يعرض هذا التقرير أهم خلاصات المتابعة والرصد اليومي للفعاليات الإعلامية والبحثية الروسية خلال شهر تموز المنصرم، والتي اتضح تركيزها على ثلاثة قضايا، أولها اتفاقات خفض التصعيد وتطوراتها ومدلولات الموقف الأمريكي والإسرائيلي حياله، وثانيها تتبع بعض القضايا والسياسات الأمريكية مثل قضية اتهام روسيا بالتدخل بالانتخابات الأمريكي، وتلمس حدود تغيير سياسة واشنطن في سورية وتفسيراتها، وأولوية محدد "الغاز" في توجهات أمريكا الدولية، أما ثالث هذه القضايا فيتعلق بتقديرات موسكو للموقف القتالي في سورية بدءاً من متابعة التطورات العسكرية ومروراً بنشرات مركز حميميم وانتهاء بملامح السياسة الروسية حيال قوات سورية الديمقراطية.
ركزت الفعاليات الإعلامية الروسية على اتفاقات مناطق خفض التصعيد في سورية، معتبرة إياها مخرجاً مهماً للقاء بوتين وترامب على هامش قمة العشرين، إذ أشار الخبراء الروس إلى أن الاتفاق خطوة لعودة أمريكا للمشاركة في العملية السلمية في سورية وأولها تأييد نتائج لقاءات أستانة. وفيما يلي جملة من التصريحات والتحليلات الروسية حول هذه الاتفاقات:
عموماً، لعل المكسب الروسي الكامن وراء هذه الاتفاقات يتمثل في خلق ظروف تنسيق عمل مشترك مع الولايات المتحدة الأمريكية الذي يبدو أن الملف السوري لديها ليس ذو أهمية، وذلك لتحقيق أمرين: الأول انعكاس هذا الاتفاق إيجاباً على بؤر التوتر مع الولايات المتحدة خارج إطار الملف السوري، والثاني تطويع هذا اللاهتمام الأمريكي لإنجاز مقاربات سياسية متوافقة مع الشروط والأهداف الروسية.
في المقابل تصدر بعض الصحف الروسية مثل (صحيفة ريفان) بأن الموافقة الأميركية على المنطقة الآمنة في الجنوب السوري هي تكتيك مرحلي لتحقيق أهدافها مدعمين هذا الاستنتاج بآراء البروفسور في الجامعة الأميركية في بيروت جمال واكيم في مقال له في صحيفة فارس نيوز، إن موافقة الولايات المتحدة الأميركية على إقامة منطقة آمنة في الجنوب السوري ماهي إلا مناورة منها لإرجاء مخططها الحقيقي لها والمتمثل بإسقاط الأسد ومحاولة لاستعادة دورها الغائب عن الساحة السورية، وأن الاستراتيجية الروسية في سورية منعت الولايات المتحدة من نشر قواعد صواريخها في الأردن بالقدر الكافي لإسقاط الأسد، مضيفاً إن الولايات المتحدة غير مهتمة بقتال تنظيم الدولة قدر اهتمامها بإسقاط الأسد لذلك ستعمد في هذه المرحلة إلى قطع التواصل بين بغداد ودمشق للحد من النفوذ الإيراني في سورية وكذلك تحريك أدواتها في الشمال (الأكراد) ونشر قواعد صواريخها الفعالة والحديثة في تلك المنطقة تمهيداً " لتوجيهها لاحقاً" للجيش السوري حيث سيتأجج الصراع وتكون فرصة لأميركا لتنفيذ مخططاتها([3]).
وفيما يتعلق بالموقف الإسرائيلي، رصدت الصحف الروسية باهتمام واضح هذا الموقف وتطوراته وفق الآتي:
والجدير بالذكر هنا، فقد ركزت تلك الصحف على مطالب نتنياهو التي دفع الحكومة الفرنسية على تقديمها للحكومة اللبنانية، حيث طلب من ماكرون إبلاغ سعد الحريري قلق إسرائيل المتزايد من تغلغل النفوذ الإيراني في لبنان ودعمه لحزب الله ومحاولة إقامة مصانع أسلحة في الجنوب اللبناني ملفتاً انتباه الحريري بأن لبنان بغنى عن الصدام مع إسرائيل، كما ذكر نتنياهو بأن حركة حماس قد تبدأ العمل من لبنان أيضاً وبذلك يزرعون بذور حرب كبرى في لبنان([5]).
