تم الإعلان عن سلطنة عُمان كمستضيف جديد لاجتماعات اللجنة الدستورية، وذلك في بيان اجتماع لجنة الاتصال العربية (الوزارية) المؤلفة من مصر، والأردن، والسعودية، والعراق ولبنان مع النظام السوري، والتي عُقدت في القاهرة بتاريخ 15 آب/أغسطس 2023. ويأتي الإعلان عن ذلك بعد تعطُّل محادثات اللجنة الدستورية بسبب المطالب الروسية لتغيير جنيف كمركز لعقد محادثات اللجنة، بدعوى عدم حياد الأخيرة عقب العقوبات التي فرضتها على روسيا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. وقد تمَّ اختيار سلطنة عمان كبلد مستضيف لاجتماعات اللجنة الدستورية من بين كل من الإمارات، والبحرين، والجزائر وكازاخستان المقترحة من قبل مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية([1]).

يُناقش هذا المقال احتمالات لعب السلطنة لدورها المحتمل في الملف السوري ما بين الوساطة أو الاقتصار على الاستضافة المكانية، كطرف محايد أشبه بجنيف، لاجتماعات اللجنة الدستورية، وذلك في سياق استمرار الاستعصاء السياسي المرافق لجمود مناطق النفوذ من خلال النظر لكل من: سجل عُمان الدبلوماسي ودورها الوساطي على المستوى الإقليمي والدولي، ومقاربتها للمسألة السورية وأطرافها على مدار سنوات الصراع.

"سويسرا الشرق الأوسط": تقليد دبلوماسي استثنائي

لا شكَّ بأن التقليد الدبلوماسي العُماني المبني على مرتكزات عدم الانحياز والحفاظ على علاقات متوازنة مع مختلف الدول بغض النظر عن أطراف النزاع أو خلفية النزاع المصلحية أو الإيديولوجية أو الأخلاقية، جعل منها فاعلاً لا يحمل -إلى حد بعيد- أعباء وتداعيات نزاعات دول المنطقة في سياستها الخارجية. بتعبير آخر: تشكِّل "البراجماتية" أحد أهم المرتكزات في صياغة المقاربات الخارجية للسلطنة وهو ما يقضي بضرورة الاستناد على "الحقائق الجيوستراتيجية وليس المواقف الأيديولوجية أو المؤقتة" لضمان دور فاعل في المجتمع الدولي([2]). تجلَّى ذلك بامتناعها عن الانحياز لطرف ما في الحرب العراقية-الإيرانية حتى غزو الكويت، وامتناعها أيضاً عن قطع علاقتها بمصر عقب اتفاقية السلام مع إسرائيل في 1981 بشكل يخالف التوجه العام للسياسة الخارجية للدول العربية آنذاك([3]).

 استمرَّت عُمان -على مدار العقد الأخير- في التعامل مع النزاعات في المنطقة مستندةً للركائز الدبلوماسية ذاتها، إذ لم تنضم للتحالف الذي قادته السعودية في حرب اليمن، كما لم تُشارك في الحصار الخليجي ضد قطر، ناهيك عن محافظتها على علاقة جيدة مع إيران. مكَّنتها جُملة العوامل هذه من لعب دور وساطي على مستوى ملفات دولية وإقليمية أبرزها: مفاوضات الملف النووي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، ومفاوضات الحل في اليمن بين السعودية والحوثيين. لتكمن فاعلية السياسة الخارجية العمانية في كونها نقطة التقاء دبلوماسية للأطراف المتنازعة.

سورية في السياسة الخارجية العمانية

انتهجت عُمان سياسة متمايزة عن تلك التي اتبعتها دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها السعودية وقطر تجاه الملف السوري: ففي الوقت الذي قطعت فيه أغلب الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية مع النظام في سورية بالتوازي مع تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية ودعم الدول العربية بقيادة سعودية للمعارضة السورية، امتنعت عُمان عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام أو تقديم الدعم للمعارضة السورية في إطار تمسكها بمرتكزات سياستها الخارجية([4]).

توضَّحت مساعي السلطنة للعب دور وساطي في الملف السوري عام 2015، إذ كانت الدولة الخليجية الأولى التي تتبادل الزيارات الرسمية مع النظام في سورية على مستوى وزراء الخارجية، والدولة الخليجية الأولى التي يلتقي وزير خارجيتها برئيس النظام بشار الأسد في دمشق([5])، بالتوازي مع استقبالها لرئيس الائتلاف السوري السابق خالد خوجة([6]) من جهة ومشاركتها في محادثات فيينا للسلام التي ضمَّت 17 دولة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة من جهة أخرى([7]). لاحقاً في 2019، قدَّمت مسقط مبادرة للنظام تهدف لإيجاد حل يُنهي الصراع بتوافق إقليمي-دولي بشرط قيام النظام بالتعاون لإنهاء الوجود الإيراني في سورية([8])، إلا أن موقف النظام المتعنِّت عطَّل مسار الحل السياسي وجميع مبادرات الحل ذات الصلة.

ظلَّت السلطنة الدولة الخليجية الأولى المبادرة في تطبيع العلاقات مع النظام، إذ كانت الأولى في إعادة تعيين سفير لها في دمشق عام 2020، كما كانت المحطة الأولى لرئيس النظام بشار الأسد في زياراته الخارجية بعد زلزال شباط/فبراير 2023([9]) الذي تلاه تطبيع إقليمي عربي مع النظام انتهى بعودته إلى الجامعة العربية. حيث تعمل مسقط على البناء على رصيد علاقتها مع النظام لتفعيل دورها الوساطي في الملف السوري، الأمر الذي تجلَّى في محاولاتها عامي 2015 و 2019، بالإضافة إلى دورها في المحادثات الأمريكية مع النظام بخصوص مصير الصحافي الأمريكي المفقود في سورية، أوستن تايس([10]).

على الرغم من أنَّ جملة العوامل السابقة والمصحوبة بوجود الرغبة السياسية في لعب دور وساطي يعزِّز من فرص السلطنة في لعب هكذا دور؛ إلا أن المشهد السوري المعقَّد وعدم وضوح دعم إقليمي عربي لدور عُماني محوري ضمن إطار المبادرة العربية التي تلعب الأردن دوراً ريادياً فيها والتي لم تحرز تقدماً ملموساً على مستوى الحلول التقنية بسبب تعنُّت النظام، يجعل فرصها في لعب دور وساطي إقليمي محدودة حالياً، خصوصاً مع فتح قنوات التواصل السياسية بين الدول العربية والنظام.

 دولياً، إنَّ غياب قنوات التواصل السياسية المباشرة بين الولايات المتحدة والنظام يضفي أهمية للسلطنة على مستوى احتمالات لعبها لدور وساطة أكبر مستقبلاً؛ إلا أنَّ عدم وضوح تقدُّم ملموس في المحادثات بين أمريكا والنظام التي تجري برعاية السلطنة بخصوص مصير الصحافي الأمريكي المفقود في سورية وبعض المختفين من حملة الجنسية الأمريكية يضع عائقاً أمام تقدُّم مسار المفاوضات، والذي يرتبط بسلوك النظام من جهة، وديناميات صنع القرار في واشنطن، بشكل رئيسي موقف البيت الأبيض من جهة والكونغرس من جهة أخرى.  

ختاماً، سعت عُمان من خلال مقاربتها المتمايزة لترسيخ ثقة النظام فيها كتلك التي تحظى بها من طرف إيران، وذلك بهدف توظيف هذه الثقة للعب دور وساطي على مستوى الملف السوري إقليمياً أو دولياً، مستفيدةً من علاقاتها المتوازنة مع مختلف الأطراف وسجلِّها الدبلوماسي وخبرتها في الوساطة على مستوى ملفات إقليمية ودولية. ومع ذلك، ما تزال حظوظ وإمكانية السلطنة للعب دور وساطي في الملف السوري غير مرتفعة، على الأقل حالياً، نظراً لغياب دور محوري لها في المبادرة العربية حتى الآن، وعدم وضوح تقدم في المحادثات الأمريكية الحالية مع النظام، ولكون إرادة وقدرة النظام تجاه تغيير سلوكه وتقديم تنازلات العاملين الأكثر أهمية في إنجاح أي تقدم في مسار الاستعصاء الراهن.


