جاء ذلك ضمن مادة حملت عنوان: صفقات أميركية متناقضة في سوريا… ما مصير المنطقة الآمنة وإدلب؟
للمزيد انقر رابط المصدر: http://bit.ly/2nR2dnp
لم تنطلق مُعارضة موضوع اللجنة الدستورية للطرح بحد ذاته، وخاصة لمن يتبنى مرجعية القرارات الدولية كنقطة انطلاق لحل المعضلة السورية، فموضوع طرح دستور جديد للبلاد، يشغل حيزاً ما من فقرات القرار 2254 والذي هو في النهاية رؤية دولية أكثر تحديداً لبيان جنيف، الذي ينشد معظم السوريين اعتباره نقطة انطلاق مناسبة لعملية سياسية بناءة، تحقق الحد الأدنى من تطلعاتهم.
المشكلة في اللجنة الدستورية تكمن في انبثاقها عن بدعة السلل الأربعة، ثم بمنحها الأولوية في مجال عمل هذه السلل، تجاوزاً لأولويات يحددها وضوحاً بيان جنيف، من حيث المضي قدماً في تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، وما يترتب على ذلك من تفاصيل مرتبطة بإصلاح الجهاز الآمني ودمج مؤسسات الدولة، والعدالة الانتقالية، والإصلاح الدستوري والقانوني، وعودة اللاجئين، وإعادة الإعمار، والافراج عن المعتقلين، والكشف عن مصير المفقودين،
أما المشكلة الثانية؛ أن اللجنة ستختزل تدريجياً التمثيل السياسي لقوى المعارضة والثورة المختزل أصلاً في جسم الائتلاف، ثم مرة أخرى في جسم هيئة التفاوض، ومن دون أي مشروعية ورضى شعبي، هما أصلاً منطلق تأسيسي لطرح دستور جديد، عداك عن غياب الحد الأدنى من الحوار المجتمعي والمصالحات الوطنية الحقيقية والندية، وتوفر البيئة الآمنة التي لا يمكن قبلها الحديث عن أي دستور يستظل تحت مرجعيته كل السوريين.
بل إن اللجنة الدستورية حال ولادتها اليوم، تحوز فيما يظهر كامل الشرعية الدولية، لكن في الواقع قد تكون مدخلاً مهماً ومنزلقاً لتجاوز مرجعية القرارات الدولية -في الوقت التي يتم تسويقها كأحد منطوقات القرارات الدولية آنفة الذكر (وهي كذلك)- لصالح تأصيل مرجعية أستانا، كناظم جديد ووحيد للعملية السياسية.
المشكلة الثالثة في اللجنة الدستورية، أننا كمعارضين وثوار، تعاطينا بالمجمل مع ملف اللجنة إما من منطلق اللامبالاة الكاملة، من خلال اعتبارها بمثابة مولود غير شرعي للمساعي الدولية للحل، أو الانزلاق السياسي أو الثوري غير التقني في قوائمها، في مقابل انتقاء النظام لمختصين وأكفاء (غير سياسيين بالغالب) ليكونوا ضمن باقته المعتمدة في اللجنة،
أما المشكلة الرابعة فتكمن في غياب مرجعية مؤسسية رسمية لطرف اللجنة من جهة المعارضة، فيما تحكم طرف اللجنة من جهة النظام بقايا دولة، ونظام يحاول التماسك والتعافي، مع تنامي المخاوف من أن تؤول اعتمادية قرارات اللجنة الدستورية إلى البرلمان التابع للنظام، في حال دفعت روسيا إلى اعتماد دستور العام ٢٠١٢، الذي يحيل الإصلاحات الدستورية إلى لجنة دستورية (بهذا الاسم حرفياً) مرجعيتها واعتماديتها برلمان النظام.