تشير تلك المواقف إلى أن اتفاقات وقف التصعيد رغم أهميتها روسياً لكونها جزء رئيسي من مقارباتها لحل الأزمة في سورية، إلا أن عدم صلابة الموقف الأمني الأمريكي أو الإسرائيلي يجعلها تمتلك مؤشرات عدم الاستقرار وبالتالي بقاء احتمالية تهديد "المنجز الروسي"،
ركزت الفعاليات الإعلامية والبحثية الروسية على العديد من القضايا والسياسات الأمريكية في المنطقة والعالم، إلا أن أهمها يتمثل في ثلاثة أمور:
أولاً: "الغاز هو الهدف الأبرز وراء حروب الولايات المتحدة"، إذ سلطت صحيفة كمسامولسكايا الضوء على هذا الأمر، مبينة ( وفقاً لميخائيل يكروتين من شركة الطاقة الروسية) أن أميركا تعتمد مبدأ العقوبات أيضاً في حرب الغاز، إذ أن الغاز الروسي عبر الخطوط الممتدة في سيبيريا لا يمكن تصديره إلى الصين دون إعادة تصنيعه من قبل شركات غربية التي لن تستطيع القيام بهذا في ظل العقوبات، وتركز الصحيفة في هذا السياق على حديث وزير خارجية ألمانيا غابرييل ورئيس النمسا كريستيان كيرن في بيان مشترك أنهم ضد فرض الولايات المتحدة العقوبات غير القانونية على الشركات الغربية التي تتعاون مع شركات الطاقة الروسية سواء مالياً أو تقنياً وهذا يتعارض مع السوق التنافسية الدولية وحرية التجارة، وتختم الصجيفة أنه "تحت غطاء العقوبات تسعى أميركا إلى إزاحة موسكو من السوق الأوربية بعد أن بدأت بتصدير الغاز بأسعار مخفضة، هذا باختصار الهدف الأميركي من العقوبات أو الازمات الأخرى التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية"([7]).
ثانياً: "تفاعلات التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية"، حيث أفردت قناة РБК التلفزيونية الروسية حلقة تلفزيونية حول ذلك، موضحة أنه انتشرت في الآونة الأخيرة معلومات تفيد أن أعضاء الحملة الانتخابية لترامب حاولوا الحصول على دعم روسيا، وبناءً عليه قام النائب الديمقراطي براد شيرمان ويدعمه آل غرين بإعلان بيان في الكونغرس يطالبان به استجواب الرئيس الأمريكي ترامب بتهمة عرقلة سير العدالة المتعلق بعلاقة أعضاء حملته الانتخابية بروسيا، إذ قال شيرمان في بيانه أننا بذلك سنرغم (حسب البيان) اللجنة القانونية في الكونغرس على استجواب ترامب بتهمة عرقلة العدالة. مضيفاً "أن ترامب لديه شيء ما يخفيه من خلال عزل مساعده للأمن القومي مايكل فيلين وكذلك محادثاته مع مدير مكتب التحقيقات الفدرالي جيمس كومي. كلها أمور تعرقل القضاء وتشكل أساساً للاتهام. وفي نفس السياق ذكرت محطة أنه بتاريخ 9 حزيران 2017 بأن لقاء جمع كل ابن المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية جيرالد ترامب ورئيس الحملة الانتخابية بول مانا فورت وصهره جارد كوشنير مع المحامية الروسية نتاليا فيلينسكوي، وقد أكد هذا اللقاء صحيفة نيويورك تايمز تحت عنوان (الاتصالات مع الكرملين) وكان ذلك أول تأكيد للقاء مقربين لترامب مع مواطن روسي قبيل الانتخابات الرئاسية([8]).
