التقارير

ملخص عام

يستعرض هذا التقرير أهم الأحداث الأمنية والسياسية والاقتصادية في سورية خلال شهر تموز، حيث تشهد مناطق شرق سورية تحشيداً عسكرياً لمختلف الأطراف على ضفتي نهر الفرات، كما تطورت الخلافات بين "مجلس دير الزور العسكري" وقيادة "قوات سوريا الديمقراطية" إلى مواجهات مسلحة وإغلاق للطرقات في قرى وبلدات ريف دير الزور الشمالي. وعلى الصعيد السياسي، استمر مسار التقارب العربي والإقليمي مع نظام الأسد رغم أن تقدمه يفترض أن يكون رهناً بما يمكن أن يقدمه النظام بالمقابل، وفق مبدأ خطوة مقابل خطوة. فيما شكل الفيتو الروسي على قرار تمديد إدخال المساعدات عبر الحدود تحدياً إضافياً للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لخلق آليات بديلة في ظل أوضاع إنسانية كارثية يعيشها ملايين السوريبن، لا سيما مع الارتفاع الهائل لمتوسط تكاليف المعيشة وتدني قيمة الرواتب، وفي الوقت الذي يسعى النظام فيه لزيادة هيمنته على الموارد واحتكار القطاعات الحساسة وذات العوائد الكبيرة في سورية لتعود عليه وعلى حلفائه بالنفع.

تحديات أمنية داخلية وحشود عسكرية على خطوط التماس

شنّت "إسرائيل" ضربات عسكرية جوية استهدفت عدة مواقع أمنية وعسكرية في ريف دمشق، بينها موقع تدريب تابع لميليشيا "حزب الله" اللبناني في منطقة البجاع بريف دمشق الغربي، ونقطة عسكرية تابعة لـ "حزب الله" بالقرب من معمل الرخام، وأخرى تابعة للميليشيات الإيرانية على الطريق بين الصبورة ومزارع يعفور، كما استهدف "اللواء 88" التابع لـ "الفرقة السابعة" الواقع على الحدود الإدارية بين محافظتي ريف دمشق ودرعا، بالإضافة إلى مستودع ذخيرة شمال شرق حمص، وقاعدة الدفاع الجوي «S 200» في منطقة القدموس بريف طرطوس.

في الجنوب، تستمر حالة الفوضى الأمنية، إذ اُغتيل 37 شخصاً في محافظة درعا، بالإضافة إلى 20 آخرين في حوادث أمنية متفرقة على مدار الشهر. تزامناً مع استمرار قوات النظام بتنفيذ عمليات أمنية وعسكرية محدودة النطاق، حيث قصفت مدينة طفس بالمدفعية والطيران المسيَّر وداهمت ودمرَّت عدة منازل بحجة وجود "مطلوبين" وخلايا تابعة لتنظيم الدولة. وكان من اللافت استخدام النظام للمسيرَّات في حملته الأمنية، إذ يشير ذلك إلى اعتماده أدوات أمنية جديدة في استراتيجيته لتصفية خصومه في درعا ضمن ديناميات التسوية التي تقيد استخدامه للسلاح الثقيل ومن ضمنه الطيران الحربي، والاستفادة بدلاً من ذلك من الدعم الفني والتكنولوجي والخبرة الإيرانية في استخدام المسيرات. وفي السويداء، قامت مجموعات محلية باحتجاز عدد من ضباط النظام رداً على عمليات الاعتقال التي تنفذها قواته في المحافظة، وذلك بهدف مبادلة ضباط النظام بالمعتقلين عن طريق وساطات محلية، إذ تتكرر هذه الحوادث في ظل عدم تمتع النظام بهيمنة أمنية كاملة في المحافظة.