قد يلخص العرض السابق معظم المآخذ على تشكيل اللجنة الدستورية، إلا أنه ومع إعلان المبعوث الدولي غير بدرسون عن تشكيل اللجنة الدستورية، فإن ثمة فرص ربما تقف في صف السوريين وهم يحاولون تخطي عراقيل هذا التشكيل وهذا الإعلان؛ وهنا يمكن استعراض عدة مسارات غير خشنة يمكن العمل عليها في سبيل ذلك.
فمن حيث الجدول الزمني لا يتوقع للجنة أن تنهي مهمتها في وقت قصير، في ظل استقطاب دولي حاد جداً حول الملف السوري، وعليه يمكن التحرك على المسار السياسي في فضاءات عمل أرحب، فإذا انطلقنا من فرضية أنه لن يسمح بتسيد الحل الروسي المفضي لاستكمال سيطرة النظام على كامل التراب السوري، بما يعني لو حصل عدم الحاجة لوجود اللجنة الدستورية ويفقد أي حل سياسي معناه، فإن الفرصة سانحة لإعادة انتاج حياة سياسية في ما تبقى من مناطق خارجة عن سيطرة النظام وروسيا، يساهم تفاعل حواملها في خلق روحية عمل جماعي ينتج منظومات حوكمة رشيدة، مفضية إلى نظم إدارة وحكم متماسكة غير هشة، ويساهم في حوكمة قطاع الأمن والقضاء وخلق الأرضية المناسبة لإعادة الإعمار والتنمية المستدامة.
كما أن إعادة الروح إلى الحراك المجتمعي الحقوقي، سيسهم في انتاج حوامل صد ودفع، في مواجهة مخرجات اللجنة الدستورية، ليس عملها رفض أي مخرج بل تتجه لتضع محددات منطقية من زاوية حقوقية لأي منتج دستوري منطلقة من فضاء اجتماعي بوصلته حقوقه التي يطالب بها منذ ثمانية سنين، حقوقه في العودة الكريمة والآمنة والطوعية لبيئاته الأصلية واستعادة ملكياته وأيضاً حقوقه في المحاسبة والكشف عن مصير مفقوديه، والإفراج عن معتقليه، ويدفع من جهة أخرى إلى تعطيل أي مخرج غير متسق مع مصالحه، فضلاً عن الدفع باتجاه عدم خلق دستور دائم أو غير قابل للتعديل في ظل كل الإخفاقات التي رافقت انتاج اللجنة الدستورية والمثالب التي تعتريها.
أما المسار الثالث فيتجه إلى تطوير الملفات القانونية وتعزيزها، من أجل محاسبة كل المتورطين في سفك الدم السوري، والتضييق على مجرمي النظام وملاحقتهم. إن هذه الديناميات يفترض أن تستند إلى أرضية حوار وطني مجتمعي محلياتي عابر لحدود النفوذ والسيطرة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ويفضي إلى توحيد نماذج الإدارة والحكم المحليين، ومواءمة نماذج الأمن والقضاء إلى جانب تكامل رؤى التنمية، وهي فرص تستند إلى تخلخل التوافق الدولي حول اللجنة الدستورية واستبعاد قطاعات سورية مهمة من التمثيل فيها.
إن استدعاء البعد السياسي والاجتماعي الحقوقي إلى جانب البعد القانوني، وذلك من زوايا حركية بحته وليس من منطلقات نخبوية جامدة أو مناظير (دكنجية) مغلقة، أو توقعات قانونية حالمة، سيحيلنا إلى فرص من المشروعية وإيجاد المرجعية البديلة وأوراق القوة وشرعية الإنجاز التي يستطيع أن يستند إليها طرف اللجنة المحسوب على المعارضة (إن أراد) بدرجة يفتقر إليها نظام "أمني محكم" لأي فرصة لحياة سياسية أو حراك مجتمعي، فضلاً عن كونه سيخرجنا من الدوائر الضيقة التي أراد ويريد الروس حصرنا ضمنها تضعف ضمنها قدرتنا على الحركة والمناورة.
سيبدع السوريون فرصهم في كل حين، وسيتمكنون إن أرادوا وبذلوا الوسع من تحويل مأزق اللجنة الدستورية من ملف تنازل واستسلام إلى ورقة قوة وعزم.
