شهدت سورية منذ منتصف عام 2023 حتى نيسان 2024 حراكاً شعبياً ضد “السلطات المحلية” في عدة مناطق. بدأ الحراك في منطقة شمال شرق سورية، إذ انتفض أبناء العشائر العربية ضد قوات سورية الديمقراطية "قسد"، لكن استطاعت قسد قمع الانتفاضة وملاحقة المشاركين بها. ثم جاءت مظاهرات السويداء ضد نظام الأسد في المحافظة بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية، لتتطور لاحقاً إلى المطالبة بالتغيير السياسي في سورية وفق القرار الأممي 2254. لم يلجأ النظام إلى استخدام العنف بشكل واسع في مواجهة المظاهرات، لكنه اعتمد سلوك الزعزعة الأمنية إضافة إلى المراهنة على عامل الوقت أملاً بخفوت المظاهرات. أما في شمال غرب سورية، بدأت القوى الشعبية في مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" بحراك ضد "حكومة الإنقاذ" و"جهاز الأمن العام" اللذين يقعان بشكل أو بآخر تحت السيطرة المطلقة لـ "أبو محمد الجولاني" الذي استفاد بدوره من استراتيجيات سلطتي الأمر الواقع في المنطقتين اللتين سبقتا إدلب إلى الحراك، واتبع استراتيجية مختلفة نوعاً ما عن قسد ونظام الأسد.
يحاول هذا المقال تفكيك الحراك في كل من المناطق الثلاث، من حيث أسباب انطلاقه، وذلك عبر فهم استراتيجيات تلك السلطات في التعاطي مع التحرّكات الشعبية والتعامل معها، والأسباب التي دفعت لاستخدام هذه الاستراتيجيات، والأدوات التي استعانت بها. إضافة إلى محاولة إبراز أوجه التباين بين النماذج الثلاثة ومعرفة الطرق التي استفادت من خلالها هذه السلطات من تجارب نظيراتها في المناطق الأخرى.
شمال شرق..عنف واختراقات في البنية المجتمعية
شهدت منطقة شمال شرق سورية في 25 تموز 2023 حالة توتّر استمرت عدة أيام، بدأت مع اندلاع اشتباكات بين قسد و"مجلس دير الزور العسكري" المنضوي تحتها، ليتوصل الطرفان إلى تهدئة مؤقتة انهارت مع اعتقال قسد رئيس المجلس "أبو خولة". على إثر الاعتقال، اندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات قسد ومجلس دير الزور العسكري، حيث كانت قسد تحضّر لعملية أمنية تسعى فيها لتفكيك الأخير.
في البداية تمكنت العشائر العربية من طرد قوات قسد من معظم مدن وقرى ريف دير الزور الشرقي، وهي المنطقة الواقعة شمالي نهر الفرات، ثم توسعت الاشتباكات لاحقاً لتشمل أيضًا أرياف الحسكة والرقة وحلب. لكن هذه الاشتباكات توقفت بعد حوالي عشرة أيام بسبب عدم التوازن في القوى العسكرية بين الطرفين، واستطاعت قسد استعادة السيطرة على أغلب المناطق([1]).
يرجع سبب اتساع الحراك إلى امتداد القبائل والعشائر في هذه المنطقة بشكل متصل، حيث تتواجد في غرب حلب وإدلب والرقة ودير الزور والحسكة. ويشكل وجود تاريخ ثوري مشترك بين العشائر ضد النظام عاملاً محفزاً للحراك. إضافة إلى معاناتها من سياسات قسد من تهجير وظلم وتهميش([2]).
حاولت قسد استهداف البنية المجتمعية للحراك وتوظيف العامل العرقي ليكون أداة لتوقف الحراك ودب الخلاف بين مكونات المجتمع، وذلك باستخدام أدوات عديدة. أهمها، دفع مقاتلين من المكون العربي لإخماد الحراك([3]) في دير الزور وباقي المناطق. إذ هدف هذا النهج إلى إحباط عزيمة أبناء المنطقة وخلق شرخ كبير بين أبناء العرق الواحد، وهذا مشابه لما عمل عليه النظام لسنوات. وهكذا قوضت قسد الحراك باستخدام القوة واستطاعت السيطرة على قرية ذيبان وهي مسقط رأس إبراهيم الهفل الذي كان يقود الحراك والذي كان يعد شيخ قبيلة "العكيدات". ثم استدعت عمه هفل الهفل إلى" مؤتمر مجلس سوريا الديمقراطية الرابع"، وبالتالي استطاعت قسد اختراق أهم وأكبر القبائل المشاركة بالحراك([4]).
تعاملت قسد مع الحراك منذ بدايته بعنف،حيث استخدمت قواتها الخاصة لقمع أبناء العشائر، واتبعت استراتيجية الترهيب والعنف المباشر دون محاولة فهم مطالب أبناء المنطقة. واختارت قسد هذه الاستراتيجية عن غيرها لإدراكها عدم توازن القوى بينها وبين الطرف الأخر، باعتبار أن أبناء المنطقة لا يملكون أسلحة ومعدات كتلك التي تملكها قسد. إلى جانب ذلك، كان لدى قسد تخوف من الطروحات التي بدأت بالانتشار حول رغبة تركية -أمريكية- خليجية بالاعتماد على العشائر العربية في المنطقة، مما يشكل تهديداً على نفوذ قسد. وبالتالي، أرادت إلغاء أي تشكيل عسكري عشائري كي لا يكون بديلاً محليّاً محتملاً لها مع الدول الفاعلة. بالإضافة إلى تخوّفها من انتشار الحراك إلى المناطق الأخرى، وحينها سيكون من الصعب ضبط المنطقة من جديد. إذ إن أي زعزعة أمنية في منطقة شرق الفرات ستؤثر سلباً على قسد باعتبارها النموذج الحوكمي الأفضل في المنطقة من وجهة النظر الأمريكية، وتلك الزعزعة في حال حدوثها قد تعيد الحسابات الأمريكية حول كفاءة قسد في حكم المنطقة مستقبلاً وتقوي فرص العشائر في إنشاء علاقات أقوى مع أميركا وتركيا في آن واحد.
حاول نظام الأسد اختراق الحراك في دير الزور من خلال خلاياه المتواجدة في المنطقة ومن خلال بعض وجهاء العشائر التابعين له كمحاولة منه لتبنّي الحراك بقصد الإساءة للعشائر العربية، وزرع الشكوك بهذا الحراك لدى السوريين، وتأكيد سردية قسد على أن الحراك هو تمرد تقوده جماعات مدعومة من النظام والميليشيات الإيرانية. استخدم النظام شيخ عشيرة البقارة([5]) الموالي لإيران "نواف البشير"، الذي وجّه دعوات لشيوخ العشائر العربية حثّهم فيها على الانتفاضة ضد قوات سوريا الديمقراطية واستهداف مواقعها العسكرية في المناطق التي تسيطر عليها. كما التقى البشير، صحبة عدد من وجهاء العشائر العربية من مدينة الحسكة، بالرئيس السابق لـ "مكتب الأمن الوطني" في نظام الأسد اللواء علي مملوك في مطار القامشلي، حيث دعاهم الأخير إلى دعم جيش النظام وسحب أبنائهم من صفوف قوات سوريا الديمقراطية، مؤكداً أنه سيوفر المزايا والدعم الضروري لهم في حال تبنيهم الوقوف مع النظام.
مع كل هذه المحاولات، لم يُفلِح النظام في جذب عشائر المنطقة لعدة أسباب. أهمها، أن هناك تواجداً بارزاً لعدد كبير من أبناء وأخوة رؤساء العشائر في صفوف الجيش الحر، ولعدم وجود تقبّل مجتمعيّ للنظام في المنطقة التي عانت كثيراً من منهجية التدمير التي اتبعها النظام تجاههم.
السويداء..الزعزعة والفوضى الأمنية منهجاً
شهدت محافظة السويداء في آب 2023 حراكاً شعبياً يتضمن مطالباً بتحسين الأوضاع الاقتصادية والانتقال السياسي. كما تميزت ديناميات الحراك بمشاركة قسم من عشائر البدو في الحراك التي أضافت بمشاركتها بعداً وطنياً له، وأنه ليس مرتبطاً بالطائفة الدرزية فحسب. من ناحية أخرى؛ أفشلت هذه المشاركة محاولات النظام في دبّ الخلاف بين العشائر وأبناء المحافظة مثلما حدث في سبتمبر 2021. كما شهد الحراك توسعًا جغرافيًا ملحوظًا مقارنةً بموجات الاحتجاجات السابقة في المحافظة، ما يجعل موقف النظام صعباً لعدم وضوح مآلات الحراك وفيما إن كان سيمتدّ إلى مناطق أخرى أم لا.
أضاف تأييد شيوخ الطائفة الثلاثة (حكمت الهاجري، يوسف الجربوع، حمود الحناوي) لمطالب الحراك نقطة قوة لدى المتظاهرين، إذ إن تأييد المرجعية الدينية، ذات الأثر الكبير على المجتمع المحلي، دفع أبناء المجتمع للمشاركة الفاعلة بشكل أكبر. ومع ذلك، كان هناك اختلاف على مستوى خطابات المرجعية الدينية وتباين بين مواقف شيوخها من نظام الأسد. لكن ورغم هذه التباينات، ما تزال هناك حالة حصانة داخلية ضمن المجتمع الذي كان يعاني من توترات سابقة بسبب مواقف الشيوخ من النظام، مثل دعوة الشيخ حكمت الهاجري لأبناء السويداء عام 2018 للالتحاق بالخدمة العسكرية وعدم التخلف عنها([6]).
حالة التلاحم ودعم الحراك من قبل المرجعية الدينية لم تدم طويلاً، حيث استطاع النظام اختراق وحدة القرار في المرجعية الدينية من خلال استغلال وجود رموز درزية ببنية النظام، ومنها محافظ ريف دمشق التابع للنظام "صفوان أبو سعدة"، الذي أجرى اجتماعات متكررة مع الشيخ "يوسف الجربوع" الذي أعلن لاحقاً تأييده للنظام ورفض التظاهر ضده.إلا أن "الجربوع" أكد دعمه للمطالبات المعيشية المحقة، وفقاً لبيان صدر عن دار "عين الزمان" الذي يترأسه. لكنه لم يتطرّق إلى المطالب الرئيسية التي ينادي بها متظاهرو السويداء بشكل علني، والتي تتمثل في إسقاط النظام ورحيل الأسد([7]).
تعامل النظام مع الحراك بشكل أمني، حيث لم يكن لديه رغبة في الوصول إلى خيار المواجهة الشاملة، وذلك عبر التعامل مع الحراك كحالة محلية معزولة عن البيئة الوطنية السورية الشاملة، وذلك لعدّة أسباب، أولاً الحفاظ على توازن القوة العسكرية بين الفصائل المحلية المؤيدة للحراك والمقربة من المرجعيات الدينية من جهة، وبين الميليشيات المقربّة من إيران التي تعمل في تجارة المخدرات والزعزعة الأمنية ومناهضة للحراك من جهة أخرى. ثانياً عدم رغبة النظام في إثارة حالة من الغضب في صفوف أقلية "الموحّدين الدروز" ذات الامتداد الإقليمي في سورية ولبنان وفلسطين. ثالثاً الحفاظ على صورة "حامي الأقلّيات" التي يحب النظام تصديرها للعالم. إلا أن هذه السياسة قد تتغير مع الوقت ومع مدى قدرة النظام على استيعاب وضبط الحراك بالحد الأدنى خاصة بعد إرسال رتل عسكري للمخابرات الجوية مؤخراً على أثر اعتقال أحد ظباط النظام من قبل المتظاهرين وهذا يعتبر مؤشر للتصعيد ولإمكانية تغير سياسات النظام تجاه الحراك([8]).
إدلب..سياسة احتواء أمنية دقيقة
تصاعدت التوترات في شمال غرب سورية مع اتساع دائرة المظاهرات المناهضة لهيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ السورية، إذ طالبت هذه المظاهرات بتنحي قائد الهيئة "أبو محمد الجولاني"، وبإطلاق سراح المعتقلين من سجون "الهيئة"، وبإجراء انتخابات لاختيار مجلس شورى ومجلس لقيادة "المناطق المحررة"([9]).
نتجت هذه التظاهرات عن أسباب عدة، منها خلاف داخل الهيئة، التي تعاني من صراع داخلي وتخبط بسبب تجميد مهام الرجل الثاني الذي اعتقل ثم اغتيل مؤخراً "أبو ماريا القحطاني"، بالإضافة إلى انشقاق القيادي الثالث جهاد عيسى الشيخ (المعروف أيضًا بأبو أحمد زكور)، والذي كشف عن قضايا تتعلق بتورط قائد الفصيل "أبو محمد الجولاني" بعدة أمور، من بينها التورّطَ بتفجيرات والتعاون مع جهات استخباراتية أجنبية([10]).
وعلى أثر هذه الفوضى الداخلية ارتفع مستوى احتقان الشارع تجاه سياسات “السلطات المحلية”، كما ازدادت التوترات في ظل الاعتقالات التي نفذتها الهيئة خلال العام الماضي، حيث اعتقلت ما يقارب 1000 شخص، بينهم عناصر وقادة عسكريون وأمنيون، بتهمة التعاون مع روسيا ونظام الأسد والتحالف الدولي. تم إطلاق سراح بعضهم في وقت لاحق، إلا أن آثار التعذيب ظهرت على العديد منهم ما أدى إلى تصاعد الاحتجاجات ضد الهيئة وطلب تحقيق عادل في هذه القضية([11])
في الواقع يعكس الاحتقان الشعبي تراكمات عدة لدى أهالي المنطقة أهمها، الانسداد السياسي الذي يحول دون تحقيق أي حل سياسي للقضية السورية. إذ تقيّد التفاهمات الإقليمية والدولية الحركة العسكرية، مما يجعل الفصائل بما في ذلك هيئة تحرير الشام عاجزة عن التحرك بقوة. وتتفاقم الأوضاع بسبب الهجمات اليومية من قوات النظام وحلفائه على مناطق إدلب وريفها، مع تقليص المساعدات الإنسانية وغلاء المعيشة وازدياد الفقر.
بعد تصاعد الأزمة، عقدت قيادة "تحرير الشام" سلسلة من الاجتماعات. بدأت بلقاء قائد الهيئة "الجولاني" مع النخب المجتمعية ووجهاء القرى والبلدات، بالإضافة إلى أعضاء مجلس الشورى وحكومة الإنقاذ. قدمت النخب والوجهاء خلال هذه الاجتماعات مطالب المتظاهرين، وتم التأكيد على بدء تنفيذ هذه المطالب([12]). بعدها حاولت الهيئة أن تعتمد مقاربة ضبط وتخفيف الخسائر لاحتواء الأزمة الداخلية وارتداداتها على مستوى البنية سواء شاقولياً أو أفقياً. ومن ناحية أخرى، وفي مسعى لتهدئة الشارع وتلبية مطالب المتظاهرين، اتخذت "تحرير الشام" عدة إجراءات وقرارات، تشمل تشكيل لجان لعقد اجتماعات مع الفعاليات المدنية والشعبية للاستماع إلى مطالبها، وتسهيل آلية التواصل بين الأهالي والجهات المسؤولة. كما تم إصدار عفو عام عن السجناء، وإعفاء / تخفيض رسوم تراخيص البناء.
خلاصات ختامية
تباينت ردات فعل “السلطات المحلية” على الحراك الشعبي في المناطق الثلاث، إلا أننا نستطيع ملاحظة تدرج مستوى العنف واختلاف الاستراتيجيات فيما بينهما. حيث استخدمت قسد القوة على الفور دون محاولات لتخفيف التوتر واستيعاب المطالب الشعبية التي تم تجاهلها على المدى طويل من قبل القيادات في قسد. وذلك لمعرفة قسد أنه لا يوجد توازن في القوى بينها وبين الحراك الشعبي. واستخدام القوة مباشرة بشكل سريع يصب في مصلحة قسد لتحافظ على مكانتها وصورتها المسيطرة أمام الدول الداعمة. أما فيما يخص استراتيجية النظام تجاه الحراك في محافظة السويداء، فكان أقل وطأة قياساً باستراتيجية قسد. حيث عمل النظام على تجنب الصدام المباشر مع المتظاهرين ، إذ تتمتع محافظة السويداء بوجود فصائل مسلحة قد تحقق لها نوعاً من توازن القوة مع النظام، إلى جانب تكوينها الطائفي العابر للحدود. فيما كانت الاستراتيجية المتبعة من قبل قيادة "هتش" في إدلب تدل على مدى استفادتها من التجارب السابقة للسلطات الأخرى، حيث اتبعت استراتيجية مختلفة تماماً عما سبق واستخدمت سياسة الاحتواء والتقرب من المجتمع المحلي من خلال تصدير صورة جديدة قوامها حرية التعبير والاستجابة للمطالب بالحد الأدنى.
من بين الاستراتيجيات الثلاث كانت استراتيجية "هتش" هي الأذكى على الصعيد الإجرائي، وإن لم تستطع امتصاص غضب الشارع. فقد حاولت أن تظهر بشكل أفضل مما ظهر عليه نظام الأسد وقسد، عبر تحقيق أو الوعود بتحقيق جزء كبير
من مطالب الشارع. فيما قوبلت المنطقتان الأخريان بحل أمنيّ قد يكون مؤقتاً كما في حالة شرق الفرات، أو برهانٍ على التفكك الداخلي داخل الحراك واللعب على اختراقه كحالة نظام الأسد في مواجهة حراك السويداء.
بنهاية المطاف تدل الحركة الشعبية وسياسات التعاطي معها على تنامي أزمة " القبول والشرعية"حيث ستكون مؤثرة على بنية ووظائف هذه السلطات وسيزداد حجم تلك الأزمة في ظل تعطل العملية السياسية مما يشير بشكل وازن إلى احتمالية توسع حجم تلك الأزمة لتزيد من حجم معاناة المواطن السوري في جميع المناطق.
([1] ) محمود الفتيح :" انتفاضة العشائر وقوى الأمر الواقع: نموذج مصغر للخيبات السورية"، تلفزيون سوريا، 03.10.2023، https://bit.ly/3xMoOVI
([2]) محمد يوسف : " خبراء سوريون: اشتباكات دير الزور انتفاضة ضد "واي بي جي" الإرهابي"، الأناضول، 07.09.2023، https://bit.ly/4bc9yzS
([3]) "عشائر دير الزور يؤكدون وقوفهم إلى جانب قسد" ، Syriac press، 16.12.2023، https://bit.ly/4db5MZs
([4]) كمال شيخو: "انتخاب قيادة جديدة في «مجلس سوريا الديمقراطية» وإلغاء منصب «الرئيس التنفيذي»"، الشرق الأوسط،21.12.2023، https://bit.ly/3xSspBI
([5]) "شيخ عشيرة البكارة الموالي لإيران يحرض العشائر العربية على الانتفاضة ضد قوات سوريا الديمقراطية"، المرصد السوري لحقوق الأنسان، 28.08.2023، https://bit.ly/3Wf77bD
([6]) يمان زباد: " انتفاضة السويداء في آب 2023: تحديات أمنية وسيناريوهات مفتوحة"، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 31.08.2023، https://bit.ly/3Ufnwub
([7]) " شيخ العقل يوسف جربوع ينحاز للنظام ويصف الأصوات المطالبة بإسقاط الأسد بـ "النشاز"، تلفزيون سوريا، 30.08.2023، https://bit.ly/3UvhKpo
([8] ) " بعد احتجاز ضباطه.. النظام السوري يرسل رتلاً عسكرياً من دمشق إلى السويداء"، تلفزيون سوريا، 25.04.2024، https://bit.ly/3WiE6f4
([9]) باسل حفار: "عملاء التحالف".. أزمة مركّبة تعيشها هيئة تحرير الشام"، الجزيرة، 28.03.2024، https://bit.ly/3vWYMig
([10]) " «هيئة تحرير الشام» تسرب اعترافات قيادي عراقي فيها... هل تمهد لإعدامه؟"، الشرق الأوسط،04.01.204، https://bit.ly/4aNKrUs
([11]) معاذ العباس: " ماذا يريد المتظاهرون ضد هيئة تحرير الشام في إدلب؟"، الجزيرة ، 09.03.2024، https://bit.ly/3UwZmMR
[12] معاذ العباس، " ماذا يريد المتظاهرون ضد هيئة تحرير الشام في إدلب؟"، الجزيرة ، 09.03.2024، https://bit.ly/3UwZmMR
للمزيد: https://bit.ly/48WyxWp
تشهد مناطق الشمال السوريّ خرقاً أمنياً واضحاً، تتجلى أبرز جوانبه في وتيرة عمليات الاغتيال المستمرة ومعدلاتها المرتفعة، والتي تعد مؤشراً هاماً على تدهور حالة الاستقرار الأمني وتدني القدرة على ضبطها من قبل القوى المسيطرة، خاصة مع ازدياد محاولات الاغتيال ضمن تلك المناطق وتعدد دوافعها ومُنفذيها واختلاف أساليبها، وسط تجدد قصف النظام وحلفائه لبعض تلك المناطق، ما يزيد من تعقيد الوضع الأمني والقدرة على ضبطه.
وتتصف عمليات الاغتيال بالسريّة عادة، لناحية الجهة المنُفِّذة، إلا أن هناك نسبة كبيرة من تلك العمليات ضمن مناطق سيطرة الفصائل المعارضة تتبناها جهات محددة بشكل علني كـ "قوات تحرير عفرين"(1)، و"تنظيم الدولة"، في اختراق أمني واضح وصريح لتلك المناطق. وبالرغم من اختلاف وتيرة ومُعدّل عمليات الاغتيال من منطقة إلى أخرى ضمن الشمال السوري؛ إلا أنها تتقاطع في الإشارة إلى التراجع العام لمؤشرات الاستقرار الأمني.
وفي متابعة لملف الاغتيالات ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة في الشمال السوري؛ صَمّمَتْ وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات، نموذجاً خاصاً لرصد تلك العمليات وتحليل البيانات المتعلقة بها، كمؤشرات للاستقرار الأمني(2). ضمن تقرير دوريّ يرصد وتيرة عمليات الاغتيال، موضّحاً نتائجها، وما أسفرت عنه، مقابل الجهات المُنفّذة -إن عُلِمت -وكذلك الجهات المُستَهدَفة. كما يسعى التقرير إلى تحليل تلك البيانات ومقاطعتها بين مختلف المناطق، في محاولة لرسم الملامح العامة للوضع الأمنيّ وقياس أوليّ لمؤشرات الاستقرار.