ثالثاً: السياسة الأمريكية في سورية، وتحت عنوان "هل السياسة الأميركية في سورية تغير حقيقي أم لعبة سياسية؟" حرر إيغور بارينتسيف مقالاً “مرفق بتحليل قائد قوات الدفاع الجوي الروسية السابق سيرغي خاتلييفا عن السياسة الأميركية في سورية تضمن مجموعة من الأسئلة والإجابة عليها وفق الآتي:
ويكمل المحرر مقالته قائلاً "إذا سلمنا بوجود تحرك يبدو إيجابياً من قبل أميركا إلا أنه بتحليل الوقائع على الأرض نستخلص الآتي "أن حل الأزمة السورية سيستغرق عدة سنوات، بكلمات أخرى يمكننا القول بأنه توجد حركة إيجابية أميركية ولكن كما تعلم أميركا مسبقاً ستكون بدون نتائج، ولمعرفة ذلك بوضوح أكثر يجب أن نطرح الأسئلة التالية: هل يمكن القول إن سورية قد اقتربت ولو بشكل بسيط من الاستقرار؟ هل يمكن الحديث عن توحد السلطتين العسكرية والإدارية؟ هل هناك نمو اقتصادي وعودة إلى الحياة الطبيعية؟ فالإجابة على هذه الأسئلة هو بـ (لا) ولن يتم في السنوات العشر القادمة، وهنا يمكن الحديث وبغض النظر عن التنازل الأميركي الظاهري فإنهم لن يغيروا موقفهم ويبقى هدفهم الأول استمرار الاضطرابات في سورية خاصة والشرق الأوسط بشكل عام"([9]).
كما يشير التقرير الصادر عن "غرفة حميميم" بتاريخ 24/7/2017 أن مناطق خفض التصعيد باتت مناطق مستقرة، وبيّن هذا التقرير ما يلي:
وفيما يتعلق بالحركية الروسية بخصوص الأكراد، فقد حذرت روسيا الأكراد بضرورة مغادرة خمس مدن وقرى في ضواحي حلب لسببين: الأول فتح طريق حلب إدلب والثاني لإيصال المساعدات وسحب ذريعة تركيا لمهاجمة الأكراد في عفرين، وفي هذه المواقع بالذات (وفقاً للروس) تريد تركيا "إقامة ثلاث قواعد عسكرية ليتاح لها مهاجمة الأكراد تحت ذريعة محاربة الإرهاب"، وهذا ما تم الاتفاق عليه في عفرين. وكما تفيد الصحيفة فإن روسيا تقصد من وراء ذلك "وقف المزيد من إراقة الدماء الكردية في عفرين".
وتدل هذه التنبيهات على أن موسكو تولي المزيد من الاهتمام في هذه المنطقة وهذا ما سيدركه الأتراك، وبالتالي وفقاً للصحيفة فإنه "قد تبتعد تركيا عن إقامة قواعد عسكرية فيها"، ومن جهة أخرى "يجب على الأكراد أن يعرفوا أن هذه المنطقة ستحرر وتعود للجيش السوري في وقت ما"، لذلك يجب عليهم اغتنام فرصة العرض الروسي، لأن الأكراد يعلمون أن YPG هو الجناح العسكري للمجلس الكردي الأعلى الذي تعتبره تركيا جزء "من حزب العمال الكردستاني وبالتالي ستتعرض للهجوم التركي.