المصدر موقع السورية نت: http://bit.ly/2kVF0Po
في تصريحه لصحفية لموقع عربي21 بتاريخ 12 تموز / يوليو 2019، حول المباحثات الجارية لتشكيل اللجنة الدستورية؛ أكد الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية معن طلاع أن الخلاف لا يزال قائما على نسب التوزيع، رغم الليونة الروسية، إلى جانب الاختلافات على الآليات التنفيذية لمخرجات "اللجنة الدستورية".وأن ما يظهر من خلاف ما بين الأطراف الفاعلة في سورية على تسمية أشخاص، يخفي الخلاف الحقيقي على اختصار الحل السياسي على السلة الدستورية وفقاً لمخيال النظام الذي يريدها لجنة توصيات دستورية غير ملزمة. كما أكد طلّاع على أن النظام السوري سيبقى يعمل على في هذا الموضوع على استراتيجية تمرير الوقت ودفع الكرة إلى الأمام، حتى تتضح نتائج المفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا حول مآل منطقة شرق الفرات، وبين روسيا وتركيا حول ملف إدلب، وكذلك الصفقات الروسية والتي على رأسها إعادة الإعمار مقابل السماح للاجئين بالعودة؛
رابط المصدر: https://m.arabi21.com/story/1194088
اعتبر الباحث أيمن الدسوقي من مركز عمران خلال تصريحه لـ «القدس العربي» بتاريخ 16 حزيران 2019، أن سبب تكثيف الضغوط العسكرية على نقاط المراقبة التركية هو لدفعها للانسحاب من مناطق تمركزها، وإظهار أنقرة بمظهر «الضامن الضعيف»، واستغلال ذلك في حال حدوثه لضرب العلاقة بين الجانب التركي وفصائل المعارضة، فضلاً وهو الأهم تقويض الاتفاق الروسي التركي، الذي يلجم النظام عن شن عملية عسكرية واسعة النطاق في إدلب.
في المقابل، تستثمر روسيا الاستهداف المتكرر من قبل قوات النظام لنقاط المراقبة التركية، حسب رأي الدسوقي، من أجل الضغط على أنقرة ودفعها لإعادة النظر بحساباتها فيما يتعلق بالمعارك الدائرة في ريف حماة الشمالي وملف « اللجنة الدستورية»، فضلاً عن محاولة استثمار هذه الاستفزازات لفتح قناة تواصل مباشرة بين الطرفين بحجة ضرورة التنسيق مستقبلاً للحيلولة دون تكرار مثل هكذا حوادث، ويؤشر الرد التركي لعدم خضوع أنقرة للتهديدات والضغوط واستعدادها للتصعيد عسكرياً إن تطلب الموقف ذلك، ومن المحتمل أن يدفع الرد التركي روسيا إلى إعادة ضبط الصراع ليكون بين الفرقاء المحليين، مخافة الانزلاق إلى مواجهات أكبر أطرافها الضامنين.
للمزيد انقر الرابط التالي: http://bit.ly/2XTGKXB
بينما اشتعلت القاعة بالتصفيق والهتاف بحياة رأس النظام؛ صعد بشار الأسد إلى المنبر ليبدأ خطاباً امتد إلى ساعة وعشرين دقيقة لم يقطعها سوى أبيات من الشعر الرديء في مدح القائد على لسان شعراء المجالس المحليّة، فقد اختار الأسد أن ينطلق خطابه من "القاعدة" كما وصفها، أي المجالس المحليّة، في إطار الإيحاء بالإصلاح الإداري والتمثيل لكل المناطق والمكونات الاجتماعية عبر وحداتهم الإدارية، والتي وصل أعضاؤها "بانتخابات" اعتبر الأسد مجرد إجرائها نجاحاً وتحدياً كبيراً "للدولة"، ليرسل من تلك القاعدة عدة رسائل على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، لم تستثنِ حلفاءً وأعداء.
