بتاريخ 07 تشرين الثاني 2021، عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية جلسة نقاشية بعنوان (سورية بين التاريخ والمستقبل) قدمها الدكتور ياسر العيتي، في مدينة غازي عنتاب - تركيا، حضرها عدد من الناشطين والفاعلين في المجتمع المدني.
استعرضت الجلسة في محورها الأول أبرز التشوهات السياسية في تاريخ سورية الحديث، كما ركز المحور الثاني على الثورة السورية باعتبارها نقطة تحول في تاريخ سورية الحديث يبدأ التغيير منها ولا ينتهي عندها، فيما ناقش المحور الثالث الرؤى المستقبلية المستندة على المقومات الطبيعية والبشرية في سورية من أجل بناء المستقبل السوري.
مرَّ على سورية خلال عشر سنوات، شهدت خلالها حضور أربعة مبعوثين أمميين، تأمل السوريون أن يُساهموا بشكل أو بآخر في إنهاء مأساتهم، لكن جملة ظروف، دولية في غالبها، شلّت مهامهم، فلم يستطيعوا تحقيق أي اختراق يمكن أن يساعد في وقف الحرب وإحداث تغيير سياسي في سورية، وكانت فترة خدمة بعضهم فترة ثقيلة على السوريين، ومًثقلة بالخسائر البشرية، والتهجير والنزوح، وساهم بعضهم عبر استراتيجياته وسياساته بالتسبب بخسائر مفصلية للمعارضة السورية المسلحة، كما ساند بعضهم الأسد بشكل غير مباشر بعدم جرأته على الكلام عن جرائم النظام الكبرى، وجميعهم أشبعوا السوريين بالوعود الخلّبية، التي لم يتحقق منها شيئاً، لكن، جميعهم ارتكب أخطاءً كبيرة، ما كان يجب أن يرتكبها مُخضرمون لهم باع في حل الأزمات الدولية.
حقّق المبعوثون الأمميون إلى سورية سلاسل متتالية من الفشل، ولم يكن هذا الفشل شخصياً فقط، وإنما هو فشل للأمم المتحدة بشكل أساس، فشلها في إحراز أي تقدم ملموس في الملف السوري، وفشلها في إيقاف المقتلة وإيجاد حل سياسي، وفشلها في فرض قرارات يمكنها الحد من مستوى عنف النظام وداعميه، وتسبب هذا الفشل في وصف المبعوثين الدوليين من قبل المعارضة السورية بأنهم غير موضوعيين، أو متماهين مع النظام، أو مستهترين يحاولون كسب الوقت، ويقفون متفرجين على الصراع دون أن يستطيعوا قول كلمة حق واحدة بأن النظام السوري ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري.
لاشك أن الدبلوماسي الغاني كوفي أنان، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، كان أفضل المبعوثين الدوليين إلى سورية، لأنه دفع نحو مبدأ الحل الواجب تنفيذه في سورية، وعقد مؤتمر جنيف 1، في 30 حزيران/ يونيو 2012، والذي وضع مبادئ وخطوط توجيهية لإنهاء الحرب والقيام بعملية انتقالية سياسية “تُلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري”، وأقرّ إقامة هيئة حكم انتقالية تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية وتمارس كامل السلطات التنفيذية، كما مهّد لاجتماع جنيف 2، في 22 كانون الثاني/ يناير 2014، والذي جمع النظام السوري مع المعارضة لمناقشة إمكانية تشكيل الحكومة الانتقالية ذات الصلاحيات التنفيذية الكاملة.
وقبل ذلك، وتحديداً في آذار/ مارس 2012، وضع كوفي أنان، المبعوث الأممي الأول إلى سورية، خطّة لإنهاء الحرب في سورية، لا تشتمل على دعوة الأسد للتنحي، وتألفت من ستة نقاط، أهمها: بدء عملية سياسية شاملة يقودها السوريون، ووقف جميع أعمال العنف المسلح، وتطبيق هدنة يومية للسماح بإدخال المساعدات، والإفراج عن المعتقلين على خلفية نشاطات سياسية سلمية، وضمان حرية الصحافة، وحرية تكوين المؤسسات، والحق بالتظاهر السلمي.
لكن أنان لم يكن معصوماً عن الخطأ، فقد ترك خطته تعتمد على تطوع النظام السوري وحسن نيّته، لسحب الجيش ووقف العنف وإيصال المساعدات وبدء الحوار، وكانت عملياً مجموعة مبادئ مبهمة وصيغة لإدارة الصراع لا لإنهائه.
رغم أن أنان هو الأكثر جدية وصرامة ووضوحاً بين المبعوثين الأممين إلى سورية، وأكثرهم خبرة وربما حسّاً إنسانياً، إلا أنه أخطأ حين وضع خطة ولم يحدد فيها آلية سحب الجيش من المدن، ومن سيحل محلها، ولا آلية نزع سلاح المعارضة، كما أنها لم تحدد جدولاً زمنياً لذلك ولبدء الحل السياسي، وتضع الحكومة السورية شروطاً حول جنسية المبعوثين وعددهم والتجهيزات التي لديهم وصلاحيتهم ومن سيحميهم، وحدود المناطق التي سيقومون بمراقبتها، كما لم يحدد في خطته وقتاً واضحاً للإفراج عن المعتقلين والكشف عن مصير المختفين.
الأخضر الإبراهيمي، الذي وًصف بأنه واحد من أكثر المبعوثين الدوليين إلى سورية عقلانية وواقعية، اقترح عام 2012، وتحديداً بعد مرور شهرين من استلامه مهامه، هدنة بين الأطراف المتصارعة في سورية خلال أيام عيد الأضحى بشكل مؤقت، في وقت كان النظام السوري يدكّ المدن السورية في حملته الحربية ضد المعارضة الثورية المسلحة، ويُدمّر البنى التحتية في كافة المدن السورية.
لكن السيء فيما اقترحه الإبراهيمي، هو تأكيده على أن تُطبق هذه الهدنة “ذاتياً” دون مراقبة، حين وجه نداءً للسوريين أنفسهم لكي يوقفوا القتال وأن يلتزموا بالهدنة بأنفسهم، وهو يُدرك تماماً، وفق تصريحات لاحقة، أن النظام السوري لا يمكن أن يقبل بهدنة ويطبقها ذاتياً، وأنه مستمر في حلّه الحربي حتى النهاية.
أخطأ الإبراهيمي، صاحب الثمانين عاماً، حين اقترح هذا الاقتراح، أو أنه استخف بالقضية السورية، وهو الذي أعلن مراراً أن الأزمة في سورية خطيرة ومتفاقمة، ووصف مهمته بأنها صعبة و” شبه مستحيلة”، واعترف بأنه لن يستطيع تنفيذ مهمته في سورية دون دعم وإجماع من مجلس الأمن الدولي، فما باله بوقف إطلاق نار طوعي من نظام لا يريد أن يوقف الحرب حتى يقضي على آخر معارض في سورية؟
حتى المبعوث الأممي السابق له كوفي أنان، لم يقترح مثل هذا الاقتراح غير الواقعي، فقد اقترح هدنة ضمن خطة أوسع، وأرسل 300 مراقب من القوة الدولية لمراقبتها، قبل أن يُعلن فشلها الذريع في وقف العنف.
صحيح أنه طلب قوات أممية مسلحة رمزية للمراقبة، لكنّه على الأقل لم يتركها لوجدان النظام السوري فقط، وفشل هذه الخطوة دفعه للتفكير بترك المهمة نهائياً لأنه لا إرادة سياسية للقيام بنقل السلطة من الأسد إلى حكومة انتقالية تلتزم بجدول زمني للقيام بانتخابات نزيهة وحرة كما كان مطلوباً بخطته.
