ملخص عام
شهد شهر أيار تحولاً نوعياً في التعاطي العربي مع القضية السورية، تمثل بحضور بشار الأسد للقمة العربية في السعودية بعد قطيعة استمر لأكثر من عقد. الحدث الذي اعتبره النظام خرقاً للعزلة المفروضة عليه إقليمياً ودولياً، في حين اعتبرته الدول العربية كخطوة في مسار الحل الشامل تستدعي خطوة مقابلة من طرف النظام ربما تتضمن تقديم تنازلات حاول النظام تجنبها طيلة السنوات الماضية. أمنياً وبُعيد اجتماع عمان الذي حضره وزير خارجية النظام، شنت مقاتلات أردنية، للمرة الأولى، غارات جوية استهدفت أحد تجار المخدرات في الريف الشرقي للسويداء، بعد أيام من تصريح وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بإمكانية استخدام القوة العسكرية لمكافحة المخدرات. كما ألقت تركيا القبض على أعضاء في تنظيم الدولة، بينهم “والي تركيا"، وفرضت عقوبات مشتركة مع الولايات المتحدة ضد أشخاص مهتمين بتمويل "هيئة تحرير الشام" و"كتيبة التوحيد والجهاد" في سورية. اقتصادياً، شهدت مختلف المناطق السورية ارتفاعاً حاداً في أسعار اللحوم والمواد الأساسية، في حين تم وضع حجر الأساس لمشروع سكني في ريف جرابلس يهدف لبناء 240 ألف وحدة سكنية في غضون 3 سنوات لإسكان النازحين.
عودة النظام السوري للجامعة العربية
شكلت إعادة مقعد سورية في الجامعة العربية للنظام وحضور الأسد للقمة في الرياض الحدث السياسي الأبرز خلال شهر أيار، حيث مَثل بداية مرحلة جديدة من الانخراط العربي، الرسمي، مع النظام السوري بعد انقطاع دام أكثر من عقد. وكما يبدو فإن مباردة التقارب العربي تركز على قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب و الملف الإنساني على رأسه اللاجئين والعملية السياسية؛ ملفات صعبة يعتمد التقدم فيها على تجاوب النظام مستقبلاً وتقديمه لتنازلات جوهرية حاول تجنبها طيلة الأعوام السابقة. من جهته يعوّل الأسد على الانفتاح العربي كخطوة للضغط على الولايات المتحدة والإتحادالأوروبي من أجل تخفيف أو إزالة العقوبات المفروضة على أركان نظامه بحجة أنها تعيق التقدم في مبادرة الحل العربي . أما على الصعيد الاقليمي فكانت زيارة الرئيس الإيراني إلى سورية، وهي التي تعد الأولى من نوعها منذ 13 سنة، مهمة من حيث توقيتها الذي سبق قرار الجامعة العربية بإعادة التواصل الرسمي مع النظام بأيام قليلة. حيث أتت الزيارة لتأكيد قوة النفوذ الإيراني في سورية وقطع الطريق أمام أي محاولة لتقليل هذا النفوذ. وبالتالي يمكن قراءة الخطوة العربية بالتقارب مع نظام الأسد في سياق سياسة خفض التصعيد التي تنتهجها دول الإقليم بشكل عام ضمن استراتيجية التواصل الإقليمي ومعالجة الملفات الأمنية الضاغطة المتعلقة بالقضية السورية.
عمليات تصفية وتسوية
شنّت "إسرائيل" غارات جوية عنيفة على محافظتي دمشق وحلب، شملت مواقع أمنية في محيط مطار دمشق الدولي، ومطار حلب الدولي ما أدى لخروجه عن الخدمة. وتأتي هذه الضربات بالتوازي مع إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت عن مضاعفة الهجمات التي تستهدف الوجود الإيراني في سورية.
