ملخص عام
تستعرض هذه الإحاطة تداعيات أهم الأحداث السياسية والأمنية والاقتصادية في سورية خلال شهر أكتوبر 2024. على الصعيد السياسي، انعكست التوترات الإقليمية بشكل مباشر على الأوضاع في سورية، وسط استمرار النظام في اتباع سياسة الحياد الحذر وإظهار تمايزه عن المحور الإيراني واستغلال عودة الاهتمام الدولي بالشرق الأوسط لمحاولة كسر العزلة الدولية المفروضة عليه بسبب العقوبات الغربية. وفيما يخص التطبيع التركي مع نظام الأسد، استمرت موسكو ببذل جهود متواصلة لاستئناف المفاوضات العالقة بين الطرفين.
وعلى الصعيد الأمني، شهد هذا الشهر تصاعداً ملحوظاً في عدد عمليات القصف الإسرائيلي داخل الأراضي السورية، التي استهدفت عشرات المواقع الأمنية والعسكرية التابعة لإيران وميليشيا "حزب الله"، الأمر الذي قد يزيد من مخاطر تمدُّد الحرب المندلعة في لبنان لتطال سورية رغم مساعي النظام للنأي بنفسه عن الحرب، لا سيما مع غياب أفق واضح لوقف إطلاق نار قريب. اقتصادياً، لا يزال التدهور المستمر في مختلف المؤشرات هو الطابع العام للاقتصاد السوري، حيث تزداد معاناة المواطنين نتيجة الغياب التام للسياسات الاقتصادية الفعّالة من قبل حكومة النظام، واستمرار منهجيتها القائمة على تجاهل المشاكل الأساسية كالتضخم والفقر والبطالة، والتركيز على الحلول السطحية بدلاً من معالجة الجذور العميقة للأزمات.
جهود روسية في ملف التطبيع
استمرت التوترات الإقليمية المحيطة بسورية خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر 2024، لا سيما في جبهتي لبنان وغزة، مما ينعكس بشكل مباشر على الوضع في سورية، وقد جدد المبعوث الخاص للأمم المتحدة "غير بيدرسون" تحذيره من أن امتداد الصراع الإقليمي إلى سورية سيزيد الوضع سوءاً، ويُخلّف عواقب وخيمة على السلم والأمن الدوليين.
أما نظام الأسد فقد استمر في اتباع سياسة الحياد الحذر، مما أثار تساؤلات عديدة حول علاقته مع إيران. إذ تحدث إعلاميون مؤيدون للنظام عن اختلاف في وجهات النظر بين الجانبين حول عدة قضايا، منها محدودية دعم طهران للنظام في الجانب الاقتصادي وقطاع الطاقة والمحروقات، في خضم أزمة اقتصادية مزمنة تشهدها مناطق سيطرته، الأمر الذي استدعى نفياً من مستشار خامنئي للشؤون الدولية "علي أكبر ولايتي" حول وجود توتر في العلاقات بين طهران والنظام، واصفاً بشار الأسد بأنه "شخصية مؤثرة تؤمن بالمقاومة" والتقارير التي تداولت أنباء حول توتر العلاقات بـ “الأخبار الكاذبة".
وفي ذات السياق، حاول نظام الأسد استغلال عودة الاهتمام الدولي بالشرق الأوسط لمحاولة كسر العزلة الدولية التي يعاني منها بسبب العقوبات الغربية. حيث التقى رئيس حكومته "محمد غازي الجلالي" بالسفير الهندي في دمشق الذي أبدى استعداد بلاده لتعزيز التعاون في عدة مجالات بما فيها التقنية والمكننة الزراعية. واستقبل نائب رئيس النظام "فيصل مقداد" في مكتبه بدمشق القائم بالأعمال المؤقت للعراق في سورية وبحثا سبل تعزيز العلاقات الثنائية، وضرورة تفعيل اللجان المشتركة، خاصة الاقتصادية منها، وتنشيط مذكرات التفاهم الموقعة. كما اجتمع وزير خارجية النظام "بسام صباغ" في مينسك بكل من رئيس مجلس الوزراء ورئيسة مجلس الجمهورية البيلاروسية اللذين أعربا عن اهتمام بلادهما بتعزيز التعاون مع سورية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. في حين دعا سكرتير مجلس الأمن الروسي "سيرغي شويغو" خلال لقائه بالرئيس الإماراتي محمد بن زايد في أبو ظبي، إلى تقديم المزيد من الدعم السياسي والاقتصادي لنظام الأسد وتعزيز التطبيع معه على المستويين العربي والإقليمي.
