في 1 كانون الثاني/ يناير 2018 أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد المرسوم رقم 1 للعام 2018، الذي نص على إجراء تعديل حكومي يشمل وزراء الدفاع والصناعة والإعلام، وعلى إثر هذا المرسوم تم تعيين العماد علي عبدالله أيوب الذي كان يشغل منصب رئيس هيئة الأركان العامة وزيراً للدفاع، خلفاً للعماد فهد جاسم الفريج، في حين بقي منصب رئيس هيئة الأركان العامة شاغراً منذ ذلك الحين، بالرغم من الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد منذ عام 2011.
على الرغم من أن تراتبية رئيس هيئة الأركان العامة تأتي بالمستوى الثالث بعد القائد العام للجيش والقوات المسلحة(رئيس النظام) ووزير الدفاع، إلا أن هذا المنصب يعد من أهمّ المناصب العسكرية، بل حتى أهم من منصب وزير الدفاع، خصوصاً بما يتعلق بقيادة القوات والعمليات العسكرية وتنسيق العمل بين كافة صنوف القوات والوحدات العسكرية، البرية، البحرية، الجوية، كما أنه أحد الأعضاء الدائمين في مجلس الدفاع العسكري، ويرأس اجتماعات لجنة الضباط في حال غياب القائد العام، ناهيك عن عدد كبير من المهام العسكرية الأخرى المناطة به.
عادةً ما يشغل منصب رئيس هيئة الأركان العامة للجيش والقوات المسلحة ضابط برتبة "عماد"، تتم تسميته بمرسوم من رئيس الجمهورية/ القائد العام للجيش والقوات المسلحة، كما يُعامل رئيس هيئة الأركان معاملة الوزير تماماً من حيث الراتب والتعويضات بحكم قانون الخدمة العسكرية وتعديلاته، وهو الضابط المرشح لتولي وزارة الدفاع لاحقاً، مع العلم أن كافة وزراء الدفاع منذ عام 1967 خدموا كرؤساء لهيئة الأركان العامة قبل تولي منصب الوزارة.
كان العماد علي أيوب، يشغل منصب رئيس الأركان منذ تموز/ يوليو 2012، قبل أن تتم تسميته وزيراً للدفاع في بداية عام 2018، ومنذ ذلك الحين يعد منصب رئيس هيئة الأركان شاغراً، وهي حالة لافتة لم يشهدها الجيش السوري منذ تأسيسه عام 1946. الأمر الذي أثار عدة تساؤلات حول كيفية إدارة عمليات عسكرية في عموم البلاد ضمن ظرف "حرب" دون وجود رئيس هيئة أركان يُدير تلك العمليات. وتُشير مصادر بأن الروس يتولون مهام رئيس هيئة الأركان المتعلقة بالعمليات العسكرية بالإضافة للإيرانيين، وذلك من خلال غرفة العمليات الروسية الموجودة في دمشق (مقر هيئة الأركان)، في حين يتولى وزير الدفاع مهام رئيس الأركان ذات الطابع الإداري، وبقدر ما يشير فراغ هذا المنصب الحساس ضمن الظرف القائم إلى وجود خلل كبير في سلسلة القيادة والأوامر؛ إلا أنه وبالوقت ذاته يدلل على أثر التدخل العسكري لحلفاء النظام في تلك السلسلة وعمق هذا التدخل، بشكل ساهم بكسر مركزية وبيروقراطية القرار العسكري للنظام لصالح حلفائه بأكثر المناصب حساسية وحيوية بالنسبة لإدارة العمليات العسكرية في سوريا، إذ تعد هيئة الأركان حلقة القيادة المركزية لـ "الجيش والقوات المسلحة"، حيث تُشرف على كافة الفيالق والفرق والوحدات العسكرية المقاتلة وتقود أعمالها وحركتها، كما تُشرف على عدد كبير من الإدارات والشُعبْ اللوجستية.