فقد عكس خطاب الأسد موقفه ونظامه من عدة مسارات وملفات مفتوحة تندرج تحت مسمى الحل السياسي ومتطلباته، وبما أن الجمهور الفيزيائي للخطاب هم رؤساء المجالس المحليّة، فقد افتتحه الأسد بالحديث عن ضرورة التحول من المركزية كنظام إداري للدولة إلى اللامركزية التي تتيح للمجالس المحليّة الاضطلاع بمهامها الخدمية التفصيلية وإفساح المجال للمؤسسات المركزية للتخطيط الاستراتيجي، إلا أن الأسد أكد على أن هذا التحول لابد أن يؤطّر بالقانون 107 فقط، والذي صدر وفق منظور النظام للتغيير ودعوى الإصلاح الإداري، ولكن بحسب الأسد فإن الحرب عطّلت تفعيله الذي حان وقته الآن.
ولم يكن التطرق للقانون 107 عبثاً؛ وإنما مثّل رسالة واضحة على حصر الأسد الإصلاح الإداري في سورية بقوانينه والهامش الذي يسمح به نظامه فقط، وأن الإصلاح الإداري على مستوى الدولة سيقتصر فقط على اللامركزية الإدارية التي تفوّض المجالس المحليّة بعض الصلاحيات على المستوى الخدميّ التنمويّ فقط، دون أي مضامين سياسية توسع قاعدة المشاركة الشعبية في سورية. وهو ما أشار إليه صراحة حين رفض مفهوم اللامركزية الموسّعة واعتبارها جزءاً من مؤامرة لتقسيم سورية، في إشارة منه إلى أن التفاوض حول هذا الموضوع مرفوض، وحصر الإصلاح الإداري إما باللامركزية الإدارية الضيقة أو بالشاملة التي تودي للتقسيم، وكأنه لا توجد عدة أنواع وأشكال من اللامركزية بين هذين المفهومين، تلك الكفيلة بتوسيع قاعدة المشاركة السياسية والاقتصادية للمواطنين والحفاظ على وحدة الدولة وصون أمنها المجتمعي.
وفي هذا السياق تُفهم الإشارة الضمنية التي توجه بها الأسد إلى قوات "سورية الديمقراطية" خلال خطابه، حيث كعادته لم يسمّ تلك القوات صراحة من باب "الإهانة وتقليل الشأن"، وبذات الوقت وضع سقفاً للمسار التفاوضي المفتوح بينه وبينها برفضه لمطالبها الرئيسية المتمثّلة باعتراف دمشق بالإدارة الذاتية كحكم محليّ وقواتهم كقوات محليّة تتبع للجيش السوري، ووضعهم أمام خيارين؛ إما العودة دون شروط للوقوف إلى جانب النظام مقابل حماية الجيش السوري لهم من "الغزو العثماني"، أو تركهم يواجهون مصيرهم مع الأتراك، خاصة مع إشارته إلى أن تحالفهم مع الولايات المتحدة مؤقت ولن يحميهم.
وخلال حديثه عن واقع الإدارة المحليّة، تطرق الأسد إلى الأزمة المعيشية وتعالي أصوات مؤيديه بانتقاد أداء حكومته في إدارة تلك الأزمة، والتي أرجعها للحصار والمؤامرة على المستوى الخارجي والفساد على المستوى المحلي، مقسماً مستوى النقد من قبل مؤيديه إلى شريحتين، الأولى: التي أطلق عليها "المتألمين" من الأزمة والتي يحق لها النقد نتيجة الألم، بينما الثانية هم "الاستعراضيون" الذين يبحثون عن التصفيق ويهددون بشق الصف، وذلك في إشارة غير مباشرة إلى الحملات التي قادها بعض الفنانين والإعلاميين المواليين في انتقاد أزمة المحروقات وغيرها، موضحاً أن لهذا النقد سقف محدد. ولعل التصنيف السابق يذكّر بتقسيم الأسد لمعارضيه في الأيام الأولى من الثورة السورية، بين أصحاب مطالب محقة وبين من يحاول استغلال تلك المطالب لتنفيذ أجندات خارجية، وهذا ما يشير إلى أن عقليّة النظام فيما يخص الإصلاح السياسي والحريات لم تتطور قيد أنملة، فإذا كان النظام لم يحتمل نقد بعض الأصوات التي ساندته لثمانية أعوام، فكيف لتلك العقليّة أن تتعاطى مع معارضين لها أو مع عودة لاجئين يطغى الموقف المعارض على أغلبهم.