وعليه، يرصد هذا التقرير عمليات الاغتيال ضمن مناطق عدة في الشمال السوري، منها: ريف حلب الشمالي، الذي شكّل نطاق العمليات العسكرية: "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، مقابل مدينتي تل أبيض ورأس العين "نبع السلام" في الشمال الشرقي، إضافة إلى ما تبقى من محافظة إدلب وريف حلب شمال غربي سورية. وذلك خلال الفترة الممتدة ما بين (كانون الثاني/يناير وكانون الأول/ديسمبر 2023)، إذ بلغ عددها 105 عمليات اغتيال، خلّفت 267 ضحية. وتوضّح البيانات انخفاضاً طفيفاً في معدل الاغتيالات، مقارنة بتقارير سنة 2022، التي أصدرها مركز عمران: (الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى حزيران 2022)، والتي بلغت 70 عملية، خلّفت 263 ضحية(3). و(الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من تموز حتى كانون الأول 2022)، والتي بلغ عددها 68 عملية، خلّفت 215 ضحية(4).
وقد توزعت عمليات الاغتيال الـ 105 المرصودة ضمن التقرير الحالي، بحسب الأشهر، على الشكل التالي: 12 محاولة اغتيال خلال شهر كانون الثاني/يناير، في حين بلغت خلال شباط/فبراير 4 محاولة، فيما لم تسجل أي محاولة خلال أذار/مارس، وشهد نيسان/أبريل 8 محاولة، بينما سجلت في أيار/مايو 3 محاولة، لترتفع في حزيران/يونيو إلى 8 محاولات. وارتفعت إلى 16 عملية خلال شهر تموز/يوليو، في حين بلغت خلال آب/أغسطس 12 عملية، فيما سُجِّلت 10 عمليات خلال أيلول/سبتمبر، وشهد تشرين الأول/أكتوبر 16 عملية، لتنخفض في تشرين الثاني/نوفمبر إلى 7 عمليات، بينما بلغت في كانون الأول/ ديسمبر 9 عمليات. ويسعى التقرير بعد رصد تلك العمليات، إلى دراستها وتحليلها واستعراضها بحسب مناطق السيطرة، والجهات المُستَهدَفة والمُنفِّذة، وطبيعة أداة التنفيذ، ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها، مقابل أثرها على مستوى الأمن والاستقرار في المنطقة.
تُظهر عملية الرصد الخاص بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي "درع الفرات"، بلوغ معدل عمليات الاغتيال خلال سنة من الرصد: 51 عملية، أسفرت عن سقوط 144 ضحية بين قتيل وجريح. نفذت 38 منها عبر الطلق الناري، وأسفرت عن سقوط 119 ضحية بين قتيل وجريح، إذ حققت 33 عملية من 38 غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، فيما فشلت 5 عمليات في تحقيق هدفها. أما بالنسبة للجهة التي تقف وراء تنفيذ تلك العمليات، فتشير البيانات إلى تنفيذ "قوات تحرير عفرين" 21 عملية(5)، ونُفِذَت عمليتين من قبل عناصر في الجيش الوطني(6)، في حين بقيت 15عملية مجهولة المنفذ. (الشكل 1) وكانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك الاغتيالات بواقع 14عمليات، مقابل 9 عمليات استهدفت القوات التركية، في حين تعرض المدنيون ل 15عملية منها واحدة استهدفت سائق شاحنة تركي الجنسية(7).
بالمقابل، نُفِّذَت 7 من 51 عملية عبر العبوات الناسفة والمفخخات، مخلّفةً بمجموعها 9 ضحية بين قتيل وجريح، استهدفت 3 من هذا العمليات عناصر الشرطة العسكرية والمدنية في المنطقة، في حين تعرضت تجمعات المدنيين ل 4 عمليات. وقد تبنّت "قوات تحرير عفرين" عملية واحدة(8)، لتبقى 6 عملية من عمليات العبوات الناسفة والمفخخات مجهولة المُنفِّذ.
من جهة أخرى، نُفِّذَت 3 عمليات عبر الطيران المسير، مخلّفةً 13 ضحية بين قتيل وجريح، استهدفت 2 منها الفصائل الإسلامية، واستهدفت واحدة الفصائل الجهادية(9). وقد تبنى التحالف الدولي عمليتين، في حين بقيت واحدة مجهولة المنفذ. وفي سياق متصل، نُفِّذَت 3 من 51 عملية عبر الخطف ثم القتل، (الشكل 2) مخلفة 3 ضحايا واستهدفت جميعها أفراد مدنيين، وبقيت جميعها مجهولة المنفذ.
الشكل 1: يبين توزع عمليات الاغتيال بالطلق الناري في مناطق ريف حلب الشمالي /"درع الفرات" بحسب الجهة المنفذة
الشكل 2: يبين توزع عمليات الاغتيال في مناطق ريف حلب الشمالي/"درع الفرات، بحسب أداة التنفيذ
ويتضّح من خلال أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي، ثباتاً في معدل عمليات الاغتيال مقارنة بالتقريرين السابقين، الذين أصدرهما مركز عمران وشملَا الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى كانون الأول 2022، إذ سجّلت تقارير العام السابق 52 عملية اغتيال خلال عام 2022، بالمقابل رصد التقرير الحالي 51 عملية.
بالمقابل، تُبيّن الأرقام انخفاضاً في معدل عدد الضحايا، مقارنة بتقارير العام السابق، التي سجّلت 182 ضحية، بينما بلغ مجموع عدد الضحايا خلال فترة الرصد الحالية 144 ضحية. ويُعزى ذلك إلى ارتفاع معدل عمليات الطلق الناري المباشر، إذ اعتمدت بنسبة 74.5% على عمليات إطلاق النار المباشر، التي استهدف أغلبها شخصيات عسكرية/مدنية بعينها، إضافة لاستهداف تجمعات مدنية خالصة. ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا، شكّلَت نسبة عناصر الجيش الوطني منهم 34.7%، مقابل 24.3% من المدنيين، و7.6% من الحركات الإسلامية، 31.9% من الجيش التركي، و1.3% من الحركات الجهادية. (الشكل 3)
الشكل 3: يبين توزع ضحايا الاغتيال في مناطق ريف حلب الشمالي / "درع الفرات"، بحسب الجهة المستهدفة
وفقاً للبيانات الخاصة برصد المنطقة؛ فإن الواقع ما يزال يشير إلى اتساع الخرق الأمني، مقابل عدم تقدم القوى المُسيطرة في ضبطه وتضييق حجم هذا الخرق، خاصة في ظل اتهامات لأطراف وجهات عدة بالسعي إلى زعزعة الأمن والاستقرار، وتقاطع مصالحها في ذلك؛ كحزب الاتحاد الديمقراطي"PYD" وخلاياه النشطة في المنطقة، الذين يعدون المنطقة امتداداً للنفوذ التركي، وجميعُ من فيها "أهدافٌ مشروعة"، دون التمييز بين مدنيين وعسكريين، إضافة إلى النظام الذي يسعى إلى زعزعة أمن المنطقة وإفشال أي نموذج أمني/حوكمي فيها.
ثانياً "عفرين" (مُنَفذ واضح)
من خلال رصد وتحليل البيانات لعمليات الاغتيال الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها من المناطق، يتضح أنها شهدت بالعموم: 27 عملية اغتيال خلال عام 2023، أسفرت عن 89 ضحية بين قتيل وجريح. وقد نُفِّذَت 20 عمليات من مجموع العمليات الـ 27 عبر الطلق الناري، حققت 18 منها غايتها في تصفية الجهة المستهدفة. وكان عناصر الجيش الوطني هدف لها في 13 عملية، متسببة في سقوط 35 ضحية من الجيش الوطني بين قتيل وجريح، في حين استهدفت 3 عمليات جهات مدنية، أدت إلى سقوط 3 ضحايا، مقابل 4 عمليات استهدفت القوات التركية أوقعت 12 ضحية بين قتيل وجريح.
تبنت "قوات تحرير عفرين" 15 عملية إطلاق نار من 20 عملية، في حين نفذ عناصر يتبعون لفصيل معتدل واحدة منها(10)، لتبقى ال4 عمليات الباقية مجهولة المنفذ.
بالمقابل، وبحسب البيانات المرصودة، نُفِّذت 7 عمليات من مجمل العمليات الـ 27 عبر العبوات الناسفة والمفخخات (الشكل 4)، استهدفت عناصر الجيش الوطني في مرتين، وتعرضت الشرطة المدنية لعملية استهداف واحدة(11)، في حين تعرضت تجمعات المدنيين ل 4 عمليات. وقد أدى هذه العمليات إلى سقوط 29 ضحية بين قتيل وجريح، (الشكل 5). وقد تبنّت "قوات تحرير عفرين" أربع عمليات من مجموع عمليات العبوات الناسفة والمفخخات(12)، فيما بقيت الـ 3 عمليات الأخرى مجهولة المُنفِّذ.
الشكل 4: توزع عمليات الاغتيال في عفرين /"غصن الزيتون" بحسب أداة التنفيذ
الشكل 5: يبين توزع ضحايا العبوات الناسفة والمفخخات في عفرين / "غصن الزيتون"، بحسب الجهة المستهدفة
تُبيّن أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها، أن معدل عمليات الاغتيال لم يتغير مقارنة بتقارير العام السابق التي أصدرها مركز عمران، وغطت الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى كانون الأول 2022. إذ سجّلت التقارير السابق 26 عملية اغتيال في تلك الفترة، كما رصد التقرير الحالي تنفيذ 27 عملية. وبالمثل، فإن تساوي عدد العمليات أدى إلى تقارب عدد الضحايا، فقد بلغت خلال عام 2023: 89 ضحية، مقابل 94 ضحية خلال عام 2022. وقد يُردّ ذلك إلى اختلاف الأهداف وتركز أدوات التنفيذ في أغلب العمليات الحالية، فقد اعتمدت بنسبة 74 % منها على الطلق الناري، في حين نُفِّذت 26% منها عبر العبوات الناسفة والمفخخات، التي استهدفت شخصيات عسكرية بعينها، وأخرى استهدفت مجموعات عسكرية وسط تجمعات مدنيين، مقابل عمليات استهدفت تجمعات مدنية. وقد شكّلت نسبة المدنيين من الضحايا 28.08%، مقابل 58.4% من عناصر "الجيش الوطني"، 13.4% من عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة. (الشكل 6).
الشكل 6: يبين توزع ضحايا الاغتيال في عفرين / "غصن الزيتون"، بحسب الجهة المستهدفة.
وبحسب البيانات، بقيت 26% من العمليات المرصودة مجهولة المنفذ، في حين نفذ عناصر تابعون للجيش الوطني 3.7% من العمليات في المنطقة تبنت "قوات تحرير عفرين" 70.37% من العمليات المرصودة، (الشكل7) بشكل يشير إلى تركُّز عملياتها ونشاطها الأمني في عفرين ومناطق "درع الفرات". وقد استهدفت تلك العمليات في أغلبها عناصر "الجيش الوطني"، الذين تحولوا إلى أهداف متحركة داخل مدينة عفرين، سواء على المستوى الفردي عبر تصفية أفراد بعينهم، أم على مستوى جماعي عبر استهداف مجموعاتهم العسكرية. وغالباً ما يتم هذا الاستهداف وسط تجمعات مدنية، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين. وتنسجم طبيعة تلك العمليات مع الرؤية المعلنة لقوات "تحرير عفرين"، والتي تعد المنطقة "امتداداً للنفوذ التركي" وتضع المقاتلين المحليين والعوائل المهجّرة ضمن الإطار ذاته، وبالتالي تكثّف من عملياتها وتشرعنها تحت هذا الغطاء، دون تمييز بين مدني وعسكري.
الشكل 7: يبين توزع عمليات الاغتيال في عفرين/ "غصن الزيتون"، بحسب الجهة المنفذة
بالمقابل، فإن حركة الاغتيالات في عفرين والتبني الواضح لها، يتناسب طرداً مع مستوى القدرة الأمنية للجهات المُسيطرة، فعلى الرغم من تسجيل مناطق "درع الفرات" نسبة أكبر بعمليات الاغتيال (51)، بينما في عفرين ومحيطها (27)؛ إلا أن ذلك لا يعني اختلافاً كبيراً في مستوى الضبط الأمني، خاصة وأن أغلب العمليات التي نُفِّذَت في عفرين كانت "نوعيّة"، ناهيك عن تبني أغلبها بشكل علني من قبل ما تدعى "قوات تحرير عفرين"، وتصاعد نشاطها بشكل يشير إلى ارتفاع مستوى تلك العمليات وتوسيع دائرة أهدافها، مقابل عدم إحراز تقدم كبير على مستوى الضبط الأمني من قبل الجهات المسيطرة.
يشير الرصد الخاص بمنطقتي رأس العين وتل أبيض، واللتين شكلتا نطاق العملية العسكرية "نبع السلام"، إلى بلوغ عمليات الاغتيال خلال عام 2023: 12 عملية اغتيال، أسفرت عن 16 ضحية بين قتيل وجريح، نُفِّذَت 10 منها عبر الطلق الناري، أسفرت عن 12 ضحية بين قتيل وجريح، وقد حققت 8 منها غايتها في تصفية الجهة المستهدفة. استهدفت 6 منها عناصر الجيش الوطني، مقابل 4 عمليات استهدفت أفراد مدنيين. (الشكل8) وبقيت جميعها مجهولة المنفذ. بالمقابل، نفذت عمليتين عبر العبوات الناسفة والألغام الأرضية، (الشكل9) وأسفرت عن سقوط 4 ضحايا بين قتيل وجريح، استهدفت واحدة منها عناصر الجيش الوطني(13)، في حين استهدفت الأخرى جهة مدنية. وبقيت الجهة المنفذة مجهولة في العمليتين.
الشكل 8: يبين توزع ضحايا الطلق الناري في مناطق رأس العين وتل أبيض/ "نبع السلا"، بحسب الجهة المستهدفة
الشكل 9: يبين توزع عمليات الاغتيال في مناطق رأس العين وتل أبيض/ "نبع السلام"، بحسب أداة التنفيذ
ويتضح من خلال البيانات الخاصة بمدينتي رأس العين وتل أبيض "نبع السلام"، انخفاض وتيرة عمليات الاغتيالات، قياساً بالتقريرين السابقين التي تغطي عام 2022، حيث سجّلت 26 عملية اغتيال، بالمقابل سجّل التقرير الحالي لعام 2023: 12 عملية. بالمقابل يُلحظ انخفاض كبير في معدل ضحايا تلك العمليات قياسا بالتقريرين السابقين، التي تغطي عام 2022، حيث سجّلت وقوع 111 ضحية بين قتيل وجريح، في حين رصد التقرير الحالي وقوع 16ضحية فقط بين قتيل وجريح. ويُعزى ذلك إلى تغيير نوعية الأهداف وأدوات التنفيذ، فقد نُفِذَت 10 من 12 عملية عبر الطلق الناري، مستهدفة أشخاصاً بعينهم. بينما نُفِذَت عمليتين عبر العبوات الناسفة، التي استهدَفَت تجمعات مدنية منخفضة الكثافة، أو عناصر من "الجيش الوطني". ما أدى إلى وقوع عدد من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 37.5%، في حين شكّلت نسبة عناصر "الجيش الوطني" 62.5%. (الشكل 10).
الشكل 10: يبين توزع ضحايا الاغتيالات في مناطق رأس العين وتل أبيض/ "نبع السلام"، بحسب الجهة المستهدفة
أما بالنسبة للجهات المُنفِّذة، فعلى الرغم من عدم وجود تبنٍ علني لتلك العمليات، إلا أن مصادر جمع البيانات تشير إلى اتهامات لخلايا حزب العمال الكردستاني "PKK" في الضلوع بأغلب تلك العمليات، خاصة وأن طبيعة العمليات لا تختلف عن سابقاتها في مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، من ناحية الأهداف والأدوات وأساليب التنفيذ، الأمر الذي يشير إلى ارتفاع مستوى العمليات الأمنية من جهة، وقد ينذر بازديادها من جهة أخرى.
ومن خلال الأرقام السابقة لمختلف المناطق المرصودة، يتضح أن مناطق سيطرة "الجيش الوطني" في ريف حلب الشمالي الغربي "درع الفرات" الأكثر تردياً أمنياً، قياساً بمناطق (عفرين، تل أبيض، رأس العين) وذلك لناحية ارتفاع وتيرة الاغتيالات، واتساع الخرق الأمني، وتعدد الجهات المُنفِّذة، واختلاف مصالحها وارتباطاتها، مقابل ضعف قدرة القوى المُسيطرة على ضبط الأمن وتضييق حجم هذا الخرق.
ولعلّ ارتفاع معدل العمليات إلى هذا الحد لا يُعدُّ مؤشراً على عجز التشكيلات الأمنية لـ "الجيش الوطني" على ضبط الأمن والاستقرار بالنسبة للمدنيين فحسب، وإنما ضعف قدرتها أيضاً على تأمين وحماية عناصرها، وهذا ما تدلل عليه طبيعة تلك العمليات الممتدة إلى مختلف مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، والتي شهدت عمليات اغتيال لا تختلف كثيراً عن سابقتها، لناحية طبيعتها والجهات المُنفِّذة والمُستَهدَفة. بالمقابل، يُلحَظ خلال فترة الرصد الحالية ازدياد استهداف القوات التركية المتواجدة في الشمال على اختلاف مناطقه، إذ تم استهدافهم في منطقة "درع الفرات" وعفرين، وكذلك في إدلب كما ستوضح البيانات اللاحقة. وذلك بشكل يشير إلى تصاعد هذا الاستهداف بشكل ممنهج ضمن مختلف مناطق انتشارهم.
ومهما اختلفت دوافع تنفيذ تلك العمليات والجهات التي تقف وراءها؛ فإن الحد منها وتحمُّل مسؤولية نتائجها يقع في النهاية على عاتق القوى والتشكيلات العسكرية والأمنية المُسيطرة في تلك المناطق، سواء "الجيش الوطني" أم القوات التركية.
بحسب البيانات المرصودة، يتضح أن عدد عمليات الاغتيال فيما تبقى من محافظة إدلب وما حولها بلغ 15 عملية، خلال عام 2023، حققت 13عمليات منها غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، بينما فشلت محاولتين في ذلك بعد نجاة الطرف المُستَهدَف. وقد أسفَر مجموع العمليات عن 18 ضحية بين قتيل وجريح.
أما بالنسبة لأدوات التنفيذ، فقد اعتمدت 8 عملية اغتيال على الطلق الناري، نجحَت جميعها في تصفية الهدف، وأسفر مجموع عمليات الطلق الناري عن 9 ضحايا، استهدفت 5 منها جهات مدنية، في حين استهدفت واحدة قيادي في هيئة "تحرير الشام"، وأخرى عنصر أجنبي في فصيل جهادي(14)، واستهدفت أخرى الزعيم الرابع لتنظيم داعش(15)، (الشكل 11) وقد تبنت "سرايا درع الثورة" عملية واحدة(16)، فيما بقيت الأخرى مجهولة المنفذ. بينما نُفِّذَت 3عمليات عن طريق الطيران المسير، اسفرت عن 4 ضحايا، 3 منهم يتبعون لفصائل جهادية في حين قتل مدني في واحدة(17)، وقد نفذ التحالف الدولي جميع عمليات الطيران المسير.
بالقابل، نُفِّذَت عملية واحدة عن طريق العبوات الناسفة، أسفرت عن جرح قيادي أمني في هيئة تحرير الشام، ورجحت مصادر تنفيذ " سرايا درع الثورة" لهذه العملية(18)، وأخيراً نُفِّذَت 3 عمليات عن الطريق السلاح الأبيض والدهس، (الشكل 12). أسفرت عن 4 ضحايا بين قتيل وجريح جميعهم من المدنيين، وقد رجحت مصادر تورط عناصر هيئة تحرير الشام في واحدة(19)، وبقين العمليتين الأخيرتين مجهولة المنفذ.
الشكل 11: يبين توزع ضحايا الطلق الناري في إدلب، بحسب الجهة المستهدفة.
الشكل 12: يبين توزع عمليات الاغتيال في إدلب، بحسب أداة التنفيذ
يتّضح من خلال بيانات الرصد الخاصة بمناطق إدلب وماحولها، انخفاضٌ في معدل عمليات الاغتيال، قياساً بالتقارير السابقة التي أصدرها مركز عمران، وغطى الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى كانون الأول 2022، إذ سجّلت التقارير السابقة 34 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 15عملية، بالمقابل يُلحظ انخفاض في معدل ضحايا تلك العمليات، قياساً بالتقارير السابقة التي غطت عام 2022، والتي سجّلت وقوع 91 ضحية بين قتيل وجريح، في حين رصد التقرير الحالي وقوع 18 ضحية بين قتيل وجريح. ويعزى ذلك إلى طبيعة العمليات واختلاف أهدافها وأدوات تنفيذها، فقد اعتمدت أغلب العمليات المرصودة خلال التقرير الحالي، على الطلق الناري 53.3% الذي استهدف أشخاص محددين. كما تشير البيانات إلى تعدد الجهات محل الاستهداف، فقد كانت الجهات المدينة الأكثر استهدافاً خلال فترة الرصد الحالي بمعدل 60% من مجموع العمليات، بينما استُهدِفَت فصائل جهادية بمعدل 26.6%، في حين كان عناصر " هيئة تحرير الشام هدفاً في 13.3% من عمليات الاغتيال المُنفَّذة خلال فترة الرصد.
ورغم تعدد أدوات تنفيذ عمليات الاغتيال؛ إلا أن الجزء الأكبر من تلك العمليات كان انتقائياً، فقد اعتمدت بنسبة 53.3% منها على الطلق الناري، مقابل 6.6 % اعتمدت العبوة الناسفة، مستهدفاً أشخاصاً بعينهم بطريقة غير عشوائية. وبلغت نسبة الضحايا المدنيين 61.11 %، مقابل 27.7 % من مجموعات "جهادية"، في حين شكّلت نسبة "هيئة تحرير الشام" 11.11%. (الشكل 13).
الشكل 13: يبين توزع ضحايا الاغتيالات في إدلب، بحسب الجهة المستهدفة
وتشير طبيعة العمليات وأدوات التنفيذ المستخدمة ضمنها، إلى اختلاف واضح في طبيعة الاغتيالات المُنفّذة في إدلب عن باقي مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، والتي تغلب عليها العمليات العشوائية بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، بينما تبدو العمليات في إدلب أكثر انتقائية باتجاه تصفية شخصيات مدنية وعسكرية محددة، وذلك ضمن بيئة معقدة أمنياً، ومتعددة اللاعبين ذوي المصالح المتضاربة.
تفيد القراءة العامة لهذا التقرير بما يحمله من أرقام وبيانات عن عمليات الاغتيال، باستمرار ضعف الحالة الأمنية في جميع المناطق المرصودة ضمن الشمال السوري، وضعف قدرة القوى الفاعلة وتعثرها في الحد من تلك العمليات، التي تسهم في تراجع مؤشرات الأمن والاستقرار على مختلف المستويات.
