الدراسات

المسارات

الملفات

الباحثون

التصنيف

تاريخ النشر

-

في حديثه لعنب بلدي، قال الباحث في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، بدر ملا رشيد، إن فرض قانون الدفاع الذاتي في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” يعود إلى منتصف العام 2014، ومنذ ذلك الحين قامت “الإدارة الذاتية” بإتمام ما يقارب 40 دورة من دورات التدريب العسكري للمجندين الإلزاميين في محافظة الحسكة، واختلفت في نسبها في عفرين وعين العرب (كوباني).

وأضاف أن القانون الأخير لا يُعتبر قانونًا جديدًا، بل تم إحداث تعديلات على القانون القديم، كان أهمها ما تم تحديثه فيما يخص التفرقة بين المواليد وفق المناطق، فبقيت المواليد المطلوبة على حالها في المدن الكُردية والشمالية، وهي مواليد 1986، بينما تم تحديدها في مناطق دير الزور والرقة بمواليد 1990 وما يتبعه.

وأشار ملا رشيد إلى أن التعديلات أدت إلى حدوث اعتراض كبير من قبل الفئة الشبابية في المدن الشمالية رفضًا للتمييز الحاصل، وانتشرت هاشتاغات متعددة تطالب بإلغاء هذا البند وتوحيد المواليد منها “نعم لتوحيد مواليد الدفاع الذاتي،  لا للتفرقة،  لا للتمييز ، لا للمناطقية،  نعم للعدل، نعم للمساواة، الإدارة الذاتية للجميع”.
 
وبحسب ما صرح به الباحث، فإنه ووفقًا للأعمار المحددة فإن “قسد” تحاول التخفيف من الاحتقان الحاصل في المناطق العربية، نتيجة سحب الشباب للدفاع الذاتي، كما يمكن اعتباره عاملًا لإمكانية فتح الباب مستقبلًا لعودة النازحين من هذه المناطق، سواءً إلى داخل سورية أو إلى الدول المجاورة.

للمزيد انقر رابط المصدر: http://bit.ly/2LJlFw3

الأربعاء, 26 حزيران/يونيو 2019 17:56

الساروتية كثقافة ثورية شعبية

في منظور مختلف عن تعظيم مصاب السوريين في فقد أيقونة ثورية شعبية كعبد الباسط الساروت، يمكن الحديث عن رؤية تصب في اتجاهين أساسيين، الأول يركز على التحذير من إشكالية الاستمرار في الحديث عن فرادة مثال الشهيد الساروت وبالتالي منح النظام انتصاراً معنوياً أو التسبب ضمناً بهزيمة معنوية لجمهور الثورة، التي استطاع النظام قتل نموذجها الفريد، أما الاتجاه الثاني فينطلق من المحذور الأول إلى اعتبار عبد الباسط نموذج أو "بارادايم" لقيم الثورة أو بعضها جسدها الشهيد ومثلت انبثاقاً موضوعياً لخصوصية وهوية الحراك الثوري السوري، قيم لن تموت باستشهاده، فضلاً عن استمرار المئات من الثوار بتبنيها ضمنا ومحال أن ينتهي الليمون أو الزيتون أو الياسمين، ولعل هذا التجريد لهذه القيم والسمات والممارسات  وتحويلها إلى ثقافة شعبية ثورية حية،  سيقود إلى  اكتشاف المئات من حبات الليمون أو الزيتون أو زهرات الياسمين يحملون هذه الثقافة ويتمثلون هذه القيم.

الساروتية هنا عنوان لمنظومة قيم وممارسات جسدها الساروت كما قلنا بقوله وفعله فنسبت إليه وستنسب إلى غيره ممن سيحملها ويجسدها، ولن تعقم أرحام الحرائر عن تكرار أمثاله ومثال عبد القادر وأبو فرات وغيرهم والقائمة تطول، يمكن أن نورد هنا بعض مفردات هذه الثقافة ونفتح الباب للمتابعين لإبراز المزيد.

الهوية الوطنية وما فوقها وما تحتها

إحالة أبناء الرقعة الجغرافية الممتدة بين النهر والبحر وبين الجبل والصحراء إلى هوية وطنية ترسمها الحدود السياسية، لا يكون ذي بال إذا لم تحكمه قيم جامعة تسكب في إثباتها الدماء، تنطلق ابتداءاً من الإنسان وجوده ومستقبله، كرامته وعدالته، الساروت البدوي المهجر قسرياً من الجولان المحتل إلى قلب سورية حمص المحافظة الثالثة أهمية ومحورية وعقدة اتصال، يعبر بشخصه ثم بوعيه السياسي الوطني  وتلقائيته إلى قلوب السوريين الأحرار، محيلاً كل الهويات المتوهمة إلى هوية جامعة هي فوق الوطن وفوق الدولة هي الإنسان وجوداً وكرامة وعدالة.

 الثورة في الساروتية ليست ثورة فقراء على أغنياء وقد أتت إلى الساروت وغيره كل فرص الغنى والظهور فأغنى نفسه بالناس وللناس، وليست ثورة مكون على مكون وقد غنّى هو ومن معه من السوريون لحرية وكرامة كل السوريين، وفي ذات الوقت فإن الثورة في الساروتية هي ابنة الواقع  وتتفاعل مع تباينات المجتمع والسياسة على حد سواء وليست معطى سياسي نخبوي فوقي.

الواقعية في مقابل الطائفية السياسية

على المنصات وقف هاتفاً مع الحرة المرحومة فدوى سليمان بنت الطائفة العلوية، هاتفاً للحرية والكرامة والوطن الواحد بالتزامن  مع انخراط زهرات سورية في الحراك كباسل شحادة ومشعل التمو وغيرهم الكثير في نسف موجع لسردية حامي الأقليات، وهو نفسه أي عبد الباسط الذي يكرر في عدة مناسبات طروحات توحيد الاستقطاب على بوصلة الكرامة والحرية استقطاب إيجابي وطني لكل الطوائف والمكونات في مواجهة توظيف السلطة للمسألة الطائفية في صراعها الدامي مع الثورة، في الوقت عينه الذي لا يتماهى فيه مع المزاودات الوطنية التي تنفي المحرقة الممنهجة والمقصودة بحق المكون الأكبر من السوريين وهم العرب السنة، بوصفها عملية تجريف حضاري لوجود هذا المكون تاريخاً وإنساناً وثقافة وعمراناً، هو جلي في أحد أهازيج الساروت لا يتنافى مع الثورة ولا مع وطن الجميع ويحمل إشارة إلى الخطر الذي يتهدد الكل بتهديد وجود الجزء، هو طرح وطني أصيل في مواجهة سردية طائفية سياسية مبطنة يحمل في شكله ومضمونه انضباطاً يحيل الثائرين إلى ناظم شعوري متين .

الانضباط الثوري

للثورة السورية هوية واضحة في شكلها ومظاهرها انعكست على مضمونها وجوهرها وخصوصيتها. السوريون انطلقوا من العراضة الشامية مثلاً والدبكات التي كانت تعقد في أفراح الأرياف وبعض المدن وكلها مظاهر يحكمها انضباط معين من "الوصّيف" إلى ضابط الإيقاع. انطلقوا من ذلك كله إلى صياغة نمط هجين تمازج فيه الهتاف والدبكة وأُبدعت فيه أشكال جديدة مثل عروض تسونامي الثورة والقسم الثوري الجماهيري والمظاهرات الطيارة شديدة الانضباط، مظاهر شهدناها كثيراً وعلى الدوام في مظاهرات حمص وشقيقاتها الملتهبة وانتقلت ثقافتها إلى بقية المدن الثائرة، قيمة الانضباط ووحدة الهتاف والتركيز على الهدف دون حرف البوصلة إلى معارك جانبية مع المقصرين بحق الثورة وتضحياتها هي قيم وممارسات ساروتية جسدها عبد الباسط أيضاً، فالمجاميع المنضبطة بشكل التظاهر ورسائله وصوته تحمل  في مظهرها هذا رسالة سياسية واعدة بأن الذين وسُموا يوماً بأن جباههم لا تعرف السجود جديرون بتمثيل البديل السياسي أو على الأقل رسم محدداته، الرسالة التي هي جزء من قصة وسردية الحراك التي لم يبدلها أو يغيرها الساروت.

سردية لم تتبدل

التراجع الذي حكم واقع ثورة ملئت الدنيا وشغلت الناس تسبب بالجزء الأكبر منه تبدل السردية أو قصة قيامة السوريين، حيث انحرفت البوصلة وفق أجندات طارئة غطت على ثبات سردية عبد الباسط والمئات وربما الآلاف من أمثاله، الذين غيبتهم السجون أو علقوا على المشانق أو جلسوا جانباً ينتظرون لحظة العودة إلى نسق الثورة الأول، في الوقت الذي تعززت فيه سرديات بديلة أكدت سردية النظام بأن الثورة عبارة عن خروج لشراذم مرتهنة من الإرهابيين والقتلة العابرين للحدود في مواجهة الدولة الشرعية وحتى المنظومة الدولية المشرعنة لها، مما استدعى تكالب العالم ظاهراً وباطناً على الثورة بجريرة من أصروا أن يضعوا الثورة في موقع العداء له. بالتزامن مع ذلك ظل الساروت يهتف للحرية والعدالة والكرامة ولوطن يعيش هذه القيم حتى الرمق الأخير وعبر على ظهور أولئك الأدعياء ليفتح ثغراً في حصار شعبه وليخرج إلى حيث يتبرأ من السرديات الطارئة بل ومن الارتهان للداعم والصديق، عمل ورفاقه بقطف زيتون بلاده واستعان بما تيسر من رزق في تثبيت السيرة (السردية) وإكمال المسيرة، صنع الساروت هنا السياسة الثورية وصنع أدواتها أيضاً.

واقعية الأدوات أو السياسة الثورية


حين  التحول إلى العسكرة  لم يكن أحد من المراقبين عن بعد ليتوقع أن تظاهرات حمص الرائعة ستتحول تدريجياً إلى قصة خالدة للكفاح المسلح في وجه طغمة مجرمة، تحديداً لم يكن أحد ليتوقع أن ينحاز عبد الباسط إلى السلاح بالكلية، في البدء حمل رفاقه والمنشقون السلاح لحمايته وحماية بقية المظاهرات، ثم لم يلبث أن امتشق بندقيته دفاعاً عن لحن الحرية الذي عزفه والآلاف من السوريين، ثم قرر الأسد أن يدخل الحرب التي أعلنها هو من طرف واحد، يستفز مؤيديه بصوته ويجلب عليهم بعدته وعتاده ويشاركهم بأموالهم وأولادهم دون مقابل منه.
كان قرار الناس أو معظمهم أن يدافعوا عن أنفسهم وكان قرار عبد الباسط وأمثاله أن يتنحوا عن المنصة ويكونوا مع الناس، يرّشدوا بندقيتهم ويشقوا معهم طريقهم يتظاهرون معهم في اسطنبول والريحانية وإدلب وحماه وحلب، ثم يدافعون أخيراً عن آخر قلاع الثورة على أرض حماه وإدلب، وعلى طول الطريق لا يكون ثمة انحناء أو ركون أو ارتهان لصديق أو حليف ولا قطيعة ولا مجافاة أو مناكفة لجار أو كبير، بهذا المعنى انتخب الناس الساروت ورفاقه دون انتخابات فكانوا نخبة الثورة وطليعتها.


النخبة الشعبية الثورية


لعل تجريد قيم الساروت واستخلاصها من قصة ثورته واستشهاده والبحث عنها في إرادة وتصميم آلاف الثوار على جبهات العز وأيضاً في الجيل الجديد -الذي نمى وعيه خلال السنوات الثمانية الماضية على حديث الثورة والسياسة مهما شاب هذا الحديث من شوائب - سيحيل المشهد المستلب لصالح قوى دولية وإقليمية أو أجندات غير وطنية أو عابرة للحدود، إلى مشهد جديد، عنوانه صناعة نخبة ثورية شعبية تتبنى هذه القيم وتحمل هذه الثقافة وتحذو هذا الحذو، بعدما عجزت النخب التقليدية عن تصدير قيادات مجتمعية وسياسية وخلق حالة رمزية يلتف حولها السوريون. الآلاف الذين جمعهم استشهاد الساروت وقبل ذلك بطولاته ورفاقه على جبهات حماه وإدلب واللاذقية وما يجري حتى اللحظة من ملاحم بطولية ذوداً عن آخر قلاع الثورة، أكاد أجزم أنهم بتبنيهم لقيم الوطن الحر والثورة النظيفة التي ظهرت في عبد الباسط ومن سبقه ومن ينتظر، قادرون على صنع منظومة قيادية سياسية ومجتمعية تمضي مع الناس وبالناس إلى النصر يلتفون حولها ويرفدونها ولا تنتهي بموت أو شهادة.


 

رابط المصدر، موقع السورية نت: http://bit.ly/3026IsP

 

 

 

التصنيف مقالات الرأي

المقدمة

لا تزال الأسئلة المتعلقة بقطاعي الأمن والدفاع في سورية من أكثر الأسئلة أهمية، وازدادت أهميتها بعد الحراك الثوري، لأن غايات الإصلاح كانت مطلباً رئيسياً في هذا الحراك، كما أنها شهدت وما تزال تحولات عميقة أثرت على بنيتها ووظيفتها، فمن جهة أولى ما تزال معظم هذه الأسئلة دون إجابات معرفية كافية، بحكم أن عملية البحث في هذا المضمار هي عملية "مناهضة للأمن والدفاع" وفق أعراف الأجهزة الأمنية، ومن جهة ثانية فإن مكامن الخلل التي تستوجب تسليط الضوء عليها كثيرة  وقديمة، وقد تراكم فوقها العديد من السياسات والممارسات التي حولت الخلل إلى معضلة صعبة الحل، ومن جهة ثالثة فإن واقع المؤسسة العسكرية الراهن يفرض أسئلة تتعلق بطبيعة وجود هذه المؤسسة ومآلها، خاصة في ظل ما تشهده من تحولات وتبدلات عميقة في تكوينها الاجتماعي ومراكز القوة  والفاعلين الرئيسيين فيها. تبرز الضرورة البحثية لإعادة تعريف هذه المؤسسة في ضوء ما أحدثته تلك التحولات، وبيان أثرها على عملية إعادة التشكل الآخذة بالتبلور، تلك العملية التي تخضع لعدة بوصلات متضاربة ويغيب عنها البعد الوطني.

سيبقى تساؤل حول دور الجيش وأثره في التفاعلات والتحولات المحلية وعلى حركية التحول الديمقراطي سؤالاً مركزياً يواجه عملية إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية السورية، فالخلل البنائي والوظيفي والتشوه الهوياتي الذي اعترى هذه المؤسسة دفعها باستمرار للتدخل في الحياة الاجتماعية والسياسية وفق منطوقٍ يخدُم ويُغذّي فلسفة الفئة الحاكمة. فالعبث العقائدي والتنظيمي والوظيفي بمؤسسات الأمن والدفاع حوَّلها لمؤسسة شديدة الاغتراب عن المجتمع السوري، وفاقدة لمفهوم الحياد السياسي، وقوة مصطفة سياسياً لصالح النظام. والتحدي الأبرز أمام هذه العملية ليس فقط ما هو مرتبط تقنياً ببرامج SSR, DDR وإنما ما هو أيضاً متسق مع الظرف السوري كحزبوية الجيش وعقيدته، وانعدام الأطر المقوننة للعلاقات المدنية العسكرية.

واستكمالاً لمخرجات المشروع البحثي الذي أطلقه مركز عمران للدراسات الاستراتيجية عام 2018 حول تحولات المؤسسة العسكرية السورية وتحدي التغيير وإعادة التشكل، يواصل المركز اهتماماته البحثية في هذا المجال في عام 2019،  مركِّزاً على أسئلة الواقع الراهن وما تستوجبه من تفكيك عدة إشكاليات بحثية، تتعلق بالبُنية التنظمية وطبيعة التشكل الشبكي الذي تشهده هذه البنية، وقد أطلق المركز مشروعه البحثي الثاني في هذا المضمار حول "المؤسسة العسكرية السورية في عام 2019: طائفية وميليشاوية واستثمارات أجنبية"، وأنجز جملة من المخرجات البحثية والتي نجمعها في هذا الكتيب كما هو مبين أدناه:

  1. دراسة ضمن محور التكوين الاجتماعي للجيش: ما الذي تفصح عنه الطائفية في الجيش السوري؟
  2. التجمعات والشبكات العسكرية داخل الجيش السوري: ولاءات متعددة وفكر ميليشياوي (ورقة).
  3. دور ومصير القوى والميليشيات الفلسطينية الموالية للنظام السوري (ورقة).
  4. الفيالق العسكرية المستحدثة في الجيش (تقرير).
  5. اختبار قدرة النظام على إعادة الهيكلة والدمج (ورقة).
  6. تحديات إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية غير التقنية والفنية(ورقة).
  7. القضاء العسكري في سورية خلال الفترة 1950-2019، (تقرير).

واعتمدت هذه المخرجات البحثية على خمسة جلسات تركيز عُقدت مع مجموعة من الضباط المنشقِّين من مختلف الاختصاصات في عدة مدن جنوب تركيا لمناقشة محورين رئيسين، الأول: ماذا بقي من الجيش؟ والثاني: التطييف وآلياته في الجيش. كما تم إجراء عشرات المقابلات الشخصية مع عدة ضباط منشقِّين.

 

للمزيد عن الكتاب:

النسخة العربية: http://bit.ly/2LvSWum

النسخة الإنكليزية: http://bit.ly/2XiPeGZ

 

التصنيف الكتب

مُلخّصٌ تنفيذيّ

تتناول هذه الدراسة المسألة الدستورية في سورية من عدة زوايا، أولها: التركيز على أهمية عملية الصياغة الدستورية بحد ذاتها، وذلك بالتأكيد على العناصر الضرورية لشرعنة المنتج النهائي (الدستور). أما القسم الثاني: فيناقش القضايا الخلافية التي ستواجه القائمين على عملية الصياغة، ومن أهمها قضية الهوية، ومساحة الحقوق والحريات، واللامركزية، وشكل النظام السياسي، ويقدم القسم الثالث: خلاصات وتوصيات للمختصين وصانعي القرار.

أولاً: يستعرض القسم الأول أهمية عملية الصياغة الدستورية كمصدر أساسي لشرعية الوثيقة الدستورية، ويوصي بضرورة الاستفادة من التجربة الإنسانية. يتناول هذا القسم بعض التجارب الفاشلة في عملية الصياغة (حالتي العراق ومصر)، وتجربتين ناجحتين (جنوب أفريقيا وتونس)، ويستخلص العناصر المطلوبة لعملية صياغة سليمة.

ثانياً: يستعرض هذا القسم أهم الإشكاليات التي تعاني منها سورية اليوم، وهي: قضية الهوية، وعلاقة الدين بالدولة، وموضوع الحقوق والحريات الأساسية، بما فيها مشاركة المرأة بشكل حقيقي وفعال، وكيفية طمأنة المكونات العرقية والدينية والطائفية، وموضوع اللامركزية، وأخيراً التوافق على تركيبة النظام السياسي. يتم مناقشة هذه القضايا ضمن سياق التجارب الدستورية السورية السابقة، وتجارب بعض الدول العربية المشابهة لها.

ثالثاً: يقدم القسم الثالث مجموعة من الخلاصات والتوصيات بناء على التحليل في القسمين السابقين، أهمها:

  1. فيما يتعلق بعملية الصياغة الدستورية، تخلص الورقة إلى أهمية أن تستند هذه العملية إلى مجموعة من المبادئ الجوهرية، ومنها: الشفافية، والتشاركية، وتغليب روح التوافق والإجماع، والعهدة الوطنية (أن تكون عملية بأيدٍ سورية ومن أجل سورية).
  2. أما الخلاصة والتوصيات بالنسبة للقضايا الخلافية، فتشير التجربة التاريخية والتجارب المماثلة أن التوصل إلى حلول وسطية لقضية الهوية ودور الدين، تقوم على احترام رأي الأغلبية، من دون القفز على حقوق الأقليات، وذلك بتغليب روح التوافق القائم على طمأنة الأغلبية للأقليات. وتوصي الورقة بإعطاء أكبر هامش للحقوق والحريات، مع اعتماد المرجعيات الحقوقية الدولية، وتوسيع تجربة الحكم المحلي التي شهدتها البلاد، بعيد فقْدِ النظام السيطرة على مساحات هامة من البلاد. وأخيراً، توصي الورقة باعتماد النظام السياسي شبه الرئاسي (أو المختلط كما يُسمى أحياناً)، الذي يحتفظ بأهم مزايا النظام البرلماني، ويقسم السلطة التنفيذية بين رئيس منتخب لفترة محددة، ورئيس وزراء تختاره الأغلبية الحزبية في البرلمان، ويكون مسؤولاً أمامها.

وختاماً، فإن السياق المنطقي لصياغة دستور جديد لسورية يجب أن يبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالي، تشرف على عملية انتخاب جمعية تأسيسية، تقوم بعملية صياغة الدستور، وتدير حواراً مجتمعياً حولها، وذلك في إطار حل سياسي على أساس وثيقة جنيف لعام 2012 وقرار مجلس الأمن رقم 2254، وتترافق مع مصالحة وطنية، وعدالة انتقالية، وإعادة تشكيل للقطاع الأمني.

مقدمة

تشكل مسألة صياغة دستور جديد لسورية المستقبل أحد أهم عناصر الحل السياسي للقضية السورية. ومع أن هذه القضية مدرجة على كافة المستويات، إلا أنها لم تحظ بنقاش واف يتناسب مع أهميتها. ستناقش هذه الورقة أهم أبعاد المسألة الدستورية، وهي: أهمية عملية الصياغة الدستورية وجديتها، ثم تناقش القضايا الخلافية المتوقعة، ومنها مسألة الهوية وشكل النظام السياسي، وأخيراً تخلص إلى بعض التوصيات التي يُؤمل أن تكون مفيدة للمختصين وصانعي القرار حول عملية صياغة الدستور المطلوب.

بداية، فإن الدستور هو القانون الأساسي الذي يحدد شكل النظام السياسي ويحكم سلوك الدولة، على أساس المبادئ المترسخة التي توافق عليها المجتمع من خلال عقد اجتماعي بين مختلف المكونات المجتمعية، وآخر سياسي بين الدولة والمجتمع. وعلى الرغم من اختلاف الدساتير، فإن أغلبها يشتمل على وصفٍ لهيكلة النظام السياسي، وتنظيم علاقة السلطات ببعضها، والقيود المفروضة على وظائف الإدارات الحكومية المختلفة، وذلك من خلال تحديد مدى وطريقة ممارسة سلطاتها السيادية. وتعكس الدساتير الحديثة حدود وممارسات السلطة السياسية من خلال شمولها على آليات مؤسساتية لحماية مصالح وحريات وحقوق المواطنين، بما في ذلك الأقليات.

أهمية العملية الدستورية

تعتبر التجربة الإنسانية في الصياغة الدستورية غنية في تقديم نماذج ناجحة في تحقيق أهدافها، بينما تشير تجارب أخرى إلى فشل كبير أدى إلى تكرار التجربة مراراً قبل الوصول إلى صيغ مقبولة من قِبل القوى السياسية والمجتمعية المشكِّلة لهذه الدول. ولعله من المفيد هنا الإشارة إلى بعض الحالات الاستثنائية التي دفعت القادة المسؤولين عن بناء الدولة إلى تأجيل الخوض في القضايا الخلافية للعملية الدستورية حتى أجل غير مسمى، هذا هو حال التجربة الإسرائيلية التي قرر سياسيوها، بعيد الإعلان عن قيام “كيانهم/دولتهم”، عن تأجيل كتابة دستور لمعرفتهم أن الخوض في مسائل مثل تعريف من هو اليهودي، ومناقشة الخلاف الموجود بين اليهود المتدينين والعلمانيين قد يفجر صراعاً، شعر القادة في ذلك الوقت أن الدولة الناشئة بغنى عنه، وانتهى الأمر بعدم اعتماد دستور مكتوب. وبالطبع، فإن المملكة المتحدة التي تعدُّ أعرق دولة مترسخة في تقاليدها البرلمانية ليس فيها دستور مكتوب، بل مجموعة من الوثائق والأعراف والتقاليد والقوانين والسوابق التي تقوم مقام الدستور بشكله الرسمي.

الدرس الآخر الهام في عملية الصياغة الدستورية هو مدى جدية القوى السياسية الفاعلة في التوصل إلى حالة دستورية حقيقية، تلخص المبادئ والأسس المتفق عليها بين المكونات المجتمعية، وترسي دعائم دولة القانون، وتفصّل دور المؤسسات، وتحدد حقوق وواجبات المواطنة. للتدليل على هذه النقطة من المهم الإشارة إلى أن أغلب الدول الاستبدادية فيها دساتير تحتوي على كافة المتطلبات الأساسية لوثيقة يمكن أن تشكّل نواة لحالة دستورية حقيقية، بيد أن الممارسة العملية بعيدة كل البعد عن ذلك. يلخص ناثان براون في كتابه، الدساتير في عالم غير دستوري، الدوافع الحقيقة لتبني دساتير في المنطقة العربية قبل الربيع العربي، بقوله: "إن الهدف الحقيقي هو دعم مكانة السلطة السياسية في الدولة العربية، وليس إيجاد حالة دستورية أساسها دولة القانون". ويفصّل براون في الأهداف الثلاثة للعملية الدستورية في المنطقة العربية، وهي: 1) استخدام الصياغة الدستورية كرمز لسيادة الدول الناشئة، خاصة في مرحلة ما بعد الاستقلال، 2) الهدف الثاني للعملية الدستورية هو تحديد التوجه الأيديولوجي للنظام السياسي، ولعل دساتير المرحلة البعثية في سورية مثال على ذلك، 3) أما الهدف الثالث فهو توضيح شكل النظام السياسي وكيفية انتقال السلطة.([1]) ومع ذلك، فقد ساهمت عملية صياغة دساتير في المنطقة العربية في التذكير بأهمية الحالة الدستورية، أي قيام الحكم على أساس من الشرعية قوامها حكم القانون، خاصة فيما يتعلق بتضمين الدساتير العربية على حقوق أساسية للمواطنين، في مقابل السلطة التنفيذية المتغوِّلة. لكن النخب السياسية في الدول العربية، بشكليها الجمهوري والملكي، استطاعت إفراغ هذه النصوص من محتواها باللجوء إلى عدة استراتيجيات، ومنها:

  1. تعليق العمل بالدستور: لقد لجأت بعض الأنظمة السياسية في المنطقة العربية إلى هذا الأسلوب، وذلك من خلال فرض حالة الطوارئ، باسم مجابهة عدو خارجي، أو بذريعة نشر الأمن والاستقرار، أو محاربة الإرهاب، ولعل مثال النظام السوري الذي أبقى على حالة الطوارئ منذ عام 1963 وحتى عام 2012، هو خير مثال على ذلك.
  2. العمل الجزئي بالدستور: غالباً ما لجأت الأنظمة العربية إلى تطبيق بعض المواد التي تخدم مصالحها، خاصة الفقرات التي تعطي رأس السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة. فعندما يكون الرئيس في دستور سورية لعام 1973 هو رئيس الدولة، وهو من يعيّن رئيس الوزراء والحكومة ويعزلهما، إضافة إلى صلاحياته التشريعية والقضائية، وهو القائد العام للقوات المسلحة، والأمين العام للحزب الحاكم، ورئيس الجبهة الوطنية التقدمية، في مثل هذه الحالة يغدو الرئيس "دكتاتوراً دستورياً".
  3. التفسير الدستوري: مع أن أغلب الدساتير في الدول الاستبدادية تنشأ عن سلطة قضائية "مستقلة"، وفي بعض الأحيان تنص على إيجاد محاكم دستورية مهمتها الفصل في دستورية القوانين، فإن الممارسة الحقيقية قد أرست تبعية السلطة القضائية للسلطة التنفيذية، الأمر الذي أجهض إمكانية قيام السلطة القضائية بمهامها، وأرجع الأمر إلى السلطة التنفيذية من خلال عملية قضائية مشوهة، أو قضاة "تابعين" لرأس السلطة التنفيذية أو أجهزته الأمنية.

الخلاصة، إن العبرة ليست في وجود دستور مكتوب يحتوي على نصوص قد ترسي قواعد حياة سياسية على أساس قانوني، بل في الممارسة الحقيقة وجدية النخب السياسية، وخاصة الفئة الحاكمة منها، في أن تعكس ممارساتها النصوص الدستورية التي أقرَّتها. ومن هنا فإن عملية الصياغة الدستورية في مراحل التحول من الحكم الدكتاتوري إلى دولة القانون هي بداية الطريق إلى الحكم القانوني الشرعي.

يقدم القسم التالي ملخصاً عن بعض التجارب القاصرة والناجحة لعملية الصياغة الدستورية.

أولاً: التجارب القاصرة

  1. تجربة العراق لعام 2005: يعتبر دستور العراق الذي أُقرَّ عام 2005 من الدساتير المتطورة، لاحتوائه على عدة عناصر مهمة لإعادة تنظيم الحياة السياسية في العراق، ومنها الفيدرالية، وإيجاد صيغة يمكن أن تكون مقبولة حول هوية الدولة، وإعطاء حقوقٍ أكبر للمواطن، وأخيراً تبنِّيه للنظام البرلماني في مرحلة ما بعد حكم الحزب الواحد الذي استمر من عام 1968 وحتى عام 2003. تتمثَّل نقطة الضعف الرئيسية في الدستور العراقي في عملية الصياغة التي افتقدت إلى الشرعية، فقد تمت الصياغة في ظل الاحتلال الأمريكي الذي كانت معاقبة العرب السنَّة جزءاً أساسياً من سياسته، بذريعة أن صدام حسين كان عربياً سنيّاً، وأنه أقصى الشيعة العرب والأكراد السنّة من العملية السياسية. وسبق عملية الصياغة خطوات عملية لإقصاء العرب السنّة وإعادة الاعتبار إلى "الأغلبية" الشيعية، منها: إقصاء المنتسبين لحزب البعث من المشاركة في النظام السياسي الجديد، وحلُّ القوات المسلحة، وهو ما انعكس بشكل أساسي في عملية ممنهجة لتهميش العرب السنّة، خاصة الفئة البيروقراطية/التكنوقراطية منها، مع أن فئات من العرب السنّة قد عانوا من حكم صدام كما عانت الطوائف الأخيرة، إذ لم يكن صدام حسين طائفياً عندما يتعلق الأمر بتهديد حكمه، ولعل مقتل ابن خاله عدنان خير الله، وزير الدفاع وقتها، وصهريه حسين وصدام كامل، أمثلة شاهدة على ذلك.

ولعل الرؤية التي حملها أول حاكم أمريكي للعراق -بعيد الاحتلال الأمريكي عام 2003 - بول بريمر بأن نظام صدام حسين أقرب للنظام النازي، وهو فهم مشوه للطبيعة الاستبدادية لذلك النظام، قد ساهمت بعملية إقصاء الطائفة السنيّة من العملية السياسية. هذه الخلفية السياسية لعملية صياغة الدستور ما كان لها أن تكوّن البيئة الصحيحة لعملية لم تستمر أكثر من ثلاثة أشهر، وتمت بمقاطعة شبه كاملة للعرب السنّة (كان 17 عضواً عربياً سنياً من أصل 275 في الجمعية التأسيسية)، ومشاركة عالية من المكونين الآخرين (العرب الشيعة والأكراد)، الأمر الذي دفع بعض العرب السنّة، خاصة من أنصار النظام السابق، إلى اللجوء لاستخدام العنف بعد إقرار الدستور، حيث شهد عاما 2006-2007 أعلى مستويات العنف ضد المحتل الأمريكي وبداية للصراع الطائفي بين السنّة والشيعة.([2])

الدرس العراقي يتلخص بأن إقصاء أي مكون مهما كان حجمه من المشاركة في الصياغة الدستورية، سيسحب جزءاً من شرعية المنتج النهائي، مهما كانت جودة محتوياته. ومع أن الإدارة الأمريكية حاولت تصحيح المسار، من منطلق محاصرة التنظيمات الإرهابية المتنامية، وذلك في عام 2008، عندما قام الجنرال ديفيد بيترايوس بتجنيد أبناء القبائل العرب السنّة لمحاربة تنظيم القاعدة في العراق، وسميّت تلك القوات بقوات "الصحوات"، إلا أن النجاح كان جزئياً. لأن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي جاء من خلال العملية السياسية التي أسّس لها دستور عام 2005، رفض الإيفاء - بحكم خلفيته وتخوفه الطائفي - بوعد كان قد قطعه للأمريكان بإدماج قوات الصحوة ضمن القوات المسلحة والأجهزة الأمنية. وكان الهدف من إدماج قوات الصحوة إعادة نوع من التوازن لهذه المؤسسات بعد أن سيطرت عليها الأحزاب الشيعية المؤيّدة لإيران. وكان من نتائج هذا الرفض قيام حركة سلمية شعبية داخل المناطق السنية، تم تجاهل مطالبها، واعتقال قادتها وتصفيتهم، ومن ثم قمع هذا الحراك، كل هذا أدى إلى ظهور النسخة الثانية مما سمي بتنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي تسبب في المزيد من العنف والمآسي لكافة مكونات الشعب العراقي، وتطلب تحالفاً دولياً لهزيمته، وكان من نتائجه غير المحسوبة ترسيخ هيمنة إيران على المشهد السياسي العراقي.([3])

  1. التجربة المصرية لعامي 2012 و2014: تم إقرار الدستور الأول بعد ثورة يناير 2011، في ظل رئاسة محمد مرسي، حيث تم التصويت عليه باستفتاء شارك به 33 بالمائة ممن يحق لهم التصويت، وحصل على نسبة 64 بالمائة من أصوات الذين شاركوا في التصويت. ورغم بعض الانتقادات التي وجهت للدستور، خاصة ممن عارضوا حركة الإخوان المسلمين وحكم الرئيس مرسي، فإن كثيراً من المحللين قد اعتبروه الأكثر تطوراً وتقدمية في تاريخ الدساتير المصرية. فمن الأمثلة على ذلك، التوسع في باب الحقوق والواجبات، وفرض قيود واضحة على صلاحيات الرئيس وطريقة اختياره. لا شك أن منتقدي الدستور ركزوا على بعض الغموض الذي كان متضمناً في بعض المواد، كالمادة 219 الشارحة لمبادئ الشريعة الإسلامية، الأمر الذي قد يعطي المفسرين لهذه المواد أدوات لسحب بعض الحقوق التي تم إقرارها، باسم مخالفتها لفهمهم لما هو شرعي.

الإشكال الأساسي كان في عملية الصياغة التي لم تستوفِ شرط المشاركة المناسبة من كافة مكونات المجتمع المصري، الأمر الذي أضعف من شرعية الوثيقة الجديدة. وبتفصيل أكثر، فقد كان هناك اتفاق على أن تتضمن الجمعية الدستورية تمثيلاً متساوياً للقوى الإسلامية والليبرالية، لكن مقاطعة أغلبية القوى غير الإسلامية لعملية الصياغة، دفع بالفريق الآخر للإصرار على الاستمرار بعملية الصياغة، وإتمام كتابة الوثيقة، وإقرارها، وطرحها للاستفتاء العام، وتوقيع الرئيس عليها. هذا الإصرار على إتمام العملية على عجالة أدى إلى معارضة الوثيقة من قبل كافة القوى التي شعرت أنه تم استبعادها - رفضت بعض هذه القوى المشاركة في عملية الصياغة - وأصرت على عدم الاعتراف بشرعية "الدستور" الجديد، رغم إيجابياته الكثيرة. ويمكن الإشارة إلى أن واحداً من مطالب المعارضة التي طالبت برحيل مرسي قبل أقل من عام على حكمه، كانت تعديل بعض المواد التي أثارت حفيظة القوى الليبرالية التي قاطعت عملية الصياغة.([4]) ومع أن كثيراً من التقارير تؤكد قبول الرئيس مرسي بمطلب تعديل المواد المثيرة للجدل في الدستور - بعيد تصاعد المعارضة والتظاهرات ضده - كما قبل مطلب تشكيل حكومة وفاق وطني، إلا أن رفضه التنحي باسم التمسك بالشرعية لم يكن كافياً للمعارضة والمؤسسة العسكرية.([5])

أما بالنسبة لدستور عام 2014، فقد عالج بعض القصور الموجود في دستور عام 2012، خاصة بعض المواد الإشكالية التي تمت الإشارة إليها، إلا أن إقصاء القوة الإسلامية الأساسية المتمثلة في الإخوان المسلمين في أعقاب الانقلاب العسكري على الرئيس مرسي، قد كرر الخطأ نفسه في عملية الصياغة. ليس هذا وحسب، بل إن الدستور جاء ليكون على قياس المؤسسة العسكرية، برمزها اللواء عبد الفتاح السيسي، ويقنن مرة ثانية لإقصاء الإسلام السياسي بتبني مادة تنص صراحة على عدم السماح بتشكيل أحزاب سياسية على أساس العرق والجنس والدين.([6]) وتكفي الإشارة إلى أن إقرار الدستور الجديد في استفتاء شعبي جاء في أعقاب قرار النظام العسكري الجديد حلّ جماعة الإخوان وتصنيفها كجماعة إرهابية،([7]) وهي الجماعة عينها التي فازت بأكثر من 37 بالمائة من الأصوات في أول انتخابات حرة ونزيهة لمجلسي الشعب والشورى، كما فاز مرشحها محمد مرسي في أول انتخابات رئاسية تنافسية حرة ونزيهة في تاريخ مصر الحديث. المفارقة الثانية، أنه وعلى الرغم من وجود نصٍّ يمنع قيام الأحزاب السياسية على أساس ديني، فقد تم استثناء حزب النور السلفي من هذا الأمر، لأنه ممن أيدوا الانقلاب على مرسي، وتمت مكافأة الحزب بأن "فاز" بعض أعضائه في الانتخابات البرلمانية التي جرت في ظل رئاسة السيسي عام 2015.

ثانياً: التجارب الناجحة

  1. تجربة جنوب أفريقيا: من التجارب الناجحة في الصياغة الدستورية تجربة جنوب أفريقيا التي أعقبت نهاية نظام الفصل العنصري عام 1991. ويمكن تلخيص عناصر النجاح في تلك التجربة في عدة أمور: أولها: أن الطرفين الرئيسيين اللذين قادا تجربة التحول الديمقراطي، وهما: المؤتمر الوطني الإفريقي برئاسة نيلسون مانديلا، ونظام الأقلية البيضاء الحاكم (الحزب الوطني) الذي ترأسه دبليو دي كليرك، توافقا على وثيقة، كانت بمثابة دستور مؤقت، حكمت فترة الانتقال الديمقراطي التي استمرت لمدة عامين، وشملت ملحقاً من 34 مادة لا يجب تجاوزها أو انتهاكها. لقد مثلت هذه المواد مبادئ وضمانات تحقق حكم الأغلبية التي يمثلها المؤتمر الوطني الإفريقي، لكن من دون سحب بعض امتيازات وصلاحيات الأقلية البيضاء، خاصة فيما تعلق بحقوق الملكية الفردية.

العنصر الثاني للنجاح: تمثّل في تصاحب هذا الاتفاق مع آليات قابلة للتطبيق، ومنها تشكيل محكمة دستورية، كان لها صلاحية مراجعة الدستور الجديد، بعد إقراره من قبل الجمعية التأسيسية التي سيطر على تركيبتها الحزب الوطني الإفريقي، وقبلَ طرحه على الاستفتاء العام. وبالفعل فقد تمت مراجعة مشروع الدستور الدائم من المحكمة الدستورية، وتم إرجاعه إلى الجمعية التأسيسية، لوجود مادتين قد خالفتا المبادئ ما فوق الدستورية التي تم التوافق عليها كأساس لعملية الانتقال الديمقراطي. وباختصار، فقد كانت هناك إرادة حقيقية لإرساء قواعد جديدة للعبة السياسية، تضع حداً لنظام الفصل العنصري، وتعطي الأغلبية السوداء الحقوق الأساسية التي حُرمت منها لفترة طويلة، ومنها الحق في تشكيل حكومة أغلبية، لكن من دون أن تهمّش الأقلية البيضاء، وهي المعادلة الدقيقة التي كانت وراء سر نجاح عملية صياغة الدستور في ذلك البلد.([8])

  1. التجربة التونسية 2011-2014: تعتبر التجربة التونسية في عملية صياغة الدستور التي أعقبت الثورة التونسية من التجارب الناجحة التي استفادت من بعض الثغرات التي مرت بها تجارب دول الربيع العربي الأخرى، وعكست بشكل جلي الإرادة السياسية الجادة لأغلب القوى التونسية في إرساء نظام سياسي جديد، على أساس القطيعة مع نظامي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، وهما النظامان اللذان قاما على أساس إقصائي للإسلام السياسي، والتستر وراء العلمانية والتقدمية لترسيخ حكم الفرد. وتمثلت خلفية عوامل النجاح في عملية الصياغة الدستورية في الخطوات الصحيحة التي واكبت عملية التحول الديمقراطي، ومنها: انسحاب الجيش وسماحه للقوى السياسية بتشكيل توافقاتها، والترخيص بالعمل السياسي لكافة القوى السياسية، وعلى رأسها حركة النهضة التي كانت تمثّل القوة المعارضة الحقيقة، والدور الذي لعبته الشخصيات التكنوقراطية وقادة المجتمع المدني في لحظات محورية. وعلى غير التجربة الليبية، فلم يمثّل رحيل الرئيس بن علي فراغاً مؤسساتياً، إذ قام بعض التكنوقراط من النظام السابق، وعلى رأسهم رئيس البرلمان السابق، فؤاد المبزع (كرئيس انتقالي)، والوزير السابق والرئيس الحالي الباجي قائد السبسي (رئيس وزراء انتقالي)، بلعب دور في إدارة المرحلة الانتقالية، وتسليم السلطة للحكومة التي أفرزتها انتخابات الجمعية التأسيسية في أكتوبر 2011. أما عناصر النجاح في عملية الصياغة الدستورية،([9]) بعد انتخاب المجلس الوطني التأسيسي، فقد تمثّلت فيما يلي:
  • الروح التشاركية التي أبدتها حركة النهضة الفائز الأكبر في انتخابات المجلس التأسيسي، فقد حصدت 89 مقعداً من 217. وعلى الرغم من عدم حصول حركة النهضة على أغلبية في المجلس التأسيسي، فقد كان عدد المقاعد التي حصلت عليها أكبر من مجموع ما حصلت عليه الأحزاب الثلاثة التي تلتها. مع ذلك، قررت الحركة، وبإيجابية كبيرة تجاه الأحزاب الأخرى، بإدارة المرحلة الانتقالية - بما فيها عملية صياغة الدستور - بالمشاركة وليس التفرد. وهكذا شكلت حركة النهضة "ترويكا" (أي تحالف ثلاثي)، مع الحزبين الثاني والرابع في المجلس التأسيسي، فاستلم رئاسة الوزارة حزب النهضة، بينما تم التوافق على الناشط الحقوقي وزعيم حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، المنصف المرزوقي لرئاسة الجمهورية، ورئيس تجمع التكتل (الحزب الرابع في الانتخابات) مصطفى بن جعفر لرئاسة المجلس الوطني التأسيسي.
  • لعل عنصر النجاح الثاني هو روح التفاهم والتوافق والتسويات التي سادت عملية الصياغة. فقد تم تشكيل عدد من اللجان من كافة القوى، أوكل إلى كل منها أحد المواضيع الحساسة والخلافية، وتم تشكيل لجنة وفاقية تألفت من رئيس المجلس ورؤساء الكتل في المجلس للتوصل إلى تسويات مرضية.
  • أما العنصر الثالث فتمثل في قبول الأغلبية (حركة النهضة) التنازل لتطمين الأقلية (القوى العلمانية واليسارية تحديداً) بأنها لا تسعى لاستغلال لحظة أنها تمثل الحزب الأكبر في المجلس لكي تفرض تصورها ورؤيتها على الآخرين، وقد تبدى هذا في قبولها صيغة "باهتة" فيما يتعلق بدور الدين في الدولة، إذ قبلت بعد نقاش داخلي مسؤول أن تتنازل عن المطلب التقليدي للحركات الإسلامية بالإشارة إلى  كون الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع، فلقد قبلت حركة النهضة بما نصت عليه الدساتير التونسية السابقة بأن دين الدولة الإسلام، كما نصت على حيادية الدولة الإيجابية تجاه الدين، مع ضمان حرية الاعتقاد ورفض التكفير والحض على الكراهية.([10])
  • العنصر الرابع في نجاح التجربة تمثّل في دور المجتمع المدني، والنقابات المهنية في تسهيل الحوار، في وقت تعالت فيه روح الاستقطاب بعيد اغتيال الناشطين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهيمي، ومحاولة بعض القوى المعارضة التي شكلت جبهة الإنقاذ، للانقلاب على العملية الدستورية، مستغلة التراجعات التي شهدتها دول الربيع العربي، وخاصة مصر بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي. لقد لعبت قوى المجتمع المدني، خاصة الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، والهيئة الوطنية للمحامين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، دور الوسيط في الحوار بين مجموعة "الترويكا" التي كانت تسيطر على الجمعية العمومية، وبين جبهة الإنقاذ التي جمعت كافة القوى المناهضة لأحزاب الترويكا، إضافة إلى ممثلي الدولة العميقة الذين أعادوا تشكيل صفوفهم، وبعض القوى الشبابية التي تم تجنيدها من قوى الثورة المضادة داخلياً وإقليمياً. ولعل التسوية التي قادت إليها وساطة قوى المجتمع المدني قد أنقذت العملية الديمقراطية في تونس، الأمر الذي أهَّل منظمات المجتمع المدني الأربع لنيل جائزة نوبل للسلام.([11]) وعلى الرغم من أن عميلة الصياغة الدستورية في تونس قد استغرقت وقتاً أطول مما كان متفقاً عليه، فإن الدرس المستقى منها أن التأني هو أفضل من التسرع إذا كان على حساب الروح التوافقية والتشاركية، وهما من متطلبات عملية الصياغة.

وباختصار، إن الهدف من عرض بعض التجارب الفاشلة والناجحة للعملية الدستورية التأكيد على أهمية عملية الصياغة، بحد ذاتها، لأنها أحد أهم مصادر الشرعية للوثيقة التي تنبثق عنها، فكلما كانت العملية شاملة لكافة القوى السياسية، وغلبت عليها روح التوافق والتشاركية، وضمنت مطالب الأغلبية من دون أن تكون على حساب أي أقلية - مهما كان حجمها المجتمعي أو السياسي -  كانت الوثيقة أكثر شرعية ومدعاة لاحتكام الجميع إليها. ولو أردنا تطبيق العناصر اللازمة في عملية الصياغة على الدساتير السورية لوجدنا أن أكثر الدساتير اقتراباً من التجارب الناجحة - في الحالة السورية - هو دستور عام 1950، فقد شاركت أغلب القوى السياسية في صياغته، وغلبت عليه الروح التوافقية بين القوى المجتمعية والسياسية، في لحظة نُضجٍ في الممارسة السياسية لم يكتب لها الاستمرار، وأدى التنافس السياسي والإيديولوجي إلى استقطاب دفع بأغلبية القوى السياسية، خاصة القومية الثورية منها، إلى تبرير إقصاء الآخرين بكافة الطرق المشروعة وغير المشروعة، الأمر الذي أعطى العقيد أديب الشيشكلي مبرراً للالتفاف على الدستور - الإنجاز، ومحاولة صياغة نظام سياسي "رئاسي" ضمنه الدستور الذي أعقبه وتم تفصيله على مقاسه. أما الدساتير الفاشلة بامتياز، استناداً إلى متطلبات الصياغة الشرعية، فهما دستورا عامي 1973 و2012. وتكفي الإشارة هنا إلى أن الوثيقتين تمت كتابتهما في ظل سيطرة الأب الشاملة على العملية السياسية، ووحشية الابن في قمع أكبر حركة معارضة في تاريخ حكم الأسدين.

القضايا الخلافية في العملية الدستورية

لعل من عناصر النجاح لأي وثيقة دستورية أن تحاول تقديم حلول للإشكاليات السياسية الآنية التي تعاني منها البلاد، وفي الوقت نفسه تعكس توافقات تتجاوز تلك اللحظة، ليُكتب لها نصيب من الاستمرارية والدوام، وتُبقي باب التعديل مفتوحاً لتعالج القضايا المستجدة. وبالنظر إلى أهم الإشكاليات التي تعاني منها سورية اليوم فيمكن تلخيص أهم القضايا السياسية الإشكالية، وهي قضايا مترابطة بـقضية الهوية، وعلاقة الدين بالدولة، وموضوع الحقوق والحريات الأساسية، بما فيها مشاركة المرأة بشكل حقيقي وفعال، وكيفية طمأنة المكونات العرقية والدينية والطائفية، وأخيراً التوافق على تركيبة النظام السياسي. سيتم مناقشة هذه القضايا على ضوء كيفية تعاطي التجارب الدستورية السورية السابقة، وتلك القريبة منها في الدول العربية التي مرت بتجارب متشابهة.

وقبل الخوض في النقاش التفصيلي، لعل من المفيد الإشارة إلى أن الدولة السورية، ورغم حداثتها، قد مرت بعدة تجارب في الصياغة والحياة الدستورية، أهمها:([12])

  1. القانون الأساسي (دستور 1920): كان هذا القانون الأساسي للمملكة السورية التي تنادى أعيان سورية وممثلوها في المؤتمر السوري الأول لعام 1919، بالأمير فيصل بن الحسين ملكاً على سورية، وأقر المؤتمرُ ذلك الدستور في جلساته المنعقدة في الفترة من 3 آذار/مارس 1919 إلى 19 تموز/يوليو 1920.
  2. دستور دولة سورية الصادر في 14 أيار/مايو 1930: وكان هذا الدستور خلاصة المشروع الذي أقرته الجمعية التأسيسية عام 1928 في ظل الاحتلال الفرنسي، وقام المندوب السامي الفرنسي بالاعتراض عليه بحجة تعارض بعض مواده مع وثيقة الانتداب، لكنه لم يلبث أن أعاد إصداره مع إضافة مادة تعطي المندوب حق تعطيله. وقد تم العمل بهذا الدستور بعد الجلاء الفرنسي مباشرة، في 17 نيسان/إبريل 1947، بعد شطب المادة (116)، وهي المادة التي أضافها المندوب السامي الفرنسي.
  3. دستور عام 1950: جاء هذا الدستور نتيجة انتخابات الجمعية التأسيسية التي أعقبت الإطاحة بحكم حسني الزعيم، وتمت بعدها إعادة الحياة الدستورية. وتم العمل بهذا الدستور حتى الانقلاب الثاني للعقيد أديب الشيشكلي، حيث عُطل العمل به في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1951.
  4. دستور عام 1953: تمت صياغة هذا الدستور على عجل ليحل بديلاً لدستور عام 1950، وتم تفصيله على مقاس الزعيم الشيشكلي. وأُقرَّ في 11 تموز/يوليو 1953، وتم إلغاء العمل به بعيد استقالة الشيشكلي في 24 شباط/فبراير 1954.
  5. العودة إلى دستور عام 1950، في الفترة ما بين سقوط حكم الرئيس الشيشكلي إلى قيام دولة الوحدة في 23 شباط/فبراير 1958: وفي هذه الفترة أُعيد البرلمان (الجمعية التأسيسية) المنتخبة عام 1949، لإكمال مدتها على أساس دستور 1950، مع بعض التعديلات.
  6. دستور الجمهورية العربية المتحدة 1958: وهو دستور دولة الوحدة بين مصر وسورية، وتم العمل به بدءاً من 22 شباط/فبراير 1958 وحتى قيام حركة الانفصال في 28 أيلول/سبتمبر 1961.
  7. دستور الجمهورية العربية السورية 1962: وهو دستور عام 1950 مع بعض التعديلات. استمر العمل بهذا الدستور حتى انقلاب 8 آذار/مارس 1963.
  8. دستورا عامي 1964 و1969 (المؤقتان) الصادران بعيد استلام حزب البعث السلطة.
  9. الدستور المؤقت للجمهورية العربية السورية 1971: وقد صدر في أعقاب ما سمي "بالحركة التصحيحية"، في 16 شباط/فبراير 1971.
  10. مشروع دستور (اتحاد الجمهوريات العربية) بين مصر وسورية وليبيا: صدر في 1 أيلول/سبتمبر 1971، وبقي هذا الدستور حبراً على ورق.
  11. دستور عام 1973: ويمكن تسميته بدستور حافظ الأسد، وتم العمل به من وقت صدوره في 13 آذار/مارس 1973، وحتى عام 2012.
  12. دستور عام 2012: دستور بشار الأسد، وجاء كمحاولة لامتصاص بعض مطالب الثورة السورية، مع إبقاء كثير من الفقرات على مقاس بشار الأسد، وقد تم اعتماده في نهاية شهر شباط/فبراير 2012.

