحيات الوحدات الإدارية المحلية.
ينطلق هذا الكتاب من ضرورة استعادة الشرعية التي فُقدت لدى الأطراف كافة، عبر تنظيم أدوات الحكم المحلي المرتكزة إلى تجربة المجالس المحلية التي لم تجنح إلى الفدرالية المفرطة ولا إلى المركزيَّة المستبدة وإنما خطت طريقاً يزيد من قوة البُنى المحلية ويرسم حدوداً لصلاحيات المركز تعتمد على منح الصلاحيات وليس التفويض الذي يخضع لسيطرة الدولة المركزيَّة. ولا يخفى في هذه المرحلة ضرورة العمل بالتوازي على تقوية المركز مع ضمان وتثبيت مكتسبات المجالس المحلية عبر نصوص دستورية ضامنة وقانون جديد للحكم المحلي. كما تنطلق الورقة من ضرورة الانتقال من اختزال عملية التفاوض مركزياً على العملية الدستورية وتنظيم انتخابات، أي مفاوضات على السلطة المركزيَّة إلى تفاوض على الحكم وتقاسم وظائف الحكم محلياً. وتختلف أوراق الكتاب الذي أسهم بها عدد من الباحثين في مقاربتها ولكنها تتفق على ضرورة تطوير نموذج لامركزي سوري يبتعد عن ثنائية اللامركزيَّة السياسية / اللامركزيَّة الإدارية أو الفدرالية / المركزيَّة، وينطلق نحو تقاسم في الصلاحيات والوظائف وبالتالي الانتقال من الإدارة المحلية إلى الحكم المحلي. ولا شك أن هذا يتطلب مزيداً من التطوير والنقاش ولكن نضع هذا العمل ليكون بداية في حوار سوري مجتمعي عن الشكل الأقرب لطبيعة سورية الذي بات أكثر محلية من أي عهد مضى خاصة بعد سنوات من اللامركزيَّة الطبيعية.
يوضح مبحث التأصيل المفاهيمي للامركزيَّة اختلاف الدول فيما بينها في اختيار أساليب ممارستها لنشاطها الإداري، ويتأثر الأسلوب الذي تنتهجه الدول في تنظيمها الإداري بظروفها السياسية والاجتماعية، ودرجة تأهيل النُظم الديمقراطية فيها، كما تظهر الحاجة إلى التحول نحو النظام اللامركزي من خلال عوامل عدَّة متعلقة بطبيعة الدولة وحجمها ودرجة استقرارها السياسي، حيث تصبح اللامركزيَّة ضرورة لبعض الدول من خلال فكرتها الجوهرية التي تقوم على توزيع السلطة وأدوات الحكم بين الحكومة المركزيَّة والإدارات المحلية، ويؤكد هذا التأصيل أن التحولَ إلى النظام اللامركزي بشكل كامل، أمرٌ محفوفٌ بالمخاطر بالنسبة لعدد كبير من الحكومات، بالرغم من أن هذا النظام يحمل حلاً للجزء الأكبر من مشكلات الدول النامية كالدول العربية مثلاً، وعلى رأس تلك المشاكل: توسيع قاعدة المشاركة السياسية والاقتصادية للمواطنين. ولكن في ظل التنوع الإثني والطائفي والطبيعة المركبة للدول يصبح تطبيق اللامركزيَّة بشكل كامل مهدِداً لوحدة الدولة.
تتخذ الوظيفة السياسة وفقاً للمبحث الثاني أشكالاً عدَّة، تظهر في أعلى درجات ممارستها في اللامركزيَّة السياسية الكلية (الفيدرالية)، حيث تمارس الولايات والأقاليم من خلال دساتير خاصة سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية، وتؤثر في سياسة الحكومة الاتحادية عبر سلطة الرقابة السياسية، ومن خلال ممثليها في المجالس التشريعية، بينما تُمارس الحكومة المحلية أدواراً محددة من هذه الوظيفة في ظل اللامركزيَّة السياسية الجزئية في إطار الصلاحيات الممنوحة لها دستورياً، وتتجلى في صنع السياسة المحلية ووضع القواعد والتشريعات المحلية دون أن تتعارض مع التشريعات الفيدرالية. في حين تنخفض درجة ممارسة الوظيفة السياسية في اللامركزيَّة الإدارية التي ينحصر اختصاصها بالجانب الإداري والتنفيذي دون أن تعطى أي سلطات تشريعية أو وظائف قضائية، فهي تخضع للنظام الإداري للدولة والقانون الإداري الذي تفرضه من خلال تبعيتها ومراقبتها للإدارة المركزيَّة في العاصمة. تنعدم الوظيفة السياسية أحياناً أخرى وخاصةً في ظل اللامركزيَّة الإدارية الجزئية.