وعلى الرغم من محاولات بعض الفصائل والتشكيلات العسكرية المعارضة تطوير أدواتها في ضبط الأمن، من خلال أجهزة الشرطة والشرطة العسكرية، وازدياد أعداد المنتسبين لتلك الأجهزة، وتخريج عدد من الدورات؛ إلا أنها ما تزال غير قادرة على الحد من تلك العمليات، ولا تملك قدرة الوصول إلى مُنفّذيها، الأمر الذي يستدعي إعادة هيكلة تلك الأجهزة، ورفع مستوى التدريب الخاص بعناصرها، ورفدهم بالتجهيزات اللوجستية والتقنية كافة، التي تساعد في الحد من تلك العمليات. إضافة إلى رفع مستوى التنسيق الأمني بين المناطق المختلفة، وتشكيل لجان أمنية مشتركة للتنسيق بين تلك المناطق من جهة، وإعادة هيكلة آليات التنسيق الأمني بين الجانبين التركي والسوري من جهة أخرى، خاصة مع وجود عوائق إدارية تحول دون الوصول للشكل الأمثل لهذا التنسيق، وبالتالي تسهم بشكل مباشر وغير مباشر بتوسيع هامش الخرق الأمني.
مقابل كل ذلك، لا بد من الدفع بإشراك المجتمع المحليّ والتنسيق مع فعالياته ومؤسساته المدنيّة في هذا الإطار، والسعي لتجسير أي هوة بين تشكيلات قوى الأمن الداخلي والمجتمعات المحلية العاملة ضمنها، بما يُسهّل مهمتها ويعزز من حالة الأمن، ويرفع المسؤولية بأهميتها للجميع، وبشكل يسهم في تأمين بيئة أمنيّة مناسبة لنشاط المؤسسات المدنية.
إضافة لذلك، من المهم أن تعمل القوى الأمنية والعسكرية المسؤولة عن تلك المناطق، على التعاطي مع الاغتيالات والتفجيرات بشفافية أعلى، عبر إعلان بيانات وأرقام رسميّة عن طبيعة تلك العمليات والمسؤولين عنها ونِسب العمليات التي نُفِذّت مقارنة بالمحاولات التي تم إحباطها قبل وقوعها. وذلك بشكل دوري يوضَح وتيرة الاغتيالات والجهد المقابل في مكافحتها والحد منها، ويضع الرأي العام المحلي- الدولي بصورة الواقع الأمني في المنطقة.
ولا يُعد تردي الأوضاع الأمنية محلياً، ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة، أمراً منفصلاً عن السياق العام للملف السوري وتعقيداته، والتي ترمي بظلالها محلياً على مختلف المناطق السورية، بغض النظر عن القوى المسيطرة، إذ إن حالة الفوضى الأمنية التي تجلّت بصورة الاغتيالات في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، تتكرّر بصور وأدوات وكثافة مختلفة ضمن مناطق سيطرة نظام الأسد(20)، وكذلك في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، بالرغم من المركزية الأمنية التي تحكم تلك المناطق، والمفتقَدة في مناطق سيطرة فصائل المعارضة.
([1]) "قوات تحرير عفرين": هي مجموعة من المقاتلين الكرد، الذين يصفون تجمعهم بــ "حركة مقاومة” عبر شن هجمات تستهدف الجيش التركي و"الجيش الوطني" المدعوم من تركيا في عفرين ومناطق أخرى، كما أن الحركة لا تقول صراحة إنها تتبع لـحزب الاتحاد الديمقراطي PYD أو "قسد". للمزيد حول طبيعة عمليات تلك الحركة راجع: مجموعة "تحرير عفرين" تتبنى استهداف نقطة تركية بريف حلب، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 13 أيلول/سبتمبر 2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/2f6xU
([2]) تنوعت مصادر بيانات التقرير وفقاً لما يلي: نقاط الرصد الخاصة بمركز عمران للدراسات في الشمال السوري. المُعرّفات الرسمية للجهات التي تم استهدافها (مدنية، عسكرية). المُعرّفات الرسمية للجهات المُنفِذة، أو التي تعلن تبنيها للعمليات كـ "غرفة عمليات غضب الزيتون" أو "قوات تحرير عفرين". المُعرّفات والمواقع الرسمية للوكالات ووسائل الإعلام المحليّة، التي تقوم بتغطية الأحداث في مناطق الرصد.
([3]) للاطلاع على التقرير السابق "الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى حزيران 2022 "، راجع الرابط التالي: https://bit.ly/3I7n6S6
([4]) للاطلاع على التقرير السابق "الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من تموز حتى كانون الأول 2022"، راجع الرابط التالي: https://2h.ae/rBPe
([5]) للاطلاع على عمليات "قوات تحرير عفرين" راجع الروابط التالية:http://tinyurl.com/2cnymmp7، http://tinyurl.com/2948qejx، http://tinyurl.com/27prryxp، http://tinyurl.com/25l73c3t
([6]) مقتل شاب على يد عناصر من الجيش الوطني السوري في مدينة الباب شرقي حلب، شبكة رصد سورية لحقوق الإنسان، 19 أغسطس، 2023، http://tinyurl.com/2yuwt4b5 ، ومقتل قيادي من "الجيش الوطني" برصاص فصائله شرق حلب، زمان الوصل، 7 أغسطس 2023، http://tinyurl.com/2docph3z
([7]) حصاد الأحداث الميدانية ليوم الإثنين 24-04-2023، شبكة شام، 24أبريل 2023، http://tinyurl.com/2cqzvken
([8]) حصاد "شــام" لمُجمل الأحداث الميدانية في سورية ليوم الاثنين 16/ تشرين الأول/ 2023، شبكة شام، 16 أكتوبر 2023، http://tinyurl.com/254j8xhr ، للاطلاع أكثر راجع الرابط التالي: http://tinyurl.com/2948qejx
([9]) التحالف يقتل قيادياً سابقاً في تنظيم "حراس الدين" شرق حلب، زمان الوصل، 08 تموز 2023، http://tinyurl.com/2dkbftwo
([10]) شمال سورية.. عائلة الديراوي تطالب بتسليم قتلة نجلها إلى محكمة أطمه، مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية، 6 أبريل 2023، http://tinyurl.com/2cqnl5n2
([11]) جرحى بانفجار سيارة مفخخة في عفرين شمال حلب، شبكة بلدي الإعلامية، 18 نوفمبر 2023، http://tinyurl.com/24gb4328
([12]) قوات تحرير عفرين تعلن عن مقتل وإصابة 31 جندياً حصيلة عمليات نفذتها، وكالة فرات للأنباء، 30 ديسمبر 2023، http://tinyurl.com/2banxn94
([13]) لغم أرضي يودي بحياة عنصرين من "الجيش الوطني" في الحسكة، شبكة بلدي الإعلامية، 12 يوليو 2023، http://tinyurl.com/288p27n7
([14]) مجهولون يغتالون "أوزبكياً" في محافظة إدلب، شبكة بلدي الإعلامية، 3 حزيران 2023، http://tinyurl.com/2doe4lzz
([15]) أبو الحسين القرشي: تركيا تقول إنها قتلت زعيم التنظيم في سورية، bbc عربي، 30 أبريل/ نيسان 2023، http://tinyurl.com/2p6egvbb
([16]) حصاد الاحداث الميدانية ليوم الجمعة 14-7-2023، شبكة شام، 14 تموز 2023، http://tinyurl.com/23g98h7k
([17]) أمريكا تحقق في قضية مقتل مدني استهدفته شمالي إدلب، عنب بلدي، 10 أيار 2023، http://tinyurl.com/23jtkzwn
([18]) مزمجر الثورة السورية، http://tinyurl.com/22jguzsv
([19]) حصاد الأحداث الميدانية ليوم الأربعاء 04-01-2023، شبكة شام، 4 كانون الثاني 2023، http://tinyurl.com/2946vqjh
([20]) الاعتقالات والاغتيالات في درعا: مقاربة النظام الأمنية عقب تسوية 2021، فاضل خانجي، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 15 كانون الأول 2022، https://bit.ly/3YuUTdx
لا شك أن مصطلح “المعارضة السورية”، من أكثر المصطلحات التي تستوجب تفكيكاً بحثياً وسياسياً، لا سيما فيما يرتبط بالتعريف الإجرائي، سواء من حيث اختبار قدرته على التعبير الحقيقي لكل ديناميات التفاعل لمجموع المعارضين بغض النظر عن تشكيلاتهم وتنظيماتهم، أو من حيث صحة إشارته لأجسام المعارضة “الرسمية” فقط، والتي أيضاً لا تبدو أجساماً منسجمة بنيوياً ولا حتى على مستوى الغايات الكلية والجزيئة.
ولاعترافي بصعوبة إنجاز تعريف منضبطٍ وقابل للتعيميم للمعارضة السورية، ومن منطلق المسؤولية السياسية لأي فرد أو جماعة او تيار أو ائتلاف أو حزب حيال استحقاقات المشهد السوري، فإن المدلول الذي سأتكئ عليه، سيشمل كل من اتخذ قرار العمل في سبيل تحقيق التغيير السياسي والانتقال الديمقراطي واعتباره غاية أصيلة لكل تفاعلاته، سواء كان عملاً سياسياً أو عسكرياً أو مدنياً أو إدارياً.
زخرت حركية المعارضة خلال سنين الثورة وماتلاها من تحولات، بانخفاض مستمر لمعياري التفاعل والفاعلية، إلا أن هناك أسباباً ذاتياً وموضوعية ينبغي الوقوف عندها، فهي تجعل هذه الأنماط تدخل صيرورة الانتفاء الذاتي والتهديد الحقيقي، بخروج كلي من ميدان الأثر السياسي، وستشكل نتائجها العامة إطاراً ناظماً وإجابة مهمة لسؤال وجودي ألا وهو ما العمل ؟.
فمن ناحية الأسباب الموضوعية لانخفاض تلك المعايير؛ يمكن حصرها بثلاث مستويات:
مستوى بوصلة التشكل التنظيمي لقوى المعارضة والذي لطالما كان الأثر الإقليمي والدولي حاضر فيها بقوة، وترتبط “بضرورات الضبط” والتماهي مع تحولات وانحرافات العملية السياسية أو التماهي مع المسارات الموازية.
وفي هذا الإطار يمكن فهم فلسفة تشكيل “الائتلاف” ومن ثم سحب صفة مركزيته في التفاوض، في ظل التشكيلات اللاحقة في هيئة المفاوضات، وكذلك يمكن فهم فلسفة عمل وفد المعارضة ضمن مسار أستانة، وعليه يمكن القول أن جزءاً مهماً من تقليص مساحة التفاعل السياسي للمعارضة، تأتت من سيناريو الاستعصاء السياسي وتوفير مؤشرات تزمينه.
أما المستوى الثاني فهو متعلق بالتحولات الجيوستراتيجية في المشهد الأمني والعسكري السوري، وما تتطلبه من انعطافات سياسية، فمنذ 2013 ووضوح ظهور داعش ورغبتها في توفير بنية صلبة لمشروعها والتعريف الدولي لـ”الملف السوري” لم يعد محصوراً بعملية سياسية، ففي سبمتبر 2014 أعلن التحالف الدولي عملياته ضد داعش وهذا عزز منطقاً دولياً وإقليمياً، يستند على فكرة التدخل المحدد وغير المؤثر على أطراف الصراع، ناهيك عن أن الاستعصاء السياسي الذي تكرس بعد جولة جنيف 2 ساهم في تسيّد المنطق العسكري، الذي تطلب تشكيل غرف دعم عسكرية دولية، نفذت بطبيعة الحال سياسات الدعم بمقاربة “التحكم بالقرار”.
كما شكل التدخل العسكري الروسي في سبتمبر 2015 واقعاً جيوستراتيجياً نوعياً أعاد معه إعادة ترتيب تدخل الدول الاقليمية، كما تطلب تغييراً في المستندات الناظمة للحل السياسي وأطرافه، لا سيما فيما يخص “المعارضة” وتحولها لهيكل يجمع معارضات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ويأتي كل هذا ضمن ترتيبات أرادتها موسكو تغييراً في المدخلات السياسية المؤثرة في الحل، سواء من حيث الصيغ القانونية الناظمة أو من حيث زيادة السيولة في تعريف المعارضة، وانسجاماً مع كل ذلك ولتثمير فكرة الانتصار العسكري وخروج حلب الشرقية من معادلات المشهد العسكري في 2016 وتحويله لمدخلات سياسية جديدة، تبلور الاستثمار الروسي في تأسيس مسار أستانة مطلع 2017 الذي ضبط وقف اطلاق النار بمناطق تصعيد أربع، يزمن التفوق العسكري ويهيأ الظروف لقضم ممنهج (غير مكلف لباقي الجيوب الاستراتيجية)، كما حاول مراراً خطف جنيف، وحين عجز كليّا عن ذلك عمل على “أستنة جنيف”.
وأمعن المستوى الثالث من التحولات-وهو مناطق النفوذ-في تحويل الجغرافية إلى مناطق نفوذ أمنية وإدارية، عملت جلّها إلا مناطق نفوذ المعارضة على آليات الحكم المحلي، بينما ولأسباب مرتبطة بالعبثية المحلية وبالمقاربة التركية بقيت مناطق المعارضة تعمل بمنطق إدارة محلية غير مرتبطة بمظلة سياسية أو بمظلة إدارية مركزية سورية عليا؛ وهذا بنهاية المطاف ساهم في تحويل بنى تلك المناطق إلى بنى استجابة طارئة وغير مؤسسة لمسار تنموي، يرتبط برؤية سياسية تعكس طبيعة الفاعلين والمجتمع فيها، ومما زاد صعوبة تحقيق هذا الانتقال الحجم الهائل للتحديات الانسانية التي تفرض نفسها على تلك المناطق، سوء جراء الكم الهائل من المخيمات أو النازحين أو حتى ما يرتبط بمؤشرات الأمن اليومية. ليتعزز بنهاية المطاف وبتظافر تلك العوامل تحديات جمة وضاغطة يقابلها مساحات فعل ضيقة وهوامش محدودة لصنع قرار ذاتي.
أما فيما يرتبط بالأسباب الذاتية؛ تتأكد – وتستمر- جملة من المسببات الذاتية يمكن حصر أهمها أيضاً بثلاثة:
أولها غياب الدوافع والرغبة في بناء علاقة طبيعية بين بنى المعارضة، العسكر والساسة، الإدارة والساسة ، الإدارة والعسكرة، المدني والسياسي، المدني والعسكري، وقبل كل هذا العلاقة بين الفاعل وحاضنته.
ثانيها مرتبط بتعزيزات مؤشرات وازنة لحضور الفصائلية في المنطق الحربي أو في المنطق التنظيمي، سواء كان هذا الحضور لغايات تتمثل بالانتفاع الاقتصادي أو التسلح بالسلطة أو التوقع ضمن هواجس هوية صغرى، وهو أمر لطالما تراه الأطراف الأخرى ثغرة للتمدد والاستحواذ، لدرجة أن القوى العسكرية المتفرقة باتت محصورة في منطقة صغيرة معرضة للقضم المستمر لا سيما من قبل هيئة تحرير الشام، التي تعمل على مشروع “تسويق دولي”.
وثالثها أكتفاء أجسام المعارضة الرسمية بالتفيء بظل الشرعية الدولية والتماهي مع كل انعطافاتها على حساب الشرعية المحلية و”حسن التمثيل”، وانشغال الكتل السياسية ضمن هذه الاجسام باستحقاقات رئاسة هذه الاجسام وعدم نجاح هذه الكتل في إنجاز نظام داخلي يؤسس لتعزيز التمثيل المحلي، ناهيك عن غياب حقيقي لأجندة مدروسة في ملف “إدارة العلاقات الدولية”.
لعل النتيجة الطبيعية لتلك الأسباب، أنها تنبئ بتنامي مستطرد لمؤشرات الانتفاء والغياب الفعلي عن المشهد، الذي سيتحول بالضرورة إلى مشهد ينسجم كلياً مع سردية النظام، الذي ستكون الاطراف المقابلة له محصورة بهيئة تحرير الشام وبقوات سورية الديمقراطية، ويتعزز هذا التحول في ظل سيناريو التجميد الراهن وما يرافقه من ديناميات ضاغطة على بنى المعارضة داخلياً وخارجياً.
إلا أن هناك معطيات تتشكل من شأنها إذا ما تم العمل على استثمارها، بأن يجعل النتيجة اعلاه قابلة للانحسار، فيتبلور أمام المعارضة اليوم ورغم جل تحدياتها واقع جيواستراتيجي جديد يمكن البناء عليه؛ فمن جهة أولى يعيش حليفيّ النظام الرئيسيين تحديات بالغة الحدية، فموسكو منزلقة في غزوها لأوكرانيا وتضع نفسها في تحدي واشنطن والدول الأوروبية، وطهران تعيش انتفاضة شعبية داخلية هي الأكثر انتشاراً واستمراراً بين الانتفاضات السابقة، ناهيك عن تزايد عوزهم الاقتصادي والمالي في ظل ما يعيشوه من عقوبات اقتصادية صارمة، ومن جهة ثانية لم تفلح حتى اللحظة محاولات التطبيع مع النظام، لا التطبيع الدولي جراء العرض الروسي “شرعية النظام مقابل عودة اللاجئين”، ولا التطبيع العربي الذي تعامل مع نتائج المشهد وما رافقه من انحسار أهميته بالنسبة لواشنطن، إذ اصطدم (ويستطدم) بحقيقة أن النظام فاقد للرغبة والإرادة والإدارة على إنجاز أدنى استحقاق ولو بصيغه الانسانية كملف المعتقلين، ومن جهة ثالثة فإن ضرورة بقاء فكرة الحل السياسي أصبحت مدخلاً رئيسياً لمواجهة تداعيات الملف السوري الأمنية والاقتصادية والانسانية والتي باتت حكومات الطوق أكثر الدول تأثراً مع ما تشكله الجغرافية السورية من عطالة دائمة لاستحقاقاتهم التنموية والأمنية.
وعليه يمكن تصدير المقاربة الوطنية الآتية كجزء من أجندة كافة الفواعل السورية، التي تطمح باتجاه استرداد الدولة والمجتمع والسير باتجاه تغيير سياسي حقيقي، يؤسس لسلام واستقرار محلي ينعكس إيجاباً على المنطقة.
وتستند هذه المقاربة على ثلاث أدعمة، أولها: الأدوار المحلية : فالفرصة التي لا تنتظر، مرتبطة بضرورة تقديم مشاريع “رؤى سياسية” تعمل المعارضة (بطريقة شبكية) على إيصالها لجل الفواعل الاقليمية والدولية وإشغالهم بها باعتبارها وثائق داعمة للعملية السياسية وفق القرار 2254، كتلك المرتبطة بقضايا العقد الاجتماعي والمضامين الدستورية، وكيفية اشراك المحليات بالعملية السياسية عبر تصدير رؤاها في جل الاستحقاقات والتأسيس من خلال هذه الدينامية لوجود مرجعية أخلاقية محلية ( غير صلبة )، تعود إليها قوى المعارضة وتلتزم بمبادئها، ناهيك عن ضرورة إعادة التواصل مع كافة الدول بما فيها التي تسعى للتطبيع مع النظام وأن يكون هذا التواصل مدعماً بخطاب محكوم بمنطق الدولة ويراعي تحولات السنين العشر.
وثاني تلك الدعامات يتمثل بالتجسير، سواء ببعده المجتمعي وما تمليه ضرورة إنجاز تقدم واضح في معادلة المقيم والنازح، أو نسج خيوط تواصل مع المجتمعات في كافة المناطق بشكل عابر لسلطات أمر الواقع فيها، ولعل أهم محفزات التجسير هنا مرتبط بضرورات حفظ السردية وصونها. أو سواء ببعده الإداري فعلى الرغم من إدراك صعوبة توفير مركز محلي يضبط إيقاع العمل الحوكمي، إلا أن هذا لا يمنع من تدعيم الحوكمة الإدارية بتنظيمات مجتمعية كالنقابات والاتحادات والجمعيات الحرفية والمهنية وتعزيز سلطتها التفاوضية مع الفواعل المحلية. أو سواء ببعده الأمني وضرورة التأسيس الرصين لعلاقات مدنية أمنية تسهم في تعزيز مؤشرات الاحترافية وتضغط باتجاه تعزيز مؤشرات الارتباط مع وزارات الدفاع والداخلية والعدل.
وعلى الرغم من تحدي الدعامة الثالثة لجميع مبادرات المبعوث الدولي، إلا أنها لا تخرج عن الأُطر التنفيذية التي ضمنها القرار 2254 وهي بدء مشاورات حقيقية في سلة الحكم تقوم على فكرة “اللامركزية النوعية كمدخل ضامن لوحدة الأراضي السورية”، وترتبط فلسفة هذه الفكرة بثلاثة محددات لامركزية قوية تتطلب مركزاً قوياً، ضمان اشراك المجتمع المحلي بصنع القرار وتنفيذه ومراقبته، وتفكيك الاستبداد.
حاول التحليل أعلاه، إثبات أن أدوات التباكي والانتظار والمراقبة والاستسلام الكلي، لكل المشاريع التي تهدف تحقيق غايات أمنية لا وطنية على حساب تقليص مساحة عمل المعارضة؛ إنما هي أدوات من لا أداة له، وأنه رغم توافر مسببات موضوعية إلا أن البعد الذاتي حاضر في تراجع دور وتأثير المعارضة، فالمسؤولية ربما تقع على طرف هنا وطرف هناك وفاعل هنا وفاعل هناك، إلا ان النتائج العامة ستطال الجميع، وعليه فإنه ينبغي تغليب “منطق المسؤولية العامة” وإعلان الاستمرار بالنضال كل حسب أداته دون أن ننسى كيف استثمار هذا ليكون انطلاقة مشروع وطني ستبقى البلاد تنتظره. فديدن النضال السياسي، العيش في أتون ورشة عمل ليس فيها جلسة ختامية.
تمهيد
منذ توقيع الجانب الروسي والتركي اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 5 مارس/آذار 2020 والذي تضمن تسيير دوريات روسية وتركية على طول امتداد طريق الـ M4، ومناطق سيطرة المعارضة في كل من إدلب وحلب تتعرض إلى الاستهداف الصاروخي والجوي من قبل النظام وروسيا؛ والذي زادت وتيرته مطلع 2021 وبلغت ذروتها في شهري أيار وحزيران وبشكل مركز على منطقة خفض التصعيد في إدلب وهي المنطقة الواقعة في محيط طريق الـ M4 ؛
يحاول التقرير تبيان الغايات السياسية والأمنية التي تهدف لها عمليات الاستهداف؛ وذلك انطلاقاً من تحليل البيانات والمعلومات المتعلقة بغارات الطيران الروسي وضربات مدفعية النظام خلال الفترة الزمنية الواقعة بين شهري أيار وحزيران 2021،[1] وذلك للوقوف على مدى صلابة أو هشاشة الاتفاق الروسي والتركي فيما يتعلق بوقف إطلاق النار وعدم استهداف المنطقة المحيطة بطريق M4. وصولاً لمحاولة استكشاف محددات حركية روسيا والنظام في هذه العمليات. قام بهذا الرصد فريق مركز عمران في إدلب، وتمت مقاطعته مع ملفات الرصد الخاصة بفريق منظمة إحسان.