وفي إطار هذا الموقف وعملية التدخل العسكري الروسي في سورية، رصد هذا التقرير اعتراض عضو مجلس الدوما الروسي ايغور سوخاروف على هذه قائلاً: "هل نفقات العملية العسكرية الروسية في سورية أهم من دفع ورفع رواتب الأطباء الروس متابعاً بأنه طالما العملية مستمرة فإن الحكومة تتكبد نفقات كبيرة جراءها. آثارت هذه التصريحات حفيظة عدد من المراكز البحثية والخبراء العسكريين وتنافسوا في الرد على المذكور، مستندين على توضيح بوتين مع بدء العملية أن ليس لها من نفقات إضافية لأن مخصصات التدريب حولت لصالح العملية، وممن تطوعوا للرد على عضو المجلس بليخانوف مدير كلية العلوم الاجتماعية والسياسية في جامعة الاقتصاد في موسكو وكذلك الخبير العسكري ألكسندر بيريندجييف واللذين وصفا التصريحات بالمحرضة وتحريض الشعب الروسي ضد العملية متسائلين: لماذا يطلق العضو هذه التصريحات ومن الذي فوضه بذلك؟ أو ماذا يريد من وراء ذلك؟ مستنتجين أن مثل هذه التصريحات تحرض الرأي العام ضد العملية وأنها تدخل في سياق الحقد فقط. لأن زاخاروف كعضو مجلس الدوما لا يعمل من أجل وحدة الشعب والمجتمع والاستقرار وبذلك يكون بشكل طبيعي ضد مصالح الدولة بما فيها الحرب على الإرهاب. كما قال بوريس دولغوف عضو رئيسي في مركز الدراسات العربية والإسلامية التابع لمعهد الدراسات الشرقية إن العملية ليست ضرورية فقط ولكن لابد منها لأنه بدونها لا يمكن القضاء على الإرهاب الإسلامي المتطرف وبالتالي لا يمكن المحافظة على المصالح القومية لروسيا. أما عن ربط العملية بالرواتب التي يتقاضاها الأطباء أو غيرهم فهو غير معقول متسائلاً هل عدم وجود العملية سيؤدي إلى دفع إو رفع رواتب الأطباء أو غيرهم وهذين شيئين مختلفين تماماً وهذا يدخل ضمن العدالة الاجتماعية، مضيفاً وقد تحدث كثير من الأعضاء سابقاً عن ضعف الرواتب دون ربطها بالعملية في سورية([11]).
على الرغم من أن تلك النجاحات والتقدمات العسكرية ساهمت في تغيير العديد من المعطيات الميدانية لصالح تعديل كفة النظام، إلا أن إغفال الإعلام الروسي لعدم قدرة النظام على الحفاظ على هذه المكتسبات أو استطاعته فتح جبهات بمفرده يساهم في عدم إيصال حقيقة البنية العسكرية المتهاوية للنظام والتي يدعمها الروس، وحتى في حال ظهور أصوات روسية معارضة لهذه العملية تنبري العديد من الفعاليات للرد عليه ونقده، ورغم ذلك فإن تلك الأسئلة وغيرها مما يتعلق باستراتيجية الخروج الروسي سياسياً من سورية ستبقى تفرض نفسها على عملية التدخل التي طالما أنها تغيب ضرورة إعادة تعريف موسكو للأزمة في سورية ستبقى كل "منجزاتها" قلقة وتزيد من حجم وعمق انخراطها وما يحتويه من تحديات.
يدلل هذا التقرير على أن تركيز الفعاليات الروسية منصبة بدرجة رئيسية على سياسة الولايات المتحدة في سورية على وجه الخصوص سواء فيما يرتبط بقياس أي مؤشر دال على تغيير ما في هذه السياسة، رغم قناعتهم بأن واشنطن تنتهج سياسات الخداع والتضليل وأن جميع ما تم من ترتيبات لا تنذر بتغيير حقيقي في خارطة الأهداف الأمريكية في سورية، خاصة إذا ما تم ربط هذه السياسة بسياسة العقوبات الاقتصادية، والأزمة الدبلوماسية، وما يرشح من ملف اتهام موسكو بالتدخل في الانتخابات الأمريكية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يبين التقرير تقدير موسكو القتالي في سورية والذي يصدر صورة الاقتراب من تحقيق المقاربة الروسية بعد عملية التطويع العسكري واستثمار معادلات الميدان في السياسية، ويغفل هذا التقرير ضرورة اتساق هذه الحركية مع بنية الحليف وقدرته على القيام بوحده بوظائف عسكرية وأمنية، وهو ما من شأنه زيادة عمق الانخراط وتزمينه.