تتطلب ممارسة الوظيفة القضائية ضمن نُظُم اللامركزيَّة وفقاً للمبحث الثالث إصلاحات في القضاء السوري، كإعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى، وإبعاد السلطة التنفيذية عن أي تشكيل قضائي، وإبطال القوانين المتغوِّلة على الحقوق والحريات العامة عبر استبدال الرقابة السياسية برقابة قضائية وتفعيل رقابة الدفع والرقابة المحلية، أما الوظيفة الدستورية فتؤكد عملية تقييم الدستور السوري الحالي كشكل وموضوع على أن المركزيَّة شديدة التمظهر وتتيح لسلطة الرئاسة (ذات الصلاحيات الواسعة دستورياً) التغول على باقي السلطات، وينبغي العمل على تطبيق مبدأ فصل السلطات وتوزيعها إلى ثلاث هيئات مستقلة وخلق توازن وتعاون بينها. أما فيما يتعلق بالوظيفة التشريعية في سورية، فقد بين هذا المبحث أن الدستور قد أناطها بمجلس الشعب وبرئيس الجمهورية بشكل أوسع، مُحولاً وظيفة المجلس من صناعة القانون إلى التصديق على قوانين الرئاسة، وهذا الأمر يتطلب تأطير السلطة التشريعية وإلغاء الصلاحيات الواسعة للرئاسة، والتخفيف من مركزيَّة التشريع والبرلمان. وينبغي الانزياح باتجاه شكل ما من اللامركزيَّة يجعل وظيفة التشريع في المستقبل مقسمة بين البرلمان (اختصاصه حصري) والسلطة التنفيذية بما فيها (واختصاصها مطلق) في كل ما لم يرد عليه نص.
يؤكد المبحث الرابع خلال دارسته للوظيفة الأمنية في النظم اللامركزيَّة على أنه في خِضَم تفاعلات الدول التي خرجت من صراعات أو ما تزال تشهدها، فإنه يُعد لزاماً أن تتم عمليات إعادة الضبط المفاهيمي لوظيفة الأمن الوطني وتطبيقاته وآليات تنفيذه وحوكمته ومستويات توزيع الوظائف الأمنية. وأكدت على أن تصميم نموذج "توازع الصلاحيات الأمنية" في الدول ذات النظم اللامركزيَّة (وفقاً لدروس الدول المستقرة وغير المستقرة)، وإن بدا أكثر اتساقاً ونجاعة من جهة تكاثف الجهود المحلية (المدنية والحكومية) في عملية صيانة الأمن، إلا أنه يرتبط عضوياً بعدة ضرورات، يشكل البُعد الوطني أهمها. وفي إطار البحث عن تلمس ملامح الأطر الناظمة للنموذج الأمني السوري وفق صيغ اللامركزيَّة فإنه يمكن تحديدها من خلال إحداث أجهزة مستقلة ذات قوة معلوماتية فقط (باستثناء قوى الشرطة ومكافحة الإرهاب)، واضحة التخصص الوظيفي والمكاني، والعمل على منح المحليات السورية الصلاحيات الأمنية المتعلقة بأعمال الشرطة والأمن المحلي، وإحداث هيئات محلية لصياغات المهددات الأمنية ورفعها للجهاز الأمني العام.
