أقرّت حكومة النظام مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2023 بمبلغ 16,550 مليار ليرة سورية بزيادة 3,225 ملياراً (24.2%) مقارنة بموازنة العام 2022، توزّعت فيها الاعتمادات 13,550 ملياراً للإنفاق الجاري و3,000 مليار للإنفاق الاستثماري، وخلال اجتماع لمجلس الوزراء في حكومة النظام تم توضيح أن مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2023 "يركّز بشكل أساسي على إنجاز مشاريع ذات جدوى اقتصادية تُسهم بتعزيز الإنتاج، وتحسين الخدمات، وتنعكس إيجاباً بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتقديم كل الإمكانات المتاحة لإحداث نقلة حقيقية في القطاعين الزراعي والصناعي تُسهم في تحقيق متطلبات التنمية المتوازنة والشاملة".
سيُقارن المقال التالي تفاصيل الموازنة الحالية مع الموازنات السابقة ومدى قدرة حكومة النظام على الوفاء بالاستحقاقات المعيشية للسكان وتحقيق أهدافها المنشودة خلال العام المالي القادم.
لا تزال حكومة النظام تصدّر موازنات مالية منذ العام 2011 تُوهِم فيها المواطنين بأنها الأعلى قيمة وبقدرتها على إدارة المرحلة والوفاء بالاستحقاقات المعيشية وإعادة الإعمار، في الوقت الذي تُحجم عن عرض تفاصيل ميزانية العام المالي السابق من نفقات وعجز وديون أو حتى إصدار قطع الحسابات المالية؛ الأموال التي تم إنفاقها في الشقين الجاري والاستثماري، ما يجعل الأرقام الواردة في الموازنات الصادرة غير دقيقة وتفتقر للموضوعية.
ظهرت موازنة العام 2023 البالغة 16,550 مليار ليرة سورية أعلى بنسبة 24.2% من موازنة العام 2022 وبنسبة 1882% من موازنة العام 2011 بينما ستظهر في الواقع أقل بنسبة 16% من موازنة العام 2022 إذا قوّمت بالدولار الأمريكي فضلًا أنها الأقل على مدار السنوات الماضية وبنسبة 80% من موازنة 2011، حيث اتخذت الموازنة منحاً هبوطياً منذ العام 2011 لدى تقويمها بالدولار كما يظهر في الشكل رقم (1). حيث أفرغ النظام الموازنة من قيمتها الحقيقية عندما أفلت العنان لحدود الدين والعجز ولم يكترث لهبوط قيمة الليرة وخسارة مولّدات الدخل الرئيسية للموازنة؛ كالنفط والصادرات والسياحة والضرائب فضلاً عن عدم أخذ الظروف الاستثنائية التي تمر بها سورية بالاعتبار، وهو ما ساهم في تأصّل جذور الأزمة في الاقتصاد السوري ومعاناة السكان مع استمرار هبوط قيمة الموازنة والليرة، حيث وقَع نحو 90% من السكان تحت خط الفقر وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة.
ولم تعكس زيادة أرقام الموازنات بالليرة السورية تحسناً في الأوضاع المعيشية للسكان على مدار السنوات الماضية وهنا ستتجلى ملامح الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها المواطن عاماً تلو العام حيث انخفضت حصة الفرد من الموازنة في 2023 بنسبة 17% عن موازنة 2022 وبنسبة 73% عن العام 2011 كما يظهر في الشكل رقم (2)، وبمعنى آخر ستنفق حكومة النظام على المواطنين أقل بـ3 أضعاف ما أنفقته في عام 2010 ومع ذلك تتوقع أن يعيش المواطن بنفس مستوى معيشة عام 2011 عندما كانت قيمة الموازنة تساوي 17.88 مليار دولار، على الرغم من تناقص عدد السكان إلى النصف تقريباً (11.7 مليون نسمة من 21.4 مليون نسمة في العام 2010)([1]). ويُظهر الرسم أدناه ارتفاع حصة الفرد في العام 2012 إلى 2,382 دولار مع ارتفاع الموازنة إلى 24,55 مليار دولار في ذلك العام وهي القيمة الأعلى للموازنة في سورية على مدار العقود الماضية، ويُعزى هذا إلى محاولات النظام إخماد الثورة في بدايتها وتقديم مزيد من الخدمات والدعم الاجتماعي للمواطن
اعتبرت موازنة 2023 أكثر موازنات الدولة تخفيضاً لاعتمادات البند الاجتماعي إثر تراجعها إلى 0.94 مليار دولار من 1.68 مليار دولار في 2022 حيث انخفضت حصة الدعم الاجتماعي إلى 4,927 مليار من 5,529 مليار ليرة في موازنة 2022 كما يظهر في الشكل رقم (3)، وانخفضت حصة دعم الدقيق التمويني إلى 1500 مليار من 2,400 مليار ليرة في موازنة 2022 في حين أبقت على مخصصات دعم السكر والأرز بواقع 300 مليار ليرة، وزاد دعم المشتقات النفطية بنسبة 11% من 2,700 مليار ليرة إلى 3,000 مليار ليرة بدون أخذ هبوط قيمة الليرة بالحسبان([2]).