وفيما يخص التطبيع التركي مع النظام، أشار وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" أن المفاوضات بين الطرفين متوقفة بسبب الخلاف حول انسحاب القوات التركية من سورية، مؤكداً أن بلاده تبذل جهوداً متواصلة لاستئناف التفاوض. إلا أن الجهود الروسية في هذا الإطار ستبقى محدودة في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة، لا سيما تزايد مخاطر الانزلاق نحو حرب إقليمية واسعة نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة ولبنان والحرب الدائرة على النفوذ الإيراني في الإقليم، إلى جانب السياسة الأمريكية الجديدة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض وتداعيات ذلك على الملف السوري والمنطقة بشكل عام، مما يصعب مسار التطبيع ويعرقله. في المقابل، أشار بدر جاموس رئيس هيئة التفاوض إلى أن التطبيع العربي مع النظام لم يُحدث أي تقدم حقيقي لأن النظام يتهرب من الحل السياسي، داعياً لعقد مؤتمر دولي خاص بسورية والعمل على خطة عربية لدفع الحل السياسي نحو الأمام.
وعلى صعيد آخر، يواجه اللاجئون السوريون في لبنان أوضاعاً إنسانية صعبة للغاية نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية وتفاقم الاحتياجات الإنسانية الأساسية، مع غياب البدائل الآمنة وعدم توفر بيئة آمنة وكريمة تتيح عودتهم إلى سورية نظراً لاستمرار النظام في سياساته القمعية من اعتقالات تعسفية وتعذيب وملاحقات للعائدين وفقاً لمنظمة "هيومن رايتس ووتش". وعلى الرغم من إعلان المفوضية الأوروبية مراراً أنه لا بيئة آمنة في سورية تضمن عودة طوعية كريمة للاجئين حالياً؛ ناقش سفراء الاتحاد الأوروبي سُبل العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم بدفع من دولة المجر التي ترأس الدورة الحالية لمجلس الاتحاد. ويشهد ملف اللاجئين الكثير من الجدل بين الدول الأوروبية إذ تستغل بعض دول الاتحاد هذا الملف لإعادة العلاقات مع نظام الأسد وتغيير سياسة الاتحاد الأوروبي المتمثلة في عدم التطبيع دون تحقيق تقدم ملموس في الحل السياسي.
مؤشرات تمدد الحرب وزيادة التصعيد في سورية
شهد هذا الشهر تصاعداً ملحوظاً في عدد عمليات القصف الإسرائيلي داخل الأراضي السورية، والتي استهدفت عشرات المواقع الأمنية والعسكرية التابعة لإيران وميليشيا "حزب الله"، خاصة المعابر الرسمية وغير الرسمية التي يستخدمها الحزب كخطوط إمداد على الحدود السورية اللبنانية. كما استهدفت الضربات مواقع عسكرية ومستودعات أسلحة وبعض الشخصيات القيادية في "حزب الله" بمختلف أنحاء سورية. وقد طالت هذه الضربات أيضاً مواقع متفرقة في دمشق وريفها أبرزها تلك التي استهدفت مسؤولين رفيعين في الحرس الثوري الإيراني و"حزب الله"، في حين فشلت إحدى الضربات باغتيال الأمين العام لحركة "الجهاد الإسلامي". يزيد التصعيد الإسرائيلي والتوغل البري في الأراضي السورية من خطر تمدُّد الحرب المندلعة في لبنان لتطال سورية، لا سيما مع عدم وضوح أفق لوقف إطلاق نار قريب، وذلك على الرغم من مساعي النظام للنأي بنفسه عن الحرب.
وفي الساحل السوري، شنَّت إسرائيل ضربات قرب قاعدة حميميم عقب وصول طائرة إيرانية، واستهدفت بضربة أخرى مستودع أسلحة بالقرب من ثكنة عسكرية. كما استهدفت مستودع ذخيرة ومبنى تابعاً للميليشيات الإيرانية في ريف حمص الشرقي ومنظومة دفاع جوي جنوب حمص. وفي جنوب سورية، استهدفت إسرائيل كتيبة الرادار واللواء 79 دفاع جوي في درعا، ورادار تل القليب في السويداء، وطرقاً رئيسية في القنيطرة.