الخطأ الثاني الذي ارتكبه المبعوث الأممي والعربي المشترك لسورية الأخضر الإبراهيمي، هو وصفه ما يجري في سورية بأنه “حرب أهلية”، ولم يُشر نهائياً في تصريحاته إلى وجود ثورة في سورية ذات طابع سياسي، طرفها الأول النظام وقواته العسكرية والأمنية الجرارة، وطرفها الثاني السوريين بكافة طوائفهم ومذاهبهم ومن مختلف المناطق الجغرافية، وخلال مؤتمر صحفي في موسكو مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2012، قال الإبراهيمي “إذا لم تكن هذه حرباً أهلية، فلا أدري ما هي الحرب الأهلية”، وبهذا التوصيف السطحي ساوى بين الضحية والجلاد، وظهر كمن يريد أن يُنقذ النظام السوري بمثل هذا التوصيف الذي يمكن أن يغيّر الموقف الدولي مما يجري في سورية.
صحيح أن وصف الإبراهيمي لما يجري في سورية ليس وصفاً مُلزماً لأحد، إلا أنه تجاهل كلياً الوصف الدقيق لما جرى في سورية من جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ارتكبها النظام وأركانها متوفرة وموثقة. والسمة الأساسية لما جرى في سورية محصورة في نطاق معارضة شعبية مسلحة وغير مسلحة في مواجهة نظام ديكتاتوري.
الخطأ الثالث للإبراهيمي حين سار بنهج يناسب التوجّه الروسي والسلطة السورية أكثر بكثير مما يناسب المعارضة وداعميها، رغم أنه كان يقول دائماً بأنه “يتعهد” أن يجد خططاً ومقترحات لحل الأزمة السورية تُناسب الشعب السوري.
في إحدى زياراته لموسكو خيّر الإبراهيمي السوريين بين “الجحيم” وبين “الحل السياسي” على الطريقة الروسية، وأكّد على أنه “ليس هناك خيار آخر”، ونسي أن بقاء هذا النظام السوري هو الجحيم بحد ذاته بالنسبة للسوريين”، وطالب بأن تجري مصالحة وطنية، ما يعني ضمناً طي صفحة الماضي بلا محاكمات ولا عدالة انتقالية، وهو يتوافق تماماً مع الشكوك التي راحت تقول بأن الدول الكبرى اختارت الإبراهيمي كوسيط دولي لسورية لأنه كان دائماً “يبني السلام على حساب العدل”، وهو ما يُعرف بالسلام الهش.
كذلك في أيار/ مايو 2014، وبعد استقالته من منصبه، أخطأ الإبراهيمي حين بيّض صورة إيران أمام مجلس الأمن، وأوحى لأعضائه أن إيران يمكن أن تكون بلد خير وتسعى إلى السلام، حيث قال أمام مجلس الأمن إن الاقتراح الذي تقدّمت به إيران للتوصل إلى تسوية سياسية في سورية “يستحق النقاش”، رغم أنه يُدرك، وفق تصريحات أخرى لاحقة، أن أيران هي سبب أساس في تدهور الحالة السورية وتحوّل الثورة إلى حرب دامية لها صبغة طائفية، وتصريحات كثيرة لاحقة بأن الأسد وإيران عطّلا مسار الحل السياسي.
الخطأ الأخير الذي ربما ارتكبه الإبراهيمي موافقته في جنيف 2 على مناقشة “الحرب على الإرهاب” بموازاة مناقشة ضرورة الانتقال السياسي، وكان لسماحه مناقشة هذا الأمر أثراً كبيراً في تغليب رؤية النظام على المستوى الدولي، وبدء الانحراف في مسار العملية السياسية، وفشل جنيف 2 لهذا السبب تحديداً، رغم أن المعارضة السورية كانت تحاول الحؤول دون إسقاط جنيف 2 في دائرة الحرب على الإرهاب لأن ذلك يتيح المجال للنظام السوري وحلفائه للتملص من تنفيذ أهداف بيان جنيف 1.
قام المبعوث الأممي الخاص لسورية ستيفان دي مستورا بزيارة لدمشق في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، ليطرح على أطراف النزاع مبادرة جديدة تحمل اسم “المناطق المجمّدة” على أن تبدأ في مدينة حلب وفي حال نجاحها تنتقل إلى مناطق أخرى، وأدخل نوعاً جديداً من المبادرات على قاموس الأمم المتحدة، واستنسخ تجربة النظام السوري في هذه المبادرة.
مبادرة دي مستورا هذه لم تكن “هدنة” ولا “وقف إطلاق نار”، ولم تُشر إلى نية لإخراج المقاتلين الأجانب، ولم تُحدد من هي الأطراف التي يجب أن توقعها، ولم توضح دور القوى الدولية والإقليمية والمحلية فيها، ومن سيراقبها وآليات هذه المراقبة وما هو الضامن القانوني والعسكري لنجاحها واستمرارها. فقط قال عنها إنها “نقطة من بحر”، وأن “نقاطاً عدة من الممكن أن تشكل بحيرة، والبحيرة يمكن أن تصبح بحراً”.
من الصعب وصف الرجل بأنه حليف للنظام السوري، لكنّه ساهم بشكل كبير طوال أربع سنوات من المراوحة في المكان، وتقديم العديد من المبادرات التجريبية غير البناءة التي تخضع للخطأ والصواب، في تمييع القضية السورية وزيادة حدة الخلافات بين قوى المعارضة السورية، واستفاد النظام من بعض مبادراته ليغيّر من سياساته العسكرية بما يفيده ميدانياً.
كان دي مستورا الأكثر مماطلة من بين كل الذين تولوا مهام المنصب الأممي لسورية، وطوال فترة مهامه، استمر في تدوير الزوايا واللعب على الوقت، وحاول التأقلم مع مواقف الطرف الأقوى في الصراع السوري، أي روسيا والنظام، حيث كانت العلاقة بينه وبين المعارضة متوترة جداً بسبب تحّيزه للنظام وقبوله بأطروحاته.
أخطر ما فعله دي مستورا أنه جعل مسائل مبدئية لا تستدعي التفاوض موضع تفاوض، وسهّل بمبادراته كثيراً منح النظام السوري فرصة التفوق العسكري، وحضوره مؤتمر أستانة رغم أنه ليس مؤتمراً دولياً حول سورية، وترحيبه بـ “التقدم” الذي يُحرزه أستانة على حساب محادثات جنيف، وكذلك إعلانه أن محادثات أستانة حول سورية تقترب من التوصل إلى إعلان نهائي، وكأنه ناطق رسمي باسم هذا المؤتمر الذي ترعاه روسيا وإيران، حليفتا النظام السوري، ومن ثم، ترويجه بشكل غير مباشر لأن يكون مسار أستانة الروسي بديلاً عن مسار جنيف المتفق عليه دولياً عام 2012، وكذلك تقسيمه المعارضة السورية عبر تصنيفها لمنصات، وتهرّب من مناقشة الحل الدولي الأساسي، أي هيئة حكم انتقالي ذات صلاحيات تنفيذية كاملة.
قدّم دي مستورا خلال توليه منصبه ثلاث مبادرات، لم يُكتب لها النجاح جميعها، ضعيفة وغريبة إلى حد بعيد، ولغرابتها وضعفها فشلت قبل أن بدء تنفيذ أي منها، الأولى دعا فيها لفتح الحدود التركية لدخول المقاتلين إلى شمال سورية لمؤازرة مقاتلين أكراد سوريين، لم يحدد فيها من هم هؤلاء المقاتلين ولا طبيعتهم ولا ضوابطهم، وكانت مبادرة تشبه الدعوة لفتح الحدود أمام الفوضى.