بدأ التصعيد العسكري من قبل القوات الروسية وقوات النظام بالازدياد منذ مطلع شهر أيار 2021، واستمر باستهداف العديد من المناطق بشكل عشوائي، فيما يلي تفصيل لتلك الضربات خلال شهر أيار (تفصيل الضربات الكامل في الملحق – جدول رقم (1))
يوضح كل من الشكلين (1) و (2) عدد الضربات الكلية في شهر أيار مع الإشارة إلى الجهة التي كانت أكثر تنفيذاً للضربات، حيث كان سلاح المدفعية الخاص بالنظام الأكثر استخداماً، تليه غارات الطيران الروسي، ومن ثم ضربات مضاد الدروع، هذا وتعتبر ضربات مضاد الدروع أداة للقوى الموالية لإيران (الفرقة الرابعة والدفاع المحلي)؛ وباستعراض نتائج القصف يتضح البعد العشوائي فيها إلا أنها تأتي ضمن سياسة خلق الفوضى والاضطراب كمرحلة سابقة سواء لتحصيل تنازلات من الفواعل الأخرين أو كتمهيد محتمل لأي عمل بري ، وبالتالي يمكن تصنيف تلك الضربات بأنها ضربات استراتيجية خاصة أنها فعلٌ كرره الروس والنظام خلال حملات التصعيد السابقة.
توضح الأشكال (3)، (4)، و(5) الجهات والجبهات التي كانت الأكثر استهدافاً من قبل النظام وحلفائه، وكان واضحاً أن الجانب المدني كان الأكثر استهدافاً، وهو الأمر الذي أدى إلى استشهاد 17 مدنياً بينهم طفلان وامرأتان.
يوضح الشكلان (6) و(7) حجم الضربات التي استهدفت مواقع تقع ضمن منطقة خفض التصعيد الرابعة؛ إذ دللت البيانات على أنها الأكثر استهدافاً، كما يوضحا مقارنة هذه النقط مع المناطق الأخرى، بالإضافة إلى استهداف مواضع تتمركز بقربها قوات الجيش التركي كنوع من الضغط عليها.
استمر سلاح الجو الروسي ومدفعيات النظام باستهداف مناطق سيطرة قوات المعارضة في إدلب ومحيطها خلال شهر حزيران، كما تم ملاحظة زيادة حدة الاستهدافات وتركيزها على منطقة الاتفاق التركي-الروسي بالقرب من طريق الـ M 4، وللاطلاع على تفاصيل الضربات خلال شهر حزيران 2021 انظر الملحق جدول رقم (2).
يوضح الشكلان رقم (8) و(9) عدد الضربات الكلية في شهر حزيران مع الإشارة إلى الجهة التي كانت أكثر تنفيذاً للضربات، حيث بقي سلاح المدفعية الخاص بالنظام الأكثر استخداماً، تليه غارات الطيران الروسي، ولوحظ ارتفاع عدد ضربات النظام وغارات الطيران الروسي، ويوضح الشكل (9) ازدياد عدد الغارات الروسية، كما يوضح تكثيف ضربات المدفعية من قبل الفرقة الرابعة مع غياب كامل لضربات قوات الدفاع المحلي.
ولا يمكن فك غاية هذه العمليات عن الأهداف السياسية للرووسيا والنظام والتي تتمثل بالضغط على الفاعلين الدوليين بشكل عام والجانب التركي بشكل خاص وذلك لتحسين شروط التفاوض التي سترافق مع جلسات مجلس الأمن الدولي فيما يتعلق بمحاولات تمديد القرار الدولي رقم 2533.
توضح الأشكال (10)، (11)، و(12) الجهات والجبهات التي كانت الأكثر استهدافاً من قبل النظام وحلفائه، ويتشابه شهر حزيران مع شهر أيار بكون الجانب المدني هو الأكثر استهدافاً، الأمر الذي أدى إلى استشهاد 42 مدنياً بينهم امرأتان و 4 أطفال. وبالتالي تتزايد المؤشرات باحتمال ظهور موجات نزوح محتملة وهو ما تريد أن تضغط به أيضاً موسكو على الفواعل الآخرين.
يوضح الشكلان (13) و(14) حجم الضربات التي استهدفت مواقع تقع ضمن منطقة خفض التصعيد ومقارنتها باستهداف المناطق الأخرى، ومن الواضح أن الجانب الروسي وقوات النظام عمدوا إلى التركيز على مواقع ضمن منطقة خفض التصعيد بشكل أكثر من غيرها، بالإضافة إلى استهداف مواضع تتمركز بقربها قوات الجيش التركي كنوع من الضغط عليها. وتميز شهر حزيران عن أيار بأن 96% من الاستهدافات كانت ضمن حدود منطقة خفض التصعيد؛ ويتم ذلك بالتزامن مع التلميحات الروسية حول اقتراب العمل العسكري من جبل الزاوية؛ وذلك كنوع من الضغط من جهة ولتحقيق انفراجات اقتصادية متخيلة تحسن من ظروف النظام الاقتصادية من جهة أخرى.
بمقارنة الشكلين (1) و (8) نلاحظ ارتفاع عدد الضربات الكلي لشهر حزيران بنسبة 25% عن شهر أيار، كما شهد شهر حزيران ارتفاع نسبة مشاركة الطيران الروسي عن شهر أيار، وانخفاضاً في ضربات مضاد الدروع والتي تقوم بتنفيذها تشكيلات موالية لإيران "الفرقة الرابعة والدفاع المحلي"، أما ضربات المدفعية فكانت الأكثر في كل من شهري أيار وحزيران، هذا وشهد شهر حزيران ارتفاعاً في عدد ضربات المدفعية عن شهر أيار بنسبة 30%.
فيما يوضح كل من الشكلين (2) و(9) الجهات التي نفذت الضربات ويلاحظ ارتفاع الضربات الروسية بين الشهرين بنسبة 50%، فيما تستمر التشكيلات الموالية لإيران بلعب الدور التخريبي المعتاد على محور سهل الغاب وريف حلب الغربي بحكم تواجد قوات الدفاع المحلي في المحاور الغربية من حلب وقوات الفرقة الرابعة بقاعدة جورين في سهل الغاب، وتبقى النسبة الأكبر للجهة المُتسهدِفة من نصيب مدفعية النظام والتي تتمركز على طول امتداد خطوط التماس في جنوب إدلب.
توضح الأشكال (3)، (5)، (10)، و(12) الجهات التي تعرضت للاستهداف حيث كانت الأهداف المدنية في كلا الشهرين هي الأكثر استهدافاً، ويعمل كل من النظام وروسيا على التكثيف من استهداف المواقع المدنية رغبة في تفريغ المنطقة من المدنيين، بالإضافة إلى تأجيج الوضع في مناطق المعارضة ودفع المدنيين إلى لوم الجانب التركي وقوات المعارضة على الاستهداف المتكرر لمساكنهم ومزارعهم، هذا وشهد شهر أيار استهدافاً كبيراً للمناطق الزراعية، وجاء هذا بالتزامن مع وقت جني محاصيل البصل والبطاطا مما أدى إلى وقوع حرائق كثيرة وخسائر كبيرة. كما توضح هذه الأشكال غياب الرغبة الحقيقية من الجانب الروسي والنظام في استهداف أي تشكيل عسكري في مناطق سيطرة المعارضة، مما يتعارض مع التبريرات الروسية باستهداف إدلب وأنها تقوم باستهداف مواقع "التشكيلات المتطرفة" متمثلة بهيئة تحرير الشام، حراس الدين، أنصار التوحيد، وغيرها.
توضح الأشكال (5) و (12) ارتفاع عدد ضحايا ضربات روسيا والنظام من المدنيين بنسبة وصلت إلى 60%، هذا وشهد الشهران سوياً استشهاد: 59 مدنياً، بينهم 48 ذكراً، 4 نساء، و6 أطفال، مما يؤكد أن استهداف المواقع المدنية هو أمر مدروس من الجانب الروسي ومن قبل النظام، للأسباب التي تم ذكرها في الفقرة السابقة.
توضح الأشكال (6)، (7)، (13)، و(14) الطريقة التي تتبعها روسيا في إيصال رسائل غير مباشرة للجانب التركي، وعملت روسيا بين شهري أيار وحزيران على إيصال رسالة واضحة لأنقرة، توضح قدرتها على التصعيد وحثها على تقديم تنازلات أكبر في ملفات مختلفة، الأمر الذي كان واضحاً في ارتفاع عدد الضربات في شهر حزيران والتي استهدفت مواقع متفرقة في جبل الزاوية والتي تتسم أغلبها بكثافة التواجد العسكري التركي، فيما شهد شهر حزيران استهدافاً مباشراً لآلية تركية من قبل قوات النظام في جبل الزاوية، واستهداف 6 مواقع بالقرب من النقاط التركية في جبل الزاوية أيضاً. إذاً يمكن تشبيه هذه الضربات بصندوق البريد الذي تستخدمه روسيا بغرض إيصال الرسائل إلى الجانب التركي. (انظر الخريطة رقم 1)
من جهة أخرى تطمح موسكو من خلال ازدياد حدة الاستهداف إلى الضغط على الفواعل الدوليين بشكل عام والتركي بشكل خاص قبل أي استحقاق دولي سواء المتعلق بمرور المساعدات الانسانية، أوجولة جديدة في استانة أو جنيف، حيث بدأ التصعيد الروسي قبل اجتماع الرئيس فلادمير بوتين مع الرئيس الأمريكي جو بايدين، كما شهدت الفترة التي تلت الاجتماع ازدياداً في حدة الضربات الروسية وضربات النظام مع التركيز على استهداف المواقع القريبة من التمركز التركي وخاصة في جبل الزاوية.
على الرغم من كل الحثيثات السابقة وارتفاع حدة الاستهداف إلا أنه تبقى العملية العسكرية البرية من قبل روسيا والنظام أمراً صعباً لعدة أسباب، أبزرها:
لذا بات من الواضح أن تصعيد روسيا والنظام هو فعلا جزء من سياسة روسية في الضغط على المجتمع الدولي بمن فيهم تركيا، وهذه المرة عمدت روسيا إلى التصعيد قبل اجتماع مجلس الأمن بخصوص تمديد إدخال المساعدات من معابر الشمال والتي تهدد روسيا مؤخراً باستخدام حق الفيتو الخاص بها ضد القرار، ومن المرجح أن تطرح روسيا موضوع المقايضة المتمثل في نقطتي: تخفيف الاستهداف العسكري وموضوع معابر الشمال من جهة، وإعادة نظر أمريكا بعقوبات قيصر ضد النظام السوري من جهة أخرى.
الملاحق؛
([1]) تم جمع البيانات من قبل فريق الرصد في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بناء على تصميم نموذج رصد مبين في الجداول، كما تمت مقاطعتها مع ملفات الرصد الخاصة بفريق منظمة إحسان.
مُلخّصٌ تنفيذيّ
مدخل
يُعدُّ الملف الأمنيَ أحد أبرز الإشكاليات المُركّبة التي تعاني منها مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة في الشمال السوري، وأهم العقبات والتحديات التي تحاول القوى المسيطرة على تلك المناطق إيجاد حلول لها، ضمن بيئة مضطربة أمنياً، لناحية تعدد الجهات الفاعلة ذات المصالح المتضاربة، إضافة إلى التدخلات الإقليمية المباشرة، وما استتبعته من ردود فعل مضادة لجهات مختلفة، ناهيك عن القصف المستمر من قبل قوات النظام وحلفائه لبعض تلك المناطق.
وتعدّ عمليات الاغتيال بما تمثله من اختراق أمنيّ، مؤشراً هاماً لطبيعة ودرجة الأمن والاستقرار، ومستوى إدارة الملف الأمني، والقدرة على ضبطه من قبل القوى المسيطرة، خاصة مع ازدياد وتيرة تلك العمليات، وتفاوت أهدافها، وتعدد منفذيها، واختلاف أساليبها. فعادةً، تتصف عمليات الاغتيال بالسريّة لناحية الجهة المنُفّذة؛ إلا أن غالبية العمليات ضمن مناطق سيطرة الفصائل المعارضة تتبناها جهات محددة بشكل علنيّ، في اختراق أمنيّ واضح وصريح لتلك المناطق، خاصة في ريف حلب الشمالي الغربي، والذي شكّل نطاق العمليات العسكرية: "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، ليمتد هذا الخرق لاحقاً إلى منطقتي تل أبيض ورأس العين "نبع السلام". وعلى الرغم مما تشهده بقايا جغرافية سيطرة الفصائل المعارضة في الشمال الغربي (إدلب) من انحسار نتيجة المعارك الأخيرة مع النظام، والذي من المفترض أن يُسهّل عملية الضبط والسيطرة الأمنيّة؛ إلا أنها أيضاً تكاد لا تختلف أمنياً عن سابقاتها من المناطق، لجهة معدلات الاغتيال، وتراجع مؤشرات الاستقرار الأمنيّ.
وفي متابعة لملف الاغتيالات ضمن مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في الشمال السوري؛ صَمّمَتْ وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، نموذجاً خاصاً لرصد تلك العمليات، وتحليل البيانات الخاصة بها، كمؤشرات للاستقرار الأمني([1])، وإخراجها ضمن تقرير دوريّ يرصد وتيرة عمليات الاغتيال، موضّحاً نتائج تلك العمليات، وما أسفرت عنه، مقابل الجهات المُنفّذة - إن عُلِمت - وكذلك الجهات المُستهدَفة. كما يسعى التقرير إلى تحليل تلك البيانات ومقاطعتها بين مختلف المناطق، في محاولة لرسم الملامح العامة للوضع الأمنيّ، وقياس أوليّ لمؤشرات الاستقرار.
وعليه، يرصد هذا التقرير عمليات الاغتيال ضمن مناطق عدة في الشمال السوري، منها: ريف حلب الشمالي الغربي، والذي شكّل نطاق العمليات العسكرية: "درع الفرات" و"غصن الزيتون". مقابل مدينتي تل أبيض ورأس العين "نبع السلام" في الشمال الشرقي، إضافة إلى ما تبقى من محافظة إدلب شمال غربي سورية، وذلك خلال الفترة الممتدة ما بين (تموز / يوليو، وحتى كانون الأول/ ديسمبر 2020)، إذ بلغ عددها 74 محاولة اغتيال، خلّفت 471 ضحية. وتوضّح البيانات انخفاض معدل الاغتيالات، مقارنة بالتقرير السابق، الذي أصدرته وحدة المعلومات في مركز عمران، (الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى حزيران 2020)، إذ بلغت 96 عملية، مُخلّفة 271 ضحية ([2]).
وقد توزعت عمليات الاغتيال الـ 74 المرصودة ضمن التقرير الحالي، بحسب الأشهر، على الشكل التالي: 10 محاولات اغتيال خلال شهر تموز/ يوليو، في حين بلغت خلال آب/ أغسطس 13 محاولة، فيما بلغت المحاولات خلال أيلول/ سبتمبر 12 محاولة، بينما شهد تشرين الأول /أكتوبر 10 محاولات، لترتفع في تشرين الثاني/ نوفمبر إلى 19 محاولة، في حين بلغت في كانون الأول/ ديسمبر 10 محاولات. ويسعى هذا التقرير بعد رصد تلك العمليات، إلى دراستها وتحليلها واستعراضها بحسب؛ مناطق السيطرة، والجهات المُستَهدَفة والمُنفّذة، وطبيعة أداة التنفيذ، ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها، مقابل أثرها على مستوى الأمن والاستقرار في المنطقة.
أولاً: "درع الفرات" (تراجع طفيف وارتفاع ضحايا)
تُظهر عملية الرصد الخاص بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي "درع الفرات"، بلوغ معدل عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 27 عملية (الشكل 1)، نُفّذت 9 منها عبر الطلق الناري، وأسفرت عن 9 ضحايا، إذ حققت 7 عمليات من 9 غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، فيما فشلت عمليتان في تحقيق هدفهما. وقد تبنّت ما تسمى "غرفة عمليات غضب الزيتون"([3]) 3 عمليات اغتيال من العمليات الـ 9، بينما بقيت 6 منها مجهولة المُنفّذ. وقد كانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك الاغتيالات بواقع 4 عمليات، مقابل 5 عمليات استهدفت كوادر إدارية مدنية من المجالس المحليّة والإعلاميين. بالمقابل، نُفّذت 18 من 27 عملية عبر العبوات الناسفة، مخلفةً بمجموعها 42 قتيلاً و189جريحاً، منهم 202 مدني، مقابل 29 من عناصر "الجيش الوطني" (انظر الشكل 2)، فقد تم تفجير أغلب تلك العبوات في استهداف شخصيات أو مجموعات عسكرية وسط تجمعات المدنيين، إضافة إلى استهداف تجمعات مدنية خالصة، وتبنّت "غرفة عمليات غضب الزيتون" 4 عمليات، بينما بقيت 14 منها مجهولة المُنفّذ.
ويتضح من خلال أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي، انخفاض طفيف في معدل عمليات الاغتيال مقارنة بالتقرير السابق، الذي أصدره مركز عمران وغطى الفترة الممتدة من كانون الثاني/ يناير وحتى حزيران/ يونيو 2020، إذ سجّل التقرير السابق 33 عملية اغتيال في تلك الفترة، في حين رصد التقرير الحالي تنفيذ 27 عملية. بالمقابل، توضح الأرقام ارتفاعاً كبيراً لمعدل عدد الضحايا، مقارنة بالتقرير السابق، الذي سجّل 89 ضحية، بينما بلغ مجموع عدد الضحايا خلال فترة الرصد الحالية 240 ضحية، وقد يرد ذلك إلى اختلاف أدوات التنفيذ في أغلب العمليات الحالية، والتي اعتمدت بنسبة 67% على العبوات الناسفة، التي استهدفت شخصيات أو مجموعات عسكرية وسط تجمعات مدنيين، إضافة إلى استهدافها تجمعات مدنية خالصة، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 87%، مقابل 13% من عناصر "الجيش الوطني".
بالمقابل، تشير طبيعة بعض العمليات والأدوات المستخدمة في تنفيذها؛ إلى أن جزءاً من الاغتيالات المُنفَّذة في تلك المنطقة، لم تكن عشوائية، بقدر ما بدت أهدافها مدروسة ومحددة، خاصة وأن 33% من العمليات الحالية، نُفذت عبر الطلق الناري، واستهدفت أشخاصاً بعينهم، بطريقة انتقائية غير عشوائية، ولم تقتصر تلك العمليات على عناصر "الجيش الوطني" فقط، وإنما طالت كوادر إدارية من عناصر الشرطة، إضافة لمدنيين من أعضاء المجالس المحليّة والإعلاميين.
أما بالنسبة للجهات المُنفِّذة، فيلحظ من البيانات تبنّي "غرفة عمليات غضب الزيتون" 26% من مجموع العمليات المرصودة، في حين 74% من عمليات الاغتيال بقيت مجهولة المُنفِّذ، الأمر الذي يشير إلى استمرار تردي الواقع الأمني، وضعف قدرة الجهات المسيطرة على تتبع تلك العمليات والكشف عن منفذيها، والحد منها.
وبالرغم من تسجيل التقرير تراجعاً طفيفاً في معدل عمليات الاغتيال في المنطقة، مقارنة بالتقرير السابق؛ إلا أن الواقع ما يزال يشير إلى اتساع الخرق الأمني، مقابل تراجع قدرة القوى المسيطرة على ضبط الاستقرار، وتضييق حجم هذا الخرق. خاصة في ظل سعي العديد من الأطراف والجهات إلى زعزعة الأمن والاستقرار، وتقاطع مصالحها في ذلك، كحزب الاتحاد الديمقراطي"PYD"، الذي ما تزال خلاياه نشطة في المنطقة، وتعدّها امتداداً للنفوذ التركي، ومن فيها "أهداف مشروعة"، مقابل النظام الذي يسعى إلى زعزعة أمن المنطقة وإفشال أي نموذج أمني/حوكمي فيها، كما يتقاطع مع "PYD" في أهداف عدة ضمن تلك المناطق. ولعل طبيعة عمليات الاغتيال ونوعية أداة التنفيذ والجهات المستهدفة تشير إلى ذلك، إذ توزعت العمليات في تلك المنطقة بين: استهداف أشخاص بعينهم، منهم مدنيون وعسكريون، في حين استهدفت أغلب العمليات عناصر ومجموعات عسكرية وسط تجمعات مدنيين، بينما نُفِذَت عمليات أخرى عبر تفجير عبوات ناسفة في تجمعات مدنية، كالأسواق الشعبية. ويظهر من طبيعة العمليات الثلاث السابقة أن أهدافها تتراوح بين: تصفية أفراد بذاتهم، زعزعة أمن واستقرار المنطقة، وإرهاب المدنيين فيها.
ثانياً: عفرين (انخفاض وتيرة وتبنٍ علنيّ)
من خلال رصد وتحليل البيانات لعمليات الاغتيال الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها من المناطق، يتضح أنها شهدت بالعموم: 14 عملية اغتيال خلال 6 أشهر من الرصد، نُفّذت 4 عمليات منها عبر الطلق الناري، حققت عمليتان منها غايتهما في تصفية الجهة المستهدفة، بينما فشلت محاولتان في تصفية أهدافهما (الشكل 3). وقد تبنّت غرفة عمليات "غضب الزيتون" جميع المحاولات الـ 4. وكانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك الاغتيالات جميعها.
بالمقابل، وبحسب البيانات المرصودة، نُفِّذت 10 عمليات من 14 عبر العبوات الناسفة (الشكل 3)، والتي استهدفت عناصر ومجموعات لـ "الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، في حين استهدفت أخرى تجمعات مدنية خالصة، ما أدى إلى وقوع؛ 14 قتيلاً و81 جريحاً (الشكل 4)، منهم 74 من الضحايا المدنيين، و18من عناصر "الجيش الوطني"، و3 من عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة، وقد تبنّت غرفة عمليات "غضب الزيتون" عبر معرفاتها الرسميّة 8 من مجموع تلك العمليات، فيما بقيت محاولتان مجهولتا المُنفّذ.
وتبيّن أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها، انخفاضاً ملحوظاً في معدل عمليات الاغتيال، مقارنة بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران، وغطى الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى حزيران 2020، إذ سجّل التقرير السابق 22 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 14 عملية. وعلى الرغم من انخفاض معدل عمليات الاغتيال مقارنة بالتقرير السابق؛ إلا أن نسبة الضحايا في التقرير الحالي كانت أكبر، فقد بلغت خلال أشهر الرصد الحالي 95 ضحية، في حين سجّل التقرير السابق 55 ضحية. وقد يرد ذلك إلى اختلاف الأهداف وأدوات التنفيذ في أغلب العمليات الحالية، والتي اعتمدت بنسبة 71% على العبوات الناسفة، التي استهدفت شخصيات أو مجموعات عسكرية وسط تجمعات مدنيين، مقابل أخرى استهدفت تجمعات مدنية كالأسواق والأفران، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 78%، مقابل 19% من عناصر "الجيش الوطني"، و3% من عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة. وتشير تلك النسب إلى استمرار الخرق الأمني، وعدم إحراز تقدم كبير على مستوى الضبط من قبل الجهات المسيطرة.
