ملخص تنفيذي
يتجاوز تأريخ الدستور السوري مئة عام، وذلك منذ اعتماد أول دستور لسورية في 13 تموز/يوليو عام 1920 في ظل الدولة الملكية التي تم تأسيسها عقب انهيار الدولة العثمانية وانسحاب جيوشها من بلاد الشام، وعلى مرّ هذه السنوات الطويلة تغير الدستور عدة مرات لعدة أسباب وبحسب طبيعة كل نظام تولى حكم سورية، ومع كل حدث أو انقلاب حصل، تم إطلاق دستور جديد، خضع بعضها لاستفتاء شعبي، في حين أُصدر بعضها الآخر عنوة بعد مصادرة الإرادة الشعبية. حيث شهدت سورية منذ عام 1920 وحتى عام 2012 وجود 13 دستوراً، بعضها كان مؤقتاً، وأحدها وصف نفسه بالدائم، مع العلم بأن كافة الدساتير التي تلت دستور 1950 وضعت في ظل انقلابات عسكرية أو حكم عسكري بما فيها دستور 2012 المعمول به في سورية حالياً (انظر الملحق رقم 1).
إبان هذه الدساتير وما رافقها من ظروف، وفي ظل تدخلات المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية والمدنية منذ حكم البعث حتى هذه اللحظة، كان التساؤل المركزي: ما هي القواعد القانونية والدستورية التي تتحرك بموجبها المؤسسة العسكرية؟ وهو ما جعل تركيز هذه الورقة ينصب على تتبع المواد الدستورية المتعلقة بالمؤسسة العسكرية السورية، بالإضافة لبعض المواد القريبة منها أو تلك التي تدخل في الهالة المحيطة بها، بدءاً من دستور 1920 وحتى دستور 2012، في محاولة للوقوف على هذه المواد وتطورها واختلافاتها، ثم تقديم توصيات وتصور مبدئي لدسترة عمل هذه المؤسسة وعدم جعلها أداة تحكم وتدخل بيد "السلطة"، وذلك من خلال طرح مجموعة من التصورات المعبرة عن مضامين دستورية، بالإضافة لسرد المراسيم التشريعية والقوانين ذات الصلة والتي ينبغي إلغاء بعضها وتعديل الآخر، بما يُسهم في الوصول لصيغة مناسبة تضمن الحدّ الأنسب من علاقات عسكرية مدنية متوازنة يضمنها الدستور وشرطها الرئيسي تبعيتها لسلطة مدنية مُنتخبة.
تعتمد هذه الورقة على منهج المقارنة مستخدمة أدوات الرصد والمتابعة والتحليل لثلاثة محاور رئيسية في قضية دسترة عمل المؤسسة العسكرية، كمحور القيادة والمهام والمسؤوليات والمحور المرتبط بتنظيم شؤون العسكريين، والمحور المتعلق بالمعاهدات والإعلانات الوطنية (كإعلان الحرب والسلم والتعبئة وإعلان حالة الطوارئ). وبالاتكاء على نتائج هذا التحليل وتقاطعها مع نتاج المشهد السياسي الراهن واستحقاقاته؛ تعمل الورقة على الإشارة إلى أهم العناصر التي ينبغي أن يتضمنها الدستور السوري.
التموضع الدستوري للمؤسسة العسكرية في دساتير سورية
يمكن القول كاستنتاجات مسبقة أن تموضع المؤسسة العسكرية دستورياً لطالما انحصر في التأكيد على "رمزيتها وقدسية مهامها"، وأن عملية الإشراف والمراقبة والتقييم من قبل الجهات التشريعية غائبة كلياً، وأن مفهوم الحياد السياسي لم يذكر إطلاقاً. ومع الإدراك التام للخلل واضح الأركان في عمليات البناء الدستوري، إلا أنه ومن زاوية المقارنة فإن هذه الفقرة ستستند إلى عدة معايير عسكرياتية تفصيلية كوحدات تحليلية للوصول لإدراك تام لطبيعة هذا التموضع، نذكر منها:
بالنظر إلى "مهمة الجيش"، يلحظ أن دستور 1920 لم يحدد أي مهمة للجيش، كما رحّل دستور 1930 وضع الجيش (الذي سيتم إنشاؤه) للقانون، أما دستور 1950 ودستور 1962 فقد عَرّفا الجيش بأنه “حارس الوطن" وتنحصر مهمته في الدفاع عن حدود الوطن وسلامته، وغاب تعريف المهمة عن دساتير: 1953؛ 1958؛ 1964 المؤقت؛ 1966 المؤقت، أما دستور 1969 المؤقت، فقد نصّ على "أن القوات المسلحة ومنظمات الدفاع الأخرى مسؤولة عن سلامة أرض الوطن وحماية أهداف الثورة الوحدوية والاشتراكية"، بشكل مشابه لدستور 1971 المؤقت، في حين نص دستور 1973 على أن "القوات المسلحة ومنظمات الدفاع الأخرى (لم يسمِها ليترك المجال مفتوحاً وخاضعاً لتقديرات القيادة) مسؤولة عن سلامة أرض الوطن وحماية أهداف الثورة في الوحدة والحرية والاشتراكية"، ونصَّ دستور 2012 على أن "الجيش والقوات المسلحة مؤسسة وطنية مسؤولة عن الدفاع عن سلامة أرض الوطن وسيادته الإقليمية، وهي في خدمة مصالح الشعب وحماية أهدافه وأمنه الوطني".
وبذلك يبرز دستورا 1950 و1962 كدستورين وحيدين حددا مهمة الجيش في الدفاع عن الحدود بشكل صريح، بينما اختفى ذلك التحديد في بعض الدساتير، وألزمت الدساتير الأخرى وبالأخص بعد استيلاء حزب البعث على السلطة عام 1963؛ الجيش والقوات المسلحة بتحقيق أهداف حزب البعث([1])، كما حملت معانٍ تحتمل التأويل عن سلامة الوطن، ففسحت مجال التدخل داخل الحدود، كما حدث في عدة مناسبات خلال أحداث حماه عامي 1966 و1982، وأخيراً على كامل الأراضي السورية منذ عام 2011.
أما عن مصطلح القائد العام، فقد اختلفت الدساتير في الإشارة إلى هذا المصطلح، حيث أطلق بعضها اسم "القائد العام" وأطلق البعض الآخر اسم "القائد الأعلى"، بينما لم يحدد دستور 1930 وبعض دساتير انقلابات البعث (كدستور 1964 المؤقت، ودستور 1966 المؤقت) من هو القائد العام، أما دستور 1969 المؤقت فقد نصّ على أن رئيس الدولة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ولم يذكر رئيس الجمهورية، فيما نصّت الدساتير اللاحقة على أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة([2]). بشكل رئيسي ذهبت أغلب الدساتير إلى إسناد هذه الوظيفة لرئيس الجمهورية، باعتباره رأس هرم الدولة، علماً أن هذا المنصب منذ الاستقلال شهد تناوب عسكريين ومدنيين، وكان أحمد الخطيب آخر شخص مدني تسلم هذا المنصب بين عامي 1970 - 1971، قبل أن ترزح البلاد تحت الحكم العسكري منذ ذلك الحين.
