مضت عجلة الحراك الثوري السوري إلى الأمام خلال ست سنوات طاحنة، تغيرت فيها ثوابت كثيرة، وشهدت تغييرات عديدة، وعلى المستويات كافة. ودخلت هذه العجلة في مراحل متعدّدة، اختلطت فيها لحظات الانتعاش مع الانكسار، الوجع مع الأمل، التمدّد والتقلص ...إلخ، وشهدت انعطافات وانتقالات متسارعة في مستويات عملها، واتسمت مآلاتها باحتمالات ظهور متغيّر، يمنحها هوامش عمل جديدة، يعيد خلط الأوراق، ويؤجل الحسم لأي طرفٍ كان، إلا أنه، وبعد زلزال حلب أخيراً، والتداعيات السلبية المتدحرجة على بنية المعارضة وتوجهاتها ووظائفها، وما لحقها من استثمار سياسي روسي، أنتج ما عرف بإعلان موسكو الذي يعرّف الملف السوري بالاتساق مع المخيال الروسي الصرف، فقد بات لزاماً على المعارضة السورية إدراك أزمتها العميقة، وطبيعة امتحاناتها الحالية والمؤجلة. حيث إنه، وعلى الرغم من أن أحد أهم قراءات نتائج معركة حلب بأنها نتاج طبيعي لتضافر (وتنامي) عدة سياقات، تتعلق بمفهوم "إدارة الأزمة"، أفرزت استفراداً روسيّاً أخلّ "التوازن النسبي" الذي كان متحكّماً في المعادلة العسكرية خلال سني الصراع المسلح، إلا أن أهم هذه القراءات وجوهرها يؤكد على العوامل الذاتية الكامنة وراء الخسارة الاستراتيجية لحلب، وفقدان عنصر التأثير في جيوب وجبهات كثيرة، لا سيما في الجنوب وحول العاصمة، وتتمثل في سياسة معظم فعاليات المعارضة (السياسية والعسكرية والمدنية والدينية) في دفع استحقاقاتها إلى الأمام، بغية التهرّب منها، لعدم امتلاكها القدرة على مواجهة تلك الاستحقاقات على المستوى البنيوي تارةً، ولعدم امتلاك القرار الوطني المفضي إلى مواجهة التحديات والامتحانات الداخلية تارات عدة.
وأمام أسئلة واقع "ما بعد حلب" التي لم تعد تقبل التأخير والتسويف والمماطلة، تتدافع ثلاث دوائر مهمة في المجال العام للمعارضة والثورة للإجابة عنها، فالأولى أتت من داخل الجسد العسكري، ولا سيما شقه الفصائلي "الإسلامي"، باحثاً عن "توحيد عابر للفصائلية"، إلا أنه يتجاهل قصداً تحديات الاندماج والتوحيد الفكري ومتطلبات مراجعة المستندات الناظمة لهذا العمل، فنجدها لا تزال تتجاوز الثورة لصالح مشاريع سلطة عقدية سياسية بديلة، ولا تراعي ما تكتنفه الجغرافية السورية من ارتكاساتٍ تتحمل بوصلات عمل هذه الفصائل الجزء الأهم منها، هذا البحث عن صيغ جديدة، بالمضامين الفكرية والسياسية نفسها، لا يخرج عن كونه حركة براغماتية ضيقة الأفق، ستجعل أسباب الحريق والتشظّي السوري مستمرة.