والثانية كانت إطلاق مبادرة بمصطلح دولي جديد تحت اسم (تجميد القتال) وهي مبادرة أفضل ما يمكن وصفها بأنها عنوان لتقسيم سورية، وتحولها إلى إمارات حرب، وتفككها لوحدات إدارية منفصلة، وتُنهي العمل الجمعي الشعبي وتدعم العمل السلطوي الفردي للمعارضة والنظام، وتقسم الناس وفقاً لانتمائهم المكاني، وتوفر الأرضية الخصبة لفساد سياسي ومالي وعسكري ومؤامرات لا تنتهي. وفي المبادرة الثالثة دعا إلى تشكيل أربعة مجموعات عمل من النظام والمعارضة، تبدأ بتجزيء الأزمة السورية لمناقشتها عنصراً عنصراً، وتجاهل عن عمد في خطته هذه بيان جنيف الذي اتفقت الدول الكبرى على أنه المرجعية الوحيدة والمتفق عليها للأزمة السورية، وهو البيان الذي حاول النظام السوري الهروب منه وإلغائه بأي ثمن.
لم ينتقد يوماً النظام السوري لاستخدامه البراميل والطيران الحربي لقصف المدنيين، ولم يُطالب ولو لمرة واحدة بخروج المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون إلى جانب النظام السوري، ولم يسعَ لوضع دور للقوى الدولية والأممية بأي مبادرة، ولم يستفد من القانون الدولي في أي من مبادراته، وكل ما تحدّث به طوال عشرة أشهر هو ضرورة إشراك روسيا وإيران في الحل، وقبيل مؤتمر جنيف بنسخته الثالثة، قال إن لديه خطة جاهزة لحل الأزمة السورية، لكن الرجل فاجأ الجميع في جنيف، وتبيّن أنه جمع مئات السوريين من معارضين وناشطين وحقوقيين وعسكريين وتجار ونساء وحتى طلاب صغار مراهقين، ومعهم أنصاف معارضين، وممثلين للنظام من الدرجة الثانية والثالثة، ليفهم مواقفهم ويستمع لآرائهم وتصوراتهم وكأنه لم يسمع بها من قبل ويريد أن يفهم جوهر الأزمة السورية من جديد من الألف إلى الياء.
استمر دي مستورا في الدعوة حتى ثمانية جولات من جنيف، ووصفه البعض بأنه “سمسار” يحاول أن يكسب الوقت بأي طريقة، حتى لو كانت على حساب دماء مئات آلاف السوريين، ولم يُحقق أي اختراق على المستوى “الميليمتري” حتى، واهتم طوال ثماني جولات بالهوامش واللجان الاستشارية أكثر من اهتمامه بالقضية السورية ووقف الموت، واستمتع بعقد عشرات ورشات العمل التي ليست من صلب مفاوضات جنيف، وشكّل لجاناً قانونية ودستورية ونسائية وأهلية وغيرها، واهتم بالشكليات أكثر من اهتمامه بأساس المشكلة.
قبل بدء مهامه، توقع جير بيدرسون، المبعوث الأممي الرابع إلى سورية، أن تكون مهمته “شديدة الصعوبة”، لكنّ الدبلوماسي النرويجي مضى في مهمة سلفه المعقدة والمتعثرة، واستلم منه خمسة ملفات شائكة كان من المفترض أن يسير بها على التوازي، على رأسها مهمة تشكيل اللجنة الدستورية لكتابة دستور جديد لسورية واستئناف العملية السياسية، ومهمة إخراج القوات الأجنبية، ثم مهمة الحفاظ على وحدة البلاد، ومهمة إعادة اللاجئين، وأخيراً مهمة إعادة الإعمار.
بدأ بيدرسون بأولى المهام، وهي تشكيل اللجنة الدستورية، والتي كانت متعثرة في عهد دي مستورا، لكن بيدرسون لم يستطع تقديم فتح في هذا المجال، فقد اضطرّ لتشكّل اللجنة بحيث يكون للنظام ثلثي أعضاء اللجنة، وفق ما أراد الروس أيام دي مستورا.
يواجه بيدرسون أيضاً تحدي استئناف العملية السياسية في سورية، المتوقف تقريباً بسبب رفض النظام السوري تنفيذ مخرجات بيان جنيف والقرار 2254، كما يأتي ملف إخراج القوات الأجنبية من سورية على رأس الملفات التي تنتظر أن يتحرك فيها، خاصة موضوع خروج الميليشيات الإيرانية متعددة التسميات والجنسيات، وقوات حزب الله اللبناني، والقوات التركية والروسية والفرنسية والأميركية التي تنتشر في سورية، فضلاً عن الجماعات الإسلامية المتطرفة الإرهابية كداعش.
كذلك لابد من أن بيدرسون يعرف أن مهمة وحدة الأراضي السورية تنتظر جهوداً كبيرة منه، وسط حالة الفوضى التي تعيشها سورية وتدخل الأطراف الإقليمية والدولية، ومحاولة تقسيم البلاد على أسس طائفية وقومية، ووسط تغيير ديموغرافي يقوم به النظام السوري وإيران منذ سنوات.
وأخيراً، ينتظر بيدرسون ملف إعادة الإعمار وعودة اللاجئين، وهي ملفات غاية في التعقيد، خاصة وأن الدول المعنية بالملف السوري ربطت إعادة الإعمار بالتسوية السياسية، كذلك رفض ملايين اللاجئين السوريين العودة إلى سورية في ظل وجو النظام السوري الحالي.
من الصعب أن يكون بيدرسون “المنقذ”، وغالباً هو غير قادر على تحقيق تقدّم في الملفات الخمسة سابقة الذكر، خاصة مع معرفة حجمها وصعوبتها وتعقيدها، وفي الغالب الأعم لن يستطيع أن يحلّ ولا حتى جزء من هذه المشاكل والملفات المعقّدة، والتي تحتاج جميعها إلى توافقات دولية لن تحصل على المدى المنظور.
لا ينتظر السوريون أن يقوم بيدرسن برفع الظلم عنهم، ولا هم واهمون، وكل ما ينتظروه ألا يقع بأخطاء فاحشة كالتي ارتكبها من سبقه، وألا ينضم إلى أسلافه في التسويف وتزوير الحقائق ضد الشعب المسكين.
لعل المشترك في نتائج عمل المبعوثين الدوليين في سورية هو ميلهم لإدارة الأزمة لا إلى حلّها، وكانوا على قناعة ربما بأنه لا ضرر من إضاعة الوقت، ولم يحاولوا أن يغوصوا في لب الكارثة السورية وأسبابها، ولم يقتنعوا بأن ما جرى ويجري هو ثورة شعب يريد حريته وكرامته ودولته الديمقراطية، ثورة شعب ضد نظام ديكتاتوري شمولي تمييزي أمني، لا حرباً طائفية ولا حرب جياع، وبالتأكيد تضافرت مجموعة أسباب أخرى أدت إلى فشل مهامهم، منها ضعف هيئة الأمم المتحدة وعدم قدرتها على فرض حلول دولية، وفشل آلية الفيتو في مجلس الأمن، والانقسام الدولي، ووقوف روسيا والصين إلى جانب النظام السوري، ورغبة الأولى أن تعود امبراطورية كبرى لها صوتها المسموع على المستوى الدولي، وكل هذا، لا يطرح فقط سؤالاً حول مصداقية المبعوثين الأممين وغاياتهم الحقيقية، بل يطرح سؤالاً أكبر من ذلك، حول جدوى الأمم المتحدة ومجلس أمنها، طالما أنها مؤسسة مشلولة إلى هذا الحد.
