قدم مدير وحدة المعلومات -بمركز عمران- نوار أوليفر تصريحاً صحفياً لوكالة فرانس برس بتاريخ 27 تموز 2019 ، حول حرب "الاستنزاف" في إدلب، حيث اعتبر أوليفر أن الاستنزاف يهدف إلى "الضغط على الفصائل وحاضنتها الشعبية"، بعدما باتت المنطقة تضم كل السوريين المعارضين وعائلات مقاتلي الفصائل موضحاً أن التصعيد الجوي يخدم العمل البري المحتمل مستقبلاً والمؤجل حالياً بسبب الاتفاق الروسي التركي في المنطقة.
للمزيد انقر رابط المصدر: http://bit.ly/2MrUFkS
في تصريحه لصحفية لموقع عربي21 بتاريخ 12 تموز / يوليو 2019، حول المباحثات الجارية لتشكيل اللجنة الدستورية؛ أكد الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية معن طلاع أن الخلاف لا يزال قائما على نسب التوزيع، رغم الليونة الروسية، إلى جانب الاختلافات على الآليات التنفيذية لمخرجات "اللجنة الدستورية".وأن ما يظهر من خلاف ما بين الأطراف الفاعلة في سورية على تسمية أشخاص، يخفي الخلاف الحقيقي على اختصار الحل السياسي على السلة الدستورية وفقاً لمخيال النظام الذي يريدها لجنة توصيات دستورية غير ملزمة. كما أكد طلّاع على أن النظام السوري سيبقى يعمل على في هذا الموضوع على استراتيجية تمرير الوقت ودفع الكرة إلى الأمام، حتى تتضح نتائج المفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا حول مآل منطقة شرق الفرات، وبين روسيا وتركيا حول ملف إدلب، وكذلك الصفقات الروسية والتي على رأسها إعادة الإعمار مقابل السماح للاجئين بالعودة؛
رابط المصدر: https://m.arabi21.com/story/1194088
اعتبر الباحث أيمن الدسوقي من مركز عمران خلال تصريحه لـ «القدس العربي» بتاريخ 16 حزيران 2019، أن سبب تكثيف الضغوط العسكرية على نقاط المراقبة التركية هو لدفعها للانسحاب من مناطق تمركزها، وإظهار أنقرة بمظهر «الضامن الضعيف»، واستغلال ذلك في حال حدوثه لضرب العلاقة بين الجانب التركي وفصائل المعارضة، فضلاً وهو الأهم تقويض الاتفاق الروسي التركي، الذي يلجم النظام عن شن عملية عسكرية واسعة النطاق في إدلب.
في المقابل، تستثمر روسيا الاستهداف المتكرر من قبل قوات النظام لنقاط المراقبة التركية، حسب رأي الدسوقي، من أجل الضغط على أنقرة ودفعها لإعادة النظر بحساباتها فيما يتعلق بالمعارك الدائرة في ريف حماة الشمالي وملف « اللجنة الدستورية»، فضلاً عن محاولة استثمار هذه الاستفزازات لفتح قناة تواصل مباشرة بين الطرفين بحجة ضرورة التنسيق مستقبلاً للحيلولة دون تكرار مثل هكذا حوادث، ويؤشر الرد التركي لعدم خضوع أنقرة للتهديدات والضغوط واستعدادها للتصعيد عسكرياً إن تطلب الموقف ذلك، ومن المحتمل أن يدفع الرد التركي روسيا إلى إعادة ضبط الصراع ليكون بين الفرقاء المحليين، مخافة الانزلاق إلى مواجهات أكبر أطرافها الضامنين.
للمزيد انقر الرابط التالي: http://bit.ly/2XTGKXB
عكست نتائج اجتماع أستانة الأخير بتاريخ 25-26 نسيان/أبريل؛ استمرار حالة ما اعتُبر "جموداً سياسياً" اعترى الملف السوري منذ أمدٍ ليس بقصير، وتجلى في تعثر إعلان اللجنة الدستورية التي تعتبر الخطوة الأولى "باتجاه الحل السياسي" وهدوء نسبي على مستوى الأعمال العسكرية مع انحسار فصائل المعارضة إلى جيب صغير في الشمال وإعلان نهاية تنظيم الدولة، لتعود الديناميكية العسكرية في الملف السوري مجدداً عقب أيام من انتهاء اجتماع أستانة 12، مع الحملة الروسية على ريفي إدلب وحماه، وذلك بالتزامن مع عملية محدودة نفذها "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا شمال حلب ضد "وحدات حماية الشعب " التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD"" والعمود الفقري لـ"قوات سورية الديمقراطية".
ويبدو أن تلك الديناميكية العسكرية ما هي إلا انعكاس لديناميكية سياسية محمومة تدور منذ المرحلة الأخيرة من الحرب على تنظيم الدولة، وتتجلى في محاولة الأطراف الدولية والإقليمية المنخرطة في الملف السوري إعادة ترتيب أوراقها وصولاً إلى تفاهمات جديدة تحدد مصالح كل طرف من الأطراف بشكل يفضي إلى رسم ملامح الحل السياسي في سورية.
وتتوزع مصالح الأطراف على الجغرافيا السورية؛ بشكل قسّم الخارطة السورية إلى مناطق ساكنة ظاهرياً ولكنها، تحمل إمكانات الانفجار في أي وقت تبعاً لقدرة اللاعبين في كل منطقة على الوصول إلى تفاهمات، وتلك المناطق هي: الجنوب السوري والشمال الغربي، إضافة إلى ما تبقى من غرب الفرات بيد "قوات سورية الديمقراطية" وشرقي الفرات، مقابل مناطق سيطرة النظام السوري في الساحل ودمشق، بما فيها مؤسسات النظام وما يدور في تلك المنطقة من صراعات خفية وأزمات اقتصادية متلاحقة. وعليه تسعى هذه الورقة التحليلية إلى تفكيك المشهد السوري المعقّد، تبعاً لمناطق النفوذ ولاعبيها الإقليميين والدوليين، وصولاً إلى رسم ملامح التفاهمات الجديدة واستشراف ما قد تؤدي إليه من آثار على شكل الحل السياسي المرتقب.
شكّل تعثر مسار أستانة بجولته الثانية عشر في إعلان تشكيل اللجنة الدستورية، وإحالتها إلى جنيف؛ فشلاً في المسعى الروسي لقطف ثمار ما أحرزته موسكو من تقدم عسكري نتيجة لهذا المسار، وتحويله إلى بديل عن مسار جنيف الأممي لإنتاج حل سياسي استراتيجي في سورية.
ويضاف إلى هذا الفشل الناجم عن رفض أمريكي-أوروبي لتفرد موسكو في إنتاج الحل السياسي في سورية؛ فشل آخر يتعلق بإحباط أمريكي لجهود موسكو في عملية إعادة تعويم الأسد وتنشيط ملف عودة اللاجئين وإعادة الإعمار، في حين يستمر الهدف التكتيكي لمسار أستانة من خلال القصف الروسي ومحاولات التوغل البري في أرياف إدلب وحماه وحلب، وذلك لقضم مساحات جديدة من آخر مناطق سيطرة المعارضة والهيمنة على الطرق الدولية M4- M5، وهو جزء من اتفاق سوتشي لم تنفذه تركيا([1])، وبذلك يكون مؤتمر أستانة قد أتم المطلوب منه عسكرياً وفق بوصلة روسية وإيرانية باتجاه استعادة مناطق سيطرة المعارضة، وإعادة ضبط الحدود واستكمال عمليات نزع السلاح الثقيل والمتوسط من أيدي المعارضة المسلّحة وتحييد الجيوب المصنفة "إرهابية" وفتح وتنشيط شبكة الطرقات الدولية. الأمر الذي يشير إلى بداية انفراط عقد التحالف الثلاثي (روسيا، تركيا، إيران) بعد أن أنجز لأطرافه الثلاثة الأهداف العسكرية المشتركة. حيث بدأت خلافات ثلاثي أستانة بالظهور للعلن على عدة مستويات، خاصةً بين إيران وروسيا من ناحية، وبين موسكو وأنقرة من ناحية أخرى، إذ يبدو أن التنافس بدأ لتثبيت المكاسب على الأرض عبر تحالفات جديدة.
أحرز تحالف "الضرورة" بين موسكو وطهران إنجازات هامة بالنسبة لهدف الطرفين المشترك في الحفاظ على بقاء بشار الأسد؛ إلا أن تراجع المعارضة المسلحة إلى جيب ضيق في الشمال وانحسار الأعمال العسكرية سرعان ما ظهّرَ الخلافات الاستراتيجية بين الطرفين، والمتعلقة برغبة كل طرف بالتحكم بالملف السوري وهندسة الحل السياسي، ويمكن إجمال الخلاف الاستراتيجي بين روسيا وإيران في عاملين ([2]):
بالإضافة إلى العاملين السابقين، أخذت أبعاد الصراع الاستراتيجي الروسي الإيراني تتجلى في عدة ملفات أساسية منها ملف إعادة الإعمار وقطاعات الاقتصاد السوري الحيوية، إضافة إلى ملف إعادة هيكلة الجيش السوري والتحكم به، وفي إطار هذا التنافس تتوجه موسكو للاستفادة من المناخ الإقليمي والدولي (إسرائيل، الخليج، الولايات المتحدة) المتخوف من الوجود الإيراني في سورية، ومقايضة ورقة إيران بورقة بقاء الأسد وتعويمه وتمويل عملية إعادة الإعمار. وهذا ما بدا واضحاً في صمت موسكو عن الضربات الجوية الإسرائيلية للمواقع الإيرانية في سورية، ومحاولة إدخال إسرائيل على خط الحل السياسي للأزمة السورية بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى موسكو، والتي تزامنت مع زيارة بشار الأسد إلى طهران ([3]). الأمر الذي قد يشير إلى أن موسكو اختارت التضحية بحليفها التكتيكي (طهران) لصالح حلفاء جدد يساهمون بتحقيق أهدفها الاستراتيجية في سورية (إسرائيل، الولايات المتحدة، محور مصر السعودية الإمارات). بالمقابل، لا يغيب هذا التحرك الروسي عن ذهن القيادة الإيرانية، والتي ردت بالاجتماع الثلاثي في دمشق ([4])، والذي جمع رئيس أركانها مع نظيريه السوري والعراقي واستثنى الجانب الروسي من هذا الاجتماع، مما يشير إلى أن إيران تسعى إلى تدعيم تحالفاتها بعيداً عن موسكو بالاعتماد على العراق وسورية ولبنان، وذلك استعداداً لمواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها ومحاولات إضعاف وجودها في سورية.
تعتبر تركيا بحكم موقعها كقوة إقليمية على الحدود السورية؛ المتضرر الأكبر من تدخل إيران المباشر ومن ثم موسكو في سورية، حيث أضعف هذا التدخل الدور التركي وساهم بانحساره إلى حماية الأمن القومي التركي من تنظيم "داعش" وميليشيات "PYD" المدعومة من الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار انخرطت أنقرة اضطرارياً مع طهران وموسكو في مسار أستانة بالرغم من الخلافات العميقة في رؤى الأطراف الثلاث الاستراتيجية لمستقبل سورية. وعليه فقد كان تعاطيها مع الشريكين الروسي والإيراني ذو طابع تكتيكي تحكمه مقتضيات حماية الأمن القومي؛ فهي تتقارب تارةً مع موسكو على حساب طهران كما حدث إبان اتفاق حلب، وتارةً أخرى مع طهران على حساب موسكو كما حدث حيال الموقف الإيراني الحيادي من معركة إدلب، والذي تجلى بإبعادها عن اتفاق سوتشي.
وتعاني تركيا في موقفها من الأطراف المنخرطة في الملف السوري من معضلة حقيقية تكمن في وجود ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي "PYD" الفرع السوري لـ PKK على حدودها، واستغلال هذا الوجود من قبل أطراف متعددة كورقة للضغط عليها؛ فمن ناحية تحاول إيران دعم وجود ميليشيات PKK على الحدود التركية مع سورية والعراق بهدف عزل الدور التركي في البلدين، كما تحاول موسكو استغلال وجود ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي "PYD" في مثلث (تل رفعت، عين دقنة، مارع) لفرض تفاهمات جغرافية جديدة مع تركيا حول مناطق سيطرة المعارضة، وكذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها في التحالف الدولي وعلى رأسهم فرنسا، والذين يحاولون الضغط على تركيا باستخدام الورقة "الكردية" لتحجيم الدور التركي وتطويعه في خدمة رؤيتهم للحل في سورية.
وفي ظل هذا المناخ المتوتر بين الأطراف الثلاثة والضغط الأمريكي على إيران والتقارب الإسرائيلي الروسي فيما يخص تحجيم الوجود الإيراني في سورية، يبدو أن محاولات أنقرة لمسك العصا من المنتصف مع جميع الأطراف لن تفلح، وعليها أن تختار بين الأطراف الثلاثة، ومن المرجح أن أنقرة رغم مواقفها المتشددة مع الولايات المتحدة حول التزامها بصفقة S400 مع موسكو، ومحاولاتها لتمديد إعفائها من العقوبات على النفط الإيراني؛ إلا أنها ستحسم موقفها إلى جانب الولايات المتحدة في سورية على الأقل، وهو ما قد يشير إليه التقدم الحاصل بين الطرفين على مستوى المنطقة الآمنة شرق الفرات.