يأتي هذا التصعيد بالتوازي مع قيام إسرائيل بانتهاك خطوط فك الاشتباك (1974) مع سورية، عبر توغلها وضمها أراضٍ سورية جديدة للجولان المحتل، بالإضافة إلى حفرها خندقاً بطول يقارب 7 كيلومترات وعرض يصل إلى مترين. وفي الوقت الذي يستمر فيه "حزب الله" باستخدام سورية كخط إمداد للأسلحة والذخيرة من جهة، وتسعى ميليشيا "المقاومة الإسلامية في العراق" لاستهداف مواقع إسرائيلية في الجولان المحتل من جهة ثانية؛ يسعى النظام ومن خلفه روسيا للحفاظ على قواعد الاشتباك في الجنوب السوري، حيث أصدر النظام تعميماً يقضي بمنع السيارات اللبنانية من العبور إلى بعض المواقع في الجنوب أبرزها خط وقف إطلاق النار مع إسرائيل، ناهيك عن انتشار العديد من الحواجز والمواقع العسكرية الروسية والدوريات اليومية، والتدريبات المشتركة مع قوات النظام قرب خط وقف إطلاق النار.
أما عن شمال غرب سورية، فقد صعَّدت القوات الروسية من غاراتها الجوية، بالتزامن مع تعزيزات عسكرية استقدمها النظام لمحيط جبهات التماس مع "هيئة تحرير الشام" من ريف حلب الغربي وحتى ريف اللاذقية الشمالي، وذلك عقب أحاديث عن عملية تحضر لها غرفة "الفتح المبين" بقيادة "تحرير الشام" واستعدادات عسكرية تجريها على خطوط الجبهات، وبالمقابل، استقدمت تركيا نقاط المراقبة في مناطق إدلب لمنع انهيار وقف إطلاق النار.
على صعيد آخر، أعلن فصيل "صقور الشمال" حل نفسه ووضع مقاره تحت تصرف وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، بعد ضغوط تعرَّض لها إثر ممانعته قرار الوزارة بدايةً وإعلانه الانضمام إلى فصيل "الجبهة الشامية"، إذ تمثِّل هذه الحادثة الأولى من نوعها منذ إعلان مسار إعادة الهيكلة.
وفي شمال شرق سورية، استمر القصف شبه اليومي من قبل قواعد التحالف الدولي على البلدات السبع التي تسيطر عليها قوات النظام والمليشيات الإيرانية في شرق الفرات، وأسفر القصف عن مقتل 8 عناصر من الميليشيات الإيرانية والفرقة الرابعة التابعة لنظام الأسد، كما أسفر القصف الصاروخي من قاعدة كونيكو الأمريكية عن إصابة 6 مدنيين بينهم نساء وأطفال في بلدة مراط شمال إحدى البلدات السبع شرق مدينة دير الزور. ويأتي هذا التصعيد في إطار الرد على استهداف القواعد الأمريكية من قبل الميليشيات الإيرانية.
من جهة أخرى، صعّدت تركيا من هجماتها على مواقع عديدة شمال شرق سورية، مستهدفة مواقع عسكرية ومراكز تجنيد لقوات قسد، إضافة إلى مرافق حيوية وبنى تحتية. ويأتي هذا التصعيد التركي رداً على هجمات استهدفت شركة الصناعات الدفاعية "توساش" في أنقرة. وقد صرح أردوغان أن قواته ضربت 470 هدفاً لـ "حزب العمال الكردستاني" في سورية والعراق، منذ هجوم أنقرة، في حين أكدت قوى الأمن الداخلي التابعة لـ"الإدارة الذاتية" وقوع 1168 هجوماً برياً وجوياً تركياً، تركزت على المراكز الخدمية والمرافق الحيوية والبنى التحتية من محطات مياه وكهرباء ونفط ومستشفيات، إضافة للحواجز الأمنية ونقاط التفتيش، وأسفرت عن مقتل 18 شخصاً بينهم 14 مدنياً و68 جريحاً بينهم 54 مدنياً. ورغم نفي قائد قسد مظلوم عبدي أي صلة لقواته بهجوم أنقرة ودعوته للحوار لتخفيف التوتر، إلا أن تركيا أكدت أن المنفذين عبروا إلى تركيا من الأراضي السورية.
ويبدو أن مناطق شمال شرق سورية ستستمر كساحة مواجهة لتصفية الحسابات بين تركيا و"حزب العمال الكردستاني"، إذ لا يلوح في الأفق أي حل قريب في ظل تعنت الأطراف المختلفة، واستمرار نفوذ حزب العمال في المنطقة، هو ما تعتبره "الإدارة الذاتية" "ذريعة" تستخدمها تركيا لضرب مشروعها ومنع قيام كيان سياسي معترف به هناك.