إن أهمية استعراض التجارب الدستورية المتنوعة للدولة السورية يكمن في أن هذه التجارب حاولت التعاطي مع القضايا/الإشكاليات السياسية الملحة في وقتها، وقدمت اجتهادات في التعاطي مع القضايا التي ستتم مناقشتها هنا. وعموماً، يمكن تقسيم التجارب الدستورية في سورية إلى ثلاثة نماذج: أولها: لم يُكتب له حظ التطبيق الفعلي كدستور 1920، ودستور اتحاد الجمهوريات العربية المتحدة، ثانيها: الدساتير المؤقتة، ومنها دستور الجمهورية العربية المتحدة، والدساتير المؤقتة التي أصدرها حزب البعث بعد استلامه السلطة، وهي دساتير 1964، و1969 و1971، وهي متشابهة جداً، وأخيراً: الدساتير التي تم العمل بها، وهي دساتير عام 1930، ودستور عام 1950، ودستور عام 1973، وأخيراً دستور عام 2012. وسيتم التركيز على الفئة الثالثة من الدساتير عند معالجة القضايا الخلافية.

أولاً: قضية الهوية ودور الدين في الدولة

تشير أغلب الدساتير إلى هوية الأمة التي تعدُّ المكون الأساسي للدولة. وباستعراض أغلب الدساتير العربية، نرى أنها تشير إلى الهوية العربية/الإسلامية لهذه الدول. من الناحية العملية، تعاني الدولة العربية المعاصرة - ومنها سورية - من أزمة هوية نتيجة أن أغلبية الدول العربية تم تشكليها من قبل قوى استعمارية غربية لم تأخذ بعين الاعتبار رغبات ومطالب السكان المحليين. ويمكن تلخيص أزمة الهوية في الدولة العربية المعاصرة بما اصطلح عليه بعض علماء السياسة بالتناقض والتعارض بين الدولة والأمة (المجتمع السياسي) المكون لها. بمعنى آخر، هناك عدم توافق بين الإقليم المشكِّل للدولة وبين المجتمع السياسي المكون لها.([13]) فمثلاً، عند الحديث عن الدولة الفرنسية، فلا يوجد تناقض بين الأمة الفرنسية والدولة الفرنسية. هذا الواقع مختلف تماماً في أغلب الدول العربية، وعلى رأسها سورية. فلم يكن هناك "أمة سورية"، قبل حصول سورية على استقلالها، بل مجتمعات متنوعة، ذات أغلبية عربية ومسلمة (من الطائفة السنية)، مع وجود أكراد (أغلبهم مسلمون سنة)، وأقليات من الأرمن والشركس، وأقليات دينية من المسيحيين العرب (بأغلبية أرثوذوكسية)، ومن العلويين، والدروز، واليهود (وهذه الأقليات الدينية باستثناء الأرمن عربية بامتياز). وبعد فشل تجربة الحكم الفيصلي المقتضبة - بسبب الاحتلال الفرنسي - تم تقسيم "سورية الكبرى" إلى أربع دول، وهي: سورية، ولبنان، والأردن، وفلسطين. محاولة تشكيل أمة "سورية" واجهتها تحديات من الولاءات الضيقة للشعب السوري، ومنها الولاء للطائفة والإثنية والقبيلة، وولاءات "ما فوق الوطنية"، وهي العروبة والإسلام.

لقد كان تحدي بناء هوية وطنية للشعب السوري بتنوعه، من أكبر التحديات التي واجهت النخب الحاكمة منذ الاستقلال. مع ذلك أدركت النخب الحاكمة أنها بحاجة للإشارة إلى الهوية العربية/الإسلامية لسورية كنوع من الاعتراف بأن الدول "القُطرية" التي أوجدها الاستعمار البريطاني - الفرنسي، هي كيانات مصطنعة، لم يكن لشعوبها دور في إنشائها. ولذا فإن الإشارة إلى الهوية العربية/الإسلامية لسورية لم يكن مجرد انعكاس للواقع الديمغرافي (حوالي 90 بالمائة من العرب، و74 بالمائة من المسلمين السنة)، بل كان محاولة لتعميق استقلال الدولة الناشئة، والسعي إلى تغيير واقع التقسيم الذي أوجده الاستعمار، من خلال إعادة تشكيل الدولة القطرية في إطار "قومي/عروبي" أوسع. ولم يكن غريباً أن تحاول الوثائق الدستورية المتتالية إقرار أن الشعب السوري جزء من "الأمة العربية"، وإلى وجود إشارة إلى الهوية الإسلامية، لتعكس بذلك هوية الأغلبية لكن بشكل غير مرض، حيث اعتبرت بعض الأقليات أنها مُقصاة من هذا التعريف. ولعل أكبر تحد واجه التعريف العربي/الإسلامي لسورية كان من الأقليات التي لم تشعر أنها مشمولة بأحد هذين المكونين للهوية. فمثلاً، لم يستسغ الأكراد، وهم القومية الثانية في سورية، يوماً إطلاق تسمية "الشعب العربي السوري" على السوريين. ولم يكن الحال أفضل بالنسبة لغير المسلمين عندما اشترطت الدساتير المتعاقبة منذ دستور عام 1950 أن يكون رئيس الدولة مسلماً.

لقد حاولت الدساتير المتتالية تقديم صيغ مختلفة لموضوع هوية الدولة السورية ودور الدين في الدولة، لتعكس النقاش الدائر في وقتها حول هذه القضية. فباستعراض سريع للوثائق الدستورية السابقة نرى أن الإشارة إلى الهوية العربية من الثوابت في كافة الوثائق الدستورية، لكنه يحتل مكانة كبيرة في الفترة الممتدة من 1950- 1970، وهي مرحلة المد القومي، إذ لم يكن الحديث عن الهوية العربية أمراً نظرياً، بل شهدت هذه الفترة تجربة الوحدة مع مصر (1958-1961)، وعدة محاولات لإيجاد "اتحادات" عربية، كان آخرها "اتحاد الجمهوريات العربية" في عام 1971 مع مصر وليبيا، وكان من المفروض أن تنضم إليها السودان، لكن هذا الاتحاد لم ير النور إلا في الوثائق التي تم الاتفاق عليها، ولم يدخل أبداً حيز التنفيذ. وفيما يلي عرضٌ موجزٌ لكيفية تعاطي الوثائق الدستورية المختلفة مع قضية الهوية العربية وعلاقة الدين بالدولة:

في أولى محاولات الصياغة الدستورية نص القانون الأساسي (الدستور) الذي وضعه المؤتمر السوري في مواده العامة على أن "حكومة المملكة السورية العربية حكومة مدنية نيابية عاصمتها دمشق الشام ودين ملكها الإسلام".([14]) وحددت المادة الثالثة أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية في جميع المملكة السورية. أما بالنسبة لدور الدين في المملكة الوليدة فقد نصت المادة السادسة من الفصل الثاني: "على الملك حين جلوسه أن يقسم أمام المؤتمر يميناً باحترام الشرائع الإلهية وبالأمانة للأمة وبمراعاة القانون الأساسي". وتتكرر الإشارة إلى الصفة العربية، باشتراط أن يكون الحاكم العام للمقاطعة (وهذه إشارة إلى المقاطعات الثلاث المشكِّلة للمملكة هي سورية العثمانية، أي الداخل والساحل والجنوب)، اشترطت أن يكون الحاكم "سورياً عربياً" متصفاً بالصفات المشروطة في عضوية مجلس الشيوخ".([15]) وأخيراً، هناك عدة إشارات إلى "الأمة العربية" في بيان المؤتمر السوري الذي تمت بناء عليه مبايعة فيصل الأول بن الحسين ملكاً على سورية. وتحديداً هناك تصريح من المؤتمرين بأننا "اجتمعنا بصفتنا ممثلي الأمة السورية في جميع أنحاء القطر العربي السوري تمثيلاً تاماً، وقررنا بإجماع الرأي استقلال بلادنا السورية، التي منها فلسطين بحدودها الطبيعية...".([16]) لقد جاء ذكر الهوية العربية لسورية منسجماً مع المرحلة التي كانت تمر بها البلاد، وهي مرحلة خروج القوات التركية من سورية، بدفع وقيادة من الحلفاء الغربيين. ولذا حاولت الوثيقة الإشارة إلى الهوية الجديدة للبلاد لتمييزها عن الدولة العثمانية، حيث كانت الرابطة الإسلامية هي مصدر شرعية الحكم العثماني. كما أن المشاركين في المؤتمر السوري أرادوا من خلال صياغة القانون الأساسي التأكيد على أن الأمة السورية قادرة على نيل استقلالها وحكم ذاتها أمام مطامع الدول الغربية التي لم تمهل الدولة الوليدة أكثر من ثلاثة أشهر، ليحل الاستعمار الفرنسي مكان الحكم العثماني. أما عن دور الدين في المملكة الوليدة، فلقد اقتصر على اشتراط أن يكون الملك "مسلماً"، وعلى أن يحترم مليك البلاد "كافة الشرائع الإلهية"، دون الإشارة إلى دور محدد للشريعة أو الفقه الإسلامي في التشريع. ومع أن القانون الأساسي غير واضح في تبنيه نظام "الملكية الدستورية" بشكله المعاصر، فقد حاول محاكاة هذا النموذج لكن دون تبنّيه بشكل صريح، إذ أُعطي الملك فيصل صلاحيات تنفيذية وتشريعية أكثر من تلك التي استقر عليها ملوك الديمقراطيات الغربية. ومع أن هذا يعني أن منصب "رئيس الوزراء"، وهو المنصب التنفيذي الأول في الملكيات الدستورية، يمكن أن يؤول لغير المسلم لكن حقيقة أن الملك له صلاحيات أكبر من كونه رئيس الدولة الرمزي عنى استبعاد غير المسلمين من هذا الموقع.

وتتراجع الإشارة إلى الهوية العربية لسورية في دستور عام 1930، وهو الدستور الذي صاغته الجمعية التأسيسية التي تم انتخابها في ظل الانتداب الفرنسي في عام 1928. وعلى الرغم من أنه من بين مسؤوليات سلطة الانتداب إيجاد قانون أساسي للبلاد فقد ماطل المندوبون الفرنسيون لسنوات في السماح للسوريين في صياغة دستور لهم، وعندما أقرت الجمعية التأسيسية مشروع الدستور اعترض المفوض السامي الفرنسي على ست مواد نصت على استقلال سورية الكامل ووحدتها، وهو ما اعتبره المفوض السامي يتناقض مع "الانتداب". وأخيراً، وبعد عدة محاولات من تعطيل انعقاد الجمعية التأسيسية التي رفضت تدخلات الحاكم الفرنسي، وجد المفوض الفرنسي نفسه مجبراً على إصدار الدستور كما أقرته الجمعية التأسيسية التي سيطر على تركيبتها نواب "الكتلة الوطنية"، بشرط إضافة مادة أخيرة، تنص على ألا يتعارض أي حكم من أحكام الدستور مع التعهدات التي قطعتها فرنسا - لأنها الدولة المنتدبة المسؤولة أمام عصبة الأمم - على نفسها فيما يختص بسورية.([17])

وبالعودة إلى موضوع الهوية، نص الدستور على المواد التالية:([18])

  1. سورية دولة مستقلة ذات سيادة، لا يجوز التنازل عن أي جزء من أراضيها.
  2. سورية وحدة سياسية لا تتجزأ.
  3. سورية جمهورية نيابية دين رئيسها الإسلام، وعاصمتها مدينة دمشق.

لقد عكست هذه المواد حرص القادة الوطنيين في ذلك الوقت، على تأكيد حق سورية في الحصول على استقلالها، وعلى المحافظة على وحدتها، بعد أن اُستقطع منها لبنان وفلسطين وإمارة شرق الأردن، وأُعطي لواء اسكندرون نوعاً من الحكم الذاتي، وقسمت سورية الواقعة تحت الانتداب الفرنسي إلى أربع دويلات هي: دويلة دمشق، دويلة حلب، دويلة العلويين، دويلة الدروز. ولعل اللغة التي صاغتها الجمعية التأسيسية للمادة الثانية نصت على أن: "البلاد السورية المنفصلة عن الدولة العثمانية ذات وحدة سياسية لا تتجزأ، ولا عبرة لكل تجزئة طرأت عليها منذ الحرب العالمية حتى اليوم".([19]) ويمكن النظر إلى دور الدين في الوثيقة بحصره في ديانة رئيس الجمهورية، إضافة إلى المادة ما قبل الأخيرة، وهي المادة التي تعطي "الطائفة الإسلامية" حق إدارة الأوقاف الإسلامية، من خلال ممثلين منتخبين يحدد القانون كيفية انتخاب هذه المجالس وصلاحياتها.([20]) ومع أن النظام السياسي الذي قرره هذا الدستور هو أقرب للنظام البرلماني - من غير المستبعد أن يكون متأثراً بالجمهورية الفرنسية الرابعة - فهذا يعني أن منصب رئيس الوزراء مفتوح لكافة أطياف الشعب. لكن وبقراءة متأنية لنصوص الدستور وصلاحيات الرئاسة يبدو أنه يرسخ نموذج النظام شبه الرئاسي، حيث يقتسم الرئيس صلاحيات السلطة التنفيذية مع رئيس الوزراء، الأمر الذي يعني إقصاء غير المسلمين عن هذا المنصب. وعلى غير غرار دستور المملكة السورية، فقد تم العمل بهذا الدستور، ضمن حدود ما سمح به الانتداب الفرنسي، خاصة في الفترة التي أعقبت توقيع معاهدة 1936 بين فرنسا وسورية، حيث جرت انتخابات على أساس هذا الدستور، وتألفت حكومة وطنية برئاسة هاشم الأتاسي، وترأس الوزارة جميل مردم بك، وكان الملفت فيها تشكيل وزارتين للخارجية والدفاع لأول مرة منذ العهد الفيصلي. واستمرت هذه الحكومة حتى قام المفوض السامي الفرنسي بتعليق الدستور وحل مجلس النواب في تموز/يوليو 1939. وعندما حصلت سورية على استقلالها عام 1946، تم العمل بهذا الدستور، بعد إلغاء المادة 116 التي أعطت المندوب السامي حق تعطيل أي حكم يتناقض مع الانتداب.

الوثيقة الدستورية الثالثة التي اعتبرت الأكثر "ديمقراطية" في تاريخ سورية المعاصر هي دستور عام 1950. يتضمن الفصل الأول بمواده الأربع الأولى تحديد الهوية للجمهورية الجديدة على النحو التالي: فعلى الرغم من عدم تضمين صفة "العربية" في اسم الجمهورية، إذ تم الاكتفاء بتسمية الجمهورية بـ"الجمهورية السورية"، إلا أن المواد التالية قد نصت صراحة على الهوية العربية - الإسلامية لسورية. فقد نصت المادة الأولى على ما يلي: 1) سورية جمهورية عربية ديمقراطية نيابية ذات سيادة تامة، 2) وهي وحدة سياسية لا تتجزأ ولا يجوز التخلي عن جزء من أراضيها، 3) والشعب السوري جزء من الأمة العربية. أما المادة الثانية فقد نصت على أن: "السيادة للشعب لا يجوز لفرد أو جماعة ادعاؤها". وفيما يتعلق بدور الدين، فقد نصت المادة الثالثة على ما يلي: 1) دين رئيس الجمهورية الإسلام، 2) الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع، 3) حرية الاعتقاد مصونة والدولة تحترم جميع الأديان السماوية وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على ألا يخل ذلك بالنظام العام، 4) الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية. وأخيراً، نصت المادة الرابعة على أن: اللغة العربية هي اللغة الرسمية.([21]) وبتحليل سريع لكيفية تعاطي هذا الدستور مع قضية الهوية يمكن الإشارة إلى الأمور التالية: أولاً: يعتبر هذا الدستور هو الأول الذي تمت صياغته بعيداً عن التهديدات والتأثيرات الاستعمارية، وجاء نتيجة مداولات الجمعية التأسيسية، وفي لحظة تشاركية وتوافقية فريدة، جعلت كثيراً من السوريين ينظرون إليها بنوع من الحنين إلى الماضي (النستالجيا)، إذ تقدم تلك المرحلة بديلاً واقعياً لممارسات النظام السياسي في مرحلة احتكار حزب البعث، وعائلة الأسد للسلطة. ثانياً: رغم عدم تضمين وصف "العربية" في اسم الجمهورية، فإن الهوية العربية لسورية كانت واضحة لتعكس صعوداً للقومية العربية. ولعل تدليلاً إضافياً على تأثير المد القومي العربي يتجلى في القَسَم المطلوب تأديته من قبل أعضاء مجلس النواب، وهم أصحاب السلطة التشريعية في البلاد، وهذا نصه: "أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً لدستور البلاد مدافعاً عنه وعن استقلال الوطن وحريات الشعب ومصالحه وأمواله وكرامته، وأن أحترم قوانين البلاد وأقوم بمهمة النيابة بشرف وصدق وإخلاص وأن أعمل لتحقيق وحدة الأقطار العربية".([22]) ويتشابه معه قَسَم رئيس الجمهورية في تعهده باحترام الدستور وحريات الشعب والإخلاص للنظام الجمهوري والمحافظة على استقلال الوطن "والدفاع عن سلامة أرضه وأن أعمل على تحقيق وحدة الأقطار العربية".([23]) ثالثاً: وكما هو الحال في دستور عام 1930، استمر تقليد اشتراط أن يكون دين رئيس الجمهورية الإسلام، لكن وفي حال التزام النظام السياسي بقواعد النظام البرلماني الصرف، بإعطاء الصلاحيات التنفيذية لرئيس الوزراء الذي يتم اختياره لأنه باعتباره زعيم أكبر الكتل البرلمانية، فهذا يعني أن منصب رئيس الوزراء هو أعلى منصب تنفيذي متاح لغير المسلمين. ذلك مع بقاء منصب الرئاسة رمزياً، كما هو الأمر في النظام البرلماني الصرف. الجدة فيما يتعلق بهذا الدستور تكمن في نصه على أن الفقه الإسلامي هو "المصدر الرئيسي للتشريع"، يوازيه التأكيد على حرية الاعتقاد، واحترام الدولة لجميع الأديان السماوية، وكفالة حرية القيام بجميع الشعائر. ولعل هذه الإضافة عائدة إلى تأثير الإسلام السياسي الذي كان حاضراً في الجمعية التأسيسية، من خلال جماعة الإخوان المسلمين، وبعض الشخصيات الإسلامية المستقلة.

ولم يختلف دستور عام 1953 الذي قدمه الزعيم أديب الشيشكلي، عن سلفه، فيما يتعلق بالهوية العربية والإسلامية للجمهورية السورية، ما خلا إضافة إلى المادة الأولى في بندها الثالث لتشير إلى ما يلي: "والشعب السوري جزء من الأمة العربية. وعلى الدولة أن تسعى، في ظل السيادة والنظام الجمهوري لتحقيق وحدة هذه الأمة".([24]) ويمكن تفسير هذه الإضافة إلى شعور الزعيم الشيشكلي بتنامي الشعور القومي في البلاد، فأراد بذلك مجاراة الأحزاب القومية، من بعث وغيره. الأمر الأهم، أنه في الإبقاء على أن "دين رئيس الجمهورية هو الإسلام" في نظام هو الأقرب للنظام الرئاسي، حرمان لغير المسلمين من فرصة الارتقاء إلى هذا الموقع، وهذا أمر مختلف عندما كان النظام أقرب للنظام البرلماني في ظل الأنظمة السابقة.

وبعد استقالة الرئيس الشيشكلي، نتيجة لمطالبات شعبية ومن بعض الوحدات العسكرية، في 25 شباط/فبراير 1954، عاد الرئيس هاشم الأتاسي لسدة الرئاسة لإكمال ولايته الدستورية وتشكيل حكومة تشرف على إجراء انتخابات نيابية ورئاسية، حيث انتخب الرئيس شكري القوتلي رئيساً للجمهورية في 6 أيلول/سبتمبر 1955، واستمر العمل بدستور عام 1950 حتى قيام دولة الوحدة بين مصر وسورية في شباط/فبراير 1958، بينما اعتُبر الدستور الذي وضع في عهد الرئيس الشيشكلي باطلاً.

عكَسَ دستور الجمهورية العربية المتحدة الذي جاء مقتضباً من 73 مادة اللحظة القومية العاطفية، وتم الإسراع في تشكيل مؤسسات لم تحظ بكثير من التفكير والتدبير بشكل يحفظ مصالح القطرين المشكِّلين للاتحاد. ولم يشمل الجزء المتعلق بالهوية حيزاً كبيراً في الوثيقة الدستورية التي جاءت بها دولة الوحدة، فقد اقتصرت المادة الأولى على أن "الدولة العربية المتحدة جمهورية ديمقراطية مستقلة ذات سيادة وشعبها جزء من الأمة العربية".([25]) أما الأمر الملفت للنظر فهو غياب أي إشارة إلى دور الدين في الدولة، سواء بالنسبة لهوية الدولة، أو شرط الرئاسة، أو دور الشريعة أو الفقه الإسلامي في التشريع. وانعكست المشاعر القومية العربية بشكل أوضح في بيان إعلان الجمهورية العربية المتحدة، وفي كلمات الرئيسين شكري القوتلي وجمال عبد الناصر الموجهة إلى مجلسي النواب السوري ومجلس الأمة المصري.

لقد كان فشل أول تجربة اتحادية للدول العربية نكسة للقوى القومية، خاصة الناصرية والبعثية والقوميين العرب. ومع أن فشل دولة الوحدة كان مدعاة لبعض النخب السياسية لتفكّر بشكل عقلاني بالتركيز على تقوية الهوية الوطنية قبل الخوض في تجارب وحدوية غير مدروسة، دفع هذا الفشل بعض الأحزاب القومية، خاصة حزب البعث الذي شعرت قياداته بأنها استُغلت من قبل النظام المصري، إلى تبني التفكير الإنقلابي للوصول إلى الحكم بأي وسيلة، وذلك لتقديم نموذج قومي مختلف عن التجربة الناصرية. ومن هنا كانت تجربة الانفصال وقتية، إذ تعالت لغة المزايدات لدى كافة القوى السياسية العروبية في سورية، مدعية أنها ستعيد تجربة الوحدة، لكن بشكل أفضل وأنضج. ومن هنا لم يتسنَّ لفترة الحكم الانفصالي صياغة دستور جديد بقدر ما اعتمدت دستور عام 1950 بتعديلات جزئية. النقطة المضيئة الوحيدة في فترة الانفصال كانت الانتخابات البرلمانية الحرة النزيهة التي شهدتها البلاد لآخر مرة، ، بمشاركة أغلبية القوى السياسية.

وبعد انقلاب 8 آذار/مارس 1963 وحتى اعتماد دستور 1973، صدر دستوران مؤقتان يمكن تسميتهما بدساتير حزب البعث، أولهما: في 25 نيسان/إبريل 1964، وثانيهما: في 1 أيار/مايو 1969، وتم تعديله بعد انقلاب الأسد في 16 شباط/فبراير 1971. وتتشابه هذه الدساتير المؤقتة في معالجتها لموضوع الهوية بتركيز أكبر على الالتزام بالوحدة العربية، وتحديد النظام السياسي والاقتصادي بأنه نظام "الديمقراطية الشعبية" وتبني النظام "الاشتراكي". فمثلاً تنص المادة الأولى في دستور عام 1964، على ما يلي: 1) القطر السوري جمهورية ديمقراطية شعبية اشتراكية ذات سيادة وهو جزء من الوطن العربي، 2) الشعب العربي في سورية جزء من الأمة العربية يؤمن بالوحدة ويناضل في سبيل تحقيقها، 3) السيادة في القطر السوري للشعب.([26]) أما عن دور الدين في الدولة، فتنص المادة الثالثة على أن دين رئيس الجمهورية الإسلام (تختفي هذه المادة في الدساتير المؤقتة لعامي 1969 و1971)، والفقه الإسلامي مصدر "رئيسي" للتشريع، وليس المصدر "الرئيسي"، كما نص على ذلك دستور عام 1950. وهكذا يتضح أن الهوية في هذه الدساتير المؤقتة معرَّفة من خلال عدسة حزب البعث العربي الاشتراكي. ولأول مرة تتم إضافة مادة إلى دستور عام 1969 لتتكرر في الدستور المؤقت لعام 1971، ودستور حافظ الأسد لعام 1973، وهي: "الحزب القائد في المجتمع والدولة، هو حزب البعث العربي الاشتراكي".([27]) هناك أيضاً بعض التفاصيل ذات العلاقة بالهوية في التغييرات التي أحدثتها دساتير حزب البعث، ومنها الإشارات المتكررة إلى التزام النظام بتحقيق أهداف الحزب في الوحدة العربية والعمل على تحقيقها. فمثلاً، تنص المادة 37 من دستور 1964 على نوعية القَسَم لأعضاء المجلس الوطني كما يلي: "أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً لدستور البلاد مدافعاً عنه وعن استقلال الوطن ومصالح الشعب وأن أحترم قوانين البلاد وأقوم بمهمتي بشرف وأن أعمل لتحقيق أهداف الثورة في الوحدة والحرية والاشتراكية". تراجع دور الدين في الدولة، وهذا متوقع من حزب "علماني تقدمي"، لكن هذا التراجع لم يلغِ دور الدين تماماً، بل تم التقليل منه ليكون الفقه الإسلامي مصدراً "رئيسياً" للتشريع، وليس المصدر "الرئيسي"، كما نصت على ذلك الدساتير السابقة. أمر آخر مثير للنظر، أنه في القَسَم المذكور لأعضاء مجلس الشعب في دستوري 1969 و1971، تم حذف الذات الإلهية من القسم، ليكون على النحو التالي: "أقسم بشرفي ومعتقدي أن أحافظ مخلصاً على النظام الديمقراطي الشعبي وأن أحترم الدستور والقوانين، وأن أرعى مصالح الشعب وسلامة الوطن، وأن أعمل وأناضل لتحقيق أهداف الأمة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية".([28])

وأخيراً، هناك تشابه بين دستوري عام 1973 و2012 (دستورا حافظ وبشار الأسد)، في موضوع الهوية ودور الدين في الحياة العامة، مع بعض التغييرات ذات المغزى. ففي دستور 1973، يحدد الفصل الأول في مبادئه السياسية هوية البلاد على النحو التالي: 1) الجمهورية العربية السورية دولة ديمقراطية شعبية واشتراكية ذات سيادة لا يجوز التنازل عن أي جزء من أراضيها، وهي عضو في دولة اتحاد الجمهوريات العربية، 2) القطر العربي السوري جزء من الوطن العربي، 3) الشعب في القطر العربي السوري جزء من الأمة العربية يعمل ويناضل لتحقيق وحدتها الشاملة.([29]) أما دستور عام 2012 فينص في مادته الأولى على: 1) الجمهورية العربية السورية دولة ديمقراطية ذات سيادة تامة، ولا يجوز التنازل عن أيٍّ من أراضيها، وهي جزء من الوطن العربي، 2) الشعب في سورية جزء من الأمة العربية.([30]) الفارق الواضح بين الصيغتين، غياب وصف "الشعبية الاشتراكية" في الدستور الثاني، وتراجع التزام الشعب السوري في العمل والنضال لتحقيق الوحدة الشاملة. وكلا الأمرين يعكسان أيديولوجية حزب البعث، الأمر الذي يعني التخلي عن هذا الجانب من الأيديولوجية البعثية في دستور الابن. وهناك تباين في القَسَم الدستوري المتضمن تحت المادة السابعة في كلا الدستورين، فهو في دستور 1973 كما يلي: "أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهوري الديمقراطي الشعبي، وأن أحترم الدستور والقوانين، وأن أرعى مصالح الشعب وسلامة الوطن، وأن أعمل وأناضل لتحقيق أهداف الأمة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية". أما في دستور الابن، فهو: "أقسم بالله العظيم أن أحترم دستور البلاد وقوانينها ونظامها الجمهوري، وأن أرعى مصالح الشعب وحرياته، وأحافظ على سيادة الوطن واستقلاله وحريته والدفاع عن سلامة أرضه، وأن أعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية ووحدة الأمة العربية". ومرة ثانية، هناك تخلٍ عن الأهداف الثلاثة لحزب البعث - حُملت على أنها أهداف الأمة العربية - ألا وهي: الوحدة والحرية والاشتراكية. مع ذلك، يُبقي القَسَم في دستور الابن على تعهد بتحقيق "العدالة الاجتماعية ووحدة الأمة العربية"، وهي أهداف أكثر غموضاً، لكنها بالتأكيد تخلٍ واضح عن أهداف حزب البعث "الحاكم".

أما عن دور الدين، فهناك تشابه في الصياغة، مع إضافة منطقية في دستور 2012. فقد نص دستور عام 1973 على ما يلي: 1) دين رئيس الجمهورية الإسلام، 2) الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع.([31]) ويتبنى دستور 2012 اللغة نفسها في مادته الثالثة، مضيفاً البندين التاليين: 1) تحترم الدولة جميع الأديان، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على أن لا يخل ذلك بالنظام العام، 2) الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية.([32])

ثانياً: الحقوق والحريات

لم تغب الحقوق والحريات العامة عن الوثائق الدستورية السابقة بقدر ما هي مقيدة أحياناً، خاصة في حالة الحقوق السياسية، وأنها الجزء الأكبر الذي لا يطبَّق في هذه الدساتير. والحقيقة فإن تفحصاً دقيقاً لقسم الحقوق والحريات والمواطنة يشير إلى اقتراب أكثر الدساتير من المعايير الدولية لحقوق الإنسان وحرياته. وفيما يلي بعض الملاحظات المقارنة:

  1. من الأمور الملفتة للنظر أن أول التجارب الدستورية (دستور المملكة السورية لعام 1920) كان متطوراً جداً في القسم المتعلق بالحقوق والحريات. فقد جاء الفصل الثالث تحت عنوان "في حقوق الأفراد والجماعات"، ليشمل سبع عشرة مادة متضمنة للحقوق التالية: حق الجنسية، المساواة أمام القانون، احترام الحرية الشخصية، حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية، حرمة التعذيب، حق تأليف الجمعيات، حرمة المساكن، احترام الملكية الخاصة، حرية المطبوعات، مجانية التعليم في مراحله الأولى، حق المحاكمة أمام المحاكم المختصة، وحرمة النفي الإداري.([33])
  2. حافظ دستور عام 1930 على الحقوق والحريات عينها المنصوص عليها في الدستور السابق، وفصل في بعضها. ففي مجال حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية، على سبيل المثال هناك تفصيل أكبر مما ورد في الدستور السابق. إذ تنص المادة 15 على ما يلي: "حرية الاعتقاد مطلقة. تحترم الدولة جميع المذاهب والأديان الموجودة في البلاد وتكفل وتحمي حرية القيام بجميع شعائر الأديان على ألا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافي الآداب. وتضمن أيضاً لجميع الأهالي على اختلاف طوائفهم احترام مصالحهم الدينية وأحوالهم الشخصية". وتضيف المادة 28 كفالة حقوق الطوائف الدينية، وحقها بإنشاء مدارس خاصة بها.([34])
  3. يُعتبر دستور عام 1950 الأكثر شمولاً وتفصيلاً في باب الحقوق والحريات. والحقيقة أن الدساتير التي أعقبته بدأت تقليد "التقييد" لبعض هذه الحقوق والحريات، كما سيتضح لاحقاً. يأتي قسم الحقوق والحريات في هذا الدستور في الفصل الثاني، تحت عنوان "المبادئ الأساسية". وما يميز هذا الدستور عن سابقيه أنه يزيد من هذه الحقوق ويغنيها تفصيلاً. فمثلاً، في باب حق التجمع والتظاهر السلمي، يضيف المادة التالية: "للسوريين حق تأليف أحزاب سياسية على أن تكون غاياتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم ديمقراطية".([35]) ومثال آخر هو التفصيل المتضمن تحت المادة العاشرة فيما يتعلق بحق المواطن بالمحاكمة العادلة، إذ تشمل المادة على أحد عشر بنداً تفصيلاً، تبدأ بافتراض البراءة، وأسلوب التوقيف، وتجريم التعذيب، وحق الدفاع، ورفض المحاكم الاستثنائية والعسكرية، وأخيراً حق النقض. هذا الحيز الذي احتلته الحقوق والحريات في هذا الدستور، هو أحد أسباب اعتباره الأكثر "ديمقراطية" بين التجارب الدستورية. إذ لم يكتف هذا الدستور بالتأكيد على الحريات العامة، بل أكد على الحقوق الاجتماعية - الاقتصادية، كحق العمل والتعليم والضمان الاجتماعي.
  4. على الرغم من قيام الرئيس الشيشكلي بإلغاء دستور عام 1950، وتقديم دستور بديل عنه، فمن المفارقة أن دستور عام 1953 الذي قدمه كبديل للدستور الملغى قد أخذ الكثير منه. ليس هذا فحسب، بل حاول الرئيس الشيشكلي تحسين بعض الفقرات عن الدستور الملغى. فمثلاً، يعتمد دستور الشيشكلي أكثر المواد الواردة في باب المبادئ الأساسية المستقاة من دستور عام 1953، ويعنونه بـ"الضمانات الديمقراطية"، ويزيد أحياناً في بعض التفاصيل الشارحة للحقوق والحريات. ففي باب حق العمل، وتحت المادة التاسعة والثلاثين، هناك تفصيل لكيفية حماية الدولة لحق العمل، ومن ذلك تحديد ساعات العمل، وتعويض العمال في بعض الحالات الخاصة كالمرض والعجز، وإيجاد الشروط الخاصة بعمل المرأة والأحداث بما يكفل حمايتهم. ويفصل في الفقرة التالية: "جعل أجور النساء في حالة تماثل الظروف مساوية لأجور الرجال".([36]) لكن المفارقة أن هذا الدستور هو الوحيد الذي أشار بشكل صريح على: "لا يُقبل ترشيح المرأة لرئاسة الجمهورية".([37])

يظهر التراجع في الحقوق والحريات في الدساتير اللاحقة، وذلك إما من خلال تقليص مساحتها أو تقييدها، والأهم من ذلك الالتفاف على تطبيقها. ففي دستور الجمهورية العربية المتحدة، مثلاً، يتم اختزال الحقوق والحريات تحت الباب الثالث، بعنوان "الحقوق والواجبات العامة". فإذا تم استثناء المادة 11 التي تتحدث عن واجب الدفاع عن الوطن والجندية الإجبارية، لا يبقى في الدستور إلا أربع مواد، وهي: 1) المساواة أمام القانون، 2) لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، 3) حظر تسليم اللاجئين السياسيين، 4) الحريات العامة مكفولة في حدود القانون.([38]) وتعكس لغة المادة الرابعة الروح التقييدية للحريات، بربطها بحدود القانون الصادر في أغلب الأحيان عن السلطة التنفيذية. وتستمر الدساتير الثلاثة المؤقتة التي صدرت في عهد حزب البعث بتقييدها للحقوق والحريات، لتنسجم مع رؤية حزب البعث الريادية للمجتمع والدولة، ومع إعادة تعريفها لمفاهيم كالحرية لتعني حرية الوطن أولاً ثم حرية الفرد. فلو أخذنا الدستور المؤقت لعام 1969، وهو مشابه لدستوري عام 1964 ودستور 1971، يتم اختزال الحقوق والحريات لتقتصر على المساواة أمام القانون، وتكافؤ الفرص، وحق المحاكمة (لكن يختفي هنا تجريم التعذيب، وعدم اللجوء إلى المحاكم الاستثنائية)، وسرية المراسلات، وعدم جواز إبعاد المواطن، وحق التعليم والعمل، والمساهمة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعب، لكن حسب القانون.([39]) فمثلاً، لو أخذنا حق المساهمة في الحياة السياسية لوجدنا أن هذا الحق قد تم تقييده بتبني المادة السابعة التي تنص على أن: "الحزب القائد في المجتمع والدولة، هو حزب البعث العربي الاشتراكي". وبمعنى آخر، وبتبني هذه المادة، وهي المادة المستنسخة من تجارب الدول الشيوعية، فإن الإطار الوحيد للحياة السياسية والعمل النقابي هو من خلال هذا الحزب. فحتى عندما يقدم الدستور المؤقت لعام 1969 إضافة جديدة في الإشارة إلى دعم حق المرأة في المشاركة في الحياة العامة فإنه يأتي ضمن تعريف النظام البعثي للحياة العامة على النحو التالي: "على الدولة أن توفر للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة في الحياة العامة وأن تعمل على إزالة القيود التي تمنع تطويرها، بما يمكنها من المشاركة في بناء المجتمع العربي الاشتراكي".([40])

وينهج دستورا عامي 1973 و 2012 طريقة الدساتير المؤقتة السالفة نفسها في تقييد الحريات والحقوق، مقارنة بدستور عام 1950. ويتضح هذا التقييد في الممارسات التالية: 1) ربط الحقوق والحريات بتوجهات الحزب الحاكم، 2) تعليق العمل بهذه الحقوق والحريات المنصوصة بالاستناد إلى الأحكام العرفية المفروضة منذ عام 1963-2012، 3) تجاهل هذه البنود بشكل كلي أو كامل. من الأمثلة على تراجع بعض الحريات غياب بعض المواد التي تمنع محاكمة المواطنين أمام محاكم استثنائية أو عسكرية. أما من الأمثلة على تحديد الحريات من خلال وضعها بصيغة شرطية المادة التي تتحدث عن حرية التعبير في دستور عام 1973 المتضمنة: "لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير الأخرى، وأن يسهم في الرقابة والنقد والبناء بما يضمن سلامة البناء الوطني والقومي ويدعم النظام الاشتراكي، وتكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر وفقاً للقانون".([41]) لكن وللحقيقة، فإن دستوري عامي 1973 و2012 يتضمنان أغلب الحقوق والحريات الموجودة في دساتير الدول المتطورة، لكن الإشكال هو في عدم احترام هذه الحقوق والحريات. فمثلاً، أعاد دستور 1973 المادة المتعلقة بتحريم التعذيب، وكذا دستور 2012، لكن تكفي الإشارة إلى أن سورية، خاصة بعد الثورة السورية عام 2011، قد تكون هي الأسوأ في العالم في نسبة المعتقلين السياسيين الذين تمت تصفيتهم بشكل منهجي تحت التعذيب.([42]) كما أزال دستور عام 2012 شرطية الحقوق والحريات، كما وردت في الدستور السابق، لكنها بقيت مواداً نظرية ليس لها علاقة بالواقع، فمن الحقوق المنصوص عليها: "للمواطنين حق الاجتماع والتظاهر سلمياً والإضراب عن العمل في إطار مبادئ الدستور وينظم القانون ممارسة هذه الحقوق".([43])

ثالثاً: اللامركزية

ترتبط اللامركزية في الحكم بتركيبة النظام السياسي. فكلما كان النظام ديمقراطياً اتجه إلى إعطاء صلاحيات أكبر للوحدات المشكلة للنظام السياسي. وبالتعريف فإن من سمات الأنظمة السلطوية تفضيل المركزية ليسهل لها السيطرة والتحكم. من الملفت للنظر في قراءة التجارب الدستورية المتنوعة للدولة السورية ميلها إلى الاقتضاب والعمومية عند الحديث عن اللامركزية، وفي أغلب الأحيان إحالة الموضوع إلى قوانين تفصل هذه القضية.

في أول تجربة دستورية قدم ممثلو المؤتمر السوري نوعاً من اللامركزية التي كانت أقرب ما تكون إلى النظام الفيدرالي، إذ شمل الدستور باباً كاملاً حول "المقاطعات"، وهي الوحدات المكونة للمملكة السورية (الداخل والساحل والجنوب: سورية ولبنان وفلسطين والأردن). ففي الفصل الحادي عشر يحدد دستور عام 1919 مبدأ إدارة المقاطعات عن طريق "اللامركزية في إدارتها الداخلية ما عدا الأمور العامة التي تدخل في خصائص الحكومة العامة (المركزية)"، كما تحدد المواد اللاحقة طريقة إدارة المقاطعات عن طريق مجالس نيابية منتخبة وحاكم عام يعينه الملك، وإيجاد آلية لحل الخلافات بين مجالس المقاطعات والحكومة المركزية عن طريق مجلس الشيوخ (المركزي).([44]) وعلى الرغم من أن هذا الدستور لم يطبق فعلياً بسبب الاحتلال الفرنسي لسورية ولبنان، إلا أنه قدم منظوراً متطوراً لفكرة اللامركزية والحوكمة المحلية.

أما دستور عام 1930، فلم يفصل في اللامركزية واكتفى في بابه الأخير تحت عنوان أحكام مختلفة بالنص على: "يوضع قانون خاص بشأن حدود المناطق الإدارية وتنظيمها وصلاحياتها تراعى فيه الحالة الخاصة ببعض هذه المناطق".([45]) وهنا نرى تميزاً في دستور عام 1950 الذي اشتمل على فصل كامل بعنوان "التقسيمات الإدارية"، ولعل أهم عناصره تقسيم أراضي الجمهورية إلى محافظات، تُدار من قبل مجالس يُنتخب ثلاثة أرباعها ويعين الربع الباقي، وتقوم المجالس بانتخاب رئيسها ومكتبها التنفيذي. كما حدد هذا القسم إحدى عشرة صلاحية، ومنها: الصحة ومكافحة الأمية، وتوفير المياه الصالحة، وتنشيط السياحة، ورعاية الأعمال الخيرية، وتنظيم واستثمار الصيد البحري والنهري والبري. وأخيراً، حدد موارد المحافظات، وكيفية الصرف على مشاريعها.([46])

ولعل أكبر فشل في تجاهل أهمية اللامركزية في الحكم قد تجلى في تجربة دولة الوحدة حيث أصر الطرف المصري، وبعض مؤيديه من السوريين، على إقامة دولة وحدة اندماجية بدلاً من نظام فيدرالي يراعي خصوصية القطرين. يرسخ الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة فكرة الدولة الموحدة المركزية، وكذا الممارسة الفعلية التي حرص الطرف المصري على ترسيخها. ولعل من المفيد التذكير بأن أغلبية المتحمسين لفكرة الوحدة مع مصر لم يتخلوا عن الفكرة كمبدأ، وإنما طرحوا فكرة الاتحاد الفيدرالي بين البلدين بدلاً من نموذج الوحدة الاندماجية. وبالطبع، فإن أجواء الانقسامات والمزايدات، إضافة إلى التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية، قد دفعت السياسيين والعسكريين السوريين إلى القبول بكافة شروط عبد الناصر للوحدة، ومنها: إجراء استفتاء شعبي على الوحدة، وحل الأحزاب السياسية، وانسحاب الجيش من السياسة. ومع أن بعض هذه الشروط قد تبدو منطقية للوهلة الأولى، إلا أن المقصود منها إضعاف وتحييد الزعماء السياسيين السوريين لتأمين تبعية الإقليم السوري لمصر. وتلخص إحدى الدراسات التقييم الذي قدمه كثيرون ممن كتبوا عن تجربة الوحدة بما يلي: "وكان الخطأ الفادح في محاولة المصريين تطبيق النظام المركزي القائم في مصر على سورية، والهدف من ذلك إقامة دولة اندماجية، متجاهلين أو جاهلين خصائص المجتمع السوري، والفروق السياسية والاجتماعية والجغرافية القائمة بين القطرين".([47])

وبعد انقلاب البعث، يدخل مصطلح "الديمقراطية الشعبية" الدساتير المؤقتة الثلاثة للأعوام 1964، و1969، و1971، ليربط الحكم - بما في ذلك الحكم المحلي - بحزب البعث. ويخلو دستور عام 1964 من أي إشارة إلى اللامركزية، بينما يشتمل الدستوران الباقيان على فصل حول "مجالس الشعب المحلية". ويعتمد الدستوران اللغة ذاتها، وذلك بالإشارة إلى أن مجالس الشعب المحلية هي أجهزة الدولة في الوحدات الإدارية، مع تحديد الوحدات الإدارية بقانون، ثم تُفصل ذلك المادة التالية بنصها: "يحدد قانون الإدارة المحلية اختصاصات مجالس الشعب وطريقة انتخابها وتكوينها وحقوق وواجبات أعضائها، وجميع الأحكام المتصلة بها".([48])

ويلحق دستور حافظ الأسد لعام 1973 موضوع اللامركزية بالسلطة التنفيذية، ويعتمد اللغة نفسها المشار إليها في الدستورين السالفين. وبما أن الدستور أحال هذا الموضوع إلى القانون، فقد تم إصدار القانون (15) لعام 1971، الذي وضح التقسيمات الإدارية، وتم فيما بعد تطوير القانون، مع إنشاء وزارة الإدارة المحلية. الملاحظ من خلال القانون وكذا الممارسة العملية في فترة الأسد الأب ما يلي: 1) رغم طرح مبدأ "الديمقراطية الشعبية"، فقد بقيت السمة الغالبة على العلاقة بين الحكومة والمجالس المحلية تميل لصالح المركزية الشديدة؛ 2) هيمنة حزب البعث على الإدارة المحلية بكونه الحزب القائد للمجتمع والدولة،([49]) 3) خضوع الإدارة المحلية، كباقي مفاصل الدولة، للمراقبة الأمنية الصارمة.

ومع أن دستور الأسد الابن أبقى على إحالة موضوع الإدارة المحلية للقانون، فقد كانت الجدة في تبنيه لمبدأ اللامركزية بشكل واضح: "يرتكز تنظيم وحدات الإدارة المحلية على تطبيق مبدأ لا مركزية السلطات والمسؤوليات..."، وأضاف في المادة التالية: "يكون لوحدات الإدارة المحلية مجالس مُنتخبة انتخاباً عاماً وسرياً ومباشراً ومتساوياً".([50]) ومع أن قانون الإدارة المحلية الجديد صدر في أجواء ما بعد الثورة المنادية بمزيد من الحقوق والحريات على حساب المركز، فإنه اعتمد رغم أسبقيته على دستور عام 2012، فقد جاء قانون رقم (107) ليعيد النظر في التقسيمات الإدارية إلى: محافظات، مدن، بلدان، بلديات، وأكد على لا مركزية السلطات والمحليات، إلا أن إحدى الدراسات التي رصدت القانون في النظرية والتطبيق قد توصلت إلى خلاصتين: أولاهما: الاستمرار في اعتماد المركزية كنهج في تنظيم الإدارة المحلية، وثانيهما: استمرار تبعية نظام الإدارة المحلية لحزب البعث، على الرغم من إلغاء الدور الاستثنائي لحزب البعث في دستور عام 2012.([51])

رابعاً: النظام السياسي

شهدت سورية عدة نماذج للأنظمة السياسية من خلال دساتيرها المختلفة. ففي الفترة الانتقالية البسيطة بين خروج الأتراك من سورية وبداية الاستعمار الفرنسي، تبنى أعضاء المؤتمر السوري نظام الحكم الملكي النيابي، وتمت المناداة بفيصل بن الحسين ملكاً على البلاد. وكان المنطق السياسي لتبني هذا النظام السياسي يستند إلى حجتين: أولاهما: أن الحكم الملكي النيابي تدرج من الملكية المطلقة المستبدة (متجسدة في الحكم العثماني) إلى النظام الجمهوري الذي قد لا يكون الشعب السوري مستعداً له. أما الحجة الثانية: فتتمثل في مكافأة الدور الذي لعبه الأمير فيصل في تحرير البلاد العربية من الحكم التركي، والخبرة التي كسبها في التعاطي مع الدول الغربية.([52]) وعلى الرغم من أن هذا النظام لم يُكتب له البقاء إلا لأشهر معدودة، إذ وضع إنذار "غورو" الشهير نهاية مبكرة لأول تجربة في الحكم النيابي (الملكي الدستوري)، فإن معالم هذا النظام قد تم تحديدها في حكومة مسؤولة أمام مجلس نواب منتخب بوجود الملك فيصل الذي أُعطي صلاحيات أكبر مما هو معتاد في الملكيات الدستورية، وهو أمر متوقع في مرحلة انتقالية افتقدت فيها القوى السياسية التجربة والخبرة. الأمر المثير الثاني في هذا النظام السياسي: هو تبني نوع من "اللامركزية الإدارية" التي تقترب من الحكم الفيدرالي بين المقاطعات الثلاث المشكِّلة للمملكة السورية، مع إعطاء المقاطعات صلاحيات واسعة، بما في ذلك تشكيل مجالس نيابية خاصة بها، وتعيين "حكام" من قبل الملك، يكونون مسؤولين أمام هذه المجالس. الأمر الأخير: تبنى المؤتمر السوري في هذا الدستور نظام المجلسين للسلطة التشريعية، النواب والشيوخ، مع إعطاء صلاحيات هامة لمجلس الشيوخ، وذلك لإحداث توازن بين المركز والمقاطعات. وبالطبع، فإن عدم تطبيق هذا النظام السياسي قد حرم السوريين من تجربة فريدة، كان من الممكن أن ترسخ حكماً ملكياً دستورياً، أو نموذجاً آخر، بين الحكم المطلق والدستوري، مماثل لتجربة حكم الأسرة الهاشمية في الأردن.