تعتبر منطقة شرق الفرات النقطة التي تجتمع فيها خيوط اللعبة في سورية، وهي بذلك تشكل هدفاً لكافة الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الملف السوري؛ نظراً لمساحتها التي تشكل ثلث سورية وغناها بالثروات الباطنية والغلال الزراعية، إضافة إلى موقعها المجاور لتركيا والعراق. تلك الامتيازات دفعت العديد من الأطراف لمحاولة ملء الفراغ الأمريكي بعد إعلان الرئيس ترامب نيته بالانسحاب من سورية، وتنقسم تلك الأطراف إلى أربعة معسكرات:
ولكل طرف من الأطراف الأربعة تصوراته الخاصة لمستقبل تلك المنطقة، كما له أدواته للتصعيد فيها؛ فبالنسبة لفرنسا وحلفائها يشكل الوجود الأمريكي ولو بشكل رمزي غطاءً لها للبقاء في المنطقة، وقد نجحت ضغوطها على الإدارة الأمريكية بحرف القرار الأمريكي نحو تخفيض عدد الجنود بدل الانسحاب الكامل. أما بالنسبة لموسكو والنظام فيحاولان الضغط باتجاه سحب كامل للقوات الأمريكية وتسليم المنطقة للنظام، وفي هذا الإطار تقدمت موسكو باقتراح تفعيل اتفاق أضنة مع تركيا لتهدئة مخاوفها، والتفاوض مع النظام بالنسبة لـ "قسد" لتسوية وضعها في ظل عودة النظام إلى المنطقة. في حين لا تثق أنقرة بكل تلك الأطراف وتعتبر أن المنطقة الآمنة هي الوسيلة الوحيدة لضبط حدودها وحمايتها، مما جعل العلاقات التركية متوترة مع واشنطن وحلفاء الناتو، إضافة إلى موسكو التي ترفض المنطقة الآمنة التركية وتريد استبدالها باتفاق أضنة.
وبالرغم من الهدوء النسبي الذي يعيشه شرق الفرات؛ إلا أن أطراف عديدة تقف متربصة بقواتها على حدوده، فمن ناحية هناك القوات الروسية والنظام السوري، والمليشيات الإيرانية في سورية والحشد الشعبي على الحدود العراقية السورية، كما توجد المصالح (السعودية الإماراتية) الممثلة بالوجود العسكري الفرنسي، إضافة إلى الحشود التركية على طول الحدود مع سورية.
وهنا تقع الولايات المتحدة في معضلة إيجاد حل يوازن بين مصالح حلفائها ويحمي مليشيات "PYD" من مواجهة مع تركيا. ويبدو أن الخيار قد حسم باتجاه تشكيل منطقة آمنة، والتي طال التفاوض حولها بالرغم من التفاهم على خطوطها العريضة؛ فمن حيث امتدادها يبدو أن الجانب التركي استطاع فرض تصوره بأن تكون المنطقة الآمنة بطول 460 كيلومتراً على طول الحدود التركية السورية، وستضم مدناً وبلدات من 3 محافظات سورية، هي: حلب والرقة والحسكة([5])، أما من خلال العمق فلايزال الموضوع محل تفاوض، إذ تريدها تركيا بعمق 32 كم في حين تحاول الولايات المتحدة تضييقها، كما يتفاوض الطرفان على آلية الانتشار المشترك التركي الأمريكي وطبيعة القوات التي ستنشرها تركيا في المنطقة، خصوصاً بعد رفض بريطانيا وفرنسا مقترحاً أمريكياً لنشر قواتهما كفاصل بين "قسد" والجيش التركي. ويجري الحديث عن ثلاثة احتمالات للقوات التي ستنشر في المنطقة ([6]):
وبغض النظر عن الطرف المحلي الذي سينتشر في المنطقة الآمنة؛ فإن تطبيق تلك المنطقة يبدو أنه بات أمراً واقعاً، وهذا يعني بشكل أو بآخر نهاية الإدارة الذاتية وحلم فيدرالية شرق سورية، الأمر الذي بدأت تظهر مؤشراته من خلال حل الإدارة الذاتية لهيئاتها السيادية الأبرز ([7]) (هيئة الدفاع والحماية الذاتية، هيئة الخارجية)، إضافة إلى الوساطة الفرنسية للمصالحة بين الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكردي المقرب من تركيا ([8]).
كما أن إقامة المنطقة الآمنة خاليةً من مليشيات "PYD" يعني أن تلك القوات إما سيتم حلها، أو ستنسحب باتجاه العمق السوري خارج المنطقة الأمنة، في مدن الحسكة و الرقة وريف دير الزور، وبذلك ستزداد حدة التوترات مع النظام المسيطر على الحسكة من ناحية ومع العشائر العربية الرافضة للهيمنة "الكردية" على مناطقها من ناحية أخرى، وهذا ما سيدفع إلى مزيد من التوتر في المنطقة؛ إلا في حال كانت التفاهمات الأمريكية التركية تتجاوز المنطقة الآمنة إلى كامل مناطق سيطرة "قسد"، بشكل يحقق استبدال عناصر "قسد" التابعين لوحدات "حماية الشعب" بعناصر عربية، وهو ما لم يتم الحديث حوله حتى الآن. إضافة لذلك فإن التوافق حول المنطقة الآمنة في شرق الفرات سيساهم بحلحلة الخلافات التركية الناتوية وتشكيل شريط ناتوي ضخم على طول الحدود التركية السورية، يشمل مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات، ومثل هذا التقارب الناتوي لن يكون في صالح روسيا أو إيران، اللتان ترفضان فكرة المنطقة الآمنة، مما سيزيد من نطاق الخلاف مع تركيا.
يشهد جنوب سورية بمحافظاته الثلاث (درعا، القنيطرة، السويداء) حالة من الفوضى الأمنية المتمثلة بعمليات قتل وخطف وسرقات واغتيالات في ظل ظروف معيشية صعبة للأهالي وعجز قوات النظام عن ضبط الأمن وانتشار السلاح.
وبالرغم من أن الجنوب السوري يعيش ذات الظروف العامة؛ إلا أن الأحداث في محافظة درعا تحمل دلالات سياسية وأمنية خاصة. فمنذ عقد اتفاق المصالحة في يوليو/ تموز 2018 لم يفي النظام بوعوده على المستوى المحلي بالنسبة للأهالي والفصائل والمجالس المحلية التي وافقت على المصالحة، كما أن موسكو لم تفلح بتنفيذ تعهداتها للدول الإقليمية (الأردن، إسرائيل) بعدم تغلغل إيران ومليشياتها إلى حدود البلدين. فعلى المستوى المحلي تعيش درعا وريفها ظروفاً معيشية صعبة تتمثل بندرة المواد الأساسية وتعطل الطرق والمرافق العامة وتدهور الخدمات، إضافة إلى الفلتان الأمني الناجم عن صراع بين أجهزة النظام الأمنية وفرقه العسكرية، مما خلق حالة احتقان شعبي، خصوصاً في ظل تلكأ النظام بتنفيذ بنود اتفاق المصالحة المتعلقة بإطلاق سراح المعتقلين ورفع المطالبات الأمنية، وعودة الموظفين إلى وظائفهم وانسحاب الجيش والحواجز الأمنية خارج المدن والبلدات.
أما على المستوى الإقليمي فقد فشلت موسكو في منع تغلغل العناصر التابعة لإيران في درعا والقنيطرة ووصولها إلى نقاط قريبة من الحدود الإسرائيلية. حيث لجأت إيران لدمج ميليشياتها بالقطعات العسكرية السورية وبخاصة الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري اللواء 105، إضافة إلى تشكيل خلايا شيعية من أهالي المنطقة وتجنيدها وتدريبها من قبل الفرقة الرابعة وجمعية البستان ([9])، والتي عُرفت باللواء "313" ثم جرى تغيير التسمية إلى "درع الوطن"([10]).
ونتيجة لاستراتيجية التخفي التي اتبعتها إيران، فقد باتت تحظى بوجود عسكري على حدود إسرائيل في الجنوب السوري تحت ستار القواعد العسكرية التابعة للنظام، حيث تهيمن إيران على منطقة "مثلث الموت" وهي المنطقة التي تربط محافظات ريف دمشق والقنيطرة ودرعا، وعززت سيطرتها على ذلك المثلث، بإنشاء قواعد عسكرية في تلال "فاطمة الزهراء"، كما تتواجد إيران عسكرياً في مدينة درعا، وفي سلسلة الجامعات الواقعة على أوتوستراد "دمشق-عمان"، وفي "خربة غزالة" وقرية "نامر" شرقي درعا، وفي "ازرع" والقطعات العسكرية المحيطة بها، وفي مدينتي "البعث وخان أرنبة" في القنيطرة، و "تل الشعار وتل الشحم وتل مرعي" ([11])، إضافة لتأسيس "حزب الله" معسكراً للتدريب شمال درعا يسمى "حقل كريم الشمالي" يتم فيه تدريب عناصر من محافظات الجنوب السوري (درعا، السويداء، ريف دمشق، القنيطرة) تحت إشراف عناصر الحزب وبتمويل إيراني([12]).
ويبدو أن فشل النظام بالوفاء بوعوده لأهالي درعا وعدم قدرته على وقف التمدد الإيراني في المنطقة، قد أدى إلى إحداث شبه تقارب بين روسيا والمجتمع المحلي في درعا على مستويين:
ويبدو أن موسكو لا تقف وحيدة في هذا المسعى، حيث تذكر تقارير أمنية دوراً للأردن والإمارات مؤيد للجهود الروسية، عبر دعم القيادي في الفيلق الخامس (أحمد العودة)، والذي يتزعم مهام الحد من التمدد الإيراني في الجنوب، ودعم جهود موسكو لتشكيل فيلق سادس بقيادة (عماد أبو زريق). وتشير المصادر أن القياديان زارا الأردن مؤخراً وعقدا اجتماع مع المخابرات الأردنية لبحث سبل إبعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود، إضافة لحديث حول إمكانية تشكيل غرفة جديدة للدعم في عمان على غرار غرفة "الموك" التي تم إغلاقها في العام الماضي ([14]).
وبالرغم من أن الجنوب السوري يبدو هادئاً ظاهرياً وتحت سيطرة النظام؛ إلا أنه يحمل قابلية الانفجار في أي لحظة، نتيجة للصراع الدائر بين أذرع موسكو وطهران في المنطقة (الفيلق الخامس، الحرس الجمهوري، الفرقة الرابعة، المخابرات العسكرية، الأمن السياسي، المخابرات الجوية، حزب الله)، حيث ازدادت في شهري مارس/ آذار وأبريل/ نيسان من العام الحالي وتيرة الاغتيالات الممنهجة، والتي طالت مقربين من الطرفين، كما حدثت احتكاكات مباشرة بين فرق عسكرية مقربة من موسكو مع الفرقة الرابعة المقربة من طهران.
يعيش النظام أزمة اقتصادية أمنية في مناطق سيطرته التي تعرف بـ"سورية المفيدة"، إضافة إلى المناطق التي استعادها خارج هذا النطاق، دفعت تلك الأزمات حاضنته الشعبية إلى التململ ورفع الصوت في وجه الفشل الحكومي على مستوى الخدمات الأساسية، مما حدا ببشار الأسد للإشارة إلى المنتقدين في خطابه أمام أعضاء المجالس المحلية ([15]). ويمكن رد تلك الأزمات إلى ثلاث عوامل رئيسية:
ساهمت تلك العوامل بإضعاف هيمنة النظام داخل مناطق سيطرته لصالح حلفائه (روسيا وإيران) من جهة، ولصالح ميليشياته التي باتت خارجة عن سيطرته وبخاصة في الساحل السوري، حيث باتت التنازلات التي يقدمها لروسيا وإيران على الصعيد الاقتصادي مدعاة للتهكم حتى لحاضنته الشعبية، والتي باتت على ثقة بعجز هذا النظام عن إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية المتفاقمة والانفلات الأمني والفساد المنظّم الذي يسود مناطق سيطرته.
يمكن من خلال الاستعراض السابق لواقع المناطق السورية الوصول إلى النتائج التالية حول قابلية التصعيد في تلك المناطق، وخارطة التحالفات الجديدة وما سيتركه ذلك من أثر على الحل السياسي:
تشهد المنطقة برمّتها عملية إعادة تشكيل لخارطة القوة فيها، وتعتبر سورية إحدى الساحات التي تلتقي فيها مصالح القوى الدولية والإقليمية المتنافسة على رسم ملامح النظام الأمني الجديد في الشرق الأوسط، ولذلك فإن الحديث لايزال مبكراً عن نهاية قريبة للحرب في سورية وفرصة إنتاج حل سياسي. ولكن يمكن القول؛ إن الأزمة السورية ببعدها الدولي والإقليمي دخلت في مرحلتها الأخيرة والتي عنوانها تثبيت النفوذ العسكري والسياسي والاقتصادي، أم شكل هذه المرحلة من حيث أدواتها، هل ستكون عسكرية أم ديبلوماسية؟ فهو رهن لقدرة تلك القوى على تسوية خلافاتها واقتسام المصالح على الأرض وعلى المستوى السياسي، بشكل يفتح المجال أمام جلوس الأطراف السورية على طاولة التفاوض مجدداً.
