شكّلت الخدمة الاحتياطية أحد أهم الموارد البشرية في جيش نظام الأسد، لكنها بذات الوقت من أكبر المشاكل والعقبات أمام السوريين خاصة بعد عام 2011، نظراً لامتدادها سنوات طويلة دون أن يتمكن الملتحق بها من معرفة الفترة التي سيخدمها، أو موعد تسريحه.
سمح اتفاق وقف إطلاق النار التركي-الروسي في شهر آذار/ مارس 2020 وتوقف العمليات العسكرية الكبرى لنظام الأسد بتنفيذ تغييرات على مستوى الخدمة الاحتياطية، أسوة بتغييرات أخرى ضمن المؤسسة العسكرية والأمنية.
شهدت الفترة الممتدة منذ منتصف عام 2023 وحتى منتصف 2024، إصدار قيادة جيش نظام الأسد عدة أوامر إدارية تقضي بإنهاء الاحتفاظ بعدد من الفئات التي تؤدي الخدمة الاحتياطية([1])، وذلك قبل أن يتم الحديث لأول مرة وبشكل رسمي عن خطة تتضمن التحول إلى "تشكيل جيش احترافي متطور نوعي"، بحسب تصريح سابق لمدير الإدارة العامة في
"الجيش والقوات المسلحة"([2]).
سيحاول هذا المقال، توضيح الخطة المتبعة للخدمة الاحتياطية والأهداف التي يعمل النظام على تحقيقها، بالإضافة لإلقاء الضوء على الجانب القانوني المتعلق بالخدمة الاحتياطية وتتبع التغييرات التي أجريت عليها منذ عدة سنوات.
بدا واضحاً منذ سنوات تطبيق النظام خطوات جديدة متعلقة بالجيش، خصوصاً بعد تعيين وزير جديد للدفاع في نيسان/أبريل 2022([3])، حيث أثبتت سنوات الصراع العسكري منذ 2011 أن الجيش القائم على المجندين غير مجدٍ وغير موثوق من وجهة نظر النظام، وقد يتجاوز ذلك قلة "الاحتراف" العسكري إلى أسباب اجتماعية أو مذهبية، وبالتالي كان لزاماً من قبل النظام الاتجاه نحو بناء "جيش احترافي" قائم على المتطوعين مع التوجه رويداً رويداً لتخفيف مدة الخدمة الاحتياطية كخطوة أولى لإعادة تعريف مفهوم الخدمة الإلزامية ككل، ولكن ليس قبل سنوات قادمة، وهو ما سيسهم في نهاية المطاف بالتأسيس لاستدامة الكتلة الصلبة التي اعتمد عليها النظام في حربه ضد الشعب السوري.
بدأت الخطة بإعلان جيش النظام عن عقود تطويع لخمس أو عشرة سنوات بشكل متلاحق، وكان واضحاً في تلك العقود كمية الامتيازات الممنوحة للمتطوعين الجدد بدءاً بالراتب وصولاً إلى المكافآت الإضافية الأخرى الممنوحة لهم، مع إعفائهم من الخدمة الإلزامية في حال إتمام خمس سنوات في الخدمة، وكذلك إمكانية خروجهم من الجيش بعد إتمام العقد بشرط موافقة القيادة العامة ، واللافت في الأمر أن امتيازات هذه العقود لم تُمنح للمتطوعين القدامى، حتى على مستوى الراتب أو الاستحقاقات([4]).
استمر إصدار الأوامر الإدارية المتعلقة بالخدمة الاحتياطية حتى تم الإعلان رسمياً في شهر تموز/يونيو 2024 عن خطة واضحة المعالم نحو إنهاء هذا الملف، حيث اعتمدت الخطة على ثلاث مراحل أساسية تصل بنهايتها لتحديد مدتها بـ 24 شهراً فقط([5])، وتم اعتماد الخطة على الشكل التالي:
مخطط معلوماتي حول خطة نظام الأسد للخدمة الاحتياطية
وبحسب ما أعلنه النظام فإن الخطة قد تخضع لبعض التعديل في تنفيذ بعض أجزائها بناءً على دراسة مسألة الخدمة الاحتياطية على أساس معايير السن وعدد سنوات الخدمة. وتخضع فترات الوقت في المراحل الثلاث للتعديل، إما بالزيادة أو النقصان، اعتماداً على معدلات الالتحاق، من قبل المطلوبين لأداء الخدمة الإلزامية أو أعداد العسكريين المتطوعين الذين يتم التعاقد معهم.