ثم شهدت سورية أولى تجاربها مع الحكم الجمهوري النيابي، والذي تجسد من خلال دستوري عام 1930 و1950. وفي كلا النموذجين تتوضح معالم نظام أقرب للبرلماني، لكن فيه بعض خصائص النظام المختلط (شبه الرئاسي)، إذ يعطي في كلا الحالتين صلاحيات أكبر لرئيس الجمهورية (المنتخب من خلال مجلس النواب) من تلك المعروفة في النظام البرلماني الصرف. فمثلاً: من صلاحيات رئيس الجمهورية عقد المعاهدات والتوقيع عليها، كما نص ذلك دستور عام 1930، وهو يختار رئيس الوزراء والوزراء بناء على اقتراح رئيسهم، وله حق حل مجلس النواب بموافقة مجلس الوزراء.([53]) ويضاف إلى ذلك صلاحيات أخرى لرئيس الجمهورية في دستور عام 1950، وهي إعلان الحرب وعقد الصلح، بقرار من مجلس الوزراء بعد استشارة مجلس الدفاع الوطني، إضافة إلى أن الرئيس هو القائد الأعلى للجيش وهو رئيس مجلس الدفاع الوطني.([54]) كما أن غياب إشارة واضحة إلى أن الرئيس ملزم باختيار رئيس وزراء - يكون رئيس الأغلبية البرلمانية أو ائتلاف حاكم يتمتع بدعم الأغلبية - تعطي الرئيس في كلا الحالتين دوراً أكبر في النظام السياسي على حساب رئيس الوزراء. مع ذلك، فإن النظام السياسي الجمهوري النيابي كما تم تحديد مبادئه العامة في كلا الدستورين قد شكل خطوة متقدمة جداً في تبني نظام ديمقراطي، لم يتسنَّ له الاستمرار بسبب تدخل العسكر في السياسية، وذلك مع الانقلابات الثلاثة التي شهدتها سورية في عام 1949، والانقلاب الرابع (الثاني للعقيد الشيشكلي في عام 1951)، ثم صعود الأحزاب القومية "العقائدية"، ومزايداتها التي دفعت بأغلبية القادة السياسيين لتسليم حكم البلاد إلى الرئيس جمال عبد الناصر تحت مسمى دولة الوحدة. وأخيراً، كان للتدخلات الخارجية لكل من محوري العراق من ناحية، والسعودية ومصر من ناحية ثانية دور كبير في تعميق الخلافات والانقسامات الداخلية للأحزاب والقوى السياسية السورية التي شعرت أنها بحاجة لدعم الدول العربية في وجه تنامي المطامع الإسرائيلية.([55]) لكن وقبل المضي قدماً في الحكم على التجارب اللاحقة، من المهم التركيز على مزايا النظام الجمهوري النيابي، على الرغم من عدم مجاراته للنظام البرلماني الصرف. في كلتا الحالتين، صاغ مشروعي الدستورين جمعيةٌ تأسيسيةٌ منتخبة، سيطر عليها الوطنيون - حتى في ظل الانتداب الفرنسي - الأمر الذي دفع سلطات الانتداب للضغط من أجل تعديل بعض الفقرات التي تركز على استقلال ووحدة البلاد، أو تعطيل العمل بالدستور تماماً، كما فعل المندوب السامي عدة مرات. الأمر الثاني: أن ممثلي الشعب السوري في الجمعيتين كانوا على وعي بالقضية الأساسية التي واجهتهم (الاستقلال ووحدة الأراضي السورية في دستور 1930)، والتركيز على سيادة الأمة والأهداف الأساسية التي تم تحديدها في مقدمة دستور 1950، وهي: إقامة العدل، ضمان الحريات الأساسية للمواطنين، نشر روح الإخاء وتنمية الوعي الاجتماعي بين المواطنين، دعم واجب الدفاع عن الوطن والجمهورية والدستور، تحرر المواطنين من الفقر والمرض والجهل، كفالة المساواة في الواجبات والحقوق، تقوية الشخصية الفردية. الخاصية الثانية للنظام الجمهوري البرلماني، كما جاء في دستور عام 1950، هو نصه الواضح على أن "السيادة للشعب، لا يجوز لفرد أو جماعة ادعاؤها".([56]) ومع إضافة بند في المبادئ الأساسية المتضمنة في الحقوق والحريات على حق السوريين في حق تأليف الأحزاب، بشرط أن تكون غاياتها ووسائلها سلمية وذات نظم ديمقراطية، يكون الدستور قد رسخ أكثر المعايير ديمقراطية للممارسة السياسية. ملاحظة أخرى حول النظام الجمهوري النيابي: إن إعطاء رئيس الجمهورية بعض الصلاحيات التنفيذية له مزايا وسلبيات، من المزايا الواضحة أن دور رئيس الجمهورية المنتخب من قبل مجلس النواب قد يكون هاماً في المراحل الانتقالية، وعندما تكون الحياة الحزبية ضعيفة يمارس الرئيس دوراً "وطنياً" جامعاً، فوق الأحزاب والمناكفات السياسية. لكن الخطورة في حالة عدم وجود قيود واضحة على صلاحيات الرئيس أو فترة حكمه يمكن أن يتحول الرئيس بسهولة إلى "ديكتاتور". لقد كان المشرعون على وعي بهذا الاحتمال في كلا الدستورين، فمن الضمانات لعدم تحول الرئيس إلى حاكم مستبد في دستوري 1930 و1950 النص الواضح على تحديد مدة الرئاسة بخمس سنوات، لا يجوز تمديدها إلا بعد مرور خمس سنوات كاملة على انتهاء فترة الرئاسة.([57]) لكن الغموض في دستور عام 1950 يتمثل في عدم نصه على أن رئيس الجمهورية محكوم باختيار رئيس الوزراء بالأغلبية البرلمانية أو ائتلاف الأغلبية، كما هو متعارف عليه في الأنظمة البرلمانية. وباختصار، فإن تركيبة النظام السياسي، بشكله الجمهوري النيابي، والتوسع في الحقوق والحريات، وإيجاد صيغ توافقية لقضايا الهوية، وعدم السماح لأي فرد أو جماعة باحتكار تمثيل الشعب، ورفع القيود عن تشكيل الأحزاب السياسية، كل ذلك جعل من دستور عام 1950 الدستور الأكثر "ديمقراطية" في تاريخ سورية.

وعلى الرغم من إبقاء العقيد الشيشكلي على كثير من مواد دستور 1950، إلا أنه حوَّر تركيبة النظام السياسي باتجاه النظام الرئاسي. فلكي يقوي من منصب الرئاسة جعل دستور الشيشكلي انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة، وألغى منصب رئيس الوزراء، وحصر السلطة التنفيذية كلها في رئيس الجمهورية، يمارسها نيابة عن الشعب، ووسع من صلاحيات الرئيس بشكل كبير.([58]) وبالطبع فقد افتقد هذا الدستور إلى الشرعية، وذلك للطريقة التي تم بها تمريره، إذ قام العميد الشيشكلي، بكونه اعتباره رئيساً للأركان، بإرسال الدستور إلى رئيس الوزراء، اللواء فوزي سلو، ليتم العمل به بدلاً من دستور 1950. وعلى الرغم من إجراء انتخابات رئاسية جرت في أجواء مقاطعة عامة من القوى السياسية، نجح فيها الشيشكلي، فقد كان الإجماع في العودة إلى دستور عام 1950، بعيد استقالة الشيشكلي ومغادرته البلاد. وتم اعتبار الدستور الذي تبناه الشيشكلي ونظامه السياسي الرئاسي لاغياً.

وأما النظام السياسي للجمهورية العربية المتحدة، فقد كان نظاماً رئاسياً، لم يكن مجلس الأمة المعين ليشكل نوعاً من الرقابة والتوازن مع الصلاحيات الرئاسية (checks and balances)، الأمر الذي عنى، خاصة مع وجود شخصية كاريزامتية كعبد الناصر، تحول النظام السياسي إلى نظام "استبدادي". ولم تساعد المركزية العالية: (حيث تحكمت القاهرة بأغلب القرارات، وغابت الحياة الحزبية) على تقبل السوريين للنظام السياسي الوحدوي.([59])

ومع انقلاب 8 آذار/مارس عام 1963 دخلت سورية نفق النظام السياسي القائم على الحزب الواحد، والمتأثر بتجارب الدول الشيوعية. وتُعتبر الفترة بين الانقلاب الأول (1963) وانقلاب حافظ الأسد في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1970 مرحلة انتقالية، شهدت بداية تخلص حزب البعث من شركاء انقلاب آذار/مارس من الناصريين والمستقلين، ثم تخلص أعضاء القيادة القطرية من القيادة "اليمينية" التقليدية (ومنها المؤسسون للحزب)، بعد عام 1966. وأخيراً حُسم الصراع بين صلاح جديد وحافظ الأسد لصالح الأخير، الذي تمكن أخيراً من تأسيس نظام سياسي فريد، سيتم التوسع في عناصره وتركيبته، على أساس من دستور عام 1973.

يحدد دستور 1973، (دستور حافظ الأسد)، خمسة منطلقات رئيسية للنظام السياسي، وهي: 1) إن الثورة العربية ضرورة لتحقيق أهداف الأمة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية، 2) لا يمكن تحقيق إنجازات حقيقية لأي قطر عربي في ظل واقع التجزئة، 3) يُعتبر النظام الاشتراكي الضرورة الأساسية لتأطير نضال الجماهير في معركتها ضد الصهيونية والإمبريالية، 4) الحرية حق مقدس، و"الديمقراطية الشعبية هي الصيغة المثالية التي تكفل للمواطن ممارسة حريته التي تجعل منه إنساناً كريماً". وترتبط حرية المواطن بحرية الوطن التي لا يصونها إلا المواطنون الأحرار و"لا تكتمل حرية المواطن إلا بتحرره الاقتصادي والاجتماعي"، 5) إن حركة الثورة العربية جزء أساسي من حركة التحرر العالمي.([60])

باستثناء النقطة الرابعة التي تؤطر قضية "الحرية" بنظام "الديمقراطية الشعبية"، تبقى النقاط الأربعة الأخرى أقرب للشعارات التي كانت رائجة ضمن الأدبيات الحزبية للأحزاب القومية في تلك الفترة. الديمقراطية الشعبية كما ترجمتها أغلب الممارسات للأنظمة السياسية التي تبنت هذا الشكل من الحكم، ما هي إلا كناية عن رفض النظام الديمقراطي التمثيلي (بشكله الغربي)، وتبني نظام استبدادي باسم الحزب الواحد، أو الحاكم الملهم، أو مجلس قيادة الثورة. في حالة دستور الأسد فإن هذه الممارسة مؤطرة من خلال احتكار حزب البعث للعملية السياسية، أضاف إليها الأسد بعض الشخصيات التي قبلت هذا الأمر الواقع من بقايا الأحزاب القومية الأخرى، والتي تم تضمينها في "الجبهة الوطنية التقدمية".([61])

السمة الثانية للنظام السياسي، كما صاغه الأسد، يتمثل في: المركزية الشديدة للنظام "الرئاسي"، لكن من دون وجود المراقبة والتوازن بين السلطتين التشريعية والقضائية مع السلطة التنفيذية أو في تقييد فترة حكم الرئيس. لقد أطر دستور 1973 الصيغة "القانونية" لاستمرار الأسد في الحكم مدى الحياة، وكذلك تمركز كافة السلطات في يديه. ومن هنا تأتي أهمية "الحزب الحاكم" ومجلس الشعب في إيجاد أداة "شرعية" للاستفتاءات الرئاسية التي كانت تتم كل سبع سنوات، وفاز فيها الأسد الأب بنسبة لم تقل أبداً عن نسبة (99.9%) المعهودة. الأمر الثاني الذي حاول الدستور التفصيل فيه هو: تعدد الصلاحيات التنفيذية والتشريعية والقضائية والحزبية الواسعة لرئيس الجمهورية. وعلى الرغم من أوجه التشابه بين النظام السياسي للأسد وتلك الأنظمة السلطوية التي اعتمدت تجربة الحزب الواحد، فقد تميز النظام السوري بالخصائص التالية: 1) تحكم فرد واحد، وهو الرئيس الأسد، بالنظام السياسي، ونجاحه في استئصال أو ترويض كافة أشكال المعارضة السياسية، منهياً بذلك عقوداً من الاضطرابات والفوضى السياسية، 2) الدور المحوري للمؤسسة الأمنية والعسكرية في ضمان استمرار واستقرار النظام، 3) التوازن الدقيق بين عمل الأجهزة الأمنية التي تسيطر عليها شخصيات من الطائفة العلوية وبين المؤسسات الحزبية والبيروقراطية (المذكورة في الدستور)، والتي تعكس تمثيلاً يكاد يقترب من التركيبة السكانية، مع تفضيل أبناء الريف على حساب أهل المدينة في كلتا الحالتين.([62])

لقد رسخ حافظ الأسد "الازدواجية" في تركيبة النظام السياسي بين المؤسسات الرسمية التي نص عليها الدستور (مجلس الشعب للسلطة التشريعية، ومجلس القضاء الأعلى والمحكمة الدستورية العليا للسلطة القضائية، وحزب البعث كحزب حاكم) وبين الأجهزة الأمنية المتشعبة، ومسؤولي الأمن في المؤسسة العسكرية الذين تربطهم "عصبية" الانتماء الطائفي والعائلي مع الرئيس الأسد. وهكذا أوجد الأسد نوعاً من "التقسيم الوظيفي" بين المؤسسات الرسمية وبين دائرة صنع القرار الحقيقية (الرئيس ومساعديه من قادة الأجهزة الأمنية)، وبين باقي مؤسسات الدولة والحزب التي اقتصرت على تنفيذ وتبرير توجهات وسياسات النظام. ملاحظة أخيرة: في ظل نظام الأسد الأب، لم يكن من السهولة فهم تركيبة وآلية عمل النظام السياسي من خلال قراءة الدستور، وذلك بسبب "الباطنية السياسية" التي اعتمدها النظام في الممارسة. من الأمور المعروفة أن النسخة الأولى من مشروع دستور عام 1973 حذفت كل ما تعلق بالدين، كاشتراط أن يكون الرئيس مسلماً أو أن يكون للفقه الإسلامي دور في التشريع كما نصت الدساتير السابقة، لكن عندما قامت معارضة شعبية واسعة من المجتمع السوري، قبِل الأسد الرضوخ إلى المطالب الشعبية. ولحل إشكالية الخلفية الطائفية للأسد - منحدر من الطائفة العلوية - أوعز الأسد لمفتي الجمهورية حينها، الشيخ أحمد كفتارو، ولرئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان، موسى الصدر، بإصدار فتاوى تؤكد أن الطائفة العلوية هي طائفة مسلمة تنتمي إلى المذهب الشيعي الجعفري (الإثنا عشري)، وبذا تم حل الإشكال الدستوري.([63]) المثال الثاني حول انفصال الدستور عن الواقع يتمثل في: تعطيل القسم المتعلق بالحريات والحقوق عن التنفيذ، إما استناداً إلى حالة الطوارئ السائدة منذ عام 1963، أو إلى تجاهل كامل لهذه النصوص باسم أولويات أخرى كمقاومة العدو الصيهيوني والإمبريالي أو التصدي للمؤامرات الخارجية.

لقد ورث بشار الأسد نظاماً سياسياً، كان يدرك أن أي محاولة لإصلاحه قد تؤدي إلى تقويضه. وشهد العالم لحظة غير مسبوقة في "المرونة الدستورية"، تمثلت في تعديل المادة 83 من الدستور السوري، في أقل من عشرين دقيقة، فقد تم تغيير المادة المتعلقة بعمر الرئيس من أربعين سنة إلى أربع وثلاثين سنة. وعلى الرغم من المطالب الشعبية بضرورة الإصلاح السياسي المتدرج للانتقال إلى نظام تعددي يضع حداً لتجربة حكم الحزب الواحد وذلك بإلغاء المادة الثامنة، كأضعف الإيمان، ورفع حالة الطوارئ، وإطلاق الحريات، لم يستجب الأسد لأي من هذه المطالبات إلا بعد قيام الثورة السورية بأكثر من عام.

وبدراسة متأنية للتغييرات في النظام السياسي لدستور عام 2012، يتضح أن بشار الأسد أراد البرهنة على أنه أجرى تعديلات أساسية تتجاوب مع كثير من المطالب الشعبية، فقدم بعض التنازلات النظرية، كإنهاء حكم الحزب الواحد، إلا أنه تم تفصيل الدستور الجديد على مقاس الأسد لضمان استمراره في الحكم حتى عام 2028 على أقل تقدير. فمن بين التنازلات المتعلقة بالنظام السياسي، كما أشار إليها الدستور الجديد، ما يلي: 1) تشمل مقدمة الدستور إشارات إلى حكم القانون، ومجموعة من المبادئ الأساسية، منها حكم الشعب القائم على "الانتخاب والتعددية السياسية والحزبية وحماية الوحدة الوطنية والتنوع الثقافي والحريات العامة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص والمواطنة وسيادة القانون"،([64]) 2) إلغاء المادة الثامنة التي كانت متضمنة في الدساتير البعثية السابقة، واستبدالها بمادة تنص على أن النظام السياسي يقوم على مبدأ التعددية السياسية وتتم ممارسة السلطة الديمقراطية عبر الاقتراع،([65]) 3) كفالة الدستور الجديد للتنوع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكوناته، وتعدد روافده باعتباره تراثاً وطنياً يعزز الوحدة الوطنية،([66]) 4) التخلي عن النظام الاقتصادي الاشتراكي،([67]) 5) التوسع في باب الحقوق والحريات، وإضافة فصل حول سيادة القانون، 6) اعتماد مبدأ الانتخابات الرئاسية التنافسية، بدلاً من طريقة الاستفتاء على المرشح الأوحد التي اعتمدها النظام منذ عام 1973.

لكن كثيراً من هذه الإيجابيات - من الناحية النظرية - تتلاشى بتقييد الحياة الحزبية من خلال اشتراط البند الرابع من المادة الثامنة على ما يلي: "لا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب أو تجمعات سياسية على أساس ديني أو طائفي أو قبلي أو مناطقي أو فئوي أو مهني، أو بناءً على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون".([68]) ومع أن بعض هذه التقييدات قد تكون منطقية بالنسبة لنظام سياسي جاد في عملية الانتقال الديمقراطي، إلا أن الهدف العام منها في حالة دستور بشار هو إقصاء تيارات سياسية كاملة عن العمل السياسي، كتيارات الإسلام السياسي، أو الأحزاب الكردية أو أي حزب لا يتفق مع أجندة الجهات المختصة المناط بها تقرير كيفية تطبيق هذه المادة. أما تفصيل هذا الدستور على مقاس بشار الأسد فهو في كيفية اختيار الرئيس، فبالإضافة إلى اشتراط أن يكون الرئيس "مسلماً"، ومتماً الأربعين من عمره، تضيف المادة الرابعة والثمانون ما يلي: أن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، وغير محكوم بجرم شائن ولو رد إليه اعتباره، ألا يكون متزوجاً من غير سورية، وأن يكون مقيماً في الجمهورية العربية السورية لمدة لا تقل عن عشر سنوات إقامة دائمة متصلة عند تقديم طلب الترشيح. إضافة إلى ذلك، فإن الطريقة الوحيدة للترشيح للرئاسة تتم عن طريق حصول المرشح على تأييد 35 عضواً من مجلس الشعب.([69]) إن أي متابع للكارثة السورية يعلم علم اليقين أن هذه المواد والاشتراطات ما هي إلا لحرمان السوريين الذين عارضوا بشار الأسد واضطروا إلى مغادرة البلاد من حق المنافسة على المنصب الأهم في النظام السياسي، وبالتالي إقصاء أغلبية المعارضين من حق الترشح. وكما أظهرت التجربة السورية وغيرها من التجارب العربية، فإن من يُسمح لهم بالترشح من الداخل عادة من عملاء النظام، وذلك بهدف إعطاء عملية الاقتراع مسحة التنافس. وهكذا، فلو تجاوزنا افتقاد الدستور إلى الشرعية بسبب غياب العملية الدستورية، فإن الفشل الكبير في هذا الدستور في المواد المشار إليها، والهادفة إلى إلغاء مبدأ التناوب السلمي على السلطة، وهو التقليد الذي قامت ثورات الربيع العربي لوضع حد له. ما يقدمه دستور الابن تنازلات في قضايا لا تؤثر على تركيبة النظام السياسي، وتحاكي تلك التنازلات التي قدمها النظام المصري في عام 2005، وهي التي سمحت بتعدد المرشحين الرئاسيين، لكنها لم تُصغ بهدف إحداث تغيير ديمقراطي حقيقي.

خلاصة واستنتاجات

إن نقطة البداية في أي عملية صياغة دستورية تكمن في التسليم بأن الوثيقة النهائية تستمد جزءاً كبيراً من شرعيتها من العملية نفسها. النقطة الثانية: تتمثل في قناعة المصممين بأنه يمكن التوصل إلى حلول توفيقية لكافة القضايا العالقة والجدلية إذا ما توفرت الإرادة السياسية لدى المكونات المجتمعية الرئيسية ممثلة بقوى سياسية مسؤولة ولديها قيادات تتجاوز اهتماماتها المسائل الآنية. ثالثاً: فإن أي عملية دستورية لا تضع غايتها تغيير قواعد النظام السياسي للانتقال من دولة الاستبداد والفساد وحكم العائلة والمافيا إلى سعة الديمقراطية ودولة القانون، وترسخ مبدأ التبادل السلمي للسلطة، محكوم عليها بالفشل. وفيما يلي بعض التفصيل لهذه النقاط الثلاث:

أولاً: أهمية العملية الدستورية

يمكن لأي فرد أو مجموعة بحثية كتابة مجموعة من المبادئ والأحكام المنظمة لعمل منظومة سياسية، قد تجاري بمحتواها عنان القيم المثالية والأهداف المنشودة، وتكون أساساً لوثيقة دستورية، لكن مثل هذه الجهود لا يمكن أن ترقى إلى ما يُصطلح عليه بالعملية الدستورية السليمة، لأن الاحتكام لهذه المبادئ والقيم يستند إلى التسليم والقبول بعملية الصياغة. هذه الفكرة البسيطة كانت فتحاً في عام 1918، عندما طرحها عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر في محاضرته الشهيرة "السياسة كمهنة"، وحدد فيها أنواع الشرعية الثلاثة، أولها: الشرعية المستمدة من القيم التقليدية، وثانيها: القائمة على الإمكانيات الاستثنائية للشخصية الكاريزماتية، وأخيراً: الشرعية القائمة على أساس "القواعد القانونية المقبولة".([70]) لقد كان فيبر محقاً بأن التطور البشري يسير باتجاه الشرعية العقلانية القانونية المستندة إلى القبول بـ "قواعد اللعبة"، وهو ما يتم مأسسته من خلال العملية الدستورية. إن ما أعطى شرعية لدساتير عام 1919 و1930، وخاصة دستور عام 1950، أنها تمت من خلال عملية ساهمت فيها أغلب مكونات المجتمع السياسي السوري في وقتها، ومرت بمراحل الصياغة القانونية والنقاش السياسي من خلال مجالس تأسيسية، تم انتخابها لهذا الغرض (في 1928 و1950)، وأخيراً أخذت حظها من الحوار والنقاش، حتى تم إقرارها في الجمعيات التأسيسية ومن خلال استفتاءات شعبية لاحقاً.

واستناداً إلى دراسة التجربة السورية، وبعض التجارب المعاصرة، فقد قام فريق اليوم التالي الذي اجتمع على مدار أكثر من ستة أشهر في بدايات الثورة السورية في النصف الأول من عام 2012، بهدف تقديم خارطة طريق للانتقال الديمقراطي في سورية، قدم الفريق المعني بالتصميم الدستوري بعض التوصيات للعناصر المطلوبة في عملية صياغة دستورية شرعية، ومن أهمها:

  1. يجب أن تتجاوز عملية صياغة الدستور مجرد كتابة دستور جديد، إلى المساهمة في تقوية هوية وطنية سورية، وترعى مبدأ الوحدة الوطنية، وتعمق الثقة بين كافة مكونات المجتمع السياسي السوري.
  2. يجب أن تستند عملية الصياغة الدستورية إلى مجموعة من المبادئ الجوهرية، ومنها: الشفافية، والتشاركية، وتغليب روح التوافق والإجماع، والعهدة الوطنية (أن تكون عملية بأيدٍ سورية ومن أجل سورية).
  3. إيجاد إطار قانوني انتقالي يضمن حقوقاً وحريات جوهرية، ويقدم خارطة طريق لعملية التفاوض على صياغة الدستور الدائم، وضمانات دستورية (مبادئ فوق دستورية) يتم التوافق عليها.
  4. يجب صياغة ومناقشة الدستور في جمعية تأسيسية منتخبة، تُمثل فيها كافة مكونات المجتمع السوري، إلى أقصى حد ممكن، ويمكن أن يُطرح الدستور بعد ذلك على استفتاء شعبي (حقيقي وليس صوري كما كانت تفعل الأنظمة السلطوية).
  5. هناك ضرورة لوجود برنامج للتوعية والتواصل مع المكونات المجتمعية خلال كافة مراحل الصياغة الدستورية.([71])

وبالانتقال إلى الواقع السياسي، لا بد من التعليق على النقاش والجهود الدولية الجارية حول الدستور بأنها لم تصل إلى أي نتيجة ملموسة، وذلك إما لأنها حاولت سحب الأمر من يد السوريين، عندما قدم الطرف الروسي "دستوراً" جاهزاً للمفاوضين السوريين في الآستانة يضمن بقاء الأسد في السلطة،([72]) أو عندما حاول بعضهم اختزال العملية السياسية في "السلة الدستورية"، وأخيراً محاولات اختزال السلة الدستورية في اقتراح تعديلات على دستور عام 2012، لتقليص صلاحيات الرئيس لحساب رئيس الوزراء، ونقل بعض الصلاحيات إلى المجالس المحلية، وتأسيس غرفة برلمانية ثانية، والتأكيد على حياد المؤسسة العسكرية والأمنية.([73]) إن أغلب الجهود المذكورة تقف وراءها القيادة الروسية، لتحويل "النصر العسكري" التي أحرزته مع حليفتها إيران ووكيلها النظام السوري إلى نصر سياسي. من الواضح أن كافة هذه الجهود قد باءت بالفشل، إما لأنها حاولت الالتفاف على السوريين، أو أنها خالفت متطلبات عملية الصياغة الدستورية، ومنها التسلسل المنطقي للأشياء. فمثلاً، قبلت الأطراف السورية المعارضة، ومنها الائتلاف الوطني وهيئة المفاوضات الأولى والثانية بمرجعية وثيقة جنيف لعام 2012، والقرارات الأممية المتعلقة بقضية الانتقال السياسي في سورية، وخاصة قرار مجلس الأمن رقم 2254، لأنها قدمت سياقاً منطقياً قائماً على أساس تشكيل هيئة حكم انتقالي، بصلاحيات تنفيذية كاملة، تقوم بقيادة مرحلة انتقالية، يكون من عناصرها إجراء انتخابات لجمعية تأسيسية، تقوم بصياغة دستور جديد للبلاد، يرافقه مصالحة وطنية، وعدالة انتقالية، وإصلاح للقطاع الأمني، ومن ثم تجري انتخابات رئاسية وبرلمانية على أساس الدستور الجديد.

إن المحاولات القائمة على تحوير هذا السياق من شأنه إطالة عمر الأزمة لأنها تتعاطى مع أعراضها، لكنها لا تقدم حلولاً جذرية لها. هذه القضية كانت حاضرة في وعي السوريين الذين تم استطلاع آراءهم على أولوية صياغة دستور جديد، فقد رأت أغلبية ساحقة ممن تم استطلاع آراءهم في مناطق النظام والمعارضة ومناطق سيطرة الأكراد والسوريين في الخارج، بأن الأوضاع الحالية (تم الاستطلاع في عام 2017)، غير مناسبة لصياغة دستور كامل للبلاد، وأن الأولويات تتمثل في وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح المعتقلين، وفك الحصار، وهزيمة داعش، وإخراج المقاتلين الأجانب، بينما كان موضوع صياغة دستور دائم لسورية في ذيل الأولويات، وأيدها (18%) فقط من المُستطلع رأيهم.([74]) وكبديل، فقد كان تفضيل أغلبية المستجيبين لتبني دستور مؤقت، أو إعلان دستوري يحكم المرحلة الانتقالية. وبالنسبة لطريقة صياغة الدستور، فقد كان التفضيل لطريقة التوافق بين القوى السياسية، بعد انتهاء المرحلة الانتقالية (40.6%)، بينما كان الخيار الثاني صياغة دستور عن طريق جمعية تأسيسية منتخبة (30.3%)، وجاء خيار لجنة خبراء متخصصة في الدرجة الثالثة (25.3%).([75]) أخيراً، لا يمكن الحديث عن أي عملية سياسية، لها علاقة بالانتقال السياسي، بما في ذلك الصياغة الدستورية، من دون إيجاد الآليات المناسبة لإشراك ما يقرب من 6 ملايين لاجئ سوري في هذه العملية، وعدد أكبر من النازحين داخل البلاد. وبالطبع، فهذا يتطلب جهوداً دولية كبيرة، وتعاوناً من الدول المستضيفة للاجئين.

ثانياً: القضايا الخلافية

أما الخلاصة والتوصيات بالنسبة للقضايا الخلافية، فتشير التجربة التاريخية والتجارب المماثلة أن التوصل إلى حلول وسطية يتطلب إشراك كافة القوى السياسية، وتغليب روح التوافق القائم على تطمين الأغلبية للأقليات. وفيما يلي اقتراحات مستخلصة من التجربة الدستورية السورية حول أهم القضايا الخلافية:

  1. هوية سورية: كما هو واضح فإن الإجماع الذي رأيناه في ذكر الهوية العربية في كافة الوثائق الدستورية المتعاقبة، كان انعكاساً للواقع الديمغرافي للبلاد (حيث لم تقل نسبة العرب في أي مرحلة عن 90 بالمائة من السكان)، ومحاولة للتعاطي مع أزمة الهوية الناشئة من تشكيل الدولة القطرية من قبل الدول الاستعمارية. أما في فترة الخمسينيات إلى السبعينيات من القرن المنصرم فلقد كانت هناك مبالغة كبيرة في تحديد أهداف سورية من خلال أيديولوجية حزب البعث والحديث عن "الوحدة العربية"، بينما كانت الممارسة الواقعية ترسيخاً للتجزئة، وحكم الأقلية/العائلة منذ السبعينيات. لقد أنتجت الإشارات/المزايدات المتكررة عن الهوية العربية، وخاصة وصف السوريين بالشعب العربي، نوعاً من رد الفعل عند القومية الثانية في سورية، وهي القومية الكردية. وترافق ذلك مع الممارسات القمعية المزدوجة التي تعرض لها المواطنون الكرد، باعتبارهم "رعايا" لدى نظام لا يعترف بالمواطنة، وهذا هو الظلم العام الذي وقع على أغلبية السوريين، وظلم خاص لأنهم "أكرادٌ". فلقد تم حرمان الأكراد من حقوقهم الأساسية، ومنها الحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وفوق كل ذلك حرمان جزء من المكون الكردي من حق الجنسية في قضية الإحصاء الشهيرة عام 1962.

لقد دفعت الممارسات التمييزية ضد الأكراد السوريين إلى رد فعل معاكس، يصل إلى مداه الأقصى في مطالبة بعض السياسيين الأكراد بتشكيل كيان كردي منفصل عن سورية. ومع أنه من حيث المبدأ لا يجوز حرمان أي شعب من حق تقرير المصير، فإن الواقع الإقليمي قد عقَّد من هذا الأمر، خاصة لانقسام الشعب الكردي بين دول أربع: إيران والعراق وتركيا وسورية. وعلى مدى عقود طويلة اختلفت معاناة الأكراد من قطر لآخر، إلا أن المطالبة بالحقوق المتساوية بقيت هي القاسم الأعظم. في الحالة السورية، تعالت الأصوات الكردية بالمطالبة بالحقوق العادلة، بدءاً بحقوق المواطنة وانتهاء بالمطالبة بدولة كردية مستقلة. ومع انطلاق الثورة السورية، كانت أغلبية المكون الكردي ضمن الحالة المعارضة، وناضلت في كافة المفاصل للحصول على تعهدات من الفصائل العربية المعارضة بحقوق حُرمت منها لعقود طويلة. وعلى الرغم من الحدة في النقاشات والعناد والمكابرة من الطرفين فقد تم التوصل إلى بعض التفاهمات التي تصلح أن تكون أساساً للحديث عن موضوع الهوية في سورية المستقبل.

وللحقيقة فإن أحد الدروس المستفادة من تجربة المعارضة أن الحدة في النقاش والتطرف في المطالب لم تخلق أجواءً صحيةً دائماً للتوصل إلى توافقات مقبولة من الجميع، فعلى سبيل المثال دفعت الفصائل الكردية المعارضة إلى المطالبة بحذف صفة "العربية" من اسم سورية ليكون "الجمهورية السورية"، كما عليه الأمر مع دستور عام 1950. ومع أن عدم وجود هذه الصفة لن يغير هوية الأغلبية العربية ولن يؤثر على "عروبتهم"، كما أن وجودها في باقي المراحل لم يعط القوى السياسية العربية مزايا إضافية أمام نظام الأسدين. مع ذلك تبقى الحقائق الديمغرافية والشفافية والحوار الهادئ أساساً للتوصل إلى تفاهمات حول هذه القضية. ومن هنا، فإن الإبقاء على عروبة سورية، في عنوان الجمهورية، أو في المبادئ الأساسية، قد يكون مقبولاً من المكون الكردي وباقي المكونات غير العربية مهما كانت صغيرة، إذا قابلها اعتراف بالتنوع وشمول لباقي هذه المكونات. فمن الأمثلة التوافقية لحل هذه القضية، الاقتراحات التي قدمها فريق عمل الورشة الدستورية في مشروع "اليوم التالي"، في الحديث عن مبادئ أساسية للدستور القادم. فمقابل الاعتراف بوحدة سورية واستقلالها، وأنها جزء من العالم العربي - يرفض بعضهم مصطلح الوطن العربي - يمكن النص على شمول سورية لكافة المكونات، وعلى رأسها المكون الكردي. فقد جاءت الصيغة المقترحة كما يلي: "الاعتراف بالأكراد والتركمان والسريان والآشوريين والشركس والأرمن كجزء من النسيج الوطني السوري".([76]) وباختصار، فإن التشاركية المؤدية إلى توافق هو الطريقة الوحيدة للتوصل إلى حل لهذه القضية. فمثلاً، إن مطالبة المكون الكردي قد تلقى قبولاً من بعض القوى السياسية العربية (خاصة الليبرالية منها) بحذف أو "تخفيف" الإشارة إلى الهوية العربية، لكن الإصرار والحدة في طرح هذه القضية قد يولد تطرفاً مقابلاً، والحسم في هذه الحالة في الاحتكام إلى الاستفتاء الذي لن يكون في صالح الأقلية.

هذا ما يقد يُفسر دعم أغلبية المستجيبين لاستطلاع فريق اليوم التالي الأخير حول الهوية العربية، إذ طالبت نسبة (77.8%) بضرورة حضور الهوية العربية في الدستور القادم، بينما عارضت نسبة (67%) حذف كلمة "العربية" من الاسم الرسمي للجمهورية السورية.([77])

  1. دور الدين في الدولة: كما ورد في عرض التجربة الدستورية التاريخية فإن الدين كان حاضراً دائماً بشكل أو بآخر في الدساتير السابقة. وهنا لابد من الإشارة إلى عدة أمور، أولها: ضرورة التفريق بين الإشارة إلى الدين، وخاصة الدين الإسلامي، وعلاقته مع الدولة كنوع من الهوية، وبين دور الدين كمصدر للتشريع. ففي الحقيقة عندما تؤكد أغلبية دساتير الدول العربية على أن دين الدولة "الإسلام" فهذا مؤشر على أن الإسلام هو دين الأغلبية في هذه البلدان، وهو إشارة إلى الهوية أكثر منه مؤشر على دوره في إدارة الدولة. مع ذلك، لم تشر الدساتير السورية السابقة، بما فيها دستور عام 1950، إلى أن دين الدولة الإسلام، مع أن المكون المسلم في سورية يشكل الغالبية العظمى. تشير أغلب الإحصائيات الغربية إلى أن المسلمين السنّة يقتربون من 80 بالمائة من السكان، وإذا تم إدماج المكون العلوي تحت الدين الإسلامي (كما كان الحال مع الأسدين الأب والابن) لوصلت النسبة إلى أكثر من 90 بالمائة، وفي هذا انعكاس لتراجع نسبة المكون المسيحي منذ الاستقلال، من هنا فقد استبدلت الدساتير السورية الإشارة إلى أن دين الدولة الإسلام، بمقولة إن دين رئيس الدولة - باعتباره من الأغلبية الساحقة - هو الإسلام.

وعندما حاول حافظ الأسد الالتفاف على هذا النص، قامت مظاهرات واسعة، اضطر بعدها إلى إعادة النص كما هو في الدساتير السابقة، وحرص دائماً على الإقرار بالشهادتين، خاصة في أوائل الثمانينيات أثناء الحملة على الأخوان والمكون الإسلامي، وأداء الصلوات في المناسبات الدينية مع "أرباب الشعائر الدينية". وكما ذكرنا سابقاً، فإن النص على أن دين رئيس الجمهورية الإسلام في ظل نظام برلماني صرف، لا يحمل تمييزاً كبيراً، خاصة وأن المنصب التنفيذي الأهم، رئاسة الوزراء، متاح للجميع. الإشكالية في تبني النظام الرئاسي أو شبه الرئاسي، حيث يتمتع الرئيس بصلاحيات تنفيذية، في هذه الحالة هناك حرمان لغير المسلمين (مهما كانت نسبتهم) من شرف التنافس على هذا المنصب. ولا يحتاج المرء إلى خيال خصب ليتصور أن أغلبية السوريين، بمن فيهم المسلمون الملتزمون، سيفضلون رئيساً ديمقراطياً، ولو كان غير مسلم، على رئيس مسلم ديكتاتوري.

من هنا، فإن التوصية بأنه لا مانع من الإبقاء على شرط الإسلام لرئيس الدولة، في حالة النظام البرلماني الصرف، ففي هذه الحالة لن تكون سورية أكثر ديمقراطية أو أقل تديناً من المملكة المتحدة. أما إذا كان تفضيل السوريين للنظام الرئاسي أو شبه الرئاسي الذي يعطي صلاحيات تنفيذية لمنصب الرئاسة، فالأولى بسورية أن تلغي هذا الشرط، وتصر على المحددات الدستورية التي تمنع الرئيس، مهما كان دينه من إساءة استخدام سلطاته. الأمر الثاني: وتماشياً مع الاتجاه نحو العلمانية التي يتغنى بها النظام السوري، عندما تكون مناسبة، فقد تم التخفيف من دور الدين في دساتير ما قبل حكم البعث إلى ما بعده ليصبح "الفقه الإسلامي مصدراً رئيسياً للتشريع"، بدل أن كان "المصدر الرئيسي" للتشريع، كما هو حال دستور عام 1950.

وفي كلتا الحالتين لم تتحول سورية في ظل البعث إلى دولة مدنية علمانية بالمعنى الحقيقي، فلقد شهدت سورية تنامي ظاهرة المد الإسلامي، كما كان هو الحال في باقي دول المنطقة، إضافة إلى تحكم النظام واستغلاله للمؤسسة الدينية الرسمية. وعلى الرغم من أن نظامي الأسد الأب والابن حاولا تحييد الدين، كما يفهمه تيار الإسلام السياسي، عن الحياة العامة، فلم يستطيعا وضع حد لانتشار ظاهرة التدين في المجتمع السوري على مدى العقود الماضية. وكما هو الحال مع القسم المتعلق بالحقوق والحريات، فإن القسم المتعلق بدور الفقه الإسلامي "كمصدر للتشريع"، لم ينل حظاً كبيراً من التطبيق، في نظام حافظ وولده. وأخيراً، لم يكن "إسلام" حافظ الأسد وولده، والنص على دور الفقه الإسلامي كمصدر للتشريع ليقف في وجه الرئيسين "المسلِمَين" لمنعه من انتهاك حقوق المسلمين، والإسلاميين تحديداً، وهم الذين مثلوا الأعداء التاريخيين للنظام، وعانوا على يديه ما لم يعانه أي مكون آخر.

تواجه سورية اليوم نوعين من الضغوط في هذه القضية، أحدهما خارجي، تقوده روسيا وبعض الدول الغربية التي حرصت على تحييد دور الدين في الوثائق التي صاغتها، وأصرت على التأكيد على "علمانية" الدولة السورية، باسم المحافظة على الأقليات، وخاصة الأقلية العلوية، وتؤيد هذا التوجه الأقليات الدينية والعرقية، بما فيها بعض المكونات المسلمة كالعلويين والدروز، وغير المسلمين (المسيحيون تحديداً)، وحتى بعض السنة كقسم كبير من المكون الكردي، وأخيراً العلمانيون العرب السنة. مقابل ذلك، هناك المكون السني من المتدينين والملتزمين، أو المنتمون إلى الإسلام السياسي، إضافة إلى التيارات السلفية التي نمت في ظل قمع نظام الأسد للثورة السورية، ترى هذه الفئات – وهي ليست صغيرة من حيث العدد والوزن - ضرورة نص الدستور القادم على دور للإسلام في الحياة العامة، فلم يكن غريباً أن تكون نسبة المؤيدين من المستجيبين لاستطلاع اليوم التالي، على مدار عام 2017 قد بلغت (77.9%) من الراغبين بنص الدستور على أن تكون الشريعة مصدراً "رئيسياً" للتشريع،([78]) وفي ذلك استمرارية لكافة الدساتير السابقة، بما فيها دستور بشار الأسد لعام 2012.

أمام هذا الخلاف، فإن بعض التوصيات التي توصل لها فريق اليوم التالي في عام 2012، قد تكون مفيدة. العنصران اللذان تم التوافق عليهما من الفريق الذي ضم ممثلين لتيارات فكرية ودينية وسياسية متنوعة، هما: 1) الشريعة الإسلامية والديانة المسيحية والرسالات الدينية والإنسانية الأخرى مصادر ملهمة للتشريع، 2) الدولة محايدة فيما يتعلق بمسألة الدين، تحترم قيمه ولا تجبر الناس عليه أو تمنعهم عنه.([79]) وبالنسبة للإسلاميين فإن هذه الصيغة هي أضعف مما جاء في دستور بشار الأسد لعام 2012، الذي نص في مادته الثالثة على: 1) دين رئيس الجمهورية الإسلام، 2) الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع، 3) تحترم الدولة جميع الأديان، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على أن لا يخل ذلك بالنظام العام، 4) الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية.([80]) التوافق العام الذي قبلت به أغلبية من الإسلاميين هو في القبول بسورية دولة "مدنية ديمقراطية". ومع أن بعضهم يفهم من الدولة المدنية أنها المقابل لحكم العسكر (فحكم العسكر بالتعريف غير ديمقراطي)، فإن مصطلح المدنية كان أقرب إلى أنها الدولة غير الدينية (الثيوقراطية)، وهذا المصطلح كان أكثر قبولاً عند الإسلاميين من مصطلح العلمانية سيء السمعة، خاصة وأنه يرتبط بأذهانهم بالتجربة التركية في ظل أتاتورك، وتجربة إيران/الشاه.

لعل من شروط التوصل إلى توافق في هذه القضية القيام بحملة توعية في صفوف الإسلاميين للتفريق بين العلمانية التي تعادي الدين (العلمانية اللايكية) التي جاءت من التجربة الفرنسية، وبين النموذج (الأنكلوسكسوني) للعلمانية، وهو النموذج الذي لا يعادي الدين، بل يتعامل معه بحيادية إيجابية. ولعل هذا ما نص عليه النموذج الأمريكي الذي لا يتبنى ديناً (أو تفسيراً مسيحياً معيناً)، وإنما يحترم جميع الأديان. ولعل من المفيد هنا تذكير الإسلاميين بأن الإنجاز الذي حققه حزب العدالة والتنمية في تركيا تمثل في إعادة تعريف "العلمانية" من العلمانية المعادية للدين إلى العلمانية المحايدة تجاه الدين. ولعل هذا هو السبب الرئيس في نجاح الحزب، (ذو المرجعية الإسلامية) من حكم هذا البلد العلماني العريق.

  1. الحقوق والحريات: لعل من الآثار الجانبية للحكم الاستبدادي أنه يقوي الإحساس لدى ضحاياه بضرورة احترام حقوق وحريات الإنسان الأساسية. في هذه النقطة، لن يكون من الصعوبة التوسع في تبني حقوق الإنسان وحرياته، والاستفادة من آخر تجارب الشعوب التي ناضلت في سبيل حريتها وكرامتها. في هذا الإطار، هناك ثلاث نقاط تستوجب الإشارة، وقد تكون بحاجة لمزيد من النقاش المستفيض، الأولى: ما المرجعية المقبولة لحقوق الإنسان في الدستور المقبل؟ والثانية: ما الضمانات الدستورية اللازمة لحماية حقوق الأفراد والأقليات الدينية والعرقية؟ والثالثة: ما درجة التمثيل السياسي النسائي التي تعكس التوجه إلى المساواة الجندرية في الدستور بين الرجل والمرأة؟ في الموضوع الأول، وبالنسبة لشعب عانى الأمرين في ظل حكم الأسدين، فلا عجب أن تحتل هذه القضية أولوية مطلقة، فمن أجل حريته وكرامته قدم الشعب السوري التضحيات الغالية من القتلى والجرحى والمعتقلين والمشردين، ما لم يقدمه شعب آخر. ولذا فمن المنطقي التوقع بأنه إذا أُعطي السوريون الحرية في هذه القضية، فإنهم سيدفعون إلى أن يتضمن الدستور كافة الحقوق والحريات السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية التي وردت في الدساتير السابقة، وأن تكون الشرعية الدولية لحقوق الإنسان هي المرجعية، بحيث لا يتمكن حاكم قادم من الالتفاف حول الحريات السياسية والحقوق المدنية، باسم الخصوصية الثقافية، أو المقاومة والصمود، أو تحت أي شعار آخر. ولعل مؤشراً واضحاً في الاستطلاع الذي أجراه فريق اليوم التالي قد رسخ هذه النتيجة، إذ أيدت أغلبية ساحقة (91.6%) من المستطلع رأيهم، الذين تم سؤالهم عن نص الدستور حول ضرورة التزام الدولة السورية بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان.([81]) الأمر الثاني: كلما نص الدستور على ضمانات أكبر للمكونات ذات الأقلية العددية كانت التجربة الدستورية أدعى للنجاح. إن التجربة العملية للدولة السورية منذ الاستقلال لم تأخذ طابع تمييز الأغلبية ضد الأقليات، ما خلا تمييز النظام البعثي (الأقلوي) ضد المكون الكردي.

لقد استأثر المكون العلوي منذ انقلاب البعث عام 1963 بامتيازات استثنائية، تمثلت في احتكار هذا المكون للمؤسسة الأمنية، والسيطرة التدريجية على المؤسسة العسكرية، ومن خلالها تمت السيطرة على كثير من المفاصل السياسية والبيروقراطية في الدولة، وأخيراً على الأنشطة الاقتصادية الكبرى في البلاد، من خلال رمرمة الاقتصاد (نسبة إلى احتكار رامي مخلوف لأهم الأنشطة الاقتصادية في ظل بشار الأسد). الضمانات المطلوبة للأقليات في أي دستور مقبل هامة لطمأنتها، وبشكل خاص طمأنة المكون العلوي تحديداً بأنه لن يكون هناك عمليات انتقامية من ضحايا العنف الذي مارسه نظام الأسد ضد أغلبية الشعب السوري. ولعل أفضل ضمان أن تترافق الضمانات الدستورية مع عدالة انتقالية ومصالحة وطنية.

أما بالنسبة لباقي الأقليات، فمن المهم معالجة الظلم الذي وقع على المكون الكردي، وطمأنة المكون المسيحي للتمسك ببلاده، وعدم إشعاره بالغربة في وطنه. وبالنسبة لأغلبية الشعب السوري، وعلى رأسه الأقليات العددية، فإن تبني اللامركزية الإدارية سيكون مكملاً عملياً للحقوق والحريات. أما بالنسبة للقضية الثالثة وهي موضوع المساواة بين المرأة والرجل: فهناك تطورات إيجابية يمكن الإفادة منها. أولى هذه الإيجابيات أن المرأة قد ساهمت في الثورة السورية وضحت كالرجل أو أكثر. لقد فتحت الثورة السورية آفاقاً جديدة للمرأة السورية، وأخرجتها من دائرة استغلال النظام الأسدي لقضية المرأة باسم العلمانية والتقدمية، لتصل إلى قناعة أن المساواة الجندرية يجب ألا تبقى حكراً ً على الأنظمة "التقدمية"، كما أنها ليست مضمونة بشعارات من قبل قوى معارضة تنادي بالحرية والديمقراطية. لقد بلورت بعض الناشطات السوريات مطالبهن بضرورة تحقيق التمثيل النسوي الفعلي في كافة مفاصل العملية السياسية، بما في ذلك عملية البحث عن حل سياسي، وصياغة الدستور، والتمثيل في المؤسسات السياسية لسورية المستقبل.

ومن الجهود المبذولة في عملية التحضير لعملية دستورية متوافقة مع النوع الاجتماعي (الجندر) اقترحت بعض الناشطات الممثلات لجمعيات نسوية سورية بعض المبادئ الدستورية الحساسة لموضوع مشاركة المرأة، ومنها: 1) يكفل الدستور تحقيق المساواة التامة بين النساء والرجال في حقوق المواطنة بما يضمن تمتعهن بكافة الحقوق والحريات، 2) يكفل الدستور وتلتزم الدولة بتمكين النساء من المشاركة في الحياة العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وضمان حق متساوٍ للنساء والرجال في شغل جميع المناصب في الدولة وجميع مراكز صنع القرار.([82]) كما نجحت نساء سوريات في فرض نسبة تمثيل للمرأة لا تقل عن ثلاثين في المئة في بعض مؤسسات المعارضة، وهذا ما التزمت به هيئة المفاوضات في رؤيتها التي طرحتها للحل السياسي. وأخيراً، لا بد من وضع إطار قانوني لحماية حقوق المرأة، بعد إقرار الدستور، ومنها إيجاد الآليات المساعدة للمرأة لخوض المعترك السياسي، وذلك من خلال توفير فرص التعليم والتدريب والدعم الأسري. ولعله من المفيد في المراحل الأولى، إيجاد نوع من التمييز الإيجابي من خلال إلزام الأحزاب السياسية بتخصيص مواقع متقدمة للنساء على قوائمها الانتخابية، كما تفعل كثير من دول شمال أوروبا.

  1. النظام السياسي: بالانطلاق من التجربة التاريخية لسورية، يتضح أن البلاد قد تبنت، ولو لفترات بسيطة، أشكالاً عديدة للأنظمة السياسية، ومنها البرلماني، وشبه الرئاسي، والرئاسي. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن النظام السياسي الذي هندسه حافظ الأسد على أساس من دستور عام 1973، واستمر في عهد ولده لم يكن نظاماً رئاسياً حقيقياً.

فالنظام الرئاسي الذي يمثل نظام الولايات المتحدة نموذجه، يقوم على أساس (checks and balance) المراقبة والتوازن بين السلطات المستقلة: التشريعية والتنفيذية والقضائية. في النظام الأسدي، كان هناك سلطة واحدة متغولة لشخص الرئيس على كافة السلطات، وتلعب المؤسسات التشريعية (مجلس الشعب)، والقضائية (المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء) أدواراً تزينية لهيكل نظام يشبه ما تعارفت عليه الدول بالأنظمة السياسية. ويكاد توصيف تقرير الأمم المتحدة عن حالة الحرية في العالم العربي يقترب من إدراك طبيعة النظام السوري عندما يصف تغول السلطة التنفيذية على باقي السلطات بحالة "الثقب الأسود" في الفضاء تدور باقي المؤسسات في فلكه، إضافة إلى اعتماد المؤسسة الرئاسية على أجهزة القمع بكافة أشكالها، لتجسد حالة الاستبداد المطلق.([83])

ومن هنا، فإن التحدي الأكبر في بناء حياة دستورية حقيقية لسورية المستقبل تكمن في تبني نظام سياسي تتوفر فيه شروط أساسية أهمها تخفيض صلاحيات السلطة التنفيذية المتمثلة في مؤسسة الرئاسة. ولذا لم يكن غريباً أن تتجه المعارضة السورية، منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011، إلى الإشارة إلى تفضيلها للنظام البرلماني، باعتباره النموذج المقابل للنظام الرئاسي، إضافة إلى الحنين إلى النظام السياسي الذي جسده دستور عام 1950 الذي اعتبر الأكثر ديمقراطية في تاريخ البلاد. وللحقيقة، فإن النقاش حول النظام السياسي الأفضل للدول التي تمر بانتقال ديمقراطي لم يكن حاسماً في أفضلية النظام البرلماني على الرئاسي. ومن الأمثلة على الأدبيات المتوفرة حول توصية تبني النظام البرلماني على الرئاسي في الفترات الانتقالية، ما كتبه آرند ليبهارت بعنوان: "خيارات دستورية للديمقراطيات الجديدة". يؤكد ليبهارت أن الأنظمة الرئاسية، مع نظام انتخاب الدوائر الفردية، تميل إلى تقوية نموذج ديمقراطية حكم الأغلبية التي غالباً ما تكون الفائز الوحيد في حال تبني هذا النظام في المراحل الانتقالية.

أما الأنظمة البرلمانية، وهي التي يوصي بها ليبهارت، إذا ما ترافقت مع نظام الانتخاب النسبي، فإنها تشجع روح التوافق في الحياة السياسية، وتحفز التشاركية بين القوى السياسية. ويخلص ليبهارت إلى تفوق النظم البرلمانية في المجالات التالية: حقوق الأقليات، وتزايد نسبة المشاركة السياسية، وتقليل نسبة التفاوت الاقتصادي بين المكونات المجتمعية.([84]) ومع أن توصيات ليبهارت كانت بشكل أساسي لدول أمريكا اللاتينية، فقد تبنت أغلب هذه الدول في مراحل تحولها النظام الرئاسي أو شبه الرئاسي. النقطة الأساسية في النقاش - بغض النظر عن تبني أي من الأنظمة السياسية - أن تكون السلطة التشريعية منوطة ببرلمان منتخب، يمارس صلاحيته التشريعية بشكل كامل، كما يمارس دوراً رقابياً على السلطة التنفيذية. لكن نقطة الضعف الكبيرة في تبني نظام برلماني في لحظة التحول، فيما لو طُبقت على الحالة السورية، تكمن في عدم وجود أحزاب سياسية قوية، وهي عماد نجاح النظام البرلماني. لذا، فإن التوصية في تبني النموذج شبه الرئاسي (أو المختلط كما يُسمى أحياناً)، الذي يحتفظ بأهم مزايا النظام البرلماني، ويقسم السلطة التنفيذية بين رئيس منتخب لفترة محددة، ورئيس وزراء تختاره الأغلبية الحزبية في البرلمان، ويكون مسؤولاً أمامها.