"بات لزاماً على المعارضة السورية إدراك أزمتها العميقة، وطبيعة امتحاناتها الحالية والمؤجلة"
أما الدائرة الثانية فتنبع من الحواضن الشعبية المثقلة بالغضب والألم، وباتت تحت نصل "المصالحات" التي تبتزهم بملفات إنسانية مغرقة في البساطة، في وقت يصدّر النظام هذا التطويع والتجويع والتركيع على أنه "نصر مبين"، أو أمام فوهة البندقية المسلطة عليها من كل الأطراف الفاعلة أرضاً وبرّاً، إذ تجهد هذه الحواضن لتوسيع هوامش فاعليتها عبر الضغط باتجاه مأسسة العمل العسكري الثوري، وضرورة تماهيه مع الثورة ومطالبها؛ والدفع باتجاه اتباع استراتيجيات عمل بديلة، تجنب البنى المحلية أكبر قدرٍ ممكن من الأضرار، عبر تركها للفاعلين المدنيين، وتغيير طبيعة العناصر العسكرياتية المتبعة في "إدارة العمليات"، كتعزيز مفهوم التحصين والهندسة العسكرية، واتباع نهج المهام الخاصة وتكتيك التموضع المتبدل/ المرن، وتبقى سياسة الضغط تلك رهينة فواعل عسكرية، تتحمّل مسؤوليتها التاريخية في "استيعاب المرحلة" والانسجام وظيفياً مع متطلباتها، ويتحكّم بها هامش الزمن الضيق جداً لسياسة الاقتلاع والتهجير التي قد تطاول تلك الحواضن، وتلغي أثر أي ضغط لها.
والدائرة الثالثة، والتي تعد حركيّتها الأكثر خجلاً، والأقل إدراكاً لمآلات المشهد التي تنبئ بتجاوز سكة الحل التي ترتسم لبنيتها، وللأدوار المحتملة كافة، وهي دائرة الممثلين السياسيين، كالائتلاف والهيئة العليا والأحزاب والتيارات التقليدية على سبيل المثال، إذ اتسمت تلك الحركية بالتثاقل، نظراً لأسبابٍ تتعلق بكمون العطالة التي تكتنف هياكلها من جهة، والتسليم لمبدأ استلاب القرار الوطني من جهة أخرى. وكانت ردة فعلها محصورةً ما بين تنظير عبر الفضاء الإلكتروني بشكل يكرس فقدانهم آليات تفعيل الرؤى، أو الاستقالة الشخصية في محاولةٍ منهم للتبرئة من مسؤولية ما جرى، أو لفقدان الأمل في أية فعاليةٍ، ترتجى من تلك الأجسام. وفي المقابل، غاب عن هذه الدائرة أن هذه الأحداث فرصة حقيقية للبدء بامتلاك أدوات التمكين والمبادرة، وتصحيح التشويه الحاصل في العلاقة بين السياسي والعسكري، وإعادة تعريفها بشكلٍ يضبط الحركة العسكرية بعقارب القيادة السياسية، إذ كان متوقعاً منها أن تتبنى مبدأ "حسن إدارة الأزمة"، عبر تشكيل غرف عمليات مستمرة، تستطيع بها توظيف الإنجاز العسكري سياسياً، أو تقلل من تبعات الخسارة، عبر جولات تفاوضية تتيح لها هوامش حركةٍ ما، وتلك هي أبجديات العمل السياسي. أما الاستسلام الكلي لزخم الأحداث وعدم امتلاك القدرة على هضمها وإنتاج مقاربات مواجهةٍ ناجعة فيجعل شخوص هذه المؤسسات غير مؤهلين لقيادة مدرسة ابتدائية، وليس إدارة ملفات وطنية.
وما بين تلك الدوائر وصعوبة الآتي، ينتظر من المعارضة السورية في هذه المرحلة أن تدرك خطورة بقائها كما كانت عليه (سياسةً وأدوات وهياكل)، وأن تجهد في اتباع استراتيجيات ثلاث. الأولى استيعاب الأزمة، والعمل على احتوائها عبر إبداء "التوازن" السياسي للحركة العامة، وعدم الإغراق بجلد الذات بهدف جلد الذات فقط، والتمسّك بأوراق القوة المتبقية في حوزتها، كالشرعية التمثيلية، سواء على المستوى السياسي الدولي والإقليمي، أو على المستوى المحلي ونماذج الحكم المحلي الناشئة، أو حتى ما هو متعلقٌ بتوازن الردع في دمشق ومحيطها، والابتعاد عن اندماجات غير متسقةٍ ومتسرعةٍ، تحمل في طياتها أسباب الانحلال والتصدّع النهائي، وذلك كله بالتوازي مع تفويض مجموعة ورش عمل مغلقة للتقييم والمراجعات والحسم في تعريف العلاقة مع كل المشاريع العابرة للثورية، وللتباحث أيضاً في آليات التغيير، وتذليل كل أسباب العطالة، وامتلاك مقومات الصمود والاستمرار.