بالمقابل، يُلحظ من خلال البيانات نشاط متزايد لغرفة عمليات "غضب الزيتون" في عفرين ومحيطها، وتبنٍّ واضح وعلني للعمليات، فقد تبنّت الغرفة تنفيذ 12 عملية اغتيال من أصل 14، تعددت أدوات التنفيذ خلالها، إذ يبدو أنها تركّز عملياتها ونشاطها الأمني في عفرين، التي شهدت أكبر عمليات اغتيال تبنتها الغرفة قياساً بباقي المناطق.
أما بالنسبة للجهات المُستَهدَفة، فيتضح من خلال البيانات أن عمليات الاغتيال استهدفت بالدرجة الأولى عناصر "الجيش الوطني"، والذين تحولوا إلى أهداف متحركة داخل مدينة عفرين، سواء على المستوى الفردي وتصفية أفراد بعينهم، أم على مستوى جماعي، عبر استهداف مجموعات عسكرية لهم وسط تجمعات مدنية. بينما يلحظ من بيانات الرصد الحالي عودة استهداف الجنود الأتراك في عفرين من قبل "الغرفة"، قياساً بالتقرير السابق الذي لم يسجّل أي استهداف، في حين سجّل التقرير الحالي محاولة استهداف وحيدة أسفرت عن إصابة 3 عناصر، وذلك بالرغم من إعادة تموضع أمني للقوات التركية داخل عفرين بالذات، واتخاذ تدابير أمنية مشددة. بالمقابل يلحظ خلال هذا التقرير ارتفاع وتيرة العمليات التي استهدفت تجمعات ومرافق مدنية، كالأسواق الشعبية، بطريقة عشوائية، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين، بشكل يشير إلى أن جزءاً من تلك العمليات يهدف إلى إرهاب السكان، وزعزعة الأمن والاستقرار، خاصة وأن تلك العمليات تنسجم مع الرؤية المعلنة لـ"غرفة عمليات غضب الزيتون"، والتي تعد المنطقة "امتداداً للنفوذ التركي"، وترى المقاتلين المحليين والعوائل المهجّرة بالإطار ذاته، وبالتالي تكثف من عملياتها وتشرعنها تحت هذا الغطاء، دون تمييز بين مدني وعسكري.
بالمقابل، فإن حركة الاغتيالات في عفرين والتبني الواضح لها، يتناسب طرداً مع مستوى القدرة الأمنية للجهات المُسيطرة، فعلى الرغم من تسجيل مناطق "درع الفرات" نسبة أكبر في عمليات الاغتيال (27)، من عفرين ومحيطها (14)؛ إلا أن ذلك لا يعني اختلافاً كبيراً في مستوى الضبط الأمني، خاصة وأن أغلب العمليات التي نُفّذت في عفرين كانت "نوعيّة"، ناهيك عن وضوح الجهة التي تقف خلفها، وهي "غرفة عمليات غضب الزيتون"، وتوسيعها لنشاطها، بشكل يشير إلى ارتفاع مستوى تلك العمليات وتوسيع دائرة أهدافها، وزيادة النشاط الأمني لبقايا خلايا حزب الاتحاد الديمقراطي"PYD".
ثالثاً: "نبع السلام" (خرق واضح واتهامات لـ "PKK")
يشير الرصد الخاص بمنطقتي رأس العين وتل أبيض، واللتين شكلتا نطاق العملية العسكرية "نبع السلام"، إلى بلوغ عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 15 عملية اغتيال، نُفّذت عملية وحيدة منها عبر الطلق الناري، محققة غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، بينما نُفّذت عملية وحيدة عن طريق القنبلة اليدوية، لكنها فشلت بتحقيق غايتها في تصفية الجهة المستهدفة (الشكل 5)، في حين كانت العبوة الناسفة أداة لتنفيذ 13 عملية، استهدفت أغلبها عناصر ومجموعات "الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، بينما استهدفت أخرى جهات مدنية، ما أدى إلى وقوع 95 بين قتيل وجريح (الشكل 6)، منهم 58 مدنياً، و37 من عناصر "الجيش الوطني". وكانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك العبوات بواقع 9 محاولات، مقابل 4 محاولات استهدفت جهات المدنية.
ويتضح من خلال البيانات الخاصة بمدينتي رأس العين وتل أبيض "نبع السلام"، استمرار عمليات الاغتيالات بالوتيرة ذاتها، قياساً بالتقرير السابق، والذي سجّل 16 عملية اغتيال، في حين سجّل التقرير الحالي 15 عملية، بالمقابل يلحظ ارتفاع واضح في معدل ضحايا تلك العمليات، قياساً بالتقرير السابق، والذي سجّل وقوع 76 ضحية بين قتيل وجريح، في حين رصد التقرير الحالي وقوع 97 ضحية بين قتيل وجريح، وقد لا يرد ذلك فقط إلى اعتماد العمليات بنسبة 86% على العبوات الناسفة، وإنما لتغيير نوعية الأهداف أيضاً، إذ استهدفت بعض تلك العبوات عناصر أو مجموعات عسكرية وسط تجمعات مدنيين، مقابل عبوات استهدفت تجمعات مدنية خالصة، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 61%، في حين شكّلت نسبة عناصر "الجيش الوطني" 39%.
بالنسبة للجهات المُستَهدَفة، فيتضح من خلال البيانات أن عمليات الاغتيال استهدفت بالدرجة الأولى عناصر "الجيش الوطني" بواقع 67% من نسبة العمليات، في حين استُهدِفَت جهات مدنية بواقع 33%، فيما يلحظ تراجع في تنفيذ العمليات ضد عناصر الجيش التركي، بعكس التقرير السابق، الذي رصد عمليات عدة استهدفتهم في المنطقة، في حين لم تسجّل أي عملية خلال هذا التقرير، وقد يرد ذلك إلى إعادة تموضع أمني للقوات التركية في المنطقة.
أما بالنسبة للجهات المُنفِّذة، وعلى الرغم من عدم وجود تبنٍ علني لتلك العمليات، إلا أن مصادر جمع البيانات تشير إلى اتهامات لخلايا حزب العمال الكردستاني "PKK" في الضلوع بأغلب تلك العمليات، خاصة وأن طبيعة العمليات لا تختلف عن سابقاتها في مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، لناحية الأهداف والأدوات، وأساليب التنفيذ.
من خلال تلك الأرقام السابقة لمختلف المناطق المرصودة، يتضح أن مناطق سيطرة "الجيش الوطني" في ريف حلب الغربي "درع الفرات" الأكثر تردياً أمنياً، قياساً بمناطق (عفرين، تل أبيض، رأس العين). وذلك لناحية ارتفاع وتيرة الاغتيالات، واتساع الخرق الأمني، وتعدد الجهات المُنفِّذة واختلاف مصالحها وارتباطاتها، مقابل تراجع قدرة القوى المُسيطرة على ضبط الاستقرار وتضييق حجم هذا الخرق. ولعل ارتفاع معدل العمليات إلى هذا الحد لا يُعدُّ مؤشراً على عجز التشكيلات الأمنية لـ "الجيش الوطني" على ضبط الأمن والاستقرار بالنسبة للمدنيين فحسب، وإنما ضعف قدرتها أيضاً على تأمين حماية نفسها وعناصرها، وهذا ما تدلل عليه طبيعة تلك العمليات، والتي امتدت إلى مختلف مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، التي شهدت عمليات اغتيالات لا تختلف كثيراً عن سابقتها، لناحية طبيعتها والجهات المُنفِّذة والمُستَهدَفة. ومهما اختلفت دوافع تنفيذها والجهات التي تقف وراءها؛ فإن الحد منها وتحمُّل مسؤولية نتائجها يقع في النهاية على عاتق القوى والتشكيلات العسكرية والأمنية المُسيطرة في تلك المناطق، سواء "الجيش الوطني" أم القوات التركية.
رابعاً: إدلب وما حولها (أهداف انتقائية ومُنفّذ مجهول)
من خلال البيانات المرصودة، يتضح أن عدد عمليات الاغتيال فيما تبقى من محافظة إدلب وما حولها بلغ 18 عملية، خلال 6 أشهر من الرصد، حققت 12 عملية منها غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، بينما فشلت 6 محاولات في ذلك، بعد نجاة الطرف المُستَهدَف. وقد أسفر مجموع العمليات عن 34 ضحية، منهم 18 قتيلاً و16 جريحاً.
وبالنسبة لأدوات التنفيذ، فقد اعتمدت 10 عمليات اغتيال على الطلق الناري، نجحت 9 منها في تصفية الهدف، بينما فشلت عملية وحيدة، وأسفر مجموع عمليات الطلق الناري عن 11 ضحية، ضمنهم 5 مدنيين، منهم تاجر مجوهرات ومدير "مخيم السلام"، مقابل 5 من الفصائل الجهادية، ضمنهم قيادي ومحقق في "هيئة تحرير الشام"، إضافة إلى قيادي ميداني في "الجبهة الوطنية للتحرير".
بالمقابل، نُفِّذَت 6 عمليات عن طريق العبوات الناسفة، أسفرت عن 21 ضحية، منهم 5 من فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير"، ضمنهم قياديون ميدانيون، مقابل 16 مدني، ضمنهم رئيس مجلس محلي. كما نُفِّذَت عمليتان عبر القنبلة اليدوية، وأسفرت عن ضحيتين مدنيتين، منهم إمام مسجد وموظف شركة صيرفة.
ومن مُجمل عمليات الاغتيال الـ 18، استُهدِف عناصر وقيادات "مجموعات جهادية" بواقع 5 عمليات، بينما كانت فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير" هدفاً في 3 منها، في حين تم استهداف جهات مدنية بواقع 10عمليات (الشكل 7). أما بالنسبة للجهة التي تقف وراء تلك العمليات، فقد بقيت المحاولات جميعها مجهولة المُنفّذ، حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.
يتضح من خلال بيانات الرصد الخاصة بمناطق إدلب وما حولها، انخفاض طفيف في معدل عمليات الاغتيال، قياساً بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران، وغطى الفترة الممتدة من كانون الثاني وحتى حزيران 2020. إذ سجّل التقرير السابق 22 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 18 عملية. كما تشير البيانات إلى تعدد الجهات محل الاستهداف، فقد كانت الجهات المدينة الأكثر استهدافاً خلال فترة الرصد الحالي بمعدل 55% من مجموع العمليات. بينما كانت بعض المجموعات "الجهادية"، خاصة "هيئة تحرير الشام"، هدفاً في 28% من عمليات الاغتيال المُنفّذة في هذه المنطقة خلال فترة الرصد. في حين مثلت "الجبهة الوطنية للتحرير" هدفاً في 17% من مجموع العمليات.
وعلى الرغم من الانخفاض النسبي في معدل عمليات الاغتيال؛ إلا أن طبيعة تلك العمليات كانت انتقائية، فقد اعتمدت بنسبة 56% على الطلق الناري، كأداة تنفيذ (الشكل 8)، مستهدفة أشخاصاً بعينهم، بطريقة غير عشوائية، سواء بالنسبة للعسكريين أم المدنيين، فعلى مستوى المجموعات العسكرية تم تسجيل عمليات اغتيال عدة بحق قياديين ميدانيين، سواء في "الجبهة الوطنية للتحرير"، أم ضمن "هيئة تحرير الشام"، التي تم استهداف شخصيات قيادية في صفوفها بعمليات طلق ناري، وسط ظروف متوترة بين الهيئة وبعض المجموعات الجهادية الأخرى في المنطقة.
بالمقابل اعتمدت بعض العمليات بنسبة 33% على العبوة الناسفة كأداة تنفيذ، والتي لم تكن بدورها أيضاً عشوائية، وإنما استهدفت شخصيات عسكرية ومدنية محددة، ما أدى إلى وقوع ضحايا إضافيين ضمن محيط التفجير، أو من مرافقي الشخصية المستهدفة. في حين اعتُمِدت القنبلة اليدوية بنسبة 11% من العمليات المُنفَّذة، والتي استهدفت أيضاً أشخاصاً مدنيين محددين (إمام مسجد، موظف شركة صيرفة).
وتشير طبيعة العمليات وأدوات التنفيذ المستخدمة ضمنها، إلى اختلاف واضح في طبيعة الاغتيالات المنفذة في إدلب عن باقي مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، التي تغلب عليها العمليات العشوائية، بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، بينما تبدو العمليات في إدلب منتظمة ومدروسة باتجاه تصفية شخصيات مدنية وعسكرية محددة، وذلك ضمن بيئة معقدة أمنياً، ومتعددة اللاعبين ذوي المصالح المتضاربة، في مؤشر لفوضى البيئة أمنياً، وتراجع القدرة على الضبط والسيطرة.
وفيما يتعلق بطبيعة الجهات المُستَهدَفة، يلحظ خلال التقرير الحالي تراجع واضح لاستهداف عناصر الجيش التركي، قياساً بالتقرير السابق، الذي رصد تنفيذ 3 عمليات ضدهم، وذلك في الفترة التي بدأ خلالها تسيير الدوريات المشتركة الروسية -التركية على الطريق الدولي M4، سواء عبر استهداف عرباتهم أم استهداف نقاط المراقبة. بينما لم يلحظ ضمن التقرير الحالي أي استهداف، وقد يُردّ ذلك إلى إعادة تموضع أمني لتلك القوات، كما قد يعكس تطوراً في العلاقة ومستوى التنسيق مع القوى العسكرية المحلية المسيطرة على الأرض.
إجمالاً، وبناءً على البيانات المرصودة، يمكن القول؛ إن ما تبقى من مناطق إدلب، وبغض النظر عن القوى المسيطرة، قد تكون مرشحة في المراحل القادمة لتدهور أكبر في الوضع الأمني العام، سواء في حال استمرار توقف المعارك التقليدية وفقاً للتفاهمات الروسية - التركية، الأمر الذي سيفسح المجال لتصاعد وتيرة العمل الأمني أكثر، أم في حال تعرض المنطقة لعمليات عسكرية جديدة من النظام وحلفائه، والتي قد تتسبب بمزيد من التهجير للمدنيين، إضافة إلى الفصائل المحليّة، الأمر الذي قد يؤدي بشكل أو بآخر إلى فوضى أمنية نتيجة الاكتظاظ السكاني الذي قد تشهده بعض المناطق إثر موجات النزوح، إضافة إلى دخول الفصائل المهجّرة إلى مناطق نفوذ فصائل أخرى، ما يفرض على الجهات المسيطرة تحديات أمنيّة مركّبة، تحتاج مواجهتها إلى جهود جماعية مُنظّمة، لا تبدو متوافرة في الفترة الحالية.
خاتمة
تفيد القراءة العامة لهذا التقرير بما يحمله من أرقام وبيانات تفصيلية عن عمليات الاغتيال، بالمزيد من ضعف الحالة الأمنية، في جميع المناطق المرصودة ضمن الشمال السوري، وضعف قدرة القوى الفاعلة وتعثرها في الحد من هذه العمليات، التي تسهم في تراجع مؤشرات الأمن والاستقرار على مختلف المستويات.
وعلى الرغم من محاولات بعض الفصائل والتشكيلات العسكرية المعارضة تطوير أدواتها في ضبط الأمن، من خلال أجهزة الشرطة والشرطة العسكرية، وازدياد أعداد المنتسبين لتلك الأجهزة، وتخريج عدد من الدورات؛ إلا أنها ما تزال غير قادرة على الحد من تلك العمليات، ولا تملك القدرة للوصول إلى مُنفّذيها، الأمر الذي يستدعي إعادة هيكلة تلك الأجهزة، ورفع مستوى التدريب الخاص بعناصرها، ورفدهم بالتجهيزات اللوجستية والتقنية كافة، التي تساعد في الحد من تلك العمليات، إضافة إلى رفع مستوى التنسيق الأمني بين المناطق المختلفة، وتشكيل لجان أمنية مشتركة للتنسيق بين تلك المناطق من جهة، ولإعادة هيكلة آليات التنسيق الأمني بين الجانبين التركي والسوري من جهة أخرى، خاصة مع وجود عوائق إدارية تحول دون الشكل الأمثل لهذا التنسيق، وبالتالي تسهم بشكل مباشر وغير مباشر بتوسيع هامش الخرق الأمني.
مقابل كل ذلك، لا بد من الدفع لإشراك المجتمع المحليّ والتنسيق مع فعالياته ومؤسساته المدنيّة في هذا الإطار، والسعي لتجسير أي هوة بين تشكيلات قوى الأمن الداخلي والمجتمعات المحلية العاملة ضمنها، بما يسهّل مهمتها، ويعزز من حالة الأمن، ويرفع المسؤولية بأهميتها للجميع، وبشكل يسهم في تأمين بيئة أمنيّة مناسبة لنشاط المؤسسات المدنية. إضافة لذلك، من المهم أن تعمل القوى الأمنية والعسكرية المسؤولة عن تلك المناطق، على التعاطي مع الاغتيالات والتفجيرات بشفافية أعلى، عبر إعلان بيانات وأرقام رسميّة عن طبيعة تلك العمليات والمسؤولين عنها ونسب العمليات التي نُفِذّت مقارنة بالمحاولات التي تم إحباطها قبل وقوعها، وذلك بشكل دوري يوضَح وتيرة الاغتيالات والجهد المقابل في مكافحتها والحد منها، ويضع الرأي العام المحلي-الدولي بصورة الواقع الأمني في المنطقة.
ولا يُعد تردي الأوضاع الأمنية محلياً ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة، أمراً منفصلاً عن السياق العام للملف السوري وتعقيداته، التي ترمي بظلالها محلياً على مختلف المناطق السورية، بغض النظر عن القوى المسيطرة، إذ إن حالة الفوضى الأمنية التي تجلت بصورة الاغتيالات في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، تتكرر بصور وأدوات وكثافة مختلفة ضمن مناطق سيطرة نظام الأسد، وكذلك مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، على الرغم من المركزية الأمنية التي تحكم تلك المناطق، والمفتقدة في مناطق سيطرة فصائل المعارضة.
([1]) فيما يتعلق بمصادر التقرير فهي على الشكل التالي: 1) نقاط الرصد الخاصة بمركز عمران للدراسات الاستراتيجية في الشمال السوري. 2) التقرير الأمني الخاص الصادر عن مكاتب منظمة "إحسان الإغاثية" في الشمالي السوري. 3) المُعرّفات الرسمية للجهات التي تم استهدافها (مدنية، عسكرية). 4) المُعرّفات الرسمية للجهات المُنفذة، أو التي تعلن تبنيها للعمليات كـ "غرفة عمليات غضب الزيتون". 5) المُعرّفات والمواقع الرسمية للوكالات ووسائل الإعلام المحليّة، التي تقوم بتغطية الأحداث في مناطق الرصد.
([2]) للاطلاع على التقرير السابق "الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى حزيران 2020"، راجع الرابط التالي: https://cutt.us/a7iAH
([3]) "غرفة عمليات غضب الزيتون": وهي بحسب توصيفها لنفسها على معرفاتها الرسميّة؛ "مجموعة من شباب وشابات عفرين، مختصة بالعمليات ضد مرتزقة الاحتلال التركي"، وتقوم باغتيال المقاتلين المحليين المدعومين من تركيا، بالإضافة إلى لمقاتلين الأتراك المتواجدين في المنطقة، للاطلاع والتعرف أكثر على هذه المجموعة راجع الرابط التالي: http://www.xzeytune.com
بتاريخ 14 شباط/ فبراير 2021 شارك الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، محمد العبد الله في تقرير صحفي لجريدة عنب بلدي
بعنوان " تنافس بالقروش" أم احتكار للسوق بين شركات محروقات إدلب ".
استعرض الباحث فيه واقع البيئة التي تعمل فيها شركات المحروقات في إدلب ومدى كون هذه البيئة ملائمة لوجود مقومات المنافسة بين هذه الشركات. إلى جانب تشخيصه للدور المحتمل لهئية تحرير الشام في علاقتها مع شركات المحروقات التي تم تأسيسها مؤخراً في مناطق سيطرة الهيئة وأثر ذلك على تجارة المحروقات.
للمزيد إضغط الرابط:https://bit.ly/3auEa38
يعد الملف الأمنيَ أحد أبرز الإشكاليات المُركّبة التي تعاني منها مناطق سيطرة المعارضة العسكرية في الشمال السوري، وأهم العقبات والتحديات التي تحاول القوى المسيطرة على تلك المناطق إيجاد حلول لها، ضمن بيئة مضطربة أمنياً، لناحية تعدد الجهات المسيطرة ذات المصالح المتضاربة، إضافة إلى التدخلات الإقليمية المباشرة وما استتبعته من ردود فعل مضادة لجهات مختلفة، ناهيك عن القصف المستمر لقوات النظام وحلفائه لبعض تلك المناطق.
وتعتبر عمليات الاغتيال بما تمثله من اختراق أمنيّ، مؤشراً هاماً لطبيعة ودرجة الاستقرار الأمني ومستوى إدارة هذا الملف والقدرة على ضبطه من قبل القوى المسيطرة، خاصة مع ازدياد وتيرة تلك العمليات وتفاوت أهدافها وتعدد منفذيها واختلاف أساليبها، فعادةً ما تتصف عمليات الاغتيال بالسريّة لناحية الجهة المنُفّذة؛ إلا أن غالبية العمليات ضمن مناطق سيطرة الفصائل المعارضة تتبناها جهات محددة بشكل علنيّ، في اختراق أمنيّ واضح وصريح لتلك المناطق، خاصة ريف حلب الشمالي الغربي، والذي شكّل نطاق العمليات العسكرية؛ "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، ليمتد هذا الخرق لاحقاً إلى منطقتي تل أبيض ورأس العين "نبع السلام". وعلى الرغم مما تشهده بقايا جغرافية سيطرة الفصائل المعارضة في الشمال الغربي (إدلب) من انحسار نتيجة المعارك المستمرة مع النظام، والذي من المفترض أن يُسهّل عملية الضبط والسيطرة الأمنيّة؛ إلا أنها أيضاً تكاد لا تختلف أمنياً عن سابقاتها من المناطق لجهة معدلات الاغتيال ومؤشرات الانفلات الأمنيّ.
وفي متابعة لملف الاغتيالات ضمن مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في الشمال السوري؛ صَمَمَتْ وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، نموذجاً خاصاً لرصد تلك العمليات وتحليل البيانات الخاصة بها كمؤشرات للاستقرار الأمني ([1])، وإخراجها ضمن تقرير دوريّ يرصد وتيرة عمليات الاغتيال، موضّحاً نتائج تلك العمليات وما أسفرت عنه، مقابل الجهات المُنفّذة-إن عُلِمت-وكذلك الجهات المُستهدَفة، كما يسعى التقرير إلى تحليل تلك البيانات ومقاطعتها بين مختلف المناطق، في محاولة لرسم الملامح العامة للوضع الأمنيّ وقياس أوليّ لمؤشرات الاستقرار.