المصدر: السورية نت
مع دخول الثورة السورية في عامها التاسع، ووفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لا يزال هناك أكثر من 6 ملايين و700 ألف لاجئ سوري في العالم (حتى يونيو/حزيران 2019)، وأكثر من 6 ملايين ومئتي ألف سوري من النازحين داخلياً (حتى أغسطس/آب 2019) ويحتاج أكثر من 11 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية في سوريا، ولا يزال الوضع الإنساني في شمال شرق سوريا وفق تعبير المفوضية "مزرياً"، حيث يحتاج الآن ما يقدر بنحو مليون و650 ألف شخص إلى المساعدة الإنسانية، (حتى سبتمبر/أيلول 2019)(1). كما تشير إحصائيات منسقو الاستجابة في الشمال السوري إلى نزوح قرابة مليون سوري من حماه وإدلب وريف حلب جراء المعارك التي شهدتها تلك المحافظات خلال الأشهر الأولى من عام 2020(2). ومع تعاظم حجم هذا الملف وتداعياته وتبعاته الأمنية والاجتماعية المتوقعة؛ تتزايد الأسئلة السورية الملحة حول هذا الملف وموضعه وأهميته في الصراع السوري، ومدى حضوره في الأولويات السياسية للأطراف الفاعلة في الشأن السوري، وإدراك دوره ومآلاته في سياق سيناريوهات اشتداد الصراع أو سيناريوهات التسوية ومساراتها.
تنوعت أدوات النظام في قمع الحراك الثوري منذ لحظاته الأولى؛ اتضح أن مقاربة العنف الممنهج هي المقاربة "الأنجع" بمنظوره؛ وقد عانت الحواضن المجتمعية للثورة من هذه المقاربة مما دفع قسما كبيرا منها، وفي ظروف متعددة وبأشكال مختلفة، إلى اللجوء والهجرة نحو أماكن أكثر أمناً واستقراراً.
وقد مرت هذه المقاربة بعدة مراحل؛ إذ ابتدأت بمرحلة العقاب الجماعي المستندة على شن حملات أمنية وعسكرية للسيطرة على الموقف الميداني في مناطق الحراك (لعل أبرز مثال عليها النزوح القسري لأهالي جسر الشغور في الفترة الممتدة من مارس/آذار إلى ديسمبر/كانون الأول 2011). ثم انتقل النظام إلى مرحلة "التطهير المكاني" التي تزامنت مع قيام القوى الثورية المسلحة بإخراج القوات الأمنية للنظام من مناطقها، الأمر الذي دفع النظام إلى الزج بمزيد من القوات العسكرية لقمع الحراك وهو ما بدأ في محافظة حمص عبر تهجير أحياء بابا عمرو والسباع والخالدية وعشيرة وكرم الزيتون والرفاعي والبياضة والسبيل ووادي العرب ومنطقة جوبر والسلطانية وأحياء كرم الزيتون والرفاعي والبياضة ووادي العرب وحي السبيل. أما المرحلة الثالثة فتم تأطيرها بالتزامن مع تبلور "مفهوم سوريا المفيدة"، فقد تم تأطير هذه المرحلة كأداة من جملة أدوات تحقيق الاستراتيجية الإيرانية في سوريا المعروفة بــالحفاظ على "سوريا المفيدة"، ويمكن تسجيل بدء هذه المرحلة مع حملة حزب الله وقوات النظام على مدينة القصير في مايو/أيار 2013(3)، لتنتقل بعدها سياسة التهجير إلى مناطق تسيطر عليها المعارضة في محيط العاصمة كداريا والمعضمية والزبداني الواقعة ضمن سوريا المفيدة. وفي سياق تلك المراحل كانت دينامية "اتفاقيات الإخلاء" تحدث أثراً واضحاً في معدلات الهجرة والنزوح(4).
عقب التدخل الروسي في أواخر سبتمبر/أيلول 2015 الذي استند على استراتيجية تطويع الجغرافيا واستثمارها سياسياً في تحسين موازين الصراع؛ استطاع الفاعل الروسي عبر قوته الجوية واستناده إلى الميليشيات الإيرانية أن يخرج مدينة حلب الشرقية من معادلات الصراع المحلي، ونجم عن ذلك تهجير قرابة 150 ألف مدني من أحياء المدينة؛ ذهب 75% منهم إلى ريف حلب الغربي ومحافظة إدلب، بينما توجه 25% منهم إلى ريف حلب الشمالي(5).
وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، وإثر تعثر مؤتمر الحوار المنعقد في سوتشي في تحقيق هدفه وتكريس الحل السياسي الذي ترتجيه موسكو بعدما ثبتت جل مناطق الصراع إبان قضمها لحلب الشرقية عبر اتفاقيات خفض التصعيد؛ عاد النظام مجدداً لاستراتيجية القضم الاستراتيجي لتلك المناطق، منطقة تلو أخرى، إذ شن نظام الأسد، وبدعم روسي، أعنف هجوم بري وجوي على منطقة الغوطة الشرقية التي تحتوي على 400 ألف محاصر منذ عام 2012. وتجاوز عدد المهجرين والنازحين من الغوطة الشرقية أكثر من 80 ألف شخص (حتى تاريخ 9 فبراير/شباط 2018)(6). كما أن هناك ما يزيد عن 52 ألفاً يحتمون في تسعة ملاجئ جماعية في ريف دمشق يتم تزويدهم بإمدادات الطوارئ والمساعدة الصحية؛ وقد تتبعت مجموعة "منسقو الاستجابة في الشمال السوري" مصير قرابة 50 ألف نازح، وأوضحت أنهم توزعوا بنسبة 59% في إدلب و6% في حماه و25% في محافظة حلب(7).
وعلى مسافة قريبة من الغوطة الشرقية تقع منطقة القلمون الشرقي ومنها الضمير، والناصرية، والرحيبة، والقطيفة، وفي 19 أبريل/نيسان 2018 وافقت الفصائل العسكرية في القلمون على بنود اتفاق مصالحة مع روسيا، قضى بتسليم السلاح الثقيل الضخم، وتهجير آلاف المدنيين الذين لا يريدون المصالحة مع نظام الأسد باتجاه مناطق الشمال السوري؛ وقد تم تهجير قرابة 5 آلاف وثلاثمئة شخص، وبذات السياق هجر قرابة 9 آلاف وثلاثمئة شخص من جنوب دمشق إلى إدلب، كما هجّر النظام قرابة 35 ألف و600 نازح من ريف حمص الشمالي، في الفترة بين 7 و 18 مايو/أيار 2018، وبعد ريف دمشق وحمص، توجهت قوات النظام وحلفائه جنوباً، وسيطرت على المناطق المحررة فيها، لتهجر قرابة 10 آلاف و700 من درعا والقنيطرة، بالفترة الممتدة بين 15 إلى 31 يوليو/تموز 2018، ممن غادروا إلى شمال سوريا(8).
ومنذ معارك إدلب وريف حلب الأخيرة وخلال الفترة بين نوفمبر/تشرين الثاني 2019 حتى توقيع الاتفاق الروسي التركي في 5 مارس/آذار 2020 نزح حوالي مليون و410 أشخاص(9)، وتوزعوا على المخيمات في مناطق درع الفرات و"غصن الزيتون" إضافة للقرى والبلدات الآمنة. (انظر الشكل المجاور رقم 1).
وفي يناير/كانون الثاني 2020 سُجّل نزوح حوالي 464 ألف و800 شخص في جميع أنحاء سوريا(10).
الشكل رقم 1: وجهة النازحين من نوفمبر/تشرين الثاني 2019 حتى مارس/آذار 2020
أما فيما يتعلق بالأرقام الخاصة بتوزع اللاجئين السوريين في دول الجوار فقد بلغ عدد اللاجئين في تركيا 3 ملايين و600 ألف لاجئ، بينما كانت لبنان هي الدولة الثانية من حيث عدد اللاجئين السوريين حيث يوجد بها 929 ألف لاجئ، كما لجأ الى الأردن 662 ألف لاجئ، وأخيراً إقليم كردستان في العراق حيث يوجد به 245 ألف لاجئ (انظر الشكل 2).