يُشير العدد الكبير من العسكريين والذي يبلغ نحو 152 ألف عسكري في الخدمة الاحتياطية المتوقع تسريحهم بحلول نهاية عام 2025([6])، إلى توفر موارد بشرية كبيرة لدى جيش النظام، وهذا الرقم لا يشمل أعداد المتطوعين أو العسكريين في الخدمة الإلزامية حين صدور الخطة، مما يتعارض تماماً مع التقديرات والتقارير السابقة التي تحدثت عن وجود نقص بشري كبير لدى جيش النظام([7]).
تضمنت الخطة أيضاً بنداً يخص تسريح العسكريين المتطوعين الذين يكملون خمس سنوات من عقد التجنيد (الجديد) ولا يرغبون في الاستمرار على ألا يتم الاحتفاظ بهم، كما لن يتم استدعاؤهم للخدمة الاحتياطية قبل مرور خمس سنوات على تسريحهم، وهم معفيون من الخدمة الإلزامية، بالمقابل قد يتم طلبهم للخدمة الاحتياطية لمدة عام واحد، يؤدونها إما بشكل مستمر أو متقطع. أما بالنسبة لعقود التجنيد لمدة 10 سنوات، فإن أولئك الذين يكملونها معفيون من الخدمة الاحتياطية تماماً.
بعد بداية الثورة السورية في آذار/مارس 2011، ونتيجة الظروف التي فرضها الصراع، قام النظام بتعديلات جمّة على قانون خدمة العلم الصادر بالمرسوم التشريعي 30 لعام 2007 استدراكاً لفجوات لم يكن النظام يتوقع وجودها، على الرغم من أن قانون خدمة العلم كان في حينها قد صدر حديثاً([8]). ومن ضمن المواد التي خضعت لعدة تعديلات كانت المادة 26 المتعلقة بالإعفاء من الخدمة الاحتياطية، وبدأت هذه التعديلات بإصدار المرسوم التشريعي 31 لعام 2020 عبر إضافة الفقرة /هـ/ إلى المادة 26، حيث سمحت بإعفاء "المقيم خارج أراضي الجمهورية العربية السورية إقامة دائمة لمدة لا تقل عن سنة بعد دفع بدل نقدي مقداره خمسة آلاف دولار أمريكي"([9])، ويبدو جلياً أن هذا التعديل جاء من أجل توفير المزيد من القطع الأجنبي لخزينة وزارة الدفاع.
في نهاية عام 2022، صدر القانون 29 لعام 2022، وتم تعديل كل من الفقرة /أ/ والفقرة /ج/ من المادة 26([10])، لتكون الفقرة /أ/ محددة أكثر من سابقتها، حيث حدد التعديل ثلاثة أنواع من العجز: (عجز جزئي غير قادر على الخدمة – عجز تحت تام – عجز تام)، أما الفقرة /ج/ فحددت حالات الابن الوحيد، ومن يعتبر بحكم الوحيد لإخوة مشمولين بالأمراض السبعة([11])، وجاء هذا التعديل بالتزامن مع إلغاء المرسوم 174 لعام 2006 المتضمن نظام اللياقة البدنية لخدمة العلم([12])، والذي كان يعتمد عليه لتحديد إمكانية إعفاء المكلف من الخدمة تماماً، أو نوع الخدمة التي يجب على المكلف الالتحاق بها سواء كانت خدمة ميدانية أو ثابتة في حال وجود حالة صحية دائمة تمنع المكلف من أداء مهامه العسكرية بشكل تام.