وعليه، يرصد هذا التقرير عمليات الاغتيال ضمن عدة مناطق في الشمال السوري؛ منها ريف حلب الشمالي الغربي والذي يضم منطقتي"درع الفرات" وعفرين "غصن الزيتون". إضافة إلى ما تبقى من محافظة إدلب في شمال غرب سورية، مقابل مدينتي تل أبيض ورأس العين "نبع السلام" في الشمال الشرقي، وذلك خلال الفترة الممتدة ما بين (كانون الثاني/ يناير وحتى حزيران/يونيو 2020)، حيث بلغ عددها 96 محاولة اغتيال، خلّفت 271 ضحية. وتوضّح البيانات ارتفاع هذه النسبة مقارنة بالتقرير السابق الذي أصدرته وحدة المعلومات في مركز عمران (الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من آب/أغسطس وحتى كانون الأول/يناير 2019) ([2]).
وتوزعت معدلات عمليات الاغتيال الـ 96 المرصودة ضمن التقرير الحالي، بحسب الأشهر، على الشكل التالي: 18 محاولة اغتيال خلال شهر كانون الثاني/ يناير، في حين بلغت خلال شهر شباط/ فبراير 4 محاولات، بينما شهد آذار/ مارس 17 محاولة، وفي نيسان/ أبريل 9 محاولات، لترتفع في شهر أيار/ مايو إلى 24 محاولة ومثلها في حزيران/ يونيو. بينما يفرد ما تبقى من هذا التقرير تلك المحاولات بحسب؛ مناطق السيطرة، والجهات المستهدفة، والمُنفّذة، وطبيعة أداة التنفيذ، ومدى نجاح تلك المحاولات.
تُظهر عملية الرصد الخاص بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي "درع الفرات"، بلوغ معدل عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 33 عملية (الشكل 1)، نُفّذت 21 منها عبر الطلق الناري، وأسفرت عن 18 ضحية، حيث حققت 17 عملية من 21 غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، فيما فشلت 4 عمليات في تحقيق هدفها. وقد تبنّت ما تسمى غرفة عمليات "غضب الزيتون" عملية اغتيال واحدة من العمليات الـ 21، فيما تبنّت خلايا تنظيم "داعش" عمليتين من مجموع المحاولات، بينما بقيت 18 منها مجهولة المُنفّذ. وقد كانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك الاغتيالات بواقع 14عملية، مقابل 7 عمليات استهدفت كوادر إدارية من عناصر الشرطة والمجالس المحليّة.
بالمقابل، نُفّذت 12 من 33 عملية عبر العبوات الناسفة، مخلفةً بمجموعها 7 قتلى و64 جريح، منهم 35 مدني مقابل 29 من عناصر "الجيش الوطني" والجيش التركي (انظر الشكل 2)، حيث تم تفجير أغلب تلك العبوات في استهداف شخصيات أو مجموعات عسكرية وسط تجمعات المدنيين، وقد تبنّت خلايا "داعش" عملية وحيدة، بينما بقيت 11 منها مجهولة المُنفّذ.
ويتضح من خلال أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي "درع الفرات"، ارتفاع معدل عمليات الاغتيال مقارنة بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران وغطى الفترة الممتدة من آب/أغسطس وحتى كانون الأول/يناير 2019، حيث سجّل التقرير السابق 24 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 33 عملية، بشكل يشير إلى اتساع الخرق الأمني، مقابل تراجع قدرة القوى المسيطرة على ضبط الاستقرار وتضييق حجم هذا الخرق.
بالمقابل، تشير طبيعة تلك العمليات والأدوات المستخدمة في تنفيذها؛ إلى أن أغلب الاغتيالات المنفذة في تلك المنطقة لم تكن عشوائية أو اعتباطية بقدر ما تبدو عمليات مدروسة ومخططة مسبقاً، خاصة وأن 21 عملية اغتيال من مجموع 33، نُفذت عبر الطلق الناري واستهدفت أشخاص بعينهم بطريقة انتقائية وغير عشوائية، ولم تقتصر تلك العمليات على عناصر "الجيش الوطني" فقط، وإنما طالت كوادر إدارية من عناصر الشرطة، إضافة لأعضاء مجالس محليّة.
أما بالنسبة للجهات المُنفّذة، فيلحظ من البيانات أن النسبة الأكبر من العمليات بقيت مجهولة المُنفّذ، حيث تبنّت خلايا تنظيم الدولة "داعش" 3 عمليات من أصل 33، في حين تبنّت غرفة عمليات "غضب الزيتون" واحدة، لتبقى 29 عملية مجهولة المُنفّذ، الأمر الذي يشير من جهة إلى تردي الواقع الأمني وضعف قدرة الجهات المسيطرة على تتبع تلك العمليات والكشف عن منفذيها، ومن جهة أخرى إلى تعدد الجهات المُنفّذة في تلك المنطقة وعدم اقتصارها على جهة واحدة، خاصة مع تحول "داعش" في بعض الأحيان إلى غطاء يُستخدم لتبني بعض العمليات وحرف الأنظار عن منفذها الرئيسي،
وهذا قد يبدو طبيعياً في ظل سعي العديد من الأطراف والجهات إلى زعزعة الأمن والاستقرار وتقاطع مصالحها في ذلك، كحزب الاتحاد الديمقراطي"PYD" الذي لاتزال خلاياه نشطة في المنطقة وتعتبرها امتداداً للنفوذ التركي ومن فيها "أهداف مشروعة"، مقابل النظام الذي يسعى إلى زعزعة أمن المنطقة وإفشال أي نموذج أمني/حوكمي فيها، كما يتقاطع مع "PYD" في مضايقة الوجود التركي ضمن تلك المناطق، ولعل جزء من عمليات الاغتيال وطبيعة أداة التنفيذ والجهات المستهدفة تشير إلى ذلك، فقد نُفِّذت 12 عملية من العمليات الـ 33 عبر العبوات الناسفة التي استهدفت تجمعات أو عناصر عسكرية من الجيشين "الوطني" والتركي وسط تجمعات مدنية، الأمر الذي أدى إلى عدد كبير من الضحايا المدنيين.
من خلال رصد وتحليل البيانات لعمليات الاغتيال الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها من المناطق، يتضح أنها شهدت بالعموم: 22 عملية اغتيال خلال 6 أشهر من الرصد، نُفّذت 11 عملية منها عبر الطلق الناري وحققت 8 من 11 غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، بينما فشلت 3 محاولات في تصفية أهدافها. بالمقابل نُفّذت عمليتين عن طريق اللغم الأرضي وحققت غايتها في تصفية الجهة المستهدفة (الشكل 3). ومن مجموع تلك العمليات الـ 13 تبنّت غرفة عمليات "غضب الزيتون" 12 منها، بينما بقيت محاولة وحيدة مجهولة المُنفّذ. وكانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك الاغتيالات بواقع 12 عملية، مقابل محاولة استهدفت جهات مدنيّة.
بالمقابل، وبحسب البيانات المرصودة، نُفِّذت 9 عمليات من 22 عبر العبوات الناسفة (الشكل 3)، والتي استهدفت عناصر ومجموعات لـ "الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، ما أدى إلى وقوع؛ 14 قتيل و28 جريح (الشكل 4)، منهم 18 من الضحايا المدنيين و10من عناصر "الجيش الوطني"، وقد تبنّت غرفة عمليات "غضب الزيتون" عبر معرفاتها الرسميّة 7 من مجموع تلك العمليات، فيما بقيت محاولتان مجهولتا المُنفّذ.
وتبيّن أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها، ارتفاع معدل عمليات الاغتيال مقارنة بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران وغطى الفترة الممتدة من آب/أغسطس حتى كانون الأول/يناير 2019، حيث سجّل التقرير السابق 17 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 22 عملية، بشكل يشير إلى اتساع الخرق الأمني وعدم إحراز أي تقدم على مستوى الضبط من قبل الجهات المسيطرة.
بالمقابل، يُلحظ من خلال البيانات نشاط متزايد لغرفة عمليات "غضب الزيتون" في عفرين ومحيطها وتبنٍّ واضح وعلني للعمليات، حيث تبنّت الغرفة تنفيذ 19 عملية اغتيال من أصل 22، تعددت أدوات التنفيذ خلالها، إذ يبدو أنها تركّز عملياتها ونشاطها الأمني في عفرين التي شهدت أكبر عمليات اغتيال تبنتها الغرفة قياساً بباقي المناطق.
أما بالنسبة للجهات المُستَهدَفة، فيتضح من خلال البيانات أن عمليات الاغتيال استهدفت بالدرجة الأولى عناصر "الجيش الوطني" والذين تحولوا إلى أهداف متحركة داخل مدينة عفرين، سواء على المستوى الفردي وتصفية أفراد بعينهم، أو على مستوى جماعي عبر استهداف مجموعات عسكرية لهم وسط تجمعات المدنيين، بينما يلحظ من بيانات الرصد أن استهداف الجنود الأتراك في عفرين من قبل "الغرفة" تراجع قياساً بالتقرير السابق الذي سجّل مقتل عدد منهم بعد استهداف عرباتهم، في حين لم يسجّل التقرير الحالي أي استهداف، وقد يعزى هذا التراجع إلى إعادة تموضع أمني للقوات التركية داخل عفرين بالذات واتخاذ تدابير أمنية أكثر شدة، تلك التي تبدو مختلفة عن منطقة "درع الفرات" التي شهدت، كما وضح آنفاً، استهدافاً أكبر للقوات التركية.
بالمقابل، فإن زيادة حركة الاغتيالات في عفرين والتبني الواضح لها، يتناسب طرداً مع تراجع القدرة الأمنية للجهات المُسيطرة، فعلى الرغم من تسجيل مناطق "درع الفرات" نسبة أكبر في عمليات الاغتيال (33) من عفرين ومحيطها (22) ؛ إلا أن ذلك لا يعني اختلافاً في مستوى الضبط الأمني، خاصة وأن العمليات التي نُفّذت في عفرين كانت نوعيّة، ناهيك عن وضوح الجهة التي تقف خلفها "غرفة عمليات غضب الزيتون" وتوسيعها لنشاطها، بشكل يشير إلى ارتفاع مستوى تلك العمليات وتوسيع دائرة أهدافها، وزيادة النشاط الأمني لبقايا خلايا حزب الاتحاد الديمقراطي "PYD"، والتي تعتبر المنطقة "امتداداً للنفوذ التركي" وترى المقاتلين المحليين وبعض العوائل المهجّرة بذات الإطار، وبالتالي تكثف من عملياتها وتشرعنها تحت هذا الغطاء دون التمييز بين مدني وعسكري.
يشير الرصد الخاص بمنطقتي رأس العين وتل أبيض واللتين شكلتا نطاق العملية العسكرية "نبع السلام"، إلى بلوغ عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 16 عملية اغتيال، نُفّذت عمليتان منها عبر الطلق الناري محققتين غايتهما في تصفية الجهة المستهدفة، بينما نُفّذت عملية وحيدة عن طريق اللغم الأرضي لكنها فشلت بتحقيق غايتها في تصفية الجهة المستهدفة (الشكل 5)، في حين كانت العبوة الناسفة أداة لتنفيذ 13 عملية استهدفت عناصر ومجموعات لـ"الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، ما أدى إلى وقوع؛ 35 قتيل و38 جريح (الشكل 6)، منهم 24 مدني و14من عناصر "الجيش الوطني". وكانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك الاغتيالات بواقع 14 محاولة، مقابل محاولتين استهدفتا عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة
ويتضح من خلال البيانات الخاصة بمدينتي رأس العين وتل أبيض "نبع السلام"، زيادة وتيرة عمليات الاغتيال في تلك المناطق التي لاتزال هشة أمنياً، ولا تختلف طبيعة العمليات والأهداف عن سابقاتها من المناطق لناحية الأدوات أو الأسلوب والجهات المُستَهدَفة ("الجيش الوطني"، القوات التركية)،يشير الرصد الخاص بمنطقتي رأس العين وتل أبيض واللتين شكلتا نطاق العملية العسكرية "نبع السلام"، إلى بلوغ عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 16 عملية اغتيال، نُفّذت عمليتان منها عبر الطلق الناري محققتين غايتهما في تصفية الجهة المستهدفة، بينما نُفّذت عملية وحيدة عن طريق اللغم الأرضي لكنها فشلت بتحقيق غايتها في تصفية الجهة المستهدفة (الشكل 5)، في حين كانت العبوة الناسفة أداة لتنفيذ 13 عملية استهدفت عناصر ومجموعات لـ"الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، ما أدى إلى وقوع؛ 35 قتيل و38 جريح (الشكل 6)، منهم 24 مدني و14من عناصر "الجيش الوطني". وكانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك الاغتيالات بواقع 14 محاولة، مقابل محاولتين استهدفتا عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة.
وبالرغم من أن المنطقة شهدت أقل نسبة عمليات اغتيال خلال فترة الرصد (16) قياساً بمناطق عفرين (22) و"درع الفرات" (33)؛ إلا أنها سجّلت أعلى نسبة للضحايا المدنيين، وذلك نتيجة طبيعة العمليات الإرهابية وأدوات التنفيذ المستخدمة فيها، إذ تم استخدام العبوة الناسفة في 13 عملية من أصل 16 استهدفت في أغلبها عناصر "الجيش الوطني" والقوات التركية وسط تجمعات المدنيين، وعمد بعضها الآخر إلى استهداف تجمعات مدنية بشكل عشوائي، ما قد يشير إلى أن الجهات القائمة على تنفيذ تلك العمليات تسعى بالدرجة الأولى إلى زعزعة الأمن والاستقرار، وإرهاب المنطقة حديثة السيطرة، عبر تفجيرات وعمليات عشوائية أكثر من كونها منتظمة وتستهدف أشخاص بعينهم. الهدف الذي تتقاطع حوله عدة جهات تسعى إلى استهداف قوات المعارضة ومضايقة الوجود التركي والمساهمة في خلق فوضى أمنية تعوق أي عملية استقرار.
بالمقابل، تساهم خلافات فصائل "الجيش الوطني" في تلك المنطقة، خاصة رأس العين، بتعقيد وصعوبة ضبط البيئة الأمنية، إذ شهدت المنطقة خلال وبعد فترة الرصد عدة اشتباكات متقطعة بين الفصائل المسيطرة عليها ([3])، الأمر الذي يسهم بالضرورة في زيادة الخلافات بين تلك الفصائل وبالتالي ضعف التنسيق الأمني فيما بينها، ما يؤدي إلى تسهيل وزيادة هامش الخرق الأمني. وتجدر الإشارة إلى أن مدينة تل أبيض، وبحسب بيانات الرصد، سجّلت تحسناً أمنياً نسبياً قياساً برأس العين وغيرها من المناطق.
ومن خلال تلك الأرقام، يتضح أن المناطق التي تقع تحت سيطرة "الجيش الوطني" ("غصن الزيتون"، "درع الفرات"، "نبع السلام") هي الأكثر تردياً أمنياً، لناحية ارتفاع وتيرة الاغتيالات واتساع الخرق الأمني وتعدد الجهات المُنفِّذة واختلاف مصالحها وارتباطاتها، مقابل تراجع قدرة القوى المُسيطرة على ضبط الاستقرار وتضييق حجم هذا الخرق. ولعل ارتفاع معدل العمليات إلى هذا الحد لا يُعدُّ مؤشراً على عجز التشكيلات الأمنية لـ "الجيش الوطني" على ضبط الأمن والاستقرار بالنسبة للمدنيين فحسب، وإنما ضعف قدرتها أيضاً على تأمين أنفسها وعناصرها، وهذا ما تدلل عليه طبيعة تلك العمليات، والتي تجاوزت حدود منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" لتمتد إلى مناطق "الجيش الوطني" شرق الفرات بعد السيطرة عليها مدعوماً بالجيش التركي ضمن عملية "نبع السلام"، حيث بدأت تشهد عمليات اغتيالات لا تختلف كثيراً عن سابقتها لناحية طبيعتها والجهات المُنفِّذة والمُستَهدَفة. ومهما اختلفت دوافع تنفيذها والجهات التي تقف وراءها؛ فإن الحد منها وتحمُّل مسؤولية نتائجها يقع في النهاية على عاتق القوى والتشكيلات العسكرية والأمنية المُسيطرة في تلك المناطق، سواء "الجيش الوطني" أو القوات التركية.
من خلال البيانات المرصودة، يتضح أن عدد عمليات الاغتيال فيما تبقى من محافظة إدلب وما حولها بلغ 25 عملية خلال 6 أشهر من الرصد، أسفرت عن 51 ضحية، حيث حققت 16 عملية منها غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، بينما فشلت 9 محاولات في ذلك بعد نجاة الطرف المُستَهدَف.
ومن مُجمل عمليات الاغتيال الـ 25، استُهدِف عناصر وقيادات "مجموعات جهادية" بواقع 8 عمليات، بينما كانت فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير" هدفاً في 11 منها، في حين تم استهداف جهات مدنية بواقع 3 عمليات، ومثلها استهدفت عناصر الجيش التركي المتواجد في المحافظة عبر الألغام الأرضية والعبوات الناسفة (الشكل 5). وبالنسبة لأدوات التنفيذ، فقد اعتمدت عمليات الاغتيال المُنفّذة في محافظة إدلب على الطلق الناري في 11 محاولة، في حين نفذت 5 عمليات عن طريق العبوات الناسفة، مقابل 4 عمليات عبر الطائرة المُسيّرة، كما نُفِذت 3 عمليات عبر اللغم الأرضي، وعمليتان عبر القنبلة اليدوية، أما بالنسبة للجهة التي تقف وراء تلك العمليات، فقد نَفَذَ التحالف الدولي عمليتين في حين بقيت المحاولات الـ 23 الأخرى مجهولة حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
ويتضح من خلال بيانات الرصد الخاصة بمناطق سيطرة المعارضة العسكرية في إدلب وما حولها، ارتفاع معدل عمليات الاغتيال قياساً بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران وغطى الفترة الممتدة من آب/أغسطس وحتى كانون الأول/يناير 2019، حيث سجّل التقرير السابق 14 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 25 عملية، نجحت 16 منها في تحقيق هدفها، بينما فشلت 9 في ذلك، بشكل يشير إلى ارتفاع نسبي في معدل الاغتيالات مقابل تقدم أمني طفيف في إحباطها.
كما تشير البيانات إلى تعدد الجهات محل الاستهداف، فقد كانت "الجبهة الوطنية للتحرير" الأكثر استهدافاً خلال فترة الرصد، في مؤشر لتصاعد العمليات ضدها وسط بيئة أمنية معقدة ومتعددة الجهات ذات المصالح المشتركة في هذا الاستهداف، فمن جهة خلايا النظام وحلفاؤه في المنطقة، ومن جهة أخرى المجموعات "الجهادية" المتفرقة التي تختلف علاقاتها مع "الجبهة الوطنية" بحسب مناطق النفوذ والسيطرة. بالمقابل، كانت بعض المجموعات "الجهادية" هدفاً في 8 عمليات، أي ما نسبته 32% من عمليات الاغتيال المُنفّذة في هذه المنطقة خلال فترة الرصد، وقد نُفِّذ بعضها عبر الطائرات المُسيّرة من قبل التحالف الدولي.
وعلى الرغم من تكثيف التحالف الدولي عملياته في استهداف قياديين ضمن المجموعات "الجهادية"؛ يبقى لافتاً أن هيئة "تحرير الشام" وعناصرها لم يتعرضوا لأي محاولة اغتيال خلال فترة الرصد الحالية، ما أثار تساؤلات عدة عن تراجع استهدافهم قياساً بجماعات "جهادية" أخرى، خاصة تلك التي انضوت في غرفة عمليات جديدة تحت مسمى "فاثبتوا"، والتي دخلت فور إعلانها في خلافات مع هيئة "تحرير الشام"، تطورت لاحقاً إلى اعتقال الهيئة بعضاً من قيادات التشكيل الجديد، ومن ثم اشتباكات تم احتوائها بشكل مؤقت.
ويبدو أن توتر العلاقة بين الهيئة ومكونات هذا التشكيل قد تتجاوز الاعتقالات إلى الضلوع والتورط بعمليات اغتيالات ضمن صفوف تلك المجموعات، وفقاً لاتهامات بعض الأطراف "الجهادية"، والتي تستند إلى مؤشرات غير مباشرة، على رأسها أن أغلب عمليات الاغتيال التي ينفذها التحالف الدولي ضد قيادات تلك المجموعات تتم في مناطق سيطرة الهيئة الأمنية، كالاغتيال الأخير لقادة "حراس الدين" في مدينة إدلب، إضافة إلى استثناء قصف التحالف والولايات المتحدة لمقرات وقيادات الهيئة والتركيز على "الحراس" بالرغم من تصنيف الجهتين كمنضمات إرهابية، بل وتراجع حدة التصريحات الأمريكية التي تدين الهيئة خلال الأشهر الفائتة، خاصة بعد التصريح اللافت للمبعوث الخاص بواشنطن إلى سورية، جيمس جيفري، في تاريخ 5 شباط/فبراير 2020، والذي أوضح خلاله أن "الهيئة ركزت على محاربة نظام الأسد، كما أعلنت عن نفسها، -ولم نقبل بهذا الادعاء بعد -، بأنها تمثل مجموعة معارضة وطنية تضم مقاتلين وليس إرهابيين، كما أننا لم نشهد لهم مثلاً أي تهديدات على المستوى الدولي منذ زمن.([4])
إضافة إلى تلك المؤشرات، مثّل الظهور العلني والمتكرر للجولاني في الشمال مجالاً للتساؤل حول الحسابات الأمنية لهذا الظهور، تحديداً في الوقت الذي تتحرك فيه قيادات تلك المجموعات بشكل سري وحذر. كما اتهم بيان من قبل غرفة عمليات "فاثبتوا" الهيئة بتزامن اعتقال قياداتها مع تطبيق بنود التفاهمات الدولية، ملمّحة إلى تنسيق بين الهيئة وقوى إقليمية ودولية، خاصة وأن الجولاني قد ألمح لعرض حول هذا التنسيق خلال مقابلته مع "مجموعة الأزمات الدولية"، مؤكداً "حرصه على عدم تحول سورية إلى نقطة انطلاق لعمليات خارج الحدود، وإلى ضبط الفصائل "الجهادية" التي تحمل هذا التوجه"([5]).
بالمقابل، يلحظ من خلال بيانات الرصد تعرّض عناصر من القوات التركية في إدلب إلى استهداف بواقع 3 عمليات، وهذا مالم يسجله التقرير السابق في إدلب، والذي لم يرصد أي عملية استهداف للقوات التركية في ذلك الوقت، بينما تشير بيانات التقرير الحالي إلى تصاعد عمليات استهداف القوات التركية في إدلب بشكل ملحوظ، خاصة مع بدء تسيير الدوريات المشتركة الروسية-التركية على الطريق الدولي M4، حيث تشير طبيعة تلك العمليات والأدوات المستخدمة فيها إلى استهداف خاص لتلك القوات في نقاط تحركهم المحددة، إذ زُرعت بعض الألغام الأرضية على الطريق الدولي واستهدفت عربات الدوريات، بينما استُهدف رتل آخر بعبوة ناسفة أثناء توجهه إلى نقطة المراقبة في ريف إدلب. إضافة إلى عمليات أخرى استهدفت الدوريات المشتركة على الطريق الدولي M4، ولعل اللافت في تلك العمليات ظهور جماعات "جهادية" جديدة تبنّت تنفيذها (كتائب خطاب الشيشاني، سرية أنصار أبي بكر الصديق)، تلك التي لم تكن معروفة أو موجودة من قبل على الخارطة العسكرية للمنطقة ([6])، بما يوحي وكأنها ظهرت لتتبنى هذا النوع من العمليات، كما تزامنت تلك الاستهدافات في إدلب مع زيادة النشاط الأمني لمجموعة تطلق على نفسها اسم: "تحرير عفرين" ([7])، والتي تبنت بعض العمليات ضد القوات التركية في عفرين، وهي مجموعة لم يكن لها نشاط ملحوظ سابقاً قياساً بغرفة عمليات "غضب الزيتون".