([1]) "من جنيف إلى مسقط.. “الدستورية” قد تستأنف عملها قريباً"، السورية نت، 16 آب/أغسطس 2023، الرابط: https://cutt.us/pMK47

([2]) المبادئ والمرتكزات، وزارة الخارجية العمانية، الرابط: https://cutt.us/ApsPY

([3]) Joseph A. Kechichian: "Oman A Unique Foreign Policy Produces a Key Player in Middle Eastern and Global Diplomacy", Rand Cooperation, 1995, Link: https://cutt.us/l6OAZ

([4])  بريت سودتيك وجورجيو كافييرو: "الخطوات الدبلوماسية لسلطنة عمان في سوريا"، مركز كارينغي، 03 شباط/فبراير 2021، الرابط: https://cutt.us/lSM2k

([5]) المرجع السابق.

([6])  "الوزير المسؤول عن الشوؤن الخارجية يستقبل رئيس الائتلاف السوري"، الوطن العمانية، 20 تشرين الأول/أكتوبر 2015، الرابط: https://cutt.us/hJw1A

([7])  "نص البيان المشترك الصادر عقب مباحثات فيينا بشأن سوريا، العربية"، 31 تشرين الأول/أكتوبر 2015، الرابط: https://cutt.us/wkLDW

([8]) عبدالله الغضوي: "«عكاظ» تكشف التفاصيل.. بن علوي يعرض «صفقة» على الأسد: البقاء مقابل كنس إيران"، عكاظ، 11 تموز/يوليو 2019، الرابط: https://cutt.us/jxiLp

([9]) "الأسد يزور مسقط: المنطقة اﻵن بحاجة أكثر إلى دور سلطنة عُمان"، الميادين، 20 شباط/فبراير 2023، الرابط: https://cutt.us/RbHQe

([10]) “بمساعدة عُمان”.. رسائل متبادلة تتأرجح بين أمريكا ونظام الأسد"، السورية نت، 17 حزيران/يونيو 2023، الرابط: https://cutt.us/6nV9c

التصنيف مقالات الرأي

بعد انطلاق الثورة السورية في مارس/ آذار 2011، بدأت التحركات في خارج سوريا من ناشطين وشخصيات عُرِف بعضهم بمعارضته لنظام الأسد الأب والابن، وكان هدف تلك التحركات تشكيل جسم يعكس مطالب الحراك الشعبي، وينظِّمه، ويؤمِّن شبكة تواصل مع الدول والفاعلين الدوليين في محاولة لعزل نظام الأسد دوليًّا وتأسيس بديل رسمي عنه.

كان المجلس الوطني الذي أُعلن تأسيسه في أكتوبر/ تشرين الأول 2011 نتاج جزء من هذه التحركات، وهو تجمع لعدة قوى تقليدية وحديثة النشوء، أبرزها الحراك الثوري، ربيع دمشق، حركة الإخوان المسلمين وكتلة المستقلين الليبراليين، وبعد سنة من تأسيسه أُعلن عن تشكيل الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة، بصفته كيانًا يشمل المجلس الوطني وقوى ثورية أخرى، مثل لجان التنسيق المحلية ورابطة العلماء السوريين.

هل المعارضة معطوبة الذات؟

ما يميّز حراك الثورة السورية -علاوة على أنه حراك محقّ ضد نظام سلبَ السلطة واحتكرَ الفضاء المدني والسياسي في الدولة، وشوّه البنية الاجتماعية والقانونية في البلاد- أنه كان بواسطة شباب لا يملكون رصيدًا سياسيًّا ولا حزبيًّا، ولا حتى ذاكرة ملمّة بما يكفي بالمجازر المخيفة التي فعلها الأسد الأب، بل كان حراكًا هدفه التخلُّص من حكم العسكر ونيل الحرية اقتداءً بباقي بلدان الربيع العربي.

ولكن على الجانب الآخر من هذا الحراك، كان هناك شخصيات أُثقلت بمحاولاتها غير الناجحة لمعارضة نظام الأسد طيلة 40 عامًا، وشخصيات ظهرت دون رصيد سياسي دافعها التغيير القادم في سوريا، ولسنا بصدد دراسة أسباب فشل وعثرات ذلك الحراك، ولكن ما يهمّنا الأفكار التي وصلت إليها تلك الشخصيات لحظة انطلاق الثورة السورية.

كان انطلاق الثورة ومظاهراتها الشعبية مفاجئَين للنظام والشخصيات المعارضة على حدّ سواء، فلم يتبنَّ الحراكُ الشعبي الأدواتَ التقليدية التي حملتها "المعارضة" السورية في مراحل ما قبل الثورة، بل جاء بأساليب لإدارة حراكه وتنظيمه وتقديم مطالبه التي لم تُرضِ عددًا من تلك الشخصيات، كونها أدوات "غير ناضجة"، ولا يمكن أن تتحرر البلاد أو تُستبدل الأنظمة بحراك شعبي وهتافات رغم تنوع أساليبها وتوزُّعها الجغرافي الممتد.

ولكن أمام توسُّع جغرافية المظاهرات وعنف النظام المتسارع اتجاهها، وجدت الشخصيات المعارضة نفسها أمام واقع يجب أن ينعكس على الصعيد السياسي بواسطة حراك أكثر تنظيمًا وفاعلية، فحاولت تشكيل الكيانات المعارضة، ولكن لم تكن تلك الكيانات مشكّلة بمعزلٍ عن الخلافات التاريخية الممتدة من بعض الأشخاص أو الجماعات.

هذا فضلًا عن مؤشرات وضعتها هذه الشخصيات لتكون مقياسًا للتمايز، وأحقية التمثيل في تلك الكيانات تعتمدُ على مدّة التاريخ النضالي ضد النظام، وعدد سنين الاعتقال وتكرارها، ما جعل بدايات تشكيل الكيانات سباقًا لإثبات الوطنية بمؤشرات سائلة وليست بأدوات تتماشى مع حجم التضحيات التي كانت تكبر يومًا بعد يوم في سوريا، بمعزلٍ عن هلامية كثير من الأسماء المتصارعة خارجها.

لم تكن فترة البدايات (2011-2012) محدِّدة لعلاقة الشارع الثوري مع الأجسام المعارضة فحسب، بل أسّست لأسلوب عمل مكونات تلك الأجسام فيما بينها أيضًا حتى هذه اللحظة، إذ أصبح مفهوم الاستقرار لديها مرتبطًا بإرضاء تلك المكونات، وتحقيق التمثيل المناسب لكل مكوِّن.

وكلمة "مكوِّن" في هذا السياق لا تشير إلى التنوع الجغرافي أو القومي أو الإثني، ولكنها تشير إلى الجماعات والأشخاص وحجم تمثيلهم في الأجسام حتى لو لم يكن متوافقًا مع شرعيتهم وشعبيتهم في مناطق الثورة، ويُضاف إلى هذه التركيبة للمعارضة البُعد الإقليمي والدولي لبعض شخصياتها وجماعاتها.

بعد أحداث الثمانينيات الدامية التي شهدتها سوريا في القرن الماضي، كان المنفى بمثابة المأوى لشخصيات كثيرة وجماعات فرّت خوفًا على نفسها من بطش الأسد بعد توحشه على مدينة حماة وعلى كل معارض له، فانعكست إرادة الدول التي احتضنت المعارضين والجماعات على سلوك تلك الجماعات خلال سنين الثورة، مثل توسعة الأجسام والاستقالات وبعض التحركات السياسية والمطالبات، ما جعل القرار الوطني منقوصًا ومشوهًا وغير قادر على الوصول إلى إرادة موحّدة سياسية، إذ إن الإرادة كانت مرآة لصراع مصالح تلك الدول في سوريا.