 وفي إدلب واصلت "هيئة تحرير الشام" حملتها الأمنية التي طالت مسؤولين يعملون ضمن صفوفها في الأقسام الإدارية والأمنية والإعلامية بتهمة التخابر لصالح النظام أو روسيا أو الولايات المتحدة الأمريكية. حيث تجاوز عدد المقبوض عليهم أكثر من 300 عنصر وقيادي منذ إطلاق الحملة في شهر حزيران الماضي. بالمقابل، تبادلت كل من الهيئة والنظام القصف في المناطق الواقعة على خطوط التماس بين الطرفين على جبهة ريف إدلب، وتعتبر مثل هذه الأحداث خروقات أمنية لا تؤثر على حالة وقف إطلاق النار القائمة منذ سنوات.

في شرق سورية، تشهد دير الزور حالة من التحشيد العسكري لمختلف الأطراف على ضفتي نهر الفرات، إذ زادت وتيرة وصول قوافل الإمدادات العسكرية للتحالف الدولي إلى قواعدها العسكرية، كما أنشأت "قوات سوريا الديمقراطية" غرفة عمليات في دير الزور وكثفت وجود قواتها وآلياتها العسكرية في المنطقة. من جهتها أجرت قوات التحالف اجتماعات ولقاءات مكثفة مع زعامات عشائرية وممثلي الفصائل والمجالس العسكرية. وتشير المعطيات الميدانية إلى احتمالية تصعيد عسكري قد تشهده المنطقة لا سيما مع صدور تقارير صحفية غربية تفيد بقيام المليشيات المدعومة إيرانياً بالتخطيط لهجمات تستهدف قوات التحالف الدولي.

من جهة أخرى، شهدت قرى وبلدات ريف دير الزور الشمالي قطعاً للطرقات ومواجهات مسلحة بين عناصر "مجلس دير الزور العسكري" و"الشرطة العسكرية" التابعة لقوات قسد، وذلك على خلفية مقتل عنصرين واعتقال آخرين تابعين للمجلس. وانتشرت مقاطع صوتية لأحمد الخبيل "أبو خولة" قائد مجلس دير الزور يدعو فيها عناصره وأبناء العشائر لمحاصرة الحواجز التابعة للشرطة العسكرية وقوات الأمن الداخلي"الأسايش" وقطع طرق الإمدادات العسكرية، قبل أن تتوسط قوات التحالف لحل الخلاف وتهدئة الأوضاع الميدانية وتقديم الوعود بمحاسبة المتورطين في الحادث. وأظهرت هذه الأحداث الأمنية هشاشة بنية قوات قسد من حيث تماسكها الداخلي، وأعادت إلى الواجهة مسألة تحكم كوادر حزب العمال الكردستاني بهذه القوات وسيطرتها على مفاصل صناعة القرار دون اعتبار لمشاركة الفصائل المحلية.

فيما شهدت مدينة منبج إضراباً عاماً شمل معظم القطاعات العاملة في المدينة رفضاً لحملة التجنيد الإجباري التي تقوم بها "قوات سوريا الديمقراطية".

النظام بعد التقارب: ذات السلوك الابتزازي

مع فشل مجلس الأمن الدولي بتمديد قرار إدخال المساعدات عبر الحدود بسبب الفيتو الروسي، أعلن نظام الأسد منحه الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة إذناً لإيصال المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى شريطة عدم تسليمها لما سماها "كيانات إرهابية" وأن يتم توزيعها بالتنسيق مع الهلال الأحمر السوري (التابع للنظام)، الأمر الذي رفضته عدة دول غربية واعتبرته الأمم المتحدة متعارضاً مع استقلالها وحرية عملها، ويسعى النظام بهذا القرار إلى السيطرة على ملف المساعدات الأممية والتحكم بها كأداة جديدة في حربه ضد المعارضين لحكمه ومعاقبة المناطق الخارجة عن سيطرته.