من جهة أخرى وفيما يتعلق بفكرة القيادة، فقد كان دستور 1950 أول دستور يقرّ إنشاء مجلس للدفاع الوطني، إلا أنه أسند تفاصيل اختصاصه وعدد أعضائه إلى القانون الذي سيصدر لاحقاً، وتكرر النصّ في دستوري 1953 و1962، كما اعتبرت الدساتير الثلاثة المذكورة أعلاه "رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الدفاع الوطني"، مع العلم أن المرسوم التشريعي رقم 151 لعام 1949 المتضمن تشكيلات وزارة الدفاع الوطني كان قد أقرّ إنشاء مجلس الدفاع الأعلى والذي يضم مدنيين وعسكريين بحكم مناصبهم([3]). لاحقاً اختفت هذه المادة من دساتير: 1964 المؤقت؛ 1966 المؤقت؛ 1969 المؤقت؛ 1971 المؤقت؛ 1973؛ 2012 وهي جميعها دساتير البعث. وتمت الاستعاضة عن مجلس الدفاع الوطني بمجلس للدفاع العسكري، وتم نقل تشريع وجوده إلى خارج الدستور في قانون الخدمة العسكرية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 18 لعام 2003، علماً بأن جميع أعضائه هم من العسكريين.
أما فيما يتصل بـ" المسؤولية"، فقد اعتبر دستور 1920 أن قرارات الملك يجب أن تُحترم وفي ذات الوقت غير مسؤول، أما دستور 1930 فقد اعتبر أنه لا تبعة على رئيس الجمهورية بسبب أعمال وظيفته إلا في أحوال خرق الدستور أو الخيانة العظمى، فيما تخضع الجرائم العامة للقوانين العادية، واعتبر دستورا 1950 و1953 رئيس الجمهورية مسؤولاً في حالتي خرق الدستور والخيانة العظمى، كما أنه مسؤول عن الجرائم العادية، واختفت هذه الأحكام من دستوري 1958 و1961 المؤقت لتعود بمسؤولية محصورة بخرق الدستور والخيانة العظمى في دستور 1962، واختفت في دستور 1964 المؤقت في ظل إنشاء مجلس الرئاسة، وكذلك في دستور 1966 المؤقت الذي اعتبر أن رئيس الدولة هو الأمين العام للقيادة القطرية لحزب البعث، كما اختفت في دستوري 1969 و1971 المؤقتين، أما دستورا 1973 و2012 فقد اعتبرا أن رئيس الجمهورية غير مسؤول عن الأعمال التي يقوم بها خلال مباشرة مهامه إلا في حالة الخيانة العظمى، وأوجبت أن يكون اتهامه عبر مجلس الشعب، وأن تكون محاكمته أمام المحكمة الدستورية التي يقوم هو بتعيين أعضائها بناءً على مرسومٍ محدّد.
ومن جهة حقوق العسكريين في الانتخابات، فقد حظر دستور 1920 على الجنود في الخدمة الفعلية المشاركة في الانتخابات عدا المأذون منهم (أي: العسكري في الإجازة) إذ سُمح له بالمشاركة في دائرته الانتخابية، كما لم يُجِزْ للضباط وأمراء الجيش وأركانه أن يَنتخبوا أو يُنتَخبوا للنيابة إلا إذا استقالوا من سلك الجندية قبل البدء بمعاملة الانتخاب، في حين أن بقية الدساتير كافة لم تذكر موضوع مشاركة العسكريين بالانتخابات، وتركت ذلك للقوانين الخاصة بالانتخابات.
فيما يتصل بالشؤون العسكرية، فقد اقتصرت على أمرين: الأمر الأول: التجنيد أو "الخدمة الإلزامية"، إذ لم يذكر دستور 1920 أي مادة أو بند يتعلق بالخدمة الإلزامية، كما رحّل دستور 1930 وضع الجيش الذي سينشأ إلى قانون خاص، أما دستور 1950 فقد نصّ على أن الجندية إجبارية وينظمها قانون خاص، ودستور 1953 نصّ على أن الجندية إجبارية وينظمها القانون، أما دستور 1958 فقد نصّ على أن التجنيد إجباري وفقاً للقانون، ونصّ دستور 1962 أن الجندية إجبارية وينظمها قانون خاص، وسماها دستور 1964 المؤقت بالجندية الإلزامية وينظمها قانون خاص، ونصّت دساتير: 1969 المؤقت؛ 1971 المؤقت؛ 1973 على أن الجندية إلزامية وتنظم بقانون، وذهب دستور 2012 إلى أن الخدمة العسكرية الإلزامية واجب مقدس وتنظم بقانون.
بشكل عام منذ دستور 1950 وحتى 2012 نصّت كافة الدساتير على أن التجنيد إجباري وينظم بقانون، باختلاف تسمياتها "الجندية" "التجنيد"، ومنذ بداية دساتير البعث تم اعتماد مصطلح "إلزامية" بدلاً من "إجبارية"([4])، أما دستور 2012 فقد اعتمد تعبير "الخدمة العسكرية الإلزامية". ليعتبر أن هذا المبدأ دستوري ولا يخضع لنقاشات السلطة التشريعية.
أما الأمر الثاني: الذي يخص "المحاكم العسكرية"، فقد كان دستور 1950 أول دستور يشير لموضوع المحاكم العسكرية حيث نص على ألا يحاكم أحد أمامها سوى أفراد الجيش مع تحديد استثناء من هذه القاعدة وفق القانون، وهو ما تكرر في دستوري 1953 و1962، ثم اختفت هذه المادة من دساتير حكم حزب البعث: 1964 المؤقت؛ 1966 المؤقت؛ 1969 المؤقت؛ 1971 المؤقت؛ 1973؛ 2012. بشكل عام خضع ويخضع المدنيون للمحاكم العسكرية، وذلك وفقاً لقانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 61 لعام 1950 وتعديلاته، ووفقاً لقانون الطوارئ الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 51 لعام 1962، ومحكمة أمن الدولة سابقاً ومحاكم الميدان العسكرية، وكذلك وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب رقم 19 لعام 2012.
والتي يمكن حصرها في أربعة قرارات كإعلان الحرب والسلم وإعلان التعبئة العامة وإعلان حالة الطوارئ وإبرام المعاهدات:
بشكل عام نصّت جميع الدساتير على أن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بسيادة الدولة وسلامتها بحاجة لموافقة مجلس الشعب/النواب باختلاف تسمية المجلس، على أن يعود إبرام هذه المعاهدات والاتفاقيات لرئيس الجمهورية([6]).
إن دستور 2012 المعمول به حالياً في سورية يعاني من أوجه قصور عدّة، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بالمؤسسة العسكرية وكيفية إدارة القطاع الدفاعي ككل، حيث يسمح القصور المقصود للمشرع بإقرار قوانين ومراسيم تشريعية بما يناسب الطبقة الحاكمة ويضمن سيطرتها واستمرارها في الحكم، ولتجاوز هذا القصور ينبغي تقديم حلول تُساهم في تفسير المؤسسة العسكرية ككل من أجل تحويلها لمؤسسة احترافية حيادية سياسياً وخاضعة لسلطة مدنية مُنتخبة ديمقراطياً، مما يتطلب تقديم مضامين دستورية يمكن العمل عليها من أجل تحويلها لمواد دستورية تُساهم في خلق بيئة مناسبة لبناء قطاع دفاعي مهني، وفرض رقابة مدنية على المؤسسة العسكرية.