ويمكن تلخيص مزايا هذا النظام بما يلي: 1) يقدم هذا النظام حلاً وسطاً بين النظامين الرئاسي والبرلماني، ويحاول تجاوز سلبيات كل منهما، 2) يُضعف هذا النظام الصلاحيات الرئاسية، مما يخفف من احتمال استبداد الرئيس، 3) يقلل من احتمالات عدم الاستقرار في مرحلة الانتقال، بوجود رئيس فوق الأحزاب يكون بمثابة الضابط لتنافسها، 4) يحقق توازناً للسلطات بين الجهات السياسية الثلاث: الرئيس، والبرلمان، والحكومة برئاسة رئيس الوزراء الذي تختاره الأغلبية البرلمانية. وبالطبع فلهذا النظام سلبياته، خاصة في حالة وصول رئيس ذي توجهات شعبوية (بوتين)، أو في حالة تحكم جهة كالمؤسسة العسكرية بالرئيس (بوتفليقة)، ومع ضعف البرلمان والحياة الحزبية يمكن أن ينحرف هذا النظام إلى نظام استبدادي. ومما يعزز من فرص نجاح النظام شبه الرئاسي، استقلالية السلطة القضائية، وتبني اللامركزية الإدارية، التي يمكن أن يعززها وجود برلمان بغرفتين (نواب وشيوخ)، يكون فيه مجلس الشيوخ ممثلاً للمحافظات، ووجود رئيس توافقي.

والخلاصة، فإن صياغة دستور جديد لسورية يتطلب من الناحية النظرية عملية تتحقق فيها التشاركية والتوافق والملكية الوطنية، تبدأ بهيئة حكم انتقالي محايدة وشاملة لكافة مكونات المجتمع السوري - مهما كان حجمها - وتشرف على عملية انتخاب جمعية تأسيسية، مهمتها صياغة دستور جديد قائم على التجربة التاريخية للبلاد وعلى تجارب الدول الناجحة، تقدم مسودتها إلى استفتاء حقيقي، تسبقه عملية حوار جاد وتوعية حول العملية الدستورية ونشر ثقافة التوافق. ومن الطبيعي أن تكون هذه العملية في سياق حل سياسي على الأسس التي تبنتها الأمم المتحدة، تترافق مع مصالحة وطنية، وعدالة انتقالية، وإعادة تشكيل للقطاع الأمني. وأخيراً، فإن عملية الصياغة الدستورية السليمة هي بداية لحياة دستورية ترسي دعائم دولة القانون، وتحفظ حقوق وحريات مواطنيها، وتطلق طاقات أبنائها في التنمية والإبداع. وبما أن الأنظمة الديمقراطية - نتاج الحياة الدستورية -  عرضة للتراجع فهي بحاجة للرعاية المستدامة. 


([1]) Nathan J. Brown, Constitutions in a Nonconstitutional World: Arab Basic Laws and the Prospects for Accountable Government (Albany, NY: State University of New York Press, 2002), p. 195-6

([2]) حول العملية الدستورية في العراق، انظر:

Jonathan Morrow, “Iraqi Constitutional Process II: An Opportunity Lost,” USIP Special Report 155, November 2005; and Julia Choucair-Vizoso, “Iraq” in Ellen Lust, ed. The Middle East, 14th ed. (Thousand Oaks, CA: SAGE, 2017), pp. 498-9.

([3]) حول علاقة ظهور داعش وعلاقتها بتهميش المكون السني، انظر:

“The Rise of ISIS,” Frontline, 28 October, 2004. https://www.pbs.org/wgbh/frontline/film/rise-of-isis/

([4]) انظر ملخص الأزمة الدستورية في عهد مرسي:

“Q & A Egypt Constitutional Crisis,” BBC News, 24 December 2012. https://www.bbc.com/news/world-middle-east-20554079

([5]) انظر على سبيل المثال: "الساعات الأخيرة قبل الانقلاب.. كيف أدار السيسي لعبة "الخداع الاستراتيجي" ضد مرسي؟"، الجزيرة نت، 24 فبراير 2019، https://www.aljazeera.net/programs/al-jazeeraspecialprograms/2019/2/24/

([6]) المادة الرابعة والسبعون، دستور مصر الصادر عام 2014https://www.constituteproject.org/constitution/Egypt_2014.pdf?lang=ar

([7]) تم تصنيف جماعة الإخوان كجماعة إرهابية في ديسمبر 2013، بينما تم إقرار الدستور الذي يمنع تشكيل أحزاب على أساس الدين في 18 يناير 2014.

([8]) حول ملخص لعملية الصياغة الدستورية في جنوب أفريقيا، انظر:

“The Drafting and Acceptance of the Constitution,” South African History Online, no date

https://www.sahistory.org.za/article/drafting-and-acceptance-constitution

([9]) انظر على سبيل المثال،

Laryssa Chomiak & Robert Parks, “Tunisia,” in Ellen Lust, ed. The Middle East, 14th ed. (Thousand Oaks, CA: SAGE, 2017), pp. 808-854.

Mohamed-Salah Omri, “The Tunisian Constitution: The Process and the Outcome,” Academia, February 12, 2014.

https://www.academia.edu/6166557/The_Tunisian_Constitution_The_process_and_the_outcomes

([10]) المادة الأولى والسادسة، دستور تونس، https://majles.marsad.tn/uploads/documents/TnConstit_final_1.pdf

([11]) لقد استحقت اللجنة الرباعية الفوز في جائزة نوبل للسلام لعام 2015 لدورها المحوري في إنقاذ عملية التحول الديمقراطي، انظر على سبيل المثال، "الرباعي الراعي للحوار الوطني بتونس...نوبل للسلام"، الجزيرة نت، 11/10/2015، http://www.aljazeera.net/encyclopedia/events/2015/10/11

([12]) تم جمع الدساتير السورية، حتى دستور عام 1973، في: مازن يوسف صباغ، سجل (الدستور) السوري. دمشق: دار الشرق للطباعة والنشر، 2010.

([13]) من الكتب التي عالجت خصوصية التناقض بين الأمة والدولة:

Raymond Hinnebusch, The International Politics of the Middle East. 2nd edition. Manchester: Manchester University Press, 2015.

([14]) المادة الأولى من الفصل الأول للقانون الأساسي- الدستور- للمملكة السورية، متضمن في كتاب مازن يوسف صباغ، سجل (الدستور) السوري، مرجع سابق، ص. 81.

([15]) المادة 134.

([16]) نص البيان متضمن في كتاب مازن يوسف الصباغ، ص. 69-75.

([17]) المادة 116، من دستور عام 1930.

([18]) المواد الثلاث الأولى، وبالإضافة إلى المادة الرابعة التي تتحدث عن العلم السوري، هي الأحكام الأساسية للفصل الأول، في الدولة وأراضيها، دستور عام 1930.

([19]) المادة الثانية كما جاءت في مشروع الدستور لعام 1928، لكن المفوض السامي الفرنسي عدلها عندما أصدر الدستور عام 1930.

([20]) المادة 114.

([21]) نص الدستور متضمن في سجل (الدستور) السوري، مرجع سابق، ص. 245-298.

([22]) المادة السادسة والأربعون.

([23]) المادة الخامسة والسبعون.

([24]) المادة الأولى من دستور 1953.

([25]) الباب الأول الدولة العربية المتحدة، من دستور الجمهورية العربية المتحدة، متضمن في سجل (الدستور) السوري، مرجع سابق، ص. 429-446.

([26]) نص دستور 1969 متضمن في المرجع السابق، ص. 518-533.

([27]) تأتي هذه المادة تحت رقم المادة السابعة في دستوري 1969 و1971، لكنها تتعدل في دستور الأسد لعام 1973، لتنص على ما يلي: "حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة، ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية". المادة الثامنة.

([28]) المادة 51 في كلا الدستورين.

([29]) البنود من واحد إلى ثلاثة من المادة الأولى، دستور 1973.

([30]) المادة الأولى من دستور 2012.

([31]) المادة الثالثة من دستور 1973.

([32]) البندان الثالث والرابع من المادة الثالثة، دستور 2012.

([33]) الفصل الثالث: في حقوق الأفراد والجماعات، من المادة التاسعة وحتى السادسة عشر.

([34]) الحقوق والحريات متضمنة في الفصل الثاني من الدرس، بعنوان "في حقوق الأفراد"، دستور عام 1930.

([35]) البند الأول للمادة الثامنة عشر، دستور عام 1950.

([36]) الفقرة هاء من البند الثالث، المادة التاسعة والثلاثون، دستور عام 1950.

([37]) المادة الثانية والثمانون من دستور عام 1953.

([38]) المادة السابعة إلى العاشرة، في الباب الثالث، دستور الجمهورية العربية المتحدة، عام 1958.

([39]) المواد 21 إلى 41 تحت باب حقوق وواجبات المواطنين والتنظيمات الجماهيرية والجمعيات التعاونية، الدستور المؤقت للجمهورية العربية السورية، 1969.

([40]) المادة 24 من الباب الثاني، دستور عام 1969.

([41]) المادة 34، من الفصل الرابع، دستور عام 1973.

([42]) انظر على سبيل المثال

“If the Dead Could Speak: Mass Deaths and Torture in Syria’s Detention Facilities,” Human Rights Watch, December 16, 2015.

https://www.hrw.org/report/2015/12/16/if-dead-could-speak/mass-deaths-and-torture-syrias-detention-facilities#

([43]) المادة الرابعة والأربعون، من الباب الثاني: الحقوق والحريات وسيادة القانون، دستور عام 2012.

([44]) المواد 122-144، دستور عام 1919.

([45]) المادة 109، دستور عام 1930.

([46]) الفصل السادس، التقسيمات الإدارية، دستور عام 1950.

([47]) أمل مخائيل بشور، دراسة في تاريخ سورية السياسي المعاصر. بيروت: توزيع جروس برس، بلا تاريخ، ص. 455.

([48]) الفصل الثالث، مادة 67 و68، الدستور المؤقت لعام 1969، وعام 1971.

([49]) وحدة المعلومات بمركز عمران، "في واقع الإدارة المحلية في مناطق سيطرة النظام المركزية"، مجموعة من الباحثين، حول المركزية واللامركزية في سورية: بين النظرية والتطبيق. الكتاب السنوي الرابع، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 2018، ص. 162.

([50]) المادة الحادية والثلاثون بعد المئة، دستور عام 2012.

([51]) "في واقع الإدارة المحلية في مناطق سيطرة النظام المركزية"، مرجع سابق، ص. 166-168.

([52]) انظر، "مضبطة الأسباب الموجبة للدستور (القانون الأساسي) التي أقرت من قبل المؤتمر السوري، متضمنة في سجل (الدستور) السوري، مرجع سابق، ص. 109-132.

([53]) المواد 74-77 من دستور عام 1930.

([54]) المادة 82 و83 من دستور عام 1950.

([55]) حول الدور الذي لعبته الدول الإقليمية في هذه الفترة، وعلاقة القوى السورية معها، انظر:

Patrick Seale, The Struggle for Syria: A Study of Post-War Arab Politics 1945-1958, 2nd ed., (London: I B Tauris, 1986)

([56]) البند الثاني من المادة الثانية، دستور عام 1950.

([57]) المادة 68 في دستور 1930، و73 في دستور 1950.

([58]) انظر، الفصل الثاني (السلطة التنفيذية)، رئيس الجمهورية، دستور 1953.

([59]) كان هذا أحد شروط عبد الناصر للوحدة، وهو حل الأحزاب السياسية، بما فيها حزب البعث، وتأطير الحياة الحزبية من خلال حزب واحد حاكم.

([60]) المقدمة، دستور 1973.

([61]) المادة الثامنة، دستور 1973.

([62]) للتفصيل حول تركيبة النظام السوري، نجيب الغضبان، "الاستمرارية والتغيير في النظام السوري"، ملف الأهرام الاستراتيجي، السنة السادسة، العدد 67، تموز/يوليو 2000.

([63]) الرواية موثقة في أكثر من دراسة، ومنها:

Patrick Seale, Asad of Syria: The Struggle for the Middle East (Berkeley: University of California Press, 1988), p. 173.

([64]) المقدمة، دستور 2012.

([65]) المادة الثامنة، دستور 2012.

([66]) المادة التاسعة، دستور 2012.

([67]) الفصل الثاني، "المبادئ الاقتصادية"، دستور 2012.

([68]) البند الرابع في المادة الثامنة، دستور 2012.

([69]) المادتان: الرابعة والثمانون والخامسة والثمانون، دستور 2012.

([70]) Max Weber, “Politics as a Vocation,” from H. H. Gerth and C. Wright Mills, eds. Trans. From Max Weber: Essays in Sociology (New York: Galaxy, 1958), pp. 77-87

([71]) مشروع اليوم التالي، "الفصل الخامس: التصميم الدستوري"، دعم الانتقال الديمقراطي للسلطة في سورية، منظمة اليوم التالي، 2012، ص. 79-93.

([72]) تعقيباً على ذلك قامت أربعون منظمة وهيئة سورية بالتوقيع على بيان يؤكد أن السوريين هم المعنيون بكتابة دستور بلادهم، ورفضوا أن يتم الحديث عن دستور دائم في هذه الظروف. انظر، اليوم التالي، أي دستور تحتاج سورية؟ استنبول: اليوم التالي، تموز/يوليو 2018، ص. 1.

([73]) تم نسب ورقة تفاوضية، تقدمت بها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والأردن والسعودية إلى المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا، بعنوان "الإصلاح الدستوري"، قبيل لقاء فيينا في بداية غام 2018.

([74]) اليوم التالي: أي دستور تحتاج سورية؟ مرجع سابق، ص. 7-8.

([75]) المرجع السابق، ص. 9-10.

([76]) مشروع اليوم التالي، مرجع سابق، ص. 89.

([77]) أي دستور تحتاج سورية؟ مرجع سابق، ص. 20.

([78]) المرجع السابق، ص. 19.

([79]) مشروع اليوم التالي، مرجع سابق، ص. 89.

([80]) المادة الثالثة، دستور عام 2010.

([81]) أي دستور تحتاج سوريا؟ ص. 19.

([82]) تجمع سوريات من أجل الديمقراطية، المبادئ الدستورية المتوافقة مع النوع الاجتماعي (الجندر)، بروكسل 2016، ص. 3 .

([83]) UNDP. Arab Human Development Report 2004. (New York, NY: UNDP, 2005).

([84]) Arend Lijphart, “Constitutional Choices For New Democracies,” in Larry Diamond and Marc F. Plattner, eds. The Global Resurgence of Democracy (Baltimore, MD: Johns Hopkins University Press, 1996), pp. 162-74.

التصنيف أوراق بحثية
الأربعاء, 10 نيسان/أبريل 2019 15:24

مشروع بحثي بعنوان: سورية والأمن العالمي

أطلق مركز عمران للدراسات الاستراتيجية نتائج مشروعه البحثي والذي بدأه بتاريخ 3 كانون الثاني 2018، بعنوان: "سورية والأمن العالمي"، هادفاً من خلاله إلى توليد معرفة موضوعية عن مواقف وتوقعات كل طرف من الأطراف المعنية في سورية، من أجل تقييم وتطوير سبل صنع السلام وبناء الدولة بعد الحرب. اشترك في إدارة مشروع الحوار المتعدد الأطراف كلاً من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ومركز جنيف للسياسة الأمنية. موفرة ورشات العمل المرتبطة بالمشروع منصة للخبراء والباحثين لتطوير فهم مشترك لاهتمامات بعضهم البعض وبناء الثقة المتبادلة الضرورية لحل الأزمة.


أوراق المناقشة:

  • آفاق التعاون في استعادة الاستقرار والإصلاح المؤسسي في سورية" جنيف، 21-22 سبتمبر 2017

آفاق التعاون في استعادة الاستقرار والإصلاح المؤسسي في سورية (بالإنكليزية) -تقرير ورشة العمل

  •  الديناميات الأمنية الناشئة والتسوية السياسية في سورية"، سيراكيوزا، إيطاليا، 18-19 أكتوبر 2018

الشرطة العسكرية الروسية في سورية: الوظيفة والمآلات (بالإنكليزية) -ورقة مناقشة 1.

الشرطة العسكرية الروسية في سورية: الوظيفة والمآلات(بالروسية) -ورقة مناقشة 1.

الشرطة العسكرية الروسية في سورية: الوظيفة والمآلات (بالعربية) -ورقة مناقشة 1.

- إيران في سورية: الجهات الفاعلة صانعة القرار، والمصالح، والأولويات (بالإنكليزية) -ورقة مناقشة 2.

- إيران في سورية: الجهات الفاعلة صانعة القرار، والمصالح، والأولويات(بالروسية) -ورقة مناقشة 2.

إيران في سورية: الجهات الفاعلة صانعة القرار، والمصالح، والأولويات (بالعربية) -ورقة مناقشة 2.

تمويل تنظيم الدولة والنصرة وإنهاء الحرب السورية (بالإنكليزية) -ورقة مناقشة 3

تمويل تنظيم الدولة والنصرة وإنهاء الحرب السورية (بالعربية) -ورقة مناقشة 3

إصلاح الجيش العربي السوري: رؤية روسية (بالإنكليزية) -ورقة مناقشة 4

إصلاح الجيش العربي السوري: رؤية روسية (بالعربية) -ورقة مناقشة 4

  •  السياسة وطرائق إعادة الإعمار في سورية"، جنيف، سويسرا، 7-8 فبراير 2019

- لن ننتظر أحداً: آفاق وتداعيات إعادة الإعمار العشوائية في سورية (بالعربية) -ورقة مناقشة 5

- لن ننتظر أحداً: آفاق وتداعيات إعادة الإعمار العشوائية في سورية (بالإنكليزية) -ورقة مناقشة 5.

- الخبرة التركية حول عودة اللاجئين إلى سورية (بالإنكليزية) -ورقة مناقشة 6

- الخبرة التركية حول عودة اللاجئين إلى سورية - (بالعربية) -ورقة مناقشة 6

التصنيف أوراق بحثية

ملخص تنفيذي

  • إن تنوّع المجتمع السوري واستخدام البعد الطائفي وتأجيجه خلال سنوات الثورة، لا يكفي لاعتبار الصراع السوري "صراع هويّات" وإغفال المسبّبات الجذرية للصراع من مطالب شعبية باستعادة الحريات والقضاء على الفساد والتوزيع العادل للثروة وتطبيق الحكم الرشيد.
  • نموذج ليبهارت المؤسّس لمشاركة السلطة هو عبارة عن نظام يتفق فيه الطرفان المتعارضان مع الأغلبية العظمى على تشكيل حكومة ائتلافية واحدة بالتعاون فيما بينهم في الأنظمة البرلمانية، بحيث تدير تلك الحكومة أحزاب متعارضة لكن متعاونة بدلاً من إيجاد أغلبية لكل واحد منهم على حدىً.
  • درج استخدام مشاركة السلطة دولياً بعد الحروب الداخلية كأداة لإنهاء الصراعات وتحقيق السلام في المجتمعات التعددية وحتى غير التعددية من خلال ضمّ معارضي الحكم للمشاركة في السلطة بما يشجعهم على إنهاء الصراع.
  • يتم التركيز عند دراسة مشاركة السلطة على تحقيق السلام وترسيخ الديمقراطية. إلا أن الدراسات التحليلية للتجارب السابقة تختلف حول مدى الإسهام الحقيقي لهذا المفهوم في تحقيق هاتين النتيجتين.
  • يقترح الاتجاه الحديث لمشاركة السلطة التركيز على الاحتياجات الحقيقية للناس في سياق كل بلد خارج من صراع بشكل منفصل ومن ثم تصميم نموذج يلبي تلك الاحتياجات بغض النظر عن التسمية كمشاركة سلطة أو غيرها.
  • حال عددٌ من العوامل الذاتية (كتجذّر الفساد وانعدام الثقة بين المكونات السورية الذي رسخه نظام الأسد خلال عقود حكمه) والموضوعية (كالشعور الشعبي بالخذلان تجاه التعاطي الدولي السلبي مع الحراك السلمي ومطالب الثورة) فضلاً عن أبعاد أخرى إيديولوجية واستقطابية أخرى دون نبذ البعد الطائفي عن الصراع السوري.
  • لاقت كلاً من ذريعتي الأقليات ومكافحة الإرهاب رواجاً دَعَمه حلفاء النظام مع مرور الوقت، لتتشكّل السرديّة الرسمية التي يتمسّك بها نظام الأسد محلياً ودولياً في حربه ضد الشعب المطالب بالحرية والكرامة والعدالة بمختلف مكوناته وشرائحه.
  • يعتبر بيان جنيف الصادر في حزيران 2012 أول وثيقة دولية مشتركة حول سورية قامت على أساس مشاركة السلطة، إلا أن الانقسام الدولي في مجلس الأمن وغياب الثقة بين طرفي الصراع حال إلى جانب أسباب داخلية وخارجية أخرى دون ترجمة البيان إلى اتفاق.
  • يظهر صراع الهوية بمجرد التعارض بين مصالح الدولة (حق السيادة) ومصالح الأمة أو الأمم المشكلة لها (حق تقرير المصير) ومثال ذلك التطلعات الكردية في سورية والعراق وإيران وتركيا، ورغم احتواء الصراع السوري في مختلف أطرافه عدد من المكونات المتنوعة، إلا أن تمايز تلك المكونات في معظمها كان على أساس واضح وهو معارضة نظام الأسد أو تأييده وليس على الأساس الاثني أو القومي.
  • تظهر الدراسات التحليلية لتجارب مشاركة السلطة حول العالم بأنها لم تُبشّر بتحقيق ما صُمّمت من أجله، حيث بقيت في معظمها قاصرة عن إحلال السلام بعد الحروب فضلاً عن إرساء الديمقراطية.
  • من المفيد الاستئناس بكل من تجارب لبنان (اتفاق الطائف) والبوسنة (اتفاق دايتون) وإيرلندا الشمالية (اتفاق الجمعة العظيمة) عند دراسة جدوى تطبيق مشاركة السلطة في سورية، للنظر بمدى نجاح ما هدفت له تلك الاتفاقات بعد مرور عقود على توقيعها.
  • حاول الابراهيمي (الوسيط الثاني في الصراع السوري بعد عنان) في جنيف 2 عام 2014 تطبيق مشاركة السلطة السياسية من خلال محاولة ترجمة بيان جنيف 2012 إلى اتفاق، إلا أن الانقسام الدولي وغياب الثقة بين الأطراف حال دون ذلك.
  • ورغم اعتقاد بعض الباحثين أن جزء من عوامل مشاركة السلطة متوفرة في سورية، إلا أن وجود الأكثرية السنية وعدم تماثل الأقليات في الحجم، يجعل التوازن في السلطة بين المكونات المختلفة أمر غير ممكن. يضاف إلى ذلك عدم التركز الجغرافي للمكونات المختلفة إضافةً إلى عدم وجود تمثيل مجتمعي شعبي واضح لقيادات كفؤة وذات شرعية.
  • إن أي اتفاق سلام محتمل لا بدّ له كي يرى النور من حيث التنفيذ أن يعالج الأسباب الجذرية للصراع والتي تكمن في المستوى المجتمعي المحلي، من خلال صياغة عقد اجتماعي جديد يأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات المحلية للسكان ويتعامل مع ترتيبات مشاركة السلطة على مستوى الوحدات المحلية (المجالس المحلية) ضمن مظلة وطنية جامعة تقوم على حكم ديمقراطي عادل وشامل

مقدمة

في صراع اعتُبِرَ الأعنف والأعقد بعد الحرب العالمية الثانية، ودخل عامه التاسع ما بين نظام مستبد وشعب مُطالب بالحرية والعدالة والكرامة، وفي ظلّ انعدام الإرادة الدولية الجادّة لإيجاد مخرج حاسم ينهي معاناة أكثر من 13 مليون سوري ما بين مهجّر ونازح. هل تسعى الفواعل الدولية إلى تصميم حل سياسي لهذا الصراع على أساس "مشاركة السلطة" كأداة لإنهاء العنف وإحلال السلام فضلاً عن إرساء أسس الديمقراطية؟ وهل ستمثّل اللجنة الدستورية -التي تمّ اخترال ثورة شعبٍ بها- مدخلاً لهذا الحل؟ ما هو مفهوم مشاركة السلطة، ولماذا أصبح خلال العقود الأخيرة بمثابة "وصفة سحرية" وأداة مهيمنة من قبل المجتمع الدولي وصنّاع القرار لإنهاء الحروب الداخلية حول العالم؟

تناقش هذه الورقة التي اعتمدت كلاً من المنهجين الوصفي والتحليلي مفهوم مشاركة السلطة من ناحية نظرية ابتداءً، لتستعرض بعدها بإيجاز كلاً من التعاطي الداخلي والدولي مع الثورة السورية التي اندلعت في آذار 2011 وولجت عامها التاسع. ثم تناقش مدى إمكانية تطبيق مفهوم مشاركة السلطة على الواقع السوري في ظل المحاولات الدولية لاعتماده كأساس لأي اتفاق سياسي محتمل ينهي الصراع السوري، أسوةً بالعديد من الصراعات الداخلية حول العالم فيما تم وصفه "اتفاق الطائف السوري"([1]) أسوةً باتفاق الطائف اللبناني الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية في ثمانينيات القرن الماضي. ضمن محاولة للإجابة على الإشكالية الأساسية لهذه الورقة: ما جدوى تطبيق مشاركة السلطة كحل لإنهاء الصراع السوري؟

مفهوم مشاركة السلطة

شكل بيان جنيف في حزيران 2012 أول وثيقة دولية مشتركة حول سورية، قامت على أساس مشاركة السلطة بين نظام الأسد والقوى المعارضة له. ورغم التغيرات الكثيرة والشديدة التعقيد التي طرأت على الساحة المحلية والإقليمية والدولية وتأثيرها على مسار الملف السوري، بقي تطبيق بيان جنيف المطلب الأقرب لتحقيق حل عادل للصراع السوري من وجهة نظر المعارضة، في حين لم يؤيد نظام الأسد بشكل فعلي أية محاولة للحل منذ اندلاع الثورة السورية وإنما عمل على استراتيجية كسب الوقت والمناورة على هوامش المصالح الدولية المتصارعة.

يثير ما سبق تساؤلات حول جدوى تطبيق مبدأ مشاركة السلطة كأساس لاتفاق السلام المحتمل في سورية، مما يتطلب فهم نظري لمفهوم مشاركة السلطة بأبعاده المختلفة، في ضوء التجارب الكثيرة لتطبيقه كأداة لإنهاء أغلب الحروب الداخلية في العالم خلال العقود الأخيرة من قبل المجتمع الدولي.

لماذا مشاركة السلطة؟ من وصفة للتعدّديّة لأداة تحقيق السلام

مشاركة السلطة والمعروفة باللغة الإنكليزية بمصطلح Power Sharing؛([2]) هو تعبير ظهر في سبعينيات القرن الماضي في أعمال العالم الهولندي آرند ليبهارت الذي يعتبر الأب الروحي لمفهوم مشاركة السلطة في الغرب،([3]) حيث أسس نظرية "الديمقراطية التوافقية" عام 1977 من خلال دراسته للمجتمعات الأوروبية المنقسمة ذات المكونات المتعددة دينياً أو لغوياً. وهدف في هذه النظرية إلى استيعاب تلك الانقسامات ضمن المجتمع الواحد، من خلال مشاركة سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية وغيرها بين تلك المكونات مما يمكن أن يُجنّب المجتمع الانهيار بسبب تلك الانقسامات. ويعتبر نموذج ليبهارت من أشهر نماذج مشاركة السلطة، حيث لا تحتاج الأحزاب السياسية فيه إلى تشكيل أغلبية من جهة، ومن جهة أخرى تستطيع الأقلية فيه استخدام حق النقض (الفيتو) مما يفضي إلى مفاوضات جديدة حول القرارات المعترض عليها للوصول إلى توافق بين جميع المكونات ضمن الائتلاف الحاكم. أما الائتلاف الكبير الذي يشكّل أهم عناصر نموذج ليبهارت فهو عبارة عن نظام يتفق فيه الطرفان المتعارضان مع الأغلبية العظمى على تشكيل حكومة ائتلافية واحدة بالتعاون فيما بينهم في الأنظمة البرلمانية، بحيث تدير تلك الحكومة أحزاب متعارضة لكن متعاونة بدلاً من إيجاد أغلبية لكل واحد منهم على حدىً. ويكون ذلك عادةً بسبب عدم قدرة حزب واحد على حيازة نسبة الأغلبية في الانتخابات ليتمكن من الحكم بمفرده، فتحاول الأحزاب بناء تحالفات مع الأحزاب الصغيرة التي تشاركها الإيديولوجية أو تشابهها، فإن لم تكن هذه الائتلافات الصغيرة كافية تشكل الأحزاب الكبيرة ائتلاف بينها.

لاحقاً بنى باحثون غربيون على نظرية ليبهارت وأضافوا على التعددية عامل ما بعد الصراع، ليتحوّل هذا المفهوم مع مرور الوقت إلى أداة مهيمنة لإنهاء "الحروب الداخلية" وتحقيق السلام سواءً كان سببها الجذري صراعاً على السلطة أم غير ذلك، من خلال ضمّ معارضي الحكم إلى السلطة بطرق وآليات مختلفة.([4]) وتبعاً لذلك تم تضمين أحكام مشاركة السلطة في _شبه_ كامل اتفاقات السلام التي أعقبت الحروب الداخلية خصوصاً بعد نهاية الحرب الباردة (كالبوسنة ولبنان والعراق وأوكرانيا وإيرلندا الشمالية وجنوب السودان وسيراليون وجنوب إفريقيا وغيرها). وفي هذا الصدد يشير أحد تعريفات مشاركة السلطة بعد الحروب الداخلية إلى أنها عبارة عن: "مجموعة من المؤسسات التي تهدف إلى معالجة مشكلة موثوقية الالتزام" (رويدر وروتشيلد 2005)، بمعنى طرح مفهوم مشاركة السلطة كأداة لإنهاء الصراعات وتحقيق السلام في المجتمعات التعددية وحتى غير التعددية من خلال ضمّ معارضي الحكم للمشاركة في السلطة بما يشجعهم على إنهاء الصراع.

ويجدر التطرق هنا للمقصود بالحرب الداخلية دولياً، حيث أنه على الرغم من عدم وجود توافق حول تعريف الحروب أو الصراعات الداخلية والتي يشار إليها بمصطلح Intrastate war/conflict، إلا أنها توصف بحسب   UCDP (Uppsala Conflict Data Program) بأنها: [عنف سياسي متواصل يحدث بين مجموعات مسلحة تمثل الدولة؛ ومجموعة مسلحة أو أكثر لا تمثل الدولة (لا دولتية)، وعادةً ما يكون هذا العنف محصوراً داخل حدود دولة واحدة، حتى لو كان له أبعاد دولية كبيرة وامتدّ إلى دول مجاورة (كما في الحالة السورية)].([5])

وبالنتيجة، لا يوجد حتى الآن توافق حول ماهية مشاركة السلطة أو توافق على الهدف منه، وإنما يتم التركيز عند دراسة هذا المفهوم على نتيجتين محددتين ترجيان من تطبيقه وهما: تحقيق السلام وترسيخ الديمقراطية. إلا أن الدراسات التحليلية تختلف حول مدى الإسهام الحقيقي لمشاركة السلطة في تحقيق هاتين النتيجتين عند النظر في البلاد التي طبّقت فيها مشاركة السلطة بمختلف أنواعها حتى الآن، وحول العلاقة السببية بين مشاركة السلطة وتحقيق السلام أو ترسيخ الديمقراطية.([6])

مَن سيُشارك مَن؟ غنائم حرب أم تمثيل شرعي

في سياق البلدان الخارجة من حروب داخلية، تكمن أهمية "مَن سيشارك السلطة مع مَن" في طمأنة الأطراف المتصارعة حول مخاوفهم تجاه الحُكم والتحكم بالموارد من جهة، وفي طمأنة مكونات المجتمع المختلفة –وعلى الأخص في المجتمعات التعددية-تجاه مدى وطبيعة مشاركتهم في صنع القرار الوطني والمحلي خصوصاً من حيث أمنهم ومصالحهم من جهة أخرى.

من هنا، انعكس التعبير عن آلية مواجهة تلك المخاوف على تعريفات مشاركة السلطة المختلفة. حيث اعتبر بعض الباحثين أن مشاركة السلطة هو عبارة عن "ضمّ المعارضين السياسيين أو "المتمردين" في حكومة مشتركة".([7])  مما يعني حكومة وحدة وطنية على المستوى التنفيذي (كما في حالتي كينيا وزمبابوي ومؤخراً جنوب السودان)، أو جيش وطني يضمّ فصائل المعارضة مع الجيش الرسمي للحكومة على المستوى العسكري (كما في رواندا والكونغو وبوروندي)، أو منح المعارضين صلاحيات من السلطة المركزية على الأراضي التي تمكنوا من السيطرة العسكرية عليها على المستوى المحلي أو الإقليمي أو استقلال جزئي أو كلي (كما في البوسنة). ووفقاً لهذا التصوّر، فإن منح المعارضة للنظام الحاكم حصصاً مضمونة في سلطة الحكم بدلاً من الاقتصار على السماح لهم بتشكيل الأحزاب والتنافس معه في الانتخابات، سيغريهم بإنهاء الحرب وتوقيع اتفاق السلام.([8]) في حين انتُقِدَ هذا التصوّر بشدّة من قبل آخرين بحجّة أنه بمثابة تقديم الحكم كمكافأة لمرتكبي العنف (سواءً من جانب الدولة أو معارضيها) من خلال تقسيم "كعكة" السلطة بينهم، وبأن مشاركة السلطة لا يمكن أن تكون حلاً لإنهاء الصراع في حال كان سبب الحرب أصلاً أحد أطرافه، كحكومة استبدادية غير شرعية أصلاً، أو معارضة طامعة بالتحكم بموارد الدولة، مما سيؤدي إلى المزيد من العنف وليس إلى إحلال السلام أو الديمقراطية، إلى جانب أن هذا التصوّر يتجاهل الأسباب الجذرية التي أدّت لنشوب الحرب أساساً، وأخيراً أنه يعكس توازن القوى على طاولة المفاوضات في لحظة إنهاء الصراع بدلاً من أن يعكس نتائج الانتخابات الشعبية.

بالمقابل، اعتبر باحثون آخرون أن مشاركة السلطة تكون بين الشرائح المختلفة الهامة في المجتمع (العرقية أو اللغوية أو الإثنية أو الدينية)، حيث يوصف تعاونهم على أنه "تعاون النخب" لا بدّ أن ينعكس مع مرور الوقت على المكونات المجتمعية بمستوياتها المختلفة –الوطنية والمحلية- ليصبح تعاون جمعي لا يقتصر على النخب السياسية.([9]) ويتطلب هذا التصوّر العمل بنظام الحكم البرلماني (وليس الرئاسي) مما يضمن تمثيل المكونات المختلفة في الحكم (كما في لبنان)، إلى جانب الأخذ بالتمثيل النسبي في الأنظمة الانتخابية، مع تخصيص حق النقض (ڤيتو) للأقليات في البرلمان لمنحهم إمكانية تعطيل القرارات التي تتعارض مع مصالحهم، إلى جانب إعطاء بعض الاستقلالية للأقاليم ذات الخصوصية الثقافية كاللغة على سبيل المثال (كما في بلجيكا).([10]) إلا أن هذا الرأي انتُقِد أيضاً بحجة أن التركيز على المكونات المختلفة للمجتمع سيعزّز الانقسامات المجتمعية ويزيد من الخلافات بينها من خلال إحلال الهوية العرقية أو الإثنية بدلاً من المواطنة مما يمكن أن يشعل حرباً أهلية مع الوقت بدلاً من تحقيق السلام وتجنّب الصراع وقد يشجع الحركات الانفصالية أيضاً.([11]) كما أن التركيز على تنوّع المكونات يمكن أن يطغى على معايير الكفاءة والفعالية عند تشكيل الحكومة، وقد يؤثر على استقرارها لا سيما عندما تكون الدولة ضعيفة وغير ديمقراطية.([12])

وبالنتيجة، انقسم علماء مشاركة السلطة حول الأطراف المشاركة لسلطة الحكم بحسب الغاية من مشاركة السلطة، ما بين أولوية إنهاء الصراع وإحلال السلام من خلال إرضاء الأطراف المتحاربة من جهة، وترسيخ دعائم الديمقراطية من خلال تمثيل شامل لمكونات المجتمع المختلفة مما يسهم بدوره بإحلال السلام كذلك من جهة أخرى.

الاتجاهات التقليدية والحديثة لمشاركة السلطة

يتمحور مفهوم مشاركة السلطة عموماً حول سلطة الحكم، وبشكل محدد أكثر يقصد به سلطة التحكم بموارد الدولة، سواءً كانت الأرض (الإقليم) أو الموارد الطبيعية والبشرية (الاقتصادية) أو السلاح وقوة الدولة العسكرية (الجيش) أو قرار الدولة التنفيذي أو التشريعي (السياسة). بحيث يتشارك في هذه السلطات أو بعضها المجموعات الممثلة لمكونات المجتمع بما يضمن عدم استخدام أي مجموعة لأي من تلك السلطات بشكل يهدد مصالح المكونات الأخرى. ومن هنا كان أحد التصنيفات التقليدية لمشاركة السلطة يتضمن أربعة أشكال: 1) مشاركة السلطة الإقليمية؛ 2) مشاركة السلطة الاقتصادية؛ 3) مشاركة السلطة العسكرية؛ 4) مشاركة السلطة السياسية. ويمكن تبرير هذا التصنيف التقليدي الموجود في أغلب الأدبيات الغربية باتّسام بيئة ما بعد الصراع وخصوصاً في المجتمعات التعدّدية بعدم الاستقرار وكثرة المخاوف المتعلّقة بأدوات التحكّم وتوزيع الموارد بين مكونات المجتمع. كما يزيد من حدّة تلك المخاوف وجود تاريخ من المظلوميّات أو التهميش الثقافي أو الاقتصادي أو السياسي تجاه بعض الفئات المجتمعية. ومن هنا كانت الحاجة للأبعاد المتعددة لمشاركة السلطة كأداة لإحلال السلام في مجتمعات ما بعد الصراع.

وحول مدى تطبيق هذه الأنواع الأربعة لمشاركة السلطة، خلصت دراسة تحليلية قامت بها آنا جارستد Anna K. Jarstad عام 2008 شملت جميع اتفاقيات السلام التي أعقبت الحروب الداخلية خلال الفترة من 1989 إلى 2004، بأنه من أصل اتفاقات السلام الموقعة خلال تلك الفترة يوجد 33 اتفاق مشاركة سلطة إقليمية، 36 اتفاق مشاركة سلطة سياسية و29 اتفاق مشاركة سلطة عسكرية، وبالتالي تعتبر اتفاقات مشاركة السلطة السياسية هي الأكثر عدداً في اتفاقات السلام الموقعة.([13]) أما من حيث قدرة هذه الاتفاقات على البقاء فيرى الباحث فيليب مارتن Philip Martin في تحليل أجراه عام 2013 على 156 اتفاقية سلام موقعة بين عامي 1989 و2008 أن اتفاقات مشاركة السلطة الإقليمية هي الأكثر قدرة على الحياة على عكس الاتفاقات الأخرى، وأن هذا النوع من الاتفاقات يواجه خطر الانهيار في الفترة الأولى من دخوله حيز التنفيذ فقط (9% فقط من اتفاقات مشاركة السلطة الإقليمية تفشل في الأشهر الخمسة الأولى من توقيع الاتفاق) في حين يستمر أكثر من ثلثي هذه الاتفاقات لأكثر من خمس سنوات دون تجدّد الصراع. ويحيل كلاً من جارستد ومارتن السبب في استدامة اتفاقات مشاركة السلطة الإقليمية لفترات أطول من غيرها لعامل الكلفة الكبيرة التي يحتاجها هذا النوع من المشاركة من حيث إعادة هيكلة مؤسسات الدولة وتشريعاتها، مما يجعل كلفة النكوث بالاتفاق كبيرة جداً، إلى جانب شعور الأمان الذي يوفره الاستقلال الذاتي والتمتع بسلطة اتخاذ القرار على المستوى المحلي للمكونات المختلفة وخصوصاً الأقليات.([14])

من جهة أخرى تقترح الباحثة السويسرية نيكول توبروين Nicole Töpperwien (2018) عدم التركيز على تسمية ونوع مشاركة السلطة والتركيز بدلاً عن ذلك على الاحتياجات الحقيقية للناس في سياق كل بلد بشكل منفصل ومن ثم تصميم نموذج يلبي تلك الاحتياجات بغض النظر عن التسمية، وتشير لمشاركة السلطة السياسية الأفقية التي تتم فيها مشاركة السلطة ضمن مستوى واحد من الحكومة (سواءً على مستوى المركز أو مستوى المحليات) كما في نموذجي الهند ولبنان، مقابل المشاركة العمودية للسلطة حيث يتم تشارك السلطة على مستويات مختلفة من الحكم، بمنح مناطق جغرافية بعينها أو مجموعات معينة قدر من الصلاحيات والموارد لتنفيذ سياساتها واتخاذ قراراتها الخاصة، سواءً كانت تلك الصلاحيات والموارد موزعة بالقدر نفسه بين تلك المناطق أو المجموعات فتسمى متماثلة (أو متناظرة) أو بقدر متفاوت وتسمى غير متماثلة (أو غير متناظرة). ويمكن أن تأخذ مشاركة السلطة العمودية عدة أشكال كالحكم الذاتي والفيدرالية أو الكونفدرالية، ومن نماذجها الولايات المتحدة الأمريكية.([15])

الصراع السوري: بين انتفاضة شعب وتعاطي دولي قاصر

أسهم وجود عدد من الأقليات الدينية والعرقية في سورية في تحفيز مقترحات مشاركة السلطة كحل للصراع السوري أسوةً بالعديد من التجارب حول العالم في استخدام مشاركة السلطة كأداة لإنهاء الحروب الداخلية وخصوصاً في المجتمعات التعددية. إلا أن اشتمال المجتمع السوري على عدة مكونات واستخدام البعد الطائفي وتأجيجه خلال سنوات الحرب، لا يكفي لاعتبار الصراع السوري "صراع هويّات" وإغفال المسبّبات الجذرية للصراع من مطالب شعبية باستعادة الحريات والقضاء على الفساد والتوزيع العادل للثروة وتطبيق الحكم الرشيد، في مواجهة نظام يستخدم الأذرع الأمنية لحماية حكمه بدلاً من حماية الشعب.

إن أي حلّ محتمل للصراع السوري لن يحظى بالنجاح فضلاً عن الاستدامة ما لم يعالج الأسباب الجذرية للصراع من جهة، ويراعي المشاركة المجتمعية بكافة شرائحها على المستوى المحلي وصولاً إلى النخب وليس العكس من جهة ثانية. فضلاً عن أخذ السياق الذي تفاعل فيه التعاطي السياسي الداخلي والدولي مع الثورة السورية وسيرورته بعين الاعتبار قبل اختبار أي حلّ "محتمل" للصراع السوري من جهة ثالثة.

ثورة آذار 2011: انتفاضة شعب أم حرب أهلية

يعتبر المجتمع السوري مجتمع ذو نسيج تعددي من حيث اشتماله على عدة مكونات دينية ومذهبية، يمثل المسلمون السنة أغلبيتها بنسبة تقارب 70% من سكان سورية وتنقسم باقي النسبة بين العلويين والمسيحيين والدروز والشيعة والاسماعيليين واليزيديين. أما من حيث القوميات فيشكل العرب الغالبية العظمى من السكان في حين يمثل الكرد ما تقارب نسبته 9% منهم إلى جانب بعض المجموعات العرقية الأخرى الأصغر كالشركس والسريان والأرمن.([16]) وعلى الرغم من بعض التوترات التي حصلت بين المكونات المختلفة على مر السنين إلا أن الشعور بالهوية الوطنية السورية كان حاضر دائماً، حيث ورثت سورية التقاليد الاجتماعية المتسامحة التي طبعت تاريخ المنطقة.

استطاع نظام الأسد منذ سيطرته على الحكم عام 1971 تحقيق استقرار ظاهري في سورية من خلال سياسة القمع الأمنية لمختلف المكونات السورية على حساب حقوق الإنسان وتطبيق الديمقراطية وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ودأب على اتباع سياسات ذات أبعاد طائفية وتبنّى عدة مقاربات متناقضة. حيث وضع حافظ الأسد نفسه كعدو لإسرائيل من جهة، ومن جهة أخرى حافظ على التهدئة التامة معها على الحدود. كما روج للهوية العلمانية في سورية وفي نفس الوقت زرع المخاوف بين الأقليات (العلويين والدروز والمسيحيين) حول مخاطر الهيمنة السنية. ورغم اتباعه مركزية قوية للحزب الحاكم الأوحد (حزب البعث) عزز سلطة الجماعات القبلية والدينية المحلية في سورية.([17]) محاولاً من خلال تلك المقاربات المتناقضة تأصيل عدم الثقة بين السوريين ممّا من شأنه أن يمنع أو يُحبط أي محاولة للانقلاب عليه، ويعيق تأسيس أي كيان وطني جامع وموحّد يطمئن مختلف المكونات السورية.

رغم تلك السياسات التي استخدم الأسد لتطبيقها الأجهزة الأمنية ومؤسسات الجيش والدولة، إلا أن الشعب السوري وجد في الربيع العربي فرصة للانتفاض في آذار 2011 بمختلف مكوناته الدينية والقومية وبمختلف شرائحه الجغرافية والثقافية في مواجهة الاستبداد السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي ضاق به لأكثر من أربعة عقود.([18]) وفي الوقت الذي واجه نظام الأسد هذه الانتفاضة بخطاب طائفي في محاولات لكسب تأييد الأقليات وحرف الثورة من مطالب شعبية ضد الاستبداد إلى مخاوف أقليات في مواجهة الأكثرية السنية من جهة أو من خلال محاولات وصفها بالإسلامية والتبعية للدول النفطية والإمبريالية العالمية. كما قام بمحاولات تسليح الأقليات بحجة الدفاع عن النفس بمواجهة الأغلبية السنية،([19]) وفي محاولة منه كذلك للترويج دولياً أن ما يحدث هو حرب أهلية وشأن داخلي تتعامل معه الدولة صاحبة السيادة وليس ثورة ضد الحكم نفسه من جهة أخرى.([20]) في ذات الوقت كانت تجمعات الحراك الثوري تؤكد في خطابها –من خلال الإعلام ولافتات المظاهرات الشعبية- أنها ثورة شعب واحد بمختلف مكوناته هادفة لإسقاط نظام الاستبداد والقمع والفساد.([21]) ثم ما لبث نظام الأسد أن أضاف للبعد الطائفي بعداً آخر مع تصاعد العسكرة وهو مكافحة الجماعات الإرهابية المسلحة.([22])

لقد حال عددٌ من العوامل الذاتية (كتجذّر الفساد وانعدام الثقة بين المكونات السورية الذي رسخه نظام الأسد خلال عقود حكمه) والموضوعية (كالشعور الشعبي بالخذلان تجاه التعاطي الدولي السلبي مع الحراك السلمي ومطالب الثورة) دون نبذ البعد الطائفي عن الصراع السوري؛ فضلاً عن أبعاد أخرى إيديولوجية واستقطابية أخرى ساهمت بمجموعها في حرف مسار الثورة السورية اجتماعياً وسياسياً وحتى عسكرياً، ليصبح إيجاد حل سياسي للصراع السوري مسألة شديدة التعقيد ومتعددة الأبعاد. في حين لاقت كلاً من ذريعتي الأقليات ومكافحة الإرهاب رواجاً دَعَمه حلفاء النظام مع مرور الوقت، لتتشكّل السرديّة الرسمية التي يتمسّك بها نظام الأسد محلياً ودولياً في حربه ضد الشعب المطالب بالحرية والكرامة والعدالة بمختلف مكوناته وشرائحه.

الموقف الأممي من الثورة السورية: محاولات غير جدّية للحل

تطورت المحاولات لإيجاد حل سياسي للصراع بعد أشهر من انطلاق الثورة بجهود إقليمية بدايةً ثم دولية،([23]) فتم تعيين كوفي عنان كأول مبعوث أممي مشترك من جامعة الدول العربية والأمم المتحدة للصراع السوري في كانون الثاني/يناير 2012.  واتّسمت فترة وساطته بتحول الثورة إلى طور العسكرة انطلاقاً من دفاع الثوار عن النفس تجاه بطش نظام الأسد وحماية المناطق الخارجة عن سيطرته. ركز عنان بشكل أساسي خلال فترة ولايته التي دامت حوالي سبعة أشهر (من يناير حتى آب 2012) على وقف إطلاق النار وبدء عملية سياسية يقودها السوريون.([24]) وتمخّضت تلك الفترة عن صدور بيان جنيف القائم على أساس مشاركة السلطة في حزيران 2012،([25]) والذي يعتبر أول وثيقة دولية مشتركة حول سورية.([26]) إلا أن الانقسام الدولي في مجلس الأمن وغياب الثقة بين طرفي الصراع حال إلى جانب أسباب داخلية وخارجية أخرى دون ترجمة البيان إلى اتفاق،([27]) وبالتالي دون نجاح عنان في وساطته وتصاعد العنف على الأرض.([28])

خلف الابراهيمي عنان كمبعوث مشترك أيضاً لجامعة الدول العربية والأمم المتحدة، واتسمت فترة وساطته التي استمرت لما يقارب سنة ونصف (من آب 2012 حتى شباط 2014) بتقدّم المعارضة عسكرياً على الأرض إضافةً لتأسيسها كيان سياسي (الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية) كممثل شرعي لسورية باعتراف دولي -مما عزّز الانقسام في مجلس الأمن وزاد من انعدام الثقة بين نظام الأسد والمعارضة لتمسّكهم بالحل العسكري-.([29]) إضافةً إلى ظهور داعش، واستصدار مجلس الأمن القرار رقم 2118 في أيلول 2013 عقب ارتكاب نظام الأسد مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية آب 2012 وما نجم عن ذلك من عقد الجولة الثانية من محادثات جنيف في شباط 2014 بحضور الأطراف لأول مرة وجهاً لوجه، ولكن دون أي تقدّم في المحادثات التي ما لبثت أن انهارت لعدم جدّية نظام الأسد بالانخراط بالعملية السياسية.

عيّنت الأمم المتحدة ستيفان دي مستورا كمبعوث خاص لها في الصراع السوري بعد استقالة الإبراهيمي، لتستمر وساطته ما يقارب أربع سنوات ونصف (من تموز 2014 حتى نوفمبر 2018) اتّسمت بعدد كبير من المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية التي أثرت بشكل جوهري على سير الملف السوري. ومن أبرز تلك المتغيرات: توقيع الاتفاق النووي الإيراني في نيسان 2015؛ التدخل الروسي العسكري على الأرض لدعم قوات نظام الأسد في أيلول 2015 وما تبعه من استعادة نظام الأسد وحلفائه لمساحات واسعة من سيطرة المعارضة؛([30]) وتصاعد موجات اللاجئين إلى أوروبا بطرق شرعية وغير شرعية مع تصاعد القتل والدمار على الأرض.