التدهور المستمر سمة الاقتصاد السوري
لا يزال التدهور المستمر في مختلف المؤشرات هو الطابع العام للاقتصاد السوري، إذ تزداد معاناة المواطنين في ظل غياب تام لسياسات اقتصادية فعّالة من قبل حكومة النظام تعالج المشاكل الأساسية مثل التضخم والفقر والبطالة، وسط استمرار منهجية النظام القائمة على تجاهل الأزمات والتركيز على الحلول السطحية بدلاً من معالجة الجذور العميقة للأزمة.
حيث ارتفعت بشكل حاد أسعار المواد الغذائية والخضراوات في دمشق بنسب متفاوتة خلال الشهر الماضي، مما يزيد من الأعباء المعيشية على المواطنين، في حين بلغ الحد الأدنى لتكاليف معيشة أسرة مكونة من خمسة أفراد حوالي 8 ملايين ليرة سورية، بينما لا يزال الحد الأدنى للأجور ثابتاً عند 278 ألف ليرة، مما يخلق فجوة كبيرة بين الدخل وتكاليف الحياة، في ظل عجز السياسات الحكومية عن حماية الفئات الضعيفة غير القادرة على مجاراة التضخم المتسارع. كما يعكس التآكل الحاد في القدرة الشرائية لليرة السورية وارتفاع معدلات التضخم هشاشة الاقتصاد المحلي وتأثره بالتغيرات المحيطة.
ومما يعزز تجاهل النظام جذور الأزمات، قراره رفع سعر المازوت المدعوم من 2000 إلى 5000 ليرة، الأمر الذي يعكس استمرارية الأزمة في قطاع الطاقة، ويؤدي إلى ارتفاع تكاليف النقل والإنتاج الزراعي، ويزيد الضغط على أسعار السلع الغذائية، ويخلق حلقة من التضخم تغذي نفسها باستمرار. وقد بررت حكومة النظام هذه الزيادة على أنها خطوة لتقليص الدعم وتقليل العجز المالي، وهو إقرار غير مباشر بالعجز الاقتصادي الكبير الذي يواجهه النظام وعدم قدرته على الوفاء بالاستحقاقات المعيشية، وإلقاء الأعباء الاجتماعية والاقتصادية عن كاهله دون اتخاذ أي تدابير لحماية الفئات الأضعف.
أما عن الآثار الاقتصادية للعدوان الإسرائيلي على لبنان الذي أسفر عن موجات نزوح سوريين ولبنانيين باتجاه سورية، فتمثلت بزيادة الضغط على أسواق العقارات والإيجارات في عدة محافظات، حيث تراوحت مبالغ الشهرية لتأجير الشاليهات للنازحين اللبنانيين بين 400- 600 دولار، كما ازداد التعامل بالدولار رغم تجريم ذلك رسمياً من قبل حكومة النظام. ويعد هذا الارتفاع في قيمة الإيجارات زيادة في معاناة السوريين الذين يجدون صعوبة في تأمين سكن مناسب، وفي ذات الوقت تُرك السوق العقاري عرضة للاستغلال والمضاربين.
يضاف إلى ذلك، تداعيات القصف الإسرائيلي المتواصل على معبر "المصنع-جديدة يابوس" بين لبنان وسورية والذي أدى إلى توقف حركة التصدير من سورية إلى لبنان، مما أثر سلباً على حركة التجارة بين البلدين بعدما كان عدد الشاحنات السورية الواصلة إلى لبنان يومياً يتراوح بين 30- 40 شاحنة، ويفاقم من آثار ذلك محدودية الأسواق الأخرى التي يمكن أن تصدر إليها سورية والتي تقتصر على الأردن والعراق والخليج، إضافة إلى خسارة رسوم الترانزيت التي كانت تحصلها الخزينة العامة للدولة، حيث كان عدد سيارات الترانزيت المارة بين لبنان والعراق عبر سورية يصل إلى نحو 60 سيارة تدفع كل منها قرابة 600 دولار كرسوم عبور. وتشكل هذه الأزمة ضغطاً متواصلاً على قطاع التجارة بشكل يبرز هشاشة البنية التحتية للتجارة الخارجية السورية، نتيجة اعتماد الاقتصاد على عدد محدود من المعابر والشركاء التجاريين. بالإضافة إلى أن توقف حركة الشحن يعني فقدان مورد هام للعملة الصعبة وزيادة الضغط على القطاعات الإنتاجية المحلية.