الشكل (2): توزع اللاجئين السوريين في دول جوار سورية
أما بخصوص توزع اللاجئين في أنحاء العالم فقد حصلت ألمانيا على الحصة الأكبر من اللاجئين حيث ضمت 770 ألف لاجئ، بينما ضمت جمهورية مصر131 ألف والسويد 122 ألف لاجئ، وكندا 40 ألف لاجئ، والولايات المتحدة 16 ألف لاجئ. (الشكل 3)(11).
الشكل (3): توزع اللاجئين السوريين في بعض دول العالم
منذ اندلاع الثورة السورية وتحولها إلى صراع متعدد المستويات، يركز المجتمع الدولي في تعاطيه مع الملف السوري -باستثناء صرخات الاستجابة والنداء للملف الانساني من قبل الأمم المتحدة ومنظماتها- على محورين:
من جهة عملياتية؛ لم تلحظ القرارات الدولية المعنية بالشأن السوري السياسية منها والإنسانية أي حديث عن ملف اللجوء والهجرة باستثناء البند 14 من القرار 2254 الذي أكد على "تهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخلياً إلى مناطقهم الأصلية وتأهيل المناطق المتضررة وفقاً للقانون الدولي"، ويحث القرار بذات البند الدول الأعضاء على تقديم المساعدة في هذا الصدد"(13). كما غاب نقاش هذا الملف خلال كل جولات التفاوض في جنيف وأستانة باستثناء جدولة شكلية على أجندة جولة أستانة 10 بتاريخ 30 يوليو/تموز 2018 حيث تضمنت بند (بدء محادثات لعودة اللاجئين والنازحين) لكن دون صدور أي نتيجة عن ذلك(14). والجدير بالذكر أن هذه الجولات (أستانة وجنيف) رافقتها عدة حملات تهجير. (للتفصيل انظر الجدول التالي)(15):
تأثر ملف "اللجوء والنزوح" بالانحرافات والاستعصاءات التي شهدتها العملية السياسية لا سيما بعد التدخل الروسي الذي حاول التأثير على بوصلة مسار جنيف سواء بمسار أستانة أو عبر التحكم به من خلال إعادة تعريف الحل السياسي واختزاله بلجنة دستورية تم طرحها في مؤتمر الحوار في سوتشي وتم تبنيه من قبل الأمم المتحدة؛ حيث شكل انتفاء مرحلة "الانتقال السياسي" من أجندة العملية السياسية نقطة نكوص في حلحلة ملف اللجوء والنزوح، ومما ساهم في تعقيد مداخل الحل عدة أمور -هي بمجملها نتاج التدخل الروسي- وهي:
وعليه وبحكم تطورات المشهد السوري واختلاف درجة التأثير للفاعلين لصالح التسيد الروسي، لا تزال الغايات الأمنية والعسكرية تفرض نفسها وغياب مداخل الحل السياسي عن ميادين النقاش والتفكير الدولية، لا سيما في ظل الانكفاء الأمريكي وسياسات الوقاية الذاتية المتبعة من الدول الأوربية؛ وهذا كله أجل ويؤجل تحدي العودة الكريمة والطوعية للاجئين والنازحين السوريين.
تبين الأرقام المرصودة لعام 2019 عن عودة حوالي 480 ألف نازح إلى مناطقهم في عموم المحافظات السورية من أصل 6 ملايين و200 ألف نازح، أكثرهم عاد إلى درعا ثم إدلب وحلب(16). وفيما يتعلق بعودة اللاجئين فقد سجل لبنان العدد الأكبر لعودة اللاجئين من بين جميع دول الجوار السوري. وبحسب بيان صادر عن الأمن العام اللبناني، في مارس/آذار2019، بلغ عدد السوريين الذين عادوا 172 ألفا و46 لاجئاً سورياً منذ عام 2017، حيث يتم تنسيق العودة بين الأمن العام اللبناني والنظام السوري(17). ومن جهة أخرى أوضح مركز إدارة الدفاع الوطني في روسيا عن عودة 256 ألف لاجئ خلال النصف الأول من عام 2019 إلى سوريا عبر المعابر البرية مع لبنان والأردن(18). أما في تركيا فأعلن الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان أن 365 ألف سوريٍ عادوا إلى ديارهم ومنازلهم في مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون" و"نبع السلام"(19)، وفي ألمانيا عاد 13 لاجئا إلى الأراضي السورية ضمن برنامج العودة الطوعية الذي يشجع على عودة اللاجئين مقابل ألفي يورو(20).
في حين تطرح العديد من منظمات المجتمع المدني رؤيتها الوطنية لملف اللاجئين والنازحين بما يسهم في التماسك الاجتماعي والاستقرار في سوريا(21)؛ يصر النظام على مقاربته الوحيدة في هذا السياق ضمن ما أسماه "المصالحة" والتي تتكلم في بنودها عن التهجير أكثر من العودة(22)؛ لكن مع مضي النظام في توسيع سيطرته العسكرية، شُهدت عودة لبعض النازحين دون توفر أي ضمانات، سواء أكانت أمنية أم متعلقة بسبل العيش أو الاستجابات المحلية؛ ومرد ذلك عدة أسباب منها ما يتعلق بانعدام الأمل والأفق السياسي أو ما هو مرتبط بالضغوط المعاشية والأمنية التي يتعرض لها النازحون واللاجئون في البيئات المستضيفة(23).
وهنا نموذجان لعودة النازحين واختبار ادعاءات النظام في تقبل عودتهم؛ النموذج الأول في ريف دمشق (التي أعاد النظام السيطرة عليها مطلع 2018) والثاني حلب الشرقية (التي تمت السيطرة عليها عام 2016).
فبالنسبة للأول أي ريف دمشق، فحتى يناير/كانون الثاني 2020 عاد ما مجموعه 35 ألفا و500 شخص جلهم عاد من بلدات الريف ذاته وقسم عاد من مدينة دمشق. وبخصوص حلب الشرقية (التي تمت السيطرة عليها عام 2016) فحتى ذات التاريخ، عاد قرابة 56 ألفا و500 شخص أغلبهم من بلدات ريف حلب(24). ويمكن تفسير هذه الأرقام المتدنية بأمرين، الأول عدم قدرة النظام على توفير الأسباب الموجبة للعودة خاصة فيما يرتبط بالاستجابات الطارئة وما تستلزمه من إجراءات تضمن التعافي المبكر للمناطق الخارجة من معادلات الصراع(25)، والثاني مرده إلى عدم رغبة النظام أساساً في عودة من يعتبرهم "مناهضين لسلطته" خلال سنوات طويلة.
لقد أثقلت حركة النزوح في المناطق المستضيفة في سوريا على البنية التحتية المحلية وعلى الهياكل الإدارية(26)، وإذا ما ربطنا تأثر الواقع الأمني بملف العودة عموماً، فإنه سيحيلنا إلى تلمس وقياس:
ففيما يتعلق بالمناطق التي يسيطر عليها النظام (والتي تزداد مساحتها)، لا تزال الأسئلة المرتبطة بملفي عودة اللاجئين والنازحين والاستجابة المحلية تشكل تحدياً رئيسياً للفاعلين المحليين، وتساهم إلى جانب التردي في الواقع الأمني العام في تشكيل مناخ داعم لعدم العودة؛ ويزداد هذا التحدي عمقاً مع غياب سياسات الإصلاح والتغيير الأمني، إذ تؤكد معظم التقديرات والتحليلات وجود عدة أسباب تقف وراء التدفق المحموم لحركة النزوح والتهجير(27).
الأول: فإضافة إلى تدهور الواقع الأمني، فإن أول هذه الأسباب شيوع إحساس لدى عموم السوريين بانسداد الأفق وانعدام الأمل بخلاص قريب، أو على الأقل بتحسن الوضع الأمني واستعادة حياة عامة قوضت مقوماتها. كما يساهم عجز الفاعلين المحليين، عن توفير أبسط مستلزمات العيش، في تعزيز مقاربات الهجرة لا العودة، حيث لا غذاء ولا كساء ولا قدرة على فرض سياسات عامة تحسن خدمات الماء والكهرباء والخدمات التعليمية والصحية فضلا عن فقدان فرص العمل(28).