مسارات عبثية وبوصلة ضائعة

جاء التبلور المبدئي لأجسام المعارضة تمهيدًا لبدء مسارات سياسية استمرت لعدة سنوات، استندَ بعضها في البداية على قرارات أممية ولكن تقلّصت فاعلية تلك المسارات لاحقًا، إما بسبب عبثية النقاشات التي دارت حولها وداخلها من طرف النظام، وإما بسبب تشكُّل أجسام معارضة جديدة مثل منصة موسكو ومنصة القاهرة، ما أفضى في النهاية إلى انعقاد مؤتمر سوتشي عام 2018 تحت مظلة روسية وغياب أجسام معارضة عديدة عنه.

بعد انعقاد مؤتمر سوتشي في يناير/ كانون الثاني 2018، والذي تزامن مع اشتداد الحملة التي شنّها النظام السوري على قرى وبلدات الغوطة الشرقية، والتي انتهت بتهجير أهلها إلى الشمال السوري في شهر مارس/ آذار من العام نفسه؛ شُكِّلت لجنة مهمتها إعادة كتابة دستور، والتمهيد لإجراء "انتخابات ديمقراطية"، إذ رفضت الهيئة العليا للمفاوضات بدايةً قرار تشكيل اللجنة، مؤكدة على مرجعيتها في مؤتمر الرياض، وأن موسكو تسعى للانفراد بالحل السياسي خارج إطار الشرعية الأممية، محاولة نسف جهود المجتمع الدولي للتوصُّل إلى حل سياسي يضمن للشعب السوري حريته وكرامته، ولكن هيئة المفاوضات غيّرت موقفها لاحقًا ووافقت على فكرة اللجنة الدستورية، وبدأت جولاتها الستة التي استمرت 3 سنوات ونصف السنة إلى الآن.

بدأت أولى الجولات بطلب وفد النظام بأن تنعقد الجولات القادمة في دمشق، ولكن قوبل هذا المقترح بالرفض من وفد المعارضة، حينما أصرَّ رئيس وفد النظام على أن الخيار العسكري سيبقى قائمًا متزامنًا مع مسار اللجنة الدستورية حتى استعادة الأسد الأراضي السورية كلّها.

اقتصرت الجولات اللاحقة على مقترحات من قبل وفد المعارضة وإصرار وفد النظام على مناقشة "المبادئ الأساسية والركائز الوطنية"، وقضية الإرهاب وإدخال وفد النظام لمفهوم "سيادة الدولة" ومناقشته كشرط للاستمرار في صياغة الدستور، إذ لا يُمكن الدخول في كتابة المواد الدستورية قبل مناقشة مواضيع السيادة والوجود الأجنبي، وهي مواضيع ليست متعلقة بالدستور، ولكن حاول النظام بوساطتها تثبيت سيناريو التجميد السياسي لكسب الوقت، محاولًا إعادة السيطرة على المناطق الخارجة عن سيطرته.

احتوى مسار اللجنة الدستورية كاملًا على عدة تساؤلات لم تُجب عنها الجولات التي انعقدت، أهمها هل المشكلة في سورية مشكلة دستورية ذاتًا، ويتطلب حل القضية السورية وجود دستور جديد، علمًا أن دستور الأسد الحالي يحتوي على مواد متعلقة بالحريات والتعددية الحزبية، رغم غياب آليات تنفيذه وعكسه على سلوك الأسد تجاه شعبه؟

ومن جانب آخر لم توضِّح اللجنة الدستورية كيف سيقرَّر الدستور إذا ما كُتب، وهذا يؤدي بالضرورة إلى إمكانية غياب الإرادة الشعبية بواسطة استفتاء يُفضي إلى إقرار الدستور أو رفضه، وهل سيبقى الدستور في حال كتابته معلقًا حتى إنهاء باقي السلال الأخرى المتعلقة بتشكيل حكم غير طائفي وإجراء انتخابات حرة ونزيهة؟

ويشير د. ياسر العيتي، وهو سياسي وكاتب سوري، إلى أن المسار الصحيح للعملية السياسية هو الذي رسمه القراران الدوليان 2118 و2054، وهو يقضي أن يبدأ الانتقال السياسي بتأسيس هيئة حكم انتقالي تؤمن بيئة آمنة، يتمّ فيها وضع دستور جديد والاستفتاء عليه ثم إجراء انتخابات وفق الدستور الجديد.

ويتابع قوله بأن اللجنة الدستورية لم يَرِد لها أي ذكر في القرارات الدولية، وهي أحد مقررات مؤتمر سوتشي الذي قاطعته المعارضة السورية ممثلة بالهيئة العليا للمفاوضات، ثم وافقت على أحد مخرجاته وهو أن اللجنة الدستورية أقدمت في سابقة لا مثيل لها في العمل السياسي على مقاطعة مؤتمر ثم الموافقة على مخرجاته.

وأشار العيتي في سياق كلامه إلى تصريح المبعوث الروسي ألكسندر لافرنتييف في ديسمبر/ كانون الأول 2021، حيث قال: "كتابة وإعداد دستور جديد ينبغي ألا يهدفان إلى تغيير السلطة في دمشق"، وأوضح أن حكومة النظام السوري "راضية عن الدستور الحالي، ولا ترى ضرورة لإحداث أي تغيير فيه، وإذا سعى طرف ما وضع دستور جديد من أجل تغيير صلاحيات الرئيس وبالتالي محاولة تغيير السلطة في دمشق، فإن ذلك الطريق لن يؤدي إلى شيء".

 ثورات تجدِّد نفسها

لم يعد يخفى على عين المراقب أو الناشط في الواقع السوري بؤس حالة الأجسام السياسية التي ما زالت متمسكة بخيارها وأدواتها التقليدية وآلية عملها الداخلية التي لم تُجدِ نفعًا، بل أضرّت القضية السورية بتمييع المطالب، وحالة الفراغ المملوء بالفساد والمحسوبيات واللاجدوى بين الحراك الشعبي والأجسام السياسية، إذ أصبحت محاولة "الممارسة السياسية" وصمة عار، ومسمّى "سياسي" مقترنًا بالسذاجة والمراوغة، ما عزّز سعي الأنظمة الديكتاتورية في شيطنة العمل السياسي وتشكيل القيود النفسية في المشاركة في أية عملية سياسية.

واعتبر د. العيتي أن الممارسة السياسية تكمن أهميتها بأن يكون للسوريين صوت يمكن إيصاله إلى العالم، وهي ضرورة وليست ترفًا، وطالما المعارضة الرسمية ممثلة بالائتلاف والهيئة العليا للتفاوض لا تعبِّر عن صوت السوريين بمقدار ما تراعي مصالح الدول الراعية لها، لا بدَّ من أن يفكّر السوريون الأحرار بتشكيل كيانات سياسية تعبِّر عن صوتهم، وتضغط على المعارضة الرسمية لتصحِّح المسار أو تشكّل بديلًا عنها.

وختامًا، للقضايا والثورات أيادٍ لن تستطيع النهوض إلا بها، فالعمل السياسي يعطي زخمًا دوليًّا للحراك الشعبي، والعمل العسكري يعطي العمل السياسي أوراق ضغطٍ في مساراته، وأيّ خلل في العلاقات تلك تؤدي إلى أن يُصبح الصوت دون صدى، والمفاوضات مهزلة مستمرة، والثورات الحقيقة هي التي تؤهّل أبناءها وتصنع النخب ولا تستقدمهم من التاريخ.