"ينتظر من المعارضة السورية في هذه المرحلة أن تدرك خطورة بقائها كما كانت عليه سياسةً وأدوات وهياكل".
تنبع الاستراتيجية الثانية أولاً من ضرورات صد استراتيجية النظام التي تطمح لتركيع مناطق سيطرة المعارضة في الوسط والجنوب السوري، عبر سلاح المصالحات، وذلك بإعداد خطةٍ متكاملةٍ لتحويلها إلى هدن تتوازن فيها شروط كل الأطراف، وتقوم على عنصرين رئيسيين، تثبيت جبهات الصراع بإشراف دولي، ووحدة مصير المناطق المهادنة، والتي ستضمن عرقلة سياسة الاستفراد التي ينتهجها النظام، كما ترتبط هذه الاستراتيجية عضوياً بخيار المواجهة الوجودي مع المشروع الإيراني، والعمل على الاستمرار بضربه سياسياً وعسكرياً. بينما تتعلق الاستراتيجية الثالثة بخيارات المواجهة الدبلوماسية، وقبول كل التحديات المفروضة، وعدم ترك أي شاغر في سياق أي مفاوضات محتملة، واستكمال أي أعمال تتعلق ببرامج ورؤى وآليات تنفيذية، تسهم في التغيير والانتقال السياسي. وهذا نابعٌ من ضرورات الحضور التي تفرضه الواقعية أولاً، والانتقال إلى أدوات النضال السياسي، بحكم التقهقر العسكري ثانياً.
ولعلي أختم بالقول إن كتب مؤرخي التاريخ في صفحاتهم أن المعارضة السورية استطاعت عبور هذا النفق المظلم، فذاك حكماً سيكون مردّه تبلور مفهوم الارتقاء إلى مستوى الحدث ومسؤولياته، ولقدرتها على العودة، والالتحام مع ثورة شعبٍ، يستحق العزة والحرية والكرامة. وإن لم يكتب أولئك المؤرخون ذلك، فلا تلومن المعارضة إلا نفسها، لأنها أضاعت الفرصة، وفشلت في امتحانها الوجودي، وساهمت، بشكل أو بآخر، في مأساة الوطن والمواطن السوري.
كان واضحاً منذ بيان فيينا في 30/10/2015 الذي أتى بُعيد التدخل الروسي العسكري المباشر في سورية، أن موسكو تعمل وفق مقاربة سياسية عسكرية، قائمة على "تطويع الميدان" وضرب المعارضة السورية، وتحويل ذلك لمكتسبات سياسية توظفها لتعزيز سرديتها وتعريفها للملف السوري. كما غيبت روسيا أساس الصراع القائم على صراع سلطة ضد شعب لصالح نتائجه، وهو ليس الشكل الأفضل لتعزيز فرص استعادة شرعية حليفه (النظام الحاكم) فحسب، إنما هو المدخل الرئيس لتثبيت قواعد النفوذ الروسي في المنطقة ولتصدير قدرتها على المستوى الإقليمي والدولي في "ضبط تفاعلات وتحولات هذه المنطقة الجيوسياسية المهمة" مقابل "تعثر أمريكي يمتد لسنين"، وهو أمرٌ يُعزز تمركزها في النظام السياسي الدولي.
وبهذا السياق كان لا بد لموسكو من اتباع استراتيجية "الحل الصفري" على المستوى العسكري في سورية مستغلةً توظيف معادلة الإرهاب التي أرادتها الدبلوماسية الروسية سائلة. فضربت ابتداءً مناطق سيطرة قوى الثورة في الساحل وأخرجت كافة جيوبها من مساحات "سورية المفيدة" مُتبعة منهجية التهجير وصولاً لعودة السيطرة على حلب مؤخرا، وقابل كل ذلك هندسة سياسية روسية على مستوى الفاعلين الدوليين والإقليمين تكرس من خلالها فلسفة القيادة الروسية في التعاطي مع ملفات الربيع العربي بعد أن ضمن تدخلها العسكري المباشر اصطفافات إقليمية تغزل سياساتها الأمنية والسياسية بما لا يتعارض مع المنوال الروسي فكان "إعلان موسكو" الأخير بين طهران وأنقرة وموسكو حلقة رئيسية في تلك الهندسة. كما رافقها أيضاً إجهاضٌ دائمٌ لأية فاعلية تُرتجى من مجلس الأمن باستثناء قرار نشر المراقبين الدوليين رقم (2328) للإشراف على عملية الإخلاء كونه يعزز السيطرة الدائمة على مدينة حلب.