بالمقابل كان لإعادة الإعمار نصيب من خطاب الأسد، حيث عرّج على العمليّة معتبراً أن الدولة بدأت بها منذ بداية "الحرب"، بوصفها عملية إعادة الماء والكهرباء والاتصالات وتهيئة الحد الأدنى من البنية التحتية الكفيلة بإعادة الحياة، معلناً أنه وبهذا الإطار لعملية إعادة الإعمار فإن الدولة قادرة على الاضطلاع بها. ومن المؤكد أن تأطير الأسد واختزاله لعملية إعادة الإعمار بتلك الصورة لا ينم أبداً عن سذاجة في فهمها كعملية أعقد من مجرد إعادة الكهرباء والماء إلى منطقة ما أخضعت عسكرياً، وإنما رسالة واضحة برفضه ونظامه المقايضة وإخضاع تلك العملية للمساومات السياسية وربطها بتنازلات ضمن الحل السياسي، والأهم من ذلك أن كلام الأسد يحمل تأكيداً ضمنياً بكونه غير معنيّ بإعادة إعمار كل المناطق المدمرة، كما يعتقد البعض، أو أنها قد تشكل مدخلاً مهماً للضغط عليه، وبالتالي فإن تلك المناطق قد تبقى لسنوات طويلة على حالها.
ذات الرسالة والمحتوى أوصلهما الأسد خلال حديثه عن ملف عودة اللاجئين، معتبراً أن الحكومة تهيئ كل الظروف لتلك العودة وترحب بمواطنيها وأن "ما يشاع عن التضييق على تلك العودة محض إشاعات على وسائل التواصل الاجتماعي"، وأن الدول المستضيفة هي من تعطّل العودة في إطار الابتزاز السياسي والمادي، وأن "الدولة" لن تخضع لهذا الابتزاز، وهذا ما يشير أيضاً إلى أن النظام غير معنيّ أساساً بعودة اللاجئين، وإنما يراهن على حصر تلك العودة في خيارين؛ إما العودة "الطوعية" لمن يرغب، أو تحول كتل اللاجئين إلى إشكاليات ضاغطة في بعض الدول وتصاعدها بمختلف الاتجاهات بشكل يدفع الدول المستضيفة إلى العودة للتفاوض معه. إذ لا يبدو ملفا إعادة الإعمار وعودة اللاجئين أولوية بالنسبة للنظام، كما تمثلهما بالنسبة لروسيا الساعية للتفاوض عليهما لأهداف تتناسب ونفوذها ومستقبلها في سورية وحصد النتائج السياسية للتقدم العسكري على الأرض، سواء على مستوى إعادة بناء الجيش أو كسر العزلة الإقليمية والدولية عن سورية وجلب استثمارات وإطلاق إعادة الإعمار، أو فيما يتعلق بعبء الوجود الإيراني وما يفرضه على موسكو من أداء والتزامات مع بعض الدول الفاعلة والمنخرطة في الملف السوري.
أما بالنسبة للمسارات الدولية المرتبطة بالحل السياسي، فقد أشار الأسد في خطابه باستهزاء إلى "جنيف" واعتبره غير ذي فائدة ولم يأتِ بأي نتيجة، في حين أشاد بمساريّ "أستانا" و"سوتشي"، معتبراً أنهما "أديا فائدة واحدة، وهي كشف أقنعة العملاء من المعارضة" وضبط مطالب مشغليهم، في إشارة إلى عدم الاعتراف بالطرف الثاني من التفاوض بعد ثماني سنوات، وأن العملية التفاوضية إن تمت فستكون مع "مشغلي المعارضة" من الدول وليس معهم، وهي ذات العبارات التي يرددها رئيس وفده الجعفري في كل جولة تفاوضية.