 

المصدر نون بوست: https://bit.ly/3qTCBUn

التصنيف مقالات الرأي

ملخص تنفيذي

  • بعد انقطاع دام تسعة أشهر ونيف، ذهب النظام إلى الجولة السادسة من اجتماعات اللجنة الدستورية بعد أن أتم استرداد السيطرة الكاملة على درعا ليُنهي فيها الحالة الخاصة التي عاشتها الجبهة الجنوبية وما شكلته من مصدر قلق له، بالإضافة إلى إتمام "استحقاق الانتخابات" الذي أعاد فيه استخدام ذات أدوات التحشيد؛ ناهيك عما أحدثه مشروع خط الغاز العربي في تحسين الأجواء السياسية لنظام الأسد من جهة التطبيع المحدود معه، مما لم تمانعه الولايات المتحدة الأمريكية.
  • في الجولة السادسة لاجتماعات اللجنة الدستورية؛ طرح النظام ورقة متعلقة بالسيادة، أراد من خلالها التأكيد على "الاستعراض السياسي" دون أن يقدم مضموناً دستورياً يعالج الإشكاليات المركبة في الدولة ومؤسساتها. بينما قدم وفد المعارضة مضموناً دستورياً بالغ الأهمية ويتعلق بالجيش والقوات المسلحة والأمن والاستخبارات. إلا أنه لم يلحظ مبادئ العلاقات المدنية الأمنية. في حين قدّم وفد المجتمع المدني ورقة تتعلق بسيادة القانون كانت ملمة بضرورة التوسع بهذا المبدأ وعدم الاعتماد على العموميات.
  • يحكم الاتجاه العام لمسار الدستورية عدة سيناريوهات لا تصب بمجملها في تحقيق الانتقال والتحول الديمقراطي، كالمراوحة بالمكان أو زيادة الزخم دون الوصول لتفاهمات ناجزة. أو -ووفقاً لما تشير له عدة معطيات- مرتبطة بالتطبيع مع النظام؛ فإنه ربما تنجز مقاربة ما دون سياسية للتكيف مع ما أفرزته نتائج المشهد الأمني والعسكري في سورية.
  • من الأهمية بمكان دعم التباحث بين القوى السورية الوطنية لتوسيع مساحات الفعل الممكنة. كصيانة الحوامل الاجتماعية وقضايا العقد الاجتماعي ودعم التنظيمات المدنية والفعاليات السياسية والنقابية؛ وحشد الطاقات لتثبيت مبدأ المحاسبة والعدالة.

 

تمهيد

بعد تعثر متوقع لخمس جولات، اختتمت في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2021 أعمال الجولة السادسة لاجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جنيف "بخيبة أمل" حسب وصف المبعوث الدولي جير بيدرسون. وأتت هذه الجولة بعد انقطاع دام تسعة أشهر ونيف؛ تبلورت خلالها سياقات أمنية وسياسية صبت نتائجها في صالح النظام؛ ليطرح مجدداً ذات السؤال مرة أخرى، ما النتيجة؟ وما المخرج المنتظر؟ وما مدى تأثُر وتأثير السياق السياسي والأمني على هذه الاجتماعات؟ وما هي المقترحات المتمخضة عن هذه الجولة وما دلالتها؟

هذا ما ستحاول الإحاطة التحليلية هذه تبيانه، من خلال تثبيت أثر السياقات الأمنية والسياسية المتشكلة على حركية ونتائج العملية الدستورية. بالإضافة إلى توضيح الجدوى السياسية لتلك العملية بمجملها وتفصيلاتها، في محاولة لتلمّس اتجاهاتها العامة وسبل تحسين تموضع الشرط الوطني في هذه العملية.

مخرجات صفرية

بعد تثبيت أن الإشكال في سورية مرتبط بشكل جوهري بالحكم وليس فكرة "مدخل الحل دستوري" -رغم أنه أحد أوجه الإشكال-، فإنه يجدر التأكيد على عادة النظام بعدم ذهابه لأي جولة مفاوضات إلا بعد أن يُضيف لأوراق قوته ورقة أخرى. وقد تجلت ورقة النظام الإضافية في الجولة السادسة باسترداد السيطرة الكاملة على درعا ليُنهي فيها الحالة الخاصة التي عاشتها الجبهة الجنوبية وما شكلته من مصدر قلق له، بالإضافة إلى إتمام "استحقاق الانتخابات" الذي أعاد فيه استخدام ذات أدوات التحشيد؛ ناهيك عما أحدثه مشروع خط الغاز العربي في تحسين الأجواء السياسية لنظام الأسد من جهة التطبيع المحدود معه، مما لم تمانعه الولايات المتحدة الأمريكية.

يمكن ربط أسباب التعثر والاستعصاء إلى جملة من المعطيات، منها ما هو متعلق بعدم رغبة الدول الفاعلة بالانتقال من التوافق الأمني إلى التوافق السياسي وبالتالي جعل منصات التفاوض بمثابة "مسارح استعراض صفرية المخرج"؛ ومنها ما هو مرتبط بالسيولة العارمة التي شهدها التعريف الإجرائي للقرار 2254 والذي تم تحييد العديد من بنوده خلال سير العملية السياسية الأمميةُ لاسيما المادة الرابعة التي اختزلت لصالح لجنة دستورية انبثقت عن مؤتمر سوتشي 30/1/2018. إلا أن الأبرز من هذا وهذاك أن فلسفة عمل النظام لا يمكن أن تتكيف مع أي إصلاح ولو كان متناهي الصغر، حتى في أقصى حالات ضعفه. مما يرجع إلى أن بنية نظام الأسد وشبكاته قائمة على فكرة التحكم بالدولة والمجتمع والمواطن، من خلال سيطرة أمنية تأتي على رأس أولويات تلك البنية. من جهة ثانية؛ فإن اختزال الحل بعملية دستورية هائمة التعريف وغير منضبطة بأجندة متفق عليها، وغير مجدولة زمنياً سيحول دون خروج مسيرة اللجنة الدستورية عمّا خلص إليه مسار جنيف بجولاته العشرة.

يُبين الجدول أدناه الخط الزمني الخاص باللجنة الدستورية وأعمالها والذي يؤكد المخرج الصفري حتى الآن؛ وما يلحظ في هذه الجولة -وإن كانت دون نتائج تذكر- أنه تم طرح مضامين دستورية من وفد المعارضة ووفد المجتمع المدني.

 "مقترحات" لمضامين دستورية: تبايُن بالجدية والمحتوى

بعد سجالات طويلة في الجولات السابقة حول الأجندة والمواقف السياسية ومنهجية السلوك، وتقديم مقترحات عامة من قبل وفد المعارضة ووفد المجتمع المدني، تم هندسة الجولة السادسة من قبل المبعوث الدولي لطرح مضامين دستورية يمكن أن تمهد لبدء مفاوضات عملية؛ وبطبيعة الحال – كما هو متوقع- لم ينتج عن هذه الجولة أي أثر.

طرح النظام ورقة خاصة متعلقة بالسيادة، ومكونة من ست نقاط تحت عنوان "سيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدة أراضيها" (انظر الملحق رقم 1). أراد النظام من هذه الورقة التأكيد على "الاستعراض السياسي" دون أن يقدم مضموناً دستورياً من شأنه معالجة الإشكاليات المركبة في الدولة ومؤسساتها، والنظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية. وبطبيعة الحال لم يخل هذا الاستعراض من التأكيد على رسائل عدة منها: التماهي العضوي بين النظام والدولة من حيث أن سيادة الثانية مرتبطة بالأولى؛ والرفض المطلق لفكرة خروج مناطق عن سيطرة النظام؛ ناهيك عن الرسائل الموجهة لـ"قسد" ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية والتي تحدد وبوضوح رفض التفاوض حول مركزية الدولة/ النظام واحتكار القوة والموارد؛ كما تمسك وفد النظام بشعارات "العروبة" في رسالة يغازل فيها بعض الدول العربية التي تُهندس عودته للمظلة العربية.

أما بالنسبة لورقة وفد المعارضة فقد طرحت مضموناً دستورياً متعلقاً بالجيش والقوات المسلحة والأمن والاستخبارات. ولهذا المضمون أهمية خاصة (انظر الملحق رقم 2)؛ فلطالما غابت المحددات الناظمة لعمل أجهزة الأمن والدفاع عن المبادئ الدستورية باستثناء العبارات العامة الخالية من أي وزن قانوني، مما جعل ممارساتها وسياساتها خاضعة لرؤية النظام بشكل مطلق؛ حتى أن المرسوم الجمهوري المتعلق بإحداث المخابرات العامة أتى في ظل حالة الطوارئ ولم ينشر في الصحف والإعلام وكذلك القوانين واللوائح الناظمة لعمل الجيش. فباستثناء المراسيم المتعلقة بالخدمة العسكرية والرواتب والزيادات فإنه لا يوجد أي محدد قانون واضح لعملها – غير التقني والفني – لا سيما في علاقتها مع المؤسسات المدنية وأدوارها الوظيفية داخل الدولة.