أسفر ما سبق عن انحراف في الموقف الدولي تجاه رحيل الأسد من حيث اعتباره أهون الشرّين بعد بدء داعش بالتوسع والتخوف من الانفلات في المنطقة، ونجم عن ذلك تقارب بين مصالح ومواقف الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، أدى بدوره لتأسيس مجموعة دعم سورية الدولية ISSG وإصدار بيان فيينا كخطة للسلام في سورية تدعو لتجديد المحادثات والانتقال السياسي خلال ستة أشهر وإجراء انتخابات في غضون 18 شهر.([31]) وكان من أحد تفسيرات بيان فيينا خاصة بالنظر لتوقيته (بعد التدخل الروسي بشهر ونيّف) أنه أتى كتشكيل لإطار سياسي دولي جديد وفق معطيات التدخل الروسي الذي أراد –بموازاة الفعل العسكري على الأرض- التأثير على مرجعية جنيف عبر الدخول في تعريف تنفيذي يزيد من سيولة الانتقال كمفهوم، بالإضافة إلى ضبط أدوار الفاعلين الإقليمين (كالأردن) وطلب تحديد الحركات الإرهابية (كالسعودية)، وطلب إعادة تنظيم المعارضة لتغدو بنية مليئة بالتناقضات. صادق مجلس الأمن على خطة فيينا بالقرار 2254 في كانون الأول/ديسمبر 2015. ثم ما لبث تكثيف حدة التدخل الروسي العسكري على الأرض وبدء روسيا عملية وساطة موازية (مسار أستانا) في تحدٍّ للمسار الأممي أن زاد من حدّة التوتّر بين العلاقات الروسية الأمريكية. وتبع ذلك تمخُّض مسار أستانا عن اتفاق على إقامة مناطق خفض تصعيد سمح في الواقع لنظام الأسد باستعادة مناطق استراتيجية هامة من سيطرة المعارضة إلا أنه ما لبث أن انهار دون أي تحسّن في وضع المدنيين.([32])

وبالمقابل نجم عن استئناف مسار جنيف خلال عام 2017 الاتفاق على جدول أعمال للمفاوضات يتضمن أربع سلال: الحوكمة والدستور والانتخابات وقضايا مكافحة الإرهاب وحوكمة الأمن. وبالنتيجة أصبح مسار جنيف معني بالقضايا السياسية في حين تم تخصيص مسار أستانا للقضايا العسكرية، إلى أن نظمت روسيا مؤتمر سوتشي الذي قوض مسار جنيف لصالح إصلاح دستوري تقوم به لجنة دستورية لم يتمكن دي مستورا رغم سعيه الحثيث من الوصول للإعلان عن تشكيلها قبل استقالته، وتعيين غير بيدرسون خلفاً له في نوفمبر 2018

 

مشاركة السلطة والواقع السوري: بين صراع الهويات والسيادة الوطنية

تحدّد الأدبيات الغربية صراع الهوية بثلاثة عناصر: الهوية والأمة والدولة. حيث تعرف جماعة ما بأنها هوية عندما يشترك القسم الأكبر منها بسمات مميزة ثقافية أو دينية أو لغوية أو عرقية، وتتحول هذه الجماعة إلى أمة عندما تطور إيديولوجية خاصة بها وتطالب بحقها في تقرير مصيرها على إقليم محدد، وفي حال تطورت هذه الأمة إلى شعب ذو سيادة فإنها تتحول إلى دولة. ووفقاً لذلك يرى باحثون أن الأمة هي عبارة عن الروابط بين أعضاء المجتمع ويعبر عنها بالانتماء، بينما الدولة هي البناء القانوني الذي تنشؤه هذه الأمة وتستطيع تغييره بحسب احتياجاتها، ويعبر عن ذلك بالمواطنة من خلال عقد اجتماعي يضمن المساواة بين جميع المواطنين في الدولة حسب الباحث رينان (Renan 1970). وبالتالي فإن صراع الهوية يظهر بمجرد التعارض بين مصالح الدولة (حق السيادة) ومصالح الأمة أو الأمم المشكلة لها (حق تقرير المصير) ومثال ذلك التطلعات الكردية في سورية والعراق وإيران وتركيا. ([33])

ويكون تفاعل الدولة مع هذا الصراع بحسب الباحث ماينز Maynes  (1993) وفق أحد السيناريوهات التالية:([34])

  • التطهير العرقي: كما حدث في يوغسلافيا السابقة ورواندا وتشيك سلوفاكيا.
  • التقسيم: كما حدث في الهند وتأسيس الباكستان، والسودان وتأسيس جنوب السودان.
  • القمع: كما حدث في سورية والعراق (الأنظمة الشمولية).
  • مشاركة السلطة: كما في لبنان والهند وعدد من الدول المتقدمة كسويسرا وبلجيكا وهولندا.

وبالمقارنة مع الحالة الأكثر وضوحاً للحرب الأهلية في لبنان 1985-1990 بين مكونات هوياتية واضحة دينية أو مذهبية، نجد أن الصراع السوري ضمّ في مختلف أطرافه عدد من المكونات المتنوعة، تمايزت في معظمها على أساس واضح هو معارضة نظام الأسد أو تأييده وليس على الأساس الإثني أو القومي. وبالتالي فإنه لا بدّ لنا قبل الحديث عن مضمون الحل السياسي في سورية، من اختبار كلّ من الفرص والتحدّيات، واختبار مدى توفر عوامل مشاركة السلطة في سورية كأساس محتمل لاتّفاق السلام الموعود.

مشاركة السلطة في سورية: بين الفرص والتحديات

في سياق الحديث عن احتمال تطبيق مشاركة السلطة كأساس لاتفاق سلام محتمل في سورية أسوةً بالعديد من الصراعات في العالم، سواءً من خلال مشاركة السلطة السياسية (حكومة وطنية مشتركة) أو مشاركة السلطة العسكرية (جيش وطني) أو العمودية (توزيع أجهزة الدولة بين المكونات المختلفة) أو غير ذلك من أنماط مشاركة السلطة، يرى البعض أن الدروس المستفادة من تجارب مشاركة السلطة حول العالم لا تُبشّر بتحقيق ما صُمّمت من أجله، حيث بقيت في معظمها قاصرة عن إحلال السلام بعد الحروب فضلاً عن إرساء الديمقراطية. وفيما يلي الإيجابيات والسلبيات الأكثر بروزاً لمشاركة السلطة بحسب الأدبيات والدراسات التحليلية للتجارب السابقة والمشار إليها أعلاه:

إيجابيات مشاركة السلطة

سلبيات مشاركة السلطة

طمأنة الأطراف المتصارعة من خلال تقسيم الحكم فيما بينهم

مكافأة السلوك العنيف لأطراف الصراع (أمراء الحرب) من خلال تقسيم "كعكة" الحكم بينهم

طمأنة الأقليات عموماً من خلال إشراكهم في صناعة القرار

إيجاد شكل استبعادي للمواطنة يستند فقط إلى الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة

المساعدة على إنهاء الصراع من خلال تحفيز الأطراف المتصارعة على توقيع الاتفاق مقابل حصص في الحكومة

إيجاد حكومات غير مستقرة

توزيع وظائف الدولة لصالح الهويات على حساب الكفاءة والفعالية والشرعية مما يتعارض مع الديمقراطية

تعاون النخب السياسية الذي لا بدّ أن يتطور مع الوقت ليصبح تعاون على المستوى المجتمعي

تركز السلطة بيد النخبة مما يتجاهل حاجات المواطنين العاديين

توزيع المشاركة في القرار الحكومي بحسب توازن القوى على طاولة المفاوضات بدلاً من نتائج الانتخابات الشرعية

 

وبالنظر في تجارب الدول المجاورة، نجد أن تطبيق اتفاقات مشاركة السلطة أسفر عن أنظمة تقوم على الهوية الشيعية والسنية والكردية وتتجاهل الديناميكيات الوطنية والاجتماعية والمحلية وغيرها مما ساهم بترسيخ العنف والأزمات السياسية (كما في حالة العراق)، أو خلّف حالة من عدم الاستقرار الحكومي إلى جانب الفوضى السياسية وتشتّت الهوية الوطنية الجامعة لصالح الهويات الفرعية المرتبطة غالباً بولاءات خارجية (كما في حالة لبنان). وبالتالي فإن تلك النماذج في لبنان والعراق وجنوب السودان واليمن وغيرها تثبت أن مجرد اتفاق مشاركة السلطة لا يضمن السلام الدائم والاستقرار، وخصوصاً مع وجود شبه إجماع على عدم تفكيك بنية الدولة السورية –بما في ذلك الأمن والجيش-خوفاً من الفوضى لعدم تكرار ما حدث في العراق 2003.([35])

لذلك كان من المفيد الاستئناس بكل من تجارب لبنان (اتفاق الطائف) والبوسنة (اتفاق دايتون) وإيرلندا الشمالية (اتفاق الجمعة العظيمة) عند دراسة جدوى تطبيق مشاركة السلطة في سورية، للنظر بمدى نجاح ما هدفت له تلك الاتفاقات بعد مرور عقود على توقيعها.

إلا أن أي اتفاق سلام محتمل لا بدّ له كي يرى النور من حيث التنفيذ أن يعالج الأسباب الجذرية للصراع والتي تكمن في المستوى المجتمعي المحلي (العدالة والكرامة والحرية) من خلال صياغة عقد اجتماعي جديد يأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات المحلية للسكان ويتعامل مع ترتيبات مشاركة السلطة على مستوى الوحدات المحلية (المجالس المحلية) ضمن مظلة وطنية جامعة تقوم على حكم ديمقراطي عادل وشامل. ويمكن الإشارة إلى عدد من الاعتبارات التي يجب التعامل معها عند تصميم أي حل سياسي للصراع السوري:

  • عدم جعل أي اتفاق (سواءً كان على أساس مشاركة السلطة أو غيره) طويل الأمد أو غير محدد بزمن، حيث يرى البعض أن ذلك من أهم أسباب إخفاق اتفاقات مشاركة السلطة وخصوصاً اتفاق الطائف في الحالة اللبنانية، مما رسخ الانقسامات الإثنية على حساب الإصلاح السياسي حتى اليوم. في حين أن ميثاق دستور جنوب إفريقيا التأسيسي لعام 1993 عالج هذه المشكلة من خلال ما يسمى "بند الغروب" الذي يحدد تاريخ إنهاء العمل باتفاق مشاركة السلطة بعد خمس سنوات من توقيعه.([36]) بشكل يتيح بعد هذا التاريخ الانتقال لنظام شامل أكثر استدامة.
  • تأهيل المعارضة على أهم الوظائف الأساسية في الدولة للتمكن من العمل وفق الأنظمة المؤسسية للدولة لا سيما في حال وضع ترتيبات لمشاركة السلطة حال تطبيقها، منعاً لحدوث أي تدليس أو تلاعب مستقبلي يؤدي إلى فشل الأطراف الشرعية في إدارة الحكم ومؤسسات الدولة، وبالتالي سيكون من الملحّ الحفاظ على بعض المؤسسات لا سيما الخدمية من أجل تسهيل الانتقال وضمان الاستقرار.
  • التعامل مع مشكلة أدوار اللاعبين الخارجيين، من حيث التخلص التدريجي من التدخل الخارجي بالتزامن تعزيز الملكية الوطنية اللازمة لضمان استدامة أي حل، ويساعد في ذلك أيضاً شرط الغروب المذكور أعلاه بالإضافة إلى العمل على المستوى المحلي لتعزيز استعادة الملكية من قبل الشعب.

المحاولات الدولية لتطبيق مشاركة السلطة في سورية

رغم فشل كوفي عنان في التوصل لاتفاق على أساس مشاركة السلطة إلا أن وساطته تمخضت عن صدور بيان جنيف في حزيران 2012 الذي ينص على تأسيس هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة مكونة من النظام والمعارضة، على الرغم من بقاء البيان غامضاً من حيث تحديد من سيشارك السلطة مع من، وبعبارة أخرى تحديد أطراف المعارضة وأطراف النظام المعنيين بعضوية هيئة الحكم الانتقالية. حاول الابراهيمي (الوسيط الثاني في الصراع السوري بعد عنان) في جنيف 2 عام 2014 كذلك تطبيق مشاركة السلطة السياسية من خلال محاولة ترجمة بيان جنيف 2012 إلى اتفاق، إلا أن الانقسام الدولي وغياب الثقة بين الأطراف حال دون ذلك. ولم تفلح كذلك محاولات دي مستورا بتطبيق خطة التجميد (مناطق خفض التصعيد) أو حتى تشكيل لجنة دستورية بتمثيل حقيقي للشعب السوري كخطوة نحو مشاركة السلطة.

ورغم اعتقاد بعض الباحثين أن جزء من عوامل مشاركة السلطة متوفرة في سورية، إلا أن آخرين يرون أن وجود الأكثرية السنية (ما يقارب 70%) خصوصاً مع الانقسامات ضمن السنة أنفسهم (إيديولوجياً) إضافة إلى التهجير الداخلي والخارجي بأعداد ضخمة، وعدم تماثل الأقليات (العلويين، المسيحين، الكرد، التركمان، الشيعة، الشركس، الدروز، الاسماعيليين وغيرهم) في الحجم، يجعل التوازن في السلطة بين المكونات المختلفة أمر غير ممكن. يضاف إلى ذلك عدم التركز الجغرافي للمكونات المختلفة حيث يمثل السنة أغلبية في بعض المدن وأقلية في أخرى، وأخيراً تعذّر حكم النخب بسبب عدم وجود تمثيل مجتمعي شعبي واضح لقيادات كفؤة وذات شرعية.([37])

وبالتالي فإنه وبغض النظر عن طبيعة الاتفاق السياسي القادم يجب إيلاء أهمية أكبر لكيفية الوصول للاتفاق وليس فقط ماهية الاتفاق. وبعبارة أخرى، يجب على أي جهد لبناء السلام في سورية أن يتزامن مع بناء السلام على المستوى المحلي والمشاركة المجتمعية لكافة المكونات بحيث يعبّر عن مطالب مختلف مكونات الشعب السوري ويمثلها بشكل حقيقي من جهة، وأن يحافظ على الهوية السورية الوطنية كمظلّة جامعة لمختلف الهويات السورية الفرعية من جهة أخرى.([38]) ومن هنا تبرز الحاجة إلى نظام حكم يحقق التوازن بين الحقوق الفردية (المواطنة) وحقوق المكونات الثقافية المختلفة ويضمن ذلك دستورياً تحت طائلة المساءلة وبدعم إقليمي ودولي بشكل يتلافى العيوب التي أنتجتها هذه النماذج في الدول الأخرى وفق نهج تصاعدي Bottom-up وليس مفروض من الأعلى Top-down كما حدث في العراق، ويضمن الوصول إلى حكومة كفؤة تعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة التي تضفي عليها الشرعية وتلبي بمؤسساتها احتياجات المكونات المختلفة بما يطمئن مخاوفهم.([39])

وبحسب نظرية الديمقراطية التوافقية وهي النموذج الأشهر لمشاركة السلطة، يمكن تصور العناصر الأساسية لنموذج مشاركة للسلطة في سورية وفق حكومة ائتلافية واسعة تضم ممثلين عن مختلف المجموعات الدينية أو العرقية الرئيسية إلى جانب منح استقلالية ثقافية للمجموعات تمكنهم من إدارة شؤونهم بأنفسهم؛ واعتماد مبدأ التمثيل النسبي كنظام انتخابي على مستويات مختلفة من حيث توزيع الحصص في أجهزة الدولة (كوتا) والتمثيل في البرلمان (أداة التصويت) وتوزيع الموارد العامة؛ مع منح الأقليات حق النقض (فيتو) ما يتعلق بأمور التنمية والشؤون الثقافية. إلا أن تطبيق هذا النموذج يطرح العديد من التحديات والمخاطر التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند تصميم أي عملية لبناء السلام المستدام في سورية. ومن أبرزها:

  • استدامة الانقسامات العرقية من خلال مأسسة الهويات الفرعية سياسياً وتمكينها على حساب الهوية الوطنية الجامعة؛
  • عرقلة المصالح الوطنية الجمعية تحت ذريعة حماية قيم المكونات المختلفة ومصالحها بما يقوّض مبادئ الحكم الرشيد؛
  • الاعتماد على "النخب" دون تمثيل حقيقي وشرعي للسكان في سبيل إرضاء أطراف الصراع على طاولة المفاوضات بدلاً من آلية انتخاب نزيهة وعادلة، مما من شأنه أن يقوّض أي ممارسة ديمقراطية محتملة؛
  • تقويض مبدأ المواطنة لصالح قيمة الانتماء الهوياتي، مما من شأنه أن يقوض المصالح والحقوق الفردية لصالح الحقوق الثقافية للمكونات الهوياتية؛
  • تحقيق استقرار مؤقت غير مستدام، بسبب الإبقاء على احتمال التعارض بين مصالح المكونات المختلفة ومصالح الدولة مما سيفضي إما إلى استبداد النظام الحاكم من جديد في وجه المكونات المعارضة له أو إلى حرب أهلية بين تلك المكونات؛
  • آنية الاستقرار السياسي على حساب التنمية وتلبية احتياجات الناس ومبادئ الديمقراطية والحوكمة؛
  • عرقلة حلّ المشاكل المجتمعية بين المكونات المختلفة لصالح التركيز على حل المشاكل المجتمعية ضمن تلك المكونات.

خاتمة

مع دخول ثورة آذار 2011 عامها التاسع، وكثرة المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية التي أثرت بشكل كبير على الصراع السوري. ومع تعدّد وتنوّع الدراسات حول الحلول المتوقعة لإنهاء الصراع، حاولت هذه الورقة الجمع بين الأساس العلمي لمشاركة السلطة كأداة مهيمنة عالمياً لإنهاء الحروب الداخلية بعد الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم من قبل المجتمع الدولي وبناة السلام، وبين ظروف الواقع السوري وأهم المعطيات التي تتقاطع مع هذا المفهوم بإيجابياته وسلبياته.

فعلى الرغم من السياسات الداخلية التي اتّبعها نظام الأسد على مرّ عقود حكمه والتي سعى من خلالها إلى زرع الطائفية وعدم الثقة بين المكونات السورية على تنوعها، إلا أن الشعب السوري انتفض بعد عقود من الاستبداد كمكوّن واحد لاسترداد قراره الوطني وإرساء قيم العدالة والكرامة والحرية، رغم ما طرأ على الصراع من بعد طائفي عمل نظام الأسد على تغذيته بشكل ممنهج. ورغم الخذلان الدولي على مرّ سنوات الثورة السورية والتعاطي القاصر تجاه إجرام نظام الأسد، إلا أن شرارة الثورة بقيت مشتعلة في نفوس السوريين بانتظار حل عادل يلبّي مطالب الشعب السوري على اختلاف مكوناته.

تخلص هذه الورقة إلى إن أي حلّ محتمل للصراع السوري لن يحظى بالنجاح فضلاً عن الاستدامة ما لم يعالج الأسباب الجذرية للصراع والمتمثلة بمطالب الانتقال إلى نظام حكم ديمقراطي عادل ذو شرعية، وما لم يراعي المشاركة المجتمعية بكافة شرائحها على المستوى المحلي وصولاً إلى النخب وليس العكس، سواءً كان مسمّى هذا الحل مشاركة للسلطة أم غير ذلك، ويأخذ بعين الاعتبار التحديّات والمخاطر التي أدّت إلى فشل اتفاقات السلام السابقة في العديد من دول العالم وتكرار العنف ومعاناة المدنيين بصورة أشدّ من السابق.

قائمة المراجع البحثية

  • Binningsbø, H. (2013). Power sharing, peace and democracy: Any obvious relationships. International Area Studies Review 16 (1), 89-112, Peace Research Institute Oslo, Norway.
  • Gates, S., and Strøm, K. (2013). The appeals and perils of power sharing. In: Fragile Bargains. Civil Conflict and Power-Sharing in Africa (in press).
  • Groarke, E. (2015). Power Sharing in Syria. Institut Für Friedensforschung Und Sicherheitspolitik An Der Universität Hamburg 20144 Hamburg • Beim Schlump 83.
  • Hartzell, C.A., and Hoddie, M. (2007). Crafting Peace. Power-sharing Institutions and the Negotiated Settlement of Civil Wars. University Park, PA: Pennsylvania State University Press.
  • Jarstad, A.K., and Nilsson, D. (2008). From words to deeds: The implementation of power-sharing pacts in peace accords. Conflict Management and Peace Science 25 (3), 206–223.
  • Kawikji, H. (2018). Under what conditions are different forms of power sharing effective? ETH Zurich.
  • Lijphart, A. (1977). Democracy in Plural Societies. New Haven, CT. Yale University Press.
  • Martin, P.H. (2013). Coming Together: Power-Sharing and the Durability of Negotiated Peace Settlements. Civil Wars, 15 (3), 332-358. DOI: 10.1080/13698249.2013.842747.
  • Mehler, A. (Jul. 2009). Peace and Power-sharing in Africa: A Not so Obvious Relationship. African Affairs, 108 (432), 453-473.
  • Norris, P. (2008). Driving Democracy: Do Power-sharing Institutions Work? Cambridge: Cambridge University Press.
  • Pierson, C.L., and Thomson, J. (2018). “Allies or Opponents? Power-Sharing, Civil Society and Gender.” Nationalism and Ethnic Politics 24 (1), 100–115.
  • Rosiny, S. (2013). Power Sharing in Syria, Lessons from Lebanon’s Experience.
  • Salamey, Abu-Nimer, M. And Abouaoun, E. (2018). Post - Conflict Power - Sharing Agreements, Options for Syria, ISBN 978-3-319-60103-8 ISBN 978-3-319-60104-5 (eBook) DOI 10.1007/978-3-319-60104-5.
  • Sivakumaran, S. (2011). Re-envisaging the International Law of Armed Conflicts’ 22 European Journal of International Law.
  • Walter, B.F. (2002). Committing to Peace: The Successful Settlement of Civil Wars. Princeton, NJ. Princeton University Press.

 

([1]) كان الزعيم اللبناني وليد جنبلاط أول من ذكر الطائف السوري -رغم أنه رفض صراحةً المفهوم اللبناني لمشاركة السلطة على أسس طائفية. كما طرح نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف هذه الفكرة مرة أخرى في مقابلة مع Le Figaro الفرنسية في 10 سبتمبر 2012، واكتسبت الفكرة بعض الزخم عندما تم تعيين الأخضر الإبراهيمي المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية لسورية في آب 2012؛ بعد أن كان في عام 1989 رئيساً للجنة الثلاثية العليا لجامعة الدول العربية التي صاغت اتفاق الطائف. إلا أن اقتراح نقل النموذج اللبناني إلى سورية أثار أيضا اعتراضات قوية لأن تقاسم السلطة الطائفي مسؤول على نطاق واسع عن تحفيز الطائفية اللبنانية المستمرة. المصدر مع الترجمة بتصرّف عن:

Power Sharing in Syria, Lessons from Lebanon’s Experience, 2013, Stephan Rosiny, p17.

([2]) غالباً يترجم مصطلح Power sharing إلى تقاسم السلطة، إلا أنني أعتقد في هذه الورقة أن الترجمة الأدق هي المشاركة وليس التقاسم وربما كان تعبير "تشارك" هو الأكثر دقة.

([3])  Arend Lijphart هو عالم هولندي سياسي متخصص في السياسة المقارنة ، ونظم الانتخابات والتصويت ، والمؤسسات الديمقراطية والإثنية والسياسية، وصاحب نظرية Consociationalism "التوافقية" أو "الديمقراطية التوافقية" Consociational Democracy.

([4]) تم الاعتراف بالنزاعات المسلحة الداخلية في القانون الدولي العرفي، ولكن فقط عندما وصلت إلى مستوى شدة الحرب الأهلية، أو "الحرب". للمزيد حول ذلك يمكن مراجعة:

Sandesh Sivakumaran‘Re-envisaging the International Law of Armed Conflicts’ (2011) 22 European Journal of International Law.

([5])  بتصرف وترجمة عن تعريف جامعة أوبسالا للحرب الداخلية، للمزيد انظر الدراسة على الرابط: https://goo.gl/mvoYQ6

([6]) Under what conditions are different forms of power sharing effective? Hadia Kawikji, 2018, ETH Zurich.

([7]) تعريف Helga Malmin Binningsbø (2013) بتصرف وترجمة، للمزيد يمكن النظر في المرجع التالي:

Binningsbø, H. (2013). Power sharing, peace and democracy: Any obvious relationships. International Area Studies Review 16 (1), 89-112, Peace Research Institute Oslo, Norway. p 215.

([8]) بتصرف وترجمة عن Hartzell and Hoddie (2007) وWalter (2002).

([9]) Lijphart (1977) وNorris (2008) وMahler (2009).

([10]) تتضمن نظرية الديمقراطية التوافقية للعالم ليبهارت أربعة ملامح مؤسسية: 1) ائتلاف كبير على المستوى التنفيذي 2) ونظام التمثيل النسبي 3) وفيتو متبادل للأقليات 4) واستقلالية جزئية، للمزيد حول النظرية الاطّلاع على المرجع التالي:

Lijphart, A. (1977). Democracy in Plural Societies. New Haven, CT. Yale University Press.

([11]) Pierson, C.L., and Thomson, J. (2018). “Allies or Opponents? Power-Sharing, Civil Society and Gender.” Nationalism and Ethnic Politics 24 (1), 100–115, p101.

([12]) Gates, S., and Strøm, K. (2013). The appeals and perils of power sharing. In: Fragile Bargains. Civil Conflict and Power-Sharing in Africa (in press).

([13]) Jarstad, A.K., and Nilsson, D. (2008). From words to deeds: The implementation of power-sharing pacts in peace accords. Conflict Management and Peace Science 25 (3), 206–223, p215.

([14]) Jarstad (2008) مرجع سابق، وMartin (2013)، للمزيد حول تحليل Martin الاطلاع على المرجع التالي:

Martin, P.H. (2013). Coming Together: Power-Sharing and the Durability of Negotiated Peace Settlements. Civil Wars, 15 (3), 332-358. DOI: 10.1080/13698249.2013.842747.

([15]) للمزيد الاطلاع على المنشور على الرابط التالي: https://bit.ly/2PtorFs تاريخ الزيارة 1 نيسان 2019.

([16]) تشير العديد من الدراسات إلى إحصائيات مختلفة منها إحصاء عام 1985 الذي يعدد النسب على الشكل التالي: 76.1% مسلمون سنة، و11.5% علويون، و3% دروز، و1% إسماعيليون، وبين 4.5% و0.4% شيعة إثنا عشرية، وهناك بعض الباحثين من يشكك في دقة هذه النسب، ويرى أن نسبة السنة في سوريا لا تقل عن 80% وتصل إلى 85% إذا أضيف إليها نسبة السنة الأكراد، إلى جانب 9% من العلويين و5% من المسيحيين الذين هاجر كثير منهم إلى الخارج. في حين يذكر تقرير وزارة الخارجية الأميركية للحريات الدينية أن نسبة المسلمين السنة في سوريا تبلغ 77%، و10% علويون، و3% دروز وإسماعيليون وشيعة إثنا عشرية، و8% من السكان مسيحيون من طوائف مختلفة تتبع غالبيتها الكنيسة الشرقية وتهيمن الطائفة الأرثوذكسية بشكل كبير على التوزع المسيحي، وتوجد أيضا أقلية يزيدية في منطقة جبل سنجار على الحدود مع العراق. المصدر: التركيبة السكانية في سوريا، موقع الجزيرة، للمزيد الاطلاع على الرابط: https://bit.ly/2Dv5Hk2 تاريخ الزيارة 1 نيسان 2019.

([17]) Post - Conflict Power - Sharing Agreements, Options for Syria, p13.

([18]) ذكر تقرير فايننشال تايمز 2011 أن رامي مخلوف ابن خالة بشار الأسد يسيطر على ما يصل إلى 60% من الاقتصاد السوري. للمزيد الاطلاع على الرابط: https://on.ft.com/2ZvZFsW  تاريخ الزيارة 1 نيسان 2019.

([19]) تسليح الأقليات في جرمانا والقصاع... بين الحقيقة والرعب، مقال منشور على موقع زمان الوصل على الرابط https://bit.ly/2USCJFG   تاريخ الزيارة 24 آذار 2019،

([20]) أول استخدام لوصف "طائفية في خطاب بثينة شعبان 24 آذار 2011 بأن ما جرى في درعا يستهدف تحويل سورية لمناطق طائفية عرقية، الخطاب على الرابط:  https://bit.ly/2ZG3MCS  ثم تكررت في أول خطاب لبشار الأسد في 30 آذار 2011 منذ اندلاع الانتفاضة بأن سورية هدف لمؤامرة لإحداث صراع طائفي، الخطاب على الرابط https://bit.ly/2DwZzrr . تاريخ الزيارة 1 نيسان 2019.

([21]) ومنها لافتات "الشعب السوري واحد" و "لا سلفية ولا إرهاب ثورتنا ثورة شباب" التي رفعت في كل من حمص ودرعا وريف دمشق في شهر نيسان 2011. للاطلاع الفيديو على الرابط: https://bit.ly/2Dx45q6  تاريخ الزيارة 1 نيسان 2019.

([22]) خطاب بشار الأسد ووصف المتظاهرين بالجماعات الإرهابية المسلحة". وأول استخدام لوصف "عصابة مسلحة" من التلفزيون السوري حول الجامع العمري في درعا. للمزيد الاطلاع على مقال بعنوان: خطابات الأسد.. الإصلاح بالكلام، مقال منشور على موقع الجزيرة، تاريخ الزيارة 26 آذار 2019، على الرابط: https://bit.ly/2XJSVG9

([23]) في شهر أيار 2011 فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات على النظام السوري بسبب قمعه للمظاهرات، وفي آب 2011 صعدت تركيا موقفها تجاه الحكومة السورية لنفس السبب. للمزيد يمكن زيارة الرابط: https://bit.ly/2IETCgA  مقال بعنوان: عقوبات سوريا، منشور على موقع الجزيرة، تاريخ الزيارة 28 آذار 2019.

([24]) للاطلاع على خطة النقاط الست لكوفي عنان: نص- ترجمة غير رسمية لنص خطة سلام كوفي عنان لسوريا على الرابط: https://bit.ly/2FqGc3G  تاريخ الزيارة 1 نيسان 2019.

([25]) سيتم الشرح باستفاضة عن مفهوم مشاركة السلطة لاحقاً.

([26]) للاطلاع على مضمون بيان جنيف1 لعام 2012 زيارة الرابط: https://bit.ly/2Pu9ZwJ  مقال بعنوان اتفاق جنيف 1 منشور على موقع الجزيرة، تاريخ الزيارة 1 نيسان 2019.

([27]) انقسام P5 في مجلس الأمن بين روسيا من جهة وأمريكا والغرب من جهة أخرى بسبب الفصل السابع/السادس لتطبيق القرار واستخدام الفيتو من روسيا والصين ضد البيان في 19 تموز 2012. https://bit.ly/2PARkjf تاريخ الزيارة 1 نيسان 2019.

([28]) من حوالي 1360 شهيد في شهر أيار إلى 5834 في شهر آب 2012.  المصدر: منشور بعنوان: الخط الزمني للحرب الأهلية السورية، على الرابط https://bit.ly/2Vto6rA تاريخ الزيارة 1 نيسان 2019.

([29]) واشنطن تعترف بالائتلاف ممثلاً شرعياً للشعب السوري، مقال منشور على موقع الجزيرة على الرابط https://bit.ly/2VqvfJj تاريخ الزيارة 1 نيسان 2019.

([30]) بدء الضربات الجوية الروسية وتفويض البرلمان لبوتين باستخدام القوات المسلحة الروسية في الخارج. للاطلاع على الخبر زيارة الرابط: https://bbc.in/1MFJXiv

([31]) للمزيد حول بيان فيينا زيارة الرابط: https://bit.ly/2USMrrC فيديو بعنوان: بيان فيينا يدعو إلى تشكيل حكومة سورية جديرة بالثقة ويختلف حول مصير الأسد. تاريخ الزيارة 1 نيسان 2019.

([32]) شمل الاتفاق أجزاء من إدلب وشمال حمص والغوطة الشرقية والحدود الأردنية السورية التي تسيطر عليها كلها المعارضة، وكان الاتفاق ألا تشن هجمات حتى 6 أيار 2017 وأن تصل المساعدات لهذه الأماكن.

([33]) Post - Conflict Power - Sharing Agreements, Options for Syria, p28.

([34]) المرجع السابق بتصرف وترجمة، ص 33.

([35]) المرجع السابق بتصرف وترجمة، ص 8.

([36]) Power Sharing in Syria, 2015, Emer Groarke, p12.

([37])المرجع السابق بتصرف وترجمة، ص135.

([38]) المرجع السابق بتصرف وترجمة، ص 16.

([39]) المرجع السابق بتصرف وترجمة، ص 36.

التصنيف أوراق بحثية

مُلخّصٌ تنفيذيّ

  • استطاعت الأحزاب الكُردية أن تتفق فيما بينها؛ بدون تدخل من أطرافٍ كُردية إقليمية في المرحلة الأولى من الثورة؛ حول أفكارٍ لأطر عامة ومطالب تخص عموم سورية، إلا أنها سرعان ما عانت من ظهور خلافات جوهرية بناءً على الموقف المبدئي من النظام واحتمالية بقائه، وتجلى ذلك في عدم انضمام حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) للمجلس الوطني الكُردي بداية تشكيله، وسيره في عملية إنشاء نموذج حكم خاص به متمثلاً في " الإدارة الذاتية الديمقراطية"؛
  • أدى انسحاب النظام من مُدن رئيسية وسيطرة العناصر المسلحة من حزب الاتحاد الديمقراطي عليها إلى فقدان بقية الأحزاب الكُردية لفرصة السيطرة على مناطق جغرافية، وفتح هذا التأخر المجال أمام حزب الاتحاد الديمقراطي ليقوم بإنهاء نواة الكتائب التي شكلتها بعض الأحزاب، مما أدى لاحتكار الحزب للملفين الأمني والعسكري وتثبيت سلطته؛
  • عانى المجلس الوطني الكُردي أثناء القيام بالاتفاقيات من حالةعدم الاتساق والخلاف حول المناصب داخله، فمنذ تشكله إلى بدء مرحلة التفاوض مع حزب الاتحاد الديمقراطي، كانت النسب الحزبية عاملاً مهماً لإبقاء مجموع أحزابه ضمن هيكلية المجلس، لينحصر المجلس في عملية التفاوض في زاوية ضيقة، يطالب منها بالمحاصصة دون أن يمتلك أدوات ضغط، خارج تلك المتوفرة له من قبل "إقليم كردستان العراق".
  • شكل مسار جنيف للمفاوضات دافعاً رئيسياً للأحزاب الكُردية للجلوس على طاولة التفاوض، وشكلت ثنائية " قبول المجلس الوطني إقليمياً "، "وانتهازية حزب الاتحاد الديمقراطي الزمنية المتعلقة بالاستفادة من التفاوض للتقدم إلى مرحلة متقدمة" عائقاً هاماً أمام تنفيذ بنود الاتفاقيات.
  • تُشير الوقائع الراهنة إلى استمرار ذات الأسباب المعرقلة لإنجاح الاتفاقيات، فحزب الاتحاد الديمقراطي لايزال يعمل على تطبيق المشروع الذي يمتلكه والذي يمثل الجانب الأيديولوجي منه جزءاً هاماً يُصر الحزب على الالتزام به وتطبيقه بحذافيره، بينما لا يزال المجلس الوطني الكُردي يعاني من إشكالات خاصة ببنيته التنظيمية المعيقة، ولايزال يفتقد لإمكانية الاستخدام الفعلي لأدواته المحلية والإقليمية والدولية للضغط على حزب الاتحاد لتنفيذ بنود الاتفاقيات.

مدخل

رغم مرور عدة سنوات على آخر محاولة فعلية للتوافق بين الطرفين الرئيسيين في المعادلة الكُردية السياسية في سورية (المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي)، لاتزال مواضيع غياب التنسيق والتوافق تفرض نفسها على جدوى تفاعلات الفواعل الكردية في سورية سواء من حيث إشكاليات التمثيل أو من حيث عمليات التشكل أو من حيث الاتساق الوظيفي السياسي التي تتسم في تعدد الغايات والتحالفات والارتباطات المحلية منها أو العابرة للوطنية؛ وهذا ما من شأنه إظهار الهوة السياسية بين تلك الفواعل التي من آثارها تعميق الخلاف وازدياد الاضطراب وتعدد المشاريع.

تحاول هذه الورقة الإجابة على كافة التساؤلات المتعلقة بمسببات تلك الهوة ومدى ديمومتها وما أثر غياب أطر سياسية جامعة على تفاعلات المشهد السياسي؛ وفي سبيل ذلك تسعى الورقة لتناول كافة الحيثيات المتعلقة بكافة المفاوضات والمحاولات المتعددة والمتشابكة التي تمت خلال المرحلة السابقة؛ وتسليط الضوء على الاتفاقيات الكُردية البينية وتحليلها، ودراستها لتبيان الأسباب الرئيسية الدافعة اتجاه صيغ التفاهم، وأهم بنودها، وأهم المعوقات التي رافقتها، مع مراعاة السياق السياسي والعسكري العام المرافق لتلك المحاولات وتلمس دوافع حزب الاتحاد الديمقراطي والإدارة الذاتية للاستفادة من الاتفاقيات للوصول إلى أهداف مستقبلية خاصة، دون التقليل من سياسة قمع الطرف الآخر من الاتفاق عبر العديد من الوسائل، كالسيطرة على المظاهرات ونقاطها الرئيسية، والاعتداء على قادة التظاهرات والأحزاب ونفيهم، وتنفيذ سياسة تشويه سمعة مكثفة بحقهم، واستخدام العنف المجتمعي لتثبيت سلطة الحزب والإدارة([1]).

2011-2012: اتفاقات ومبادرات لم تمنع التمترس الحزبي

استطاعت الأحزاب الكُردية في سورية أن تبلور مطالب شعبية عامة وكُردية خاصة باستجابة سريعة خلال الفترة الممتدة من 2011- 2012، وبدأت بطرح مقاربات "لأشكال حكم خاصة" تراوحت بين الفدرالية السياسية الموحدة لشمال سورية، وبين الإدارات الذاتية على اختلاف نسب العلاقة بين هذه النماذج المطروحة والمركز في المستقبل.

بدأ الحراك السياسي الائتلافي بين الأحزاب الكُردية منذ شهر نيسان 2011 متمثلاً بـ " مبادرة أحزاب الحركة الوطنية الكُردية" التي حلمت مطالب سورية عامة، كالمطالبة بالتوقف عن استخدام العنف، واستخدام لغة الحوار، بالإضافة إلى مطالب كُردية تمحورت حول إزالة المشاريع العنصرية المطبقة من قبل البعث سابقاً، ونادت بـ "حل القضية القومية للشعب الكردي حلاً ديمقراطيا عادلا في إطار وحدة البلاد، بالاعتراف الدستوري بوجوده القومي كمكون رئيسي في البلاد".

ساهم تسارع أحداث الثورة في سورية وامتدادها لوقت أطول من المتوقع إلى تحول في طبيعة الاتفاقات بين الأحزاب الكُردية وحتى في طبيعة التكتلات، فظهرت أول قطيعة بين التيارين المعهودين في المجتمع الكُردي " التيار المقرب من إقليم كُردستان العراق ونموذجه" متمثلاً بمجموع الأحزاب الكُردية المنضمة إلى المجلس الوطني الكُردي، والتيار " المحسوب على حزب العمال الكُردستاني ومشروعه" متمثلاً بتنظيمات حركة المجتمع الديمقراطي TEV-DEM وأهمها حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، مع تشكيل المجلس الوطني الكُردي ENKS في 26/10/2011، ورفض التيار المحسوب على حزب العمال الكُردستاني الانضمام للمجلس، نتيجة اختلافاتٍ عدة كان أهمها آنذاك قرب الأحزاب المشكلة للمجلس الوطني الكُردي للمجلس الوطني السوري، بينما كان حزب الاتحاد الديمقراطيPYD وحركة المجتمع الديمقراطي TEV-DEM، من المؤسسين لهيئة التنسيق الوطنية.

ألقت حالة التشرذم الحزبي بظلالها على قدرة الأحزاب الكُردية في الاستفادة من الإرث السياسي التي تمتاز به مقارنةً ببقية أطر المعارضة وشخصياتها، وبشكلٍ خاص على أحزاب المجلس الوطني الكُردي، التي لم تستطع مجاراة TEV-DEM  في سرعة اتخاذ الخطوات السياسية والعسكرية، نتيجة وضوح الأهداف الذاتية لدى TEV-DEM أكثر مما كان عليه الوضع لدى المجلس الكُردي، واستطاعت TEV-DEM أن تستند على أدبياتها السياسية وعلى عناصر حزب العمال الكُردستاني في تسريع تشكيل أطرها السياسية والعسكرية.

"مبادرة أحزاب الحركة الوطنية الكُردية"

مع بداية الثورة؛ صيغ الاتفاق الأول بين أحزاب الحراك السياسي الكُردي سورية ضمن وثيقة اتفقت عليها وأعلنتها الأطراف الكردية في حي الهلالية بمدينة القامشلي وسميت بـ “مبادرة أحزاب الحركة الوطنية الكردية" ضمت المبادرة معظم الأحزاب الكًردية بما فيها الاتحاد الديمقراطي (PYD)، وهي عبارة عن إطار تم من خلاله طرح رؤية الأحزاب المنضمة للمبادرة لحل “الأزمة([2])“، وقد تم ذلك ببيان مقتضب في 27/04/2011([3])، وتم إعلانه ضمن تجمع جماهيري بتاريخ 14/05/2011([4])، في مدينة القامشلي ذكر فيه مطالب عامة متسقة مع غايات الحراك الثوري كتجنب اللجوء إلى استخدام العنف والقتل تحت أية ذريعة كانت والسماح للاحتجاجات السلمية بالتعبير عن نفسها، واعتماد مبدأ ولغة الحوار الوطني الشامل بين مختلف الاتجاهات السياسية الوطنية والنخب الثقافية التي تؤمن بالحوار سبيلاً للتفاهم؛ وتطبيق المرسوم الرئاسي القاضي برفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية، وإلغاء المحاكم والقوانين الاستثنائية كافة، والإفراج عن جميع معتقلي الرأي والسجناء السياسيين؛ ومطالب سياسية خاصة كالسماح للتيارات السياسية والأحزاب التي تمثل شرائح المجتمع بمزاولة أنشطتها الديمقراطية علناً إلى حين صدور قانون عصري للأحزاب؛ وإلغاء كافة السياسات التمييزية و"المراسيم والتعاميم السرية المطبقة بحق الشعب الكردي"، والاستعجال في إعادة الجنسية إلى المجردين منها، وتسجيل المكتومين في السجلات المدنية كمواطنين سوريين، وإيلاء المناطق الكردية الاهتمام اللازم بغية إزالة آثار الإهمال المتعمد لها وتحقيق مبدأ المساواة أسوة بباقي المناطق.

كما دعا هذا البيان لمقاربة حل يتمثل بالدعوة لعقد مؤتمر وطني شامل دون هيمنة أية جهة كانت، وكان من أولى مهامه، إقرار صيغة مشروع دستور جديد يلغي الامتياز لأية جهة سواء أكان حزباً أو قومية، ويتضمن الاعتراف بالتعددية القومية والسياسية واللغوية، ويطرح هذا الدستور على الاستفتاء العام، وإقرار قانون جديد للانتخابات المحلية والتشريعية، وآخر لتنظيم عمل الأحزاب السياسية يراعي خصوصيات المجتمع السوري ومكوناته دون التمييز بسبب العرق أو الدين، وإطلاق حرية الإعلام والصحافة؛ وضمان فصل السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، واستقلالية القضاء وتعزيز دوره؛ بالإضافة إلى حل ما حدده البيان فيما يخص "القضية القومية للشعب الكردي" حلاً ديمقراطياً عادلاً في إطار وحدة البلاد و بالاعتراف الدستوري بوجوده القومي كمكون رئيسي، وتأمين ما يترتب على ذلك من حقوق قومية؛ وحماية وتأمين الحقوق الثقافية للأقليات القومية والدينية في البلاد([5]).

وبتاريخ 06/06/2011، أعلنت الأحزاب الكُردية في القامشلي قيام رأس النظام بدعوتها للقاء بهدف التحاور، وكانت الأحزاب المدعوة هي (الحزب اليساري الكردي في سوريا؛ الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا /جناح عبد الحكيم بشار؛ حزب يكيتي الكردي في سوريا؛ حزب الاتحاد الديمقراطي؛ حزب آزادي الكردي في سوريا؛ حزب الديمقراطي الكردي في سوريا /جناح نصرالدين ابراهيم؛ الحزب الوطني الديمقراطي الكردي في سوريا؛ حزب المساواة الديمقراطي الكردي في سوريا؛ حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا؛ الحزب الديمقراطي الكردي السوري؛ الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا. تيار المستقبل)([6]). واستمرت “المبادرة “ في إعطاء البيانات والتصريحات باسم مجموع أحزابها إلى أن تم تشكيل المجلس الوطني الكُردي، ومن بيانتها كان البلاغ الصادر بتاريخ 19/05/2011، والداعي إلى المطالب السابقة مع التذكير بخطورة "لجوء الدولة إلى العنف في مواجهة الاحتجاجات التي عمت سورية".([7])

 ومن أهم الأحداث التي رافقت مسيرة “ المبادرة” كان دعوة "بشار الأسد" لـ 12 حزباً كردياً في 06/06/2011 إلى دمشق للتفاوض، وما أحدثته من خلافاتٍ ضمن الأحزاب الكردية؛ فبدايةً تم رفض الدعوة من قبل “ لجنة التنسيق الكردية” بتاريخ 07/06/2011 عبر بيانٍ أشارت فيه إلى "الدماء المسالة في البلاد" وإلى انتهاج الأجهزة الأمنية لأسلوب العنف في مواجهة المظاهرات، وفي حين أن أحزاب “ لجنة التنسيق لم ترفض الحوار كمبدئ، إلا أنها أشارت إلى عدم جدواها؛ كما دعت إلى أن يكون الحوار عاماً وشاملاً لكل مكونات المعارضة السياسية عبر مؤتمر للحوار الوطني دون إقصاء، وشملت أحزاب لجنة التنسيق كل من “ حزب آزادي الكردي في سوريا، وتيار المستقبل الكردي في سوريا، وحزب يكيتي الكردي في سوريا “، لاحقاً وعقب مرور يوم على بيان لجنة التنسيق تم إصدار بيان من قبل “ مبادرة أحزاب الحركة الوطنية الكردية” وافقت فيه على طلب الأسد اللقاء والحوار معهم من حيث المبدئ، إلا أنها ربطت اللقاء بتوافر الظروف الملائمة([8]).

 وتطورت بيانات المبادرة تشدداً اتجاه النظام مع استمرار وزيادة سوية العنف في البلاد([9]إلا ان هذه المبادرة وإن اتفقت مع المطالب الثورية السورية العامة وخصصت ببعض المطالب المتعلق بالشأن الكردي؛ إلا أنها لم تستطع تحويل حالة التنسيق السياسي إلى إطار ناظم، ولم تتعامل مع التباينات البينية التي بدأت بالتزايد مع تطور الصراع في سورية وانتقاله لمستويات عابرة للتظاهر والفعل السلمي.

مجلس "شعب غربي كردستان"

شكلت حركة المجتمع الديمقراطي TEV-DEM في 16/12/ 2011 مجلس "شعب غربي كردستان" ليكون موازياً للمجلس الوطني الكُردي، بعد رفض الحركة وحزب الاتحاد الديمقراطي PYD الانضمام للمجلس الوطني الكُردي نتيجة الخلافات على النسب بالرغم من كونهم أحد الأطراف المحضّرة له ([10])، ومع السير في عملية تشكيل " مجلس شعب غرب كردستان"، بدأت عملية طرح مفهوم المجلس (وهو في الأساس مفهوم حزب الاتحاد الديمقراطي) لحل القضية الكُردية في سورية النابعة من كتابات "زعيم" حزب العمال الكُردستاني عبدالله أوجلان ويتمحور حول الوصول لحل ديمقراطي مبني على "نظرية الأمة الديمقراطية التي تبني وطناً مشتركاً"، بعد تثبيتها في الدستور على شكل الإدارة الذاتية الديمقراطية كنموذج حوكمي وإداري، وهذا الطرح والمفهوم يعني في جوهره الابتعاد عن الدولة القومية والمركزية وبناء مجتمع معتمد على نفسه في الإدارة والدفاع والحكم بشكلٍ يدَّعي أنه لا يؤدي إلى تقسيم الدول.

ولم تتمكن الإدارة الذاتية حتى الوقت الحاضر من الالتزام بمفاهيمها، فيلاحظ حول أدائها تداخل " القومي " بـ"الأممي"، كما أن جوهر مفهوم الأمة الديمقراطية حول إنهاء المركزية شهد تناقضاً فيما يخص تشديد المركزية أكثر مما كانت عليه عبر زيادة عدد هيئات ومؤسسات السلطة وفرض العضوية على السكان ضمنها، وربط كافة نشاطاتهم الإدارية والسياسية والأمنية بها. ومع الإعلان عن مجلس شعب غربي كردستان، أخذ الأخير دفة المفاوضات مع المجلس الوطني الكُردي، وعاد حزب الاتحاد الديمقراطي " نظرياً" للصفوف الخلفية كونه أحد عناصر المجلس المعلن، ووقع الطرفان أول وثيقة بينهما بصفة مجلسين في مدينة القامشلي بتاريخ 19/01/2012، تحت عنوان " وثيقة تفاهم" وتضمنت كل من البنود التالية([11]):

1) خلق أجواء وظروف الثقة بين القوى. 2) الاعتراف المتبادل للقوى. 3) التنسيق والعمل المشترك. 4) تشكيل لجنان متابعة ميدانية لمتابعة تنفيذ القرارات المتخذة.

يمكن اعتبار هذه الوثيقة فعلياً أول اعتراف من قبل المجلس الوطني الكُردي بوجود مجلس الشعب التابع لـحزب الاتحاد الديمقراطي، كجسد موازي أو منافس له، عبر عقد الاتفاق معه وتقبل وجوده الاعتباري كطرف موازي ومنافس له، بعد رفض حزب الاتحاد PYD الانضمام للمجلس الكُردي، وهي وثيقة تحمل بنوداً عامة دون الدخول في التفاصيل، ولم يرد الكثير عن هذه الوثيقة ضمن البيانات المعلنة من قبل الطرفين، ولم تستطع أن تمتلك الصلابة الكافية ليتم التمسك بها، واستطاع حزب الاتحاد عبرها انتزاع أول اعترافٍ بوجود مجلس الشعب المُشكل حديثاً كمظلة للأحزاب المقربة من حزب العمال الكُردستاني ، وظهر توجه حزب الاتحاد في اتجاه إضفاء الشخصية على مجلس الشعب من تصريح لإبراهيم بروا، يوضح أن حزب الاتحاد لن يلتزم بأي اتفاق إن لم يكن مع مجلس شعب غرب كردستان([12]).

"مؤتمر الجالية الكُردية"

لم يكن مؤتمر الجالية الكُردية في الخارج أحد أطر الاتفاق المباشرة بين الطرفين فهو في الأساس كان خطوة من رئاسة إقليم كُردستان العراق نحو تقديم الدعم للمؤتمر التأسيسي للمجلس الوطني الكُردي في سورية([13])، وتوحيد الخطاب الكُردي، حيث "تم دعوة 245 شخصية كُردية حزبية ومستقلة من 25 دولة إلى مدينة أربيل بتاريخ 28-29/01/2012، ([14])

فضل حزب الاتحاد الديمقراطي PYD مقاطعة المؤتمر كونه رفض بالأساس الانضمام للمجلس الوطني الكُردي، إلا أن رفض الحزب للانضمام للمجلس أو التواجد في مؤتمر الجالية الكُردية لم يمنع حزب PYD من اتهام حزب الديمقراطي الكردستاني_ العراق بالتخطيط لترسيخ " الانقسام الكُردي وحياكة أمورٍ من خلف الستار"([15])، كون الأخير لم يقم بإرسال دعوة حضور لحزبهم([16])، وهو ما نفاه رئيس ديوان رئاسة إقليم كُردستان فؤاد حسين هذا الاتهام مؤكداً توجيههم دعوة رسمية للحزب إلا أن الحزب رفض الحضور، وتُعتبر هذه الطريقة إحدى أساليب حزب الاتحاد الديمقراطي بتوجيه الاتهامات ووصف اجتماعات الأحزاب الأخرى بالمؤامرة ضده، إن لم تكن في سياق رؤيته وسياساته([17])".