ولم يكتف النظام بتلك التعديلات، حيث أصدر المرسوم التشريعي 37 لعام 2023، وأضاف فقرة جديدة /و/ للمادة 26([13])، والتي سمحت للمكلفين بالخدمة الاحتياطية (ملتحق – غير ملتحق) وبلغوا سن الـ 40 من عمرهم بدفع بدل نقدي تبلغ قيمته 4,800 دولار أمريكي أو ما يعادلها، ويخفض مبلغ 200 دولار عن كل شهر خدمة يؤديها الملتحق، وكانت غاية النظام من إضافة هذه الفقرة أيضاً جباية المزيد من الأموال لصالح خزينة وزارة دفاعه. ومن أجل توسيع دائرة المشمولين بهذا التعديل، قام النظام بإصدار المرسوم التشريعي 20 لعام 2024([14])، القاضي بتعديل السن الوارد في الفقرة /و/ ليكون 38 عاماً عوضاً عن 40.
كما أضاف المرسوم التشريعي 20 لعام 2024 فقرتين جديدتين للمادة 26، المادة /ز/ وتقضي بإعفاء دافع البدل النقدي للمكلف (ملتحق – غير ملتحق) مبلغ 3 آلاف دولار، إذا تبين أنه مشمول بإحدى حالتي العجز (عجز أدنى – عجز جزئي غير قادر على أداء الخدمة) الواردتين في الفقرة /أ/، وجاء هذا التعديل من أجل تخصيص بدل نقدي أقل لمن لديهم عجز دون التام، خصوصاً أن النظام كان قد أصدر المرسوم التشريعي 19 لعام 2024 المتعلق بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة([15])، وبالتالي يتوافق هذا التعديل مع رؤية النظام لهذه الفئة. أما المادة /ح/ فقد أقرّت إعفاء العسكري الذي أدى خدمة التطوع عشر سنوات وفق عقد التطوع الجديد (مقاتل).
تأتي الخطة الخاصة بالخدمة الاحتياطية مدفوعة بمحاولة تخفيف الضغط عن الحوامل المجتمعية داخل مناطق سيطرة النظام، خصوصاً بعد موجات واسعة من الهجرة، والتي تشكل الخدمة الاحتياطية أحد مسبباتها بمعزل عن بقية الأسباب الاقتصادية أو الاجتماعية الأخرى، مع العلم أن النظام قد أوقف الخدمة الاحتياطية للضباط المجندين من حاملي الشهادات الجامعية ممن تكون مدة الدراسة اللازمة لشهاداتهم 5 سنوات على الأقل أو ممن يملكون شهادات عليها كالماجستير والدكتوراه([16]).
كما وترتبط هذه الخطة إلى حدّ بعيد بنسبة الاستكمال البشري لقوات النظام ([17])، مع التحاق أعداد جديدة من المجندين، أو استبدال المسرحين بالمتطوعين الذين حاولت المؤسسة العسكرية استقطابهم من خلال عقود التطويع المُعلن عنها سابقاً، ولذلك كانت الخطة مرنة وقد تخضع للتعديل في بعض مراحلها، نظراً لكون خطة التحول نحو "جيش احترافي" لا زالت حديثة ولم تنضج بعد
هناك هدف آخر يسعى النظام إلى تحقيقه عبر الخطة، حيث أصبحت امتيازات عقود التطويع تضاهي بل وأفضل من امتيازات عقود التطويع في الميليشيات الموالية للنظام كتحول مفصلي عما كان يحدث سابقاً، إذ يسعى النظام من خلال هذه العقود إلى سحب عناصر الميليشيات ودمجهم كأفراد لا كتل بذاتها ضمن المؤسسة العسكرية الرسمية، خصوصاً أنه رفع الحد الأعلى لشرط العمر إلى 32 عاماً، أي أنه يحاول إنهاء الميليشيات عبر تجفيف مواردها البشرية لصالحه، وذلك دون المساس بكينونة تلك الميليشيات في الوقت الحالي على الأقل.