أولاً: توضيح البنية العامة وطبيعة العلاقة كمبدأ تقسيم مؤسسات القطاع الدفاعي: لا يقسّم دستور 2012 مؤسسات القطاع الدفاعي، بل يترك تقسيمها لقانون الخدمة العسكرية([7])، حيث يحدد القانون تعريف وتكوين القوات المسلحة كما يلي: القوات المسلحة: هيئة عسكرية نظامية تتألف من ضباط وصف ضباط وأفراد القوات التالية:
(القوى البرية - القوى الجوية والدفاع الجوي - القوى البحرية)
(قوى الاحتياط - قوى الجيش الشعبي - القوى الأخرى التي تقتضي الضرورة إنشاءها).
ويختفي ضمن هذا التكوين "الأجهزة الأمنية" التي تنقسم تبعيتها لعدد من مؤسسات الدولة، مما يستوجب أن يفصل الدستور الجديد بين قوات الجيش والأمن والشرطة بشكل واضح لا لبس فيه، من شأنه أن يحدد مهام وواجبات وطرق تنسيق عمل هذه المؤسسات باعتبارها من أهم مؤسسات الدولة السيادية.
كما ينبغي أن ينص الدستور على منع تشكيل أي جماعات عسكرية أو شبه عسكرية خارج المؤسسة العسكرية، بالإضافة إلى منع الأحزاب السياسية من تأسيس مثل هذه الجماعات أو الميليشيات. مع العلم أن قانون الخدمة العسكرية الحالي يسمح بإنشاء قوات جديدة بحسب الحاجة كما ورد في الفقرة (ج) القوى الإضافية: (3) القوى الأخرى التي تقتضي الضرورة إنشاءها.
ومن هنا يمكن أن يُسهم التقسيم الواضح في خلق بيئة دستورية وقانونية تساعد على بناء القطاع الدفاعي المنشود والتأكيد على رقابة مؤسسات الدولة المدنية على مؤسسات القطاع الدفاعي.
ثانياً: تحديد المهام: يُعرّف الدستور الحالي الجيش والقوات المسلحة بأنها "مؤسسة وطنية مسؤولة عن الدفاع عن سلامة أرض الوطن وسيادته الإقليمية، وهي في خدمة مصالح الشعب وحماية أهدافه وأمنه الوطني"([8])، ويحتمل هذا التعريف تأويلاً لمعانٍ عدّة حول سلامة الوطن، ما يعني السماح بالتدخل العسكري داخل حدود البلاد، كما حدث في عدّة مناسبات كأحداث حماه سابقاً، والأحداث الأخيرة منذ عام 2011 وحتى الآن. من هذا المنطلق ومن مبدأ فصل المؤسسات ذات الشأن ينبغي تحديد مهام كل مؤسسة على حِدة:
ثالثاً: مجلس الدفاع الوطني: لا ينص الدستور الحالي على وجود مجلس للدفاع الوطني، مع العلم أن دساتير سابقة كدستور 1950؛ 1953؛ 1962، أقرّت إنشاء هذا المجلس ونصّت على أن يرأسه رئيس الجمهورية، لاحقاً بعد استيلاء حزب البعث على السلطة (1963 – حتى الآن)، تمّت إزالة كافة المواد الدستورية المتعلقة بهذا الشأن، ورحّلتها إلى قانون الخدمة العسكرية وأسمته "مجلس للدفاع العسكري"([12])، وجميع أعضائه من الضباط وجميعهم حالياً من الضباط العلويين بحكم المناصب التي يتولونها. باختصار، ألغت دساتير البعث وجود مجلس الدفاع الوطني فضلاً عن أنها جردت مؤسسات الدولة المدنية من وجود ممثلين عنها في مجلس الدفاع العسكري الموجود حالياً.
هنا تكمن خطورة كبرى تتمثل بأن كافة القرارات الاستراتيجية المتعلقة بالمؤسسة العسكرية، تتم بشكل منفصل تماماً عن مؤسسات الدولة المدنية، كما أن المؤسسة العسكرية ستتمكن من التملص ببساطة من أي رقابة مدنية عليها، باعتبار أن قراراتها ذات شأن عسكري داخلي وسري لا يجوز الاطلاع عليه، ولتجاوز ذلك ينبغي إعادة تفعيل مجلس الدفاع الوطني ووضع ممثلين فاعلين عن مؤسسات الدولة المدنية بما فيها الوزارات السيادية ومجلس الشعب والمشاركة برفقة ممثلي مؤسسات القطاع الدفاعي في رسم سياسات الدفاع والقرارات الاستراتيجية.
رابعاً: فيما يخص الانتخابات: يُحيل دستور 2012 مشاركة العسكريين في الانتخابات إلى القانون، وحالياً هو قانون الانتخابات العامة رقم 5 لعام 2014، كان القانون قد أوقف "حق الانتخاب والترشح لعضوية مجلس الشعب
أو عضوية مجالس الإدارة المحلية عن عسكريي الجيش وقوى الأمن الداخلي طيلة وجودهم في الخدمة"([13])، قبل أن يقوم بتعديلها لتصبح "يوقف حق الترشيح لعضوية مجلس الشعب أو عضوية مجالس الإدارة المحلية عن عسكريي الجيش وقوى الأمن الداخلي طيلة وجودهم في الخدمة"([14]).
أي أن النظام الحالي سمح للعسكريين بالإدلاء بأصواتهم والمشاركة في الانتخابات. طبعاً لم يذكر قانون الانتخابات أي بند متعلق بموضوع الانتخابات الرئاسية، أي أن حق الترشح والانتخاب مسموح للعسكريين فيها، ويأتي ذلك ليتوافق مع بشار الأسد باعتباره عسكرياً وضابطاً عاملاً في الجيش والقوات المسلحة منذ عام 1985([15])، أي حتى من قبل توريثه رئاسة الجمهورية.
ينبغي أن يوقف حق الانتخاب والترشح في الانتخابات المحلية والتشريعية والرئاسية على أفراد القطاع الدفاعي ككل طيلة فترة خدمتهم، ومنعهم من حق الترشح حتى مرور سنتين على الأقل من تقاعدهم أو استقالتهم، يُستثنى من ذلك الأشخاص الذين أدّوا الخدمة الإلزامية باعتبارهم مدنيين وليسوا عسكريين وصفاً([16]).
خامساً: الحياد السياسي: لا ينص الدستور الحالي على حظر انتساب أفراد الجيش والقوات المسلحة للأحزاب السياسية، إلا أن قانون الخدمة العسكرية وقانون خدمة العَلَم يحظران الانتساب للأحزاب السياسية عدا حزب البعث العربي الاشتراكي (الحاكم)([17])، وهذا ما يؤدي إلى التمييز بين رفاق السلاح نتيجة اتباع العقيدة الحزبية، ومنعاً لحدوث ذلك يفترض أن يحظر الدستور بشكل واضح الانتساب للأحزاب السياسية أو النقابات أو الجمعيات كافة، وذلك من أجل تأكيد مبدأ الحياد السياسي الذي يجب أن يتمتع به الأفراد المنتسبون للقطاع الدفاعي.