الثاني: ويرتبط بهاجس معظم الشباب بضرورة الهروب من العنف والاقتتال لا سيما مع حملات التجنيد الإجباري والاحتياط التي تجبرهم "قانونياً" على أن يكونوا في خضم هذا الصراع خصوصاً بعد صدور المرسوم 104 لعام 2011، ما دفع عوائل كثيرة لمغادرة سوريا خشية استدعاء أبنائهم إلى الخدمة الإلزامية أو الاحتياط، إضافة إلى تكرس قناعة عدم جدوى تحصيلهم العلمي مع غياب الإمكانات المرجوة لممارسة اختصاصاتهم عملياً. والأهم شيوع حالة قلق وخوف عامة من انحسار شروط الأمن والسلامة(29).
أما فيما يرتبط بمناطق سيطرة المعارضة، فنجد أنه كان من الطبيعي أن تؤثر البيئة الأمنية غير المستقرة على ثبات هياكل الحوكمة المحلية (المعني الأساسي في عمليات الاستجابة)، وعلى حركة العودة خاصة بعد أن تعددت حالات التهجير، حيث تتفاوت درجات الاستقرار الأمني في مناطق سيطرة المعارضة بحكم حجم وطبيعة وتعدد القوى العسكرية المسيطرة وطبيعة علاقاتها فيما بينها؛ وطبيعة القوى المهددة لأمن المجتمعات المحلية ناهيك عن العوامل المهددة لأمن المجتمع المحلي والتي تتنوع بين عوامل ذات طبيعة أمنية واجتماعية واقتصادية (30).
بطبيعة الحال يرتبط ملف العودة بمحددين رئيسيين؛ أولها متعلق بالرؤى الدولية والاقليمية لهذا الملف ومدى التقاطع أو التعارض في هذه الرؤى، وثانيها متعلق بالسيناريوهات المتوقعة للملف السوري ودرجة تأثره بملف العودة الذي سيكون عاملاً مهماً في معادلات الاستقرار والسلام (الضرورات الاجتماعية والاقتصادية).
الأول فيما يتعلق بالرؤى الدولية والإقليمية: ففي حين تحمّل موسكو المعارضة والدول الداعمة لها (وعلى رأسهم الولايات المتحدة) كامل المسؤولية في عرقلة العودة (31)؛ فإنها لم تنجح في تحقيق غايات ما أسمته "البرنامج الروسي لعودة اللاجئين" والذي يطمح لعودة مليون لاجئ إلى قراهم وبلداتهم وذلك من خلال "تأسيس لجنة في كل من لبنان والأردن وتركيا، للتنسيق والمتابعة مع الجانب الروسي في سبل العودة وآلياتها. حيث أبلغت موسكو الدول المعنية في المنطقة أنها نسّقت مع النظام السوري، وأنّ لديها ضمانات بعدم التعرض للعائدين إضافة لإنشاء مراكز لاستقبال اللاجئين وتوزيعهم وإيوائهم(32).
فبعد قرابة العامين ونيف على طرح هذا البرنامج، ورغم تأكيدات وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف بأن معدلات العودة لم" تكن كبيرة"(33)، فإن الإحصاء الروسي يحصي عودة 577 ألف لاجئ سوري من الأردن ولبنان منذ شهر يوليو/تموز 2018، ( قرابة 182 ألف من لبنان، قرابة 400 ألف من الأردن)، ولكن دون تبيان آلية الإحصاء التي يغلب عليها سمة إحصاء الدخول عبر المعبر الحدودي أكثر من سمة حركة عودة اللاجئين(34).
وتدلل المعطيات المتعلقة بالحركة الروسية العسكرية المستمرة ومؤشرات العودة المنخفضة على أن الرؤية الروسية لهذا الملف تتمحور حول غايتين سياسيتين؛ الأولى عدم جعل هذا الملف معطلاً لسير الهندسة الروسية تجاه إعادة تشكيل الحل السياسي وفق منظورها، وبالتالي عدم جعله استحقاقاً سياسياً وشرطاً لازماً للاستقرار؛ والغاية الثانية تتمثل في كيفية استثمار هذا الملف وما يعنيه من تحد أمني واجتماعي على البيئات المستضيفة، وجعل مسار حل هذا الموضوع مرتبطا بشرعنة نظام الأسد من جديد. وكلتا الغايتين تعتبر هذا الملف تحدياً لحكومة النظام بدلاً من اعتباره استحقاقاً سياسياً وشرطاً لازما للاستقرار.
أما فيما يتعلق بالرؤية الدولية التي يمكن توضيحها من خلال ما يعرف "بالمجموعة المصغرة حول سوريا" (الولايات المتحدة الأمريكية؛ بريطانيا، فرنسا، المملكة العربية السعودية؛ مصر؛ الأردن)، والتي حددت أن أي انخراط في استحقاقات الانتقال السياسي -سواء إعادة الإعمار أو العودة الطوعية والآمنة- مرتبط بإنجاز عملية سياسية بإشراف الأمم المتحدة في جنيف. وتنفيذاً لهذا الأمر لا تزال سياسية العقوبات الاقتصادية الضاغطة على النظام مستمرة بهدف دفعه للانخراط في العملية السياسية، وإنجاز اتفاق سياسي وفق قواعد القرار 2254، وعلى رأس هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الاوروبي.
قد تبدو هذه الشروط الدولية "شروطاً موضوعية" لضمان تنفيذ القرارات الدولية المعنية بالشأن السوري، إلا أن تراجع اهتمام هذه الدول وتجاهلها لما يتم من عمليات تهجير، واكتفاءها بالإدانات (لا سيما وأن انخراطهم في الملف بات محكوماً بمنهجية محاربة تنظيم الدولة سابقاً ومحاصرة طهران حالياً)، إنما يبعث بمؤشرات أن هذه الشروط هي واجهة تخفي سياسة عرقلة مقصودة للآليات الروسية، وتأزيم تدخلها العسكري والسياسي والاقتصادي في سوريا فحسب، دون وجود أي حل سياسي في الأفق؛ أي استمرار التنافس على المكسب السياسي، بما لا يفسر جهود المنظمات الدولية المعنية بشؤون اللاجئين إلا أنها من باب الاستجابة الطارئة.
وفيما يتعلق بتركيا؛ فهي طبقت منذ بداية الثورة السورية سياسة الحدود المفتوحة مع اللاجئين السوريين مما ساهم في وصولهم الى القارة الأوربية، وأعادت إغلاق الحدود مع سوريا في 2015 بعد الاتفاق مع الاتحاد الأوربي على تمويل الاتحاد الأوروبي للمشاريع المتعلقة باللاجئين في تركيا، مقابل إيقاف تركيا لتدفق اللاجئين إلى أوروبا(35)؛ ثم بدأت الحكومة التركية بعد دخولها العسكري في سوريا وسيطرتها على مناطق "درع الفرات" وعفرين ومنطقة تل أبيض ورأس العين، بالمطالبة بمنطقة آمنة في سوريا لعودة اللاجئين السوريين في تركيا إليها، واعتبرت أنقرة أن تشكيل "منطقة آمنة" في سوريا يسرع عملية العودة الطوعية للاجئين السوريين من تركيا. ووفقاً للإحصاءات التركية، فإنه "بفضل الأجواء الآمنة التي تشكلت عقب عمليتي درع الفرات، وغصن الزيتون في شمال سوريا، عاد 354 ألف سوري بشكل طوعي إلى هذه المناطق". كما أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أن 74 ألف مدني سوري عادوا إلى المناطق التي حررتها عملية "نبع السلام" شمالي سوريا(36). وبالتزامن مع إعلان أنقرة "التزامها" مبدأ "عدم ترحيل" أي مهاجر نظامي(37)؛ فإنها تطمح إلى إعادة توطين 3 ملايين لاجئ سوري ضمن "المنطقة الآمنة" التي تحاول الدفع بإنشائها شرق الفرات، من خلال استمرار المحادثات مع واشنطن(38).