وفي بعض جوانبها، تهدف خطة النظام إلى جباية المزيد من الأموال لصالح خزينة وزارة الدفاع واستخدام الخدمة الاحتياطية كسلاح موجه ضد المجتمع، فإتاحة دفع البدل النقدي لتفادي الخدمة الاحتياطية لم تكن خياراً متاحاً قبل عدة سنوات، وأصبحت متاحة في عام 2020 لمن هو في خارج البلاد فقط، لتصبح لاحقاً في نهاية عام 2023 متاحة لمن هم في الداخل ممن ينطبق عليهم شرط العمر.
إن ملف الخدمة الاحتياطية أحد الملفات الكثيرة والمهمة التي فرضها الصراع منذ عام 2011، خصوصاً على الجانب العسكري والجانب الاجتماعي كونه يمسّ شريحة واسعة جداً من السوريين. ويتعامل النظام مع هذا الملف بحذر وتروٍ، فبعد أن كانت الخدمة الاحتياطية رافداً مهماً للموارد البشرية للنظام حتى عام 2020، أصبحت لاحقاً رافداً لخزينته عبر جباية الأموال من المكلفين بها والقادرين على دفع بدلها النقدي لتفادي أدائها سواء كانوا داخل البلاد أو خارجها. كما أن التعديلات التي يقوم بها النظام تُظهره بمظهر إصلاحي وبأنه يتعامل مع هذا الملف كملف استحقاقي بغض النظر عما إذا كان هذا الملف تفاوضياً مع الخارج أم لا، مركزاً على ما يصب في مصلحته أولاً وأخيراً دونما اكتراث لأي آثار سواء كانت مباشرة أو جانبية لما يريد القيام به.
المادة 26 من قانون خدمة العلم الصادر بالمرسوم التشريعي 30 لعام 2007 وكافة تعديلاتها.
المادة 26 - يعفى المكلف من الخدمة الاحتياطية في إحدى الحالات التالية([18]):
آ – عدم اللياقة الصحية الدائمة للخدمة العسكرية.
ب – بقية الأولاد لوالدين أو لأحدهما سواء كان كلاهما أم أحدهما حياً أو ميتاً استشهد أو توفي لهما أو لأحدهما ولدان بسبب قيامهما بواجب العمل في الدولة أو نتيجة للأعمال العسكرية.
ج – الابن الوحيد لوالديه أو لوالدته أحياء كانوا أم أمواتاً ويعتبر بحكم الوحيد الأخ السليم لأخ أو لإخوة مصابين بعاهات أو بأمراض تمنعهم من إعالة أنفسهم.
د – الأب الذي استشهد أو توفي له ولد أو أكثر بسبب العمليات الحربية بسبب القيام بواجب العمل في الدولة أو نتيجة للأعمال العسكرية والمعرفة في النظام.
المادة 26 - يعفى المكلف من الخدمة الاحتياطية في إحدى الحالات التالية([19]):
آ – غير القادر على أداء الخدمة الاحتياطية والذي يتبين بنتيجة فحصه الطبي شموله بإحدى الحالات الآتية )عجز جزئي غير قادر على أداء الخدمة عجز تحت تام- عجز تام(. (معدلة بالمرسوم التشريعي 29 لعام 2022).
ب – بقية الأولاد لوالدين أو لأحدهما سواء كان كلاهما أم أحدهما حيا أو ميتا استشهد أو توفي لهما أو لأحدهما ولدان بسبب قيامهما بواجب العمل في الدولة أو نتيجة للأعمال العسكرية.
ج – الابن الوحيد لوالديه أو لوالده أو لوالدته أحياء كانوا أو أمواتاً ويعتبر بحكم الوحيد الأخ أو الأخوة المشمولين بالأمراض السبعة وهي: (معدلة بالمرسوم التشريعي 29 لعام 2022).
أولاً:
ثانياً: أما التي في حكمها فتكون باقتراح اللجان الطبية الدائمة ويقرها المجلس الطبي العسكري.