من جهتها ألقت الاستخبارات التركية القبض على 4 أعضاء في تنظيم الدولة، بينهم ما يُدعى بـ “والي تركيا". وتأتي هذه العملية بعد قيام الاستخبارات التركية بتحييد قائد تنظيم الدولة، "أبو الحسين الحسيني القرشي" في نهاية شهر نيسان/أبريل الفائت. بالمقابل، وضمن التنسيق الأمريكي التركي لتجفيف منابع التمويل "للجماعات الإرهابية"، فرضت وزارتي الخزانة الأميركية والتركية، عقوبات مشتركة ضد شخصين مرتبطين بتمويل "هيئة تحرير الشام" و"كتيبة التوحيد والجهاد" في سورية: عمر الشيخ المعروف باسم "أبو أحمد زكور"، القيادي في "هيئة تحرير الشام"، وكوبيلاي ساري، الذي يتلقى أموالاً من مانحين لـ"كتيبة التوحيد والجهاد" الأوزبكية.
وفي شمال شرق سورية، قُتل "كريبوس" القيادي في قوات سوريا الديمقراطية بانفجار عبوة ناسفة استهدفت سيارته في بادية أبو خشب شمال غرب دير الزور، وكان القيادي يشغل منصب قائد ساحة الكسرة في دير الزور. وتأتي هذه العملية مع تصاعد استهداف القيادات العسكرية والمدنية لقوات قسد في دير الزور منذ بداية العام الحالي.
وفي سياق آخر، أعلنت قوات الأمن الداخلي في شمال شرق سوريا "الأسايش" القاء القبض على شخصين متورطين بتعاطي وترويج المخدرات في عامودا، حيث تم ضبطت معهما 68 غراماً من مادة الكريستال المخدرة، و36 غراماً من الحشيش، و103 حبة مخدرة، ونحو غرامين من الهيروئين، بحسب المكتب الإعلامي للأسايش.
وفي درعا قام النظام السوري بإطلاق حملة تسويات جديدة لنحو 45 مدينة وبلدة، وذلك كثالث حملة تسويات بعد التسويات الأولى في عام 2018، والتسويات الثانية في عام 2021. إلا أنه وعلى خلاف التسويتين الأوليتين، لا تأتي هذه العملية بالتزامن مع عمليات عسكرية واسعة، وإنما في ظل استمرار الوضع الراهن المعزز للهيمنة الأمنية لأجهزة النظام، وعلى رأسها المخابرات العسكرية، واستمرار الخصوصية التي يتمتع بها اللواء الثامن، لا سيما في ريف درعا الشرقي ومعقله ببصرى الشام. بالمقابل، استهدفت مقاتلات أردنية تاجر مخدرات في الريف الشرقي للسويداء، وذلك بعد أيام من تصريح وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بإمكانية استخدام القوة العسكرية لمكافحة المخدرات، الأمر الذي يُشكِّل سابقة منذ بدء مسار التطبيع الأردني مع النظام عام 2021، ومؤشراً عن إمكانية اللجوء لخيارات القوة أو الدبلوماسية القسرية إلى جانب الحوافز الاقتصادية في طريقة التعامل العربي مع النظام بما يخص ملف المخدرات.
محاولات إنعاش اقتصادي متعثرة
وفي سياق الاستفادة الاقتصادية من التقارب العربي، وبهدف دعم الخزينة العامة للدولة بالإيرادات يسعى نظام الأسد للتجهيز لموسم السياحة داعياً المغتربين في دول الخليج لزيارة سورية ودعم اقتصادها، حيث شكل القطاع السياحي ثاني أكبر مصدر للعملة الأجنبية بعد صادرات النفط وصلت إلى نحو 3.9 مليار دولار في 2010 ومن المتوقع أن يصل عدد القادمين خلال العام الحالي لمليونين ونصف المليون شخص إلى سورية بينهم 700 ألف شخص سياح، ومن جملة مساعي النظام في تطوير هذا القطاع استخدامه كأداة لتعويمه والتأكيد على انتهاء الحرب وعودة الأمان لسورية.
كما أصدر بشار الأسد قانوناً يقضي بإعفاء عملية استيراد الأبقار من الرسوم الجمركية والضرائب والرسوم الأخرى، لمدة خمس سنوات من تاريخه؛ بغية تخفيف آثار الأزمة التي تعيشها سورية في قطاع الثروة الحيوانية وارتفاع أسعار اللحوم والأعلاف وتراجع أعداد المواشي. ويعبر هذا القرار عن استمرار نهج النظام في التعاطي مع المشاكل الاقتصادية بالذهاب إلى حل الاستيراد وإفادة أثرياء الحرب وتجار الأزمات والمتربحين من عمليات الاستيراد في حين تعود بآثار سلبية على الأوضاع المعيشية للبلد والسكان بالمحصلة.