ولعل كلام الأسد ليس بجديد في هذا الإطار؛ إلا أنه يعتبر شهادة إضافية بكارثية مسار "أستانا" على المعارضة، وتأكيده على الاستمرار بنسف أي جهد تفاوضي وأي نتائج تم التوصل إليها أو سيتم التوصل إليها، وعلى رأسها اتفاق الهدنة في منطقة "خفض التصعيد" الرابعة والتي تتعرض لانتهاكات يومية من قبل النظام عبر القصف، كان آخرها مجزرة (خان شيخون) التي نفذتها طائرات النظام أثناء خطاب الأسد، وهنا يظهر سؤال واضح حول جدوى العملية التفاوضية مع النظام وهدفها؟ ليبقى الجواب برسم المعارضة السياسية.
عكست جزئيّة الخطاب الخاصة بالعمليّة السياسيّة وجهة نظر النظام بشكلٍ علنيّ من العمليات التفاوضية، بكونها مجرد مضيعة للوقت، وبخاصة اللجنة الدستورية، والتي اعتبرها لا تمثل السوريين بعد عام على التفاوض بين عدة دول وأطراف مختلفة على إعداد قوائم أسمائها، حيث قسّم الأسد أعضاء اللجنة الدستورية إلى فئتين، الأولى: وتُعبر عن وجهة نظر الحكومة، ولكنها ليست حكومية، أي أنها لا تمثل الحكومة رسمياً، وهذه إشارة خطيرة لكون مخرجاتها المتوقعة غير مُلزمة للنظام، أما الفئة الثانية: وتعبّر عن "وجهة نظر تركيا ومجموعة عملاء سوريين"، حيث اختصر الأسد الفئتين بعبارة: (طرف وطني وطرف عميل)، وهو بذلك لا يعترف باللجنة الدستورية أساساً ولا بأي مُخرج لها، اللجنة التي لا تزال بعض قوى المعارضة تعوّل على جدواها، ومنهم من يعتبرها مدخلاً للحل السياسي. ولا تبدو رؤية الأسد للعملية التفاوضية ومسارتها مختلفة عن ذي قبل، وإنما ذات الدبلوماسية القائمة على الإغراق بالتفاصيل وكسب الوقت واستثمار تلك المسارات كأدوات للتعويم وكسر بعض العزلة الإقليمية والدولية وإعادة فتح قنوات التنسيق مع بعض القوى، دون تقديم أي تنازل، وبالتالي إفراغها من أي مضمون حقيقي وحرفها عن غاياتها الرئيسية.
وقد أكد الأسد في أكثر من موضع من خطابه على رفض تشكيل لجنة لصياغة دستور من الخارج وأن "الدستور خط أحمر لا يمكن أن تتم صياغته وفرضه من الخارج عن طريق عملاء من السوريين"، واللافت في هذا الإطار إشارة الأسد إلى أن دور الحلفاء والأصدقاء في هذا المسار، إنما "يقتصر على النصيحة فقط"، فيما بدا تلميحاً إلى عدم قدرة إيران وروسيا على الضغط عليه لقبول أي مخرجات ضمن الأطر التفاوضية، ولعل ذلك ما يعززه الهجوم اللاذع وغير المسبوق على شخص أردوغان والدور التركي الذي يمثل ضلع أساسي من مثلث أستانة واللجنة الدستورية، ومهاجمته مشروع تركيا "للمنطقة الآمنة"، في الوقت الذي تصرح فيه أنقرة عن تنسيق استخباراتي بينها وبين النظام ويسعى الروس لإعادة تفعيل اتفاق "أضنة" الأمني بين الطرفين، بل ويعترفون بالوجود التركي "كوجود شرعي وبمطالب تركيا الشرعية"، وهو ما أكد عليه المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، بعد يوم واحد من خطاب الأسد. ولعل تصعيد اللهجة ضد تركيا بهذا الوقت لا يمكن فصله أيضاً عن سياق عودة العلاقات بين النظام وبعض الدول الخليجية التي تنخرط في المحور المعادي لتركيا (مصر، الإمارات) وانسجام النبرة ضد تركيا مع خطاب هذا المحور، كما أن هذا التصعيد في اللهجة يشير بشكل أو بآخر إلى احتمالية تعطيل التوافقات بخصوص منطقة "خفض التصعيد" الرابعة، وبالتالي ينذر بمستقبل غامض لها.