سادساً: الموازنة الدفاعية: تتميز سورية بدرجة عالية من التكتم الشديد بما يخص الموازنة الدفاعية حتى أنها لا تُدرج بالموازنة العامة للدولة ويتم الاكتفاء بذكر تبويب بعنوان "الأمن القومي"، يُدرج في تبويباته الفرعية موازنة وزارة الداخلية وبعض المؤسسات الفرعية الأخرى، بينما لا يتم ذكر موازنة وزارة الدفاع أو الأجهزة الأمنية، وهو ما يشكل عقبة كبيرة أمام الرقابة المدنية على المؤسسة العسكرية، وبالتالي انعدام الشفافية واستشراء الفساد المالي، ولئلا يتكرر ذلك ينبغي توسعة المواد المتعلقة بالموازنة وإدراج آليات تُمكن لجنة الأمن الوطني في مجلس الشعب –على الأقل– من التأكد من كون كل ما في الموازنة الدفاعية يتم كما هو مخطط له وبما يناسب سياسات الدفاع التي يتم إقرارها في مجلس الدفاع الوطني المذكور أعلاه.
سابعاً: معايير التعيين والترقية في المناصب الكبرى: ينبغي أن يحصل أصحاب المناصب الكبرى (الرفيعة) على موافقة أعضاء مجلس الشعب كشرط أساسي في تعيينهم، بالأخص مناصب وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة ووزير الداخلية، ويمكن أن يمتدّ لتسمية قادة أفرع القوات الرئيسية وبعض المناصب الحساسة في المؤسسة العسكرية،
إذ إنَّ التعيين بهذه المناصب في الوقت الحالي يتم بشكل كامل من قبل رئيس الجمهورية/القائد العام بما يصب في مصلحته هو، والتي يَفترضْ بذات الوقت أنها مصلحة البلاد.
ثامناً: الخدمة الإلزامية: لطالما كان المجندون في الخدمة الإلزامية هم القوام الرئيسي في الجيش. ويحكم قانون خدمة العَلَم الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 30 لعام 2007 وتعديلاته كافة الشؤون المتعلقة بخدمة العَلَم، وينحصر دور مجلس الشعب بتعديل بعض المواد التي لا تدخل فعلياً بأنظمة الخدمة، كما أنه عاجز حتى الآن عن المطالبة بتسريح آلاف المجندين الذين يحتفظ بهم النظام ممن تجاوزت خدمتهم عدة سنوات بعد انتهاء المدة القانونية للخدمة الإلزامية.
في الواقع ينبغي أن يضطلع مجلس الشعب أو مجلس الدفاع الوطني بدور أكبر في إدارة الخدمة الإلزامية سواء من حيث تحديد مدّة الخدمة أو الإعفاء منها أو الرواتب الممنوحة، بالإضافة لموضوع الإعارة للجهات الحكومية العربية
أو الأجنبية، كما ينبغي إعادة النظر في خدمة الفلسطينيين السوريين، بالإضافة للتقليل من العبث بقانون خدمة العَلم قدر الإمكان، خصوصاً أنه يمس شريحة واسعة من أبناء الشعب السوري.
بشكل عام، تحدد الغاية من وجود الجيش بحد ذاته ما إن كان التجنيد الإلزامي سيستمر أم سيتوقف، من أجل التوجه نحو بناء جيش احترافي ومهني من المتطوعين، وذلك ضمن الشروط المطلوبة لضمان تماسك المؤسسة العسكرية ككل.
تاسعاً: المحاكم العسكرية أو الاستثنائية: لقد استُخدمت المحاكم العسكرية والاستثنائية على نطاق واسع لمحاكمة المدنيين أمامها وكانت الأداة «ذات المظهر القانوني» التي استخدمها النظام الحاكم من أجل محاكمة المعارضين له. ولم يكن قانون الطوارئ فقط الذي سمح بمثول المدنيين أمام المحاكم العسكرية أو الاستثنائية، إذ لم يتوقف ذلك بإلغاء حالة الطوارئ عام 2011، بل استمر بناءً على قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية وقانون محاكم الميدان العسكرية، ولاحقاً بعد عام 2011 بقانون مكافحة الإرهاب رقم 19 لعام 2012 وعلى القانون رقم 22 لعام 2012 الذي أحدث محاكم استثنائية جديدة مُختصّة بالنظر في قضايا "الإرهاب".
إن المحاكم العسكرية – للمدنيين على الأقل – لا تتمتع بالضمانات القانونية لما يجب أن يكون عليه القضاء، وبالتالي يجب حظر مثول المدنيين أمام المحاكم العسكرية، كما ينبغي إلغاء كافة المحاكم الاستثنائية ومحكمة الإرهاب، والاستعاضة عنها بمنظومة قضائية مستقلة تماماً مُختصة بالقضايا العسكرية، على أن تكون تبعيتها لمجلس القضاء الأعلى وليس لإدارة القضاء العسكري ووزارة الدفاع. فتبعية أية محكمة للسلطة التنفيذية ستجعل منها محكمة غير مستقلة، ما يشكل انتهاكاً آخر لمبدأ استقلال القضاء الذي يعدّ شرطاً لازماً لتحقيق الحياد وإحقاق الحق.
فضلاً عما سبق يجب أن ينص الدستور صراحة على استقلالية القضاء كمؤسسة لا بشخصيات القضاة الاعتبارية، كما يفترض منع رئيس الجمهورية من تولي منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى، وإلا فإن موضوع الاستقلالية ككل يكون قد تهدم مُسبقاً، وذلك بخلاف ما ينص عليه دستور 2012 في المادة 132 منه: "السلطة القضائية مستقلة، ويضمن رئيس الجمهورية هذا الاستقلال، ويعاونه في ذلك مجلس القضاء الأعلى." ثم يعود في المادة 133 لينص على: "يَرأس مجلس القضاء الأعلى رئيس الجمهورية، ويُبين القانون طريقة تشكيله واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه."
عاشراً: القرارات السيادية وتتمثل في:
بشكل عام، يمكن نقل نقاش وصلاحيات عدد من المواضيع المذكورة أعلاه إلى مجلس الدفاع الوطني بحيث تأخذ حقّها من النقاش نظراً لقلة عدد أعضاء المجلس بمقابل عدد أعضاء السلطة التشريعية، مع ذلك يجب أن تحصل قرارات مجلس الدفاع الوطني على موافقة السلطة التشريعية.
بعد إقرار الدستور الجديد من خلال رؤية وطنية شاملة والتأكيد على السيادة المدنية على القطاع الدفاعي، ينبغي الانتقال نحو عملية إصلاح قانوني لكافة القوانين التي تحكم القطاع الدفاعي والأمني في البلاد، مع التأكيد على ما ورد في الدستور من مواد والتوسع بما تقتضيه الحاجة، بالإضافة لإحداث مواد قانونية تُساهم في فرض الرقابة المدنية على مؤسسات القطاع الدفاعي، خصوصاً أن عدداً كبيراً من قوانين القطاع الدفاعي النافذة حالياً قد صدرت بمراسيم تشريعية عن رئيس الجمهورية ولم تصدر عن مجلس الشعب أساساً، وقد منحت تلك القوانين صلاحياتٍ مطلقة للقائد العام، وضيَّقت المجال أمام علاقات عسكرية مدنية متوازنة([18]).