لطالما تم الحديث عن وقوع المناصب العسكرية والأمنية في سوريا تحت دوائر التأثير الروسية والإيرانية، وأن هذه المناصب تتوزع بحسب تأثير حلفاء النظام، وتأتي قوّة التأثير الروسي أولاً نتيجة لاختلاف طبيعة التدخل الإيراني عن الروسي في سوريا، ففي حين استثمرت إيران بتشكيلات عسكرية غير نظامية (ميليشيات) خارج إطار الجيش، قامت روسيا أولاً بإعادة هيكلة الجيش، وثانياً التخلص من الميليشيات غير النظامية خارج المؤسسة العسكرية، عبر دمجها أو حلّها لصالح فرض مؤسسة عسكرية مركزية قوية (تكون السطوّة بداخلها للروس)، ومع مرور الوقت، وزيادة مستوى التغلغل الروسي في سوريا وصلت دوائر التأثير في نهاية الأمر لمنصبي وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان، حيث أُحيل العماد فهد جاسم الفريج للتقاعد على خلفية قضايا تتعلق بالفساد نتيجة استغلاله وجود ثغرة في قانون خدمة العلم، والتي تمّت معالجتها بطلب روسي، ليصار لاحقاً كما جرت العادة بتعيين رئيس هيئة الأركان بمنصب وزير الدفاع وتعيين أحد نواب رئيس الهيئة بمنصب رئيسها كما هو الحال سابقاً، مع بقاء منصب رئيس هيئة الأركان شاغراً كما أسلفنا، وذلك لأن قيادة القوات الروسية العاملة في سوريا قد ملأت هذا الفراغ وصادرت المنصب لنفسها، بالتعاون مع الإيرانيين.
يذكر أنه في بداية عام 2020 وخلال زيارته لدمشق قام الرئيس الروسي بوتين باستقبال بشار الأسد "خلافاً لأي بروتوكولات دولية" في مقر قيادة القوات الروسية، وشكلت الطريقة التي تمّ التعامل بها مع بشار الأسد ووزير الدفاع علي عبدالله أيوب من قبل روسيا مثاراً للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي وبالأخص طريقة إجلاس وزير الدفاع علي عبدالله أيوب في مقعد ثانوي داخل المقر.
يبدو أن منصب رئيس هيئة الأركان العامة أصبح حاله كحال عدد كبير من ألوية وأفواج قوات النظام "حبر على ورق"، وتمت إزالته من الوجود "الفعلي"، حتى أن تبويبي رئيس هيئة الأركان ونوابه الواردين في موقع وزارة الدفاع السورية تمت إزالتهما، كما أن جميع الاشاعات التي تم تداولها عن وجود صراع روسي إيراني على تعيين شخصية مقربة من أحد الطرفين بمنصب رئيس هيئة الأركان العامة هي غير واقعية، فالمنصب أكبر من أن يكون مكان للتنافس بين إيران وروسيا، فضلاً أن إيران أصغر من أن تنافس روسيا عليه، واكتفت بالتعاون مع الروس بالحدّ الأدنى لإدارة العمليات العسكرية من خلال غرفة العمليات بدمشق.
بالرغم من تنامي التأثير الإيراني والروسي في المؤسسات الأمنية والعسكرية في سوريا؛ إلا أن بشار الأسد كـ "رئيس للجمهورية وقائد عام للجيش والقوات المسلحة" ما زال يتحكم رسمياً بسلسلة القيادة والأوامر، لكن هذا التحكم الرسمي لا يعني السيطرة الكاملة على تعيينات سلسلة القيادة وتدفق الأوامر ضمنها، وقد يخضع للتوازنات مع الحلفاء بحسب ما تقتضيه الحاجة.
وبالتالي فإن وجود رئيس لهيئة الأركان هو حبيس الرغبة الروسية في تعيين رئيس جديد لها، علماً أن تعيينه يجب أن يصدر بمرسوم عن رئيس الجمهورية بناءً على اقتراح القائد العام (يقترح لنفسه)، أما إن كان قد تقرر إزالة المنصب بالكامل فمن المفروض أن يرافق هذه الإزالة تعديل كامل في هيكلية الجيش والقوات المسلحة مع إعطاء دور أكبر لقادة الفيالق والفرق العسكرية، بالإضافة لتعديل نصوص قانون الخدمة العسكرية، أو حتى إصدار قانون جديد، خصوصاً أن هذا القانون قد خضع لأكثر من 20 تعديل منذ صدوره عام 2003.
المصدر مجلة "شؤون الشرق الأوسط": https://bit.ly/3qHxk2u