أقام مركز عمران للدراسات الاستراتيجية لقاءً تعريفياً حول كتابه السنوي الرابع المعنون بــ : "حول المركزية واللامركزية في سورية: بين النظرية والتطبيق”. هدف اللقاء إلى مناقشة فصول الكتاب ومضامينه واستعراض الآراء والأفكار الواردة فيه مع عدد من الباحثين والسياسيين والإعلاميين.

خلال كلمة الافتتاح أوضح المدير التنفيذي لمركز عمران الدكتور عمار القحف، أهمية هذا الكتاب بما يشكلًه من مرجعية نظرية وتطبيقية لمفهوم اللامركزية في سورية، مزيداً بسيناريوهات تطبيقيه تحقق أهداف الشعب السوري في وحدة الأراضي السورية، وإعادة صوغ العلاقة بين الوحدات الإدارية وبين المركز في سورية المستقبل.

فيما قدم الباحثان معن طلاع وساشا العلو شرحاً موجزاً عن ضرورة استعادة الشرعية التي فُقدت لدى الأطراف كافة في سورية، عبر تنظيم أدوات الحكم المحلي المرتكزة إلى تجربة المجالس المحلية التي لم تجنح إلى الفدرالية المفرطة ولا إلى المركزيَّة المستبدة، وذلك من خلال طريق يزيد من قوة البُنى المحلية ويرسم حدوداً لصلاحيات المركز، تعتمد على منح الصلاحيات وليس التفويض الذي يخضع لسيطرة الدولة المركزيَّة.

بدوره سلط الباحث بدر ملا رشيد الضوء على تجربة الإدارة المحلية في مناطق سيطرة نظام الأسد ومناطق “الإدارة الذاتية”، مبرزاً أهم التحديات التي تقف في وجه تجربة المجالس المحلية.

ومن الجدير بالذكر أن الكتاب جاء على عشرة فصول لعشرة من الباحثين السوريين، وضّحوا في طياته مفاهيم عن اللامركزية وأشكالها وتطبيقاتها في بلدان خرجت من النزاعات، ومدى إمكانية تطبيقها في سورية، متطرقين إلى أشكال من اللامركزية (الاقتصادية، الإدارية، المالية، السياسية)، والرقابة المحلية والحكم المحلي، ومركزين على الوظائف الدستورية والقضائية والتشريعية بحسب أنماط اللامركزية. ومقدمين رؤية حول “اللامركزية النوعية كمدخل رئيسي للاستقرار في سورية” .

 

 

التصنيف الفعاليات

ترتبط قناعة الكثير من المجالس المحلية بمركزية دورها في مجتمعاتها إلى حد كبير بموقف الناس من المجالس المحلية والدور المركزي والفريد الذي تلعبه كون أن خياراتهم تجاه الاحتياجات التي تلبيها الإدارات المحلية أو مايوازيها من هيئات مدنية مرتبطة بالبنى العسكرية هي خيارات ضيقة ولا يمكن لمنظمات المجتمع المدني ولا الهيئات المجتمعية الأخرى أن تحل محلها، ولا يمكن حتى للبنى الإدارية التابعة للنظام أن تقوم مقامها. على الأقل فيما يميز هذه البنى من القدرة على تمثيل المجتمعات المحلية وما يحمله ذلك من توفير ديناميات مؤسسية وغير مؤسسية من خلال المجالس المحلية نفسها وما تتيحه من فضاءات للحوار والمساءلة أو من خلال الهيئات والمرجعيات المجتمعية التقليدية، تمكن هذه المجتمعات من ممارسة الدور الرقابي وتوجيه المجالس المحلية لتكون أكثر تشاركية وشفافية وتعبيراً عن متطلبات وآمال المجتمعات المحلية.

أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز عمران للدراسات الاستراتيجية مطلع العام الحالي على 105 مجلساً محلياً على امتداد المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وتنظيم الدولة والقوى الكردية، توجهاً متزايداً إلى اعتمادية المجالس المحلية كجهة مركزية في تقديم الخدمة وإدارة فعاليات المجتمع المحلي، حيث عبر 41 % من العينة عن اعتقادهم بأن للمجالس دور مركزي ضمن الحيز الإداري لعملها فيما ذهب 50 % بالمئة منهم إلى اعتبار مجالسهم الجهة الوحيدة التي تضطلع بالأدوار الإدارية والخدمية.

ورغم أن هذه النتيجة نابعة من نظرة المجالس المحلية لنفسها ودورها في مجتمعاتها إلا أنه لا يمكن فصل تلك النظرة عن انطباع الناس تجاه دور المجالس المحلية كون أن خياراتهم تجاه الاحتياجات التي تلبيها الإدارات المحلية أو ما يوازيها من هيئات مدنية مرتبطة بالبنى العسكرية هي خيارات ضيقة ولا يمكن لمنظمات المجتمع المدني ولا الهيئات المجتمعية الأخرى أن تحل محلها، ولا يمكن حتى للبنى الإدارية التابعة للنظام أن تقوم مقامها. على الأقل فيما يميز هذه البنى من القدرة على تمثيل المجتمعات المحلية وما يحمله ذلك من توفير ديناميات مؤسسية وغير مؤسسية من خلال المجالس المحلية نفسها وما تتيحه من فضاءات للحوار والمساءلة أو من خلال الهيئات والمرجعيات المجتمعية التقليدية، تمكن هذه المجتمعات من ممارسة الدور الرقابي وتوجيه المجالس المحلية لتكون أكثر تشاركية وشفافية وتعبيراً عن متطلبات وآمال المجتمعات المحلية.

يعبر مصطلح المجالس المحلية عن الإدارات المحلية سواء أكانت مجالس محافظات أو ما يتفرع عنها من مجالس فرعية أو لجان أحياء ولعل أبرز ما يعلل حيازة المجالس المحلية لهذه الاعتمادية من قبل مجتمعاتها المحلية، حاجة السكان الأصيلة لأدوار الدولة ضمن مستويات اللامركزية وذلك من حيث تقديمها للخدمات أو الرقابة على الجهات الموفرة لها من منظمات وجهات خاصة ضمن آليات الرقابة المجتمعية التي توفرها مؤسسة المجلس المحلي، إضافة إلى إدارة الموارد الذاتية المتوفرة ضمن المنطقة  أو الموارد الخارجية، بما يعود بالنفع العام على أفراد المجتمع من خلال ضخ عائداتها وفق خطط المكتب التنفيذي للمجلس  المصادق عليها من قبله وضمن موازناته المعلنة ، وهي مسؤوليات لاتزال المجالس المحلية بمجموعها عاجزة عن تحملها  إذا ما أضفنا إليها أهمية لعب المجالس المحلية دوراً مفصلياً في عملية التنمية والتنمية المستدامة إذ تظهر الدراسة المشار إليها قصور واضح في قدرة المجالس المحلية على القيام بأدوار رئيسية في إقامة مشاريع تنموية واقتصار دورها في أغلب الأحيان على التنسيق مع الجهات الداعمة، فيما تحكم قدرة هذه المجالس على القيام بمسؤوليتها هذه عدة عوامل أبرزها حيازتها للسلطة التنفيذية المحلية وحيازة كوادرها على مستويات عالية من الكفاءة الإدارية والتأهيل المؤسسي وقدرة المجالس المحلية على إقناع الأطراف المحلية والدولية الأخرى بأهليتها الإدارية والخدمية، إضافة إلى دفع السكان المحليين لتثبيت مشروعية المجالس المحلية أمام  المنظمات الغير الحكومية المحلية والدولية والجهات العسكرية، فيما يتنامى توجه العديد من القوى العسكرية من جهة أخرى إلى دعم مركزية دور المجالس المحلية بناء على تفاهمات وتوافقات مع المجالس المحلية أو رغبة من هذه القوى في التخفيف من الأعباء المدنية التي تحملتها في السابق ولم تنجح في تحقيق الرضى المجتمعي على أدائها بسبب قلة خبرتها وتهميشها في كثير من الأحيان لدور المجتمع المحلي في الرقابة والتوجيه وفي تحقيق ذاته ، إضافة إلى فشلها في تصميم مستندات قانونية ناظمة لعملها فضلاً عن إهمالها لتلك الناظمة للعمل الإداري والخدمي ضمن الإطار الوطني العام .