قام مشرعو دستور 2012 وقبله دساتير البعث، بترحيل عدد كبير من القضايا الرئيسية ذات الشأن ليتم تنظيمها بقانون وبذلك سُمح لمشرعي القوانين بصياغتها بما يتوافق مع النظام الحاكم، وهو ما يُسهل سنّها وتعديلها وإلغاءها بسهولة وربما بمرسوم تشريعي لا بقانون. فيما يلي مجموعة من المراسيم التشريعية والقوانين التي ينبغي إصلاحها أو إلغاؤها بما يضمن توافقها مع البنية الدستورية([19]):
إن النقاط السابقة ما هي إلا لبِنة أولى في عملية بناء علاقات عسكرية مدنية متوازنة، من أجل المساهمة في بناء قطاع دفاعي متماسك. كما أن عملية إصلاح الدستور والبيئة القانونية الخاصة بالقطاع الدفاعي لها جانب قانوني وتشريعي عالي المستوى، وهي عملية غير مكلفة مادياً إلا أنها ستُسهم في إدارة القطاع الدفاعي بشكل جماعي، وتعمل على زيادة تنسيق عمل القطاعين المدني والعسكري بشكل متناغم، بحيث ترسم حدوداً واضحةً للعلاقات العسكرية المدنية بين الطرفين بما يُسهم برفع سوية البلاد ككل، ولكن لن يكتب لهذه العملية النجاح قبل ترسيخ مفهوم المواطنة بشكل فعلي وتكريسه لدى مختلف فئات الشعب بما فيها أفراد القطاع الدفاعي نظراً لوجود قوميات وطوائف ومذاهب مختلفة في سورية.
بالتقاطع مع نتاج المشهد السياسي في سورية واستحقاقاته فإن تحقيق ما تصبو إليه هذه الورقة مقترن بشرطين أساسيين لا بدّ من السعي لتطبيقهما، وهما:
كما تذكّر الورقة بأن عملية إصلاح وإعادة هيكلية المؤسسة العسكرية من الناحية الدستورية والقانونية لا تتوقف على الشرطين السابقين فقط بل تتعداهما بمراحل كثيرة، مع ذلك لا بدّ من السعي لتحقيقهما أولاً، وإلا فإن أي جهود للإصلاح ستكون محكومة بالفشل، لكن بطبيعة الحال يُعدّ وجود هذه الورقة بحدّ ذاتها ضرورياً لمراحل ما بعد الصراع، لا سيما بما يرتبط بدسترة عمل الجيش والأجهزة الأمنية وتشكيل مؤسسات بقوّة الدستور لضمان استمرار هذه الدسترة قانونياً وقضائياً.
بات لزاماً، وبالاستفادة من الدروس التاريخية أن ترتبط المؤسسة العسكرية بنخبة حاكمة مُنتخبة ديمقراطياً ومنبثقة عن الشعب، بحيث تكون لها السيادة المطلقة على مؤسسات الدولة وبالأخص مؤسسات القطاع الدفاعي من أجل عدم تكرار الانقلابات العسكرية السابقة والاستيلاء على السلطة بقوّة السلاح، ومن أجل الوصول لعلاقات عسكرية مدنية متوازنة لا يطغى فيها طرف على آخر، مع التركيز على جانب الرقابة المدنية على تلك المؤسسات لأنها الخطوة الأولى باتجاه بناء قطاع دفاعي مهني متماسك يُسهم في فرض السلم الأهلي، لا أن يكون هو أحد مسببات التدمير كما حصل في سورية.
يبين الجدول أدناه تاريخ إصدار الدساتير وأهم السياقات المرافقة:
ملحق 2: المواد الدستورية المتعلقة بالمؤسسة العسكرية
فيما يلي سبر للمواد الدستورية المتعلقة بالمؤسسة العسكرية في كافة الدساتير السورية([52]):
تعديل دستور 1930: الاستقلال والجلاء
على أنه يحق لرئيس الجمهورية عند الضرورة إعلان: 1) حالة الطوارئ لمدة لا تتجاوز الشهر شريطة إعلام مجلس النواب بذلك فوراً وأن يكون للمجلس وحده حق تمديده. يجري إعلان حالة الطوارئ شاملة أو موضعية في حالة خطر الحرب أو حالة الحرب أو زمن الحرب وفي حالة الاضطرابات الداخلية والكوارث العامة. يشمل إعلان حالة الطوارئ تقييد الضمانات المتصلة بحرمة الأشخاص والمساكن وبحريات الصحافة والمراسلات والاجتماع وتأليف الجمعيات أو تعليقها مؤقتاً. ولا يمكن أن تتجاوز ذلك إلى أي تدخل في الشؤون القضائية. يحدد نظام حالة الطوارئ والنتائج المترتبة عليها في قانون يقر بأكثرية النواب المطلقة. 2) إعلان التعبئة العامة أو الجزئية.
دستور 1961 المؤقت: المادة 8: أعاد العمل بدستور 1950.
دستور 1966 المؤقت([53])
في 23/2/1966 وقع انقلاب أطاح بالحكومة التي عينتها القيادة القومية، وصعد حافظ الأسد ليصبح وزيراً للدفاع. وتم إيقاف العمل بالدستور السابق بقرار القيادة القطرية رقم /1/، أما قرار القيادة القطرية رقم /2/، وهو بمثابة الدستور، فقد أعاد إقرار مبادئ القيادة القطرية في آذار/مارس 1965، حيث تم توزيع السلطة بين:
أما رئيس الدولة فهو الأمين العام للقيادة القطرية، وهو صلة الوصل بين السلطتين السياسية والإدارية.
إن قرار القيادة القطرية رقم /2/ لعام 1966 وهو بمثابة الدستور، فقد أعاد إقرار مبادئ القيادة القطرية في آذار/مارس 1965، القاضية بأن القيادة القطرية مسؤولة عن الحكومة، وأن يكون الأمين القطري رئيس الدولة، وللقيادة القطرية صلاحية تعيين رئيس الوزراء والوزراء ورئيس الأركان العامة وكبار القادة العسكريين.
دستور 1971 المؤقت: مشابه لدستور 1969 مع إدخال تعديلات عليه بقرار القيادة القطرية المؤقتة 141 بتاريخ 16/2/1971
([1]) لم يكتفِ حزب البعث العربي الاشتراكي بإجبار الجيش بالعمل على تنفيذ أهدافه ضمن إطار نظري فقط، بل قام بإسباغ عقيدته على الجيش، حيث شهدت تلك الفترة قيام الحزب بتحويل مفهوم عقيدة الجيش من المفهوم الوطني إلى المفهوم العقائدي، وحاول التخلص من كل من هو ليس بعثياً رويداً رويداً، وكان يُشار لغير الحزبيين برفقاء السلاح، في حين يُشار للبعثين برفقاء العقيدة والسلاح: للمزيد راجع: كتاب: "المؤسسة العسكرية السورية عام 2019: طائفية وميليشياوية واستثمارات أجنبية"، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تاريخ النشر: 1 تموز/يوليو 2019، تاريخ الوصول: 13/05/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3aXu1il
([2]) يحدد دستور 2012 في المادة 105 أن "رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة" في حين تعتبر كافة النصوص القانونية وكذلك تعريف وزارة الدفاع السورية للمنصب بأنه "القائد العام للجيش والقوات المسلحة".
([3]) "المرسوم التشريعي رقم 151 لعام 1949 المتضمن تشكيلات وزارة الدفاع الوطني"، وزارة الدفاع السورية، تاريخ النشر: 22 حزيران/يونيو 1949، تاريخ الوصول: 22/02/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3mBZfho
([4]) بشكل عام يأتي مصطلح "الإلزامي" بمعنى أنه جاء بنص قانوني.