وعلى الرغم من أهمية تعريف أدوار تلك المؤسسات، إلا أنه غاب عن هذا المضمون عدة أمور لا يمكن تأجيلها لقوانين لاحقة، بل ينبغي أن تكون واضحة وغير قابلة للتفسيرات المتعددة درءاً لاستخدام تلك التفسيرات من قبل مشرّع النظام بما يؤدي إلى تغييرات صورية ليس إلا، وهذه الأمور هي:

  • تبعية المؤسسة العسكرية والأمنية لسلطة مدنية منتخبة (مثلاً الوزير مدني)؛
  • التأسيس المعمق لمبدأ العلاقات المدنية الأمنية، وخضوع المؤسسة الأمنية والعسكرية للمراقبة والمحاسبة؛
  • صياغة الاستراتيجيات الأمنية العامة لا سيما المهددات بما يضمن المشاركة المحلية؛
  • إنهاء التحزب السياسي داخل مؤسسة الجيش وما يستلزمه ذلك من تغييرات في شروط الانتساب؛
  • إعادة هيكلة الأمن عبر إنشاء جهاز الأمن الوطني وتتبيعه لسلطة مدنية؛
  • إعادة هيكلة الجيش بما يؤسس لجيش وطني غير حزبي، وهو ما يستدعي فك الارتباط المؤسساتي والقانوني والسياسي بين حزب البعث والجيش من جهة، وإنهاء سياسة احتكار مراكز القوة والتأثير في الجيش لصالح شبكات النظام ومواليه من جهة أخرى.

من جهته قدم وفد المجتمع المدني ورقة تتعلق بسيادة القانون. مما كان بمثابة إشارة مهمة للتمايز عن مفهوم السيادة الذي أراده النظام أن ينحصر فيه (انظر الملحق رقم 3). وأتت الورقة ملمة بضرورة التوسع بهذا المبدأ وعدم الاعتماد على العموميات، -إذ تم تفصيلها في (15 نقطة)- كما كانت متيقظة لأي محاولة تفسيرية تصادر الحق القانوني عبر إلغاء التحصينات الفردية. وربما كان من الأفضل لهذه الورقة أن تركز أيضاً على مراجعة كافة القوانين والإجراءات التي تضمن إنهاء مفاعيل المادة الثامنة (مبدأ الحزب القائد للدولة والمجتمع)، مع التأكيد على إعادة صياغة القوانين المعنية بعمل الأجهزة الأمنية والجيش في البرلمان ودسترتها.

متلازمتي التجميد والسيولة

يحكم الاتجاه العام لمسار الدستورية مجموعة من المحددات المرتبطة بمتغيرات ثلاث: حركية المسار؛ وخارطة الفواعل الدولية؛ والسياق السياسي والأمني. ووفقاً لذلك يمكن رسم عدة سيناريوهات لا تصب بمجملها في تحقيق الانتقال والتحول الديمقراطي، مما بدوره يعلي ضرورة التباحث بين القوى السورية الوطنية.

  1. المراوحة بالمكان: جنيف كمسرح استعراض للنظام

وهو سيناريو مرجح إذ يدعمه ثلاثة مؤشرات: أولها الحركة غير المنتجة لمسار العملية الدستورية والتي تعتمد مبدأ عقد الجولة دون إلزام بالتفاعل والإنتاج؛ وثانيها عدم وضوح مناخات التلاقي السياسي بين الفواعل الدولية، وبمعنى آخر عدم توفر الإرادة الدولية التي تترجم التفاهمات الأمنية المؤقتة إلى اتفاق سياسي مستدام، أما المؤشر الثالث فيتعلق بالانزياحات السياسية التي يفرزها منطق "تجميد الصراع"، كالاستثناءات الأمريكية في موضوع العقوبات أو تحسين التموضع السياسي للنظام من خلال المظلة العربية؛ أو تلك المتعلقة بالمشهد الأمني وترتيباته شرق النهر وغربه والتي تتعزز بها أوراق روسيا التفاوضية.

  1. تفاصيل جديدة دون الوصول لتفاهمات ناجزة

على الرغم من إشارات المبعوث الدولي غير المتفائلة بإحراز أي تقدم؛ إلا أنه لا يمكن إغفال بعض المتغيرات التي تضغط على النظام للانخراط بجدية بالمحادثات الدستورية عبر أطروحات تفصيلية. ومن هذه المتغيرات الضغط الروسي الذي يحرص على تحصيل هذا الانخراط من أجل مكاسب سياسية ما في شرق النهر أو غربه؛ أو بهدف تعزيز "مقاربة شرعنة وتعويم الأسد"، وهنا قد تكون مقاربة النظام قائمة على مجموعة ركائز (مستمدة من تصريحاته المستمرة) نذكر منها:

  • أن ما يقدم هي مقترحات دستورية تعالج ضمن الأطر القانونية والدستورية "للدولة السورية"؛
  • أن يتم الدفع باتجاه نقاشات دستورية لا تقترب من منظومة التحكم والتأثير؛
  • أن يتم التأكيد على مركزية دمشق كمرجعية لهذه الأطروحات الدستورية؛
  • ألا يتحدد المسار بجدول زمني وأن تبقى الأمور مفتوحة.

 

  1. "مقاربة ما" تؤخر "السياسي" لصالح ما دونه

يُنبئ مسار العملية السياسية وتحولاته بارتباطه بمسارات رديفة تؤثر على منهجية العمل، كمسار أستانا الذي نقل العملية السياسية من سلال أربع إلى لجنة دستورية، ومما يشجع مرة أخرى على وجود هكذا مسار (أو ربما مقاربة) هو الموقف الأمريكي غير المكترث بدفع الملف السوري للأمام. فموسكو ومن خلفها طهران سيعملان على استثمار أطروحات البحث عن مقاربات ما دون سياسية كتلك التي تمت في إطار "خط الغاز العربي" أو التي ستتم عبر الدعم الإنساني وجهودات المجتمع الإقليمي والدولي لتعزيز أطر "العودة الطوعية". وكذلك من المقاربات المتوقعة تفعيل مسار عربي يخفف من عزلة الأسد من بوابات اقتصادية وأمنية معينة مقابل إعطاء زخم شكلاني لمسار العملية السياسية الذي يتفق الجميع على أنه دخل في نفق مظلم.

ختاماً

يمكن القول أنه في ظل السياق أعلاه، لا تنذر المعطيات المتشكلة بحدوث "انفراجات" محتملة بمسيرة العملية السياسية ومتطلبات التغيير السياسي في سورية وما يستلزمه من انتقال وتحول ديمقراطي، فاجتماعات اللجنة الدستورية لن تفضي لمخرج يحقق ما تضمنته القرارات الدولية، طالما أن الإلزام الدولي غائب من جهة، وتنخرط بسياقات سياسية وأمنية تزيد سيولة العملية السياسية وتجعلها متعلقة بمعالجة النتائج لا الأسباب من جهة ثانية.

هذا يعيد ضرورة التركيز مجدداً على أسئلة الفعل السوري الوطني وضرورة توسيع مساحاته الممكنة. كصيانة الحوامل الاجتماعية وقضايا العقد الاجتماعي؛ وإنتاج مقاربات لطبيعة الحكم المستقبلي في سورية؛ ناهيك عن دعم التنظيمات المدنية والفعاليات النقابية؛ وحشد الطاقات بكل المستويات لتثبيت مبدأ المحاسبة والعدالة.