د – الأب الذي استشهد أو توفي له ولد أو أكثر بسبب العمليات الحربية بسبب القيام بواجب العمل في الدولة أو نتيجة للأعمال العسكرية والمعرفة في النظام.
هـ – المقيم خارج أراضي الجمهورية العربية السورية إقامة دائمة لمدة لا تقل عن سنة بعد دفع بدل نقدي مقداره خمسة آلاف دولار أمريكي. (مضافة بالمرسوم التشريعي 31 لعام 2020).
و – دافع البدل النقدي (ملتحق _ غير ملتحق) الذي بلغ الثامنة والثلاثين من العمر مبلغاً وقدره (4,800) دولار أمريكي أو ما يعادله بالليرة السورية وفق سعر الصرف الذي يحدده مصرف سورية المركزي بتاريخ الدفع، ويُخفض مبلغ (200) دولار أمريكي أو ما يُعادله بالليرة السورية وفق سعر الصرف الذي يُحدده مصرف سورية المركزي بتاريخ الدفع عن كل شهر خدمة يؤديها الملتحق، وتُجبر كسور الشهر. (مضافة بالمرسوم التشريعي 37 لعام 2023. وكان العمر 40 عاماً وتم تعديله لـ 38 عام بالمرسوم التشريعي 20 لعام 2024).
ز –دافع البدل النقدي (ملتحق – غير ملتحق) مبلغاً وقدره ثلاثة آلاف دولار أمريكي أو ما يعادلها بالليرة السورية وفق سعر الصرف الذي يحدده مصرف سورية المركزي بتاريخ التسديد، إذا تبين بنتيجة فحصه الطبي أنه مشمول بإحدى الحالتين (عجز أدنى –عجز جزئي قادر على أداء الخدمة). (مضافة بالمرسوم التشريعي 20 لعام 2024).
ح – العسكري الذي أدى خدمة التطوع عشر سنوات وفق عقد التطوع الجديد (مقاتل). (مضافة بالمرسوم التشريعي 20 لعام 2024).
([1]) "ما الجديد في الأمر الإداري للنظام السوري بشأن الخدمة العسكرية"، عنب بلدي، تاريخ النشر: 11/06/2024، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4d8kr79
([2]) "حوار خاص حول المرسوم التشريعي 37 لعام 2023"، قناة الإخبارية السورية، تاريخ النشر: 01/12/2023، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3Sytc2k
([3]) "العماد علي محمود عباس"، وزارة الدفاع لدى نظام الأسد، تاريخ النشر: 30/04/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3WsN4oF
([4]) "الدفاع السورية تعسكر المجتمع بمغريات عقود التطوع"، عنب بلدي، تاريخ النشر: 28/11/2023، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4ccvnQb
([5]) "هدفنا الوصول إلى جيش متطور يعتمد على المتطوعين"، وزارة الإعلام لدى نظام الأسد، تاريخ النشر: 27/06/2024، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3SzIq6W
([6]) وثيقة مسربة للخطة، تظهر أعداد العسكريين في الخدمة الاحتياطية الذين سيتم تسريحهم في نهاية كل مرحلة.
([7]) "جيش النظام السوري مستنزف: أرقام تؤكد فقدان العنصر البشري"، العربي الجديد، تاريخ النشر: 31/07/2024، رابط إلكتروني: https://bit.ly/46Fpzxq
([8]) "المرسوم التشريعي 30 لعام 2007، المتضمن قانون خدمة العلم"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 03/05/2007، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3EyjJSk
([9]) "المرسوم التشريعي 31 لعام 2020"، بوابة الحكومة الإلكترونية السورية، تاريخ النشر: 08/11/2020، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3YBmP1M
([10]) "المرسوم التشريعي 29 لعام 2022"، الجريدة الرسمية، الجزء الأول العدد 2 لسنة 2023، رقم الصفحة: 16، Syria Report، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3AhLb6E
([11]) المرجع السابق، أو انظر الملحق، المادة 26 مُحدثة، الفقرة /ج/.