ويلحظ من زيادة وتيرة العمليات ضد القوات التركية في مناطق الشمال المختلفة، مقابل ظهور مجموعات جديدة تتبنى تلك العمليات؛ بأن استهداف الوجود التركي في سورية ضمن مناطق انتشاره بات يتصاعد بشكل ممنهج ومدروس، بهدف التضييق على هذا الوجود ومحاولة دفعه للانسحاب عبر تصعيد العمل الأمني، خاصة مع تراجع العمليات العسكرية التقليدية والثبات النسبي للجبهات، ما أفسح المجال أمام زيادة النشاط الأمني لقوى متعددة. قد تتقاطع مصالحها وأهدافها في تلك العمليات، خاصة وسط مناطق انتشار القوات التركية والتي تعد بيئة أمنية معقدة بلاعبين متعددين؛ منهم خلايا حزب الاتحاد الديمقراطي"PYD"، إضافة لخلايا تنظيم الدولة "داعش"، مقابل النظام وحلفائه، خاصة المليشيات الإيرانية التي استثنيت من التفاهمات الروسية-التركية التي حكمت أجزاء من الشمال، ناهيك عن بعض المجموعات "الجهادية" الرافضة لتلك التفاهمات.
إجمالاً، وبناءً على البيانات المرصودة، يمكن القول؛ إن ما تبقى من مناطق إدلب، وبغض النظر عن القوى المسيطرة، قد تكون مرشحة في المراحل القادمة لتدهور أكبر في الوضع الأمني العام، سواء في حال استمرار توقف المعارك التقليدية وفقاً للتفاهمات الروسية التركية، الأمر الذي سيفسح المجال لتصاعد وتيرة العمل الأمني أكثر، أو في حال تعرض المنطقة لعمليات عسكرية جديدة من النظام وحلفائه، والتي قد تتسبب بمزيد من التهجير للمدنيين، إضافة إلى الفصائل المحليّة، الأمر الذي قد يتسبب بشكل أو بآخر بفوضى أمنية نتيجة الاكتظاظ السكاني الذي قد تشهده بعض المناطق إثر موجات النزوح، إضافة إلى دخول الفصائل المهجّرة إلى مناطق نفوذ فصائل أخرى، ما يفرض على الجهات المسيطرة تحديات أمنيّة مركّبة تحتاج مواجهتها إلى جهود جماعية منظمة، لا تبدو متوافرة في الفترة الحالية.
بقدر ما يحمله هذا التقرير من أرقام وبيانات تفصيلية عن عمليات الاغتيال، إلا أن قراءته العامة تفيد بالمزيد من ضعف الحالة الأمنية في جميع المناطق المرصودة ضمن الشمال السوري، وعجز القوى الفاعلة وتعثرها في الحد من هذه العمليات التي تساهم في تراجع مؤشرات الأمن والاستقرار على مختلف المستويات.
وعلى الرغم من محاولات بعض الفصائل والتشكيلات العسكرية المعارضة تطوير أدواتها في ضبط الأمن من خلال أجهزة الشرطة والشرطة العسكرية وازدياد أعداد المنتسبين لتلك الأجهزة وتخريج عدد من الدورات؛ إلا أنها لا تزال غير قادرة على الحد من تلك العمليات ولا تملك القدرة للوصول إلى منفذيها، الأمر الذي يستدعي إعادة هيكلة تلك الأجهزة ورفع مستوى التدريب الخاص بعناصرها ورفدهم بكافة التجهيزات اللوجستية والتقنية التي تساعد في الحد من تلك العمليات، إضافة إلى رفع مستوى التنسيق الأمني بين المناطق المختلفة وتشكيل لجان أمنية مشتركة للتنسيق بين تلك المناطق من جهة، ولإعادة هيكلة آليات التنسيق الأمني بين الجانبين التركي والسوري من جهة أخرى، خاصة مع وجود عوائق إدارية تحول دون الشكل الأمثل لهذا التنسيق، وبالتالي تساهم بشكل مباشر وغير مباشر بتوسيع هامش الخرق الأمني. مقابل كل ذلك، لابد من الدفع لإشراك المجتمع المحليّ والتنسيق مع فعالياته ومؤسساته في هذا الإطار، والسعي لتجسير أي هوة بين تشكيلات قوى الأمن الداخلي والمجتمعات المحلية العاملة ضمنها، بما يسهّل مهمتها ويعزز من حالة الأمن ويرفع المسؤولية بأهميتها للجميع، وبشكل يساهم في تأمين بيئة أمنيّة مناسبة لنشاط المؤسسات المدنية
ولا يُعد تردي الأوضاع الأمنية محلياً ضمن مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، أمراً منفصلاً عن السياق العام للملف السوري وتعقيداته التي ترمي بظلالها محلياً على مختلف المناطق السورية بغض النظر عن القوى المسيطرة، إذ أن حالة الفوضى التي تجلت بصورة الاغتيالات في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، تتكرر بصور وأدوات وكثافة مختلفة ضمن مناطق سيطرة نظام الأسد، وكذلك مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، على الرغم من المركزية الأمنية التي تحكم تلك المناطق، والمفتقدة في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة.
([1]) فيما يتعلق بمصادر التقرير فهي على الشكل التالي: 1) نقاط الرصد الخاصة بوحدة المعلومات في الشمال السوري. 2) التقرير الأمني الخاص الصادر عن مكاتب منظمة "إحسان الإغاثية" في الشمالي السوري. 3) المُعرّفات الرسمية للجهات التي تم استهدافها (الجبهة الوطنية، هيئة تحرير الشام، حراس الدين وغيرها). 4) المُعرّفات والمواقع الرسمية للوكالات ووسائل الإعلام المحليّة التي تقوم بتغطية الأحداث في محافظة إدلب.
[2] )) للاطلاع على التقرير السابق "الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من آب حتى كانون الأول 2019"، راجع الرابط التالي: https://cutt.us/o1fRy
([3]) "نبع السلام" اشتباكان داخليان بين فصائل الجيش الوطني، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 5/7/2020، متوافر على الرابط التالي: http://cutt.us.com/dFIXb6
([4]) ساشا العلو، الهيئة وإعادة تشكيل الفضاء الجهادي...ترتيبات داخلية ورسائل خارجية، ورقة تحليلية صادرة عن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 7/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/Wo1lh
([6] ) تعرضت القوات التركية والروسية منذ تموز الماضي لهجمات عدة في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، تبنتها مجموعتا “كتائب خطاب الشيشاني” و”سرية أنصار أبي بكر الصديق” اللتين لم تكونا معروفتين قبل هذا التاريخ. للمزيد حول تلك المجموعات راجع: مجموعتان مجهولتان تتبنيان استهداف الأتراك والروس في إدلب، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 13 أيلول/سبتمبر 2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/h7tI0
([7]) “قوات تحرير عفرين” هي مجموعة من المقاتلين الكرد، الذين يصفون تجمعهم بــ "حركة مقاومة” عبر شن هجمات تستهدف الجيش التركي و"الجيش الوطني" المدعوم من تركيا في عفرين ومناطق أخرى، كما أن هذه الحركة لا تقول صراحة إنها تابعة لـ "وحدات حماية الشعب" أو "قسد". للمزيد حول طبيعة عمليات تلك الحركة راجع: مجموعة "تحرير عفرين" تتبنى استهداف نقطة تركية بريف حلب، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 13 أيلول/سبتمبر 2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/2f6xU
أجرت جريدة عنب بلدي مقابلة صحفية مع المدير التنفيذي لمركز عمران الدكتور عمار قحف، الذي أوضح فيها أن تغلغل "هيئة تحرير الشام"، يشكّل تهديدًا حقيقيًا على مستقبل محافظة إدلب، وأن بيان (جنيف1) صُممَ بغموض قابل للتأويل.
رابط المصدر: https://wp.me/p2gAZn-1KN2
في إطار تحولاتها التنظيمية التي بدأتها منذ العام 2014، وضمن محاولات التكيّف مع الواقع الحالي الذي فرضه اتفاق موسكو بين روسيا وتركيا في إدلب 5 آذار/مارس 2020؛ تسعى "هيئة تحرير الشام" إلى إعادة تموضعها وفرض نفسها كلاعب رئيسي مجدداً بعد أن تقلصت أدوارها تدريجياً مع انحسار الجغرافيا إثر العمليات العسكرية الأخيرة للنظام وحلفائه، وما قابلها من دخول أعداد كبيرة للجيش التركي وفصائل المعارضة المدعومة منه إلى إدلب، لتزاحم الهيئة على نفوذها.
وضمن هذا الواقع تسعى الهيئة بقيادة الجولاني إلى استثمار وتوظيف عدة ملفات، على رأسها ملف الجهاديين، وخاصة الأجانب، في محاولة لإعادة تشكيل الفضاء الجهادي بشكل يخدم مصالحها، إذ تدرك "هيئة تحرير الشام" أن ملف الجهاديين الأجانب من أعقد الملفات الأمنية وأكثرها حساسية، نتيجة تقاطع المصالح الدولية والإقليمية على رفض وجودهم، وكذلك رفض دولهم استقبالهم لما يمثلوه من خطر عابر للحدود.
ولم تكن سياسات الهيئة خلال الأعوام الفائتة مُرضية للكثير من الجهادين في صفوفها، سواء السوريين أو الأجانب، حيث ساهمت تلك السياسات والتحولات التنظيمية، خاصة التي تلت انفكاك الجولاني عن "تنظيم القاعدة"، بتنفير عدد كبير من الجهاديين الأكثر تشدداً، والذين اتهموا الجولاني بـ"التفريط والتماهي مع التفاهمات الدولية والإقليمية في المنطقة والتفرد بالقرار"، ما أدى إلى انزياحات متوالية داخل بنيتها وتسرب بعض القيادات والجماعات والخروج من عباءة الهيئة كأفراد وتنظيمات، خاصة تلك التي لاتزال ترتبط بتنظيم القاعدة وتعتبره مرجعيتها الجهادية، كتنظيم "حراس الدين".
ولم تكتفي تلك القيادات والتنظيمات بالخروج عن الهيئة والعمل بشكل منفرد، خاصة مع استشعارهم طبيعة التفاهمات الدولية والإقليمية التي تضعهم على أولوياتها، إضافة إلى توجسهم من سياسات الهيئة في سياق تلك التفاهمات، والتي وإن لم تكن خطراً مباشراً حالياً؛ إلا أنها قد تصبح كذلك بعد حين. وفي هذا الإطار اتجهت تلك التنظيمات لإعادة تجميع نفسها في غرفة عمليات جديدة تحت مسمى "فاثبتوا"، وذلك في محاولة لمواجهة انعدام الخيارات وتحسباً لسياسات الهيئة المستقبلية. وضمت تلك الغرفة، بحسب البيان الصادر عنها بتاريخ 12حزيران/يونيو، خمسة فصائل، هي: (تنسيقية الجهاد، لواء المقاتلين الأنصار، جماعة أنصار الدين، جماعة أنصار الإسلام، تنظيم حراس الدين). مشيراً إلى أنّ التشكيل الجديد جاء "دفعاً لصيال المعتدين، وكسراً لمؤامرات المحتلين".
ويتزعم فصيل "تنسيقية الجهاد" القيادي السابق في "هيئة تحرير الشام" أبو العبد أشداء. بينما يتزعم فصيل "لواء المقاتلين الأنصار"، جمال زينية، الملقب بأبو مالك التليّ، والذي أعلن انشقاقه عن الهيئة في إبريل/نيسان الماضي، وظلّ التلي لسنوات أمير "جبهة النصرة" في القلمون الغربي وعضواً في مجلس شورى الهيئة. في حين يتزعم أبو عبد الله الشامي جماعة "أنصار الدين" التي كانت هي الأخرى أعلنت مطلع عام 2018 انفصالها عن "هيئة تحرير الشام" بعد أن كانت أهم الفصائل المنضوية تحتها. بالمقابل يتزعم تنظيم "حراس الدين" سمير حجازي، المعروف بأبو همام الشامي، التنظيم الذي بدأت نواته بانشقاق عدد من المجموعات إثر إعلان "الهيئة" فكّ ارتباطها بـ "تنظيم القاعدة"، ليظهر إلى العلن في أواخر شباط/فبراير عام 2018 وينضم إليه لاحقاً عدة مجموعات متشددة ([1]). وقد انضوى تنظيم "حراس الدين" إضافة إلى باقي التنظيمات والجماعات السابقة في غرفة عمليات "فاثبتوا" التي ضمت عدداً كبيراً من المقاتلين والقياديين المهاجرين إلى جانب الكتلة الأكبر من السوريين، وينتشر مقاتلو التشكيل الجديد في أرياف اللاذقية وإدلب وحماة وحلب.
وبظهور غرفة العمليات الجديدة إلى العلن، وما استتبعتهُ من ردات فعل لـ "هيئة تحرير الشام"؛ تُطرح أسئلة عديدة حول مستقبل التنظيمات الجهادية خارج إطار "تحرير الشام" وأثرها على تموضع الهيئة، مقابل أثر الأخيرة على واقع تلك التنظيمات ومستقبلها. وعليه تسعى هذه الورقة إلى تقديم قراءة تحليلية في موقع "هيئة تحرير الشام" ضمن الفضاء الجهادي في سورية، وطبيعة علاقاتها مع تياراته المختلفة، خاصة الجهاديين الأجانب، وكيفية تعاطيها وإدارتها لهذا الملف وسط المتغيرات التي يشهدها الواقع السوري عموماً والتفاهمات الإقليمية والدولية التي تحكم الشمال بشكل خاص، وذلك لفهم وتحليل سلوك الهيئة في ظل تلك التفاهمات، إضافة إلى استشراف تصوراتها والرهانات المستقبلية لزعيمها.
بالرغم من أن غرفة عمليات "فاثبتوا" ضمن تركيبتها الحالية وما تضم من فصائل ومجموعات لا تبدو مهدداً حقيقياً لـ"هيئة تحرير الشام" على المستوى العسكري، وغير قادرة على تغيير المعادلة الميدانية لصالحها في الشمال الغربي من سورية؛ إلا أنها وبالوقت نفسه قد تُشكّل منافساً للهيئة خاصة ضمن الفضاء الجهادي الذي يسعى الجولاني لاحتكاره وتقديم نفسه كضابط وحيد لهُ، إذ لا يبدو أن "تحرير الشام" تخشى تلك الفصائل منفردة، بقدر ما تخشى تجمعها وتشكيلها لبديل أو مأوى جديد للجماعات الجهادية، خاصة الأجانب منهم، وتحديداً ضمن الظرف الحالي والمستقبلي الذي تستعد فيه الهيئة لإحداث تحولات حادة على مستوى السلوك والتنظيم، يُتوقع أن يحدث خلالها انزياحات جديدة ضمن بنيتها، تلك التي قد يساهم وجود أي تجمُع بديل بتشجيعها.
لذلك، يبدو أن الهيئة وبقدر ما تتجنب صداماً شاملاً مع تلك الفصائل؛ إلا أنها تحرص على إحباط أي محاولة لتجمعها، أو على الأقل المحافظة عليه بشكله الحالي دون توسع، والسعي إلى عزله واستثمار وجوده لصالحها، خاصة ضمن المناخ السياسي الذي يمر به الملف السوري والظروف الخاصة التي يعيشها الشمال. فبقدر ما يبدو تجمع "فاثبتوا" مقلقاً للهيئة؛ إلا أنه ووفق حركيّتها قد يشكل فرصة مهمة للاستثمار، إذ بوجوده يقع التمايز بين مجموعات متطرفة وأكثر تطرفاً، وبين جهادي عابر للحدود وآخر "محلي"، كما أن خروج تلك الكتلة من الأجانب والسوريين يخفف عن الهيئة عبئاً كبيراً في إطار محاولات تعويم نفسها كفصيل محلي دون ارتباطات عابرة للحدود. بل ويعطيها الفرصة لإثبات جدية تلك التحولات عبر التصدي لهم وضبطهم بما يتوافق مع سعيها لتقديم نفسها كضابط أمن المنطقة.
ولم يمضي أسبوع على إعلان تشكيل غرفة عمليات "فاثبتوا"، حتى جاء رد الهيئة بشكل غير مباشر ولافت، إذ لم يأتِ الرد عبر زعيم الهيئة أو مجلس شوراها، وإنما عبر مجموعات الأجانب التي تدور في فلك "تحرير الشام"، والتي أصدرت بتاريخ 18 حزيران/ يونيو، بياناً تحت عنوان "شكر وتأييد" أعلنوا خلاله: "دعمهم لـلهيئة وسياستها في المنطقة، مؤكدين "أنهم مع ما يقررونه السوريون من طريقة لسياسة البلد"، ومطالبين بـ "لزوم الجماعة، ونبذ الفرقة، ورص الصفوف لصد العدو"([2]). بشكل يشير إلى رفض غرفة العمليات الجديدة والانحياز إلى صف الهيئة في أي تطورات لاحقة.
ولعل تعمُّد الهيئة تصدير البيان باسم المهاجرين لم يكن اعتباطياً، وإنما جاء من ناحية في إطار الرد على مجموعات الأجانب بالجهة الأخرى ضمن إطار احتكار ورقة الجهاد والحفاظ بالحد الأدنى على "الشرعية الجهادية". ومن ناحية أخرى، يبدو أن الهيئة تلوّح عبر هذا البيان بورقة السيطرة والقدرة على ضبط الجهاد العابر للحدود وتحركات المجموعات الأجنبية ضمن صفوفها، والتي أكدت أنها "تخضع للقرار السوري ضمن الهيئة". ولكن من يتتبع الأفراد والمجموعات الموقعة على البيان، سيجد أنها تنقسم إلى قسمين؛ إما مجموعات ذات فاعلية محدودة، أو أُخرى ذات ثقل وفاعلية أوسع لكنها مضبوطة من قبل قوى إقليمية ضمن سياسات الهيئة، كالحزب الإسلامي التركستاني، والذي أكد الجولاني خلال مقابلته مع "مجموعة الأزمات الدولية" أنه "يلتزم بسياسات الهيئة"، فبحسب الجولاني، "لم يشكل الحزب أبداً تهديداً للعالم الخارجي، وهو ملتزم فقط بالدفاع عن إدلب ضد هجوم النظام، معتبراً أن "مقاتلي الحزب ليس لديهم أي مكان آخر يذهبون إليه، لذلك هم مرحب بهم هنا طالما أنهم يلتزمون بقواعدنا، وهو ما يفعلونه" ([3]).
ومع ظهور تجمع "فاثبتوا" مقابل صدور بيان المهاجرين المؤيد للهيئة، يعيد الجولاني تشكيل الفضاء الجهادي أو ما تبقى منه في سورية، عبر تقسيمه وكتلة الأجانب ضمنه إلى طرفين؛ تختلف طبيعة علاقة الهيئة مع كل منهما كما تختلف الأدوات. فالأول: يتمثل بغرفة عمليات "فاثبتوا" والتي باتت تحوي إضافة إلى السوريين مجموعات جهاديين أجانب تجمعهم عدة قواسم مشتركة، ويطغى على بعضهم الارتباط التنظيمي بالقاعدة "كحراس الدين"، وعلى بعضهم الآخر نفس القاعدة، إضافة إلى كونهم معارضين لسياسات الهيئة وأدائها الإداري والعسكري والأمني، ناهيك عن رفضهم اتفاقات "سوتشي" و"أستانا" وما تبعهما من تفاهمات روسية-تركية في المنطقة. وتعد طبيعة العلاقة بينها وبين "تحرير الشام" علاقة قلقة وحذرة ومتوترة، خاصة مع تنظيم "حراس الدين"، الذي يمثّل الثقل الحقيقي ضمن هذا التجمع، والذي اصطدم مع الهيئة سابقاً في اشتباكات متقطعة ([4]).
ولم تكتفي الهيئة بالبيانات للرد على تشكيل الغرفة الجديدة، ففي يوم صدور بيان المهاجرين المؤيد للهيئة قامت أمنيتها باعتقال سراج الدين مختاروف، المعروف بـأبو صلاح الأوزبكي، والذي ينضوي تحت "جماعة أنصار الدين" المنضوية تحت تجمع "فاثبتوا"، والمطلوب للانتربول الدولي ويعتبر العقل المدبّر لهجوم مترو "سان بطرسبرغ" في روسيا بتاريخ 3 من نيسان/أبريل 2017، ليتلوه بأربعة أيام 22 حزيران/يونيو اعتقال أبو مالك التليّ، والذي بررت الهيئة اعتقاله بـ"إثارة البلبلة والتشجيع على التمرد ومحاولات شق الصف وتمزيق الممزق"، عبر تشكيله لفصيل جديد وانضمامه لغرفة عمليات "فاثبتوا"([5]). وبعد احتجاز التليّ بيوم واحد، قامت الهيئة أيضاً باعتقال توقير شريف، المعروف بأبو حسام البريطاني، والمشرف على كثير من الأنشطة الإغاثية في مخيمات أطمة بريف إدلب الشمالي ([6]).
وربما اللافت أكثر، أن تلك الاعتقالات سبقها بأيام اغتيال قياديين في فصيل "حراس الدين"، وهما أبو القسام الأردني، وبلال الصنعاني، عبر قصف جوي استهدف سيارتهما 14حزيران/يونيو من قبل طائرة مسيرة يرجح أنها أمريكية ([7])، العملية التي جاءت بعد يومين فقط من إعلان تشكيل فرغة عمليات "فاثبتوا" والتي انضوى ضمنها الأردني والصنعاني.
وعلى الرغم من نعيهما من قبل عضو مجلس شورى "تحرير الشام"، المصري يحيى بن طاهر الفرغلي (أبو الفتح) بشكل منفرد وليس رسمي باسم الهيئة ([8])؛ إلا أن تزامن الاعتقالات على الأرض والقصف من السماء أثار تساؤلات وإشارات استفهام عدة حول التناغم الغريب بين تحركات التحالف الدولي في السماء والاعتقالات التي نفذتها الهيئة على الأرض!، خاصة وأن استهداف التحالف تكرر وسط الاعتقالات التي تشنها الهيئة، ليعود وينفذ في 24 حزيران/يونيو غارة جوية استهدفت سيارة مسؤول الآليات في تنظيم "حراس الدين" أبو عدنان الحمصي، في ريف إدلب الشرقي، ما أدى إلى مقتله([9]).