وعليه فإن أهم ما يترتب على قدرة المجالس المحلية على تحمل مسؤوليتها وتجاوز المطبات التي واجهت الهيئات التنفيذية الأخرى التي لم تحظى بالمشروعية الحقيقية ولا الشرعية اللازمة هي حيازة المجالس المحلية على:

  • الشرعية القانونية النابعة من قدرة المجالس المحلية على اعتماد اللوائح القانونية الناظمة لعمل الإدارة المحلية، وتحديد شكل علاقتها مع الحكومة المؤقتة وتأطيرها وفق القوانين المعتمدة؛
  • مشروعية الخدمة والإنجاز؛
  • مشروعية التمثيل والتعبير عن تطلعات المجتمعات ومطالبها على المستويات الخدمية والتنموية وحتى السياسية
  • مشروعية الإدارة؛
  • وأخيراً مشروعية الدولة بما تمتلكه من سلطات تنفيذية محلية تحمي المشروعيات السابقة وترسخ الشرعية وتحافظ عليها.

ومن أجل الوصول إلى هذه السوية فإن المجالس المحلية مطالبة بالعمل وفق ست حزم أساسية:

  1. حزمة العلاقات؛

تركز على إعادة رسم خارطة المستفيدين سلباً أو إيجاباً تجاه فعالية المجلس المحلي وتحديد اتجاهات هذه العلاقات وأولوياتها، ووضع آلية لاستثمارها بالشكل الأمثل. 