تمحورت توصيات المؤتمر في بيانه الختامي بصورة تتوافق مع مبادئ المجلس الوطني الكُردي، وهي إدانة استخدام العنف من قبل الأجهزة الأمنية، والتأكيد على التسامح والتعايش بين مكونات الشعب السوري، وعلاقة الكُرد بالمعارضة السورية([18])، لاحقاً وبناءً على توصيات المؤتمر تم تشكيل العديد من الممثليات للمجلس الوطني الكُردي في دول المهجر والجوار([19]).

عموماً لم تستطع تلك المحاولات التنسيقية من إخفاء اختلاف المشاريع التي تسعى لفرض رؤاها على المشهد الكردي واختلاف داعميها؛ وهذا الاختلاف هو بطبيعة الحال انعكاس للخلاف الكردي -الكردي التقليدي؛ لذلك بقيت تلك المحاولات دفعاً سياسياً ناعماً لم تمنع من ظهور الاختلافات وكانت محاولات الاستجابة لتلك الجهود تأتي من باب "المواءمة" ريثما تكتمل عناصر المشروع الجديد بالنسبة لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي حاول خلق مظلة بديلة؛ بينما أتت استجابات المجلس الوطني الكردي من منظور مركزيته كإطار واحد.

2012-2013: هيئة كردية عليا لم تصمد

مع انتصاف العام 2012 كانت منظومة TEV-DEM ومجلس شعب غربي كردستان قد أحكموا سيطرتهم على عدة مدن كُردية في الشمال السوري، واستطاعوا قمع الفصائل والكتائب العسكرية الكُردية المشكلة من قبل بعض أحزاب المجلس الوطني الكُردي، نتيجة اتخاذ الأخير قرار عدم الدخول في مواجهة عسكرية مع طرفٍ كُردي تجنيباً للمنطقة وسكانها والمجتمع الكُردي بشكلٍ خاص لأي مآلات سيئة. في حين كان مجلس شعب غربي كردستان قد اتخذ قراره بفرض سلطته العسكرية والأمنية مهما كان الثمن، ومع انتهاء العام 2012 كان المجلس منزوعاً من كافة أدواته، حتى المظاهرات، فلم " تبقي الشبيبة الثورية" التابعة لحزب الاتحاد فرصةً للمنظمات الشبابية في القيام بمظاهرات تحمل طابعاً لا يتوافق مع خطط PYD ، وفي ظل واقع اختلال موازين القوى توجه الطرفان لمفاوضاتٍ كان لكلٍ منهما غايات آنية كحضور اجتماعات جنيف1، التي كانت السبب المباشر لحدوث اتفاق " هولير1 " والذي أدى لإعلان الهيئة الكُردية العليا.

 بالعموم أجبر تسارع الأحداث الأحزاب الكُردية إلى عقد مؤتمر “ أحزاب الحركة الوطنية" وتقديم نظرة عامة لكيفية حل الأزمة في سورية، ومع اشتداد الأزمة والبدء في الخارج والداخل بتشكيل التجمعات السياسية كتشكيل المجلس الوطني السوري في 02/10/2011، توجهت الأحزاب الكُردية لتشكيل مجلس يؤطر عملها التنظيمي ويمثل مطالبها، والذي تكلل بتشكيل المجلس الوطني الكُردي في 26/10/2011، باستثناء حزب الاتحاد الديمقراطي PYD ومنظومته المشكلة حديثاً TEV_DEM وبعضاً من الأحزاب المحدودة الحجم، وخلال فترة قصيرة عملت TEV-DEM على تشكيل “مجلس الشعب في غرب كردستان أو " مجلس غربي كُردستان" في 16/12/2011".

تمت المفاوضات بين المجلسين حتى بداية 2014 حول تشكيل إدارة مشتركة، ليتجه حزب PYD بعد 2014 ليطالب المجلس بالانضمام للإدارة الذاتية فقد انتهت مرحلة تفاوض طرفين من ذات الطبيعة، وبدأت مرحلة تفاوض عنصر أعلى تنظيمياً (الإدارة الذاتية) مع عنصر أدنى تنظيمياً (مجلس يمثل بعض الأحزاب)، وبدأ "مجلس شعب غربي كردستان" وحركة المجتمع الديمقراطي بالاستفادة من عملية الحوار مع المجلس الكُردي للسير في عدة مسارات لتثبيت سلطة المنظومة، حيث إنها مع استمرار المفاوضات بين الطرفين الكرديين، كانت TEV_DEM ومجلس غربي كُردستان يقومان بتشكيل: هيئات وبلديات وأسايش وقوى عسكرية وسياسية أخرى ضمن خطة إعلان الإدارة الذاتية، وتبادلت المؤسسات المشكلة وفق عقدٍ اجتماعي نابعٍ من أيديولوجية حزب الاتحاد وحزب العمال الكُردستاني منح أدوار الشرعية لبعضها البعض([20]).

 وضمن حركة التفاوض بين الطرفين الكُرديين تُعتبر الهيئة الكُردية العليا حتى الآن التشكيل الذي حصل على أعلى دعمٍ شعبي في تاريخ كُرد سورية، لكن فشلها في تحقيق حالة توافق مستدام بين الأطراف الكردية، نتيجة أسباب كثيرة ومتشعبة بعضها من بعض، قسمٌ منها يتعلق بطبيعة الأحزاب الكردية السورية نفسها، والآخر بالأحزاب الكردية الإقليمية الرئيسية وخلافاتها البينية، والأخير بواقع الثورة السورية وعدم وضوح توجهات الدول العظمى.

هولير 1: هيئة عليا بثلاث لجان

حدث الاتفاق في مدينة أربيل بتاريخ 11/06/2012، وكانت البداية بإعلان " اللجنة الكُردية العليا" وحملت الاتفاقية اسم " هولير" ليُضاف له 1 بعد حدوث هولير2، وشملت بنود الاتفاقية:

  1. اعتماد وثيقة هولير والبناء عليها وتفعيل البنود الواردة فيها ووضع الآليات اللازمة لتنفيذها.
  2. تشكيل هيئة عليا مشتركة (الهيئة الكردية العليا)، مهمتها رسم السياسة العامة وقيادة الحراك الكردي في هذه المرحلة المصيرية، واعتماد مبدأ المناصفة في هيكلية كافة اللجان والتوافق في اتخاذ القرارات.
  3. تشكيل ثلاث لجان تخصصية لمتابعة العمل الميداني.
  4. التأكيد على وقف الحملات الإعلامية بكافة أشكالها.
  5. تحريم العنف ونبذ كافة الممارسات التي تؤدي الى توتير الأجواء في المناطق الكردية.
  6. اعتماد اللائحة الداخلية الملحقة بوثيقة هولير التي تتضمن آليات العمل.
  7. تشكيل اللجان خلال أسبوعين من تاريخ التوقيع على الاتفاق.
  8. هذا الاتفاق نص متكامل لا يجوز الإخلال بأي بند من بنوده التي تم إقرارها من قبل الطرفين([21]).

ونتج عنها لجان ثلاثة: اللجنة الأمنية واللجنة الخدمية واللجنة السياسية، وتألفت عضويتها من أعضاء اللجنة الكردية العليا من مجلس شعب غربي كردستان: (آلدار خليل، قائد عسكري، "حركة المجتمع الديمقراطي"؛ روناهي دليل/ إلهام أحمد، اتحاد ستار “منظمة نسوية تابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي"؛ صالح مسلم، رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي؛ سينم محمد، رئيسة مجلس شعب غربي كوردستان؛ عبد السلام أحمد، رئيس مجلس شعب غربي كوردستان) وأعضاء اللجنة الكردية العليا من المجلس الوطني الكردي (محي الدين شيخ آلي سكرتير حزب الوحدة؛ أحمد سليمان عضو لجنة المركزية حزب الديمقراطي التقدمي؛ اسماعيل حمي سكرتير حزب يكيتي الكوري؛ نصر الدين إبراهيم سكرتير حزب الديمقراطي الكوردي في سوريا "البارتي"؛ سعود الملا عضو اللجنة المركزية حزب الديمقراطي الكوردي -البارتي)([22]).

أما فيما يخص الإعلان عن تسمية "الهيئة الكردية العليا" فقد حدث في مدينة القامشلي بعد أن عادت الأحزاب الكردية لتجتمع بتاريخ: 11/07/2012، وبتاريخ 24/07/2012([23])، عقدت الهيئة الكُردية أول اجتماع رسمي لها في مدينة القامشلي، وتم التوقيع على الاتفاقية من قبل سينم خليل ممثلة عن مجلس شعب غربي كردستان([24])، واسماعيل حمى كممثل عن المجلس الوطني الكُردي([25])، وخلص إلى بيانٍ حمل جملة من البنود([26])، ليتبعه عدة اجتماعات أخرى تمحورت بشكلٍ أساسي حول تفعيل اتفاقية هولير1 وتفاصيل تقنية أكثر.([27]).

خلافات ومشاكل مركبة وعميقة

عانت الهيئة الكردية العليا من خلافات ومشكلات مركبة: تمحورت حول” عدم الاتفاق على تشكيل اللجان”، فاتسمت الفترة التي ساد فيها اتفاق “هولير1 ”بعقد الاجتماعات المتكررة والمنتهية ببيانات وبنودٍ متشابهة جداً دون أن تصل إلى أي إنجاز، فمن جهة كان مجلس غربي كردستان يقوم ببناء هيكلية إدارته الذاتية بشكلٍ أحادي، ومن جهة أخرى كانت أحزاب المجلس الكردي مجتمعةً تطالب بذات المنصب ضمن اللجان المُراد تشكيلها أو تتجنب المطالبة ببعض المناصب الأخرى، وفي حالة الكثير من أحزاب المجلس، لم يكن لديها من الكوادر الحزبية العدد الكافي لتغطية كافة اللجان، وكان التقدم الذي شهده تشكيل الهيئات قد اقتصر على تشكيل اللجنة الخدمية في الحسكة، وخلال الاجتماع الخاص بتشكيل اللجنة الأمنية تم اتخاذ جملة من القرارات من بينهما تقسيم مدينة القامشلي جغرافياً إلى قطاعين خدميين (القطاع الشرقي و القطاع الغربي) و توزيع اللجان على هذين القطاعين، لكن لم يتم تفعيلها ([28])، كما تم الاتفاق على تشكيل اللجان الأمنية المشتركة في مدينة ومنطقة عفرين، وعلى توحيد الأعلام على الحواجز، والتواصل مع الفصائل الكُردية المستقلة، وهو الأمر الذي لم يتحقق أيضاً. (وهنا نلحظ قيام مجلس غربي كردستان بالتقدم في الهيئة الامنية في عفرين وكانت خاصرة ضعيفة بالنسبة له آنذاك، بينما امتنع عن التقدم فيها بمنطقة الحسكة، وكانت منطقة مُسيطر عليها عسكرياً أكثر خصوصاً امتداد “رأس العين – المالكية([29])). ومن أهم أسباب هذه الخلافات نذكر:

  1. غياب الثقة : حيث اتصف عمل الأحزاب ضمن الهيئة بغياب الثقة التنظيمية، ومن تجليات ذلك الخلاف الذي حصل ضمن الهيئة في 04/08/2012، فيما يخص تنظيم اجتماع مع وزير الخارجية التركي آنذاك أحمد داوود أوغلو، وتم وصفه من قبلها بتجاوز “لآليات ومعايير العمل الداخلية([30])“، ونتج الخلاف من قيام بعض أعضاء الهيئة الكردية العليا باللقاء بداوود أوغلو في مدينة هولير/ أربيل، ووفد من المجلس الوطني السوري، من قبل أحزاب المجلس الوطني الكُردي وبغياب أعضاء من مجلس شعب غربي كردستان، وفي وقتها أعلن الأخير، بالإضافة لقادة في حركة المجتمع الديمقراطي، أنهم موافقون مسبقاً على هكذا لقاءات وحوارات، إلا أن قيام أعضاء من الهيئة (أو المجلس الكُردي) بها بشكلٍ سري بالرغم من تواجدهم أيضاً في أربيل أثار لديهم الشكوك([31])، من جهته صرح " سعود ملا" عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكُردي والرئيس الحالي لحزب الديمقراطي الكُردستاني- سوريا وأحد المجتمعين مع داوود أوغلو من أعضاء الهيئة بأن زيارتهم تزامنت مع زيارة المسؤول التركي([32]) .
  2. التشتت التنظيمي : أدت حالة التشتت التنظيمي لإحداث عدة خلافات بين المجلس الوطني الكردي مع مجلس غربي كردستان، وأعطته الوقت الذي يحتاجه ليقوم بالسير الأحادي في مشروع الإدارة الذاتية، فبالإضافة لحادثة اللقاء برئيس المجلس الوطني السوري ووزير الخارجية التركي، حدث أيضاً أن قام “ بعض أعضاء مكتب العلاقات الخارجية في المجلس الوطني الكردي بتوقيع بيان في إسطنبول مع أطراف في المعارضة السورية دون علم الأعضاء الآخرين في المكتب، و كما حدث مع الوفد، الذي تشكل على عجل، للاجتماع مع الأخضر الإبراهيمي، و تبين فيما بعد، أن رئيس الأمانة العامة في المجلس الوطني الكردي، الذي كان على رأس وفد المجلس الوطني الكردي، لم يحط نائبيه علماً بالاجتماع([33])“
  3. الضغوطات والانتهاكات الممارسة من قبل PYD: مع مرور الوقت تنوعت آليات الضغط الممارس من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي ومنظومة حركة المجتمع الديمقراطي على أحزاب المجلس الوطني الكُردي، ففي حين بدأ هذا الضغط بالتدخل في المظاهرات الشبابية ضد النظام السوري عبر التضييق على القيادات الشبابية، وتغيير مسارات سير المظاهرات وتغيير أماكن التجمع، وإدخال الشعارات الخاصة بمنظومة المجتمع الديمقراطي، لتظهر بدايات السيطرة العسكرية المباشرة عبر “ لجان الحماية الشعبية، لاحقاً وحدات حماية الشعب، بصورة معارضة لاتفاقية هولير التي تناولت سحب المظاهر المسلحة من المدن وتشكيل قوة عسكرية موحدة، مما أدى إلى حالة استياء شعبي([34])، وبعد مرور 3 اشهر من اتفاقية هولير1 اصدر المجلس الكُردي بياناً نددت أمانته العامة “ بأعمال العنف والخطف التي تُمارَس بحق الكرد السوريين عامة والنشطاء بصورة خاصة بصورة فاعلة في الثورة السورية السِّلمية.([35])
  4. التوجه نحو احتكار PYD للملف الأمني وهو ما كان واضحاً ضمن ما صرح به رئيسه آنذاك "عبدالسلام أحمد"، حيث أشار إلى أن هناك قوة موجود واسمها YPG وعلى القوة التي يجب أن يتم تشكيلها أن تدعم الوحدات، وضمن حديثه أشار إلى التجنيد الإجباري، وهذا التوجه كان مناورة من مجلس غربي كردستان في محاولة للاعتماد على شعبية المجلس لكسب الشباب المقرب منه ضمن التجنيد الإجباري مع الإبقاء على وحدات حماية الشعب كتنظيم عسكري متحكم في كافة الجبهات والقرارات العسكرية، وكان هذا التصريح تعليقاً على تصريحٍ أخر من وحدات حماية الشعب تعلن فيه رفضها “ العمل تحت راية الهيئة الكردية العليا([36])“، وكانت قد سبقته الوحدات ببيانٍ آخر صرحت فيه التزامها بقرارات الهيئة الكردية العليا([37]). وقد غذّى هذا التوجه السياق العسكري آنذاك عندما سيطرت فصائل من الجيش الحر على الطرف الغربي من المدينة، وأوقفت وحدات حماية الشعب تمددها، وخلال سيطرة الفصائل والنصرة على نصف المدينة حدث بين الطرفين معارك وهدن كثيرة، ومع مرور فترة من الزمن استولت " جبهة النصرة " سابقا فتح الشام حالياً، على الجبهات المواجهة لوحدات حماية الشعب، واستمرت المواجهات في المدينة من 09/11/2012 إلى 17/07/2013 ([38]).
  5. خلافات حول آلية الإشراف على معبر " فيش خابور_ سيمالكا، حيث تضمنت بنود اتفاق الهيئة الكردية العليا تشكيل لجان تشرف على المعبر؛([39]) إلا أن هذا الملف لا يزال أحد أبرز ملفات المساومة ([40])، فالمجلس الوطني الكُردي كان يطالب بالإشتراك في إدارته وموارده، والإدارة الذاتية أصرت على الشراكة بهدف أن تصب الموارد في رصيد الهيئة الكردية العليا، أما إقليم كردستان العراق فقد واجه مصاعب تمحورت حول تجاوزه للقوانين الدولية بافتتاحه معبراً غير معترف به دولياً ومرفوض من قبل "نظام دمشق"([41])، وأيضاً استعمله الإقليم كأداة ضغطٍ على مجلس غربي كردستان والإدارة الذاتية لتتعاون في ملف تشارك السلطة شمال سورية بشكلٍ يتيح المجال أمام المجلس الكُردي دوراً في الحياة السياسية. كما اُستخدم المعبر أيضاً لتشكيل ضغط في ملف عودة " بيشمركة سورية"، وكوسيلة لضبط عمليات التهريب عبر الحدود بعد حفر خندقٍ بطولٍ قارب 17كم في المناطق لمنع التسلل الغير مصرح به من الطرف السوري في 15/04/2014([42])، وللمعبر تأثير مباشر على الحياة المعيشية في مناطق شمال سوريا فمع إغلاقه في فترات الخلاف كانت أسعار الأغذية ترتفع بنسب تصل إلى أكثر من 100%([43])، ولايزال المعبر يدر على الإدارة الذاتية مبالغ طائلة من الضرائب المفروضة على البضائع الصادرة والواردة، وتُلزم الإدارة كل التجار بالحصول على رخصة تخليص جمركي تبلغ قيمة تأميناتها 50 ألف دولار([44]).

عموماً؛ بالإضافة للرغبة البينية ورغبة إقليم كُردستان العراق بشخص رئيسه مسعود البارزاني في إحداث توافق كُردي-كُردي يؤدي إلى نموذج من نماذج الحكم الذاتي للكُرد في سورية، فإن هناك عوامل كثيرة دفعت باتجاه اتفاقية هولير1، إلا إشكالات عديدة وعلى رأسها بلورة حزب الاتحاد لسلطة الأمر الواقع واحتكاره السلطة الامنية وغيابه عن مسار المفاوضات السورية جعلته يعتبر اتفاقية هولير بحكم المنتهية، ويمارس سياسة التضييق على المجلس الوطني الكُردي وأحزابه والتنسيقيات الشبابية.

2013-2014: أحداث أمنية وسياسية دافعة لاتفاقات جديدة

كان واضحاً ازدياد الهوة السياسية بين المجلسين؛ حيث اتخذ مجلس شعب غربي كُردستان مساره السياسي مع هيئة التنسيق الوطنية، بينما توجه المجلس الكُردي بخطوات مرتبكة نحو الانضمام للائتلاف الوطني السوري، وداخلياً كانت أحزاب المجلس تعاني من مشاكلها المستعصية المتمثلة بكثرة الأحزاب والتنسيقيات واستمرار انشقاقاتهم، بينما التزم مجلس غربي كردستان بخطته في إعلان تشكيل وإعلان الادارة الذاتية، وتخلل سير مجلس غربي كردستان بهذا الاتجاه تفاصيل كثيرة كان منها المعوق لعملية التوافق مع المجلس الوطني الكُردي ومنها، ما ساهم في تثبيت دعائم إدارته.

استثمارات أمنية صدعت الهيئة الكردية العليا

 ساهمت بعض الأحداث الأمنية والعسكرية واستثمارها من قبل PYD في زيادة حدة الخلافات ومنها نذكر:

  1. أحداث عامودا: وفقاً للتقارير فإنه بتاريخ 17/06/2013، اقتحمت قوة مسلحة تابعة لـ YPG البلدة وأغلقت مداخلها الرئيسية، وقامت باعتقال ثلاثة نشطاء ودخول هؤلاء النشطاء مع آخرين تضامناً معهم بإضراب عن الطعام، وبعد مفاوضات جرت بين شخصيات من المجلس المحلي التابع للمجلس الوطني الكُردي، وأعضاء من حزب (PYD)، من جهة أخرى، اشترط الحزب إنهاء الإضراب عن الطعام، كشرط لإطلاق سراح المعتقلين. وتم الإفراج عن ناشط واحد، والإبقاء على الناشطين الآخرين قيد الاعتقال، وبتاريخ 27/6/2013 خرجت مظاهرة جديدة ضد قوات YPG، وصلت إلى مقر حزب الاتحاد الديمقراطي PYD وتوقفوا أمامها مع ترديد شعارات تهاجم أذرع الادارة الذاتية وتتهمهم بـ "التشبيح"، وتطورت الأحداث لتنتهي بإطلاق قوات YPG النار على المتظاهرين مما أدى لمقتل 6 أشخاص وجرح ما يقارب 30 آخرين([45])، واعتقال ما يقارب 70 شخصاً. من جهتها اتهمت القيادة العامة لوحدات حماية الشعب من وصفتهم بالمجموعات الخائنة” بقتل أحد مقاتليها والهجوم على كتيبة لها ضمن المدينة، ما أدى إلى سقوط عدد من المدنيين، وذلك لأجل إثارة الفتنة بين الشعب"، على حد تعبير البيان([46]). وعلى إثر هذه الأحداث أوقف أعضاء المجلس الكُردي عضويتهم في الهيئة الكردية العليا، ثم انسحابهم لاحقاً([47]).
  2. توسع فصائل المعارضة في المنطقة: خلال الفترة الممتدة من أواخر العام 2012 وحتى نهاية العام 2013 توسعت فصائل المعارضة وجبهة النصرة في محافظة الحسكة، والبداية كانت مع السيطرة على جزء من مدينة رأس العين، ليتبعها سيطرة على بلدات: تل براك، وتل حميس ومعبر اليعربية وإلى حدود بلدة "معبدة" في اقصى الشمال الشرقي في 17/07/2013([48])، كما أنها وصلت إلى حقول رميلان([49])، مما دفع بوحدات حماية الشعب أن تعقد اتفاقيات مهادنة وتقاسم آبار النفط معهم([50])،" كخطوة تكتيكية وفق تصريح آلدار خليل القيادي في حركة المجتمع الديمقراطي([51])"، هذا التوسع العسكري الكبير للمعارضة في المنطقة ساعد على كسب وحدات حماية الشعب لشعبية كبيرة وانضم إليها المئات من أبناء المنطقة بهدف منع وصول الفصائل إلى المدن، كما أنه أضعف من الموقف السياسي للمجلس الوطني الكُردي المتوافق مع سياسات الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية. وفي ظل هذا الواقع بدأ حزب الاتحاد الديمقراطي مجلس غربي كردستان بمطالبة المجلس الوطني الكُردي بالانضمام لمشروعه، ووفقاً لـ "آلدار خليل" القيادي في حركة المجتمع الديمقراطي، فإنهم في الواقع قاموا بتطبيق الإدارة الذاتية على أرض الواقع، وهم ينتظرون فقط من المجلس أن يأتي ويشاركهم في إدارتها، وهذا ما تم محاولة العمل عليه في مشروع " الإدارة المرحلية المشتركة([52])".

"الإدارة المرحلية المشتركة" وتحدي التباين السياسي

تعثر عمل الهيئة الكُردية العليا خاصة بعدما تحولت طبيعة المفاوضات إلى "محاولة الاتفاق على تقاسم الحصص ضمن الهيكل غير المُعلن بعد والمتمثل بـ"الإدارة الذاتية"، بعد أن كانت حول نموذج حكم توافقي. وفي 13/08/2013 أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي في مؤتمر صحفي بمدينة القامشلي عبر آسيا عبد الله الرئيسة المشتركة للحزب آنذاك، عن انتهاء المرحلة الأولى للمشروع ودخوله المرحلة الثانية، والبدء بتشكيل هيئة تشريعية مكلفة بتشكيل الهيئة الإدارية الانتقالية للمنطقة، وفي هذا الاتجاه عادت المفاوضات بين الطرفين لتنتهي بتوقيع "مجلس غرب كوردستان والمجلس الوطني الكُردي على "مشروع الإدارة المرحلية الانتقالية للمناطق الكُردية والمشتركة" وذلك خلال اجتماع عقد في مقر الهيئة الكُردية العليا بمدينة القامشلي بتاريخ 08/09/2013 بحضور ممثلين عن المجلسين وخرجا باتفاق على توقيع "مشروع الإدارة المرحلية الانتقالية للمناطق الكُردية والمشتركة" وتتألف بنود الاتفاق من([53]):

  1. تشكيل لجنة لصياغة مسودة الدستور المؤقت بعد التوافق عليه من كل المكونات في مدة أقصاها 40 يوماً.
  2. يقدم كل طرف أو جهة عدداً من الأعضاء يمثلونها في الهيئة المؤقتة " التي ستتشكل من جميع المكونات وستدير عملية الانتخابات".
  3. ستقوم هذه الهيئة المؤقتة بتشكيل الإدارة الديمقراطية المرحلية المشتركة بعد إنجاز دستور مؤقت بشكل مباشر.
  4. الهيئة المؤقتة مخولة بالتحضير لقانون انتخابي ديمقراطي.
  5. تعتبر الإدارة المرحلية الانتقالية المرجع التنفيذي وتقوم ببناء مؤسساتها لتسهيل عملها في المجالات الإدارية السياسية الاقتصادية الاجتماعية الثقافية الأمن والحماية.
  6. قوى الأمن والحماية مهمتها ضمان الأمن والاستقرار في المناطق الكُردية والمشتركة، وهي مؤسسة وطنية تلتزم بكل القوانين والمواثيق الدولية، ومسؤولة أمام الإدارة المرحلية الانتقالية.
  7. القيام بانتخابات ديمقراطية نزيهة، مفتوحة للمراقبين الدوليين والإقليميين ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني خلال ستة أشهر من تاريخ تشكيل الإدارة المرحلية الانتقالية.
  8. يعتبر المجلس العام المنتخب للإدارة المرحلية الانتقالية الهيئة التشريعية لجميع المكونات في المناطق الكُردية والمشتركة.
  9. المجلس العام مخول بإعداد دستور يحترم حقوق الإنسان ويتوافق مع المواثيق والأعراف الدولية.

ومع هذا الاتفاق؛ في 07/09/2013 أقر المجلس الوطني الكُردي وثيقة الانضمام إلى الائتلاف السوري([54])، واتخذ المجلس بدايةً قرار الانضمام وتوجه إلى قطر وشارك في مؤتمر الائتلاف لكنهم لم يوقعوا([55])، لاحقاً شكل المجلس وفداً لاستكمال إجراءات الانضمام بعد موافقة وتصديق الائتلاف، الوفد الذي تشكل من لجنة العلاقات الخارجية ورئيس المجلس وعضوين آخرين، تم تكليفه بالعمل على أن يتضمن بيان الاتفاق، "احترام خصوصية المناطق الكُردية وخيار الشعب الكُردي في الحفاظ على سلمية الثورة في هذه المناطق، ومنحهم الحرية في إدارة مرحلية مشتركة في هذه المناطق مع بقية الأطراف والمكونات بالشكل الذي يتناسب وواقع هذه المناطق"، وصادق الائتلاف على انضمام المجلس بتاريخ 16/09/2013([56]).

وصرح "إبراهيم برو آنذاك بأن: "الوفد الكُردي كان قد اتفق مع الائتلاف على ضرورة انضمام مجلس الشعب لغربي كوردستان للائتلاف، وأن يحاول كل طرف على حدة من أجل التواصل معهم للانضمام، مشيراً إلى أن "مجلس الشعب لغربي كوردستان لديه اتصالات موسعة مع الائتلاف، حيث التقى صالح مسلم مع رئيس الائتلاف أحمد الجربا في باريس وعقدا اجتماعاً مطولاً تم خلاله مناقشة هذا الوضع، كما أن عدد مقاعد مجلس الشعب لغربي كوردستان لن يكون على حساب مقاعد المجلس الوطني الكُردي، حيث سيتم تخصيص مقاعد خاصة بهم"، ذات الموقف ظهر من سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي "عبد الحميد حاج درويش"، حيث أنه نقل طرحه بنفسه خلال الاجتماعات إمكانية انضمام حزب الاتحاد الديمقراطي إلى الائتلاف الوطني السوري، مؤكداً أن رد الائتلاف كان إيجابياً([57])".

 من جهته وقف مجلس غربي كردستان ضد انضمام المجلس للائتلاف مصراً على التزام الخط الثالث (لا للانضمام للمعارضة ولا للنظام)، وقرر السير وحيداً في إعلان الإدارة المرحلية، فالمجلس بواقعه متأخر عن منجزاتهم بأكثر من سنة وفق مخاطبة آلدار خليل القيادي في حركة المجتمع الديمقراطي، للقيادي في حزب يكيتي الكُردي([58])، أثناء اجتماعهم لمناقشة توزيع اللجان، وهكذا انتهى الاتفاق قبل أن يتم تفعيل أي من بنوده.

إعلان المجلس التأسيسي للإدارة المرحلية من طرف واحد

بتاريخ 12/11/2013، وبغياب المجلس الوطني الكُردي، أُعلنَ في مدينة القامشلي عن تشكيل المجلس العام التأسيسي للإدارة المرحلية المشتركة المكون في ذلك الوقت من 82 عضواً وانبثق عنه هيئة متابعة إنجاز المشروع لإعداد وصياغة مختلف الوثائق وقسمت مناطق شمال شرق سورية إلى 3 مناطق/كانتونات وهي "الجزيرة، كوباني وعفرين" لتشكل كل منطقة "كانتون" مجلسها والذي سيمثلها ضمن المجلس العام للإدارة المرحلية.

عقدت هيئة متابعة إنجاز مشروع الإدارة المرحلية المشتركة والتي تكونت من (60) عضواً اجتماعها الأول بتاريخ 15/11/2013 في مدينة القامشلي، وتم خلال الاجتماع تشكيل لجنة مؤلفة من 19 عضواً من المناطق الثلاث "الجزيرة 12، وعفرين 4، كوباني 3 "، ومهامها صياغة مشروع الإدارة المرحلية المشتركة وإعداد وثيقة العقد الاجتماعي وإعداد نظام انتخابي.

وبتاريخ 02/12/2013 توجه حزب الاتحاد نحو تنفيذ الخطوة الثانية من تنفيذ مشروع "الإدارة الذاتية الديمقراطية" عبر عقد هيئة متابعة إنجاز مشروع الإدارة اجتماعها لمناقشة ما تم إنجازه من قبل لجنة إعداد وثائق الإدارة، وتقرر في الاجتماع:

  1. أن تقوم كل مقاطعة من المقاطعات الثلاث "الجزيرة، كوباني، عفرين" بتشكيل إداراتها الذاتية بشكل مستقل دون تشكيل إدارة مشتركة للمقاطعات الثلاث.
  2. دمج المجلسين؛ المجلس العام التأسيسي وهيئة متابعة إنجاز مشروع الإدارة؛ تحت مسمى "المجلس التشريعي المؤقت".
  3. اعتبار اللجنة المصغرة المنبثقة من هيئة إنجاز المشروع "هيئة إعداد مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية".
  4. تسمية الإدارات في المقاطعات الثلاث (الإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة الجزيرة؛ الإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة كوباني؛ الإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة عفرين).

كما أكد المجتمعون أنه: "بإمكان الشخصيات والتنظيمات الأخرى الانضمام إلى المجلس بعد موافقة المجلس العام على الانضمام([59])".

هولير2: اتفاقٌ نسفه إعلان "الإدارة الذاتية"

علق المجلس الوطني الكُردي عضويته في الهيئة الكُردية على إثر أحداث عامودا، وحدثت القطيعة الكاملة بين الطرفين نتيجة عدم وصولهم إلى صيغة تفاهم على محاصصة الإدارة الذاتية واستمرار الأجهزة الأمنية لحزب الاتحاد بالتضييق على أحزاب المجلس مع السير الانفرادي للحزب في تثبيت قواعد الإدارة الذاتية. ومع اقتراب موعد مؤتمر جنيف2 تم دعوة الأطراف الكُردية إلى مفاوضات جديدة في مدينة أربيل / هولير 17/12/2013 من قبل رئاسة إقليم كوردستان وبحضور ممثل رئاسة الإقليم (حميد دربندي)، وبمشاركة الوسيطين: النائبة الكُردية (ليلى زانا) ورئيس بلدية دياربكر (عثمان بايدمير) من تركيا([60]). استمرت المفاوضات لما يقارب أسبوعين([61])، ودارت بشكلٍ رئيسي حول إمكانية تشكيل وفدٍ موحد ومستقل لتمثيل الكُرد في جنيف2، أو تمثيل أي طرف يحضر جنيف للطرف الغائب أيضاً، وكان من أهم بنودها ما يلي:

  1. المشاركة في جنيف2 برؤية مشتركة.
  2. وقف الحرب الإعلامية المتبادلة، وتشكيل لجنة لحماية حقوق مختلف الأشخاص والجماعات.
  3. تشكيل لجنة لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين لدى الـ PYD، ولجنة للتحقيق في أحداث عامودا وعفرين وكوباني وتل غزال.
  4. لم يتم الاتفاق على نقاط ومنها: تفعيل اتفاقية هولير واللجان التابعة لها، ومشروع الإدارة الذاتية المؤقتة([62]).

لم تتناول الاتفاقية الجوانب المالية والاحتكار السياسي والعسكري والأمني الحاصل في المناطق الكُردية، في ظل ازدياد الاستحواذ الحزبي من قبل حزب الاتحاد على كل شيء لادعائهم بأنهم "الأجدر على قيادة المناطق الكردية" والشعب الكردي".

ولم تدم الاتفاقية إلا شهراً واحداً مع إعلان مجلس الشعب في غربي كردستان للإدارة الذاتية في 21/01/2014 من طرف واحد، وذلك قبل يوم واحد من انعقاد جنيف2. وغاب حزب الاتحاد عن جنيف2 في ظل غياب توافق أمريكي روسي بخصوص التمثيل الكُردي في جنيف2، فقد كانت واشنطن إلى جانب حضور الكًرد ضمن وفد المعارضة كون المجلس قد انضم إلى الائتلاف، إلى جانب وجود اعتراض تركي على تواجد حزب الاتحاد الديمقراطي ذراع حزب العمال الكُردستاني ضمن المحافل الدولية. بينما دفعت روسيا باتجاه قبول حزب الاتحاد ومجلس الشعب في غربي كردستان كأحد الأطراف ضمن جنيف2 كممثلٍ للكُرد، بهدف إحداث ضغط على تركيا والولايات المتحدة.

مع انعقاد مؤتمر جنيف وإعلان الإدارة الذاتية من طرفٍ واحد؛ أصدر المجلس الوطني الكُردي بياناً بتاريخ 22/02/2014، أوضح فيه بأن "تجزئة كردستان سورية إلى كانتونات ستؤدي إلى تقسيم كردستان أرضاً وشعباً وسيعد خطراً استراتيجياً لا يحق لأي طرف سياسي فرضه"، كما اعترض المجلس الوطني على موقف "مجلس الشعب في غربي كردستان من مؤتمر جنيف2، ومن تجاهل دعوة المجلس الوطني لتشكيل هيئة استشارية لتجاوز الاعتراضات حول تواجد حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، مؤكداً أن " الإدارة المعلنة بشكل غير شرعي لا تمثله ولا تمثل توجهه في العمل المشترك ".

2014-2015: اتفاق أخير وقطيعة جديدة

 اتسم نهاية العام 2014 بتحول في طبيعة الصراع في سورية، فقوات النظام باتت تخسر العديد من الأراضي والمناطق الحيوية، كسيطرة " تنظيم الدولة" على مطار الطبقة العسكري، واللواء 93 في الرقة، وتوسعها في دير الزور والقضاء على سيطرة المعارضة فيها، بينما كانت المعارضة تقوم بتثبيت نقاطها في المدن الرئيسية كحلب وريف دمشق وحمص، أما على الجبهة الشمالية، فاستطاع " تنظيم الدولة" أن يسيطر على كافة الأراضي التي كانت واقعةً في يد المعارضة أو "جبهة النصرة"، ولتبدأ معركتها على مدينة كوباني، وخلال فترة قصيرة استطاع التنظيم الوصول إلى المدينة والسيطرة على معظمها آواخر 2014.

 وفي 26/08/ 2014 بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بإجراء طلعات استطلاع جوية على سورية، وبدأت بقصف التنظيم في المدينة كما قامت بإنزال أول شحنة للمقاتلين في المدينة في 20/10/2014؛ بالإضافة إلى إجراء عدة عمليات من قبل قوات التحالف المساندة لوحدات حماية الشعب، وإنشاء غرفة بركان الفرات آنذاك. وفي هذا السياق حدثت اتفاقية دهوك في 22/10/2014، إلا أنها كسابقاتها لم تستمر بعد سير العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة بسلاسة وحصول وحدات حماية الشعب على دعم عالمي لمقاومة التنظيم.

اتفاقية دهوك: آخر المحاولات

كمعظم الاتفاقيات التي حصلت بين الطرفين الكُرديين نتيجة وجود خطر خارجي داهم أو حركة في الملف السياسي السوري، أتت اتفاقية دهوك من حيث الأسباب الدافعة، فالاجتماعات التي امتدت ما بين 14-22/10/ 2014، جاءت مع سيطرة داعش على ثلث مدينة كوباني في09/10/2014، بعد قرابة شهر من المعارك للسيطرة على المدينة([63])، وجاء الاجتماع بضغط من قبل الإدارة الأمريكية ومسعود البارزاني رئيس إقليم كُردستان آنذاك، لفتح الطريق أمام مساعدة كوباني، وتم وضع شرط الوصول إلى اتفاق للحصول على الدعم من قبل الطرف الأمريكي([64])، وبالتوازي مع المفاوضات الجارية بين الطرفين الكُرديين كان " صالح مسلم" رئيس حزب PYD السابق قد التقى الموفد الأميركي الخاص إلى سورية دانيال روبنشتاين في باريس بتاريخ 12/10/2014، لبحث "تفعيل التنسيق العسكري بين وحدات حماية الشعب الكردي والتحالف العربي والدولي لمحاربة الإرهاب، إضافة إلى إيصال إمدادات السلاح للمقاتلين الكُرد في كوباني"([65]).

بتاريخ 20/10/2014، ألقت الولايات المتحدة أول شحنة من الأسلحة للمقاتلين في مدينة كوباني([66])، ومع بدء الإمداد بالأسلحة من الجو بدأت قوات من بيشمركة إقليم كُردستان أيضاً بالدخول إلى تركيا في 29/10 ووصلت طلائعها المدينة في 31/10/2014.([67]) وفي هذه الأثناء كان اجتماع دهوك قائماً ودافعاً باتجاه توحيد الصف لمواجهة "تنظيم الدولة".

وتم الاتفاق في هذا الاجتماع على ما يلي:

  1. تشكيل "المرجعية السياسية الكُردية" على أن تكون النسب 40% للمجلس الكُردي و 40% لحركة المجتمع الديمقراطي و 20% للأحزاب و القوى التي تعمل خارج المجلسين.
  2. مهمة هذه المرجعية هي رسم الاستراتيجيات العامة وتجسيد الموقف الموحد.
  3. تشكيل شراكة فعلية في الهيئات التابعة للإدارة الذاتية.
  4. التوجه نحو التوحد السياسي والإداري ومشاركة المكونات الأخرى.
  5. العمل على التوحد في واجب الدفاع عن "روج آفا"، عبر انضمام المجلس الوطني الكُردي للإدارة الذاتية بعد تعديلها وتغيير أسماء الكانتونات إلى محافظات، مع دمج الثلاثة في إدارة واحدة وتعديل بنود العقد الاجتماعي.

كما تم الاتفاق على أن يكون في المرجعية 30 شخصاً 12 من حركة المجتمع الديمقراطي و12 من المجلس الوطني الكردي و8 من القوى السياسية خارج الإطارين المذكورين، وتألفت اتفاقية دهوك من ثلاثة بنود أساسيّة وهي:

الأوّل: " المرجعية السياسية الكردية": تشكيل مرجعيّة سياسيّة من إطارين، حركة المجتمع الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي، ومن أحزاب وفعاليّات اجتماعيّة خارج الإطارين من جهة أخرى.

الثاني: " الإدارة الذاتية الديمقراطية": كيفيّة انضمام أحزاب المجلس إلى الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة بعد تشكيل لجنة مشتركة من المرجعيّة لإجراء حوارات مكثّفة مع الإدارة القائمة حول بعض التغييرات في العقد الاجتماعي ووثائق الإدارة، بحيث تتحقق الشراكة الفعلية فيها وفي الهيئات التابعة لها وتطوير الشكل الراهن لإدارة المناطق الكردية نحو توحيدها سياسياً وإدارياً والعمل من أجل توثيق تمثيل مختلف المكونات الأخرى فيها.

الثالث: "الحماية والدفاع": إيجاد آليات يتم من خلالها – في حال وجود وحدات عسكريّة تابعة للمجلس- أن تقوم بواجبها في الدفاع عن "روج آفا"، من خلال لجنة مشتركة منبثقة من المرجعيّة الكرديّة، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّه من غير الممكن أن تكون هناك أكثر من قوّة عسكريّة في "روج آفا"، بل قوّة عسكرية واحدة تابعة للإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة([68]).

يُظهر اتفاق دهوك لأول مرة في جزئه الخاص بالإدارة الذاتية توافقاً بين الطرفين على أنها: "جاءت كحاجة موضوعية لإدارة تلك المناطق". والتزمت الاتفاقية بإجراء مجموعة من التعديلات على شكلها ووثائقها، وفيما يخص وحدات حماية الشعب "YPG" فقد حملت الاتفاقية أول قبولاً كاملاً لها من قبل المجلس الوطني الكُردي، باعتبارها القوة المدافعة عن "روج آفا كردستان". وستعمل المرجعية وفق الاتفاق على العمل للتباحث مع قيادة الوحدات لإيجاد سبيل يفسح المجال أمام القوات التابعة للمجلس الوطني الكُردي (بيشمركة روج) للعودة إلى المنطقة والمشاركة في الدفاع عنها، وهو أول اعتراف من قبل المجلس بسيادة وحدات حماية الشعب العسكرية، التي كانت تُعد سابقاً قواتً حزبية وفق أدبيات المجلس. كما حمل الاتفاق لأول مرة المطالبة بالدعم من قبل "القوى الكُردستانية"، وهي حكومة إقليم كُردستان، ومنظومة المجتمع الكُردستاني (المنظومة العليا لحزب العمال الكُردستاني)، وقد كان المجلس يتجنب سابقاً ذكر أطراف من المنظومة المُقادة من قبل حزب العمال.

القطيعة مجدداً

بدأت المشاكل تحدث بين الطرفين مع بدء وصول الدعم لمدينة كوباني بشكل مباشر والذي خفف من الضغط الحاصل على حركة المجتمع الديمقراطي، وكانت البداية في 11/12/2014، عندما تم الاتفاق على أسماء 24 شخصاً من أصل 30، ليظهر لاحقاً أن هناك ثلاثة أحزاب من المجلس الوطني الكُردي قد صوتت لصالح " الأحزاب الواجب انضمامها من خارج الإطارين"، لتصبح نسبة الغالبية في المرجعية 21 صوت فعلي لصالح حركة المجتمع الديمقراطي ضد 9 أصوات لصالح المجلس الوطني الكُردي. والأحزاب التي صوتت لصالح المرشحين المقربين من حركة المجتمع الديمقراطي كانت: الوفاق االكوردي السوري _ فوزي شنكالي، الحزب الديمقراطي الكوردي في سورية _ نصر الدين إبراهيم، حزب الوحدة الديمقراطي الكوردي في سوريا يكيتي _مصطفى مشايخ.([69])

على إثر ذلك؛ دعت مجموع أحزاب المجلس لاجتماع لقيادة المجلس، وفيه تم الاتفاق على تشكيل لجنة قانونية للتدقيق في أوراق التصويت والتحقيق مع ممثلي المجلس الوطني الكُردي في المرجعية. وخلصت اللجنة في 24/12/2014 إلى قيام تلك الأحزاب بالتصويت لصالح TEV-DEM، وتم رفع العضوية ضمن المجلس الوطني الكُردي عنها، وتم الاتفاق لاحقاً على رفع عدد مقاعد المرجعية إلى 36 مقعد، واحتساب الأحزاب المصوتة لصالح TEV-DEM جزءً من حصة الأخيرة.

بالتوازي مع إشكالية تصويت أحزاب في المجلس الوطني الكُردي لصالح حركة المجتمع الديمقراطي TEV-DEM، وPYD، شهد المجلس نقاشاتٍ عدة حول كيفية احتساب عدد مقاعد الحزب الديمقراطي الكًردستاني-سورية، بعد أن شهد عملية توحد لأربعة أحزاب. ولمعالجة المشكلة اجتمع المجلس بتاريخ 05/12/2014 مع أحزاب الاتحاد السياسي([70])، وتم التباحث حول ما إذا كان الحزب الديمقراطي الكردستاني-سورية سيمثل بأربعة مقاعد في المرجعية السياسية الكردية أم بمقعد واحد. وبالرغم من أن المجلس كان قد حسم موقفه بمباركة التوحيد مع احتفاظ الحزب الجديد بـ  4 مقاعد، إلا أنه دخل في سجالات حزبية طويلة، أفضت إلى ذات الخاتمة المتفق عليها سابقاً، كون الأحزاب الأربعة كانت أحزاباً أصيلة وكاملة العضوية في المجلس، وقيام المجلس بمباركة هذه الخطوة وحثهم على التوحد. وتم الاتفاق على أن يحتفظ الحزب الموحد الجديد بمقاعد الأحزاب الأربعة والاستمرار بإشغال مقاعدها في كافة مؤسسات ولجان المجلس لحين انعقاد المؤتمر الثالث.

من جهتها كانت حركة المجتمع الديمقراطي تسير دون توقف في خطوات تثبيت إدارتها وسيطرتها بالرغم من عدم تنفيذ بنود الاتفاقية، ومنها قيام الإدارة الذاتية بفرض التجنيد الإجباري 01/11/2014، وانتخابات البلديات في 13/03/2015([71])، واعتبر إقليم كوردستان أن انتخابات مجالس البلديات في "مقاطعة الجزيرة بكوردستان سوريا" تتعارض مع مضمون اتفاقية دهوك المبرمة بين المجلس الوطني الكوردي وحركة المجتمع الديمقراطي، واصفاً إياها بـ "الخطوة المتفردة"، ومشيراً إلى أنها "غير قابلة للقبول".

وبإجراء الانتخابات وفرض التجنيد الإجباري، انتهت اتفاقية دهوك أيضاً، ولتأتي خطوة المجلس الوطني الكُردي؛ بتبني "قوات بيشمركة روج كردستان” في 01/07/2015([72])؛ متأخرةً جداً، دون أن تتكمن من تقوية أوراق المجلس في التفاوض.

نتائج لا تزال ثابتة

إن اختلاف سياقات التشكل في المجلسين واختلاف الرؤى والغايات السياسية؛ ساهم في تزايد الهوة السياسية والتعقيد في خارطة الحلفاء؛ فعلى الرغم من اشتراكهما في تبني "مطالب كُردية" تتمثل برفع المظلوميات و"تثبيت الحقوق القومية" إلا أن ذلك لم يكن إلا عنواناً دعائياً تغيرت بعده الأطروحات والمشاريع السياسية؛ ولاتزال ذات الأسباب حاضرة ودافعة في جعل أي جهود تنسيقية عديمة الجدوى.

كما دفع التخندق السياسي من جهة ورغبة حزب الاتحاد الديمقراطي في تطبيق مشروعه السياسي الأيديولوجي " الأمة الديمقراطية"، إلى تعميق الهوة بين الطرفين، وترسخ هذا الانقسام مع تشكيل حزب الاتحاد لـ "مجلس الشعب في غربي كردستان"، ليكون بالدرجة الأولى منافس المجلس الوطني الكُردي على تمثيل الشعب، ومظلةً تجمع أحزابه ضمن مشروع " الإدارة الذاتية" بالدرجة الثانية. وهو ما نجح حزب الاتحاد الديمقراطي فيه مع منتصف عام 2012 عبر جعل نفسه الطرف الثاني من المعادلة الكُردية بالتوازي مع تحضيره للسيطرة على المدن الكُردية بسكانها وحراكها السياسي عبر دفع باكورة تنظيماته المسلحة للظهور في المظاهرات والبدء بتشكيل "دوريات رسمية".

إن التحول الحاصل في طبيعة حزب الاتحاد الديمقراطي بشكل خاص من حزب سياسي إلى "سلطة أمر واقع" قد ألقى بتأثيره على الواقع السياسي، فالمجلس الوطني الكُردي خسر زمام المبادرة، مع تثبيت حزب الاتحاد لسلطته مستغلاً كافة الأدوات –منها العنفية-، وبالتالي تحولت طبيعة المفاوضات من الوصول إلى صيغة توافقية إلى تهدف لتقاسم المناصب في " الحكم الذاتي" المُراد تطبيقه، وهذا ما يتوضح من بنود "وثيقة هولير" أو ما عُرفت لاحقاً بـ "هولير1"، والتي أشارت في بنودها إلى مهامها في رسم السياسة العامة وقيادة الحراك الكُردي، وتشكيل لجان تخصصية لمتابعة عملية إنشاء وتوحيد اللجان الأمنية والعسكرية والمدنية.

لقد دفعت التغييرات الحاصلة على الأرض نتيجة اشتداد قبضة حزب الاتحاد الديمقراطي على كافة مفاصل الحراك المجتمعي في المدن الكُردية، إلى تغير في طبيعة المفاوضات، لتتحول من غاية الوصول إلى توافق حول صيغة تشاركية لإدارة المنطقة إلى أداة استثمار سياسي وتكتيكي من قبلPYD ، للوصول إلى هدف آخر عبر إعلان الاتفاق. فاتفاقية هولير1 والتي نتج عنها إعلان " الهيئة الكردية العليا" سمحت للحزب باستخدام اسم الهيئة في تثبيت واقعه السياسي، وقمع منافسيه، ومنح "المشروعية السياسية" لتشكيلاته العسكرية، وهي كانت هادفة في الأساس لتشكيل إدارة مشتركة والاتفاق على وفد مشارك يمثل الكُرد في التحضيرات التي سبقت وتبعت التحضيرات لإعلان " وثيقة جنيف"، بينما كان " جنيف 2" الدافع الرئيسي للتوجه إلى التفاوض مرة أخرى والوصول إلى " هولير2- 12/2013"، والاتفاقية الأخيرة لم تدم سوى شهر واحد بعد فشل تحقيق أول بند فيها " المشاركة في جنيف2 برؤية مشتركة"، وإعلان مجلس الشعب في غربي كردستان للإدارة الذاتية في 21/01/2014 من طرفٍ واحد، وذلك قبل يوم واحد فقط من انعقاد جنيف2، مع تأكد عدم حضوره.

ساهم عدم الاتساق الوظيفي والسياسي في جعل أي اتفاق يحمل عوامل عطالته، كعدم قدرة المجلس الوطني الكُردي تجاوز حالة التشتت الحزبي ضمنه، وتأخره كثيراً في تشكيل لجانه، وترشيح شخصيات حزبية لتمثيل الأحزاب في اللجان المشتركة مع حزب الاتحاد الديمقراطي، والأخير من جهته كان يستغل تلكؤ أحزاب المجلس كسلاح ضدها شعبياً وتنظيمياً (ضمن الهيئة الكردية العليا)، كما أن PYD قد أتاح المجال لقواته الأمنية محاصرة المجلس وأحزابه وشخصياته، وتعرض الكثير منهم للتهجير والضرب والنفي ووضع اليد على الأملاك الخاصة.