وتعرّضت منظومة الأجور لنكسة جراء سياسات حكومة النظام المالية والنقدية حيث عملت على زيادة الإنفاق الجاري على حساب الإنفاق الاستثماري وتوجيه الإيرادات نحو رفع الأجور والزيادات والمنح والتعويضات ضمن موازنة منكشفة لا تستند إلى مخزون احتياطي أو إنتاج، وبالتالي ستلتهم الزيادة العامة في الأسعار أي زيادة في الأجور، فبالكاد شكل الحد الأدنى للأجور والذي لا يتجاوز 92,970 ليرة (18 دولار الدولار يساوي 5000) 4.1% من الحد الأدنى لتكاليف المعيشة البالغ 2,234,339 مليون ليرة (446 دولار) لأسرة من خمس أفراد بحسب صحيفة قاسيون، وتجاوز متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية في شهر أيلول/سبتمبر 2022 حاجز 3.5 مليون ليرة بارتفاع نسبته 93% عن شهر أيلول 2021([3]).
وبذات المنهجية المتّبعة ارتفعت كتلة الرواتب والأجور والتعويضات في موازنة 2023 بنحو 2,114 مليار ليرة بزيادة قدرها 33% عن موازنة العام 2022 ويعد هذا أحد العوامل الأساسية التي تغذّي التضخم والعجز في الموازنة، وبالتالي ستسمح الموازنة بزيادة الأجور بمقدار الثلث ليصبح متوسط رواتب موظفي القطاع العام 173 ألف ليرة ارتفاعاً من 130 ألف ليرة، والتي بالكاد تكفي أسبوع من الشهر ما يدفع العمّال والموظفين لتقديم استقالاتهم وانخراط الشباب في أعمال غير مشروعة أو الهجرة للخارج أو اتباع استراتيجيات شظف العيش.
وعليه فإن دور الدولة الاجتماعي في هبوط منذ نحو عقد أمام تآكل قواعد الإنتاج الحقيقية ومولّدات الإيرادات، فضلاً عن زيادة حصة الإنفاق الجاري على حساب الإنفاق الاستثماري وارتفعت إلى أعلى نسبها لها في تاريخ سورية في موازنة العام 2022 إلى 85%، وارتفعت مخصصات الإنفاق الجاري من 2,000 مليار في موازنة 2022 إلى 3,000 مليار ليرة في موازنة 2023 بدون إيراد بنود لدعم قطاع الكهرباء والصناعة ودون اعتبار لانهيار قيمة الليرة وتجاوز سعر الصرف حاجز 5,000 ليرة أمام الدولار، وتُدلل هذه النسب إلى انحدار مؤشرات الدعم الاجتماعي من جهة وفشل النظام في دفع عجلة الإنتاج والنهوض بمرحلة إعادة الإعمار من جهة أخرى. ولابد من الإشارة أن نسب تنفيذ الإنفاق قد لا تتعدى 50% بالنسبة للإنفاق الجاري و38% للإنفاق الاستثماري بالنظر لحسابات القطع في موازنات 2012 و2013 على مدار السنوات الماضية.
أخيراً: يؤكد كل ما سبق أن موازنة 2023 لا تحمل في طياتها أية حلول للأزمة الاقتصادية التي تعاني منها سورية ولا انفراجة للأوضاع المعيشية السيئة التي يعاني منها المواطن على مستوى هبوط القوة الشرائية والارتفاع العام في الأسعار وانقطاع الكهرباء ونقص المواد الأساسية كالمازوت والبنزين والمواد الغذائية، بل تعتبر استمراراً للأزمة ولذات المقاربة التي ينتهجها النظام والتي تسخّر مقدّرات وموارد الدولة لا لتحقيق التنمية الاقتصادية والاهتمام بالاستحقاقات المعيشية وإعادة الإعمار بل للبقاء في السلطة وحسب بدون كيل اهتمام للمواطن وما يكابده من صعوبات.
([1]) William Christou, Karam Shaar, 2021 budget reveals the depth of Syria’s economic woes, 1-12-2021, Atlantic council, short link: https://bit.ly/3tumWeX
([2]) ما الذي تعنيه إعادة طرح مسألة «الدعم» النقدي في سورية؟، 14-11-2022، قاسيون، رابط: https://kassioun.org/economic/item/75779-2022-11-14-02-40-02
([3]) 3.5 مليون وسطي تكاليف معيشة الأسرة السورية على أبواب الشتاء، 26-9-2022، قاسيون، رابط: https://kassioun.org/economic/item/75132-2022-09-25-23-34-29