الملاحق

أولا: ملحق رقم (1) ورقة السيادة التي طرحها وفد النظام في جنيف في الجولة السادسة من اجتماعات اللجنة الدستورية

  • الجمهورية العربية السورية دولة مستقلة ذات سيادة تامة، لا تقبل التدخل في شؤونها الداخلية بأي شكل كان، وهي موحدة أرضا وشعبا وغير قابلة للتجزئة، ولا يجوز التنازل عن أي جزء منها.
  • تعد أي مشاريع أو توجهات انفصالية أو شبه انفصالية مهما كانت صيغتها مناقضة لمبدأ وحدة الأراضي السورية، ومخالفة لإرادة الشعب السوري، وينظم قانون الإدارة المحلية سلطات وصلاحيات مجالس الوحدات الإدارية.
  • للدولة السورية الحق الحصري في السيادة الكاملة على مجموع الإمكانات والموارد الطبيعية والثروات الباطنية في أراضيها كافة، وفي إدارتها والإشراف على استثمارها.
  • الجمهورية العربية السورية جزء من الوطن العربي، وتعتز بانتمائها العربي، وتعمل على دعم وتعزيز التعاون والتضامن العربي بهدف تحقيق وحدة الأمة العربية."
  • تسعى الجمهورية العربية السورية لتحقيق السلم والأمن الدوليين في ظل احترام القانون الدولي وقيم الحق والعدالة."

ثانياً: ملحق رقم (2) الورقة التي تقدمت بها المعارضة في الجولة السادسة من اجتماعات اللجنة الدستورية

 

ثالثاً: ملحق رقم (3) ويبين الورقة التي قدمها وفد المجتمع المدني في الجولة السادسة من اجتماعات اللجنة الدستورية.

 

التصنيف تقدير الموقف

انتهت الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية في 29 كانون الثاني/ يناير الماضي دون أي تقدّم، على غرار الجولات الأربع السابقة التي بدأت قبل أكثر من عام.

وعلى غرار كل المسارات السياسية ذات الصلة بالقضية السورية التي طرحتها جهات إقليمية ودولية وأممية، سواء في القاهرة أو فيينا أو جنيف أو أستانة أو سوتشي وغيرها، لم يكتف المسيّر لأعمال هذ الاجتماعات، المبعوث الأممي لسورية جير بيدرسن بأن يُعلن فشلها، بل بث روح التشاؤم حول صلاحية كل هذا المسار، حين أعلن في إحاطته التي تقدّم بها إلى مجلس الأمن في 9 شباط/ فبراير الجاري، أن الاجتماع كان “فرصة ضائعة” و”خيبة أمل”، وأن هناك حاجة “إلى مسار سياسي أوسع” وأنه لن يتحرك أي مسار دون “دبلوماسية دولية بناءة بشأن سورية”.

إذاً، بعد خمسة اجتماعات، وسنة وثلاثة أشهر، مازالت أعمال اللجنة الدستورية تراوح في مربعها الأول، ووفد النظام، ليس فقط وفق رأي المعارضة السورية، بل وفق المبعوث الأممي أيضاً والمراقبين الدوليين، يُعطّل ويرفض ويُماطل، ويدور في حلقات مفرغة ويُفرغ الجلسات من مضمونها، ويلعب على الوقت، ويتحايل في التفاصيل، ويُطبّق حرفياً سياسة النظام الدبلوماسية التي أعلن عنها قبل سنوات وزير الخارجية، والمبنية على إغراق المجتمع الدولي بالتفاصيل الهامشية لإبعاد أي حل سياسي لا يُناسبه.

منذ البداية، كُتب وقيل الكثير حول التشاؤم الذي أحاط تشكيل وضمانات عمل اللجنة الدستورية وجدواها، ولم يُعوّل السوريون كثيرًا عليها، لا لكونها جزءًا من مسار يمكن الولوج من خلاله إلى بقية السلال الأممية التي وضعها المبعوث الأممي السابق ستيفان دي مستورا، بل لأنها لا تُشكِّل الحل بالنسبة للقضية السورية المستعصية، بوجود نظام قادر على جعله حلاً مستحيلاً بأساليبه الملتوية الهادفة لتعطيل كل شيء.

منذ تأسيسها إلى الآن، لم تُناقش اللجنة الدستورية مادة دستورية واحدة، ولم تتفق على سطر واحد، وظلّت تطرح المبادئ ما حول الدستورية، والتعريفات والمصطلحات، والمبادئ الوطنية والقانونية التي لا خلاف عليها لدى أي شعب، ومعاني الانتماء إلى الوطن، بخطوات حرص النظام السوري على أن تسير بطيئة مُملة عبثية، ولم تتطرق إلى البنود محل الخلاف الأساسية، وظلّت “تؤصل” و”تُحضّر” و”تستعد” و”تدرس” و”تُمهّد” للدخول إلى العملية الدستورية، وفق تعابير حرفية منتقاة صرّحت بها شخصيات في وفود الأطراف الثلاثة المشاركة، النظام والمعارضة والمجتمع المدني.

في الجولة الخامسة الأخيرة، رفض النظام اقتراحات تقدّم بها وفد المعارضة حول المسائل الإجرائية، تفي في تسريع وتفعيل عمل اللجنة، كما رفض اقتراحات أخرى تقدّم بها المبعوث الأممي في نفس السياق، فغادر المجتمعون كما قدموا، خاليِّ الوفاض.

رفض وفد النظام هذا ليس عبثياً، ولا طارئاً، بل نابع من “استراتيجية” و”تكتيك” واضحين يسير وفقهما، ويخطط لهما منذ البداية، منذ أستانا وسوتشي وما قبلهما من المشاريع التي يدعمها حلفاؤه، وروسيا بشكل خاص، والتي تضمن له تمرير ما يريد، مستنداً إلى “برود” دولي أو “عدم اكتراث” أو مصالح مختلفة للأطراف ذات الصلة.

أما الاستراتيجية؛ فهي التي أعلنها رأس النظام في مقابلات إعلامية عدة، عنوانها الأساس “لا لأي شيء”، حيث أعلن رفضه لأي خطوة أو حل سياسي مستقبلي في سورية لا يكون الطرف الرابح فيه، أو لا يحافظ على نظامه، وأعلن “لاءاته الأربع، التي تمثلت بـ “لا للقرار 2254” الذي يُشكّل المرجعية لعملية التفاوض السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة والعمود الفقري للحل السياسي وفق كل الدول التي لها علاقة بالقضية السورية، والذي ينص على “دعم عملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة، وتقيم في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكمًا ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولًا زمنيًا وعملية لصياغة دستور جديد، ويدعم القرار إجراء انتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملًا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرًا تحت إشراف الأمم المتحدة”.

و”لا لاتفاق جنيف” حين قال “مسار جنيف قد فشل، لأنه كان يهدف إلى إسقاط الحكومة عبر هيئة مؤقتة”، و”لا” للجنة الدستورية، التي قال إنه “لا علاقة لها بموضوع الانتخابات”، ولا “لكل شيء” حين قال إن وفد النظام مدعوم من قبل حكومته ولا يمثلها حين قال “الحكومة السورية ليست جزءًا من هذه المفاوضات ولا من هذا النقاش… وهؤلاء أشخاص (وفد النظام في اللجنة الدستورية) من نفس جو الحكومة السورية السياسي، ولكن هذا لا يعني أننا نحن كحكومة نفاوض”، وحين قال “الشعب السوري لا يفكر بالدستور، ولا أحد يتحدث عنه، اهتماماتهم تتعلق بالإصلاحات التي ينبغي علينا القيام بها والسياسات التي نحن بحاجة لتغييرها لضمان تلبية احتياجاتهم”.

أما التكتيك؛ فهو نابع من صلب استراتيجية النظام، ويتعلق باقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في سورية وفق الدستور الذي وضعه النظام نفسه عام 2012، والذي يحدد موعداً لها بين 16 نيسان/ أبريل و16 أيار/ مايو 2021، والتي ستجري في ظل قبضة أمنية حديدية، وحالة حرب وفوضى تعم سورية، ووضع إنساني مأساوي، ووجود ملايين من السوريين اللاجئين والنازحين، والأسد المرشح الوحيد فيها، أو شبه الوحيد في حال قدّم النظام شخصيات خلّبية لذر الرماد في العيون – والعد التنازلي هذا يقتضي تمييع كل شيء، وخاصة عمل اللجنة الدستورية، التي ستضع دستوراً يقود لانتخابات نزيهة وشفافة ومراقبة دولياً، إذا لا يمكن للنظام أن يقبل بها تحت أي ظرف لأن ذلك يعني فناءه.