(5) قد يرى بعض الخبراء أن حالة الطوارئ غير ذات صلة بالمؤسسة العسكرية، مع أن من يقوم بإعلانها وإلغائها هو رئيس الجمهورية، حيث من المفترض أن يكون إعلان حالة الطوارئ في حالة حرب أو قيام حالة تهدد بوقوعها أو في حالة تعرض الأمن أو النظام العام للخطر، يضاف إلى ذلك وجود حاكم عرفي ونواب له في البلاد، بالإضافة لإحالة عدد كبير من القضايا للمحاكم العسكرية بغض النظر عن صفة الفاعلين، وبالتالي كان لزاماً أن يتم ذكر حالة الطوارئ باعتبارها حالة مرتبطة بالمؤسسة العسكرية، خصوصاً أن سورية خضعت لحالة الطوارئ لفترة طويلة. تم إعلان حالة الطوارئ في سورية بالأمر العسكري رقم /2/ وذلك في صبيحة انقلاب ضباط حزب البعث على السلطة في 8 آذار/مارس 1963، واستمرت حتى إنهاء العمل بها بتاريخ 21 نيسان/ أبريل 2011 بعد انطلاق الثورة السورية بأكثر من شهر، أي أن العمل بحالة الطوارئ استمر لأكثر من 48 سنة. هذا وقد تمّت الاستعاضة عن حالة الطوارئ بقانون مكافحة الإرهاب رقم 19 لعام 2012 الذي حلّ عملياً محل إعلان حالة الطوارئ من حيث الوظيفة القمعية. للمزيد راجع: محسن المصطفى: "أبرز الأوامر العسكرية مع "انقلاب 8 أذار" وأثرها في مِحَنِ سورية الحالية"، السورية نت، تاريخ النشر: 8 آذار/مارس 2020، تاريخ الوصول: 17/11/2021، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3zub8gZ
([6]) إن المعاهدات الدولية قريبة من حالة السلم الواردة في الفقرة السابقة، ولا شك بأن للمؤسسة العسكرية دوراً في المعاهدات المتعلقة بأمن الدولة، هو ما استدعى ذكر المعاهدات ضمن الأمور المتعلقة بالمؤسسة العسكرية في الدستور.
([7]) "المرسوم التشريعي رقم 18 لعام 2003، قانون الخدمة العسكرية"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 21 نيسان/أبريل 2003، تاريخ الوصول: 14/01/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3mAsuRH
([8])"دستور الجمهورية العربية السورية"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 27 شباط/فبراير 2012، تاريخ الوصول: 14/01/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3aLbNjM
([9]) تحدد وزارة الدفاع السورية مهام الجيش والقوات المسلحة بعدة نقاط منها: (6) - تأمين الجبهة الداخلية والشرعية الدستورية للدولة. أي أن الجيش سمح لنفسه بالتدخل داخلياً بحجة تأمين الشرعية الدستورية للدولة على الرغم من أن هذا الهدف لم يرد بأي من الدساتير السورية من قبل. للمزيد راجع: موقع وزارة الدفاع السورية: https://bit.ly/3xG4FOR
([10]) محسن المصطفى: "سلسلة القيادة والأوامر في الجيش والقوات المسلحة"، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تاريخ النشر: 19 آب/أغسطس 2021، تاريخ الوصول: 14/01/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3mu5KUr
([11]) ساشا العلو: "وزارة الداخليّة في سورية... الواقع وضرورات الإصلاح"، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تاريخ النشر: 22 كانون الثاني/يناير 2019، تاريخ الوصول: 14/01/2022، رابط إلكتروني: http://bit.ly/33KksuJ
([12]) "المرسوم التشريعي رقم 18 لعام 2003، قانون الخدمة العسكرية"، انظر المادة 2، مصدر سابق.
([13]) "القانون رقم 5 لعام 2014 قانون الانتخابات العامة"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 24 آذار/مارس 2014، تاريخ الوصول: 14/01/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3zLGMqD
([14]) "القانون رقم 8 لعام 2016 تعديل قانون الانتخابات العامة رقم 5 لعام 2014"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 23 شباط/فبراير 2016، تاريخ الوصول: 14/01/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3QiqsU6
([15]) "القائد العام للجيش والقوات المسلحة"، وزارة الدفاع السورية، تاريخ الوصول: 14/1/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3MGfkgG
([16]) يمكن السماح لاحقاً بمنح العسكريين حق الانتخاب في انتخابات مجلس الشعب والإدارة المحلية بعد تحقيق شرط الحياد السياسي على أفراد القطاع الدفاعي.
([17]) "المرسوم التشريعي رقم 18 لعام 2003 قانون الخدمة العسكرية"، انظر المادة 134، مصدر سابق.
([18]) محسن المصطفى: "ديكتاتور سوريا القانوني"، منتدى الشرق للأبحاث الاستراتيجية، تاريخ النشر: 9 كانون الأول/ديسمبر 2021، تاريخ الوصول: 14/01/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3MGfxR0
([19]) إن هذه الفقرة مبنية على إحدى فقرات كتاب التغير الأمني في سورية بعد أن تم إدراج المزيد من القوانين المتعلقة بالمؤسسة العسكرية ككل. معن طلاع وآخرين: "التغيير الأمني في سورية"، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تاريخ النشر: 23 تشرين الأول/أكتوبر 2017، تاريخ الوصول: 16/01/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3Hbf4Fa
([20]) "قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 13 آذار/مارس 1950، تاريخ الوصول: 13/05/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3aGheAx
([21]) "قانون الطوارئ 1962"، الجزيرة نت، تاريخ النشر: 11 آب/أغسطس 2011، تاريخ الوصول: 13/05/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3MFH3Og
([22]) "التغيير الأمني في سورية"، مصدر سابق.
([23]) " قانون حماية الثورة"، مجلس الشعب، اللجنة السورية لحقوق الإنسان، تاريخ النشر: 6 شباط/فبراير 2004، تاريخ الوصول: 13/05/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3mz3dHp
([24]) "التغيير الأمني في سورية"، مصدر سابق.
([25]) "نصوص ومواد قانون إحداث محاكم الميدان العسكرية السوري"، محاماة نت، تاريخ النشر: 23 شباط/فبراير 2017، تاريخ الوصول: 16/05/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3QaCX3Q
([26]) "التغيير الأمني في سورية"، مصدر سابق.
([27]) "التغيير الأمني في سورية"، مصدر سابق.
([28]) "التغيير الأمني في سورية"، مصدر سابق.
([29]) "القانون 49 لعام 1980"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 8 تموز/يوليو 1980، تاريخ الوصول: 16/05/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3trmpuw
([30]) "التغيير الأمني في سورية"، مصدر سابق.
([31]) "المرسوم التشريعي رقم 17 لعام 2003"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 13 نيسان/أبريل 2003، تاريخ الوصول: 16/05/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3NErHLm
([32]) "المرسوم التشريعي رقم 18 لعام 2003"، مصدر سابق.