[1])) للاطلاع أكثر على بنود اتفاق سوتشي حول إنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب (اتفاق النقاط العشر بين روسيا وتركيا حول إدلب)، راجع الرابط التالي: http://cutt.us/dBOo8
[2])) سقراط العلو، الصراع على الثروة السورية بين إيران وروسيا: الفوسفات نموذجًا، مركز الجزيرة للدراسات، 26 يوليو 2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2Vkzl1x
([3]) الأسد في طهران... ونتنياهو في موسكو، جريدة الأنباء الكويتية، 28/2/2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2HnoGxY
([4]) إيران والعراق وسوريا في دمشق لأول مرة، موقع TRT عربي، 17 مارس 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2LCUJ2v
[5])) هذه تفاصيل المنطقة الآمنة التي ستقيمها تركيا على الحدود شمال سورية، موقع صحيفة العربي الجديد، 16 يناير2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2EaBabs
[6]))3 مقترحات أمريكية لمنطقة آمنة خالية من "بي كي كي"، موقع ترك برس، 22يناير 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2WR6fsp
([7]) بدر ملا رشيد، إلغاء هيئتي الدفاع والخارجية في "الإدارة الذاتية": إعادة هيكلة أم تحجيم وظيفي، مركز عمران للدراسات، 5 نيسان/ أبريل2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2vZ5ZeT
[8])) مصادر لـ"عربي21": جهود فرنسية لعقد اتفاق بين أكراد سوريا، موقع عربي21، 23 أبريل2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2VEtXLD
(([9] المرصد الاستراتيجي، فشل المفاوضات يفتح أبواب المواجهات العسكرية في حوران، تقدير موقف 25 أبريل 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2VQttlH
([10]) الأبعاد والمتغيرات الجديدة للوجود الإيراني في جنوب سوريا، شبكة بلدي الإعلامية، 14 كانون الثاني 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2ANeTyO
[11])) المرجع السابق.
[12])) المرصد الاستراتيجي، فشل المفاوضات يفتح أبواب المواجهات العسكرية في حوران، مرجع سبق ذكره.
[13])) درعا: ما هو دور روسيا في التظاهرات؟، موقع جريدة المدن، 15/3/2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2HrdOR8
[14])) المرصد الاستراتيجي، فشل المفاوضات يفتح أبواب المواجهات العسكرية في حوران، مرجع سبق ذكره.
[15])) ساشا العلو، رسائلُ خطاب الأسد: عَودٌ على ذي بدء، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 19 شباط 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2HxOZ6b
عقب انتهاء أعمال الجولة الثانية عشرة من اجتماع أستانة بتاريخ 25-26 نسيان/أبريل؛ أطلق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من بكين تصريحات منافية لما تم التوافق عليه في الاجتماع، حيث اعتبر أن "احتمال المعركة على إدلب لايزال قائماً غير أن التوقيت ليس مناسباً"([1])؛ لتبدأ بعد تلك التصريحات عملية تصعيد عسكري من قبل روسيا والنظام لم تشهدها منطقة "خفض التصعيد" الرابعة منذ اتفاق سوتشي في سبتمبر/أيلول 2018.
تمثّل التصعيد العسكريّ بقصف جويّ عنيف على عشرات القرى والبلدات في المنطقة، شمل أرياف حماه الشمالي والغربي وإدلب الجنوبي بالتزامن مع حشود عسكرية للنظام ومحاولات للتقدم في قرى ريفي حماه الشمالي والغربي، بالمقابل ردت فصائل المعارضة وهيئة "تحرير الشام" المتواجدة في المنطقة بتصعيد حسب إمكاناتها، وتمكّنت من صد بعض هجمات النظام المدعومة بالطيران الروسي المكثّف معلنة موقفاً حاسماً من التصدي لأي محاولة للتقدم. لتبقى المعارك إلى لحظة كتابة هذه الورقة بين كرّ وفرّ من قبل الطرفين، مقابل تقدم النظام في بعض قرى ريفي حماه الشمالي والشمالي الغربي.
يأتي ذلك التصعيد وسط تنديد أمريكي أوروبي خجول، وصمت لافت من الضامن التركي، الطرف المعنيّ باتفاق سوتشي، حيث بدأت تركيا والفصائل المتحالفة معها بالتزامن مع التصعيد الروسي عملاً عسكرياً بدا محدوداً في ريف حلب الشمالي ضد وحدات الحماية الكردية، مما أوحى بوجود تفاهمات حول ما يجري، أو ما اعتبره البعض "صفقة مقايضة" بين موسكو وأنقرة.
وعليه، تسعى هذه الورقة إلى فهم دوافع موسكو لخرق تفاهماتها مع أنقرة حول منطقة "خفض التصعيد" الرابعة، في الوقت الذي يكاد يسير فيه الملف السوري باتجاه إطلاق العمليّة السياسيّة وطي صفحة العسكرة، مقابل فهم دلالات الموقف الصامت للضامن التركي إزاء هذا التصعيد العسكري على المنطقة. كما تسعى الورقة إلى استشراف حدود هذا التصعيد الروسي عسكرياً وما يمكن أن يفضي إليه من تغييرات في حدود منطقة "خفض التصعيد" الرابعة. إضافة إلى حدوده السياسية وآثاره المحتملة على مستقبل مسار أستانة،
لا يمكن فصل التحرك العسكري لموسكو والنظام في هذا التوقيت عن جملة من المتغيرات على مستوى الملف السوري سياسياً، والتي يمكن أن تشكل دوافع هذا التصعيد الروسي، ولعل أبرزها:
من خلال استعراض العوامل السابقة، والتي يمكن اعتبارها بمجملها دوافع للتصعيد الروسي اتجاه منطقة "خفض التصعيد" الرابعة، يمكن فهم التحرك الروسي على أنه إعلان بداية نهاية مسار أستانة كمسار عسكري تكتيكي بعد فشله بالتحول إلى مسار سياسي وتصاعد الخلافات بين أطرافه، فموسكو تحاول طي صفحة منطقة "خفض التصعيد" الرابعة على غرار سابقاتها من المناطق كخطوة أخيرة باتجاه طي صفحة مسار أستانة، مدفوعة برغبتها في تأمين الطرق الدولية لإنعاش الوضع الاقتصادي المتهالك للنظام، وتأمين قواعدها العسكرية في المنطقة، مستغلةً رفع الفيتو التركي عن المعركة، والناتج على ما يبدو عن تغيّر أولويات أنقرة بعد التقارب مع الولايات المتحدة حول المنطقة الآمنة باتجاه تأمين الشريط الحدودي مع سوريا دون التوغل في العمق السوري.
لا يشير الصمت التركي عن التصعيد العسكري الأخير لروسيا والنظام إلى وجود صفقة مقايضة (منطقة مقابل منطقة)؛ بقدر ما يشير إلى رفع الفيتو التركي (غض طرف) عن عمل عسكري روسي يحقق ما لم تنجزه أنقرة على مستوى ضمان أمن قاعدة حميميم الروسية من هجمات المعارضة، وتأمين ريفي حماه واللاذقية الخاضعين لسيطرة النظام، إضافة لفتح الطرق الدولية وتأمينها عبر دوريات روسية تركية، إذ يبدو أن أنقرة أصبحت معنية أكثر بتأمين شريطها الحدودي بعد ما يشاع عن تسوية خلافاتها مع واشنطن حول المنطقة الآمنة، وبذلك فهي تسعى اليوم لتصفية الجيب الخاضع لسيطرة وحدات الحماية "الكردية" في ريف حلب الشمالي بالتوافق مع موسكو، وهي في هذا الإطار تحاول التنازل عن ملف تفكيك "هيئة تحرير الشام" والمنطقة منزوعة السلاح لصالح موسكو وتوفير جهودها لمعارك ريف حلب الشمالي وترتيبات المنطقة الآمنة، خاصةً وأن جزءاً من فشل أنقرة في تنفيذ بنود سوتشي وأستانة 12 المتعلقة بالدوريات الروسية عائد لعدم قدرتها على ضبط فصائل المنطقة منزوعة السلاح بما فيها "هيئة تحرير الشام"، وهذا ما بدا واضحاً في مواقف تلك الفصائل المتحفظة على اتفاق سوتشي ذاته ([2])، ثم الرافضة لتسيير الدوريات الروسية، إضافة إلى المقاومة الشرسة التي أبدتها فصائل المنطقة المنزوعة السلاح في وجه الهجوم البري الذي شنّته قوات النظام وموسكو.
وعليه يمكن القول بأن الفصائل العاملة في المنطقة التي تتعرض لهجوم موسكو والنظام ليست مُنخرطة في أي تفاهمات روسية-تركية حول المنطقة، وهذا ما سيزيد من صعوبة موقفها العسكري كونها تقاتل دون دعم تركي على المستويين العسكري والديبلوماسي، وفي ظل حملة جوية روسية واسعة وقصف مكثف. وبالمقابل فإن معركة موسكو لن تكون بالسهولة التي اعتادت عليها في معارك الصفقات والتسويات، بحكم أن تلك الفصائل تخوض معركتها الأخيرة.
لا يستطيع أحد التنبؤ بما ستؤول إليه الأوضاع الميدانية في منطقة "خفض التصعيد" الرابعة، وما هو حجم التوغل الدقيق الذي تريده موسكو داخل حدود تلك المنطقة، ولكن من خلال ما تم استعراضه يمكن الوصول إلى الخلاصات التالية، والتي قد ترسم بشكل تقريبي صورة المآلات المحتملة:
خريطة رقم (1): مواقع النفوذ والسيطرة، إدلب وما حولها، 10 أيار 2019
تدفع اليوم منطقة "خفض التصعيد" الرابعة ما دفعته سابقاتها من المناطق كثمن لتراكم الأخطاء السياسية والعسكرية، وعلى رأسها خطأ الانخراط في مسار أستانة، والذي أتاح للنظام الفرصة لالتقاط أنفاسه وتجميع قواه والاستفراد في مناطق "خفض التصعيد" الواحدة تلو الأخرى. واليوم وحتى في بوادر نهاية هذا المسار نتيجة لخلافات الثلاثي القائم عليه؛ فإن نظام الأسد لايزال يستفيد من تلك الخلافات والتي أمنّت ولازالت له العديد من الهوامش التي يتنقّل بينها، فالنظام إلى اليوم يعتاش على خلافات القوى الفاعلة المنخرطة في الملف السوري وذات المصالح المتضاربة.
(1) بوتين: خيار شنّ عملية عسكرية في إدلب يظل قائماً، موقع TRT عربي، 27 أبريل 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/3047whD
([2]) انظر، ساشا العلو، اتفاق إدلب في حسابات الربح والخسارة: المقدمات والتحديات والمصير، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 12 نوفمبر 2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2Rspg4T
([3]) المصدر: وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية.
([5]) ياديون في المعارضة يشرحون ما يحدث في إدلب، جريدة عنب بلدي، 7/5/2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2VnNBM2
([6]) “الغارديان” تتحدث عن ترتيبات بين روسيا وتركيا بشأن إدلب وتل رفعت، جريدة عنب بلدي، 8/5/2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2Jm6isa
أجرى موقع القدس العربي حواراً صحفياً مع المحلل العسكري نوار أوليفر من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، حول جولة آستانا المرتقبة ومخرجاتها المحتملة، وعن هذا الموضوع أوضح أوليفر، أن أجندات ومصالح ثلاثي «أستانة» تتباين تجاه الملفات المطروحة على طاولة المباحثات، وهو ما يقلل فرص التوصل إلى تفاهمات شاملة بين الثلاثي. كما توقع توسيع اتفاق سوتشي الناظم لإدلب، مع إقرار الدول الثلاث لمبادئ عريضة بخصوص الوضع في المنطقة الشرقية، أساسها الناظم «اتفاق أضنة»، الذي يشكل نقطة توافق روسية – إيرانية».
وأضاف أيضاً، أن المعضلة الأساسية التي تحول دون التوصل لاتفاق شامل على مستوى سورية، هي اختلاف أولوية الملفات بالنسبة للدول الفاعلة، إذ أن كل دولة تنظر إلى الملفات بطريقة مغايرة، حسب أهميتها نسبياً، موضحاً أن هذا الاختلاف بالرغم من التوافق على أهمية الملفات هو ما يصعب التوصل إلى مرحلة متقدمة من التسوية المستدامة في سورية.
ويشكل اتفاق أضنة حسب المحلل العسكري، نقطة توافق بين روسيا وإيران كونه «يؤدي إلى احتواء الطرف التركي من وجهة نظر إيران وروسيا واقتصاره على مساحة محددة، بينما يعطي المجال لإيران أكثر بالعمق في الشرق السوري في المنطقة الداخلية، ويسمح لأنقرة بأن تتجه للتنسيق مع النظام السوري وهو بحد ذاته هدف مشترك لروسيا وإيران».
رابط المصدر: https://goo.gl/LbaMiK
قام الباحث أيمن الدسوقي بمداخلة صحفية على راديو روزانة للتعليق على القمة المرتقبة بين الرئيسين التركي والروسي، حيث استبعد الباحث حسم ملف المنطقة الآمنة أو العازلة على الحدود التركية-السورية خلال هذه القمة، إذ أن لكل من أنقرة وموسكو روئ مختلفة حيال هذه المسألة، مرجحاً تفاوض الطرفين على رؤية مشتركة تراعي هواجس أنقرة الأمنية من جهة والالتزامات الروسية من جهة أخرى. كذلك اعتبر الباحث أن استمرار اتفاق سوتشي ضرورة لمصالح كلا الدولتين، منوهاً بإمكانية خضوع الاتفاق للتعديل من حيث أطرافه أو الإجراءات المنصوص عليها للتعامل مع الوضع الناشئ في المحافظة عقب تمدد هيئة تحرير الشام، مستبعداً في الوقت نفسه إمكانية حدوث مقايضة من نوع إدلب مقابل شرق الفرات.