وأمام هذا التدحرج المتسارع للعناصر المكونة "لحل سياسي" والذي تتقصده موسكو للدفع بقواعد جديدة أمام القيادة الأمريكية القادمة، تتضاءل لدرجة كبيرة -وفق مستويات الصراع القائمة-فرص تحسين تموضع قوى المعارضة السورية وتعزز من شروط النظام. وبناءً عليه تقدم ورقة السياسات هذه استعراضاً عاماً لتداعيات معركة حلب والسياسات الأكثر نجاعة للمعارضة، إضافة لقراءة تحليلية في خلفيات إعلان موسكو وخارطة الطريق التي يؤسس لها، وحدود التباعد والتلاقي مع توجهات وأهداف المعارضة، وما هو الخيار التكتيكي الأمثل في التعاطي مع الإعلان. كما تفرد هذه الورقة في قسمها الأخير مجموعة من التوصيات الاستراتيجية تعالج تحديات قوى المعارضة –التي لطالما أجلتها ودفعت بها إلى الأمام-بحيث توفر لها مرونة سياسية ومستويات عمل نوعية تحسن من فرص هدفها النهائي والقائم على تعزيز مناخات التغيير والانتقال السياسي في سورية.
توضح معطيات معركة حلب الأخيرة جملة من الحقائق التي تعزز من تثبيت "قواعد نوعية" تساهم في نقل الصراع إلى مراحله الأخيرة وفق المخيال الروسي، وتسهم في إنجاز حل شكلي يرتجي منح النظام الحاكم مزيداً من الشرعية على الرغم من التشكيك الموضوعي لقدرته على مواجهة استحقاقات سورية القادمة، سواء على مستوى ضبط الأمن وتحقيق الاستقرار المحلي والإقليمي أو على مستوى إدارة الفرقاء داخل بُنيته الهشة بعد أن اضطر لمنحها شراكة في وظائف أمنية وعسكرية واجتماعية سيادية. ولعل أهم هذه الحقائق ما هو مبين أدناه:
إلا أن هذا من شأنه تعظيم حالات ثلاث، الأولى الانزياح المتسارع نحو منظومة القوى العابرة للوطنية التي تستغل المظلومية السنية في تمتين بناها الداخلية وتعظيم قدرته على البقاء والصمود، والحالة الثانية هي تفتيت مناطق سيطرة المعارضة وتنامي حالات الانفلات والسيولة، والحالة الأخيرة استمرار الاستعصاء في أي إنجاز يرتجى في ملفات وتحديات المرحلة الانتقالية كعودة اللاجئين والمهجرين والإدارة المحلية واستراتيجيات مكافحة الإرهاب والتنمية الاقتصادية وغيرها.