([33]) "المرسوم التشريعي رقم 30 لعام 2007"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 12 أيار/مايو 2007، تاريخ الوصول: 16/05/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3zCHiqu
([34]) "المرسوم التشريعي رقم 64 لعام 2008"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 30 أيلول/سبتمبر 2008، تاريخ الوصول: 16/05/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3HaPwIa
([35]) "المرسوم التشريعي رقم 54 لعام 2011"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 21 نيسان/أبريل 2011، تاريخ الوصول: 16/05/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3MFHAje
([36]) "المرسوم التشريعي رقم 55 لعام 2011"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 21 نيسان/أبريل 2011، تاريخ الوصول: 16/05/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3mDfOJG
([37]) "المرسوم التشريعي رقم 100 لعام 2011"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 3 آب/أغسطس 2011، تاريخ الوصول: 16/05/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3MzP5Z3
([38]) "المرسوم التشريعي رقم 104 لعام 2011"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 21 آب/أغسطس 2011، تاريخ الوصول: 16/05/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3aLGaXc
([39]) "المرسوم التشريعي رقم 1 لعام 2012"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 2 كانون الثاني/يناير 2012، تاريخ الوصول: 16/05/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3HbGv1G
([40]) "المرسوم التشريعي رقم 2 لعام 2012"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 2 كانون الثاني/يناير 2012، تاريخ الوصول: 16/05/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3xEecps
([41]) "القانون رقم 19 لعام 2012"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 2 تموز/يوليو 2012، تاريخ الوصول: 16/05/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3Hd5W2X
([42]) "القانون رقم 20 لعام 2012"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 2 تموز/يوليو 2012، تاريخ الوصول: 16/05/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/39jhV2o
([43]) "القانون رقم 22 لعام 2012"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 26 تموز/يوليو 2012، تاريخ الوصول: 16/05/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3xFQx8i
([44]) "المرسوم التشريعي رقم 63 لعام 2012"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 16 أيلول/سبتمبر 2012، تاريخ الوصول: 16/05/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3Plv1MJ
(45) "المرسوم التشريعي رقم 55 لعام 2013"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 5 آب/أغسطس 2013، تاريخ الوصول: 16/05/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3Po8aQI
([46]) "القانون رقم 5 لعام 2014"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 24 آذار/مارس 2014، تاريخ الوصول: 16/05/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/38w6FiL
([47]) "القانون رقم 7 لعام 2014"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 16 نيسان/أبريل 2014، تاريخ الوصول: 16/05/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3wgoZW4
([48]) "النظام الداخلي لمجلس الشعب"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 30 تموز/يوليو 2017، تاريخ الوصول: 16/05/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3NidG5o
([49]) بعض المراسيم والقوانين قد تكون جيدة من الناحية القانونية، لكن تجيير استخدامها من أجل قمع الثورة السورية هو ما استدعى ذكرها، وذلك من أجل إعادة النظر بما ترتب بناءً على هذه المراسيم والقوانين بأثر رجعي.
([50]) إن الممارسة الطائفية المتعلقة بعمليات الانتساب والترقية غير مُنظمة دستورياً أو قانونياً، ولكنها مُنظمة بحسب العرف والتكوين الاجتماعي الموجود في الجيش والقوات المسلحة، للمزيد راجع، محسن المصطفى: "إخوة السلاح"، مركز مالكوم كير – كارنيغي للشرق الأوسط، تاريخ النشر: 15 أيار/مايو 2020، تاريخ الوصول: 17/11/2021، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3DpZanP
([51]) "المؤسسة العسكرية السورية عام 2019: طائفية وميليشياوية واستثمارات أجنبية"، مصدر سابق.
([52]) تم تجميع المواد الدستورية المتعلقة بالمؤسسة العسكرية عبر استخراجها من كتاب: مازن يوسف صباغ، "سجل الدستور السوري"، دار الشرق للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 2010، دمشق/سورية.
([53]) "الدساتير المتعاقبة في سورية... تحليل ومقارنة"، IDRAK إدراك للدراسات والاستشارات، تاريخ النشر:1 آب/أغسطس 2017، تاريخ الوصول: 24/02/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3C1pu7V
تناولنا في المقال السابق "اللامركزية في سورية وتطلعات بعض القوى الدولية والإقليمية" توجهات بعض الفاعلين الدوليين والإقليميين بالنسبة لملف اللامركزية في سورية، ونستعرض في هذا المقال التوجهات اللامركزية في الدساتير السورية - باعتبارها بصورة أو بأخرى وثيقة العقد الاجتماعي الذي توافقت عليه المجتمعات السورية - والتي تم اعتمادها منذ نشوء الكيان السوري عام 1918، وسنتكلم عن الفرصة الكامنة في البناء على بعضها في تعزيز التوجه نحو اللامركزية في سورية بوصفه خيار مناسب للبنية المجتمعية السورية، ويتماشى مع توجهات الفاعلين الدوليين.
"يشكل عهد الاستقلال القصير نسبيًا استثناءً في تناول اللامركزية بشكلها الإداري، أما منظومات الحكم السورية التي تخللت الانتداب والأنظمة الانقلابية وصولًا إلى عصر الطاغية الأسد ووريثه"
انفرط العقد العثماني عن تركة ممتدة تمثلت في شقها الشامي بعدد من الأقضية والأقاليم والمتصرفيات التي جسدت تجاوبًا مع الامتدادات الطبيعية للمجتمعات المتنوعة في هذه المنطقة والتي توجه العهد الفيصلي إلى إعادة رسمها لا مركزيًا (اتحاديًا فيدراليًا) على أسس جغرافية بحتة (داخلية تضم دمشق وحلب، جنوبية تضم فلسطين وشرق الأردن، ساحلية تضم الساحل السوري الحالي ولبنان بالإضافة للمنطقة الشرقية التي انضمت لاحقًا)، فيما عمل الانتداب المباشر على التعاطي اللامركزي (الكونفيدرالي) معها على أسس انتقائية.
ويشكل عهد الاستقلال القصير نسبيًا استثناءً في تناول اللامركزية بشكلها الإداري، أما منظومات الحكم السورية التي تخللت الانتداب والأنظمة الانقلابية وصولًا إلى عصر الطاغية الأسد ووريثه، فقد حاولت جميعًا الالتفاف عليها تارة ومحاولة العبث بها تارة أخرى أو على الأقل تجاهل صوتها المدوي.
التأم المؤتمر السوري العام في أواخر حزيران عام 1919م وانبثقت عنه لجنة خاصة برئاسة هاشم الأتاسي، مهمتها صياغة دستور المملكة السورية، والذي أُقِر في 13/7/1920 ووصف نظام الحكم بأنه ملكي نيابي، فيما تناولت المادة الثانية منه شكل الدولة وعرفتها كدولة اتحادية (فيدرالية)، حيث نصت على "المملكة تتألف من مقاطعات تشكل وحدة سياسية لا تقبل التجزئة"، وهذه المقاطعات هي سورية الداخلية (حلب ودمشق والمنطقة الشرقية) وجنوب سورية (فلسطين وشرق الأردن) إضافة إلى الساحل الشامي وعاصمتها دمشق.
أصدرت سلطة الانتداب ابتداءً من العام 1920 مجموعة من القرارات التي قسمت ما بقي من سورية بعد انفصال فلسطين وشرق الأردن بموجب اتفاقية سايكس بيكو، فأُعلنت دولة لبنان الكبير ودولة دمشق ودولة حلب ودولة جبال العلويين ودولة الدروز، فيما بقيت المنطقة الشرقية تحت الحكم الفرنسي المباشر.