يبرز المبحث الخامس جدلية العلاقة بين اللامركزيَّة ودورها في التنمية المحلية في الدول الخارجة من النزاعات والتي تعد كأحد أهم المحددات في تبني اللامركزيَّة من عدمه في هذه الدول، ففي حين حققت بعض هذه الدول معدلات تنمية اقتصادية واجتماعية مقبولة بعد تبنيها للامركزيَّة، لم تفلح دول أخرى في تحقيق هذا النجاح، وقد يكون هذا عائداً لعوامل مرتبطة بعملية التنمية المحلية لكل دولة على حدة، وشكل اللامركزيَّة الذي تم تبنيه من قبلها. وفي إطار الحالة السورية، أكد المبحث على أن البلد قد عانى خلال العقود الماضية من غياب نموذج تنموي واضح المعالم مما أفضى إلى حدوث اختلالات تنموية كبرى على مستوى الدولة، والتي بدت أكثر وضوحاً في التفاوت التنموي بين المحافظات السورية. لذا فإن تبني نموذج اللامركزيَّة الإدارية في هذا البلد سيعمل على التخفيف من حدَّة هذا التفاوت من خلال قدرته على تفعيل المشاركة الفعلية والحقيقية للمجتمعات المحلية في عملية التنمية المحلية.
يؤكد المبحث السادس الذي يتناول اللامركزيَّة المالية على أن نجاح تطبيق نظام الحكم اللامركزي في الدول الخارجة من النزاعات يعتمد في جزء كبير منه على مدى قدرة هذه الدول على إرساء الأطر الناظمة للامركزيَّة المالية والمتعلقة بآليات جمع وتوزيع وإنفاق الموارد المالية بمختلف مستوياتها الحكومية والإدارية. وكذلك القيام بإصلاحات جوهرية في السياسات المالية بشكل عام وفي مجال سياسات الإنفاق بشكل خاص. وخلص المبحث إلى أن نموذج تخصيص الموارد المالية للوحدات الإدارية في الموازنة العامة للدولة في سورية شابهُ الكثير من القصور خلال العقود الماضية، وبالتالي أصبح لازماً منح هذه الوحدات قدراً أكبر من الاستقلالية المالية والعمل على وضع محددات نجاح اللامركزيَّة المالية لديها لتلبية متطلباتها التنموية وإسهامها الفاعل في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لمناطقها.
يفصّل المبحث السابع في واقع الإدارة المحلية في مناطق سيطرة النظام المركزيَّة، مبيناً وفق المؤشرات غلبة المركزيَّة كسمة لمنظومة الإدارة المحلية في مناطق سيطرة النظام، وتنامي تأثير حزب البعث على هذه المنظومة، كذلك لوحظ أثرٌ متزايد للقوى المحلية المدعومة إيرانياً في عمل بعض وحدات الإدارة المحلية. وأكد هذا المبحث أن الأزمات الخدمية في مناطق وحدات الإدارة المحلية تدلل على افتقادها التمويل والآليات والكوادر الكافية، مما يضطرها للاعتماد على المركز في تسيير شؤونها، كما أوضح عدم إيلاء النظام أهمية لملف اللامركزيَّة الذي يتعارض مع رغبته في توكيد سيطرته المركزيَّة، إلا أنه يخضعه لتوظيف سياسي، وهو ما يبرز باستخدامه كورقة تفاوضية في العلاقة مع المجتمع الدولي وبالأخص الأوروبيين، كذلك بإعادة النظر بالتقسيمات الإدارية لقطع الطريق على المعارضة في الانتخابات المحلية والتشريعية المقبلة، إضافة إلى توظيفها لمكافأة مواليه.
وفي السياق ذاته ركز المبحث الثامن على الواقع الحوكمي في مناطق سيطرة المعارضة السورية متوصلاً لعدة نتائج أهمها أن تجربة المجالس المحلية قد شهدت تحولات على صعيد بنيتها وآليات تشكيلها ووظائفها، إذ استقرت هياكلها التنظيمية واعتمدت بشكل متنامٍ على الانتخابات في تشكيلها، كما تمكنت من ترسيخ دورها الخدمي مقارنة بدورها في ملف الأمن المحلي وكذلك السياسي، كما شكل الملف المالي أحد أبرز تحديات المجالس المحلية، إذ تواجه عجزاً مالياً متنامياً يفسر بطبيعة الإيرادات والنفقات، كذلك بافتقادها إلى نظام مالي وتشريعات قانونية ناظمة لموازناتها المحلية. وأوضح المبحث أن طول أمد الصراع وتحول طبيعته والدفع باتجاه مقاربات التعايش والبقاء للنظام قد أفضى إلى تحفيز التنافس بين القوى المحلية والتي كانت المجالس أحد أبرز ساحات تجلياتها لقيمتها السياسية وما تمنحه من شرعية محلية. مؤكداً أن شكل وأسلوب تعاطي المجالس مع التحديات والتهديدات التي تواجهها مآلاتها في المدى المنظور لا تخرج عن ثلاثة سيناريوهات هي: التلاشي، إدارات محلية ذاتية على مستوى المناطق، وحدات محلية مستقلة بشكلها الراهن.