([12]) "المرسوم 334 لعام 2022"، الجريدة الرسمية، الجزء الأول العدد 2 لسنة 2023، رقم الصفحة: 17، Syria Report، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3AhLb6E
([13]) "المرسوم التشريعي 37 لعام 2023"، سانا، تاريخ النشر: 01/12/2023، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4dwhyxO
([14]) "المرسوم التشريعي 20 لعام 2024"، سانا، تاريخ النشر: 01/08/2024، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3Yr6Wek
([15]) "المرسوم التشريعي 19 لعام 2024"، سانا، تاريخ النشر: 21/07/2024، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3LULHdi
([16]) "حوار خاص حول الأمر الإداري القاضي بإنهاء الاستدعاء والاحتفاظ"، الإخبارية السورية، تاريخ النشر: 17/08/2023، رابط إلكتروني: https://bit.ly/46yHWUp
([17]) وهي النسبة التي يحددها النظام للموارد البشرية في الجيش والتي لا يجب أن تنخفض عن نسبة معينة.
([18]) "المرسوم التشريعي 30 لعام 2007، المتضمن قانون خدمة العلم"، مرجع سابق.
في الآونة الأخيرة، أصدر بشار الأسد سلسلة من المراسيم ذات الصلة بنظام الخدمة العسكرية، تطرح تساؤلات حول دلالاتها العسكرية وأبعادها سياسياً ومجتمعياً. توحي قراءة أولية لهذه المراسيم بأنها، مؤشرات على إصلاح النظام مؤسسته العسكرية وفق توقيته وأجندته الخاصة، لتتماشى وتستجيب لوقائع وتحديات ما بعد عام 2011، إصلاح تبدو فعاليته مثار شكوك جدية.
لم يكن جيش النظام السوري مهيئاً للقتال عند إندلاع الحركة الاحتجاجية عام 2011، يعود ذلك إلى تنظيمه وبنيته وعقيدته المخصصة لقتال جيوش تقليدية، فضلاً عن عقود من الفساد وشبكات من الزبائنية والمحسوبية، أضعفت قدراته القتالية، ناثرة بذور السخط داخل تشكيلاته وبين أفراده. ظهرت مكامن الضعف داخل جيش النظام خلال مواجهاته الميدانية مع فصائل المعارضة المسلحة، وبات واضحاً إنخفاض قدرته على التعبئة والحشد، مع تنامي خسائره البشرية وحركة الانشقاقات داخله، ليكون الحل الاعتماد على طيف من الميليشيات كقوات مشاة رديفة للجيش كالدفاع الوطني، وعلى الدعم المباشر من الحليفين الروسي والإيراني. عززت الخطوات السابقة قدرة الجيش على الصمود في مواجهة خصومه، لكنها بالمقابل خلقت له تحديات جدية على المدى البعيد تتعلق بــ، التنظيم والتعبئة والدمج والسيطرة.
أدركت روسيا عقب تدخلها المباشر في أيلول 2015، حاجة جيش النظام للإصلاح بعدما تبين لها إنخفاض كفاءته في القيادة والسيطرة، لتشرع في عملية إصلاح مسترشدة بالتغيرات التي أدخلها الجنرال فاليري جيراسيموف على الجيش الروسي منذ العام 2008، ضمن ما يعرف بالاستعداد لحروب "الجيل الجديدة أو الهجينة". كان من تجليات الدور الروسي إنشاء الفيلقين الرابع (2015) والخامس (2016) والفرقة 25 مهام خاصة (2019)، كهياكل عسكرية ذات مركزية مرتبطة بالجيش غايتها، استيعاب الميليشيات وإحكام السيطرة عليها، فضلاً عن توظيفها كقوات ذات قدرة عالية على التدخل السريع للتعامل مع التهديدات الناشئة. لم يبدي جيش النظام ترحيباً بالدور الروسي، وكثيراً ما قاد الإنخراط المباشر للمستشارين والضباط الروس في عمليات إصلاح التشكيلات العسكرية إلى احتكاكات سلبية بين الطرفين، دفعت النظام للطلب من الضباط الروس قصر دورهم على الجانب الاستشاري دونما الإنخراط في عملية تنفيذ الخطط، وتركها للجيش لتنفيذها وفق أجندته الخاصة، هذا ما يفسر تواجد الضباط الروس كمشرفين في المشاريع التكتيكية العملياتية، المنفذة منذ العام 2021 من قبل تشكيلات نخبة النظام كالحرس الجمهوري والفرقة الرابعة، وتلك المُشكلة روسياً كالفرقة 25 مهام خاصة.