"بنى دستور 1930 على الحالة التي آل إليها شكل الدولة أخيرًا، حيث عادت الدول المنشأة بإرادة فرنسية باستثناء لبنان وجبل الدروز والمنطقة الشرقية (التي ظلت تحت الحكم الفرنسي المباشر) إلى مركزية دمشق، وبالتالي لم يتناول دستور 1930 شكل الدولة"
إلا أن برلمان دولة حلب اتخذ قرارًا بإعلان الاتحاد مع دولة دمشق ودولة جبال العلويين في أول اجتماع له سنة 1922، وتواصلت المطالبات لتحقيق هذا الاتحاد ليقر الجنرال غورو القانون الأساسي للاتحاد السوري في 28/7/ 1922 والذي هو دستور للدولة الاتحادية الفيدرالية التي تضم كل من دمشق وحلب وجبال العلويين، إلا أن هذا الاتحاد الفيدرالي لم يدم طويلًا إذ حل بدلًا عنه في العام 1925 دولة مركزية بين دمشق وحلب (عاصمتها دمشق) وبقيت دولة جبال العلويين مستقلة، كما يشير إلى ذلك الدكتور عبد الحميد العواك في كتابه "الفيدرالية في سورية والإشكاليات المعاصرة".
بنى دستور 1930 على الحالة التي آل إليها شكل الدولة أخيرًا، حيث عادت الدول المنشأة بإرادة فرنسية باستثناء لبنان وجبل الدروز والمنطقة الشرقية (التي ظلت تحت الحكم الفرنسي المباشر) إلى مركزية دمشق، وبالتالي لم يتناول دستور 1930 شكل الدولة، وإنما تحدثت المادة الثانية منه عن أن "سورية وحدة سياسية لا تتجزأ".
أما دستور 1950 أو ما عُرف بدستور الاستقلال، فجسد توجهًا حقيقيًا نحو اللامركزية الإدارية وهو الحالة الفريدة والسبّاقة على كل دساتير الدولة السورية الحديثة سابقًا ولاحقًا.
إذ تناول الدستور في 6 مواد منه (126-127-128-129-130-131) التقسيم الإداري لأراضي "الجمهورية السورية" وتحدث عن توسيع صلاحيات رؤساء الوحدات الإدارية ورؤساء المصالح في المراكز والمحافظات، كما حدد الملامح العامة للهيكليات الإدارية في مجالس المحافظات ونظمها الداخلية وآليات الانتخاب والترشيح، واستعرض صلاحيات مجالس المحافظات ضمن قطاعاتها الإدارية ودورها في تنظيم البلديات ضمنها، وأدوارها في مجال الخدمات ومجال استثمار الموارد وإدارتها وفي إدارة الأنشطة الاقتصادية والعمليات التنموية، كما نص على تحديد أسس المالية المحلية ومحددات الجباية والضرائب وغير ذلك.
تم لاحقًا تعطيل دستور 1950 من قبل الحكومات الانقلابية لُيستعاض عنه بمجموعة من البلاغات العسكرية أو مشاريع الدساتير الفاقدة للمشروعية الشعبية والتي لم يبصر الكثير منها النور إضافة إلى دستور الوحدة بين مصر وسورية، حيث كرست جميعًا سلطة مركزية بيد الأنظمة العسكرية.
وقد افتتح الأسد الأب انقلابه العسكري أو ما أسماه الحركة التصحيحية بتشكيل هيئة تأسيسية انبثقت عن مجلس شعب معين حزبيًا وأمنيًا وعهد إليها صياغة دستور 1973 الذي تناول في ثلاث مواد منه (10-129-130) منح صلاحيات شكلية وغير واضحة لما أسماها مجالس الشعب المحلية وأحال حدود صلاحياتها وآليات عملها وسلطاتها وشكل علاقتها بالسلطة المركزية إلى قوانين لاحقة أو سكت عنها لصالح التحكم بها من خلال البلاغات الأمنية وتوجيهات القيادة القطرية اللتين تدوران في فلك الأسد، مما يعني مركزية شديدة بيد السلطة المطلقة في دمشق.
أما في عهد الأسد الوريث فقد تعاظمت ارتدادات التهميش للأطراف والتعاطي المركزي الشديد في الغالب على مدى العقود السابقة من عمر الكيان السوري الناشئ، وتفجرت الثورة السورية في العام 2011 ضد الاستبداد والفساد، وسارع النظام إلى طرح إصلاحات شكلية على المستوى الدستوري وعلى مستوى القوانين وعلى المستوى التنفيذي.
فشكل الأسد الابن لجنة خبراء غير برلمانية عملت على صياغة دستور 2012، والذي استعرض في المادة 131 منه مبدأ لامركزية السلطات والمسؤوليات في الوحدات المحلية وعلاقتها بالسلطة المركزية وأحال تفاصيل تطبيق اللامركزية وشكل علاقة المركز بالوحدات الإدارية إضافة إلى تفاصيل تطبيق المادتين 12 و130 المتعلقتين بتعريف الوحدات المحلية والتقسيم الإداري لـ"الجمهورية العربية السورية" إلى القانون 107 الذي أعد من قبل خبراء إداريين في العام 2009 ورفض الأسد تطبيقه لأنه يمنح صلاحيات أكبر للوحدات الإدارية على حساب المركز على أساس اللامركزية الإدارية.
"رغم إهمال الدساتير السورية بصورة عامة لموضوع اللامركزية، فمن المهم القول إن التوجه نحوها في دستوري 1950 و2012، إنما نشأ استجابة للحاجة المجتمعية للامركزية التي تم تجاهلها في الدساتير السورية الأخرى"
ورغم صدور القانون 107 كمحاولة لامتصاص الغضب الشعبي بالتوجه نحو اللامركزية، فإن القانون ولوائحه التنفيذية ظلا حبرًا على ورق في مناطق سيطرة النظام، فيما عمدت الحكومة المؤقتة إلى استصدار لائحة تنفيذية للقانون 107 بما يتوافق مع ظروف المناطق المحررة.
ورغم إهمال الدساتير السورية بصورة عامة لموضوع اللامركزية، فمن المهم القول إن التوجه نحوها في دستوري 1950 و2012، إنما نشأ استجابة للحاجة المجتمعية للامركزية التي تم تجاهلها في الدساتير السورية الأخرى، باعتبار المشروعية الشعبية التي حظي بها دستور 1950 أو بالنظر إلى كون الإشارة الخاطفة للامركزية في دستور 2012 جزءًا من الخطوات الشكلية لامتصاص الغضب الشعبي، وهي مقدمات دستورية يمكن أن تشكل سوابق بالإمكان البناء عليها في دعم التوجه نحو اللامركزية في سورية.
وهي تشكل إذا ما أضيف لها اعتماد مناطق النظام (ولو شكليًا) ومناطق المعارضة لأساس قانوني واحد هي القانون 107، فرصة كامنة في إضفاء شرعية قانونية محلية ودولية لكل البنى المحلية القائمة في سورية وتزيد من فرص التعاطي الدولي معها بما في ذلك الفاعل الروسي والتركي الذي تحدثنا في المقال السابق عن توجهاتهما لتشجيع المجالس المحلية في سورية والدفع نحو اللامركزية.
نشر على موقع نون بوست: http://www.noonpost.org/content/17862