يمارس حزب الاتحاد الديمقراطي كافة أنواع الضغط مضافاً لها تلك "التهم المعادية للأمة" وهو ما لم يكن سابقاً؛ وهذا يعد مؤشراً واضحاً لاستمرار تعميق الهوة، كالتشهير بأعضاء المجلس أحزاباً وشخصيات على أنهم ضد "القضية الكُردية"، ومعادون لإنجازات " الإدارة الذاتية"، ولاحقاً أعداءً "لفلسفة الأمة الديمقراطية". وعموماً لم تكن الخلافات الأيديولوجية خلال المفاوضات وبعد الوصول للاتفاقات هي العائق أمام تطبيق بنودها؛ على الأقل من جهة المجلس الوطني الكُردي؛ في حين يفرض حزب الاتحاد الديمقراطي بشكل دائم مفاهيمه السياسية بشكل مباشر على كافة الأطر المُتفق عليها أثناء تنفيذ الخطوات العملية، والتي كانت سبباً هاماً في إنهاء هذه الاتفاقات.

خاتمة

شكلت الخلافات التنظيمية على مر تاريخ الحركة الكُردية في سورية السبب الأهم في حدوث الانشقاقات المتعددة للأحزاب الكُردية. ومع انطلاق الثورة في بداية عام 2011، لم تستطع الأحزاب التي قادت تاريخ الانشقاق الكُردي إلا أن تعيق تنفيذ ما توصلت إليه في كل اتفاق. وقد رافق هذه الطبيعة التشتتية لدى الأحزاب الكُردية تطور مستمر في الأحداث السورية بصورة تستدعي السرعة في تنفيذ المشاريع، وهو ما أثرَّ على حدوث توافق مستدام. يُضاف لما سبق الارتباطات الإقليمية للأحزاب الكُردية، وبشكلٍ أساسي ارتباط حزب الاتحاد الديمقراطي بحزب العمال الكُردستاني، حيث كان الأخير يرى دوماً أن تحقيق أي إنجاز محلي في مناطق سيطرة "فرعه السوري"، ستقوم بخدمة ملفه الإقليمي، وعلى الجهة الأخرى تمسكت أحزاب المجلس الوطني الكُردي بشعار " نهج البارزاني".

أمام هذه الخطوط العريضة لأسباب عدم اتفاق المجلسين، بينت الورقة أن الاختلاف الكُردي السوري البيني لم يكن لأسباب أيديولوجية في حقيقته، بالرغم من كون الأيديولوجية أحد أهم أعمدة الخلاف، إلا أن مجمل بنود الاتفاقيات التي حصلت بين المجلسين كانت "سياسية " تتمحور حول كيفية تقاسم السلطة وكيفية توزيع المناصب.

يمكن حصر المواضيع التي أدت إلى إنهاء كل صيغ الحوار بين الطرفين بعدة نقاط؛ أهمها رفض حزب الاتحاد الذي شكل وحدات حماية الشعب وجود أي قوة عسكرية أخرى في مناطق شمال سورية، وفتح الباب للبقية للانضمام لها على ما هي عليه. وهذا ما لا يمكن قبوله نظراً للخلافات الأيديولوجية ولضعف أحزاب المجلس في الموضوع العسكري، وكانت نقطة تعنت من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي خصوصاً ما يتعلق باسم الوحدات وقيادتها. كما أن الخلافات التنظيمية داخل المجلس الوطني الكُردي كانت سبباً معوقاً هاماً في السير ببنود الاتفاقات وتطبيقها فالمجلس كان مشكلاً من عدد كبير من الأحزاب والتنسيقيات المختلفة فكراً وتوجهاً، والعديد من الأحزاب ضمن المجلس لا تمتلك الكادر الذي يغطي هيكلية التنظيم في بضعة مدن وأحياناً في مدينة واحدة. وأثرَّ على هذه الهياكل الحزبية أيضاً العصبية الحزبية والمزاحمة الشخصية على الحصص، في حين أن مجلس الشعب في غربي كردستان كان متناسقاً أكثر ومتفقاً على مطالبه.

 هذا الواقع الهش لأحزاب المجلس كان يقابله حركية مستمرة وقوية وقدرة متقدمة في تحشيد الأنصار من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي وتنظيماته، وفي حين أن هذه الحركية كانت إيجابية من الناحية النظرية إلا أنها كانت سلبية من ناحية قيام حزب الاتحاد الديمقراطي بحرق الخطوات اتجاه تثبيت مشروعه بشكلٍ أحادي بالإضافة لأحزاب أخرى تفتقر للقاعدة الشعبية.

كما أن تدخل القوى الكُردية الإقليمية أثرَّ على فاعلية أي اتفاق بين الطرفين، فحزب الاتحاد الديمقراطي قام ببناء أسس الإدارة الذاتية على خبرة وعناصر حزب العمال الكُردستاني، وسلك درب الذراع المحلي " لفكر وفلسفة أوجلان"، مقابل تضخيم المجلس الوطني الكُردي نفسه عبر علاقته بإقليم كُردستان وبأربيل خصوصاً، وفي حين تميز المجلس بمرونة أيديولوجية، إلا أن حزب الاتحاد لم يقبل أن يتنازل عن " مبادئ أوجلان" حول الإدارة الذاتية الديمقراطية.

برز دور الخطر والمكاسب كثيراً في مفاوضات الطرفين، فالاتفاقات تزامنت دوماً إما مع قرب انعقاد مؤتمر جنيف، أو مع وجود خطر مهدد ذا صلة بالاتحاد الديمقراطي، وكان الأخير يدخل المفاوضات لكسب الحضور في مفاوضات جنيف. ومع انتهاء أي مؤتمر ومنع الاتحاد الديمقراطي من الحضور، غاب سبب الاتفاق الرئيسي بالنسبة له، ليبدئ بعملية الإعاقة والسير وحيداً في المشروع مرة أخرى، أما فيما يتعلق بالخطر فكان هجوم " تنظيم الدولة" على كوباني وتوجه واشنطن لمساعدة عنصر محلي "إشكالي" توجه حزب الاتحاد لقبول التوقيع على اتفاق "دهوك"، ليضمن مكسب دعم التحالف، وليعود عن الاتفاق بمجرد تحوله لشريك التحالف في محاربة التنظيم، وليأخذ موقفاً أكثر تعنتاً وفوقية من أي مشروع اتفاق. وهذا التعنت ظهر جلياً خلال مجمل سنوات الصراع في سورية وعمليات التفاوض بين الطرفين، من قيام حزب الاتحاد بجعل الاستهزاء من حالة المجلس الوطني الكُردي التنظيمية مهمةً إعلامية بالنسبة له.

فيما يخص تشتت المجلس الوطني الكُردي فيمكن إرجاعه إلى طبيعة أحزابه، في حين أن النصيب الأكبر من فشل المجلس تمثل في القيام بحركية سياسية كانت نتيجة القمع المستمر والمكثف من قبل أذرع حزب الاتحاد العسكرية والأمنية للمجلس وأنصاره، وهو ما أدى إلى انكفاء الأحزاب على نفسها. وفي ظل هذا الواقع كان المجلس يتوقع الفشل لمشروع الإدارة الذاتية، رابطاً مصيرها بمصير النظام. ووفقاً لقراءات تلك المرحلة كان المجلس الوطني الكُردي يتوقع توجيه الولايات المتحدة؛ ولاحقاً التحالف الدولي؛ ضربات للنظام تؤدي إلى إسقاطه، لذا اختار المجلس خيار السير مع الائتلاف الوطني للمعارضة السورية، التي كانت أقرب إلى توجهاته المعارضة للنظام بشكلٍ كلي.

مثلت المعابر والنفط واقتصاد المنطقة ومواردها عاملاً آخراً لعدم الاتفاق، فقد احتكر حزب الاتحاد الديمقراطي عبر أذرعه العسكرية المعبر الرئيسي مع إقليم كُردستان العراق (معبر سيمالكا)، وبقية المعابر مع مناطق المعارضة والنظام، وحتى نقاط التهريب على الحدود السورية التركية والسورية العراقية، كما التزم الحزب أسلوب "السرية والاحتكار الكامل" في موضوع النفط، ولايزال الملف حتى الوقت الحاضر محاطاً بالسرية الكاملة من قبل الحزب من ناحية الإنتاج والعائدات التي يدرها النفط عليه. إلى جانب احتكار الموارد الاقتصادية، قام حزب الاتحاد باحتكار المساعدات الإنسانية القادمة للمنطقة وجعل عملية توزيع معظمها تتم عبر أذرعه فقط.

عموماً وفي ظل الأوضاع الراهنة لمنطقة شرق الفرات، والحديث حول إمكانية حدوث اتفاق بين الطرفين، نرى صعوبة تحقق ذلك إلا إذا تم فرضه من قبل أطراف إقليمية ودولية (واشنطن بشكلٍ خاص). فخلال كافة المراحل التي سبقت وأعقبت الاتفاقات كان من الواضح قيام حزب الاتحاد الديمقراطي بالاستغلال المرحلي لها، كما أن المجلس الوطني الكُردي بشخصيته الاعتبارية وبشخصية أحزابه لم يعد قادراً على حمل أعباء أية إدارات أو قوى عسكرية، كونه سيعاني من نفس المشاكل التنظيمية ما لم يقم بعملية تعتمد على التمثيل النسبي وفقاً لعدد الأعضاء المناصرين وكذلك وفقاً لأماكن تواجد الحزب وقوته التنظيمية.


([1]) تم تغييب فاعلية طرفين أساسيين، الأول الشباب الكُردي والثاني بقية مكونات المنطقة([1])، التيار الشبابي الكُردي تلقى ضربات عنيفة من قبل تنظيمات " حركة المجتمع الديمقراطي" كنشر الفوضى في المظاهرات، وتغيير الشعارات، وأسماء مظاهرات الجمعة، والاعتداء المباشر على النشطاء ضمن التنسيقيات، بطرق أدت لإفشالها نتيجة التهديدات ونتيجة طول أمد الصراع الذي لم تكن التنظيمات الشبابية أهلاً لطرح رؤية سياسية تواجه ما يتم طرحه من قبل المجلسين، وبنهاية العام 2012 كان الشارع الكُردي منقسماً بحدة وكانت مدينة القامشلي أكثر مكان توضحت فيه هذه الخلافات نتيجة عدم قدرة حزب الاتحاد الديمقراطي/ حركة المجتمع الديمقراطي السيطرة على المدينة الأكبر إلى الآن من حجمهم التنظيمي، حيث شهدت المدينة ثلاثة تيارات: التيار الأول تمثل بمظاهرة "شارع منير حبيب" ويقوم بتنظيمها المجلس الوطني الكُردي، التيار الثاني وتمثل بمظاهرة حزب الاتحاد الديمقراطي ومناصريه في المكان المعتاد لتظاهرة يوم الجمعة "جامع قاسمو" بعد سيطرة حزب الاتحاد على الشارع، والتيار الثالث المتمثل بمظاهرة الكورنيش ويشارك فيها "تيار المستقبل الكردي في سورية (ريزان شيخموس وتُلقب أحياناً بمظاهرة أنصار الجيش الحر)، ومجموعات شبابية أخرى.

([2]) وهي مجموع الأحزاب التي وقعت على البيان الأول للمبادرة وشملت كل من: 1- الحزب الديمقراطي الكُردي في سورية - البارتي ( سعود الملا)، 2-الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سورية ( حميد حج درويش)، 3_ حزب يكيتي الكردي في سورية ( فؤاد عليكو، وتم تغيير اسم الحزب في 23/12/2018 إلى حزب يكيتي الكردستاني – سورية)، 4- الحزب اليساري الكردي في سورية – (محمد موسى)، 5- الحزب الديمقراطي الوطني الكردي في سورية (طاهر صفوك)، 6- حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، 7- حزب آزادي الكردي في سورية ( بشار أمين)، 8- حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سورية –يكيتي ( محي الدين شيخ آلي)، 9- الحزب الديمقراطي الكردي في سورية- لبارتي (نصرالدين إبراهيم)، 9- البارتي الديمقراطي الكردي ( عبد الرحمن آلوجي)، 10- الحزب الديمقراطي الكردي السوري (جمال شيخ باقي)، 11_ حزب المساواة الديمقراطي الكردي في سورية ( نعمت داوود)

([3]) بيانات: بلاغ صادر عن اجتماع أحزاب الحركة الوطنية الكردية في سورية، الموقع: ولاتي مه، التاريخ: 08/04/2011، الرابط: https://goo.gl/a51DhS

([4]) مبادرة أحزاب الحركة الوطنية الكردية في سورية الجزء 1، الموقع: يوتيوب الحزب التقدمي، التاريخ: 14/05/2011، الرابط: https://goo.gl/xQsTp3، وكانت أحزاب “الحركة الوطنية الكردية” قد اصدرت قبل اطلاقها لمبادرتها بياناً هددت من خلاله “بالمشاركة في الاحتجاجات إن لم تتوقف الأجهزة الأمنية عن الأعمال الاستفزازية بحق المجموعات الشبابية، ويمكن العودة للخبر: الموقع ولاتي مه، التاريخ: 24/04/2011، الرابط: https://goo.gl/zhX47H

([5]) الأحزاب الكردية في سورية تطرح مبادرة لحل الأزمة السورية، الموقع: ولاتي مه، التاريخ: 14/05/2011، الموقع: https://goo.gl/xygPaQ

([6]) أكراد سورية ما بين النظام والسلطة، الموقع: بيروت أوبزرفر، التاريخ: 06/06/2012، الرابط: https://goo.gl/uEVkjC

([7]) بلاغ أحزاب الحركة الوطنية الكردية في سورية، الموقع: المدينة الإخبارية، التاريخ: 20/05/2011، الرابط: https://goo.gl/AH5rKF

([8]) بيانات: أحزاب الحركة الوطنية الكردية في سورية وافقت على مبادرة اللقاء مع رئيس الجمهورية و أنها لا تزال تتطلع إلى توفر ظروف أكثر ملاءمة لمثل هذا اللقاء، الموقع: ولاتي مه، التاريخ: 08/06/2011، الرابط: https://goo.gl/rWuZkQ، ولمزيدٍ من المعلومات حول الموضوع يمكن العودة إلى: ضغوطات الشارع حالت دون إتمام لقاء الأحزاب الكردية والأسد، الموقع: ايلاف، التاريخ: 09/06/2011، الرابط: https://goo.gl/qW55Ny، وعن اعتذار الحركة الكُردية عن الحضور إلى الرابط: لجنة التنسيق الكردية تعتذر عن تلبية دعوة اللقاء مع الرئيس السوري، الموقع: ولاتي مه، التاريخ: 07/06/2011، الرابط: https://goo.gl/rJaFJT

([9]) بيانات: بلاغ صادر عن اجتماع أحزاب الحركة الوطنية الكردية في سورية، الموقع: ولاتي مه، التاريخ: 14/07/2011، الرابط: https://goo.gl/NGvdzm، ويمكن العودة لآخر بيان للمبادرة قبل إعلان المجلس الوطني الكُردي عبر: بيان صادر عن أحزاب الحركة الوطنية الكردية، الموقع: ولاتي مه، التاريخ: 29/08/2011، الرابط: https://goo.gl/GyD3up

([10]) المصدر فؤاد عليكو، عضو المكتب السياسي لحزب يكيتي الكُردي وعضو الائتلاف سابقاً وأحد شهود العيان والمنخرطين ضمن اتفاقيات المجلسين.

([11]) هام وعاجل. تم توقيع وثيقة تفاهم بين المجلس الوطني الكوردي والمجلس الشعب الكوردي، الموقع: صوت الكُرد، التاريخ: 19/01/2012، الرابط: https://goo.gl/WrgkG6

([12]) فيما يخص الوثيقة صرح وقتها " إبراهيم برو" سكرتير حزب يكيتي الكردي وعضو المكتب التنفيذي للمجلس الوطني الكردي" آنذاك، بأن اللجنة تم تشكيلها للوصول إلى تفاهم بخصوص بعض " الإشكالات التي تحدث على أرض الواقع الا أن الاخوة في PYD أكدوا لنا أن أي اتفاق إذا لم يكن مع مجلس غربي كردستان لا يمكن الالتزام به بشكل كامل لإن مجلس غربي كردستان يضم PYD وجميع الهيئات والمجالس التابعة لها وحينها تم توقيع وثيقة تفاهم على بعض النقاط وأهمها تشكيل لجان في كافة المناطق بين المجلسين والتأكيد على نبذ العنف و الحفاظ على السلم الأهلي، لقاء مع إبراهيم برو، حول المجلس الوطني الكُردي، وممارسات ب ي د، الموقع: صفحة إبراهيم برو الشخصية على الفيس بوك، التاريخ: 14/06/2012، الرابط: https://goo.gl/AK41Hm

([13]) تقرير عن مؤتمر الجالية الكوردية السورية في الخارج المنعقد في جنوب كردستان- هولير، الكاتب: جواد الملا، الموقع: غرب كرُدستان، التاريخ: 29/01/2012، الرابط: https://goo.gl/sdwKBZ

([14]) حضر افتتاح المؤتمر رئيس الإقليم ورئيس البرلمان ورئيس الحكومة وممثلي مختلف الأحزاب في الإقليم، وألقى البارزاني كلمة ركز فيها على " أن الوضع السوري مهم بالنسبة للإقليم، بحكم الجيرة ،... إننا لا نريد التدخل في أموركم، بل نريد أن نساعدكم، ونتيح لكم الفرصة، كي تتخذوا قراركم هنا في بلدكم وعاصمتكم بملء الحرية، سندعم أي قرار تتخذونه، وتوصياتنا لكم أن تكون قرارتكم بعيدة عن العنف، وتبني خيارات السلم والديمقراطية والحوار، في الحقيقة لا ندري ما الذي سيكون الوضع عليه في سورية، لكن كل المؤشرات توحي إلى أن التغيير قادم، إن شرطنا لدعمكم هو توحيد صفوفكم، أنتم وأحزابكم تحظون بكل الاحترام والتقدير، لكن الحزبية الضيقة تؤدي إلى إضاعة الفرصة عليكم".

([15]) PYD: كونفرانس هولير مخططٌ لترسيخ الانقسام الكردي بدلاً من توحيده، الموقع: عفرين نيوز، التاريخ: 01/02/2012، الرابط: https://goo.gl/Xvr7nD

([16]) صالح مسلم في لقاء مع وكالة فرات: كونفرانس هولير مخطط لترسيخ الانقسام الكردي، الموقع: عفرين نيوز، التاريخ: 02/02/2012، الرابط: https://goo.gl/JFeVJy

([17]) رئاسة اقليم كوردستان تعلن استمرارها في دعم كورد سورية للحصول على حقوقهم، الموقع: 31/01/2012، الرابط: https://goo.gl/ZtKWZr

([18]) توصيات البلاغ الختامي للمؤتمر: 1_دان المؤتمر انتهاج الحل الأمني واستخدام العنف المستخدم من قبل الأجهزة الأمنية ضد المتظاهرين العزل. 2_أشاد المؤتمر بالشباب الكرد والمرأة في هذه الثورة. 3_أكد على أهمية التسامح والتعايش بين الشعب الكردي والمكونات الأخرى المتعايشة معه. 4_يدعم المؤتمر قرارات وتوصيات المؤتمر الوطني الكردي في سورية المؤرخ 26/10/2011، المؤسس للمجلس الوطني الكُردي. 5_المؤتمر هو امتداد المؤتمر التأسيسي للمجلس الوطني الكُردي، ومخرجاته توصيات وليست بقرارات. 6_ سترفع التوصيات للهيئة التنفيذية للمجلس الوطني الكردي. 7_أهمية التواصل بين الداخل والخارج وإيجاد آليات تنظيمية لتمكين الجالية الكردية لدعم نضالات الشعب الكردي في سورية. 8_تقوية الخطاب السياسي والإعلامي الكردي في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد. 9_ تم نقاش: البديل السياسي في سورية، علاقة الكرد والمعارضة السورية، وعلاقتهم مع المكونات السورية. 10_يتم دعوة الجاليات الكُردية لتشكيل ممثلياتها.

([19]) بناءً على دعوة المؤتمر تم تشكيل ممثليات للمجلس في أوربا وتركيا والخليج:" تلبية للنداء الوطني والقومي، وتكريساً لتوصيات مؤتمر الجاليات الكردية الذي عقد مؤخراً في (هولير) عاصمة إقليم كردستان، عقد أبناء الجالية الكردية في المملكة العربية السعودية مؤتمراً موسعاً لاختيار أعضاء الهيئة التنفيذية للمجلس الوطني الكردي في سورية (ممثلية السعودية)، وذلك يوم الخميس 23/2/2012، و قد ضمت ممثلين عن أحزاب الحركة الوطنية الكردية في سورية، الى جانب ممثلين عن كافة الفعاليات الاجتماعية والثقافية المستقلة، وممثلين عن الحراك الشبابي، واختتم المؤتمر بتشكيل هيئة تنفيذية مكونة من 34 عضواً، و7 ممثلين عن باقي مناطق المملكة البيان الختامي لتأسيس المجلس الوطني الكوردي في سورية -ممثلية السعودية مع أسماء اللجنة التنفيذية، الموقع: دنيا الوطن، التاريخ: 25/02/2012، الرابط: https://goo.gl/hNZXMA.

([20]) البنى العسكرية والأمنية في مناطق الإدارة الذاتية، الموقع: مركز عمران للأبحاث، التاريخ: 31/10/2017، الرابط: https://goo.gl/8zcmGU

([21]) إعلان هولير بين المجلسين (المجلس الوطني الكوردي في سورية ومجلس الشعب لغربي كوردستان)، الموقع: دوخاتا، التاريخ: 11/07/2012، الرابط: https://goo.gl/q8JdFr، ويمكن العودة للرابط "التوقيع على بلاغ أربيل بين المجلس الوطني الكوردي السوري ومجلس شعب غرب كوردستان"، الموقع: حكومة إقليم كُردستان، التاريخ: 11/07/2012، الرابط: https://goo.gl/YFttbP

([22]) اتفاقية هولير بين مجلس غربي كوردستان والوطني الكوردي هل هناك مجال للتطبيق؟ الموقع: صفحة منظمة سري كانيه لحزب الوحدة الديمقراطي الكوردي في سورية – يكيتي، التاريخ: 17/09/2012، الرابط: https://goo.gl/9ZrVu5

([23]) الهيئة الكردية العليا تؤكد على سلمية الحراك الثوري في المناطق الكردية، الموقع: كوليلك، التاريخ: 24/07/2012، الرابط: https://goo.gl/xgp1QP،

([24]) تصريح سينم خليل عضو الهيئة الكردية العليا، الموقع: يوتيوب الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سورية، التاريخ: 24/07/2012، الرابط: https://goo.gl/qKLsYy

([25]) تصريح اسماعيل حمه عضو الهيئة الكردية العليا، : يوتيوب الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سورية، التاريخ: 24/07/2012، الرابط: https://goo.gl/CwGkmu

([26]) بنود الاجتماع الرسمي الأول: 1_ اعتبار الاجتماع قائماً إلى حين تشكيل كافة اللجان التابعة لها للبدء بأعمالها ورسم خطوط عملها بدءً من تاريخه. 2_ الهيئة الكردية العليا تقود كافة أنشطة وأعمال المجلسين وقراراتها ملزمة للجميع. 3_ يؤكد الاجتماع أن الهيئة الكردية العليا خطوة هامة تخدم وحدة الشعب السوري وأهداف ثورته في الحرية والكرامة. 4_ ضرورة حماية السلم الأهلي في مناطقنا وذلك بالتعاون مع الإخوة شركائنا من العرب والسريان والكلدو آشوريين وغيرهم، والتأكيد على أن المطالبة بالحقوق القومية لشعبنا الكردي لا تشكل أي خطر على وحدة بلادنا وتهديداً لإخوتنا شركائنا في الوطن. 5_ التأكيد على سلمية الحراك الثوري في المناطق الكردية ودرءً للمخاطر الناجمة عن نزعة التسلح العشوائي فإننا نرى من الضروري العمل على ضبط وتنظيم تلك القوى في إطار حضاري موحد منعاً للفوضى وبهدف توفير الحماية في المناطق وسلمها الأهلي. 6_ ثمن الاجتماع البيان الصادر عن وحدات الحماية الشعبية والقاضي بالتزامها بقرارات الهيئة الكردية العليا. 7_ بمناسبة هذا الإعلان فإننا ندعو جماهيرنا للتظاهر يوم الأحد المصادف 29/7/2012 تحت شعار (الهيئة الكردية العليا تمثلنا – Desteya Kurdî ya Bilind Nûnera Me Ye) وذلك باللغتين الكردية والعربية وفي مختلف المناطق الساعة 9 مساءً، بيان صادر عن اجتماع الهيئة الكردية العليا والمنبثقة عن مجلسي (مجلس الشعب لغرب كردستان والمجلس الوطني الكردي في سورية)، الموقع: ولاتي مه، التاريخ: 25/07/2012، الرابط: https://goo.gl/wV26MV

([27]) تبع الاجتماع الأول لتشكيل اللجنة عدة اجتماعات كان منها اجتماع في أواخر 06/2012 انتهى بجملة من البنود: أولاً_ عقد اجتماع تمهيدي، مشترك موسع وسريع لممثلي الطرفين في الداخل السوري. ثانياً_ العمل على إلغاء المظاهر المسلحة والمتمثلة بلجان الحماية الشعبية (Hêzên Parastina Gel) وتشكيل لجان حماية مشتركة غير مسلحة. ثالثاً_ تشكيل ثلاث لجان متخصصة مشتركة منبثقة عن الهيئة الكردية العليا مهمتها تولي كافة المهام في المناطق الكردية حسب اختصاص كل لجنة وعلى رأس تلك المهام متابعة العمل الميداني وتوحيده في تظاهرة واحدة في كافة المدن والبلدات. رابعاً_ العمل على إلغاء كافة الحملات الإعلامية بين المجلسين. خامساً_ إلغاء محاكم الصلح التابعة لمجلس غربي كردستان وتشكيل محاكم مشتركة منبثقة عن الهيئة الكردية العليا. سادساً_ مناصفة العمل بكافة صوره بين كلا الطرفين، المصدر: وثيقة هولير، بين المكتوب والمطلوب، الموقع: ولاتي مه، الكاتب: بافي روني، التاريخ: 25/07/2012، الرابط: https://goo.gl/k5jBFj

في شهر أيلول حدث اجتماعٌ آخر وصدر عنه مجموعة من القرارات: 1_ تقرر عدم المشاركة باسم الهيئة الكوردية العليا في مؤتمر الانقاذ الوطني والمزمع عقده في دمشق في12 /9/2012، 2_ اصدار بيان بشأن الهجرة المستفحلة من قبل الكورد الى خارج سورية والاشارة الى غرق المركبة المحملة بالمهاجرين والتي راح ضحيتها العشرات ومنهم العديد من الأكراد وذلك في السواحل التركية، 3_ يؤكد الاجتماع على ضرورة التواصل مع أكراد منطقة سلمى والقرى التابعة لها، 4_ فتح مقر رئيسي للهيئة الكوردية العليا في مدينة القامشلي وفي مدة اقصاها 15/9/2012 وكذلك مقرات فرعية في كل من عفرين وكوباني وديريك على أن تستكمل لاحقا في مراكز المدن الرئيسية في المناطق الكوردية، 5_ تشكيل غرفة عمليات رئيسية واخرى فرعية في مقرات الهيئة الكوردية العليا تنظم لهم دوام رسمي وبالتناوب خلال 24 ساعة وتأمين وسائل اتصال فيما بين الغرف وفي مدة اقصاها 15/9/2012، 6_ استكمال اللجان الفرعية التابعة للجنتي الخدمات والامنية وفق القرارات السابقة وفي تاريخ اقصاه 20/9/2012، 7_ إعداد لائحة داخلية لجميع اللجان (الامنية – الخدمية – العلاقات الخارجية والوطنية) وكذلك الهيئة الكوردية العليا في تاريخ أقصاه 20/9/2012 وتعميم ذلك على جميع اللجان، 8_ يوصي الاجتماع بالدعوة لاجتماع يضم الهيئة التنفيذية في المجلس الوطني الكوردي والمجلس الدائم في مجلس غرب كوردستان وذلك لمناقشة اقتراح تشكيل مجلس كوردي انتقالي من مهامه البحث في سبل توحيد المجلسين، 9_ لتنظيم الامور في مناطق الحدودية تقرر تشكيل: _ لجنة مدنية لإدارة المعابر الحدودية تعمل تحت اشراف الهيئة الكوردية العليا. _ لجنة الاشراف على حماية الحدود تعمل تحت اشراف اللجنة المتخصصة، _ كما تقرر تنظيم نقاط العبور مع اقليم كوردستان من خلال مركزين فقط ويتم ذلك بالتنسيق مع قيادة اقليم كوردستان على ان يتم ذلك في مدة اقصاه 1/10/2012، 10 – المتابعة في اعتماد رؤية سياسية مشتركة وموحدة لتحديد صيغة حقوق الشعب الكوردي في سورية، 11_تشكيل هيئة مستقلة تحت اسم (الهيئة الكُردية للمساعدات الانسانية) مهامها التواصل مع الدول والمنظمات الانسانية العالمية لتوفير المساعدات للمناطق الكوردية وفق مختلف المجالات (الغذائية – والصحية – والخدمية) وكذلك فتح حسابات مصرفية لها في بعض الدول، 12_ تشكيل لجنة الصلح والعدالة وفي جميع المناطق الكوردية من اختصاصيين قانونيين وشخصيات اجتماعية من ذوي السمعة الطيبة والخبرة في هذا المجال واعداد لائحة داخلية تحدد مهام وعمل هذه اللجنة وفي تاريخ أقصاه 15/10/2012 مع الموافقة على تشكيل هيئات أخرى عند الضرورة مستقبلا، المصدر: أهم القرارات التي تم الاتفاق عليها خلال الاجتماعات الأخيرة للهيئة في هولير عاصمة إقليم كردستان العراق، الموقع: منتدى كوباني كورد، التاريخ: 14/09/2012، الرابط: https://goo.gl/g9HJgu

بتاريخ 22/10/2012، توجه وفدٌ من الهيئة إلى أربيل مرة أخرى بعد انتهاء المحددة لتطبيق اتفاقية هولير، المصدر: افرين نيوز، التاريخ: 22/10/2012، الرابط: https://goo.gl/oteTSD

بتاريخ 14/11/2012 عُقد اجتماعٌ آخر وتضمنت اهم بنوده: 1 ـ توفير كل الدعم المادي والمعنوي اللازم لأهالي مدينة (رأس العين). 2 ـ الدعوة إلى تنفيذ القرارات السابق للهيئة الكردية العليا وفي القريب العاجل، وهي: آ ـ تشكيل اللجنة القيادية العسكرية المتخصصة. ب ـ تشكيل لجنة الصلح والعدالة. ج ـ تشكيل هيئة المساعدات الإنسانية د – عقد اجتماع عاجل للهيئة التنفيذية في المجلس الوطني الكردي والمجلس الدائم في مجلس الشعب لغربي كردستان. 3_ تفعيل اللجان التابعة للهيئة الكردية العليا وفي مختلف المناطق (الخدمية – والأمنية). 4 – دعوة اللجنتين (الخدمية–الأمنية) التابعة للهيئة الكردية العليا وذلك لاتخاذ التدابير الأمنية والخدمية اللازمة. 5 – الطلب من لجان هيئة السلم الأهلي في المناطق لاتخاذ التدابير اللازمة لتشكيل إدارة مشتركة لمختلف المناطق 6 – الدعوة إلى تظاهرات عامة في يوم الجمعة والمصادف 16/11/2012 لمساندة أهلنا في (رأس العين) والطلب من القوى العسكرية التابعة للجيش الحر وقوات النظام بالانسحاب من المدينة لوقف القصف والتدمير الحاصلين. 7 – اعتبار اجتماع الهيئة الكردية العليا مفتوحا لمتابعة تطورات الأمور وذلك في مقر الهيئة وكذلك الأمر لجميع اللجان الخدمية والأمنية، الهيئة الكردية العليا تعقد اجتماعها الاعتيادي وتناقش الأوضاع السياسية والميدانية، الموقع: دنيا الوطن، التاريخ: 15/11/2012، الرابط: https://goo.gl/aLqM1i

([28]) أخبار: الهيئة الكردية العليا تعقد اجتماعها في قاعة الدكتور نورالدين زازا وتشدد على الإسراع بتطبيق اتفاقية هولير، المصدر: ولاتي مه، التاريخ: 30/08/2012، الرابط: https://goo.gl/Ba5f5n

([29]) تشكيل اللجان الأمنية المشتركة للهيئة الكردية العليا في عفرين، الموقع: عفرين نيوز، التاريخ: 15/10/2012، الرابط: https://goo.gl/ms2FzG

([30]) بيان صادر من الهيئة الكردية العليا في هولير، الموقع: ولاتي مه، التاريخ: التاريخ: 04/08/2012، الرابط: https://goo.gl/ThJaFu

([31]) حوارات: آلدار خليل: «هدفنا الأساسي هو ضمان حقوق الشعب الكردي»، الموقع: ولاتي مه، التاريخ: 14/08/2012، الرابط: https://goo.gl/btEJKY

([32]) ويضيف سعود أنهم: تناولوا أثناء لقائهم تصريحات الرئيس التركي حول الحدود، ونقلوا للوزير التركي أن حزب “ ب ي د نظيم كُردي سوري وليس صحيحاً ما تتوهمون به، ومن جهته الوزير التركي دافع عن وجهة نظره وأكد على محاربة الإرهاب ولكنهم مع حقوق الكُرد الثقافية والاجتماعية، وقال إنهم وضعوا الحلول للقضية الكردية في تركيا كفتح قنوات تلفزيونية والسماح بالتحدث باللغة الكردية والاحتفال بعيد نوروز، وقال إنهم طلبوا من النظام السوري أيضا لحل القضية الكردية لديهم، وللمزيد يمكن العودة إلى: قرير مفصل حول الندوة السياسية الجماهيرية التي عقدت للسيد سعود ملا عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردي في سورية (البارتي) في قامشلو، الموقع: ولاتي مه، التاريخ: 13/08/2012، الرابط: https://goo.gl/kTfUhJ

([33]) مقالات: عن الهيئة الكردية العليا!، الكاتب: زيور عمر، الموقع: ولاتي مه، التاريخ: 24/10/2012، الرابط: https://goo.gl/pJ3jnu

([34]) تقرير مفصل حول الندوة السياسية الجماهيرية التي عقدت للسيد سعود ملا عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردي في سورية (البارتي)، مصدر سابق.

([35]) أنظر المراجع التالية :

  • بيانات: بيــــــان إلى الرأي العام - الهيئة الكردية العليا، الموقع: ولاتي مه، التاريخ: 30/07/2012، الرابط: https://goo.gl/hwUNAD
  • مقابلة خاصة لوكالة بيامنير مع عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردي في ‏سورية (البارتي)‏ محمد إسماعيل حول المستجدات على الساحة السورية عامة والكردية بشكل خاص، الموقع: ولاتي مه، التاريخ: 11/08/2012، الرابط: https://goo.gl/Fp6e1b
  • حسن صالح في مظاهرة قامشلو: الهيئة الكردية العليا اتفقت على فتح معبر حدودي مشترك مع إقليم كوردستان، الموقع: ولاتي مه، التاريخ: 21/12/2012، الرابط: https://goo.gl/p3Qswb
  • أتباع ال(PYD) يهاجمون المظاهرات، المصدر: كورد ووتش، التاريخ: 10/11/2012، الرابط: https://goo.gl/meUBcX

([36]) رئيس مجلس غربي كردستان “عبدالسلام أحمد”: اتفقنا على تشكيل قوة عسكرية موحدة وفتح باب التجنيد للشباب الكردي، الموقع: وكالة عفرين، التاريخ: 23/11/2012، الرابط: https://goo.gl/2vrJED

([37]) بيانات: بيان صادر عن اجتماع الهيئة الكردية العليا والمنبثقة عن مجلسي (مجلس الشعب لغرب كردستان والمجلس الوطني الكردي في سورية)، الموقع: ولاتي مه، التاريخ: 25/07/2012، الرابط: https://goo.gl/5a1DkM

([38]) سقوط رأس العين بأيدي الثوار بعد اشتباكات عنيفة، الموقع: يوتيوب قناة الجزيرة، التاريخ: 09/11/2012، الرابط: https://goo.gl/NMUZE9، وحدات الحماية الكردية تسيطر بشكل شبه كامل على رأس العين، الموقع: زمان الوصل، التاريخ: 17/07/2013، الرابط: https://goo.gl/CUaHiF

([39]) حسن صالح في مظاهرة قامشلو: الهيئة الكردية العليا اتفقت على فتح معبر حدودي مشترك مع إقليم كوردستان، الموقع: ولاتي مه، التاريخ: 21/11/2012، الرابط: https://goo.gl/msRCo4

([40]) أكراد العراق يهبون لنجدة أكراد سورية، الموقع: سكاي نيوز، التاريخ: 27/12/2012، الرابط: https://goo.gl/xXGxFT

([41]) إقليم كردستان العراق يفتتح معبراً حدودياً مع سورية دون التنسيق مع سلطاتها، الموقع: الجمل، التاريخ غير مرفق، الرابط: https://goo.gl/e1pbsQ

([42]) خندق بطول 17 كلم عند حدود كردستان العراق وسورية، الموقع: العرب، التاريخ: 15/04/2014، الرابط: https://goo.gl/TsQRzH

([43]) فتح معبر “سيمالكا” يخفضّ الأسعار في الحسكة، الموقع: عنب بلدي، التاريخ: 14/06/2016، الرابط: https://goo.gl/xvccWH

([44]) إتاوات في مناطق "PYD" تحت اسم "ضرائب"، من قوت المواطنين إلى خزائن الحزب، الموقع: مراقب شمال سورية، التاريخ: 25/07/2017، الرابط: https://goo.gl/WgLF8k

([45])"حول مجزرة عامودا الثانية التي ارتكبتها ما يعرف بـ آسايش PYD"، المصدر: صفحة: عوائل شهداء نهج البرزاني في سورية، التاريخ: 21/06/2014، الرابط: https://goo.gl/L2ZL21

([46]) الوطني الكردي يحيي ذكرى “مجزرة عامودا”.. والوحدات تصفها بـ”محاولة إثارة للفتنة”، المصدر: موقع الحل، التاريخ: 28/06/2017، الرابط: https://goo.gl/M6qRVF

([47]) سيادة سيدا ثمنها الدماء، نظرة تحليلية لأحداث عامودا، الكاتب: محمد رشو، الموقع: الحوار المتمدن، التاريخ: 08/07/2013، الرابط: https://goo.gl/WTWTbp، ويمكن العودة لبيان المجلس الوطني الكُردي عبر: بيانات: المجلس الوطني الكردي في عامودا يندد بمجزرة عامودا ويعلن انسحابه من الهيئة الكردية العليا، الموقع: ولاتي مه، التاريخ: 27/06/2013، الرابط: https://goo.gl/qjCR5D

([48]) مجموعات مسلحة في الجيش الحر تهاجم على حاجز لوحدات حماية الشعب في قرية كريه فاتيه، الموقع: صفحة شبكة ديريك الاخبارية، التاريخ: 17/07/2013، الرابط: https://goo.gl/YtTEHo

([49]) الجيش الحر يسيطر على معظم الآبار النفطية شمال سورية – العربية نت، الموقع: يوتيوب الحزب التقدمي، التاريخ: 01/04/2013، الرابط: https://goo.gl/CoVw46

([50]) الأكراد السوريون يسيطرون على النفط... ويريدون القامشلي، الموقع: الاخبار، التاريخ: 11/03/2013، الرابط: https://goo.gl/Amiq7e

([51]) خلافات كردية- كردية حول مستقبل النفط في الجزيرة، الموقع: اورينت نت، التاريخ: 19/02/2014، الرابط: https://goo.gl/eNF3JR

([52]) تقرير عن الهيئة الكردية العليا. عماد كردو27-09-2013، الموقع: يوتيوب الاعلامي عماد كردو، التاريخ: 26/09/2013، الرابط: https://goo.gl/FK65TF

([53]) المجلسان الكورديان يوقعان مشروع الادارة المرحلية، الموقع: الحزب الديمقراطي الكوردستاني، التاريخ: 11/09/2013، الرابط: https://goo.gl/btJGMA

([54]) الهيئة التنفيذية للمجلس الوطني الكردي: الانضمام إلى الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية باسم الهيئة الكردية العليا، الموقع: ولاتي مه، التاريخ: 11/12/2012، الرابط: https://goo.gl/Jv6k7g

([55]) المصدر فؤاد عليكو، عضو المكتب السياسي لحزب يكيتي الكُردي وعضو الائتلاف سابقاً واحد شهود العيان والمنخرطين ضمن اتفاقيات المجلسين.

([56]) "المجلس الوطني الكردي" ينضم إلى "الائتلاف السوري" المعارض، الموقع: تحت المجهر، التاريخ: 16/09/2013، الرابط: https://goo.gl/SgGwq8

([57]) الوطني الكردي ينضم للائتلاف. وخلاف مؤجل على مركزية الدولة، الموقع: زمان الوصل، التاريخ: 28/08/2013، الرابط: https://goo.gl/ippbk1

([58]) المصدر فؤاد عليكو، عضو المكتب السياسي لحزب يكيتي الكُردي وعضو الائتلاف سابقاً وأحد شهود العيان والمنخرطين ضمن اتفاقيات المجلسين

([59]) بانوراما 2013.. الإدارة الذاتية الديمقراطية والدبلوماسية الكردية، الموقع: وكالة فرات، التاريخ: 25/12/2013، https://goo.gl/VztP2n

([60]) مباحثات زانا وبايدمر ترسم خارطة الطريق لاتفاق (هولير2)، الموقع: الحزب الديمقراطي الكوردستاني، التاريخ: 25/12/2013، الرابط: https://goo.gl/TfZFNX

 ([61]) تم تداول حدوث لقاءات بين الحزب الديمقراطي الكُردستاني – العراق وبين حزب العمال الكًردستاني قبل حدوث الاتفاق بين الطرفين السوريين. مصدر سابق

([62]) أكراد سورية يعلنون من أربيل اتفاقهم على إنهاء خلافاتهم وحضور جنيف2 بوفد موحد، الموقع: دي برس، التاريخ: 24/12/2013، الرابط: https://goo.gl/TToUe6

([63]) "داعش" تسيطر على ثلث "كوباني" السورية، الموقع: بوابة الشرق، التاريخ: 09/10/2014، الرابط: https://goo.gl/mCqYPg

([64]) مقابلة للباحث مع: فؤاد عليكو في اسطنبول ، عضو المكتب السياسي لحزب يكيتي الكُردي وعضو الائتلاف سابقاً وأحد شهود العيان والمنخرطين ضمن اتفاقيات المجلسين بتاريخ 15/11/2018.

([65]) «انفتاح» أميركي وأوروبي على أكراد سورية.. ولقاء باريس بحث نقل إمدادات السلاح إلى كوباني، الموقع: الشرق الأوسط، التاريخ: 19/10/2014، الرابط: https://goo.gl/SkdLaH

([66]) طائرات أمريكية تلقي أسلحة للمقاتلين الأكراد قرب كوباني، الموقع: دي دبليو، التاريخ: 20/10/2014، الرابط: https://goo.gl/2R7FxD

([67]) طلائع قوات البيشمركة والجيش السوري الحر تصل تركيا في الطريق لعين العرب، الموقع: بي بي سي عربي، التاريخ: 29/10/2014، الرابط: https://goo.gl/n3Agsi

([68]) هل اتفاقية دهوك لازالت بخير…؟، الموقع: بوير برس، التاريخ: 23/11/2014، الرابط: https://goo.gl/8gKPyf

([69]) محمد قجو ليكيتي ميديا: اتفاقية دهوك تنص على التمثيل بنسبة 40% لكل طرف ، وليس على المحاصصة الحزبية، الموقع: يكيتي ميديا، التاريخ: 25/12/2014، الرابط: https://goo.gl/W7zFiS

([70]) اجتماع المجلس الوطني الكردي والاتحاد السياسي لتحديد المرجعية السياسية حسب اتفاقية دهوك، الموقع: قناة الصحفي محمد حسن، التاريخ: 05/12/2014، الرابط: https://goo.gl/ushczM، ويمكن العودة للرابط: مؤتمر الصحفي لأحزاب المجلس الوطني الكردي يعلن الاتفاق رسمياً على كيفية تمثيلها في المرجعية السياسية، الموقع: يوتيوب يكيتي ميديا، التاريخ:02/12/2014: الرابط: https://goo.gl/ushczM

([71]) بعد اتفاقية دهوك… إدارة العامة لواجب الدفاع الذاتي التابعة للـ PYD تصدر بياناً بخصوص قانون التجنيد الإجباري، الموقع: يكيتي ميديا، التاريخ: 01/11/2014، الرابط: https://goo.gl/hQBhBx، وحول الانتخابات يرجى العودة للرابط: كاوه أزيزي: قرار الـ (PYD) بإجراء الانتخابات "استفزازي" وتهرب من استحقاقات دهوك، الموقع: كولان، التاريخ: 03/02/2015، الرابط: https://goo.gl/cSBBFF، وللرابط: أوميد صباح: انتخابات مجالس البلديات في مقاطعة الجزيرة تتعارض مع مضمون اتفاقية دهوك ولا يمكن تقبلها، الموقع: يكيتي ميديا، التاريخ: 13/03/2015، الرابط: https://goo.gl/Uf4icC

([72]) القامشلي: المجلس الوطني الكردي يتبنى “قوات بيشمركة روج آفا كردستان”، الموقع: الحل، التاريخ: 02/07/2015، الرابط: https://goo.gl/Qka3Dq

التصنيف أوراق بحثية
الأربعاء, 13 شباط/فبراير 2019 16:48

ملف إدلب… هل يحسم عسكرياً؟

أجرى موقع القدس العربي حواراً صحفياً مع المحلل العسكري نوار أوليفر من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، حول جولة آستانا المرتقبة ومخرجاتها المحتملة، وعن هذا الموضوع أوضح أوليفر، أن أجندات ومصالح ثلاثي «أستانة» تتباين تجاه الملفات المطروحة على طاولة المباحثات، وهو ما يقلل فرص التوصل إلى تفاهمات شاملة بين الثلاثي. كما توقع توسيع اتفاق سوتشي الناظم لإدلب، مع إقرار الدول الثلاث لمبادئ عريضة بخصوص الوضع في المنطقة الشرقية، أساسها الناظم «اتفاق أضنة»، الذي يشكل نقطة توافق روسية – إيرانية».

وأضاف أيضاً، أن المعضلة الأساسية التي تحول دون التوصل لاتفاق شامل على مستوى سورية، هي اختلاف أولوية الملفات بالنسبة للدول الفاعلة، إذ أن كل دولة تنظر إلى الملفات بطريقة مغايرة، حسب أهميتها نسبياً، موضحاً أن هذا الاختلاف بالرغم من التوافق على أهمية الملفات هو ما يصعب التوصل إلى مرحلة متقدمة من التسوية المستدامة في سورية.

ويشكل اتفاق أضنة حسب المحلل العسكري، نقطة توافق بين روسيا وإيران كونه «يؤدي إلى احتواء الطرف التركي من وجهة نظر إيران وروسيا واقتصاره على مساحة محددة، بينما يعطي المجال لإيران أكثر بالعمق في الشرق السوري في المنطقة الداخلية، ويسمح لأنقرة بأن تتجه للتنسيق مع النظام السوري وهو بحد ذاته هدف مشترك لروسيا وإيران».

 

رابط المصدر: https://goo.gl/LbaMiK

مُلخّصٌ تنفيذيّ

  • تبرز أهمية وضرورة إعادة هيكلة وزارة الداخلية السورية، كجزء من إعادة الهيكلة الشاملة للأجهزة الأمنية السورية، ومن الدور الكبير الذي سيترتب على الوزارة أن تلعبه في مستقبل سورية، بعد كف يد الأجهزة الأمنية عن التدخل في حياة المواطنين.
  • عمد نظام الأسد إلى إضعاف وزارة الداخلية السورية لصالح تقوية الأجهزة الأمنية التي يثق بها لحماية نظامه أكثر من جهاز الشرطة، فعمّل حافظ الأسد منذ وصوله للسلطة إلى تقليص صلاحيات الوزارة وإضعافها عبر جملة من التعديلات الهيكلية التي أجراها على البنية التشريعية والإدارية للوزارة.
  • تعاني وزارة الداخلية السورية من مشكلات مزمنة على عدة مستويات؛ سواء الإداري التنظيمي أو مستوى التشريعات والقوانين، إضافة إلى مستويي الكادر البشري والموارد المادية واللوجستية. والتي يمكن القول بأنها تفاقمت بعد العام 1970، بشكل تراجع تدريجي في عمل الوزارة وصولاً إلى بروز مشكلات كبيرة وعوائق أثرت سلباً على عمل الجهاز وأداء رجاله.
  • إنّ التراكم في المشكلات والمعوّقات دون إيجاد الحلول أدّى بجهاز قوى الأمن الداخلي إلى التردّي والتراجع المترافق مع عدّة عوامل ساهمت في رفع معدّلات الجريمة بعد العام 2000 إلى مستويات غير مسبوقة.
  • تعتبر وزارة الداخلية قياساً بباقي الأجهزة الأمنية أقلها اعتماداً على الطائفية في انتقاء منتسبيها، وذلك نتيجة العدد الكبير للمنتسبين من ناحية، وتركيز النظام على تطييف الجيش والأجهزة الأمنية كونها الحامي الرئيسي للنظام. ولكن هذا لا ينفي وجود الطائفية في مفاصل وزارة الداخلية.
  • على الرغم من أن شعبة الأمن السياسي تتبع نظرياً لوزارة الداخلية؛ إلا أنها فعلياً تهيمن بشكل رئيسي على الوزارة بمختلف وحداتها وأجهزتها، وليس لوزير الداخلية أي صلاحيات فعلية في عملها، إلّا من النواحي الإدارية واللوجستية، بل هي من تراقب فعلياً وزارة الداخلية ابتداءً من وزير الداخلية وحتى أصغر عنصر فيها.
  • يتعرض دور وزارة الداخلية في سورية لتحجيم كبير لصالح الأجهزة الأمنية، نتيجة إعطاء الأخيرة صلاحيات المحاسبة والمراقبة على جهاز قوى الأمن الداخلي وتقليص دور مؤسسات الرقابة والمحاسبة الخاصة بالوزارة، ما أدى إلى تغول وتسلط الأجهزة الأمنية على وزارة الداخلية واستخدامها في قضايا ليست في اختصاصها.
  • مع اندلاع الثورة السورية في العام 2011، جرى إقحام رجال الشرطة بأعمال عسكرية قتالية ضد أبناء الشعب السوري، ما أدّى لارتكاب بعض رجال الشرطة انتهاكات خطيرة من قتل وتعذيب، مما سبب ازدياد المسافة والهوة ما بين الشرطة والمجتمع.
  • بغض النظر عن الترهّل والفساد التدريجي الذي اعترى وزارة الداخلية في سورية إبّان فترة حكم آل الأسد؛ إلا أنّ هذه الوزارة تعتبر من الوزارات السيادية العريقة، ليس لأنّ النظام السوري أراد لها ذلك، ولكن لأن إحداثها عام 1947 كان على أسس وقواعد صحيحة فيما يتعلّق بالأصول الدستورية والقانونية، بالإضافة لاعتماد نظامها الداخلي على بعض تجارب الدول المتقدّمة آنذاك.

مقدمة

تُعتبر عملية إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية حجر الأساس في أي عملية تحول ديمقراطي، وخاصةً في الدول الخارجة من صراعات، حيث ترتبط تلك العملية ببناء السلام بعد النزاع، الأمر الذي يُشكل الشرط اللازم لإطلاق عملية إعادة الإعمار والتحول الديمقراطي. وفي الحالة السورية، لطالما ارتبطت صورة الأجهزة الأمنية بالقمع والتوحش، وتركزت تلك الصورة بشكل أكبر خلال الثورة السورية عبر الممارسات الوحشية التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية، سواء في الشارع أو في المعتقلات الخاصة بكلٍ منها، الأمر الذي يجعل إعادة هيكلة تلك الأجهزة وعزلها عن التعامل مع المدنيين على رأس أولويات السوريين، وضرورة لبناء السلام بعد سنوات الحرب السورية.