كان للنظام منظوره الخاص لعملية إصلاح المؤسسة العسكرية، إذا عمل بداية على احتكار سردية الإصلاح بمعزل عن حليفيه، وبأنها عملية متصلة بالإصلاح الإداري المعلن في حزيران 2017، وإن سبقته زمنياً بتوجيهات الأسد مباشرة. وبخلاف الخطط الروسية التي ركزت على مأسسة الجيش، وتحسين القيادة والسيطرة وإدارة القتال على المستويات كافة بما لا يتوافق مع أجندة النظام كلياً، ركز الأخير اهتمامه على القضايا ذات الصلة بالعنصر البشري للمؤسسة العسكرية، أي ما يتصل بعمليات نزع السلاح وتسريح وإعادة دمج الميليشيات التي طبقها بشكل بدائي مما أفرز منظومة عسكرية هجينة، وتلك المتصلة بنظام الخدمة العسكرية عبر إصدار سلسلة من مراسيم العفو وتنظيم الخدمة الاحتياطية وعقود التطوع. قد يكون الدافع مما سبق، الرغبة في ترشيق الجيش للتقليل من الكلف الاقتصادية في وقت يعاني فيه من أزمة اقتصادية خانقة، كذلك ضمان مسألة ولاء المقاتلين التي تؤرقه سواء من ناحية الميليشيات المنحلة أو القائمة أو من ناحية المجندين الإلزاميين، واحتواء مطالب حاضنة النظام الموالية المتذمرة من الخدمة العسكرية غير المحددة زمنياً، ولا يستبعد بأن تكون نقطتي الميليشيات ونظام الخدمة العسكرية (الاحتياطية والإلزامية والتطوع)، جزءاً من مسار تفاوضي قائم أو ممكن توظيفه بين النظام والدول العربية والغربية فيما يتصل بجزئية مخاوف اللاجئين من الخدمة العسكرية، كذلك الترويج ودعم مساعي النظام تطوير الجيش ليكون احترافياً قائماُ على التطوع أكثر من التجنيد الإلزامي تبعاً_ لعقيدة جيراسيموف وإن لم يسميها علناً_، ولديه من القدرات ما يكفي للتعامل مع التهديدات التي تتضمنها الحروب الهجينة، وذلك ما جاء على لسان اللواء أحمد سليمان، المدير العام للإدارة العامة لوزارة الدفاع السورية.
تبقى جهود النظام لإصلاح المؤسسة العسكرية مثار شكوك، مرد ذلك النهج الإيراني في تشكيل شبكات أفقية من ميليشيات مرتبطة بها توفر مزايا مالية لا يبدو النظام قادراً على مجاراتها، كذلك عدم تناسق أولويات النظام في إصلاح الجيش مع الأولويات الروسية، وبأنها مجتزأة وغير متكاملة على النطاق العام مع إصلاح المؤسسة العسكرية ككل، فضلاً عن مخاوف بأن تقود هذه العملية في ظل افتقاد الخبرات التقنية والتمويل اللازم إلى نتائج عكسية، ولعل الأهم أن إصلاح المؤسسة العسكرية يجب أن يتم وفق رؤية ومحددات سورية وطنية، وفي ظل بيئة من الاستقرار السياسي حتى يؤتي الإصلاح أكله لإعادة إنتاج مؤسسة عسكرية تمثل كل السوريين، وهي أمور متعذرة حالياً.