يوضح المبحث التاسع خلال تحليله للواقع الحوكمي في مناطق الإدارة الذاتية أن عدم الشفافية هي السمة الرئيسة في عمليات تقديم الخدمات والإدارة المالية وإدارة الموارد الاستراتيجية؛ وأن عمليات تشكل مجالس الإدارة التشريعية أتت بناءً على توافقات حزبية استندت بشكل رئيس إلى أدبيات حزب الاتحاد الديمقراطي ومنظومته في حركة المجتمع الديمقراطي. واعتبر هذا المبحث أن القوانين التي أصدرتها هذه المجالس هي قوانين إشكالية كقانوني الدفاع الذاتي وتغيير المناهج التعليمية وقانون الأحوال المدنية؛ كما أشار خلال استعراضه لهيكلية الإدارة الذاتية وسلطتها التشريعية والتنفيذية إلى وجود مشروع سياسي حزبوي يتم تطبيق رؤيته قسراً على السكان المحليين عبر أجهزته الأمنية والعسكرية. وخلص إلى أن الإدارة الذاتية وإن استطاعت فرض نموذج حكم خاص، إلا أنها لا تزال تعاني من إشكالية التمثيل والاعتراف وقلة الكوادر المختصة ناهيك عن عدم نجاحها في إزالة المخاوف المحلية والإقليمية المتأتية من مشروعها.
يقترح الكتاب في مبحثه الأخير إطاراً لامركزياً نوعياً في سورية؛ إطاراً راعى أن يكون مدخلاً مهماً للاستقرار في سورية، موضحاً الآتي: تركز المفاوضات في الملف السوري بالتوازي مع الترتيبات المركزيَّة لبناء السلام على تمكين نمط اللامركزيَّة عبر التفاوض على الصلاحيات والمسؤوليات بين المركز والوحدات الإدارية. وضرورة إعادة قراءة بيان جنيف الأساسي وفق مفهوم اقتسام الحكم لا السلطة. وهذا يعني تقديم أولوية الانتخابات المراقبة دولياً على أي مسار آخر على أن تبدأ بانتخابات الإدارة المحلية.
وليتم ضمان نجاح الانتخابات، لا بد من إجراءات أساسية يتم اتخاذها من الطرفين، يكون أساسها استعادة عمل الشرطة والمحاكم المحلية، وعليه يجدر البدء بصياغة قانون جديد للإدارة المحلية (اللامركزيَّة)، والذي سيسمح للسلطات المنتخبة محلياً بالسلطة الكاملة على الشرطة وعملها، وكذلك على المحاكم وإدارتها.
وتكمن الفرصة للمجالس المحلية للعمل على شرعنة بُناها والتفاوض على صلاحيات جديدة تضمن نمطاً لامركزياً يعطي صلاحيات موسعة للمجالس والمحافظات ترتكز إلى الشرعية الانتخابية وأن تكون صلاحيات المنتخب أعلى من صلاحيات المُعيّن. ويؤكد هذا المبحث على أن تمكين أدوات ومرتكزات الحكم المحلي دستورياً وقانونياً وبضمان الدول المتواجدة على الأرض السورية كفيل إلى درجة كبيرة بالدفع بالملف التفاوضي إلى مرحلة بناء السلام ويضمن الاستقرار النسبي ريثما يتم الاتفاق على الترتيبات الأمنية المختلفة.
لقراءة الكتاب كاملاً انقر هنا لتحميل الملف