ويبدو أن توتر العلاقة بين الهيئة ومكونات هذا التشكيل قد تتجاوز الاعتقالات إلى الضلوع والتورط بعمليات اغتيالات ضمن صفوف تلك المجموعات، وفقاً لاتهامات بعض الأطراف الجهادية، والتي تستند إلى مؤشرات غير مباشرة، على رأسها أن أغلب عمليات الاغتيال التي ينفذها التحالف الدولي ضد قيادات تلك المجموعات تتم في مناطق سيطرة الهيئة الأمنية، كالاغتيال الأخير لقادة "حراس الدين" في مدينة إدلب، إضافة إلى استثناء قصف التحالف والولايات المتحدة لمقرات وقيادات الهيئة والتركيز على "الحراس" بالرغم من تصنيف الجهتين كمنضمات إرهابية، بل وتراجع حدة التصريحات الأمريكية التي تدين الهيئة خلال الأشهر الفائتة، خاصة بعد التصريح اللافت للمبعوث الخاص بواشنطن إلى سورية، جيمس جيفري، في تاريخ 5 شباط/فبراير 2020، والذي أوضح خلاله أن "الهيئة ركزت على محاربة نظام الأسد، كما أعلنت عن نفسها، -ولم نقبل بهذا الادعاء بعد -، بأنها تمثل مجموعة معارضة وطنية تضم مقاتلين وليس إرهابيين، كما أننا لم نشهد لهم مثلاً أي تهديدات على المستوى الدولي منذ زمن"([10]) .
إضافة إلى تلك المؤشرات، مثّل الظهور العلني والمتكرر للجولاني في الشمال مجالاً للتساؤل حول الحسابات الأمنية لهذا الظهور، تحديداً في الوقت الذي تتحرك فيه قيادات تلك المجموعات بشكل سري وحذر. كما اتهم بيان من قبل غرفة عمليات "فاثبتوا" الهيئة بتزامن اعتقال قياداتها مع تطبيق بنود التفاهمات الدولية، ملمّحة إلى تنسيق بين الهيئة وقوى إقليمية ودولية ([11])، خاصة وأن الجولاني ألمح لعرض حول هذا التنسيق خلال مقابلته مع "مجموعة الأزمات الدولية"، مؤكداً "حرصه على عدم تحول سورية إلى نقطة انطلاق لعمليات خارج الحدود، وإلى ضبط الفصائل الجهادية التي تحمل هذا التوجه".
ويمكن القول؛ إن الهيئة وخلال سعيها لإحباط تجمع (فاثبتوا)؛ فإنها تنظر إليه كمجال استثمار لصالحها ومدخل للتنسيق الدولي والإقليمي، ومجالاً للتمايز وإثبات تحولاتها، وتعد العلاقة بين الطرفين قلقة ومتوترة ومرشحة للانفجار بشكل أكبر مستقبلاً، خاصة بعد الاستنفار الأمني ضمن غرفة عمليات "فاثبتوا" إثر اعتقال قياداتها، والذي تحول إلى اشتباكات متقطعة بين الهيئة وتنظيم "حراس الدين" غرب إدلب، ليتلوه مداهمة الهيئة لمقرات "جبهة أنصار الدين" بريف إدلب الشمالي، عقب اشتباكات بين الجهتين ([12])، والتي انتهت بإعلان اتفاقين متتالين للتهدئة وقع عليهما الطرفان ("فاثبتوا"، الهيئة)، واقتضى الأول وقف الاقتتال ورفع الحواجز والاحتكام لقضاء شرعي، بينما خُصصت تفاصيل الثاني لإيقاف الاقتتال في قرية "عرب سعيد"، واستطاعت الهيئة من خلاله فرض شروطها بأن "يحال بعض المدعى عليهم من قبل الهيئة إلى قضاء التركستان وأن يغلق مقر "حراس الدين" في "عرب سعيد" ويتعهدوا بعدم إقامة حواجز في القرية"([13]). وبالرغم من تلك التهدئة المؤقتة والمحدودة؛ إلا أن أسباب الصراع لاتزال قائمة ومرشحة للانفجار بأي لحظة.
أما بالنسبة للكتلة الثانية من الأجانب الموقعة على بيان الـ "شكر وتأييد"، والتي تدور إلى الآن في فلك "هيئة تحرير الشام" كفصائل ومجموعات من جنسيات مختلفة، فتعد العلاقة بينها وبين الهيئة حتى الآن علاقة احتواء ومصلحة تنظيمية متبادلة، ففي الوقت الذي تنظر فيه تلك المجموعات إلى الهيئة كحامل محلي وكغطاء جهادي عسكري في ظل فوضى الشمال، وتتقاطع مع سياساتها في الفترة الحالية وتخضع لتصوراتها؛ فإن الهيئة بالمقابل، ترى تلك المجموعات أيضاً مجال استثمار لصالحها، سواء لناحية توظيف قوتها ضمن معاركها، أو لناحية الاحتفاظ بها وضبطها والتلويح بها كورقة في إطار تصدير نفسها كضابط أمن للمنطقة وللجهاديين ضمنها.
وما بين تلك الكتلتين للجهاديين الأجانب، يتفرق بعض المهاجرين كأفراد بين مجموعات عسكرية مختلفة لكن دون وزن أو عدد يذكر، كما أن البعض اعتزل القتال ولايزال داخل سورية يعيش حياة مدنية، مقابل العديد الذين غادروا الأراضي السورية بشكل غير شرعي أو قضوا خلال المعارك، لتبقى الكتلة الرئيسية من الجهاديين الأجانب على اختلاف جنسياتهم مقسومة بين الطرفين المذكورين سابقاً، واللذين يسعى الجولاني و"تحرير الشام" إلى استثمارهما بطرق وأدوات مختلفة، في إطار سعي الهيئة لإدارة الفضاء الجهادي لصالحها ووفق تصوراتها وسياساتها العسكرية والأمنية والإدارية.
فقد باتت "تحرير الشام" تفرض شروط ومحددات النادي الجهادي في الشمال الغربي من سورية، والتي لا تنطبق فقط على من هم ضمن صفوفها، وإنما تتعداها لمن يفكر بالخروج عنها، فقد أصدرت الهيئة بياناً إثر اعتقالها لأبو مالك التليّ، حددت خلاله شروط أمام القادة والعناصر الراغبين بالانشقاق عنها، والتي تمثلت بـ"عدم الانشقاق بشكل فوري قبل مراجعة "لجنة الإشراف والمتابعة العليا" حصراً، من أجل "إبراء الذمة"، كما حظرت على المنشقين "تشكيل تجمع أو فصيل مهما كانت الأسباب، أو الانتماء لأي تشكيل أو فصيل موجود في الساحة قبل مراجعة "لجنة الإشراف والمتابعة العليا". لافتة إلى أن "المخالف لتلك الشروط سيتعرض للمساءلة والمحاسبة" ([14]).
بالرغم مما يوحي به استثمار "هيئة تحرير الشام" في الملفات (الجهادي، الإداري، الأمني، الاقتصادي) من قوة وقدرة على إدارة وضبط عدة ملفات ومرونة في التعاطي مع الظرف السياسي القائم وتوظيفه لصالحها؛ إلا أنه وبالوقت ذاته يعكس في عمقه حالة من التخبط والضعف، خاصة وأنه يأتي في سياق تحولات تنظيمية تكتيكية لا تمت بأي صلة للأيديولوجيا ومراجعاتها، وضمن سياق رهانات مستقبلية غير مضمونة النتائج. ففي الوقت الذي تحقق فيه الهيئة مكاسب شكليّة؛ إلا أنها وخلال تلك التحولات تفقد بعض أوراقها تدريجياً.
فعلى المستوى العسكري، انحسر نفوذ الهيئة بشكل كبير بعد العمليات الأخيرة التي قادها النظام وحلفائه على أرياف حلب وإدلب، كما أن خروج أفراد ومجموعات (أجانب/سوريين) متشددة وعابرة للحدود من صفوف الهيئة، وبقدر ما يمثل عاملاً مساهماً في تعويمها كقوى محلية؛ إلا أنه وبالوقت نفسه يعد ضعفاً على المستوى التنظيمي، خاصة مع تحول تلك المجموعات إلى عدو محتمل في الساحة. ناهيك عن الدخول التركي الذي زاحم الهيئة على مناطق نفوذها، إضافة إلى عبور مجموعات مختلفة من "الجيش الوطني" و"الجبهة الوطنية للتحرير" إلى تلك المناطق.
أما على مستوى العلاقة مع المجتمع المحلي وما تعتبره الهيئة "حاضنة شعبية"، فتشهد منذ فترة طويلة تراجعاً حاداً يمكن قياسه بعدة مؤشرات، خاصة وأن تلك "الحاضنة" المفترضة كانت تعتمد في وجودها على عامل الأداء القتالي للهيئة ضد النظام والتعويل على أي قوى في الحماية من هجماته، الأداء الذي تشير المعارك الأخيرة إلى تراجعه بشكل لافت، خاصة وسط الحملة العسكرية التي سيطر خلالها النظام على الطرق الدولية (M4،M5) وما تخللها من انسحابات مفاجئة للهيئة، وما سبقها من معارك ريف حماة الشمالي.
إضافة إلى أن عامل "حماية المدنيين" في الشمال، بات يرتبط بشكل مباشر بالوجود التركي على الأرض والفصائل المدعومة منه، وليس بالهيئة. ناهيك عن سلوك "تحرير الشام" في القمع والانتهاكات المتكررة بحق المدنيين، والتي ليس آخرها قمع الاعتصامات والمظاهرات والتعدي على الإعلاميين، إضافة إلى ملفات الاغتيالات والمعتقلين والمختفين قسرياً لديها والفساد المالي وغيرها العديد من الانتهاكات، والتي بات يعكسها المزاج الشعبي في إدلب من خلال المظاهرات والشعارات التي ترفع ضد الهيئة وزعيمها من قبل شرائح وفعاليات مختلفة ([15]). خاصة بعد توسع هيمنة الهيئة على مختلف قطاعات الحياة في الشمال السوري.
إذ لا يبدو سعي الهيئة مقتصراً فقط على احتكار الفضاء الجهادي، وإنما تقوم بالتوازي مع تحركاتها في الجانب العسكري والأمني، بمحاولات احتكار للملفين الإداري والاقتصادي أيضاً، عبر فرض حكومة الإنقاذ كطرف متحكّم ومنع تشكيل أي تجمعات تنافسه أو تستثنيه. وفي هذا الإطار منعت "هيئة تحرير الشام" تأسيس اتحاد عام للنقابات والاتحادات العامة في الشمال السوري، بعد مقاطعتها وإفشالها للاجتماع الذي دعت إليه أكثر من 12 نقابة في إدلب وحلب بتاريخ 22 حزيران/يونيو، من أجل تشكيل اتحاد يضم النقابات كافة في المنطقة. يترافق ذلك مع توسع الشبكات الاقتصادية للهيئة بطريقة معقدة، تبدأ من المعابر التجارية التي تسيطر عليها، وصولاً إلى نفوذ كبير في الشؤون المدنية والخدمية عبر حكومة الإنقاذ ([16]).
بالمقابل، تدرك الهيئة أن تراجع أولوية الجبهات العسكرية بالنسبة لها لصالح الضبط الأمني والسيطرة الإدارية والاقتصادية، سيكون له انعكاسه وأثره على المجتمع المحلي و"الحاضنة"، وفي هذا الإطار يبدو أنها تسعى إلى محاولات تعويض هذا النقص عبر الظهور المتكرر لزعيمها الجولاني خلال الأشهر الفائتة وتواصله مع الفعاليات المدنية والاجتماعية، والذي بدى أقرب لظهور مرشحي الانتخابات، إضافة إلى تصدير حكومة الإنقاذ كمسؤول مباشر عن إدارة المنطقة واقتصادها ([17]).
وربما يكون هذا السلوك الإعلامي مفيداً على المدى القريب، لكنه وعلى المدى البعيد قد يعطي نتائج عكسية، إذ إن الهيئة كفصيل عسكري كانت مسؤولة عن الجبهات، وردات فعل المدنيين كانت مرتبطة بتلك الجبهات، بينما اليوم تحاول الهيئة ومن أمامها حكومة الإنقاذ تصدير نفسها كمسؤول عن كل شيء في إدلب، وذلك في ظل ظرف اقتصادي متردي وظروف أمنية متوترة، الأمر الذي سيجعلها مسؤولة عن كل الأخطاء التي تفوق الإمكانات، ما قد يشير مستقبلاً إلى زيادة حنق المدنيين في مناطق نفوذها.
ولا تبدو الهيئة خلال الفترة الحالية معنية بالمدنيين، إلا كورقة بيدها، بقدر ما تبدو معنية بالعبور والنجاة بالتنظيم من هذه المرحلة الحساسة واستثمار كل الوسائل في الحفاظ عليه وتمكينه وعزل المنافسين، عبر فرض نفسها كقوة أمر واقع. وبطبيعة الحال، فإن أي قوة أمر واقع لا تعتمد على شرعية داخلية حقيقية، بقدر ما تفرضها بقوة ذاتية (تغلُّب) أو بدعم وغطاء خارجي. وفي هذا الإطار تنظر "هيئة تحرير الشام" إلى الملفات (الإداري، الأمني، الاقتصادي) في إدلب كأوراق قوة على المستوى الداخلي، تفرضها كرقم يصعب تجاوزه على مستوى مستقبل حوكمة المنطقة، بينما تنظر إلى ملف الجهاديين، خاصة الأجانب، كأحد أهم المداخل للتنسيق الخارجي، ضمن محاولة لفرض نفسها عبر كل تلك الملفات كقوة أمر واقع ليس فقط على المنطقة ومدنييها، وإنما على الاتفاقات والتفاهمات الإقليمية والدولية التي ستحدد مستقبل المنطقة.
ومن خلال هذا السلوك، يمكن القول إن "هيئة تحرير الشام" تراهن في المدى القريب؛ على كسب الوقت والتراجع درجة أو أكثر على سلم أولويات المجتمع الدولي لصالح صعود الجماعات الجهادية في الطرف الآخر، وفرض نفسها كجزء من التفاهمات في المنطقة، وتجنب معركة استئصال شاملة عليها. ليبقى السؤال الأهم، على ماذا تراهن الهيئة والجولاني في المدى البعيد؟ وربما تصعب الإجابة على هذا السؤال حتى داخل صفوف الهيئة ومجلس شوراها، لكن يمكن استنتاج إجابة أوليّة من خلال سلوك الهيئة وزعيمها، والذي بدا أقرب إلى محاولة استنساخ نموذج "حركة طالبان" لناحية صراعها كقوة جهادية محليّة مع القاعدة كتنظيم عالمي، وانفتاحها على المفاوضات مع الولايات المتحدة، وفرض نفسها كطرف رئيس ضمن التسوية السياسية في أفغانستان.
وبالرغم من وجود قواسم مشتركة بين التجربتين في مخيال الهيئة، إلا أن خصوصية الواقع السوري وموقع سورية الأمني في المنطقة والإقليم وتعدد واختلاف اللاعبين الإقليميين والدوليين وكذلك البيئات؛ يفرض تناقضات أكبر بكثير من المشتركات بين التجربتين. كما أن انفتاح قوى إقليمية ودولية على الهيئة وفقاً لتقاطع مصالح مرحلي؛ لا يعني أبداً إمكانية تعويمها مستقبلاً، بقدر ما يشير إلى توظيف واستثمار لقيادة براغماتية تبدي مرونة عالية، مقابل استغلال الأخيرة للظرف القائم والهواجس الأمنية للاعبين الإقليميين والدوليين، وذلك ضمن معادلة تبادل مصالح قد تضمن للهيئة مكاسب في المدى القريب، ولكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك على المدى البعيد.
ختاماً، لا يمكن النظر إلى استثمار "هيئة تحرير الشام" في الفضاء الجهادي كسلوك أو استراتيجية جديدة، وإنما يمكن اعتباره حلقة من سلسلة بدأت منذ وجود "جبهة النصرة" في سورية بعد انفصالها عن تنظيم "الدولة الإسلامية"، ومبايعة "تنظيم القاعدة" (الهروب من الفرع إلى الأصل) ومن ثم إزاحة هذا العبء وفك الارتباط عنها والتخلص من تركتها الثقيلة، والتحول من "جبهة النصرة" العابرة للحدود إلى "جبهة فتح الشام" ذات البعد المحلي. ومن ثم تأسيس "هيئة تحرير الشام" والتخلص من أكبر قدر من العنصر الأجنبي والمحلي الذي لم ترضه تلك التحولات،
وخلال تلك التحولات التنظيمية، تجاوزت الهيئة مفهوم السيطرة والدور العسكري فقط، إلى محاولات توسيع النفوذ على عدة مستويات في إطار إطباق السيطرة على إدارة مناطق المعارضة، سواء عبر التغلغل في الإدارة المحلية وتأسيس حكومة الإنقاذ ومحاولة السيطرة على المجالس المحلية، أو على المستوى الاقتصادي عبر السيطرة على المعابر والطرقات الرئيسية والموارد الاقتصادية من خلال شبكاتها، أو على المستوى العسكري والأمني عبر استراتيجية إنهاء الفصائل وابتلاعها والتمدد بالهيمنة والنفوذ، والتي تعيد الهيئة استنساخها اليوم في الفضاء الجهادي.
وقد مثّلت تلك التحولات والانتقالات استثماراً للفضاء الجهادي بحسب ظرف كل مرحلة ومعطياتها. وخلال كل التحولات يبدو أن الهيئة باتت تعاني من قلق هويّة حقيقي، أشبه بذاك الذي وقعت فيه "حركة أحرار الشام" قبلها، والذي يتمثل بمحاولات التمايز والقطيعة مع الفضاء الجهادي العالمي، ولكن وبالوقت نفسه عدم التحول إلى قوة محليّة حقيقية. والمراوحة في برزخ لا هويّة له. الأمر الذي سيترك أثره على الإعداد العقائدي للعناصر وينعكس بشكل إرباك على مستوى التنظيم. ولعل اللافت في كل تلك التحولات أن الثابت الوحيد خلالها هو شخصية الجولاني، والتي باتت تمثل ذاكرة مشتركة وقاسماً مشتركاً بين تلك الانتقالات، لذلك فإن أي تصدير لنسخة جديدة من "هيئة تحرير الشام" ربما يستدعي مسح تلك الذاكرة وقطع الخيط الواصل بين كل تلك المراحل.
([1]) فاثبتوا" والمتمردون على "النصرة": استباقاً للمعركة أو ذريعة لها؟، الموقع الإلكتروني لصحيفة العربي الجديد، 14/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/nmNdA
([2]) وقد وقّع على البيان كل من: (الحزب الإسلامي التركستاني، جماعة التوحيد والجهاد (الأوزبك)، جيش المهاجرين والأنصار (قوقاز)، شام الإسلامية (المغاربة)، جزراوية الهيئة (بلاد الحرمين)، جماعة الطاجيك، حركة مهاجري أهل السنة من إيران، جماعة الألبان، جماعة المالديف). كما وقّع عدد من الأشخاص على البيان، وهم: أبو الحارث المصري، أبو معاذ المصري، أبو الفتح الفرغلي، مختار التركي، أبو حسين الأردني، أبو هاجر التونسي، أبو زيد الجزائري، أبو الوليد المطبري (الكويتي)، أبو قتادة الألباني. للمزيد راجع: مقاتلون مهاجرون في إدلب يؤيدون تولي “تحرير الشام” إدارة المنطقة، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 18/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/w0lKk
([3]) للاطلاع أكثر حول مقابلة زعيم هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، مع مجموعة الأزمات الدولية، 20/2/2020، راجع الرابط التالي: https://cutt.us/dYb5p
([4])اشتباكات وخلافات جديدة بين "تحرير الشام" و"حراس الدين"، أخبار الآن، 18/5/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/Fl9YZ
([5]) ثلاثة تحركات..."تحرير الشام" تصعّد ضد التيار المتشدد في إدلب، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 22/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/EOxg8
([6]) تضاربت أسباب اعتقال توقير شريف، المعروف بأبو حسام البريطاني، بين تضامنه مع معتقلي تجمع "فاثبتوا"، وبين رفضه تسليم "هيئة تحرير الشام" قسماً من المساعدات الإنسانية التي تصله من أجل مساعدة المحتاجين والنازحين، حيث تفرض الهيئة على الجمعيات الإغاثية والمنظمات الإنسانية دفع 4 بالمئة لصالحها من المساعدات التي تصل إلى الشمال السوري. للمزيد راجع: بعد "التليّ" هيئة "تحرير الشام" تعتقل "أبو حسام البريطاني" في إدلب، موقع بلدي نيوز، 23/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/Uxk9r
([7]) بضربة من طائرة مجهولة...مقتل قياديين مرتبطين بالقاعدة في سورية، الموقع الإلكتروني لقناة الحرة، 14/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/gQrQk
([8]) الجولاني لم يعلّق...شخصيات في تحرير الشام تعزي "حراس الدين" بمقتل الصنعاني والأردني، صحيفة جسر الإلكترونية، 18/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/P0d17
([9]) التحالف الدولي يقصف مجدداً في إدلب، السورية نت، 24/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/8oyGx
([10]) جيفري يشرح سياسة بلاده في سورية ويقدم وصفاً مفاجئاً لهيئة "تحرير الشام"، الموقع الإلكتروني لتلفزيون سوريا، 5/2/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/Yj6tp
([11]): غرفة عمليات "فاثبتوا" تطالب "تحرير الشام" بإطلاق سراح "التلي" فوراً، 23/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/Jp3Fe
([12]) تجدد الاقتتال بين "تحرير الشام" وغرفة عمليات "فاثبتوا" غرب مدينة إدلب، المرصد السوري لحقوق الإنسان، 24/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/2pzkS
([13]) اتفاق ثانٍ لـ"تحرير الشام" مع "قاثبتوا": وقف النار وإغلاق مقرات للـ"الحراس"، السورية نت، 26/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/aFPG9
([14]) "تحرير الشام" تحدد شروطاً أمام الراغبين بالانشقاق عنها، السورية نت، 22/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/1AQ3r
([15]) "تحرير الشام"...تثبيت وجود أم لفظ أنفاس، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 17/5/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/AxZu3
([16]) خلال اجتماع لتأسيس اتحاد عام للنقابات والاتحادات العامة في الشمال السوري، دخل خلال الاجتماع أحد أمنيين "الهيئة" وطلب فضه ومنع تشكيل الاتحاد، ليعتذر عقب ذلك أحد المسؤولين عن عدم إتمام الاجتماع بسبب وجود دورية أمنية لـلهيئة خارج المقر متخوفاً من اقتحامه. للمزيد راجع: "تحرير الشام" تمنع تشكيل اتحاد عام للنقابات في الشمال السوري، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 22/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/3zOOM
([17]) مراقبون يحللون الظهور المتكرر لزعيم "هيئة تحرير الشام" في إدلب، صحيفة القدس العربي، 10/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/uFQOz