يراهن النظام على بقاءة على مواد دستور 2012، التي تمنح الرئيس صلاحيات استثنائية تتوّجه حاكماً شمولياً مُطلقاً لسورية، فمنح الأسد نفسه في الدستور صلاحيات واسعة جداً، حيث يتولى تسمية رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم ولا يحتاج لثقة مجلس النواب في ذلك، ويضع السياسة العامة للدولة ويشرف على تنفيذها، ويُعلن الحرب ويعقد الصلح، ويُعلن حالة الطوارئ ويلغيها، ويعيّن رؤساء البعثات الدبلوماسية، ويقود الجيش والقوات المسلحة، ويُعيّن الموظفين المدنيين والعسكريين “كلهم” وينهي خدماتهم، ويحل مجلس النواب، ويتولى السلطة التشريعية بدلاً عن مجلس النواب، ويقترح تغيير الدستور، ويبرّء نفسه من أي جريمة يمكن أن يرتكبها خلال حكمه، ومتى شاء يمكن له أن يعيّن ويفصل أعضاء المحكمة الدستورية العليا التي يمكن لها أن تُحاكمه وتُحاسبه، ويجمع عملياً بيده كل السلطات، التنفيذية والتشريعية والقضائية، التي من المفروض أن تكون مستقلة.

هذه هي خلاصة الدستور الذي يتمسك به الأسد ولا يريد أن يُغيّره، ويوجّه وفد النظام في اللجنة الدستورية لتعطيل أي تقدّم في عمل اللجنة كي لا يتغير، وليدخل الانتخابات المقبلة ويفوز بدورة رئاسية رابعة، ويجثم على صدور السوريين سبع عجاف أخرى، يحكمهم خلالها بالنار والحديد والقبضة الأمنية كما حكمهم هو وأبوه خلال خمسة عقود.

تحاول روسيا التمهيد للانتخابات الرئاسية المقبلة في سورية، بما يتوافق مع مصلحة الأسد، فتحاول تصوير الوضع السوري بالمستقر، وتسعى لمصالحات مؤقتة في الجنوب وغيره، ولا تعترف بفشل اللجنة الدستورية، يساندها في ذلك انشغال الرئيس الأمريكي الجديد باستلام الملفات من سلفه، وتوجّه النظام ليُفرّق بين المهاجر واللاجئ، لتضمن عدم إشراك ملايين اللاجئين والنازحين في أية انتخابات حتى لو كانت صورية وشكلية.

تقول روسيا إنها تريد من دمشق أن تسهم في العملية الدستورية، وأن تشرع في عملية إصلاح داخل البلاد، وتُسرِّب لبعض الأطراف بأنها تسعى إلى إقناع دمشق بإجراء إصلاحات مقابل لعب دور الوسيط لرفع العقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة، كلام لا انعكاس له على الأرض، والرهان على خلافات بين موسكو ودمشق، أو بوادر خلافات ستبدأ قريبًا، ربما فيه من المبالغة الشيء الكثير، لأن الروس – كغيرهم – يُدركون أن تغيير الدستور، أو نقل صلاحيات الرئيس لهيئة حكم انتقالي، أو إجراء انتخابات مراقبة دولياً، يعني بالضرورة المُطلقة زوال الأسد، وخسارة حليف لا يتكرر، هان عليه تسليم مفاتيح سورية إلى قيصر الكرملين.

من نافل القول أن السوريين الذين دفعوا مئات ألوف الضحايا من أجل تغيير النظام، لن يقبلوا العيش من جديد تحت سقف دستور شمولي أمني امبراطوري، أو في ظل قوانين ومحاكم استثنائية وسياسات تمييزية طائفية، أو في بلد يُحكم بالحديد والنار.

لكن، لابد من حلول مبتكرة، تعتمد على مسارات أخرى مدعومة دولياً كما قال بيدرسن، أو مسارات ضاغطة مُلزمة تٌفعّل عمل اللجنة الدستورية وتعيد هيكلتها وبرنامجها وجدولها الزمني، أو مسارات سياسية أخرى تعمل عليها المعارضة وتحشد لها دولياً، ودون ذلك، سيكون أمام السوريين أيام مقبلة ليست سهلة أبدًا، ولا تدعو لأي مستوى من مستويات التفاؤل.

 

المصدر: السورية نت

التصنيف مقالات الرأي

عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أحد مؤسسات المنتدى السوري، ووحدة المجالس المحلية، ندوة حوارية بالتعاون مع مكتب الائتلاف الوطني السوري في اعزاز، بعنوان "مشهد العملية السياسية في سورية والمطلوب وطنياً"، وذلك في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 في مقر الائتلاف بمدينة اعزاز، سورية.

تركزت محاور الندوة على قراءة مشهد العملية السياسية والواقع الميداني المحلي، وتعزيز مساحات العمل الوطني المطلوب. حضر الندوة عدد من منظمات المجتمع المدني وممثلي الهيئات السياسية ومجالس المحافظات إضافة لهيئات حكومية محلية ورئيس الائتلاف والامين العام واعضاء في الهيئة السياسية.

هدفت الورشة إلى تعزيز الحوار بين الفاعلين المحليين والمجتمعيين والسياسيين لاستكشاف المساحات الوطنية المفقودة للتأثير في العملية السياسية محلياً ووطنياً.

التصنيف الفعاليات

بتاريخ 11 تشرين الثاني 2020 وفي معرض حديثه لراديو روزنة حول مؤتمر اللاجئين أكد الباحث منير الفقير أن رعاية روسيا للمؤتمر تأتي كمحاولة أخيرة لكسر عزلة النظام ومنحه بعض الشرعية، ولفت الفقير إلى أن الروس مقتنعين بأن عملية الحل السياسي عبر اللجنة الدستورية باتت عملية متعثرة وأن العمل العسكري لن يقدم أي خطوة بالنسبة لهم، لذلك لابد من إعادة شرعنة النظام في مناطق سيطرته.

للمزيد: https://bit.ly/3pqhx5g

نظّمَ مركز عمران للدراسات الاستراتيجية "مجموعة تركيز" في إطار سلسلة ورشاته، نحو البحث في تطوير خارطة طريق لتطبيق أنواع ومفاهيم اللامركزية المناسبة والممكنة في سورية مستقبلاً، وذلك خلال الفترة الممتدة من 2-4 آذار 2020، ضمن مقره الكائن في تركيا-إسطنبول.

وقد تخلل الورشة نقاش متبادل بين مجموعة من الباحثين والخبراء والتقنيين والمعنيين من الهيئات واللجان السياسية السورية، إضافة لممثلين عن منظمات مجتمع مدني، كما استعرضت الورشة ضمن سياقها تجارب مختلفة لعدة دول خاضت تجارب اللامركزية بدرجات متفاوتة، في حين تم البحث والنقاش بالأبعاد المختلفة لتطبيقات اللامركزية على السلطات المختلفة (التشريعية، التنفيذية، القضائية)، مراعياً الهواجس والمخاوف المختلفة التي قد ترافق مفاهيم اللامركزية وتطبيقاتها، خاصة في مراحل ما بعد الصراع.

التصنيف الفعاليات
الإثنين, 16 كانون1/ديسمبر 2019 12:14

نقاشية نقاشية حول | ملف اللجنة الدستورية

عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع مركز هوز للتطوير المجتمعي، ندوة نقاشية مشتركة حول ملف اللجنة الدستورية وذلك في 14 كانون الأول 2019 بمدينة الباب شمال محافظة حلب، حيث قدم الباحث من مركز عمران ساشا العلو، عرضاً موسعاً حول تموضع الدستور في سياق العملية السياسية والسيناريوهات المتوقعة للجنة الدستورية، ثم أجرى الكاتب والمعارض الدكتور ياسر العيتي، تقييماً وطنياً لعمل اللجنة الدستورية بعد انطلاقتها ومساحات العمل الممكنة، وتناول الباحث في مركز عمران منير الفقير، إشكاليات تعريف المجتمع المدني المشارك في اللجنة الدستورية وتقيم أدائه وفرص النهوض بدور المجتمع المدني في الدفع السياسي.