وفي سياق الانفتاح الإقليمي على النظام، استقبل بشار الأسد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في دمشق، خلال زيارة رسمية هي الأولى لرئيس وزراء عراقي منذ 2011، وأكد السوداني على أهمية التنسيق بين البلدين لمواجهة التحديات المشتركة، أما الأسد فتطرق إلى "سرقة" حصة سورية والعراق من المياه، وتورط دول مجاورة في دعم الإرهاب، وتأتي إشارة الأسد إلى تركيا في ظل تعثر مسار التقارب معها نتيجة رفضها لشروط النظام المسبقة وعلى رأسها وضع جدول زمني للانسحاب من سورية على الرغم من تأكيد أردوغان استعداده للقاء الأسد. على مستوى الخطوات التقنية، تم عقد أول اجتماع للجنة الأردنية السورية لمكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود في عمان بحضور وزراء الدفاع ومدراء المخابرات، وهي اللجنة التي تقرر تشكيلها تنفيذاً لمخرجات اجتماع عمّان التشاوري الذي استضافته الأردن في أيار الماضي. ويبدو أن مسار التقارب العربي-التركي مع نظام الأسد مستمر، لكن تقدمه من عدمه رهن بما يمكن أن يقدمه النظام بالمقابل، وفق مبدأ خطوة مقابل خطوة.

أسواق متقلبة وتحديات اقتصادية متزايدة

واصلت الليرة السورية انخفاضها أمام العملات الأجنبية لتسجل 13 ألف ليرة مقابل الدولار في أسواق دمشق وحلب وإدلب والحسكة، في حين رفع مصرف سورية المركزي سعر صرف الدولار إلى 9900 ليرة للمصارف العاملة وشركات ومكاتب الصرافة والأفراد وسعر صرف الحوالات الخارجية. ويُعزى انخفاض الليرة خلال هذا الشهر إلى كمية الأموال الكبيرة التي دخلت حيز التداول في السوق جراء تسديد أثمان القمح والتي تقدر بـ 2 ترليون ليرة سورية (2000 مليار ليرة) لشراء 800 ألف طن قمح من المزارعين في مناطق سيطرة النظام، وبقيمة 516 مليون دولار في مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية" شمال شرق سورية و64 مليون دولار في مناطق سيطرة المعارضة شمال غرب سورية، حيث تسببت هذه الأموال بفائض في المعروض النقدي. كما أقر المصرف المركزي طباعة ورقة 5000 ليرة لتضاف إلى السيولة في السوق.

وتسبب انخفاض قيمة الليرة بارتفاع كبير وغير مضبوط في أسعار السلع الغذائية وغير الغذائية في مناطق سيطرة النظام وبات تغير الأسعار يحدث كل ساعة وكل يوم، بما تجاوزت نسبته 200% في بعض المنتجات، وقد ارتفع متوسط تكاليف المعيشة لعائلة مكونة من 5 أفراد في سورية إلى أكثر من 6.5 ملايين ليرة سورية بعد أن كان بحدود 5.6 ملايين ليرة في نهاية شهر آذار الماضي، في الوقت الذي يبلغ فيه متوسط الرواتب 150 ألف ليرة. أمام هذه الأزمات المتتالية أعلن رئيس حكومة النظام حسين عرنوس عن تشكيل لجنة مشتركة من مجلس الشعب واللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء لإعداد حزمة متكاملة من المقترحات للنهوض بالواقع الاقتصادي والمعيشي، وسط اعتراف مجلس الشعب بعجزه عن تغيير الواقع الاقتصادي في البلاد.

وفي معرض لقاءات حكومة النظام طالب وزير الزراعة محمد حسان قطنا نظيره السعودي عبد الرحمن الفضلي بتسهيل دخول البضائع السورية إلى المملكة على هامش أعمال قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية التي تنعقد في إيطاليا، وأعلن مدير عام مؤسسة الطيران المدني التابعة لنظام الأسد، أن السعودية وافقت على طلب إعادة تشغيل الرحلات بين البلدين وأن مؤسسة الطيران العربية السورية بدأت بتجهيز مكاتبها في العاصمة السعودية الرياض.