المصدر رادية روزانة: https://bit.ly/2FGVofv
في تصريحه لصحيفة القدس العربي بتاريخ 9 كانون الثاني2019، حول تمدد "هيئة تحرير الشام الأخير"؛ وضح الباحث معن طلاع من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية أن هذا التمدد هو بمثابة "الانتقال الاستراتيجي" إلى مراحل متقدمة في التمكين المحلي وإنهاء أي صيغ لتوازع السلطة في تلك المنطقة؛ وأنه ليس نتاج رغبة دولية وإن تقاطعت أهدافها النهائية مع تلك الرغبة والمتمثلة في تعجيل عودة إدلب إلى النظام عبر حجة "الهيئة"؛ إذ أن ما حدث يؤكد على أنها رغبة ذاتية للهيئة نابعة من إدراكها لصعوبة خياراتها المستقبلية وضرورة تحسين تموضعها العسكري والإداري والأمني.
أما من حيث السيناريوهات المحتملة لهذا التمدد فأوضح الباحث أنها تتراوح ما بين احتمال ضئيل لحصول اتفاق أمريكي تركي للقضاء على الهيئة وهذا يستلزم اتفاقاً سياسياً حول "لإدلب ما بعد الهيئة"؛ وما بين المواجهة الجزئية مع النظام مدعومة بالقوات الروسية أو لايرانية للسيطرة على M4 وm5 .؛ أو إعادة تدعيم قوى المعارضة والدخول في معركة استنزاف طويلة.
المصدر صحيفة القدس العربي: https://goo.gl/iXXuei
يستعرض هذا التقرير نتائج مسح اجتماعي أجراه مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع وحدة المجالس المحلية في كل المناطق المحررة خلال الفترة الواقعة بين 15/4/2018 و15/6/2018 ومن هذه المناطق محافظة إدلب. وقد تناول المسح كل الوحدات الإدارية والهيئات التمثيلية في كل التجمعات السكانية الموجودة على امتداد جغرافيا المحافظة عدا المناطق التي سيطر عليها النظام مؤخراً، ورغم كل محاولات فريق البحث الميداني الحصول على أدق المعلومات حول المجالس؛ إلا أنه لا يمكن الادعاء بالدقة الكاملة للمعلومات الواردة في التقرير لصعوبات واجهت الفريق خلال عملية جمع البيانات بسبب الوضع الأمني ولتفاوت درجة تعاون المجالس مع عملية المسح ولتدخل بعض القوى العسكرية ومنعها بعض المجالس من التعاون مع فريق المسح، وقد أسفر ذلك عن تأخر إصدار التقرير، إضافة إلى السيولة الكبيرة التي وسمت المشهد الميداني في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، والتي تسببت أيضاً في تأجيل إصدار التقرير حتى تستقر الخارطة ولو مؤقتاً، ويتناول التقرير واقع البنى المحلية الإدارية والتمثيلية القائمة من حيث مشروعيتها ومايعنيه ذلك من جودة تمثيلها للمجتمع المحلي وقيامها بالأدوار المنوطة بها ومن حيث شرعيتها التي تقاس بمدى اعتمادها للأنظمة والقوانين واعتماديتها من قبل المستويات الإدارية الأعلى، كما يتناول موارد هذه المجالس وقدرتها على التخطيط للتنمية، إضافة إلى علاقاتها البينية مع القوى العسكرية والمستويات الإدارية المركزية واللامركزية، كما يستعرض التقرير بعض ملاحظات فريق البحث الميداني التي دونها خلال عملية المسح، و يخلص إلى جملة من الخلاصات والتوصيات.
تقع محافظة إدلب في أقصى الشمال الغربي للجمهورية العربية السورية، وتحاذي جزءاً من الحدود السورية التركية، وقد بلغ عدد سكانها ثلاث ملايين وتسعمائة ألف نسمة بين أبناء المحافظة والمهجرين إليها ([1])، شاركت المحافظة في الثورة منذ أيامها الأولى لتخرج عن سيطرة النظام بشكل كامل في آذار من العام 2015، بعد سقوط مركز المحافظة بيد قوات المعارضة، فيما بقيت كل من كفريا والفوعة الشيعيتين المحاصرتين تحت سيطرة النظام ورهناً لاتفاقية المدن الأربعة بين إيران والمعارضة، ومع استكمال ترتيبات أستانة واتفاقيات خفض التصعيد بانعقاد اجتماع أستانة 6 في أيلول 2017، تمكن النظام وحلفاؤه الروس من السيطرة على أجزاء من شرق سكة الحديد جنوب شرق المحافظة حيث سيطر على حوالي 17.5% من مساحة المحافظة (متضمناً مساحة كفريا والفوعة)، لاحقاً ومع تزايد حشود جيش النظام وحلفائه على المحافظة تم اتخاذ قرار بإخلاء بلدتي كفريا والفوعة ويقدر عدد المجالس المحلية التي سقطت بيد النظام بحوالي 17 مجلساً محلياً معتمداً، كما أصبحت المحافظة ملاذاً أخيراً لعدد كبير من معارضي النظام السوري بعد سقوط مناطق المعارضة تباعاً ( الغوطة الشرقية، جنوب دمشق، القلمون الشرقي، ريف حمص الشمالي، درعا، القنيطرة) بيد النظام السوري وحلفائه، حيث يشكل النازحون ما نسبته 41% من سكان المحافظة([2]). وقد كانت محافظة إدلب على موعد مع حملة عسكرية ضخمة لاستكمال سيطرة النظام على ما تبقى من مناطق المعارضة ، إلا أن اتفاق سوتشي الأخير بين روسيا وتركيا في 17 أيلول 2018 حال دون ذلك ولو مؤقتاً وفتح الباب لتوفير حماية إقليمية لهذه المحافظة، في الوقت الذي وضع الكرة في ملعب الفعاليات المدنية والبنى المحلية لتفعيل برامجها وتمكين مؤسساتها والعمل على حوكمتها وبينما حدد القرار رقم 1378 للعام 2011 والصادر عن وزارة الإدارة المحلية التابعة للنظام([3])، التقسيمات الجغرافية المركزية للمحافظة بـ 6 مناطق تضم 26 ناحية فيما تقسم المحافظة إدارياً إلى 157 وحدة إدارية توزع على 15 مدينة و47 بلدة و95 بلدية تتمتع بالشخصية الاعتبارية([4])، إضافة إلى العشرات من القرى والمزارع والتجمعات التي لا تحظى بالشخصية الاعتبارية ولا تشملها التقسيمات الإدارية([5])، فإن العدد الفعلي للمجالس القائمة هو 307 مجلساً محلياً بمافيها مجلس المحافظة ومجالس البلدات التي سقطت بيد النظام بعد استيلائه على مناطق شرق السكة في شباط 2016 .
وقد تأسست 83% من مجالس محافظة إدلب قبل عام 2015، العام الذي خرجت فيه المحافظة بالكامل من سيطرة نظام الأسد، وبصورة عامة يعاني المشهد الإداري في محافظة إدلب من هشاشة وتشظي كبيرين، أسهمت فيه تداخلات الحالة السياسية والعسكرية في المحافظة والتي انعكست على الحالة المدنية وأرخت بظلالها على المنظومة المهيكلة للمجالس المحلية بنشوء مجالس غير معتمدة من الحكومة المؤقتة وتضاعف عددها بشكل كبير وتعدد مرجعيات بعضها سواء بتبعيتها لحكومة الإنقاذ أو المؤقتة، يضاف إلى ذلك حالة انفلات منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية من عقال الضبط الحكومي.
يعبر عن المشروعية بمدى الرضى الشعبي عن تمثيل المجلس للسكان المحليين، بما في ذلك المرأة والنازحين وشريحة الشباب والفئات المهمشة، إضافة إلى طريقة تشكيل المجلس وأدائه:
تجري62 % من مجالس محافظة إدلب انتخابات دورية([6])، بعضها سنوية وبعضها نصف سنوية، كما توجد مجالس تجري انتخابات كل 4أشهر ومجالس تجري انتخابات كل سنتين، وتم اختيار أعضاء 72% من المجالس في محافظة إدلب بالتوافق، فيما اختير أعضاء 13% من المجالس بالانتخاب المباشر من السكان، ولم تتجاوز نسبة المجالس التي عينت أعضائها الفصائل المسلحة الـ1% (تدخلت الفصائل في تعيين أعضاء أربع مجالس محلية في أربع وحدات إدارية اثنتان منهما تحت السيطرة العسكرية لهيئة تحرير الشام والثالثة تحت سيطرة فيلق الشام أما الوحدة الأخيرة فهي غير خاضعة لسيطرة أي فصيل )، فيما شكلت 10 % بالمئة منها بالاعتماد على انتخابات الهيئات الناخبة، وتم اختيار 2% من المجالس من خلال مجالس الأعيان والشورى .
لا تزال مشاركة المرأة في مجالس محافظة إدلب المحلية منخفضة نسبياً إذ يوجد حضور للمرأة في 14% فقط من المجالس المحلية سواءً في الجسم التمثيلي أو الوظيفي، حيث تتنوع مشاركتها فيها فتشارك في 5% من المكاتب التنفيذية لهذه المجالس، كما أنها تشغل مناصب وظيفية في 13 % بالمئة من هذه المجالس.
وبصورة عامة يمكن اعتبار مجالس محافظة إدلب المحلية مجالساً فتية إذ تتعزز فيها مشاركة الشباب بشكل كبير و تشكل المجالس التي متوسط الأعمار فيها بين 25-40 حوالي 61% من مجموع المجالس، فيما تشكل المجالس التي متوسط الأعمار فيها يبن 40-50 حوالي 7 بالمئة فقط، أما بالنسبة للنازحين فلم تسجل أي حالة تمثيل لهم في مجالس المحافظة.
تشكل الأدوار التي تقوم بها المجالس المحلية لصالح المجتمعات المحلية واحدة من أهم عوامل بناء مشروعية هذه المجالس. ومن أهم تلك الأدوار التي يمكن للمجالس المحلية أن تلعبها هو دورها في العمل السياسي العام بصفتها ممثلاً للمجتمع المحلي، ومن ذلك المباشرة في الممارسة السياسية بتمثيل إرادة المجتمع المحلي في المحافل الدولية في ظل إشكالية التمثيل السياسي المركزي الذي ينبغي أن تضلع به البنى السياسية على المستوى الوطني، وأيضاً الدفع السياسي أو التأثير في السياسة من خلال اتخاذ المواقف وإصدار البيانات وإقامة الفعاليات والتي تتناول الموقف الشعبي من المتغيرات السياسية المختلفة التي تخص الشأن السوري و إيصال الرسائل السياسية إلى الفاعلين السياسيين الدوليين والإقليميين والمحليين، إذ تشكل المجالس المحلية التي لديها قناعة بالمشاركة في العمل أو الدفع السياسي بشكل أو بآخر 25%، إضافة إلى كون عملية التمثيل على المستوى المحلي وإدارة المجتمع المحلي سواء على مستوى الخدمات والتنمية أو على مستوى العلاقة مع الفواعل المحلية في الوحدة الإدارية أو مع الاستحقاقات السياسية ذات الطابع المحلي شكلاً من أشكال العمل السياسي، ويمكن ملاحظة عزوف الكثير من المجالس المحلية في محافظة إدلب عن الاضطلاع بمهام سياسية مباشرة على المستوى المحلي كتلك المتعلقة بالتفاوض المحلي مع النظام، كما تتفاوت قدرة المجالس المحلية في تلبية احتياجات المجتمعات المحلية على مستوى القطاعات الإغاثية و الخدمية الأساسية:
ترى 32% من المجالس أن الفصائل هي الجهة الأكثر تأهيلاً لخوض المفاوضات المحلية مع الجهات المعادية في مناطق التماس) 28 % منها يتبع إدارياً لحكومة الإنقاذ(، فيما ترى 20 % من المجالس أن المجالس المحلية هي الجهة الأكثر تأهيلاً للتفاوض، وتذهب 18 % من المجالس إلى أهمية تشكيل لجنة مشتركة من المجالس المحلية والفصائل للقيام بهذه التفاوضات. في حين ترى 17% من المجالس أن مجلس المحافظة هو الجهة الأكثر تأهيلاً لخوض المفاوضات المحلية، وترى 6% من المجالس أن الهيئة السورية للمفاوضات هي الجهة الأكثر تأهيلاً للقيام بالتفاوضات المحلية، فيما ذهب ثلاثة مجالس إلى أهمية تشكيل لجنة من مجلس المحافظة أو المجلس المحلي والهيئة العليا، ورأى مجلس واحد أهمية تشكيل لجنة من المجلس المحلي ومجلس المحافظة والفصائل، وقد امتنع 5 % من المجالس عن الإجابة عن هذا السؤال.