وتشهد العلاقة الأوروبية التركية في هذا الملف توترات واضحة لا سيما بعد نزوج قرابة مليون سوري جراء العمليات العسكرية الأخيرة في الشمال السوري والضغط على تركيا لفتح الحدود؛ وبحكم ما اعتبرته أنقرة تجاهلاً لهذا الملف وتداعياته، فتحت السلطات التركية حدودها مع اليونان أمام اللاجئين السوريين وهو ما زاد التوتر. وفي حين لا تبدو مؤشرات انفراج في هذا الملف، تستمر محاولات الدعوة لعقد اجتماعات تركية مع بعض دول الاتحاد الأوروبي لمناقشة قضية المهاجرين، حيث تعتبر أنقرة "أن مسألة اللاجئين وسوريا وإدلب تعد اختبار إرادة وقيادة للاتحاد الأوروبي أكثر من تركيا، وعلى الاتحاد القيام بمسؤولياته"(39).
عموماً يتضح أن الرؤى الدولية والإقليمية تجاه ملف اللاجئين والنازحين -وإن اكتست بعدا إنسانيا في السياسات والخطابات- لا تعدو أن تكون ورقة ضغط سياسي يمارسها الجميع لتحقيق مقاربات سياسية وأمنية. ولا يزال الملف أسير تفاهمات سياسية لم تتوفر الظروف السياسية لنضجها.
الثاني ارتباط ملف العودة بالسيناريوهات المحتملة: في ظل المشهد السياسي الذي دخل مجدداً مرحلة الاستعصاء -بعد جولتين من اجتماعات اللجنة الدستورية- فإن السيناريوهات المحتملة تنحصر في الآتي:
في ظل هذه السيناريوهات ومع استمرار غياب سياسات معالجة موضوعية وفق القانون الدولي ومتطلبات التماسك الاجتماعي والاستقرار؛ يبدو أن مسألة اللاجئين والنازحين خاضعة للمنظور الروسي (وحلفائه النظام وإيران) الذي يجهد لتحويل الاستحقاقات السياسية إلى تحديات حوكمية غير مستعجلة، وبالتالي استمرار عدم مراعاة العوامل الأمنية والاجتماعية الدافعة للاستقرار. ولعل نظرية "المجتمع المتجانس" (التي طرحها بشار الأسد في منتصف عام 2017 في دلالة على أن ما تبقى في سوريا هو القسم المتجانس) تدلل على عدم رغبته بعودة من وقف ضده سنوات، وبالتالي الاتجاه نحو تثبيت التغيير الديمغرافي الناجم عن الصراع، وهو ما سيبقي عوامل الصراع متأججة.
لا شك أن ملف اللاجئين والنازحين السوريين يعد من أثقل الملفات من حيث تداعياته الإنسانية والاجتماعية والأمنية، ومن حيث حركته المتسارعة في ظل ما تشهده سوريا من سيناريوهات إعادة التشكل الأمني وتضارب الرؤى بين الفاعلين الرئيسيين. ومما يزيد من هذا الثقل هو التغييب التام لأجندة وبرامج العودة الكريمة وما تستلزمه من استجابات حكومية وأمنية مستعجلة؛ وهذا ما سيكون له أثر استراتيجي على معادلات الاستقرار والسلام في سوريا، فطالما أن هذا الملف لا يزال ينظر له كورقة تحسين شروط بين الفاعلين الإقليميين والدوليين فإنه سيتحول لتحد غير مستعجل، الأمر الذي يتطلب تضافر جهود منظمات المجتمع الدولي والإقليمي والمحلي وتشكيل ضغط ملح على الفاعلين للنظر إليه كاستحقاق سياسي؛ حيث لا يمكن أن تقوم دولة جديدة أو نظام حكم جديد في سوريا طالما أن أكثر من نصف الشعب مهجر ونازح.
المصدر مركز الجزيرة للدراسات: https://bit.ly/2USBp2D
مراجع
Humanitarian response, IDP and Spontaneous Returnee Movements - 31 January 2020, http://bit.ly/2QhfTTH
بدعوة من دائرة الاتصال لدى الرئاسة التركية، حضر الدكتور عمار قحف، المدير التنفيذي لمركز عمران، والمحلل العسكري، نوار شعبان، مؤتمر دولي عن الأزمة في إدلب وتداعياتها الجيوسياسية، وذلك خلال يومي 5 و 6 آذار 2020.
تضمنت الدعوة في يومها الثانية المشاركة بأعمال جلسة نقاشية خاصة مع مجموعة من الخبراء وصناع القرار من مختلف الدول الفاعلة في الشأن السوري.
عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع مركز هوز للتطوير المجتمعي، ندوة نقاشية مشتركة حول ملف اللجنة الدستورية وذلك في 14 كانون الأول 2019 بمدينة الباب شمال محافظة حلب، حيث قدم الباحث من مركز عمران ساشا العلو، عرضاً موسعاً حول تموضع الدستور في سياق العملية السياسية والسيناريوهات المتوقعة للجنة الدستورية، ثم أجرى الكاتب والمعارض الدكتور ياسر العيتي، تقييماً وطنياً لعمل اللجنة الدستورية بعد انطلاقتها ومساحات العمل الممكنة، وتناول الباحث في مركز عمران منير الفقير، إشكاليات تعريف المجتمع المدني المشارك في اللجنة الدستورية وتقيم أدائه وفرص النهوض بدور المجتمع المدني في الدفع السياسي.
ركزت مداخلات الحضور على أهمية تحديد الخيارات العملية للسوريين في مواجهة الاستعصاء السياسي الحالي، من حيث إعادة التنظيم المجتمعي والسياسي المسستند إلى شرعية حقيقية وأهمية تطوير الخطاب وصولاً إلى استعادة الثورة والسياسة وماهي آليات المقاومة والصد في مواجهة الفرض الدولي لشكل الحل ومساراته، كما شدد الحضور على أهمية تكرار هذه الندوات في تمكين المجتمع وتحصينه فكرياً وسياسياً وأهمية التواصل بين الداخل والخارج لإنضاج الرؤى والتصورات وتوحيدها.
بتاريخ 2 تشرين الثاني 2019، وبمشاركة عدد من الناشطين والطلبة الجامعيين بالإضافة إلى عدد ممثلي منظمات المجتمع المدني؛ عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ورشة عمل بعنوان: "الشباب السوري وسبل امتلاك أدوات الفاعلية".
هدفت الورشة إلى البحث عن قنوات لتفعيل طاقات الشباب باتجاه انطلاقة فاعلة ومؤثرة في المشهد السوري، تستفيد من الدروس والتجارب السابقة؛ توزعت جلسات الورشة على ثلاثة عناوين دور الشباب في الثورة السورية.. تجارب وخلاصات؛ الشباب السوري والعلاقة مع السياسة: خارطة الهم والاهتمام؛ آفاق العملي المستقبلي الواعدة: مساحات العمل الممكنة؛ وخلصت الورشة إلى ضرورة استمرار الحلقات النقاشية وفق أجندة تهتم بالمشهد السوري العام وبقضايا الشباب السوري.
اختتمت اللجنة الدستورية المشكلة من قبل الأمم المتحدة كمدخل لحل القضية السورية، اجتماعها الموسع الأول في جنيف يوم أمس الأول، وقد اقتصر اللقاء على تلاوة كلمات المشاركين؛ من وفد المعارضة السورية، ووفد النظام، ووفد المجتمع المدني السوري، بشقيه القريب من النظام والقريب من طروحات المعارضة والثورة السورية، بالإضافة إلي إقرار مدونة سلوك ناظمة لعمل اللجنة الدستورية واختيار لجنة مصغرة من ٤٥ عضو من مجموع أعضاء اللجنة البالغ ١٥٠ عضو.
