يعيد خبر استعادة الموساد الاسرائيلي لساعة الجاسوس الإسرائيلي الشهير إيلي كوهين والذي أعدم في دمشق في 18أيار من عام 1965، الجدل القديم الجديد حول مصير جثته حيث يبدو أن محاولات الموساد المتكررة لاستعادة جثمانه من حكومة البعث القائمة في دمشق منذ انقلاب آذار 1963 وحتى قيام الثورة السورية، لم تفلح إلا في استثمار حالة الحرب السورية والانفلات الأمني التي تسببت به في سبيل تأمين متعلقات مهمة لإنجاح محاولات إسرائيل المستمرة لصناعة هويتها التاريخية والسياسية وتشكيلها من قطع متناثرة من التوراة وبقية الآثار المتبقية في حلب ودمشق وأخيراً ساعة إيلي كوهين، حيث عبر رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو عن سعادته بهاذا الانجاز المتمثل في استعادة الساعة التي يبدو أنها كانت أقصى مايمكن استعادته بعدما فشلت وساطات عدة لدى النظام السوري في استعادة جثمان كوهين، كان آخرها الاستعانة بوصاية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على النظام السوري في سبيل استعادة الرفات حيث عاد بوتين خالي الوفاض لكون النظام لايعلم بالفعل مكان الجثة ولو علم لما توانى عن تسليمها للحظة.
نقلت الإذاعة السورية ابان عقد جلسات محاكمة كوهين عام 1965 مقتطفات من وقائع هذه المحاكمة مثيرة الكثير من اللغط والجدل في الشارع السوري وقت ذاك وأيضاً لدى الأوساط السياسية العربية وخاصة المصرية لجهة التنافس في ادعاء أسبقية الكشف عن كوهين بين المخابرات السورية والمصرية حيث يفرض الاشتباك السياسي بين الناصريين والبعثيين وقتها تضارب الروايات وتنافرها، إلا أن الدوائر البعثية والأمنية غير الرسمية وقتها كانت تتناقل مقتطفات غير معلنة من محاكمة الجاسوس كوهين وعلاقاته مع عدد من الضباط ومنهم حافظ الأسد والحديث الذي نقل عن أكثر من مصدر بعثي خلال الجلسات الأخيرة لمحاكمة كوهين ،حيث تزعم هذه المصادر أن الجاسوس الاسرائيلي إيلي كوهين رد فيها على كلمات وجهها رئيس المحكمة صلاح الدين الضللي عندما قال له"اعترافاتك هذه ستودي بك إلى حبل المشنقة " فرد كوهين "أنا مابنعدم ، في ضباط كبار بالجيش بدافعوا عني" الأمر الذي سرع إجراءات تنفيذ الحكم بعد صدوره حيث توارت مع جثة كوهين المجهولة المصير أسماء شخصيات وعلاقات لم يتضح حولها إلا مجموعة من التكهنات من قبيل حادثة سقوط الجولان وتورط الأسد الأب باتخاذ قرار الانسحاب الكيفي منه، وما تحكيه الأحداث الحاضرة من تمسك إسرائيل المعلن بنظام الأسد.
وبالعودة إلى قضية جثمان كوهين، تنقل بقايا الذاكرة المهترئة بذكرايات السنوات السبع الماضية مقتطفات من حديث مطول جرى مطلع العقد الماضي في دمشق مع أحد ضباط المكتب الثاني الذي كان يمثل الاستخبارات العسكرية السورية في الستينات وماقبلها والذي كان يرأسه وقتها المقدم سليمان حداد أحد رجالات حافظ الأسد لاحقاً، حيث أشرف المكتب الثاني على التحقيق الذي خضع له كوهين والذي وصفه محدثنا بأنه كان قاسياً جداً، كما يشير محدثنا البعثي الدمشقي الذي كان يحمل رتبة ملازم أول وقتها أنه وبعد أيام من حضوره تنفيذ حكم إعدام إيلي كوهين في ساحة المرجة بدمشق، بصفته أحد ضبات الاستخبارات العسكرية وقتها، اتصل به خلال إحدى مناوباته في المكتب الثاني بدمشق، أحد ضباط حرس الحدود في منطقة الزبداني الحدودية بريف دمشق وأعلمه أن عناصر حرس الحدود قد اشتبكوا مع مجموعة من المهربين المتسللين صوب الأراضي اللبنانية والذين تركوا بالإضافة إلى مهرباتهم، صندوقاً يحتوي على جثة لرجل ولاذوا بالفرار، عند ذلك حضر محدثنا إلى النقطة الحدودية واكتشف أن الجثة تعود للجاسوس إيلي كوهين، يومها هاتف رئيس المكتب الثاني سليمان حداد وأعلمه بالأمر فأشار عليه أن يصحب سائقة ويأخذ الجثة ويدفنها بهدوء وسرية في مكان ما لاعلى التعيين، يقول الضابط : " اصطحبت سائقي والجثة واتجهنا صوب محافظة السويداء جنوب سوريا وتوقفنا في منطقة خالية بين ريفي دمشق والسويداء في منطقة اللجاة وقمنا بحفر حفرة كبيرة ودفنا كوهين ولم أكن لأعرف وأنا أقترب من دمشق عائداً، مكان الدفن فضلاً عن سائقي الذي لايعرف لمن تعود الجثة أصلاً" .
صرح رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق أرييل شارون خلال حفل تكريم للجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين أقيم في تل أبيب عام 2005 بمناسبة مرور 40 عام على إعدامه في دمشق أن " اعادة رفات الجاسوس الاسرائيلي ايلي كوهين يشكل "اشارة لجدية نوايا" الرئيس السوري بشار الاسد". في حين لم ينصت شارون بجدية لطلب ناديا كوهين زوجة الجاسوس المقتول، إدراج بند تسليم رفات زوجها ضمن صفقة تبادل مع حزب الله في العام التالي، في حين لايضير النظام السوري مغازلة الجانب الإسرائيلي بهدية رمزية كساعة الجاسوس –التي كذبت أرملة كوهين الرواية الرسمية الإسرائيلية في كيفية الحصول عليها، وعزت استلام إسرائيل لها بأنه أتى ضمن مزاد علني - أو ميتته لو كان يعرف مكانها، وهو الذي لايمانع في التخلي عن أقرب داعميه " إيران " في سبيل كسب اعتمادية الكيان الغاصب المسمى إسرائيل له مجدداً في الجنوب السوري.
المصدر السورية نت: https://bit.ly/2MqUHH2