تولي 24% من المجالس أهمية كبيرة لقطاعات الإغاثة والصحة والتعليم والبنى التحتية (مياه، طرق، صرف صحي، كهرباء) على التوازي، فيما تولي 7 % من المجالس في المحافظة أهمية قليلة للقطاعات الأربعة، كما تتفاوت أولويات مجالس محلية أخرى بالنسبة لاعتبارات الأهمية للخدمات التي تقدمها إلا أن ميدان التعليم يعد الأكثر أهمية لحوالي ال45 % من المجالس، فيما تعتبر 41 % من المجالس قطاع الصحة الأكثر أهمية بالنسبة لها. وعدى عن هذه القطاعات تنصرف الكثير من المجالس لإعطاء الأولوية لقطاعات أخرى كالزراعة والثروة الحيوانية، أو الشؤون المدنية والعقارية، أو إزالة الأنقاض وآثار القصف، أو حل المشكلات في المجتمع المحلي، أو فتح الأفران، أو حملات النظافة ومكافحة الحشرات الضارة، أو الأمن المحلي (الإشراف على الشرطة المحلية).
الشرعية
تكتسب المجالس المحلية شرعيتها عادةً من مدى انتظامها ضمن الهيكل الإداري العام على المستوى الوطني، ما يعني اعتماديتها وفق الأنظمة الصادرة عن الحكومة المركزية وفق المعايير التي تحددها القوانين الإدارية، إضافة إلى عمل المجلس وفقاً للقوانين الإدارية الناظمة، وامتلاك المجلس لدليل تنظيمي يحدد نظامه الداخلي وهيكليته ومهامه، وقدرة المجلس على مد سلطته الإدارية على كل الحدود الإدارية لوحدته وشمل كل القطاعات المحلية بها. وفيما يلي نتائج المسح حول مدى التزام المجالس موضوع المسح بمعيار الشرعية:
الموارد والتخطيط للتنمية
لاتزال المناطق الخارجة عن سيطرة النظام تعاني من شح في الموارد وفي فرص التنمية نتيجة التحديات الأمنية وسيطرة قوى الأمر الواقع على الكثير من الموارد على حساب البنى الإدارية اللامركزية إضافة إلى غياب سلطة مركزية فعلية، توضح النسب التالية نظرة المجالس المحلية لأولويات سبل العيش المتوافرة في مناطقها:
ترى 22 % من المجالس أن سبل العيش الأكثر أهمية المتوفرة في مناطقها تتمثل في الإغاثة ودعم المنظمات بالإضافة إلى تحويلات المغتربين والأنشطة الاقتصادية المحلية، فيما تمثل عمليات الإغاثة ودعم المنظمات (دون غيرها) سبل العيش الأكثر أهمية برأي 31% من المجالس بينما تمثل تحويلات المغتربين (دون غيرها) سبل العيش الأكثر أهمية بالنسبة لـ 24% من المجالس فيما تمثل الأنشطة الاقتصادية المحلية (دون غيرها) سبل العيش الأكثر أهمية برأي 69% من المجالس القائمة في محافظة إدلب.
وبصورة عامة تشكل الزراعة أهم الفعاليات الاقتصادية في الوحدات المحلية بنسبة 81% تليها الفعاليات التجارية بنسبة 75% ثم الحرف بنسبة 66%، فيما تنخفض مساهمة قطاعي الخدمات 33% والصناعة 20% في الفعاليات الاقتصادية القائمة في الوحدات الإدارية التي تديرها المجالس المحلية في المحافظة.
أما فيما يتعلق بالمجالس نفسها فتبلغ نسبة المجالس التي لها موارد 66 %، يحدد الجدول الآتي أهم موارد دخل المجالس المحلية من حيث نسبة مساهمتها في تمويل عمل هذه المجالس وعدد المجالس المستفيدة والنسبة العامة لمساهمة هذه الموارد:
توجد موارد أخرى متفرقة تعتمد عليها الكثير من المجالس المحلية يمكن عرضها في الجدول الآتي:
لا تظهر الأغلبية الساحقة من المجلس مقدرة على بلورة الاحتياجات والأولويات والخطط ووضع الموازنات بناءً على ذلك، فما نسبته 85% من المجالس المحلية في محافظة إدلب لا يوجد لديها موازنة، و77% من المجالس لا يوجد لديها خطة وبرنامج سنوي أو نصف سنوي، رغم قدرة أغلب المجالس على تقييم الاحتياجات من خلال اللقاءات والندوات مع المجتمعات المحلية أو من خلال إجراء المسوح الاجتماعية سواء باعتماد المجالس على نفسها في ذلك غالباً أو بالتعاون مع منظمات مجتمع مدني شريكة ومنظمات دولية.
يزيد غياب ناظم مؤسسي حقيقي ومقونن يضبط علاقة المجالس ببعضها وعلاقتها بالمستويات الإدارية الأعلى وعلاقتها أيضاً بالفاعلين المحليين، يزيد من حدة الاستقطاب المناطقي والفصائلي والسياسي في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، يمكن هنا استعراض 4 مستويات من العلاقات بالنسبة للمجالس المحلية القائمة، أولها العلاقة بمجلس المحافظة أو المجلس ذو المستوى الإداري الأعلى، ثم العلاقة بالمستويات المركزية وهي تتمثل في حالة محافظة إدلب بحكومتي المؤقتة والإنقاذ، إضافة إلى الوجود الفصائلي في مناطق المجالس وتداخل العلاقة مع هذه المجالس مع العلاقة بحكومتي المؤقتة والإنقاذ:
فيما يلي مجموعة من الملاحظات التي دونها فريق البحث الميداني خلال لقائه بممثلي المجالس المحلية في محافظة إدلب، والتي تناولت جوانب مختلفة من واقع المجالس المحلية في المحافظة:
([1]) بحسب تقديرات مجلس محافظة إدلب بناءاً على سؤال موجه لرئيس المجلس بتاريخ 25/10/2018، خلال استكمال عمليات مسح مجالس إدلب.
([2]) النازحون في إدلب.. بين مأساة الحاضر وهواجس المستقبل"، محمد العبد الله، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تاريخ11/10/2018، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/Zaqtzv
([3]) اعتمد القرار 1378 على القانون الإداري 107 المتضمن معايير تقسيم الوحدات الإدارية بحسب عدد السكان في كل منطقة، كما اعتمد على الإحصاء السكاني للمكتب المركزي للإحصاء التابع لحكومة النظام للعام 2004 وتعديلاته للعام 2011 وفق معدل النمو السكاني في سوريا.
([4]) يقصد بالشخصية الاعتبارية تمتع الوحدة الإدارية بالذمة المالية المستقلة والأهلية القانونية للقيام بالتصرفات القانونية المختلفة كإبرام العقود وحق التقاضي أمام القضاء وامكانية مقاضاتها من الغير، والموطن المستقل عن الأفراد المكونين لها، ووجود شخص يعبر عن إرادة هذه الوحدة ويتصرف باسمها ويمثلها، إضافة إلى تمتعها بالمسؤولية المدنية والإدارية الكاملة.
(5) الحكومة السورية المؤقتة ومنظمة التنمية المحلية، أطلس المعلومات الجغرافي، مرجع سابق.
([6]) تم احتساب انتظام الدورات تبعاً لمقارنة عمر المجلس بعدد الدورات المصرح عنها ومدة الدورة الواحدة في المقابلة حيث يتم اعتبار أن المجلس يجري دورات انتخابية منتظمة إذا كان عمر المجلس مساوياً عدد الدورات أو عددها ناقصاً 1، حيث يتم مراعاة تأخير اجراء الانتخابات لمدة سنة على الأكثر بسبب الأوضاع الأمنية.
([7]) بحسب جدول المجالس الفرعية التابعة لمجلس المحافظة والذي حصل عليه الباحث من مكتب شؤون المجالس الفرعية في محافظة إدلب.
([8]) يُتعارف في الكثير من مناطق محافظة إدلب على تسمية العوائل بالطوائف.
أثمرت الجهود التركية على المستوى الدبلوماسي والميداني في تجنيب إدلب معركة دامية كان من الممكن أن تؤدي إلى كارثة إنسانية بكل المقاييس، وذلك عبر اتفاق سوتشي الذي توصل إليه الرئيسان التركي والروسي في 17 أيلول/سبتمبر 2018. وبالرغم من الارتياح والترحيب الدولي والمحلي بالاتفاق، والناتج عن النظر إليه من زاوية إنسانية؛ إلا أن الاتفاق يطرح جملة من التساؤلات حول تفصيلاته وآلياته التنفيذية، وما سيفضي إليه أخيراً، وبخاصة حول مستقبل إدلب وما تمثله من ثقل عسكري وسياسي كمعقل أخير للمعارضة السورية.
ولا يعد الاتفاق من حيث الشكل مختلفاً عما سبقه من اتفاقات بين أطراف أستانة حول مناطق خفض التصعيد، وبخاصة اتفاق ضم إدلب إلى تلك المناطق في أستانة 6، حيث تبدو تلك الاتفاقات في ظاهرها إنقاذاً لأرواح المدنيين وفتحاً للمجال أمام الحلول السياسية، ولكن مؤداها يكون مكاسب منخفضة التكلفة لموسكو تتيح لها قضم مناطق المعارضة الواحدة تلو الأخرى، وهو الأمر الذي يدفع إلى طرح التساؤلات التالية:
وعليه، تسعى هذه الدراسة إلى الإجابة عن التساؤلات السابقة، وفق عدة مداخل، بدءاً بتحليل المقدمات التي أفضت إلى اتفاق "سوتشي" حول إدلب والظروف المحلية والإقليمية والدولية التي رسمت سياقه، وذلك ضمن حسابات الربح والخسارة بالنسبة لطرفيه (روسيا وتركيا)، مقابل تفكيك التحديات التي تعترض الاتفاق ولاتزال، سواء ما يتعلق منها بتفصيلاته وآلياته التنفيذية، أو تلك المتعلقة باستدامته على المدى البعيد، خاصة بالنسبة للدور التركي وموقعه الوظيفي من الاتفاق، فنجاح أنقرة في تنفيذ الجزء المتعلق بالمنطقة العازلة لا يعدو كونه تذليلاً للعقبات الصغرى وتقدماً مرحلياً ستعقبه مراحل أكثر صعوبة. لتتوصل الدراسة إلى نتائج تمثل إجابات عن تساؤلاتها وتقدم استشرافاً لمستقبل منطقة خفض التصعيد الرابعة في ظل هذ الاتفاق، إضافة إلى تقديمها عدة توصيات مباشرة مبنيّة على أساس النتائج وتشخيص التحديات وكيفية تجاوزها.
أولاً: الاتفاق بين موسكو وأنقرة (الرابح والخاسر)
نجحت تركيا في وقف العجلة الحربية الروسية المنتشية بانتصاراتها السابقة في مناطق "خفض التصعيد" من التقدم إلى إدلب، وذلك بالتحرك على مستويين محلي- إقليمي ودولي، حيث اعتمد التحرك التركي على إتقان اللعب على المتناقضات والمصالح المتشابكة للدول المعنية بالملف السوري على تلك المستويات، فعلى المستوى المحلي عززت تركيا نقاط المراقبة الخاصة بها في ريف حماه وزادت عدد قواتها في إدلب، كما طلبت من الفصائل الحليفة لها ضمن تشكيلات "درع الفرات" و"غصن الزيتون" الاستعداد للمشاركة في المعركة، ونشرت أخبار عن إدخالها شحنات سلاح نوعي للمعارضة، الأمر الذي ساهم برفع معنويات فصائل المعارضة في "الجبهة الوطنية للتحرير" وعزز رغبتها بالدفاع عن مواقعها ورفض سيناريو المصالحات على غرار ما حدث في ردعا، وانعكست بالنتيجة تلك الروح المعنوية على الشارع في إدلب، والذي شهد تظاهرات بزخم كبير رافضة للمعركة.
على المستوى الإقليمي استغلت تركيا الموقف الأمريكي المتصلب اتجاه طهران وحاجة الأخيرة للموقف التركي الرافض للالتزام بالعقوبات الأمريكية حيالها، ونجحت في تحييدها عن المعركة، مُستفيدة من موقف أوروبي منسجم مع الموقف التركي من المعركة، خاصة ألمانيا وفرنسا، وبالتالي فإن طهران لن تغامر بتوتير الجو مع الاتحاد الأوروبي الرافض للانسحاب من الاتفاق النووي، ومع الدول التي تقود وساطة مع الولايات المتحدة بخصوص هذا الاتفاق، حيث اختارت طهران عدم توريط ميليشياتها في معركة على منطقة لا تعتبرها ضمن "سورية المفيدة" بالنسبة لها، خاصةً بعد تنفيذ اتفاق إخلاء كفريا والفوعة، وفي وقت تغرق فيه تلك الميليشيات في مستنقع داعش بريف دير الزور.