وقد رافق تلاوة كلمات المشاركين ردود فعل متباينة داخل قاعة الاجتماع، وفي أوساط النظام، والثورة والمعارضة على حد سواء، حيث مثلت الكلمات، المحددات العامة من قبل المشاركين والجهات المحسوبين عليها، أو الممثلين لها أو لصوتها أو مصالحها بما يتعلق بمخرج اللجنة الدستورية، بما يعني توجيهاً عاماً لعمل اللجنة الدستورية مستقبلاً.
أبرز التعليقات كانت حول النسق الحيادي الذي تكلم به السيد هادي البحرة، رئيس وفد المعارضة، في مقابل انحياز كلمة رئيس وفد النظام (الذي اعتبره رأس النظام غير ممثل رسمي لرؤية الحكومة التابعة له وإن كانت الحكومة والنظام بصورة أدق يدعم هذا الوفد) لموقف النظام وخطابه التصعيدي بصورة كاملة مع تمجيد لرأس النظام، فيما عبر ممثلو المجتمع المدني السوري، الأقرب للمعارضة والثورة، عن مواقفهم الواضحة غالباً من الانتهاكات، ومطالبة معظمهم الأمم المتحدة، بتحمل مسؤولياتها تجاه تحقيق إجراءات بناء الثقة المتمثلة بالإفراج عن المعتقلين، والكشف عن مصير المفقودين، وإيقاف الاعتقالات الممنهجة، فضلاً عن وقف العدوان على المدنيين في محافظة إدلب.
وفي الوقت الذي حاول وفد المجتمع المدني القادم من مناطق النظام، إحداث الكثير من الشغب و"التشبيح" المفرط ضد معظم الكلمات التي أشارت للانتهاكات المرتكبة دون الإشارة للمجرمين(من مبدأ يلي فيه مسلة بتنخزه)، فضلاً عن التماهي التام مع وفد النظام وخطابه، بل الدفاع بشكل غير مباشر ومباشر أحياناً عن جرائمه، فضلاً عن تمجيد جيش النظام المتورط بمعظم الانتهاكات الحاصلة على التراب السوري طوال ٨ سنوات.
فقد التزم وفد المجتمع المدني الحر (لتمييزه عن الوفد القادم من مناطق النظام)بالحياد التام تجاه قضايا مفصلية، كالموقف من شخص رأس النظام والمقاومة المسلحة للنظام (بغض النظر عن فساد الكثير من مظاهرها وارتهانها لقوى دولية وإقليمية)، هذا الالتزام كان مبنياً على قناعات نمطية جاهزة ومستوردة عن المجتمع المدني، وآليات الحكم عليه والتعاطي معه، بنيت عند كثير من الزملاء المشاركين تدريجياً خلال عشرات الورشات واللقاءات، التي دعمتها الجهات الدولية المختلفة، بهدف خلق تصورات سورية للمجتمع المدني، وتعزيزها في أذهاننا نحن الذين غيبنا الاستبداد زهاء النصف قرن عن الحياة العامة، فتلقفنا خلاصات تجارب الآخرين دون تمحيص واقعي حقيقي وفهم لفلسفة وخصوصية المجتمع المدني السوري زمن الثورة وزمن الحرب.
ومن ذلك تبني فكرة الحياد السياسي، وعدم التمييز بين رفض الممارسة السياسية من قبل منظمات المجتمع المدني من جانب، والقدرة على التأثير في السياسة من خارجها، عبر تمثيل مصالح وتطلعات المدنيين، والمطالبة بحقوقهم من جانب آخر، وبهذا المعنى وتماهياً مع الأدبيات المستوردة والمتبناة لآليات التبني والخطاب للمجتمع المدني السوري، فقد ملئت الآمم المتحدة الفراغ السياسي في مواقف وفد المجتمع المدني الحر، بعلمه أو بجهله، وتم القفز على حاجات فطرية ومنطقية للمجتمع المدني السوري، تتمثل بحقه في المقاومة بشتى الوسائل، ضد كل من يريد انتهاك حقه في الحياة الحرة الكريمة، وأيضاً في رفض عدم الإشارة لبشار الأسد بإسمه، وصفته كرأس للنظام، ومجرم حرب مارس أبشع الانتهاكات بحق المجتمع السوري على ضفاف النزاع المختلفة.
ليس التعبير عن تجريم بشار الأسد موقفاً سياسياً بقدر ما هو توجه حقوقي، يعكس الالتزام التام بموقف الناس الرافض لشرعنة وتعويم مجرم حرب، ليكون تالياً في مستقبلهم خياراً محتملاً للحكم والسلطة، كما لايعكس الوقوف إلى جانب حقوق الناس في المقاومة بشتى الوسائل، تماهياً مع الحالة الفصائلية المرتهنة للدول أو المتغولة على المجتمع المدني، بقدر ما يعبر عن حق الناس في الدفاع عن خياراتها.
انفض الاجتماع الأول للجنة الدستورية، وفي الأوراق التي تليت في الجلسات وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، ثوابت محددة، أحدها تجاوز معضلة بشار الأسد كمجرم حرب لا يمكن للسوريين بمجملهم أن يأتلفوا عليه أو يلتفوا حوله، وتحضيره لأي استحقاق انتخابي قادم، و الثاني تجريم كل سلاح يواجه الأسد، وتصنيف حامليه كإرهابيين دوليين وشرعنة كل بندقية تحارب معه، بسكوت المعارضة والمجتمع المدني الحر انحيازاً لمواقف أو أسبقيات شخصية، على حساب موقف جزء معتبر من المدنيين السوريين أو مبالغة بالحياد البارد.
المصدر السورية نت: http://bit.ly/33aq8xz
في 28 أيلول (سبتمبر) 2019، نظم المجلس السوري الأمريكي والمنتدى السوري أمريكا، حدثًا للجالية السورية في مقهى ومعرض سيريانا بولاية ماريلاند.
تحدث السيد ياسر تبارة عضو مجلس إدارة مركز عمران ومدير وحدة المعلومات نوار شعبان عن تطورات المشهد السوري الحالية على الصعيدين المحلي والدولي، وفي نهاية الجلسة أجاب المتحدثون عن أسئلة واستفسارات الحضور المتعلقة بالشأن السوري.
حضر الأستاذ ياسر تبارة الزميل في مركز عمران، ونوار شعبان مدير وحدة معلومات، جلسة نقاشية للتقرير النهائي لمجموعة دراسة سورية(SSG)، نظمت الحدث من قبل معهد الولايات المتحدة للسلام(USIP)، وذلك في تاريخ 26 أيلول 2019، في العاصمة واشنطن.
هدفت الجلسة إلى عرض ومناقشة تقييمات التقرير النهائي وتوصياته، والتي استغرق العمل عليها عدداً من الأشهر عبر مشاورات مكثفة عبر مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة والخبراء المحليين والإقليميين والدوليين.
عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بالتنسيق مع المجلس السوري الأمريكي والمنتدى السوري أمريكا، جلسة نقاشية بعنوان "مستقبل الصراع في سورية: التطورات الميدانية والسياسية"، وذلك بتاريخ 14 سبتمبر 2019، في العاصمة الأمريكية واشنطن
حيث اعتبر حتاحت أن التحدي في عام 2020 أمام الثورة السورية هو محاولة وقف النزيف وإعادة تعريف المسار التفاوضي مع النظام من خلال إيجاد تفاهم ومساحات جديدة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وهذا ممكن أن يُنتج اتفاق جديد في إدلب او يجعل هناك اتفاق تكاملي بين شرق الفرات وغرب الفرات يؤدي لتكوّن كتلة جديدة معارضة للنظام تعتمد على مصادرها الذاتية.