وفي شمال شرق سورية، أعلنت "الإدارة الذاتية" تسعير شراء القمح والشعير من المزارعين في الموسم الزراعي لعام 2023 بـ 43 سنتاً لكيلو القمح و35 سنتاً لكيلو الشعير وتعد هذه المرة الأولى التي تحدد فيها "الإدارة" سعر المحاصيل الزراعية بالدولار حيث كانت تسعّره بالليرة السورية في سابق السنوات، وأعلى من مناطق المعارضة التي حددت سعر كيلو القمح 32 سنتاً.
ونتيجة تدهور قيمة الليرة شهدت أسعار معظم السلع والخدمات ارتفاعاً غير مسبوق خلال الشهر الحالي؛ وشهدت محافظة الحسكة ارتفاعاً في أسعار "الأمبيرات" بنسبة وصلت إلى 30% عن سعرها القديم، وذلك إثر قرار "الإدارة الذاتية" بتخفيض كمية المازوت المباعة بسعر مدعوم لأصحاب المولدات.
في حين تسبب إغلاق معبر "سيمالكا- فيشخابور"، الحدودي بين شمال شرقي سورية وإقليم كردستان العراق، بتباطؤ كبير في عمليات البناء في مناطق سيطرة "الإدارة"، وتوقف في بعض المشاريع جراء توقف استيراد الأسمنت بشكل مفاجئ، وبلغ سعر كيس الأسمنت بوزن 50 كيلوجرامًا 120 ألف ليرة من السوق السوداء ارتفاعاً من 35 ألفاً ليرة قبل إغلاق المعبر.
بالانتقال إلى مناطق المعارضة فقد ألقت حالة عدم استقرار قيمة الليرة التركية وانخفاضها أمام الدولار بظلالها على الحياة المعيشية والعمّال والتعاملات التجارية في أسواق مدينة إدلب وأدت إلى تراجع حركة البيع والشراء في معظم المحال، نظراً لأن حركة الاستيراد تكون من خارج سورية عبر تركيا، وأي تغير بسعر الليرة مقابل الدولار يؤثر بشكل سريع على الأسواق المحلية. ووصلت أسعار اللحوم في فترة الأعياد وما تبعها إلى ضعف ما كانت عليه من قبل، ليسجل الكيلوغرام الواحد من لحم الغنم 190 ليرة تركية، بعدما كان قبل نحو شهرين بـ 80 ليرة، وتُعزى ارتفاع أسعار المواشي في شمال غربي سورية بسبب عمليات التهريب نحو مناطق سيطرة النظام، ومناطق الإدارة الذاتية كما تتأثر الأسعار بارتفاع أسعار الأعلاف ومستلزمات تربية المواشي، في حين يعاني المقيمون بالمنطقة من تدني مستوى الدخل والأجور.
كما حددت وزارة الاقتصاد والموارد في حكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب، أسعار شراء القمح القاسي الصافي من الدرجة الأولى من الفلاحين بـ 320 دولار أمريكي للطن الواحد (32 سنت للكيلوجرام)، وقدر الإنتاج الأولي لهذا العام من القمح بـ 99 ألف طن.
في إطار التعافي المبكر، استمر العمل على مشاريع تعبيد الطرقات الرئيسية والفرعية داخل البلدات والمدن في اعزاز والباب و جرابلس، وأنشأت العديد من المدارس في المنطقة مثل مدرسة الخوارزمي في اعزاز ومدرسة شرعية في عفرين وترميم عدد من المدارس في جنديرس، ومن بين أبرز المشاريع التي يتم العمل عليها تجمع سكني لإسكان النازحين حيث وضع حجر الأساس للمشروع السيد سليمان صويلو وزير الداخلية التركي والسيدة فاطمة شاهين رئيسة بلدية غازي عينتاب برفقة رؤساء المجالس المحلية لمدن جرابلس والباب والراعي والغندورة على أرض المطار الزراعي في ريف الغندورة بجرابلس حيث سيتم بناء 240 ألف مسكن في غضون 3 سنوات.