على المستوى الدولي أيضاً نجحت تركيا باستمالة الموقف الأوروبي لتأييدها، وذلك بلعب ورقة اللاجئين والتلويح بأن أي موجة لجوء ناجمة عن معركة في إدلب لن تقتصر أثارها على تركيا وحدها، وإنما ستطال أوروبا، وهو الأمر الذي يخلق مشكلة حقيقية وكابوساً بالنسبة للحكومات الأوروبية التي تواجه صعوداً لليمين المتطرف واحتجاجات شعبية ضد الهجرة واللاجئين، ناهيك عن احتمال تسلل مقاتلي القاعدة إلى أوروبا بين أفواج اللاجئين. إضافة إلى ذلك استفادت تركيا من مخاوف أوروبية حيال سلوك واشنطن اتجاه الاتحاد الأوروبي فيما يخص الناتو والاتفاقات التجارية بين الاتحاد وأمريكا، حيث عكست المواقف الأوروبية ما يمكن اعتباره رغبة في إثبات أن الناتو يستطيع التحرك منفرداً دون غطاء أمريكي، وهو ما تدل عليه تصريحات تركيا بأن "حدودها مع إدلب هي حدود الناتو"، والمواقف الحازمة من فرنسا وبريطانيا حول الكيماوي، والموقف الألماني الجديد نسبياً حول إمكانية التدخل العسكري في حال استخدام الكيماوي، وهذا ما قد يشير إلى إمكانية تفعيل دور تركي أوروبي على المستوى الدبلوماسي فيما يخص الملف السوري، يُعيد إحياء مسار جنيف ويمهد لانهيار أستانة، خاصة بعد الشرخ الذي أحدثته إدلب بين أطراف المسار الثلاثة.
في ظل تلك الجهود التركية لم يكن من الممكن لموسكو أن تمضي قدماً في معركة ليست محسومة دبلوماسياً، وهو ما اعتادت عليه سابقاً، كما أن موقف إيران وعدم نيتها للمشاركة في المعركة في ظل النقص العددي لقوات النظام يجعل الحسم العسكري للمعركة أقرب للمستحيل، خاصةً مع الدعم التركي للفصائل المعارضة ووجود قوات تركية على الأرض، وعليه لم يبق أمام موسكو إلا التراجع عن العمل العسكري والتفاوض مع تركيا حول بدائل تحقق للطرفين مصالحهم وتحافظ على مسار أستانة.
مما لا شك فيه أن موسكو بإبرامها لهذا الاتفاق تكون قد خضعت لجملة من الظروف المحلية والدولية، والتي عكست نجاحاً للجهود التركية على الصعيدين العسكري والديبلوماسي، وهو ما يُفهم بأنه نصر تركي حقق لأنقرة ما كانت تريده من وقف عملية عسكرية شاملة تشنها موسكو على إدلب، والواقع أن الاتفاق لم يحقق لتركيا مكاسب وإنما جنبها مجموعة من الخسائر المادية والسياسية على رأسها خسارة مصداقيتها أم حلفائها من الفصائل السورية في "جبهة التحرير الوطنية" وأمام جمهور الثورة السورية في الشمال السوري، وهو ما سينعكس بالضرورة على دورها السياسي والعسكري في الملف السوري، إذ سيؤدي أي تراجع لفصائل منطقة "خفض التصعيد" الرابعة إلى انكشاف مناطق السيطرة التركية على الشريط الحدودي مع سورية (درع الفرات، غصن الزيتون) أمام قوات النظام ومليشيات "قسد" التي أعلنت عن نيتها المشاركة في معركة إدلب، وبالتالي سيصبح ما حققته تركيا من مكاسب عسكرية مهدداً، بالإضافة إلى الأعباء الإنسانية التي ستتحملها تركيا نتيجة المعركة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها، وما سيترتب عن أي موجة نزوح جديدة من حراك سياسي داخلي معارض لطالما اتخذ من اللجوء السوري ذريعة لمهاجمة الحكومة التركية.
أما بالنسبة لموسكو فيبدو أن "الاتفاق المؤقت" على حد تعبير مسؤوليها([1])، قد حقق لها ما كانت تصبو إليه مرحلياً؛ فالمعركة في منطقة "خفض التصعيد" الرابعة تبعاً لطبيعتها الجغرافية والفصائل الموجودة فيها لا يمكن حسمها بمرحلة واحدة، فالمنطقة جغرافياً تقسم إلى منطقة سهلية على تخوم مناطق سيطرة النظام ومنطقة جبلية خلفها، وهو الأمر الذي يستوجب أن تكون المعركة على مرحلتين: الأولى تتم السيطرة فيها على المناطق السهلية، ثم مرحلة أخرى أكثر صعوبة وقد تستغرق أشهر للاستحواذ على المنطقة الجبلية، إضافة لذلك تشهد المنطقة السهلية تواجد كثيف للفصائل المعتدلة "جبهة التحرير الوطني"، ولذلك فالاستحواذ عليها في المرحلة الأولى بالنسبة لموسكو سيسهل عليها استخدام القوة المفرطة في المرحلة اللاحقة كون المنطقة ستكون في الغالب خاضعة لسيطرة "هيئة تحرير الشام"([2])، وعليه تكون موسكو وفقاً للاتفاق قد حققت أهداف المرحلة الأولى من المعركة دون خوضها، فهي قد استكملت تأمين مواقعها في ثلاث محافظات (حلب، حماه، اللاذقية) وأبعدت خطر استهداف قاعدة حميميم عبر الطائرات المسيّرة، وضمنت افتتاح طرق التجارة الضرورية للنظام، والتي سيساهم تأمينها بقضم ما لا يقل عن 10 كم2 من المساحات التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، حيث ستوكل مهمة تأمين تلك الطرق لدوريات مشتركة (روسية تركية إيرانية) بحسب تصريحات لقيادات في فصائل المعارضة([3]).
أما بخصوص المرحلة الثانية من المعركة والهيمنة المباشرة على إدلب، فيبدو أن موسكو على ثقة بأنها قادمة لا محالة وتأجيلها لفترة يصب في صالح موسكو، فقد أتاح انسحاب "هيئة تحرير الشام" من المنطقة العازلة بموجب اتفاق سوتشي الفرصة لموسكو لتشكيل بقعة جغرافية محدودة تقع تحت سيطرة تنظيمات إرهابية تتفوق بشكل كبير من الناحية القتالية والتسليحية على الفصائل المعتدلة في تلك المنطقة، مما قد يتيح لها الهيمنة المطلقة على تلك المنطقة، الأمر الذي سيخلق ذريعة لموسكو لفتح معركة، خاصة في ظل عجز تركيا على مدار عام من اتفاق أستانة 6 عن تفكيك "هيئة تحرير الشام"، ورفض الأخيرة للعرض التركي بحل نفسها والاندماج مع "جبهة التحرير الوطنية"([4])، إضافة إلى صعوبة خيار نقل التنظيمات المتطرفة من إدلب إلى مناطق أخرى كما تم سابقاً في عدة صفقات. وفي ظل هذا الواقع فالمرجح أن تفضي الأمور إلى معركة قد تفضل تركيا أن تخوضها بنفسها مع فصائل "جبهة التحرير الوطني" للتخلص من "هيئة تحرير الشام" أو بعض أجنحتها، الأمر الذي يُرجح ألا تعارضه موسكو؛ فمثل تلك المعارك تكون فاتورتها مرتفعة لناحية الخسائر البشرية في صفوف المدنيين، خاصةً مع تداخل مناطق الهيئة مع المناطق المدنية، وستتحمل تركيا أي ردود فعل دولية لتلك المعركة، كما حدث إبان تحرير مدينتي الباب وجرابلس من "تنظيم الدولة" وعفرين من مليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي PYD ، وبالنتيجة ستحقق موسكو مكاسب مجانية جديدة عبر عقد المصالحات أو عودة مؤسسات النظام إلى إدلب كمقدمة لتصفيتها كمنطقة أخيرة للمعارضة على غرار سابقاتها من المناطق.
يدعم هذا السيناريو لمصير إدلب أن اتفاق سوتشي لا يُعد جديداً، وإنما هو نسخة من الاتفاق الذي تم التوصل إليه في أستانة 6 لضم إدلب ومحيطها إلى مناطق خفض التصعيد في أيلول /سبتمبر من العام الفائت، حيث تضمن الاتفاق تشكيل منطقة عازلة بإشراف نقاط مراقبة إيرانية روسية تركية، وتكليفاً لتركيا بتفكيك التنظيمات المصنفة إرهابية([5])، ولم يُكمل الاتفاق عاماً واحداً حتى بدأت موسكو بالتحشيد للهجوم على المنطقة بذريعة الفشل التركي بتنفيذ مهمة تفكيك "هيئة تحرير الشام"، وهو السيناريو الذي ستعمل موسكو على تحقيقه اليوم في ظل استمرار الظروف ذاتها دون تغيير فيما يخص "هيئة تحرير الشام" والواقع العسكري والإداري والسياسي لمنطقة خفض التصعيد الرابعة، وهو ما يشكل مجموعة تحديات جدية لتركيا واختباراً لها أمام موسكو والمجتمع الدولي من جهة، وأمام سُكان تلك المنطقة من المدنيين والفصائل المتحالفة معها من ناحية ثانية، وأهم من ذلك لقدرتها على حماية أمنها القومي ودورها السياسي في الملف السوري عبر الاحتفاظ بمنطقة خفض التصعيد الرابعة.
ألقت موسكو الكرة في ملعب تركيا بقبولها باتفاق سوتشي، وهو الأمر الذي يمثل رهاناً روسياً على الوقت لاستعادة إدلب ومحيطها، فنجاح أنقرة بتنفيذ جزء الاتفاق المتعلق بالمنطقة العازلة لا يعدو كونه تذليلاً للعقبات الصغرى، وتقدماً مرحلياً ستعقبه مراحل أكثر صعوبة وعقبات أكبر حجماً تتعلق بتفكيك الهيئة، وتغيير الواقع الإداري والعسكري والاقتصادي للمنطقة في حال كان لدى أنقرة رغبة بالحفاظ عليها ودمجها تحت إدارتها مع منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون"([6])، ويمكن إجمال أبرز التحديات التي من الممكن أن تواجه الدور التركي، بالتالي:
بالرغم من نجاح أنقرة في تنفيذ الخطوة الأولى من الاتفاق والمتعلقة بسحب السلاح الثقيل من المنطقة العازلة؛ إلا أن استكمال الخطوات المرحلية اللاحقة من الاتفاق ستكون أكثر صعوبة وبحاجة إلى أمد أبعد مما اتفق عليه، وهو ما ستطالب به أنقرة غالباً، فانسحاب الفصائل المتشددة من المنطقة العازلة لم يتم وفق الجدول الزمني في 15 أكتوبر/ تشرين الأول، كما تُشير المواقف المعلنة للفصائل بأن الخطوة لن تسير بسلاسة كسابقتها، فقد رفضت أربعة تنظيمات جهادية الاتفاق (حراس الدين، أنصار التوحيد، جبهة أنصار الدين، جبهة أنصار الإسلام) وأعلنت تشكيل غرفة عمليات تحت مسمى "وحرض المؤمنين"، وعرضت صوراً لاستهداف مواقع قوات الأسد في معسكر جورين من نقاطها في المنطقة منزوعة السلاح المتفق عليها بعرض 20 كيلومتراً في مناطق سيطرة المعارضة([7]).
ويُشير بيان "هيئة تحرير الشام"([8])، والذي تأخر صدوره إلى قبل يوم من نهاية المهلة المحددة في الاتفاق لانسحاب الفصائل المتشددة، إلى أن الهيئة قبلت بسحب السلاح الثقيل كخطوة تكتيكية لكسب الوقت، ولكنها قد لا تسير إلى جانب تركيا في تنفيذ باقي بنود الاتفاق، حيث تضمن البيان شكراً لتركيا على جهودها ورفضاً للتخلي عن السلاح أو قتال النظام في إشارة مستقبلية إلى أنها لن تقبل حل نفسها، وقد يُمثل هذا البيان حلاً وسطاً توصل إليه جناحا الهيئة اللذان انقسما حول الاتفاق بين رافض (جناح أبو اليقظان المصري) وجناح يرحب بالاتفاق والاندماج مع "الجبهة الوطنية للتحرير" (جناح الجولاني)([9])، كما أن مواقف الفصائل المعتدلة حول الاتفاق جاءت أيضاً متحفظة على بعض بنوده فيما يتعلق بحدود المنطقة العازلة والدوريات الروسية، مما يُشير إلا أن تركيا اليوم أمام موقف حرج، خاصةً مع نفاد المهلة المتفق عليها لانسحاب التنظيمات المتشددة والمترافقة مع تصاعد اللهجة التهديدية من النظام وموسكو حول إمكانية استئناف المعركة في حال عدم التزام الطرف الآخر بوعوده، وأن الاتفاق مؤقت وإدلب ستعود إلى سيطرة النظام([10])، وهو ما يضع أنقرة أمام خيارين، الأول طلب تمديد المهلة الزمنية لانسحاب التنظيمات المتشددة من المنطقة العازلة، الأمر الذي قد تقبله موسكو مقابل تنازلات معينة من الطرف التركي بخصوص تفاصيل الاتفاق، ومن المرجح أن تكون التنازلات حول الدوريات الروسية في المنطقة العازلة، والثاني هو القيام بعمل عسكري محدود لإجبار الفصائل الرافضة للانسحاب على الالتزام ببنود الاتفاق، وهو خيار أقل ترجيحاً نظراً لأن أي اشتباك تركي مع هذه الفصائل قد يؤثر على الاتفاق برمته لأنه سيتجاوز حدود المنطقة العازلة، مما يفتح الباب أمام معركة شاملة في إدلب .