ومن الآثار المباشرة للصراع بين إسرائيل وإيران على سورية؛ النقص الحاد في المحروقات، والذي أدى إلى شلل شبه كامل في وسائل النقل العامة في دمشق، وهو ما ينعكس على الحياة اليومية للمواطنين ويزيد من تكاليف النقل. حيث قلّصت إيران من صادرات النفط إلى سورية، مع توجيه الأولوية إلى الصين، الأمر الذي ساهم في تعميق أزمة المحروقات في سورية بشكل كبير. وتشير صادرات إيران إلى الصين في شهر أيلول/سبتمبر 2024 إلى تصدير 1,626,287 برميلاً يومياً مقارنة بـ 35,099 برميلاً فقط إلى سورية. وقد تراوحت مدة الانتظار للحصول على 25 لتراً من بنزين (أوكتان 90) و(أوكتان 95) بين 20 و30 يوماً وأكثر أحياناً، أي بمعدل تعبئة واحدة في الشهر فقط بدلاً من 3 مرات. ويؤكد هذا الأمر مدى انكشاف النظام على إيران واعتماد الاقتصاد السوري على الدعم الإيراني بشكل كبير مقابل هشاشة مؤسسات النظام في تأمين احتياجات المواطنين الأساسية.
أما عن شمال شرق سورية، فقد ارتبط الملمح الأساسي بتأثير الهجمات التركية على القطاع النفطي وشدة اعتماد "الإدارة الذاتية" على الموارد المالية الآتية من مناطق النظام لقاء صادرات النفط، وهذا ما يجعل التوترات العسكرية من جهة، والاعتماد الكبير على النفط كمصدر رئيسي للدخل من جهة أخرى، تحدياً كبيراً تواجهه الإدارة. وقد استأنفت "قسد" إرسال النفط إلى النظام بعد انقطاع لأيام جراء الضربات التركية، بما يعكس حاجتها الماسة للأموال بالليرة السورية لتغطية التزاماتها من نفقات ورواتب.
من جهة أخرى، توقفت العديد من المعامل في القامشلي عن الإنتاج نتيجة نقص المواد الخام وارتفاع الضرائب والجمارك، مما يدفع نحو زيادة التكاليف ويضعف القدرة التنافسية للمنتجات المحلية، ويعكس أيضاً تحديات كبيرة تواجه القطاع الصناعي في المنطقة في ظل الاعتماد على الاستيراد وغياب بنية تحتية قوية تدعم الإنتاج المحلي. كما أن ارتفاع أسعار المحروقات أيضاً يزيد من تكاليف الإنتاج ويقلل من ربحية المعامل ويدفع بعضها للتوقف عن العمل.
وفي شمال غرب سورية، أظهرت آخر البيانات الاقتصادية الصادرة عن "منسقو الاستجابة" في شهر أيلول الماضي ارتفاع حد الفقر إلى 11,218 ليرة تركية، في حين بلغت نسبة العائلات الواقعة تحت حد الفقر 91.18% كما بلغت نسبة البطالة العامة 88.82% وارتفعت نسبة التضخم بمقدار 1.07 % على أساس شهري و77.13 % على أساس سنوي. وتشير هذه الأرقام إلى التدهور المستمر في الظروف المعيشية للسكان في المنطقة، وأن غالبيتهم العظمى يعانون من ضعف القدرة الشرائية وارتفاع تكاليف المعيشة، مما يزيد من الفجوة بين الموارد المتاحة واحتياجات الأسر اليومية. يضاف إلى تلك التحديات انخفاض كمية المساعدات الإنسانية وارتفاع أسعار السلع نتيجة تدهور سعر الصرف، مما يجعل من الصعب على السكان تلبية احتياجاتهم الأساسية، ويخلق حالة من انعدام الأمن الغذائي.
وفي تل أبيض، افتتح وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة "مركز حبوب صومعة الصخرات" بسعة تخزين تبلغ 12 ألف طن من القمح، وتشكل هذه الخطوة ركيزة مهمة لدعم الزراعة في المنطقة وتخفيف الأعباء على المزارعين. ويُتوقع أن يساهم المركز في تحسين جودة التخزين ويقلل من الفاقد جراء تلف قسم كبير من الحبوب الناتج عن سوء التخزين، مما يدعم استدامة إنتاج القمح، وتحسين أسعاره ويشجع المزارعين على زيادة الإنتاجية. كما تخطط الحكومة المؤقتة لتأهيل 10 صوامع أخرى في المنطقة خلال الفترة القادمة.
وفي إدلب، سلّمت "حكومة الإنقاذ" نصف راتب لموظفي الجهات العامة عن الشهر التاسع، ويعكس هذا القرار أزمة مالية حادة تواجهها "هيئة تحرير الشام"، كما يبرز حجم ملاءتها المالية التي كشفت عدم قدرتها على تغطية الرواتب بشكل كامل.