ركزت مداخلات الحضور على أهمية تحديد الخيارات العملية للسوريين في مواجهة الاستعصاء السياسي الحالي، من حيث إعادة التنظيم المجتمعي والسياسي المسستند إلى شرعية حقيقية وأهمية تطوير الخطاب وصولاً إلى استعادة الثورة والسياسة وماهي آليات المقاومة والصد في مواجهة الفرض الدولي لشكل الحل ومساراته، كما شدد الحضور على أهمية تكرار هذه الندوات في تمكين المجتمع وتحصينه فكرياً وسياسياً وأهمية التواصل بين الداخل والخارج لإنضاج الرؤى والتصورات وتوحيدها.

التصنيف الفعاليات

 اختتمت اللجنة الدستورية المشكلة من قبل الأمم المتحدة كمدخل لحل القضية السورية، اجتماعها الموسع الأول في جنيف يوم أمس الأول، وقد اقتصر اللقاء على تلاوة كلمات المشاركين؛ من وفد المعارضة السورية، ووفد النظام، ووفد المجتمع المدني السوري، بشقيه القريب من النظام والقريب من طروحات المعارضة والثورة السورية، بالإضافة إلي إقرار مدونة سلوك ناظمة لعمل اللجنة الدستورية واختيار لجنة مصغرة من ٤٥ عضو من مجموع أعضاء اللجنة البالغ ١٥٠ عضو.

وقد رافق تلاوة كلمات المشاركين ردود فعل متباينة داخل قاعة الاجتماع، وفي أوساط النظام، والثورة والمعارضة على حد سواء، حيث مثلت الكلمات، المحددات العامة من قبل المشاركين والجهات المحسوبين عليها، أو الممثلين لها أو لصوتها أو مصالحها بما يتعلق بمخرج اللجنة الدستورية، بما يعني توجيهاً عاماً لعمل اللجنة الدستورية مستقبلاً.

أبرز التعليقات كانت حول النسق الحيادي الذي تكلم به السيد هادي البحرة، رئيس وفد المعارضة، في مقابل انحياز كلمة رئيس وفد النظام (الذي اعتبره رأس النظام غير ممثل رسمي لرؤية الحكومة التابعة له وإن كانت الحكومة والنظام بصورة أدق يدعم هذا الوفد) لموقف النظام وخطابه التصعيدي بصورة كاملة مع تمجيد لرأس النظام، فيما عبر ممثلو المجتمع المدني السوري، الأقرب للمعارضة والثورة، عن مواقفهم الواضحة غالباً من الانتهاكات، ومطالبة معظمهم الأمم المتحدة، بتحمل مسؤولياتها تجاه تحقيق إجراءات بناء الثقة المتمثلة بالإفراج عن المعتقلين، والكشف عن مصير المفقودين، وإيقاف الاعتقالات الممنهجة، فضلاً عن وقف العدوان على المدنيين في محافظة إدلب.

وفي الوقت الذي حاول وفد المجتمع المدني القادم من مناطق النظام، إحداث الكثير من الشغب و"التشبيح" المفرط ضد معظم الكلمات التي أشارت للانتهاكات المرتكبة دون الإشارة للمجرمين(من مبدأ يلي فيه مسلة بتنخزه)، فضلاً عن التماهي التام مع وفد النظام وخطابه، بل الدفاع بشكل غير مباشر ومباشر أحياناً عن جرائمه، فضلاً عن تمجيد جيش النظام المتورط بمعظم الانتهاكات الحاصلة على التراب السوري طوال ٨ سنوات.

فقد التزم وفد المجتمع المدني الحر (لتمييزه عن الوفد القادم من مناطق النظام)بالحياد التام تجاه قضايا مفصلية، كالموقف من شخص رأس النظام والمقاومة المسلحة للنظام (بغض النظر عن فساد الكثير من مظاهرها وارتهانها لقوى دولية وإقليمية)، هذا الالتزام كان مبنياً على قناعات نمطية جاهزة ومستوردة عن المجتمع المدني، وآليات الحكم عليه والتعاطي معه، بنيت عند كثير من الزملاء المشاركين تدريجياً خلال عشرات الورشات واللقاءات، التي دعمتها الجهات الدولية المختلفة، بهدف خلق تصورات سورية للمجتمع المدني، وتعزيزها في أذهاننا نحن الذين غيبنا الاستبداد زهاء النصف قرن عن الحياة العامة، فتلقفنا خلاصات تجارب الآخرين دون تمحيص واقعي حقيقي وفهم لفلسفة وخصوصية المجتمع المدني السوري زمن الثورة وزمن الحرب.

 ومن ذلك تبني فكرة الحياد السياسي، وعدم التمييز بين رفض الممارسة السياسية من قبل منظمات المجتمع المدني من جانب، والقدرة على التأثير في السياسة من خارجها، عبر تمثيل مصالح وتطلعات المدنيين، والمطالبة بحقوقهم من جانب آخر، وبهذا المعنى وتماهياً مع الأدبيات المستوردة والمتبناة لآليات التبني والخطاب للمجتمع المدني السوري، فقد ملئت الآمم المتحدة الفراغ السياسي في مواقف وفد المجتمع المدني الحر، بعلمه أو بجهله، وتم القفز على حاجات فطرية ومنطقية للمجتمع المدني السوري، تتمثل بحقه في المقاومة بشتى الوسائل، ضد كل من يريد انتهاك حقه في الحياة الحرة الكريمة، وأيضاً في رفض عدم الإشارة لبشار الأسد بإسمه، وصفته كرأس للنظام، ومجرم حرب مارس أبشع الانتهاكات بحق المجتمع السوري على ضفاف النزاع المختلفة.

ليس التعبير عن تجريم بشار الأسد موقفاً سياسياً بقدر ما هو توجه حقوقي، يعكس الالتزام التام بموقف الناس الرافض لشرعنة وتعويم مجرم حرب، ليكون تالياً في مستقبلهم خياراً محتملاً للحكم والسلطة، كما لايعكس الوقوف إلى جانب حقوق الناس في المقاومة بشتى الوسائل، تماهياً مع الحالة الفصائلية المرتهنة للدول أو المتغولة على المجتمع المدني، بقدر ما يعبر عن حق الناس في الدفاع عن خياراتها.

انفض الاجتماع الأول للجنة الدستورية، وفي الأوراق التي تليت في الجلسات وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، ثوابت محددة، أحدها تجاوز معضلة بشار الأسد كمجرم حرب لا يمكن للسوريين بمجملهم أن يأتلفوا عليه أو يلتفوا حوله، وتحضيره لأي استحقاق انتخابي قادم، و الثاني تجريم كل سلاح يواجه الأسد، وتصنيف حامليه كإرهابيين دوليين وشرعنة كل بندقية تحارب معه، بسكوت المعارضة والمجتمع المدني الحر انحيازاً لمواقف أو أسبقيات شخصية، على حساب موقف جزء معتبر من المدنيين السوريين أو مبالغة بالحياد البارد.

 

المصدر السورية نت: http://bit.ly/33aq8xz

التصنيف مقالات الرأي

ألقى الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، معن طلاع، محاضرة بعنوان: قراءة سياسية في اللجنة الدستورية وتأثيرها على القضية السورية بالاشتراك مع الباحث أيمن أبو هاشم الذي قدم قراءة قانونية في اللجنة الدستورية. وذلك بتاريخ 8 تشرين الأول 2019، قاعة بيتنا سوريا، بمدينة غازي عينتاب/تركيا.
وقد حضر اللقاء عدد من الباحثين وناشطين مهتيمن بالشأن السوري.

التصنيف أخبار عمران