وفيما يتعلق بعقود الاستثمار أعلنت وزارة النقل في حكومة النظام عن استثمار مطار دمشق الدولي مع شركة "إيلوما" التابعة لأشخاص على صلة مباشرة مع بشار وأسماء الأسد، بحيث تحصل المؤسسة العامة للطيران على نسبة 51% مقابل 49% للشركة المستثمرة، وستتحمل الشركة تنفيذ جميع الأعمال والخدمات المتعلقة بالنقل الجوي للركاب والبضائع، وامتلاك وشراء وتأجير واستثمار الطائرات، وتنظيم الرحلات الجوية وخدماتها والخدمات الأرضية، إذ يستمر النظام بسياساته في فرض الهيمنة على الموارد واحتكار القطاعات الحساسة وذات العوائد الكبيرة في سورية لتعود عليه وعلى حلفائه بالنفع.

كذلك شهدت مناطق سيطرة المعارضة ارتفاعاً في أسعار السلع الغذائية بنسبة 48% خلال الأشهر الستة الماضية، إثر هبوط سعر صرف الليرة التركية، وقال فريق REACH التابع للأمم المتحدة إن مُعدل الحد الأدنى من الإنفاق على المواد الغذائية الأساسية ارتفع من 1600 ليرة تركية إلى ما يُقارب 2700 ليرة تركية خلال سنة.

وفي مناطق شرق سورية، رفعت “الإدارة الذاتية” أسعار المحروقات في مناطق نفوذها مما تسبب بتوقف محطات الوقود عن البيع حتى الإعلان عن تسعيرة جديدة، الأمر الذي خلّف أزمة على محطات الوقود. كما ارتفع سعر صنف المازوت المخصص للمركبات والأعمال الصناعية من 425 ليرة سورية إلى 525 ليرة لليتر الواحد، والمازوت الحر من 1200 ليرة إلى 1700 ليرة لليتر الواحد، بينما لم تتغير تسعيرة المازوت المخصص للمولدات وأفران الخبز، أما سعر أسطوانة الغاز المنزلي فارتفع من 7500 ليرة إلى 10000 ليرة سورية.

من جهة أخرى، أعلنت "الإدارة الذاتية" منطقتي الحسكة وتل تمر وأريافهما ومخيماتهما مناطق منكوبة، بسبب أزمة انقطاع المياه. وقالت مديرية مياه الشرب بمدينة الحسكة في بيان لها أن بعض السكان لا يحصلون حتى على المياه الملوثة من مصادر غير آمنة وسط استغلال حاجتهم من جانب البعض. وقد تفاقمت أزمة نقص المياه في الحسكة جراء انقطاع المياه من آبار علوك التي تسيطر عليها فصائل المعارضة منذ عام 2019 .

فيما انخفضت مبيعات المواد الغذائية في القامشلي نظراً لانهيار قيمة الليرة السورية إلى أقل من ثلث حجمها منذ بداية تموز الحالي، بحسب أصحاب محال في سوق المدينة، كما انخفضت طلبات شراء المواد الغذائية سواء من المستهلكين أو بائعي المفرق بنسبة تصل إلى 70 في المئة.

مناف قومان
مدخل شهدت سورية خلال الأيام القليلة الماضية تحولاً تاريخياً تمثل بانتصار الثورة في إسقاط نظام…
السبت كانون1/ديسمبر 21
نُشرت في  أوراق بحثية 
محمد السكري
ملخص تنفيذي برزت أهمية مفهوم النقابات كمساهم في صيرورة بناء المؤسسات وعملية الدمقرطة في الدولة…
الخميس كانون1/ديسمبر 19
نُشرت في  أوراق بحثية 
مروان عبد القادر
شهدت سورية منذ بداية الثورة في عام 2011 حالة من الاضطراب السياسي والعسكري، تمثلت في…
السبت كانون1/ديسمبر 14
نُشرت في  مقالات الرأي 
فرح أبو عياده, حسن جابر
ملخص تنفيذي باستمرار الاستهداف الإسرائيلي على الأراضي السورية؛ يُفسر نأي النظام السوري عن الانخراط في…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 25
نُشرت في  أوراق بحثية