وأمام هذا تتقلص بشدة خيارات المعارضة لمواجهة هذه الوقائع المركبة بحكم أنها لم تنجح في امتلاك أدوات عسكرية ناجعة تعمل بتناغم واضح وأهداف مشتركة ولم تستطع امتلاك سياسة ذاتية تُبقي لها قدرة على امتلاك قرارها الوطني، إلا أن المرحلة القادمة تستوجب منها بحثاً معمقاً لامتلاك أسباب التمكين. وفي هذا السياق يبرز تكتيك استيعاب الصدمة واحتوائها خياراً مهماً من شأنه أن يعطل فرص الوقوع أي من الحالات الثلاثة، وهي:
يحظى إعلان موسكو الأخير بجملة معطيات تدلل على اقتراب "إنجاز مستند سياسي" يدفع بحكم النتائج الأخيرة للصراع العسكري باتجاه بلورة "خارطة طريق" تطلق العملية السياسية من جديد بقواعد جديدة تعزز السردية الروسية للملف السوري. من جملة هذه المعطيات يمكن تصدير ما يلي:
يشكل هذا الإعلان وما ينتظره من أجندة تعززه كمستند رئيسي لإطلاق العملية السياسية تحدياً واختباراً لأدوات المعارضة السورية الدبلوماسية التي لا تزال تشهد تداعيات خسارة حلب ومآلات التصدع المحتملة. ورغم ما يتضمنه الإعلان من إشكالات قد لا تتطابق مع غايات وأهداف قوى المعارضة، إلا أن سياسة التعاطي معه وفق مبدأ النقاط المشتركة تشكل منطلقاً أساسياً للتعامل مع هذا الواقع الجديد والتفاوض حول ملفات التغيير الوظيفي والبُنيوي. إذ تفرض هذه السياسة نفسها أمام المعارضة بحكم مبدأَي الواقعية السياسية وضرورات التماسك بعد سلسلة الخسارات المتلاحقة. ولعل أهم النقاط التي تُشكل قاعدة أولية تجعل المشاركة في هذه الأجندة تكتيكاً مقبولاً، موضحة في (وحدة الأراضي، سيادة الدولة السورية، دولة ديمقراطية، لا يوجد حل عسكري في سورية، توسيع وقف إطلاق النار، وعدم إعاقة المساعدات الإنسانية، وتوفير الزخم اللازم لاستئناف العملية السياسية في سورية وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254).
ولتحقيق النجاعة لهذا التكتيك، ينبغي على المعارضة توفير منصة أولية تجمع الفرقاء وشركائها المحليين تتبنى مبادئ الثورة الخمسة، وتكون بمثابة مرجعية عابرة لمجموعة الرياض والائتلاف، والتوصل لملامح استراتيجية تفاوض متماسكة، ومد الوفد المفاوض بكافة متطلبات العملية التفاوضية والاحتفاظ بحق الانسحاب والعودة إلى المرجعية في حال تعثر الاستمرار، وهذا يتزامن مع جملة من السياسات التي ينبغي أن تبدأ المعارضة بالعمل عليها.
ثبتت معطيات معركة حلب أمام المعارضة ضرورة تبني مبدأ المراجعة وتقييم كافة أدواتها السياسية والعسكرية. وتطرح في هذا السياق ضمن فعاليات قوى الثورة والمعارضة مجموعة من ردود الفعل لا ترتقي لمستوى الحدث الذي يؤسس لمرحلة جديدة تتطلب سياسات أكثر اتساقاً مع أهداف الحراك الثوري، إذ أن ضرورات مواجهة المرحلة تتطلب عدم تأخير الامتحانات الوطنية والامتناع عن سياسة "دفع الكرة إلى الأمام" والإعداد لسياسات واستراتيجيات تساهم في استيعاب الأولويات ومواجهة الاستحقاقات بأدوات أكثر فعالية. وفي هذا المضمار وبالتزامن مع مبدأ "استيعاب الأزمة" يمكن تصدير مجموعة من السياسات الآتية:
وفي سياق آخر لا بد لكافة الفعاليات المعارضة أن تعمل بالاتساق التام مع مفاهيم المراقبة والمحاسبة لكافة الهيئات والأجساد السياسية والمدنية والعسكرية وتعزيز هذه المفاهيم ضمن منظومات العمل التي ينبغي لها أن تراعي أولويات المواطن وصيانة أمنه وتوفير السبل المثلى لتوصيل الخدمات له بالدرجة الأولى.
عموماً بقدر ما شهدته جغرافية مناطق سيطرة المعارضة من ارتكاسات بُنيوية حادة جراء خسارة حلب وخروج أهم الجيوب الاستراتيجية في دمشق ومحيطها من معادلات الصراع العسكري، وبقدر ما ترسمه الفواعل الإقليمية والدولية أيضاً لملامح "حل سياسي" يراعي السردية الروسية المتوافقة بدرجة عالية مع النظام وإيران، فإن ضرورات الصمود وامتلاك مقوماته وعدم الانجرار لردات فعل غير محسوبة الأبعاد تفرض نفسها بقوة على المعارضة وتجعلها أمام امتحان مصيري يطالبها بالثبات والاستعداد التام لمواجهة المآلات والتداعيات المحتملة لهذه الارتدادات المتسارعة، ويفرض عليها بذات السياق اتخاذ سياسات المراجعة والحسم تجاه كافة التحديات.