وفي ظل الاحتمال الأول ونجاح أنقرة بكسب المزيد من الوقت لإقناع الفصائل الجهادية بالانسحاب من المنطقة العازلة؛ فإن الخلافات حول باقي بنود الاتفاق لن تتوقف مع فصائل المعارضة أو مع "هيئة تحرير الشام"، وبخاصة حول نقطة فتح الطرق التجارية (M4-M5)، والتي يستلزم تأمينها انسحاب فصائل المعارضة بمقدار 10 كم2 على جانبي الطريق، مما يعني خسارة أراضٍ جديدة بالنسبة للمعارضة، وخسارة أكبر بالنسبة لهيئة "تحرير الشام"، والتي ستتنازل عن إدارتها للمعابر الحدودية مع تركيا بعد خسارتها لمعابر التجارة مع مناطق النظام في المنطقة العازلة، وهي أهم موارد تمويل الهيئة، ناهيك عن قبولها بحل نفسها والاندماج مع "جبهة التحرير الوطني"، تلك العقبات التي ستواجه تركيا الواقع على عاتقها مهمة التخلص من التنظيمات الإرهابية في إدلب كشرط لاستمرار الاتفاق؛ تجعل من خيارات أنقرة ضيقة وقد تفرض عليها في مرحلة ما خوض معركة مع تلك التنظيمات، وبخاصة مع الجناح المتشدد من "هيئة تحرير الشام" وغيرها من الفصائل المصنفة دولياً إرهابية (حراس الدين، أنصار الإسلام، الجهاديين المستقلين الفصائل، خلايا داعش، الحزب الإسلامي التركستاني) وهي تنظيمات تضم في غالبها مقاتلين أجانب وتتسم بالتشدد ورفض الحلول السياسية، الأمر الذي قد يدفع تلك التنظيمات للتوحد في مواجهة أي محاولات للتخلص منها، مما سيشكل كتلة صلبة من الجهاديين المتشددين الأجانب يصعب التخلص منها عسكرياً كون المعركة ستكون وجودية بالنسبة لهم، وذات فاتورة مرتفعة بشرياً في ظل وجودهم في مناطق ذات كثافة سكانية كبيرة.
تعكس التصريحات التركية رغبة أنقرة بالاحتفاظ بنقاط المراقبة الخاصة بها وبوجودها العسكري في إدلب ومحيطها لحين إجراء انتخابات في سورية([11])، واستكمال تأمين شريطها الحدودي من تواجد مليشيات PYD في شرق الفرات، وبالمقابل تُظهر التصريحات الروسية إصراراً على استعادة إدلب ولو بعد حين([12]). وفي ظل تلك الرغبات المتضاربة بين شريكي أستانة يبقى مصير إدلب معلقاً بمدى نجاح تركيا في تذليل العقبات المتعلقة بتنفيذ بنود الاتفاق مع نهاية العام الحالي، وقدرتها على فرض واقع جديد في إدلب وباقي المناطق الواقعة تحت سيطرتها في الشمال السوري، وهو ما يستلزم جهود أكبر لتذليل عقبات أخرى تعترض استدامة سيطرة المعارضة وتركيا على تلك المناطق، ويمكن تحديد تلك العقبات بالتالي:
يُشكل الواقع العسكري لمنطقة خفض التصعيد الرابعة معضلة حقيقية أمام تركيا؛ فالمنطقة تحتوي على ما يقارب 90 ألف مقاتل مختلفي التوجهات والمشارب العقائدية بين معتدل ومتشدد وأكثر تشدداً([13])، ناهيك عن الاختلافات المناطقية الناجمة عن تهجير حوالي 20 ألف مقاتل إلى إدلب من باقي المناطق السورية. الأمر الذي خلق واقعاً من الفوضى الأمنية تجلى في عمليات تفجير واغتيالات باتت شبه يومية في المنطقة، إضافة إلى حدوث اشتباكات متكررة بين "هيئة تحرير الشام" والفصائل المنضوية تحت "جبهة التحرير الوطني".
وفي ظل هذا الانفلات الأمني وفوضى السلاح؛ فإن مهمة تركيا في الحفاظ على المنطقة تحت سيطرتها وإبعاد شبح إخضاعها لسيطرة النظام مجدداً ستكون أقرب للمستحيلة، خاصةً في حال استنساخ تجربة درع الفرات في إدلب، وهو ما بدأت تركيا القيام به بالفعل. حيث طلبت من الفصائل في منطقة خفض التصعيد الرابعة تقديم كشوف ذاتية لمقاتليها وكشوف للسلاح الذي تمتلكه على غرار ما قامت به سابقاً مع فصائل درع الفرات وغصن الزيتون، وقد تكون تلك الخطوة تمهيداً لدمج فصائل إدلب بـ "الجيش الوطني" الذي تم تشكيله في الشمال السوري([14]). تلك المساعي التركية رغم أهميتها الظاهرية لتشكيل كيان عسكري جامع؛ إلا أن المشكلة تكمن في مضمونها إذا ما قيست بتجربة الجيش الوطني، فالفيالق الثلاثة المكونة للجيش هي كيانات على الورق فقط دون أي ارتباط حقيقي بقيادة مركزية، وهو أقرب إلى ائتلاف فصائل بإشراف تركي منه إلى جيش، حيث لا يملك وزير الدفاع أو رئيس هيئة الأركان التابعين للحكومة المؤقتة أي صلاحية فعلية لإصدار أوامر إلى الفصائل، وما زال أي فصيل داخل الجيش الوطني أكبر عملياً من كل الحكومة، ولا يقبل فعلياً تلقي أي نوع من الأوامر منها([15])، إضافة إلى عجز جهاز الشرطة العسكرية التابع لوزارة الدفاع عن ردع انتهاكات الفصائل اتجاه المدنيين وضبط سلوك أفرادها.
لا يقل الواقع الإداري لمحافظة إدلب سوءً عن واقعها العسكري لناحية الانقسامات من حيث التبعية، ووجود عدد كبير جداً من المجالس المحلية يقارب 140 مجلساً، وحسب تقرير أولي لمسح ميداني أجراه (مركز عمران للدراسات الاستراتيجية) مع وحدة المجالس المحلية، جرى في الفترة من 8 أبريل/نيسان 2018 وحتى 15 مايو/أيار 2018 في محافظة إدلب، فإن 59% من المجالس المحلية تُصنِّف نفسها بأنها تتبع إدارياً للحكومة المؤقتة مقابل 7% تُصنف نفسها تابعة لحكومة الإنقاذ. ومن الملاحظات وجود عدد من المجالس التي تتبع الحكومة المؤقتة لكنها مرغمة على التعاون مع حكومة الإنقاذ، فيما تصنف 16% من المجالس نفسها بأنها مستقلة عن حكومتي الإنقاذ والمؤقتة([16]). وعموماً، يمكن تسجيل عدة ملاحظات تجاه فاعلية المؤسسات السياسية والإدارية المحلية والجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني في محافظة إدلب، إذ تصطدم سياساتها بالعديد من العراقيل التي تحد من خياراتها، ويعود ذلك إلى عدة أسباب، أولاً: إلى التعارض في أجندات الجهات المسيطرة على المحافظة، وثانياً: إلى تشتت الإدارات والهيئات المدنية التي لا تزال تفتقر لرؤية استراتيجية موحدة تُمكنها من امتصاص صدمة النزوح وابتداع أدوات إدارة سياسية واقتصادية واجتماعية تتواءم مع الوضع غير المستقر للمحافظة، وثالثاً: للاعتمادية المفرطة على المنظمات الدولية والمحلية في تقديم المساعدات للسكان ومخيمات المهجرين والمجالس المحلية([17]).
هذا الواقع الإداري يُشكل أيضاً عقبة في وجه المساعي التركية لإعادة تنظيم المنطقة تمهيداً لدمجها مع منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، خاصةً في ظل احتمال اندماج "هيئة تحرير الشام" عسكرياً مع "الجبهة الوطنية"، وإدارياً ضمن هيكل الحكومة المؤقتة. الأمر الذي سيكون شكلياً ويحافظ للهيئة على المجالس المحلية التابعة لها، وهو ما سيؤدي إلى استمرار حالة التردي الإداري في المنطقة، ويفتح الباب أمام موسكو لطرح عودة مؤسسات النظام على الأقل لإدارة إدلب.
بالمقابل يبدو أن تركيا ليست غافلة عن صعوبات الواقع الإداري في إدلب، فبالتوازي مع مساعيها لضبط المشهد العسكري، بدأت بإجراء إحصاء مدني للسكان، كما ركز وفد "الائتلاف الوطني السوري" في زيارته لإدلب على ضرورة ضبط الواقع الإداري للمحافظة([18])، ومن المرجح أن يتم سحب نموذج الإدارة المتبع في مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون" على إدلب، وهو نموذج ليس أفضل حالاً بكثير، فالحكومة المؤقتة تعد غطاءً شكلياً دون صلاحيات فعلية في الإشراف والمتابعة للمشاريع، والتي يقوم الممول ذاته بعملية الإشراف عليها، كما تتبع أيضاً قطاعات الصحة والتعليم للإشراف التركي وليس للحكومة المؤقتة([19]).
لا تعتبر العملية العسكرية على إدلب هي الخطر الوحيد الذي يهدد سكانها بالكارثة، وإنما يُنذر الوضع المعيشي للسكان فيها بكارثة إنسانية وشيكة الحدوث ناجمة عن الفقر ونقص الخدمات الإغاثية. حيث يبلغ تعداد السكان في منطقة خفض التصعيد الرابعة (محافظة إدلب وريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي)، بحسب إحصاءات شهر آب/ أغسطس من عام 2018، ما يقارب من (3.867.663) نسمة. يمثل السكان المقيمين فيها نسبة 58% أي ما يقارب (2.226.736) نسمة، في حين بلغ عدد السكان النازحين (1.621.077) نسمة وما نسبته 41%. كذلك يشكل عدد السكان القاطنين في مخيمات النزوح (791.640) نسمة وما نسبته 20% من العدد الكلي لسكان المحافظة([20])، ويصل معدل الفقر بين السكان إلى 90.5%، ويبلغ تعداد العوائل التي تعيش بدخل شهري أقل من 40 دولار (107.622)([21]). ويعاني النازحون بشكل خاص من تردي الوضع الإنساني والاجتماعي بشكل كبير وعدم القدرة على تلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم، في ظل تفشي البطالة بشكل مرتفع وانعدام سبل المعيشة لدى نسبة كبيرة منهم ووقوعهم تحت خط الفقر المدقع. أضف إلى ذلك المشكلات المرتبطة بانهيار البنية التحتية والوضع الصحي المتردي وغياب المأوى وارتفاع الأسعار والظروف الأمنية الخطرة التي يعيشون ضمنها([22]). كما أسهم تدهور الأداء الاقتصادي على كافة المستويات في الانكماش في النشاطات الاقتصادية وبروز العديد من النشاطات غير الرسمية كانتشار العمل العشوائي وتنامي ظاهرة "تجار الأزمة"؛ مما أفسح المجال أمام اقتصاد مواز يحاكي الرسمي المفترض، بإيراداته وشبكاته وتعاملاته التجارية. كما أن سوء الأحوال الأمنية وتدخل "الجماعات المسلحة" في مفاصل الإدارة، والقصف العنيف، وانتشار الاغتيالات، شكلت عوامل رئيسية لهروب أصحاب الأموال للخارج وعدم استقبال المحافظة لأي نوع من الاستثمارات، فانتشرت على إثر ذلك البطالة في ظل حاجة المواطنين الماسة للعمل من أجل كسب المال([23]).
يشكل الوضع الإنساني تحدياً كبيراً أمام بقاء المحافظة على وضعها الحالي تحت سيطرة المعارضة وبإشراف تركي، فالأوضاع المُزرية للسكان عموماً وللمهجرين منهم خصوصاً قد تُهيء لموجات من العودة الجماعية إلى مناطق سيطرة النظام على غرار ما حدث مع 600 شخص من أهالي حي الوعر في حمص نتيجة الأوضاع المتردية في مخيمات جرابلس وريف إدلب([24])، وهو الأمر الذي سيصب في صالح الجهود الروسية لاستعادة اللاجئين قبل الحل السياسي، وبالتالي تدعيم صفوف قوات النظام عبر التجنيد الإجباري للعائدين. لذلك يُشكل الوضع الإنساني في إدلب وغيرها من المناطق التي تُشرف عليها تركيا تحدياً أمامها لا يقل أهمية عن تحدي إعادة الهيكلة العسكرية والإدارية، خاصةً في ظل تحملها وحيدة تقريباً لنفقات إعادة إعمار البنية التحتية في تلك المناطق (الصحة، التعليم) ورواتب مقاتلي "الجيش الوطني" و"الجبهة الوطنية للتحرير" في ظل أزمة اقتصادية تعيشها، وتراجع الدعم الدولي والعربي للمناطق الخاضعة تحت سيطرتها.