وعلى الرغم مما حمله الخطاب من رسائل للداخل بأن الحرب لم تنتهي وأن نهاية العسكرة لا تعني نهاية الأزمة، في سياق محاولات احتواء الأزمات المحتملة وخفض سقف التوقعات لحاضنته، خاصة التوقعات الاقتصادية، وحرف الأسئلة حولها باتجاه المجالس المحليّة وتحميلها مسؤولية الإجابة ووضعها في الواجهة؛ إلا أن الخطاب حمل بشكل رئيسي رسائل النظام للقوى العربية والإقليمية والدولية المنخرطة في الملف السوري، بأن؛ "الحل الوحيد في سورية هو التفاوض معه بشكل مباشر ووفق شروطه"، ويبدو أن مفاعيل هذا الخطاب بدأت تظهر على دول الجوار عبر زيارة وزير الدولة لشؤون النازحين السوريين إلى دمشق للتفاوض حول عودة اللاجئين السورين من لبنان، بعيداً عن الأمم المتحدة وما تفرضه من شروط للعودة الآمنة.
ولا يبدو خطاب الأسد جديداً أو غريباً عن شخصية النظام التي عبّر عنها منذ أول خطاب أمام مجلس الشعب إثر اندلاع الثورة السورية، فخطاب الأسد دائماً ينفخ في بوق العود على ذي بدء؛ باعثاً رسائل واضحة لكل من يراهن على إمكانية إصلاح هذا النظام أو وجود حل سياسي معهُ أو إمكانية الاعتماد على ضامنين لهُ قد يلزموه بالقرارات الدولية أو نتائج العملية التفاوضية، وبالتالي غير مستعد لتقديم أي تنازلات، سواء على مستوى العملية التفاوضية أو مستوى الحل السياسي عموماً وما يرتبط به من ملفات إعادة الإعمار وعودة اللاجئين، وإنما لابد أن تتم بدون شروط مسبقة ومن مدخل النظام، الذي حدده بالمصالحات.
يعي بشار الأسد أن ترجمة الرسائل التي حملها خطابه إلى واقع أصعب بكثير من حصرها كشعارات وخطابات، وأن مفهوم السيادة الذي ما انفك يردده تم تقويضه لصالح عدة أطراف تتشارك مساحة القرار من المستوى المحلي إلى الدولي، ولكن بنفس الوقت فإن الأسد يدرك أن مجالات هذا الخطاب متاحة طالما ليس هناك أي رادع، خاصة وسط ظرف إقليمي ودولي يتيح له العديد من الهوامش، بدءاً من اضطراب الموقف الأمريكي إلى تهافت بعض دول المنطقة للانفتاح عليه مروراً بالتطمينات الإسرائيلية وصولاً إلى الهامش بين الروس والإيرانيين والذي لايزال يقفز بينهما، مقابل وجود معارضة سياسية ضعيفة، وهذا ما يفرض إعادة التفكير بعدة أسئلة حقيقية حول مدى قدرة الروس على فرض القرارات على النظام في ظل وجود الهامش الإيراني، وعن جدوى استمرار العملية التفاوضية وسط كل تلك الظروف، والأهم عن بدائل هذا المسار في حال استمر بسياقه دون أن يطرأ أي متغير خارجي.