  1. حزمة الحوكمة وتركز على:
  • بناء إدارة مالية ناجحة ونظام سجلات وأرشفة مالية متقدم؛
  • تعزيز الانفتاح والشفافية من خلال نشر الخطط والموازنات ونشر القرارات من خلال اعتماد مكتب إعلامي؛
  • رفع كفاءة العاملين وفعاليتهم من خلال اعتماد مكتبي التدريب والموارد البشرية؛
  • تطبيق مبادئ المساءلة والمحاسبة من خلال تفعيل آليات الرقابة الإدارية من داخل مؤسسة المجلس وخارجها؛
  • تعزيز المشاركة المجتمعية والتي تتم من خلال إقامة منتديات للحوار المجتمعي خاصةً ضمن الوحدات الإدارية الأصغر (المجالس الفرعية ولجان الأحياء)، إضافةً إلى تعزيز ونشر ثقافة التطوع؛
  • تطبيق مبدأ سيادة القانون من خلال اعتماد نظام داخلي يراعي خصوصيات المجلس المحلي ويتماشى مع الهياكل والخطوط العامة للأنظمة الداخلية لبقية المجالس المحلية على المستوى الوطني.
  1. حزمة الخدمات وتهتم بما يلي:
  • تقييم الاحتياج من خلال إجراء الاحصاءات اللازمة والدراسات المعمقة وتقييم واقع الخدمات الحالية؛
  • التوثيق: بما في ذلك توثيق الحالات الإنسانية والأحوال المدنية وتوثيق المرافق العامة والمواقع التراثية والأوقاف؛
  • الإشراف على الخدمات المرفقية كالتعليم والصحة وتوفير البيئات والمباني اللازمة لعملها؛
  • الاستشعار بالأزمات والاستعداد لها؛
  • إقامة مشاريع البنية التحتية (كهرباء، ماء، طرق، نظافة)، إضافةً إلى وضع الخطط اللازمة وتقييم الاحتياج فيما يخص إعادة الإعمار؛
  1. حزمة الشرعية، والتي تشير إلى مدى انتظام المجلس المحلي ضمن الإطار الدولتي العام وتركز على:
  • اعتماد التقسيمات الإدارية واللوائح التنفيذية المعتمدة من الحكومة المؤقتة؛
  • اعتمادية المجلس المحلي من المستوى الإداري الأعلى ومن الحكومة المركزية؛
  1. حزمة المشروعية، والتي تشير إلى قدرة المجلس المحلي على حيازة رضى المجتمع المحلي من خلال إدارة الموارد والتعاطي الفعال مع الشكاوى، إضافةً إلى قدرة المجلس على تمثيل شرائح المجتمع المختلفة؛
  2. حزمة الموارد المالية وتركز على:
  • الموارد الخارجية من خلال إدراج خطط المجلس المحلي ضمن موازنات المستويات الإدارية الأعلى (فرعي –محافظة) أو ضمن موازنات الحكومة المركزية (محافظة – حكومة مؤقتة)، إضافة إلى ما يقدم من الجهات المانحة؛
  • الموارد الداخلية والتي تعتمد على مدى قدرة المجلس المحلي على تطبيق آليات الجباية المحلية ونشر ثقافتها في المجتمع في ظل ضعف الذراع التنفيذية للمجلس المحلي، وأيضاً قدرة المجلس المحلي على إدارة الموارد المتوفرة ضمن نطاق حدوده الإدارية، إضافةً إلى حيازة المجلس المحلي على الدور الرئيس في إدارة العملية التنموية وتعزيز مصادر الدخل الذاتي والدفع بعجلة الاستثمار والشراكات مع القطاع الخاص؛

لا يوجد اتساق حقيقي في معدلات استجابة المجالس المحلية لمتطلبات حيازتها للدور المركزي والفريد في المجتمعات المحلية وذلك بسبب تفاوت الظروف بشكل حاد بين مجلس محلي وآخر واختلافها  بين مجلس فرعي وآخر ضمن مجلس المحافظة نفسه، نتيجة ظروف الحصار الذي تعيشه بعض المناطق وحالة الانفتاح على دول الجوار الذي ميز مناطق أخرى لم تخضع للحصار، وتبعاً  لتردّد وعي وقناعات المجتمعات المحلية لمحورية دور المجالس المحلية بسبب وجود بعض المحسوبيات المحدودة و التي لا ترتقى  لمستوى الظاهرة  ووجود حالات من تنازع الصلاحيات بين المجالس والمنظمات والإدارات التنفيذية الأخرى إضافة إلى  بعض المشكلات في تمثيل شرائح من السكان في المجلس المحلي، ما أوجد تباينا واضحاً في الموارد المادية والبشرية للمجالس، ومع ذلك فإن ثمة جهود تبذل  من قبل المؤسسات والمنظمات  ومراكز الدراسات الوطنية المهتمة  بملف الحوكمة  (من خلال الورش ومجموعات التركيز والدورات  التي تتنوع مشاركة المجالس المحلية فيها ما يسمح بتبادل الخبرات ونقل التجارب بالإضافة للأوراق والدراسات التي تسهم في رفع السوية المعرفية لدى المجالس المحلية بصورة متجانسة) وذلك  بهدف ردم الهوة الموجودة بين المجالس المحلية  والمضي قدماً صوب تلبية استحقاقات الحكم الرشيد ضمن أطر من العمل المتناسق الذي تسعى الحكومة المؤقتة لتفعيله من خلال إعادة تشكيلها وتفعيل وزارتها وهيئاتها في بيئات متنوعة بتنوع الظروف التي تعيشها المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.

التصنيف مقالات الرأي