من خلال استعراض الظروف المحلية والدولية المحيطة بالاتفاق الروسي التركي حول إدلب، ومناقشة الواقع العسكري والاقتصادي والإداري لمنطقة خفض التصعيد الرابعة، يمكن التوصل إلى النتائج التالية والتي تمثل إجابات للتساؤلات التي طرحتها الورقة، وهي:
تعيش منطقة خفض التصعيد الرابعة ما عاشته سابقاتها من المناطق فيما يخص الإشكالات العسكرية والإدارية والاقتصادية، والتي أفضت إلى سقوطها، ولذلك لا يعتبر اتفاق "سوتشي" إنقاذاً للمنطقة من مصير سابقاتها في حال استمرار ذات الظروف المحلية، والمواقف الإقليمية والدولية السلبية اتجاه المنطقة ومن خلفها الثورة السورية التي تعتبر هذه المنطقة آخر المناطق التي تمثلها. وفي الوقت ذاته يُمكن أن تشكل المنطقة فرصة لانطلاقة جديدة تفرض واقع جديد على مستوى الثورة السورية وتحسين شروط التفاوض على الحل السياسي مع النظام، وبالتالي فرصة للأطراف الإقليمية والدولية الراغبة بعدم تفرد موسكو بصياغة الحل السياسي، ومحاصرة نفوذ إيران في سورية، ولكن هذا الواقع الجديد بحاجة إلى عملية إعادة هيكلة شاملة على المستوى العسكري والإداري والسياسي للمنطقة، وتعاون إقليمي دولي مع الدور التركي. وعليه يمكن من خلال تحليل واقع المنطقة وإشكالياتها صياغة التوصيات التالية:
تُشكل منطقة خفض التصعيد الرابعة مع مناطق "درع الفرات" الواقعة تحت الإشراف التركي مساحة جغرافية كبيرة، وثقل سكاني هائل يُمثل كل المحافظات السورية، وعليه لابد من إعطاء طابع تنظيمي للجهود الشعبية المتمثلة بالتظاهرات يؤسس لفاعلية سياسية تحتاجها الثورة السورية بعد خساراتها المتعاقبة على المستوى العسكري وانحسارها إلى الشمال فقط، ويمكن ترجمة ذلك إلى خطوة عملية تتمثل بإعادة إحياء مفهوم التنسيقيات الثورية والتي تمثل كل قرية أو مدينة أو مجموعة من المهجرين وإعطاء تلك التنسيقيات طابع رسمي يعترف بها وبأعضائها من قبل المجالس المحلية والحكومة الانتقالية والائتلاف، وتأمين حاجات تلك التنسيقيات اللوجستية اللازمة لتنظيم التظاهرات. إن مثل هذه الخطوة ستشكل أرضية لفصل العمل العسكري والإداري عن السياسي في الشمال السوري، وستتيح الفرصة لإحياء فاعلية شعبية مؤثرة ومعبرة عن وجهة نظر جمهور الثورة السورية، كما أن وجود مثل تلك التنسيقيات ودعمها يُمكن أن يُستثمر في سبيل إحياء العمل السياسي ورفع الوعي الشعبي تحضيراً للاستحقاقات القادمة كالدستور والانتخابات البرلمانية وفق الرؤية الدولية.
يعيش الشمال السوري عموماً مشهداً عسكرياً بالغ التعقيد لجهة العدد الكبير من المقاتلين المنضوين تحت لواء فصائل متعددة الاتجاهات، العدد الغالب من قياداتها وأفرادها من خلفيات مدنية وليست عسكرية. ولم يعد هذا الواقع العسكري مقبولاً في ظل المرحلة القادمة، والتي سيكون عنوانها بناء السلام ما بعد النزاع، حيث تتطلب تلك المرحلة وفقاً للأجندة الدولية تصفية العسكرة وإعادة دمج أطراف الصراع في جيش وطني موحد بالتزامن مع مسار الحل السياسي. وهنا تكمن المشكلة، فطرفا اتفاق أستانة (روسيا، تركيا) يمتلكان رؤى غير مناسبة للتعامل مع ملف تصفية العسكرة، الرؤية الروسية تتمثل بالمصالحات وإعادة دمج من يرغب من المقاتلين في جيش النظام، وهو الأمر الذي يمثل إعادة رفد وترميم جيش النظام والحفاظ على عقيدته وليس إعادة هيكلته بشكل يجعله مؤسسة داعمة للسلام والتحول الديمقراطي في البلاد، أما الرؤية التركية فتتمثل بإنشاء بنية تحمل طابع المؤسسة العسكرية النظامية (وزارة دفاع وهيئة أركان)، ولكنها دون صلاحيات فعلية على الأرض، حيث تحتفظ الفصائل بكيانها المستقل وقياداتها ومناطقها، وهو ما يساهم باستمرار حالة الفوضى وتغول الفصائل على حالة المؤسسات المدنية، ويعدم أي إمكانية لدمج تلك الفصائل مستقبلاً في جيش وطني، وبذلك يتحقق لموسكو والنظام ما يرمون إليه في الحفاظ على مؤسسة عسكرية موالية للنظام وتشكل أداة حماية له.
بين تلك الرؤيتين، المطلوب اليوم في الشمال هو عملية إعادة هيكلة حقيقية للقطاع الأمني تمهد لعملية إعادة الهيكلة الشاملة على مستوى سورية، ولابد لتلك العملية في الشمال من أن تبدأ بعملية ما يسمى بالـ (DDR) "نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج"، وهي عملية تشمل نزع السلاح المنفلت وضبطه وإدارة الأسلحة الموجودة في المنطقة، ثم تسريح واستبعاد العناصر المدنية، خاصة على مستوى القيادات من الفصائل واستبدالهم بضباط وصف ضباط عسكريين تمهيداً لدمج الفصائل في كيان عسكري موحد، وتحتاج مثل هذه العمليات إلى خبرات دولية مارست مثل تلك البرامج في نزاعات سابقة، إضافة إلى إمكانات وبرامج اقتصادية لتمكين المقاتلين الذين يتم تسريحهم، وعادة يتم تقديم منح مالية للمقاتلين المسرحين لتمكنهم من العودة إلى الحياة المدنية، وتأمين مورد رزق بديل، وتلك الإمكانات لا تستطيع تركيا تحمل عبئها منفردة؛ لذلك لابد من إطلاق عملية إعادة هيكلة عسكرية في الشمال بإشراف المؤسسات الدولية المتخصصة كالأمم المتحدة و منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي ((OECD.
إن إطلاق عملية إعادة هيكلة حقيقية في الشمال يمكن أن ينتج كياناً عسكرياً ضخماً يحقق مكاسب للعديد من الأطراف؛ ومنها لجم التطلعات الروسية لهندسة حل سياسي يحقق مصالحها منفردة، ويساهم في حال دمجه في الجيش النظامي في إحداث تغيير حقيقي على مستوى بنية وعقيدة الجيش السوري بشكل يضمن استقرار السلام بعد النزاع، بالإضافة لذلك فمثل هذا الكيان يُمكن أن يتم الاعتماد عليه في مواجهة المليشيات الإيرانية مستقبلاً، وكسر احتكار قوات "سورية الديمقراطية" للمناطق المحررة من تنظيم الدولة شرق الفرات.
بالتوازي مع الحاجة لإعادة الهيكلة السياسية والعسكرية تظهر حاجة ملحة جداً في الشمال السوري لإعادة هيكلة إدارية تساهم في خلق نموذج حوكمي جديد، ولابد أن يرتكز هذا النموذج إلى وحدة القرار الإداري أي حصره في يد الحكومة المؤقتة على كافة المستويات ودمج أي كيانات إدارية أخرى ضمن الحكومة، وبخاصة على مستوى الدعم والنشاط الإغاثي، وهذا ما يتطلب تظافر الجهود بين القوى المحلية الفاعلة على الأرض ومجمل المؤسسات السورية المعارضة (وسائل إعلام، مراكز بحثية، تجمعات سياسية، منظمات مجتمع مدني)، وذلك لخلق نموذج حوكمة جديد للشمال السوري يهيئ لحكم مدني رشيد، ونظام لامركزية إدارية قابل للتعميم مستقبلاً على مستوى سورية، وهو ما يقتضي بالضرورة أيضاً توافر الدعم الدولي لخلق مثل تلك التجربة، وخاصةً لناحية دعم الحكومة السورية واعتباره الكيان الإداري الوحيد المخول بإدارة المنطقة. إن تحقق إعادة هيكلة إدارية وعسكرية في الشمال السوري سيساهم في خلق بيئة آمنة يُمكن استغلالها للتواصل مع رجال الأعمال السوريين للاستثمار في الشمال عبر مشروعات تحددها المجالس المحلية والحكومة المؤقتة وتوفر لها الحماية والإمكانات اللازمة، الأمر الذي سيساهم في خلق فرص عمل وتحريك النشاط الاقتصادي، وبالتالي التخفيف من نسبة الفقر.
تشكل منطقة خفض التصعيد الرابعة اليوم تحدياً كبيراً يحدد النجاح أو الفشل في التعامل معه مصير الحل السياسي في سورية، وهذا ما يتطلب من الجهات المحلية مدنية وإدارية وعسكرية تكريس جهودهم لدعم تنفيذ الاتفاق لتجنيب المنطقة شبح هجوم روسي جديد، ولابد للدول الداعمة للثورة السورية إقليمياً ودولياً دعم الجهود التركية على مستوى تنفيذ الاتفاق كمرحلة أولى، ومن ثم تأمين استقرار المنطقة عبر عملية إعادة الهيكلة السياسية والعسكرية والإدارية، والتي ستشكل فرصة لإعادة التفاوض إلى سكة جنيف وفق مقررات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وليس الرؤية الروسية، الأمر الذي يتطلب تنحية الملف السوري عن قائمة الملفات الخلافية مع تركيا، والتعامل مع المنطقة كآخر مناطق الثورة السورية وليس كمنطقة نفوذ تركي.
([1]) موسكو تؤكد تنفيذ اتفاق إدلب وتعتبر المنطقة العازلة مؤقتة، موقع صحيفة الشرق الأوسط، 28/9/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2ygHr2r
([2]) فابريس بالونش، الجولة الأولى من الحملة على إدلب قد تستهدف المتمردين المدعومين من تركيا، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 11/9/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2pSfEkc
([3]) بعد المنطقة العازلة... ثلاثة ملفات تنتظر التطبيق في إدلب، موقع صحيفة عنب بلدي، 10/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2RP20vi
([4]) "النصرة" ترفض طلب تركيا بحل نفسها وتحذر "الوطنية للتحرير" من استهدافها، موقع روسيا اليوم، 4/8/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2Mjnj4T
([5]) توافق بأستانا على منطقة خفض تصعيد في إدلب، موقع الجزيرة نت، 13/9/2017، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2NDbo1G
([6]) أردوغان: لن نخرج من سورية قبل أن يجري شعبها انتخاباته، موقع روسيا اليوم، 4/10/208، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2CJkfxB
([7]) أربعة تشكيلات “جهادية” ترفض اتفاق إدلب وتحاول عرقلته... تعرف إليها، موقع صحيفة عنب بلدي، 15/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2yHx0nU
([8]) "تحرير الشام" تعلق على اتفاق إدلب وترفض تسليم السلاح، موقع صحيفة عنب بلدي، 14/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2NHhj5W
([9]) اتفاق المنطقة العازلة في إدلب... السياق والواقع الراهن واتجاهاته، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 12/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2A6Jmbk
([10])برغم "اتفاق سوتشي"... روسيا تهدد مجددًا باجتياح إدلب، موقع الدرر الشامية، 23/9/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2CKiJeQ
([11]) أردوغان: تركيا لن تغادر سوريا حتى يجري الشعب السوري انتخابات، سبوتنيك عربي، 4/10/2018، متوافر على الرابط التالي: https://goo.gl/X1kZve
([12])برغم "اتفاق سوتشي"... روسيا تهدد مجددًا باجتياح إدلب، موقع الدرر الشامية، مرجع سبق ذكره.
([13]) فابريس بالونش، الجولة الأولى من الحملة على إدلب قد تستهدف المتمردين المدعومين من تركيا، مرجع سبق ذكره.
([14]) إدلب على خطى منطقتي "درع الفرات" و "غصن الزيتون"، موقع صحيفة عنب بلدي، 7/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2Ekxarw
([15]) الحكومة السورية المؤقتة الثالثة مراجعة وتقييم، مركز جسور للدراسات، 13/7/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2NIDaKb
([16]) تقرير أولي لمركز عمران غير منشور.
([17]) د. عمار القحف، فرص الاحتواء والسيطرة على إدلب في مسارات الأزمة السورية، مركز الجزيرة للدراسات، 24/5/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2s95y01
([18]) بعد المنطقة العازلة... ثلاثة ملفات تنتظر التطبيق في إدلب، موقع صحيفة عنب بلدي، مرجع سبق ذكره.
([19]) الحكومة السورية المؤقتة الثالثة مراجعة وتقييم، مركز جسور للدراسات، مرجع سبق ذكره.
([20]) محمد العبد الله، النازحون في إدلب... قراءة في التحديات والمآلات في ضوء التفاهم التركي-الروسي، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 3/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2zPAXJ8
([21]) د. عمار القحف، فرص الاحتواء والسيطرة على إدلب في مسارات الأزمة السورية، مركز الجزيرة للدراسات، مرجع سبق ذكره.
([22]) محمد العبد الله، النازحون في إدلب... قراءة في التحديات والمآلات في ضوء التفاهم التركي-الروسي، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، مرجع سبق ذكره.
([23]) د. عمار القحف، فرص الاحتواء والسيطرة على إدلب في مسارات الأزمة السورية، مركز الجزيرة للدراسات، مرجع سبق ذكره.
([24]) حين يستغل النظام السوري عودة النازحين كورقة سياسية، موقع DW، 3/8/2017، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2S4mqQM