وهنا تظهر أهمية دور وزارة الداخلية، والذي أضعفه نظام الأسد لصالح تقوية الأجهزة الأمنية التي يثق بها لحماية نظامه أكثر من جهاز الشرطة، فعمّد حافظ الأسد ومنذ وصوله للسلطة إلى تقليص صلاحيات وزارة الداخلية وإضعافها عبر جملة من التعديلات الهيكلية التي أجراها على البنية التشريعية والإدارية للوزارة، الأمر الذي أثر سلباً على أداء الجهاز ورجاله، وأعطى الفرصة للأجهزة الأمنية للاستيلاء على كثير من اختصاصات الوزارة. لذلك يسعى هذا المشروع لدراسة وزارة الداخلية السورية باعتبارها الإطار النظري الناظم للعمل الشُرَطي والأمني في سورية، منطلقاً من أهمية الحديث عن إعادة هيكلة وزارة الداخلية، كجزء من إعادة الهيكلة الشاملة للأجهزة الأمنية السورية، ومن الدور الكبير الذي سيترتب على تلك الوزارة أن تلعبه في المستقبل، بعد كف يد الأجهزة الأمنية عن التدخل في حياة المواطنين.

وعليه ستتناول هذه الدراسة الأوليّة، التي تعد خطوة أولى ضمن هذا البرنامج البحثي: تحليل البنية الإدارية والتنظيمية والتشريعية لوزارة الداخلية السورية ومراحل تطورها، مقابل استعراض أقسامها ومديرياتها المختلفة والاختصاصات والمهام المنوطة بكل منها وآليات العمل، وذلك كمدخل لتفكيك المشكلات الحقيقية التي تعاني منها الوزارة على المستويات التشريعية الإدارية و مستويي الكادر البشري والموارد المادية واللوجستية، وصولاً إلى إشكاليات العلاقة مع المؤسسات والأجهزة الأمنية الأخرى، سواء هيمنة شعبة الأمن السياسية أو باقي الأجهزة الأمنية المتغولة على عمل الوزارة، مستندةً في ذلك إلى مسح الأدبيات الخاصة بوزارة الداخلية السورية، إضافة إلى ورشات التركيز والمقابلات الميدانية مع أصحاب الخبرة من الضباط المنشقين عنها ضمن مختلف الرتب والاختصاصات.

وذلك تمهيداً للمراحل اللاحقة في البرنامج، والمتمثلة بدراسة وبلورة رؤية إصلاحية تتمحور حول ما يمكن تعديله على عمل الوزارة في المستويات التشريعية والبنيوية والوظيفية والوصل إلى اقتراح حزمة من التوصيات في هذا الإطار، استناداً إلى دراسة تجارب بعض الدول واختيار الأنسب والأقرب إلى الحالة السورية. وذلك استكمالاً لسلسلة البحوث والدراسات التي أنجزها وينجزها مركز عمران في تحليل وتقييم بيئات عمل مؤسسات الدولة السياسية والقانونية والإدارية، بما تمليه مرحلة ما بعد النزاع من ضرورات الإصلاح.

أولاً: خلفيّة تاريخيّة (مراحل تطور وزارة الداخليّة)

بغض النظر عن الترهّل والفساد التدريجي الذي اعترى وزارة الداخلية في سورية إبّان فترة حكم آل الأسد؛ إلا أنّ هذه الوزارة تعتبر من الوزارات السيادية العريقة، ليس لأنّ النظام السوري أراد لها ذلك، ولكن لأن إحداثها بموجب المرسوم التشريعي رقم /77/ لعام 1947 كان على أسس وقواعد صحيحة فيما يتعلّق بالأصول الدستورية والقانونية والأوامر والقرارات التي أُسست عليها وزارة الداخلية، بالإضافة لاعتمادها في نظامها الداخلي على بعض القوانين الفرنسية والاستفادة بشكل عام من تجارب الدول المتقدّمة. إذ يُمكننا القول إن أول هيكلية لجهاز الشرطة في سورية كانت في العام 1928 إبان الاحتلال الفرنسي لسورية، حيث صدرت الهيكلية وفق التقسيمات التالية: (القسم العدلي، القسم الإداري، التفتيش، الشعبة السياسية، التحري والأبحاث، الديوان، المحاسبة، مفوضية المركز، الضابطة الأخلاقية، الخطوط الحديدية، السير، الفرسان، الحرس، المدرسة، السجل، المستودع، الطبابة، ديوان التأديب، مجلة الشرطة).

ثمّ كان صدور نظام خدمة الشرطة بالقرار رقم /1962/ تاريخ 25/03/1930، وهو نظام ساري في معظم مواده حتى اليوم، والذي استُمد من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسية، حيث عرّفت المادة الأولى من هذا القرار الشرطة بما يلي: "شرطة الجمهورية العربية السورية قطعة مرتبطة بوزير الداخلية، وقد أُحدثت لتسهر على الأمن وتقوم بالمحافظة على السكينة وتنفيذ القوانين". وكان جهاز الشرطة في ذلك الوقت يُقسم إلى هيئتين منفصلتين من حيث طبيعة ومكان عمل كلّ منهما: "الدّرَك" وهي هيئة مخصصة لأمن الأرياف (القرى) وطرق المواصلات، أما مهمتها في المدن فتنحصر في مساعدة ما يعرف آنذاك بـ "الشرطة الملكيّة"، وهي الهيئة المعنية بحماية وتوطيد النظام وأمنه في ذلك الوقت، وينحصر عملها ونشاطها في السجون ودور الحكومة ومركز رئيس الدولة والمصارف.

وقد استمرّ العمل بهذا النظام حتّى العام 1958، حيث صدر القانون رقم /118/ بتاريخ 13/03/ 1958، والذي قضى رسمياً بتوحيد الدرك والشرطة واستبدال كلمة الدرك حيثما وجدت بكلمة الشرطة، ومن ثم صدر القانون رقم /14/ بتاريخ 13/04/1958، والذي نصّ على إحداث مجلس أعلى للشرطة وحدد اختصاصات الشرطة في المادة الثانية منه وفق ما يلي: "تختص هيئة الشرطة بالمحافظة على النظام والأمن العام، وعلى الأخص منع الجرائم وضبطها وحماية الأرواح والأعراض والأموال وتنفيذ ما تفرضه الأنظمة والقوانين". ومن هذا التعريف نستدل على أن المُشرّع قد أعطى لجهاز الشرطة صلاحيات تشمل مختلف أوجه النشاط في الدولة، سواء من الناحية الإدارية أو التنفيذية أو القضائية، باعتبارهم مساعدين للنائب العام أو ضابطة عدلية مساعدة.

 ثم بدأ التحول من مفهوم الشرطة إلى مفهوم قوى الأمن الداخلي، وكانت إشارة البداية مع صدور المرسوم رقم /196/ تاريخ 11/12/1961 الذي أطلق تسمية قائد قوى الأمن الداخلي وألغى المجلس الأعلى للشرطة ومن ثم من خلال المرسوم رقم /67/ بتاريخ 24/03/1965، الذي صدر بعنوان "مهمّة قوى الأمن الداخلي"، ومن هنا أضحى تعبير جهاز قوى الأمن الداخلي رديفاً لكلمة الشرطة، وقد نصت المادة الأولى من المرسوم رقم /67/ لعام 1965 على أنّ قوى الأمن الداخلي من القوى الفرعية العاملة في القوات المسلحة ومرتبطة بوزير الداخلية ومتخصّصة بالأعمال والمهام المنوطة بها وفقاً للأنظمة المرعية، وتتألف من ضباط وصف ضباط وأفراد، وتتمتع وتستفيد هي ورجالها حُكماً من جميع الحقوق والمزايا الماديّة والمعنوية، ومن كافة الاستثناءات والاعفاءات التي يتمتّع بها ويستفيد منها الجيش العربي السوري ورجاله([1]).

الصكوك القانونيّة التي رسمت شكل وزارة الداخليّة

يمكن القول بأنّ تشكيلات الشرطة قد خضعت لتغييرات مختلفة أثّرت بشكل كبير على مؤسسة الشرطة شكلاً ومضموناً، فقد انسحب التغيير في شكل وهيكل هذا الجهاز إلى مضمونه وآليات عمله التي ترتبط كلّيّاً بشكل هذا الهيكل من حيث المسؤوليات والصلاحيات الملقاة على عاتق القائمين عليه. وهنا نورد أهم الصكوك القانونية التي رسمت شكل جهاز الشرطة السورية منذ نشأته ولغاية الآن ([2]):

  1. المرسوم التشريعي رقم /77/ لعام 1947 المعدّل بالقانون رقم /198/ لعام 1954.
  2. المرسوم التشريعي رقم /14/ لعام 1958 الذي نصّ على إحداث المجلس الأعلى للشرطة وأناط به مسؤولية إدارة هذه المؤسسة.
  3. القرار الجمهوري رقم /221/ لعام 1958.
  4. القانون رقم /253/ لعام 1959.
  5. المرسوم رقم /196/ لعام 1961، الذي ألغى المجلس الأعلى للشرطة وأحدث منصب معاون وزير الداخلية كقائد لقوى الأمن الداخلي.
  6. المرسوم التشريعي رقم /67/ لعام 1965.
  7. المرسوم رقم /1623/ لعام 1970 الذي ألغى منصب قائد قوى الأمن الداخلي وأعطى لوزير الداخلية صلاحيات واسعة واعتبره المرجع الأعلى في الوزارة وهو آمر الصرف وعاقد النفقة ويحدد صلاحيات مختلف الوحدات بقرار منه، كما يقترح تسمية معاونين له يتم تعيينهما بمرسوم ويقوم هو بتحديد صلاحياتهما ومهامهما بقرار منه. ومن هنا بدأ تراجع دور جهاز قوى الأمن الداخلي، والذي انسحب لاحقاً إلى تراجع في الأداء، ولا سيّما بعد أن أصبح المرسوم رقم /1623/ لعام 1970 هو المرجعية الأساسية لوزارة الداخلية والعاملين فيها، وإنّ نظرة تحليليه بسيطة وقراءة لحيثيات هذا المرسوم تًظهر العيوب الكثيرة التي اعترته.
  8. المرسوم التشريعي رقم /1/ لعام 2012 المتعلق بقانون خدمة عسكريي قوى الأمن الداخلي ([3])، والذي لم تنفّذ معظم بنوده ومواده بسبب الظروف التي تمر بها البلاد.

جهاز قوى الأمن الداخلي بعد العام 2000

إنّ التراكم في المشكلات والمعوّقات دون إيجاد الحلول أدّى بجهاز قوى الأمن الداخلي إلى التردّي والتراجع المترافق مع عدّة عوامل ساهمت في رفع معدّلات الجريمة بعد العام 2000 إلى مستويات غير مسبوقة ومن أهم هذه العوامل ([4]):

  • زيادة نسبة الفقر بشكل كبير في معظم مناطق سورية.
  • زيادة نسبة البطالة ونسبة العاطلين عن العمل.
  • ازدياد مساحات السكن العشوائي بشكل كبير جدّاً، والذي يفتقر إلى الخدمات ويشكّل تربة خصبة لإنبات الجريمة.
  • تراجع نسبة التعلم.
  • الهجرة غير المنتظمة من الريف إلى المدينة لأسباب البحث عن العمل.
  • انتشار السلاح المهرّب والمخدّرات.
  • التطوّر الكبير في المجالات العلمية والتقنية وثورة المعلوماتية، التي انتجت أنماطاً جديدة ومتعدّدة من الجريمة، كالجريمة الإلكترونية ووضعها في متناول روّاد شبكات الإنترنت.
  • تراجع ظاهرة الضبط الاجتماعي المستندة إلى الموروث الاجتماعي من عادات وتقاليد تفرض على المواطنين قواعد التزام واحترام في الأحياء والقرى وغيرها بسبب تراجع دور الشخصيات البارزة التي تقوم بذلك.
  • دخول جرائم جديدة للمجتمع السوري لم تكن مألوفة من قبل كالخطف وغيرها.
  • ازدياد النزعة المادّية لدى أفراد المجتمع مع انحسار القيمة الأخلاقية، ما أدّى إلى ضعف الرادع الأخلاقي والسعي للكسب المادّي بجميع الطرق، بما فيها التي هي خارج إطار القانون.

هذه العوامل وغيرها أدّى إلى حدوث منعطفات خطيرة في مسارات مكافحة الجريمة، وجعل من الصعب جدّاً تدارك الأمور بسبب عدم استشعار الخطر مُسبقاً وتركه يتفاقم إلى أن وصل إلى ذروته، وعندها وفي العام 2009 تداعى القائمون والمسؤولون عن الأمن إلى إيجاد الحلول المناسبة لتدارك هذا الخطر من خلال عقد عدّة اجتماعات على مستوى مكتب الأمن القومي آنذاك، والذي خَلص إلى وضع خطّة أطلق عليها خطّة "خفض نسبة الجريمة في سورية" تقودها وزارة الداخلية وتتظافر جهود كافّة الوزارات من أجل تحقيق أهدافها؛ إلّا أّنّ هذه الخطّة بقيت مجرّد خطاب إعلامي دون تحقيق الغايات المرجوّة.

ومع اندلاع الثورة السورية في العام 2011، جرى إقحام رجال الشرطة بأعمال عسكرية قتالية ضد أبناء الشعب السوري، وهذا ما أدّى لارتكاب بعض رجال الشرطة انتهاكات خطيرة من قتل وتعذيب، مما سبب ازدياد المسافة والهوة ما بين الشرطة والمجتمع.

ثانياً: بُنية وزارة الداخليّة (الهيكل والصلاحيات والعقيدة)

يمثل استعراض بُنية وزارة الداخلية السورية، ضرورة لرسم صورة واضحة عن طبيعة عمل الوزارة وهياكلها التنظيمية والإدارية والصلاحيات والمهام المنوطة بكل منها وطبيعة الكادر البشري الذي يضطلع بتلك المهام والتعرف على العقيدة والفلسفة التي من المفترض أن تنظم عمله وتمثل بوصلته، وفقاً لما يلي ([5]):

  1. الهيكل (الأجهزة والقطاعات)

تتكون وزارة الداخلية في الجمهورية العربية السورية بشكل عام من جهازين:

  • جهاز قوى الأمن الداخلي "الشرطة": وهو هيئة نظامية تخضع لقواعد الانضباط العسكري، وتتولى كل ما يتعلق بحفظ الأمن والنظام العام، ومنع الجرائم وضبطها وحماية الحريات العامة والشخصية بالإضافة إلى الأعمال المتعلقة بالهجرة والجوازات والجنسية والإقامة، وتنظيم المرور والسجون. وتطبق على العاملين في هذا الجهاز قوانين خدمة ومعاشات خاصة.
  • جهاز الشؤون المدنية: ويتكون من العاملين المدنيين، ويتولى الشؤون المتعلقة بالسكان وتطبيق قوانين وأنظمة الأحوال المدنية والشؤون المتعلقة بالانتخابات العامة والاستفتاءات والحج والحدود،ويطبق على العاملين في هذا الجهاز من ناحيتي الخدمة والمعاشات القانون الأساسي للعاملين في الدولة.

ويمكننا تقسيم وزارة الداخلية في سورية إلى قطاعين، وذلك بحسب الأعمال التي تقوم بها، وفقاً لما يلي:

  • القطاع الخدمي والأمني: والذي يضم العديد من الإدارات وفروعها بالمحافظات وأهمها: شعبة الأمن السياسي، إدارة الأمن الجنائي، إدارة الهجرة والجوازات، إدارة المرور، إدارة السجون، إدارة مكافحة المخدرات، مراكز الطرق العامة بالمحافظات، إدارة العمليات، قيادات الشرطة والأقسام العاملة التابعة لها، أمانات السجل المدني.
  • القطاع الإداري: والذي يضم العديد من الوحدات الإدارية في الوزارة أهمها إدارة التنظيم والإدارة الإدارة المالية، فرع العقود، إدارة الشؤون الإدارية، إدارة الخدمات الطبية، إدارة الذاتية، إدارة شؤون الضباط، إدارة المعاهد والمدارس.
  1. الكادر البشري

بحسب إحصاءات العام 2011، فإن عدد العاملين في وزارة الداخلية من عسكريي قوى الأمن الداخلي بلغ   43000 شرطي، بمعدل شرطي واحد لكل 400 مواطن تقريباً، بل أكثر، على اعتبار أن عسكريي قوى الأمن الداخلي ضمن الرقم المذكور ليسوا جميعهم على احتكاك مباشر وميداني مع المواطنين، في حين أن المعدل العالمي هو شرطي واحد لكل 300 شخص تقريباً. أما بالنسبة للمؤهلات العلمية للعاملين في وزارة الداخلية، فتتوزع على الشكل التالي ([6]):

  • الضباط: بنسبة 100% من حملة الإجازة الجامعية في الحقوق، أو الطب، أو من خريجي الكلية الحربية.
  • صف الضباط: بنسبة 50% من حملة شهادة الدراسة الثانوية أو المعاهد المتوسطة، ونسبة 50% من حملة شهادة الدراسة الإعدادية.
  • الأفراد: بنسبة 10% من حملة الشهادة الثانوية و45% من حملة شهادة الدراسة الإعدادية، والباقي من حملة شهادة الدراسة الابتدائية.
  1. مهام وزارة الداخلية

يناط بوزارة الداخلية في سورية حفظ الأمن والنظام العام وحماية الحريات العامة والشخصية، وتنفيذ سياسة الدولة وتوجيهاتها وخططها فيما يتعلق بهذه المهام، وممارسة المهام والاختصاصات الموكلة إليها بمقتضى القوانين والأنظمة النافذة، والتي يمكن إجمالها بما يلي ([7]):

  • المحافظة على أمن الدولة الداخلي وأجهزتها ومؤسساتها.
  • منع الجرائم وضبطها، وحماية الأرواح والأعراض والأموال وتنفيذ ما تفرضه عليها القوانين والأنظمة.
  • تولي الشؤون المتعلقة بالهجرة والجوازات والجنسية وتنظيم المرور ودخول وإقامة العرب والأجانب والسجون.
  • تسجيل السكان، وقيد الواقعات المتعلقة بأحوالهم الشخصية، وتطبيق قوانين وأنظمة الأحوال المدنية.
  • تولي الشؤون المتعلقة بالانتخابات العامة والاستفتاءات، والحج، والحدود، والترخيص بالتملك العقاري للعرب والأجانب.
  • الإسهام مع الجهات المختصة في رعاية الأحداث والسجناء وأسرهم، والمفرج عنهم من المحكومين.
  • تنفيذ الطلبات الرسمية وتقديم المؤازرات المطلوبة للجهات العامة، وفقاً للقوانين النافذة.
  • التعاون والتنسيق مع الأجهزة الرسمية المعنية فيما يتعلق بمجالات العمل المشتركة.
  • تعميق التعاون مع أفراد المجتمع والمنظمات الشعبية، للوقاية من الجريمة ومنعها ومكافحتها.

 وزير الداخلية وصلاحياته:

تُعتبر وزارة الداخلية في الجمهورية العربية السورية شخصية اعتبارية يمثلها وزير الداخلية أمام الغير، وله أن ينيب عنه في ذلك أحد معاونيه، أو أحد رؤساء الوحدات المنصوص عليها في القوانين والأنظمة النافذة. ويمارس وزير الداخلية الصلاحيات التالية ([8]):

  • وزير الداخلية هو المرجع الأعلى في قيادة أجهزة الوزارة ومراقبة سير أعمالها، وهو المسؤول عن تنفيذ سياسة الدولة وتوجيهاتها وخططها فيما يتعلق بالمهام المحددة له بموجب القوانين والأنظمة النافذة.
  • هو عاقد النفقة وآمر الصرف في الوزارة، وله أن يفوض عنه في ذلك أحد معاونيه، أو أحد رؤساء الوحدات المنصوص عليها في القوانين والأنظمة النافذة.
  • يعاون وزير الداخلية ثلاثة معاونين: الأول لشؤون الشرطة، والثاني لشؤون الإدارة، والثالث للشؤون المدنية، وترتبط بهم الإدارات والجهات المتعلقة بعمل كل منهم وفق الهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية ويمارس كل منهم الصلاحيات المنوطة به بموجب القوانين والأنظمة النافذة، إضافة إلى تفويضهم ببعض صلاحيات الوزير المتعلقة بعمل الإدارات والجهات المرتبطة بكل منهم.
  1. العقيدة والفلسفة

يتبنى جهاز قوى الأمن الداخلي في سورية "فلسفة وعقيدة" للوصول إلى غاياته المتمثلة في تحقيق الأمن والأمان والطمأنينة للمجتمع، ويمكن تلخيص هذه العقيدة والفلسفة بعدة مبادئ "كان من المفترض أن تًشكل حجر الأساس في عمله"، وعلى رأسها ([9]):

  • جهاز قوى الأمن الداخلي يؤمن بأن الأمن والأمان في المجتمع حق للمواطن يجب أن يستشعره ويحسه وبالتالي فالجهاز يسهر على أمن المواطن وطمأنينته.
  • جهاز قوى الأمن الداخلي ينطلق في عمله من شعار "الشرطة في خدمة الشعب"، ويعمل جاهداً على تحقيق هذا الشعار.
  • جهاز قوى الأمن الداخلي يؤمن بالحرفيّة والأداء العالي، ومن أجل ذلك يعتبر جهاز الأمن الداخلي مدرسة كبيرة يتعلم فيها رجاله (الضباط وصف الضباط والأفراد) من خلال الخبرات التراكمية والتجارب العملية التي تتكوّن عبر فترة خدمتهم، وينقلون تلك المعرفة لمن هم حديثو الخدمة في السلك.
  • جهاز قوى الأمن الداخلي جهاز منضبط تحكمه القوانين والأنظمة والقواعد ودفاتر الضبوط وغيرها وبالتالي هناك التزام كبير وإيمان مُطلق بأهمية هذه المرجعيات ولا سيما مفهوم سيادة القانون.
  • جهاز قوى الأمن الداخلي جهاز تحكمه قواعد أخلاقية وسلوكية، ويتمتع أفراده بمرونة كبيرة تُتيح خلق روابط وعلاقات اجتماعية تُسهل لهم المشكلات.

ثالثاً: مُشكلات الوزارة (عوائق البُنية والأداء)

يعتري عمل وزارة الداخلية السورية جُملة من المشكلات الحقيقية، والتي يمكن القول بأنها تفاقمت من بعد العام 1970، حيث أصبح هناك تراجع تدريجي في عمل الوزارة وصولاً إلى بروز مشكلات كبيرة وعوائق أثرت سلباً على عمل الجهاز وأداء رجاله، ويمكن إجمال تلك العوائق على عدة مستويات، بما يلي:

  1. المستوى الإداري والتشريعي

تعاني وزارة الداخلية السورية من عدة إشكاليات مزمنة على المستوى الإداري التنظيمي، إضافة إلى مستوى التشريعات والقوانين الناظمة لعملها، ولعل أبرزها ([10])

  • المركزية الشديدة: وتتجلى بحصر معظم الصلاحيات بيد وزير الداخلية، والذي يُعيّن غالباً من خارج الوزارة، وتحديداً من الأجهزة الأمنية الأخرى، والتي تعمل خارج سياق القانون. كما أنّ إلغاء منصب قائد قوى الأمن الداخلي ([11])، والذي يحمل على عاتقه مسؤولية الإحاطة بكل أعباء السلك أدى إلى خلل كبير في بنية هذا الجهاز، وعدم قدرة رؤساء الوحدات الشرطية على ممارسة صلاحياتهم الممنوحة لهم وفق الأنظمة والتعليمات والقرارات، وذلك نظراً للمركزية الشديدة المتبعة عموماً في وزارة الداخلية. ويمكن تفسير قيام حافظ الأسد بإلغاء منصب قائد قوى الأمن الداخلي برغبته في إضعاف وزارة الداخلية، والتي كانت تمثل القوى الأكبر بعد وزارة الدفاع، ويبدو ذلك لضمان تثبيت أركان نظامه والهيمنة على الوزارة عبر أمرين:
  • الأول: فسح المجال لتعيين وزير الداخلية حسب ما يراه مناسباً له، على اعتبار أنّ منصب قائد قوى الأمن الداخلي كان محصوراً بضابط شرطة حصراً من أعلى الرتب في الوزارة، وقد لا يجد فيه الرجل الموالي له بالحد الكافي الذي يرغبه، وبذلك أصبح بإمكانه تعيين وزير الداخلية من المدنيين أو العسكريين في الجيش أو من رجال المخابرات، وبالفعل فقد قام حافظ الأسد بعد صدور هذا المرسوم بتعيين اللواء، عبد الرحمن خليفاوي، وهو ضابط جيش وزيراً للداخلية. أما بالنسبة لمنصبي معاون وزير الداخلية واللذين استحدثهما بنفس مرسوم إلغاء منصب قائد قوى الأمن الداخلي، فكانا غير مهمين كون صلاحياتهما تُمنح من قبل وزير الداخلية بصورة شكليّة، وإن أراد الوزير إعفائهما من صلاحيتهما فيقوم بذلك بكل يُسر.
  • الثاني: رغبة حافظ الأسد بإعطاء الدور الكبير للحفاظ على الأمن وحماية النظام للأجهزة الأمنية، والتي عمل على تقوية الموجود منها وإحداث أجهزة جديدة لم تكن موجودة بتلك الفترة. وهذا ناجم عن عدم ثقة الأسد بوزارة الداخلية كحامي للنظام، وذلك لتنوع منتسبيها من حيث الطوائف والمحافظات التي ينتمون إليها.
  • التحجيم لصالح الأجهزة الأمنية: ويتمثل بتقليص صلاحيات الشرطة ولا سيّما في المناطق الإدارية التي يتولون الإشراف عليها من الناحية الإدارية والتنفيذية، مع إعطاء دور أكبر للأجهزة الأمنية التي مهمّتها حماية النظام والدفاع عنه. وما زاد الأمر سوءاً هو إعطاء تلك الأجهزة صلاحيات المحاسبة والمراقبة على جهاز قوى الأمن الداخلي، وتقليص دور مؤسسات المراقبة والمحاسبة المتمثلة في إدارة التفتيش وإدارة القضايا والملاحقات، مما أدى إلى تسلط الأجهزة الأمنية على وزارة الداخلية واستخدامها في قضايا وأمور ليست في اختصاصها، وبالتالي أفقدها الكثير من هيبتها، وتسبب في انعدام ثقة المجتمع بها، وحتى ثقة أفرادها بأنفسهم وببعضهم، الأمر الذي انعكس على الروح المعنوية لضباط وعناصر الوزارة وأدى إلى تراجع روح المبادرة لديهم.
  • تغول شعبة الأمن السياسي ([12]): على الرغم من أن شعبة الأمن السياسي نظرياً تُعتبر إحدى وحدات وزارة الداخلية في سورية؛ إلا أن وزير الداخلية ليس هو من يقترح تعيين رئيسها، وإنما يتم تعيين الأخير بمرسوم من رئيس الجمهورية وليس لوزير الداخلية أي دور في ذلك، كما لا يقوم رئيس شعبة الأمن السياسي برفع تقاريره الأمنية إلى وزارة الداخلية وإنما يرفعها مباشرة إلى مكتب الأمن الوطني أو رئيس الجمهورية أو إلى الجهات الأخرى الحكومية ورئاسة الوزراء والوزراء بشكل مباشر دون المرور على وزير الداخلية. وكذلك الأمر بالنسبة لرؤساء فروع الأمن السياسي في المراكز والمحافظات، والذين يعينون من قبل رئيس شعبة الأمن السياسي بعد أخذ موافقه القصر الجمهوري دون أخذ رأي وزير الداخلية، بالرغم من أن معظمهم ضباط في وزارة الداخلية، ومن المفترض أن يكونوا تابعين لوزير الداخلية.

 والأمر ذاته بالنسبة لعناصر الشرطة المفرزين إلى شعبة الأمن السياسي، حيث يتم فرزهم إلى فروع الشعبة من قبل رئيس شعبة الأمن السياسي ([13])، وكذلك فإن عقوباتهم من قبل رئيس الشعبة دون مصادقة وزارة الداخلية. وفي الحقيقة فإن شعبة الأمن السياسي هي من تراقب فعلياً وزارة الداخلية ابتداءً من وزير الداخلية وحتى أصغر عنصر فيها، ومن أكبر الوحدات الشرطية إلى أصغر وحدة شرطية. وهي من تقوم بتقييم أداء الوزارة ووحداتها وتقييم الضباط وصف الضباط والأفراد. كما يحق للشعبة من خلال فرع أمن الشرطة المركزي وأقسام أمن الشرطة التابعين لفروع الأمن السياسي في المحافظات استدعاء من يشاؤون من ضباط وصف ضباط وعناصر الشرطة والتحقيق معهم وتوقيفهم في حال وجود ما يستوجب ذلك من ناحية الفساد أو الاشتباه بالفساد أو بتهمة التديّن ومناهضة النظام ([14]). الأمر الذي يؤدي إلى توليد مشكلات دائمة ما بين رئيس شعبة الأمن السياسي ووزير الداخلية والتي تؤثّر سلباً على عمل الجهتين.

  • اشتراط الانتساب البعثي: ويتمثل بانتقاء منتسبي الوزارة من المنتمين إلى حزب البعث الحاكم حصراً)[15](، إذ لا يجوز أن ينتسب للوزارة إلا من هو بعثيّ، حيث نصت المادة (40) من النظام الداخلي للشرطة على أنه "يُحظر على عسكريي الشرطة الانتماء إلى الأحزاب والهيئات والجمعيات والمنظمات السياسية غير حزب البعث العربي الاشتراكي، كما يُحظر عليهم إبداء الآراء السياسية والحزبية الموجهة ضد مبادئ حزب البعث".
  • الغربة عن المجتمع المحلي: وغياب العلاقات الودية بين جهاز الشرطة والمجتمع المحلي، وذلك نتيجة قوانين وزارة الداخلية التي تحظر على عسكريي الشرطة إبداء الآراء المذهبية والنقاش حولها، كما تحظر عليهم الترشيح لعضوية المجالس على اختلاف أنواعها وتسمياتها أو القيام برعاية الدعايات الانتخابية أو الانتساب إلى الجمعيات أو الأندية أو قبول عضويه مجلس إدارتها أو أي منصب آخر، إلّا بموافقه وزير الداخلية أو من يفوّضه. كما يحظر على عسكريي الشرطة نشر المقالات والمؤلفات خارج نطاق الشرطة أو الاتصال بمكاتب الأخبار ووسائل الإعلام على اختلافها أو الإفصاح بآراء أو بيانات لها إلّا في حدود التعليمات الناظمة لذلك.
  • تعقيد الهيكل التنظيمي: بشكل كبير، حيث تتشعب فيه الإدارات التابعة للوزارة وتتداخل اختصاصاتها بعض الأحيان بشكل يزيد البيروقراطية ويفتح الباب أمام الفساد الإداري، وقد تم في عام 2012 إعداد مشروع وحيد بغية دمج إدارة القضايا والملاحقات المسلكية وإدارة التفتيش، وذلك لوجود ازدواجية أحياناً في العمل، ولكن بقي هذا المشروع بدون تنفيذ حتى هذا التاريخ.
  • تفشي الفساد: والمتمثل بالرشوة والاختلاس وإساءة استعمال الوظيفة بين معظم منتسبي الشرطة في سورية ([16])، ونظرة المجتمع إليهم أنهم مجموعة من اللصوص يحميها القانون.
  1. مستوى الكادر البشري

تعاني وزارة الداخلية مشكلات عدة على مستوى الكادر البشري العامل، من حيث العدد والكفاءة، الأمر الذي يؤثر سلباً على وظائف الجهاز وأداء رجاله، وتتوزع أبرز تلك المشكلات، وفقاً لما يلي ([17]):

  • نقص الكوادر البشرية ([18]): الأمر الذي أثر بشكل كبير على عمل جهاز قوى الأمن الداخلي، ولا سيما أن قوى الأمن الداخلي تعمل على مدار 24 ساعة لتغطي 14 محافظة تتضمن بحدود 65 منطقة و281 ناحية وبحدود 1000 مخفر ومركز، إضافة إلى الفروع والأقسام التي تتجاوز 150، يُضاف لهم الإدارات والفروع المركزية وغيرها من الوحدات الإدارية التي تحتاج إلى موجود بشري كبير مؤهل ومدرب، وهذا ما تفتقره الوحدات الشرطية، التي قد يصل تعداد موجودها إلى 4 أو 5 عناصر للفئة فقط.
  • ضباط الكلية الحربية ([19]): وفرز أعداد كبيرة منهم إلى وزارة الداخلية، ممن لا يحملون سوى الشهادة الثانوية، ما أدى إلى تراجع كبير في تكوين الخبرات القانونية اللازمة لسير العمل، وعلى الرغم من تسريح عدد كبير منهم؛ إلا أن الأمر انعكس بشكل سلبي على كافة وحدات قوى الأمن الداخلي، ولا سيما تلك التي يتولاها ضباط من الحربية.
  • افتقار إلى الكوادر الاختصاصية: ولا سيما في التخصصات العلمية والتكنولوجية التي أصبحت الحاجة إليها كبيرة وملحّة، وذلك نتيجة لقصور في القوانين التي تمنح لخريجي كلية الحقوق والطب البشري فقط حق الانتساب إلى قوى الأمن الداخلي ([20]).
  • محسوبيات التنسيب ونقص التدريب: وتتمثل بعدم اختيار منتسبي وزارة الداخلية بالشكل الأمثل من حيث توفر الشروط الواجب أن تكون موجودة برجل الشرطة، والمتعلقة بالدرجة العلمية والمعرفة والثقافة العامة وحسن السيرة والسلوك، بالإضافة لشروط أخرى تتعلق بقوة الشخصية واللياقة البدنية، وذلك نتيجة للفساد والمحسوبيات داخل الوزارة. كما لا يتلقى ضباط وصف ضباط وزارة الداخلية القدر الكافي من التدريب والتأهيل قبل انخراطهم الفعلي في العمل، حيث لا تتجاوز مدة تدريب الضباط عاماً واحداً، وصف الضباط ثمانية أشهر، وقد تم بعد اندلاع الثورة السورية اختزال تلك المدة بالنسبة للضباط وصف الضباط بشكل كبير، وذلك لتعويض النقص الحاصل في الأعداد نتيجة الانشقاقات.
  • الطائفية في المفاصل: تعتبر وزارة الداخلية قياساً بباقي الأجهزة الأمنية أقلها اعتماداً على الطائفية في انتقاء منتسبيها من صف الضباط والأفراد، وذلك نتيجة العدد الكبير للمنتسبين من ناحية، وتركيز النظام على تنسيب أبناء الطائفة العلوية إلى الجيش والأجهزة الأمنية كونها الحامي الرئيسي للنظام من ناحية أخرى. ولكن هذا لا ينفي وجود الطائفية في مفاصل وزارة الداخلية، فعند انتقاء عناصر الشرطة المفرزين إلى شعبة الأمن السياسي غالباً ما يتم انتقائهم على أسس طائفية من أبناء الطائفة العلوية، باعتبار أن شعبة الأمن السياسي من الأجهزة الأمنية التي تعتبر الحامي للنظام، أما أبناء الطائفة العلوية الذين يبقون في وزارة الداخلية فيتم فرزهم إلى وظائف مهمة تدر عليهم أموال عبر الفساد، مثل المرور والهجرة والجوازات، وغالباً لا يتم استخدامهم في أقسام أو وحدات إدارية ليس لها علاقة بالمواطنين، وذلك كون هذه الوحدات ليس فيها وسائل للكسب الغير مشروع. ويشار إلى أنه بعد العام 2011 ازدادت الطائفية في التنسيب وقبول المتقدمين للوزارة، وذلك لتغطية الفراغ الذي أحدثه الحجم الكبير للانشقاقات ضمن صفوف الداخليّة، والذي بلغ ثلث الوزارة تقريباً.
  • تدهور العلاقة مع القضاء: ويتمثل بدايةً بانخفاض الروح المعنوية والشعور بالضعف لدى عناصر قوى الأمن الداخلي، والناجم بالدرجة الأولى عن المواقف التي يتعرضون لها عند مثولهم أمام القضاء العادي في جرائم متعلقة بالوظيفة أو بسببها، وهو ما أدى إلى تفاقم هذه المشكلة. ونتيجة لذلك تم إصدار مرسوم يقضي بإخضاعهم للقضاء العسكري في الجرائم الناجمة عن الوظيفة أو بسببها، ولكنه لم يحلّ المشكلة، فالقضاء العسكري لم يكن أقدر من القضاء المدني على تفهم ومعالجة هذه القضايا بل غالباً ما يميل إلى التعسف في استخدام سلطاته من أجل إذلال عناصر الشرطة، وإظهار سلطته دون النظر إلى أهمية رفع الروح المعنوية لرجال قوى الأمن الداخلي. الأمر الذي يشير إلى تدهور العلاقة بين مؤسّستي القضاء والشرطة.
  1. مستوى الموارد المادية واللوجستية

إضافة إلى الإشكاليات السابقة، تعاني وزارة الداخلية في سورية من إشكاليات حقيقية على مستوى الموارد المادية والتجهيزات اللوجستية، والتي تعتبر من العوامل الرئيسية لنجاح الوزارة في أداء مهامها، وتتوزع أبرز تلك الإشكاليات، وفقاً لما يلي ([21]):

  • ضعف الموارد المادية: حيث يلاحظ ذلك في تجهيزات الوحدات الشرطية، ونقص الآليات الجيّدة من حيث الكم والنوع، فهي قليلة وقديمة، وغالباً ما يلجأ عناصر الشرطة إلى سيارات الأُجرة لتنفيذ مهامهم، كما أن الأبنية قديمة وكثير منها مستأجرة وغير صالحة كي تكون وحدات شرطية.
  • ضعف الإمكانيات التقنية: ولا سيّما وسائل الاتصال وأجهزة الحاسوب ووسائل الأرشفة وتقنيات مسرح الجريمة والمخابر، الأمر الذي لا ينسجم مع ضرورات رفع مستويات الكفاءة لأجهزة الأمن كي تتمكن من مجابهة الجريمة المتطورة.
  • بدائية أساليب التحقيق: عدم مواكبة وزارة الداخلية للتطور الحاصل في عمل الشرطة بباقي البلدان والاعتماد على الأساليب البدائية في تنفيذ المهام، وبخاصة الضرب والتعذيب، مما أدى لزيادة الشرخ بين مؤسسة الشرطة والمجتمع.
  • تدني أجور العمل: والمتمثل بضعف الرواتب وساعات العمل الطويلة، والناتج عن ضعف ميزانية وزارة الداخلية بشكل عام قياساً بالميزانية الممنوحة للأجهزة الأمنية في سورية. مما أدى الشعور بالغبن وعدم الرضى من قبل عناصر قوى الأمن الداخلي، زاده فرز المنتسبين إلى خارج مناطقهم ومحافظاتهم ([22]).

خاتمة

يظهر من خلال الدراسة عمق وتشابك المشكلات التي تعتري وزارة الداخلية السورية، ولكن بالمقابل فإن تفكيك تلك المشكلات وتصنيفها يُشير  إلى أنها ليست عصية على الحل، وإنما تحتاج إلى دراسة معمقة واستنارة بتجارب دول لها ذات البنية الأمنية لسورية وعاشت فترة تحول ديمقراطي، وذلك للوصول إلى خطة إعادة هيكلة شاملة للوزارة، تبدأ من تصحيح البنيّة التشريعيّة لإعادة الصلاحيات التي سلبت من الوزارة ومنحت للأجهزة الأمنية، وتحويل الوزارة إلى مؤسسة داعمة للديمقراطية عبر تعيين وزير مدني وإعادة منصب قائد قوى الأمن الداخلي واختياره من ضباط الشرطة وليس الجيش.

 بالإضافة إلى إصلاح العلاقة وتوضيحها بين جهاز الشرطة والجهاز القضائي وتفعيل مؤسسات الرقابة على عمل الشرطة عبر اللجان البرلمانية. كما أن أي عملية إعادة هيكلة لابد أن تركز على الإصلاح الإداري وتخفيف البيروقراطية التي تعيق عمل الوزارة، ورفع الظلم عن منتسبي جهاز الشرطة لناحية الرواتب والمكافآت، إضافة إلى ساعات العمل وقانون الترفيع والتقاعد، وهذا ما سيشكل مقدمة لمكافحة الفساد داخل الوزارة.

 وهذا سيتطلب إعادة النظر في الميزانية المخصصة للوزارة وزيادتها عبر تقليص ميزانية الأفرع الأمنية، مما سيتيح تحديث موارد الوزارة اللوجستية من آليات ووسائل تقنية حديثة تساهم في رفع كفاءة جهاز الشرطة، ناهيك عن القدرة على رفع أعداد المنتسبين لسد النقص بشكل يسمح ببسط الأمن على كامل الجغرافية السورية. ومن المهم جداً أن تُربط خطة إعادة هيكلة وزارة الداخلية بملف العدالة الانتقالية كمقدمة لإصلاح العلاقة بين أجهزة الوزارة والمواطنين، وذلك عبر محاسبة الضباط المتورطين في أعمال القتل والتعذيب والفساد خلال الثورة السورية، وإعادة الضباط وصف الضباط والأفراد المنشقين عن الوزارة رفضاً للتورط في أعمال القتل، والذين تبلغ نسبتهم ما يقارب ثلث منتسبي الوزارة.

رابعاً: ملاحق الدراسة

تنقسم ملاحق الدراسة إلى ملحقين رئيسيين، يوضح الأول: مهام وصلاحيات قائد قوى الأمن الداخلي في سورية، فيما يشرح الملحق الثاني عبر الأشكال التوضيحية: الخارطة التنظيمية لوزارة الداخلية السورية بإداراتها وأقسامها وفروعها وشعبها المختلفة ([23]):

الملحق رقم (1): مهام وصلاحيات قائد قوى الأمن الداخلي

بما أن قيادة قوى الأمن الداخلي مرتبطة بوزير الداخلية؛ فتشكيل الشرطة وإدارة شؤونها وتنفيذ جميع أقسام خدماتها بطريقة نظامية من اختصاص الوزير ضمن حدود النصوص النافذة (المرسوم التشريعي رقم 77 لعام 1947 وتعديلاته مع القانون رقم 14 لعام 1958 وتعديلاته، والمرسوم التشريعي رقم 67 لعام 1965، والمرسوم التشريعي رقم 142 لعام 1966، والمرسوم التشريعي رقم 196 لعام 1962 المعدل بالمرسوم التشريعي رقم 101 لعام 1963)، وقد صدر قرار وزير الداخلية رقم 848 تاريخ 1965/05/31 المتضمن صلاحيات واختصاصات قائد قوى الأمن الداخلي وهي:

  1. يمارس سلطة فعلية على جميع هيئات وشعب وإدارات ووحدات قوى الأمن الداخلي، ويعالج أمور قوى الأمن الداخلي من خلال هذه الهيئات والشعب، وكذلك الإدارات المرتبطة به بما يصدره عنها من أوامر وتعليمات.
  2. يتلقى البرقيات والتقارير الشفوية والخطية المتعلقة بالأمن السياسي والجنائي، ويأمر باتخاذ تدابير حفظ الأمن وتنسيق العمل بين مختلف الأجهزة والوحدات.
  3. يتدارس مع مختلف الأجهزة الأخرى المختصة بقضايا الأمن، وينسق أو ينفذ أو يأمر باتخاذ تدابير حفظ الأمن وتنسيق العمل بين مختلف الأجهزة والوحدات.
  4. يحدث ويلغي الأقسام والفروع والفرق والمخافر والمكاتب والورشات الدائمة، ومراكز الإشارة اللاسلكية والسلكية، والدورات وفقاً للحاجة وبموافقة وزير الداخلية.
  5. يصدر التعليمات الناظمة لسير العمل في مختلف وحدات السلك، ويحدد اختصاصاتها.
  6. يصدر بلاغات المنع لمقتضيات الأمن في حدود القوانين النافذة.
  7. يصدر التعليمات المتعلقة بإدارة العمليات الناظمة لحفظ الأمن، ويأمر بتحريك القوى وفقاً للحاجة.
  8. يقترح تعيين الضباط ونقلهم وترفيعهم وإنهاء خدماتهم وندبهم وإعارتهم ووضعهم خارج الملاك وإحالتهم إلى المجالس الانضباطية والقضاء.
  9. يُصادق على عقوبات الضباط وموظفي الأمن العام على اختلاف أنواعها في حدود صلاحياته، ويُصادق ويعلن نتائج فحوصهم النهائية، ويُقرر افتتاح المدارس والدورات.
  10. يقرر قبول وتعيين الشرطيين وموظفي الأمن العام، كما يقرر إعادتهم للسلك وفقاً للأنظمة.
  11. يأمر بتبديل الصنف لصف الضباط والأفراد.
  12. يبت أو يقترح ترفيع صف ضباط وأفراد الشرطة وموظفي الأمن العام والموظفين غير الإجرائيين وطي أسمائهم من جداول التبشير، ونقلهم وقبول احترافهم وإنهاء خدماتهم وفق القوانين والأنظمة السارية المفعول.
  13. يبت في أضابير التحقيق المسلكية التي لا يدخل أمر البت فيها في صلاحيات رئيس أركان قوى الأمن، ويُصادق أو يلغي أو يعدل آراء المجالس الانضباطية بالنسبة لصف الضباط والأفراد، ويأمر بتنفيذ قرارات المجالس التأديبية، ويصدر التعليمات الناظمة لأصول التحقيق المسلكي ويحدّد الحالات التي يجب أن تجري فيها تحقيقات مسلكية، وتلك التي يكتفي بتنظيم تقرير بشأنها.
  14. يُثني على جميع عناصر قوى الأمن.
  15. يمنح الأذون الإدارية والاستثنائية والصحية والمتراكمة للضباط وفق الأنظمة والتعليمات السارية المفعول.
  16. يبت في إلغاء العقوبات وتعديلها وعقوبات حسم الراتب بالنسبة لجميع عناصر قوى الأمن.
  17. يصادق على ملاكات وحدات قوى الأمن وملاكات تسليحها.
  18. يعتمد أسماء عناصر البعثات على اختلاف أنواعها، ويحدد اختصاصاتها والجهات الموفدة إليها.
  19. يقترح الأوسمة على اختلاف أنواعها ودرجاتها لجميع عناصر قوى الأمن الداخلي، كما يقترح تبديل شهادات الخدمة.
  20. يأمر بعقد النفقة والتصفية والصرف لموازنة قوى الأمن، ويفوض غيره بذلك عند الاقتضاء.
  21. يصدر أوامر توزيع اعتمادات الموازنة على الوحدات المركزية والمحافظات.
  22. يصدر قرارات تنفيذ الأشغال بالأمانة في المركز، ويصادق عقود الأشغال التي تجاوز تكاليفها 10000 ليرة سورية، كما يصادق على العقود على اختلاف أنواعها كالمناقصات والعقود بالتراضي.
  23. يقرر منح المكافآت والإكراميات المالية لرجال السلك.
  24. يصدر أوامر قبول الرواحل ومنح سلف شرائها ويقرر شراء الرواحل التي تعود ملكيّتها للدولة، ويحدد مجالات استخدامها ويحيل على البطالة من لا يتدارك راحلة ضمن المدة القانونية من العسكريين الخيالة.
  25. يقرر صرف المبالغ للمخبرين الذين يأمر بتعيينهم، كما يصدر تعليمات صرفها للمخبرين المكتومين في المركز والمحافظات.
  26. يمثل قوى الأمن في خصوماتها، وله أن يفوض غيره بذلك عند الاقتضاء.
  27. يقرر شراء وتوزيع الآليات على وحدات قوى الأمن الداخلي.
  28. يصدر أوامر توزيع سلف المساكن.
  29. يرأس لجنه الموازنة المؤلفة من رئيس الأركان ورؤساء هيئات التفتيش – الشؤون الإدارية والمالية – الذاتية والتنظيم – الشؤون الفنية -رئيس إدارة المحاسبة عضواً ومقرراً، وممن يرى قائد قوى الأمن ضرورة لإشراكهم من رؤساء الهيئات والشعب والإدارات. وتتولّى هذه اللجنة دراسة واعتماد الموازنة، وتقدير حاجات السلك من شتى المواد سنوياً ومرحلياً، ودراسة المخططات والتصاميم المتعلقة بإنشاءات أبنية قوى الأمن والبت بأمرها.
  30. ينظر فيما يراه هاماً من الأمور الإدارية والمالية، ويعطي توجيهات حيالها ويعالجها مع الجهات والمراجع المختصة.
  31. يتولى التخطيط العام للتوجيه القومي في مجالات قوى الأمن، ويصدر أو يعتمد النشرات الدورية والمواد التدريسية المتعلقة بذلك.
  32. يقرر قبول الهبات والهدايا.
  33. يرأس مجلس إدارة قوى الأمن الداخلي ويصدر قرارات المجلس.
  34. يمارس هو أو من يفوضه الصلاحيات والاختصاصات المخولة له بموجب القوانين النافذة.
  35. ينتدب العدد اللازم من ضباط قوى الأمن الداخلي للقيام بأعمال التدريس ويتفرغون لهذا الواجب، ويحدد ارتباطهم بأوامر تصدر عن قياده قوى الأمن الداخلي.


المُلحق رقم (2): الخارطة التنظيمية لوزارة الداخلية السورية

 

الشكل رقم (1): يوضح هيكلية وزارة الداخلية السورية بمستوياتها الإدارية وأقسامها وأفرعها المختلفة.

 

قيادات الشرطة في المحافظات: وتتبع لوزارة الداخلية وتمثلها على مستوى المحافظة، وتتكون من:

 

الشكل رقم (2): يوضح هيكلية قيادة شرطة المحافظة بأقسامها ومديرياتها وأفرعها.


 ([1]) "التشريعات والقوانين الناظمة لعمل وزارة الداخلية"، تقرير غير منشور صادر عن وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية.

([2]) المرجع السابق. 

 ([3]) للاطلاع على تفاصيل القانون، يرجى مراجعة الرابط التالي: https://bit.ly/2QukH9t

([4]) تم تلخيص تلك العوامل من خلال مجموعة مقابلات ميدانية أجراها الباحث مع عدد من ضباط وزارة الداخلية المنشقين عن إدارات وفروع (الهجرة والجوازات، مكافحة المخدرات، مكتب الدراسات والأبحاث)، وقد تمت المقابلات على فترات متقطعة خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2018. حيث أضافوا إلى العوامل السابقة؛ موجات الهجرة من الجزيرة السورية إثر جفاف نهر الخابور بعد العام 2005، إضافة إلى دخول عدد كبير من الأجانب إلى سورية بعد العام 2003، وتحديداً العراقيين الذين بلغ عددهم في تلك الفترة مليون وثمان مائة ألف نسمة، مقابل تساهل الوزارة معهم فيما يتعلق بالثبوتيات الشخصية.

([5]) للاطلاع بشكل تفصيلي على الخارطة التنظيمية لوزارة الداخلية السورية بأجهزتها وإدارتها المختلفة وتراتبية ومستويات القرار فيها، راجع الملحق رقم (2).

([6]) اتصال هاتفي أجراه مدير وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية مع مقدم منشق عن وزارة الداخلية السورية، عمل في المكاتب الإدارية ضمن الوزارة، الاتصال بتاريخ: 5تشرين الأول/أكتوبر 2018.

([7]) وزارة الداخلية في الجمهورية العربية السورية: الهيكل والمهام والصلاحيات، تقرير غير منشور صادر عن وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات.

([8]) وزارة الداخلية في الجمهورية العربية السورية: الهيكل والمهام والصلاحيات، مرجع سبق ذكره.

([9]) المرجع السابق.

([10]) تم استخلاص هذه النتائج وبلورتها من خلال جلسة تركيز مطولة، تحت عنوان: "إشكاليات وزارة الداخلية ومعوقات العمل"، عقدتها وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية مع مجموعة من ضباط الشرطة المنشقين عن وزارة الداخلية السورية، ضمن مقر مركز عمران في مدينة إسطنبول، بتاريخ: 12-13 تشرين الثاني/نوفمبر 2018.

([11]) قائد قوى الأمن الداخلي كان يحوز على معظم مهام وزارة الداخلية بشكل فعلي وكان حينها رجل الأمن الأول في سورية، أما منصب وزير الداخلية فكان منصب سياسي، ولم تكن الأجهزة الأمنية الموجودة حالياً في سورية تتمتّع بالسطوة التي عليها الآن وبعضها لم يكن موجود أصلاً في تلك الفترة. وكانت تسيطر وزارة الداخلية في تلك الفترة على اختصاصات الأمن في البلاد. وكان منصب قائد قوى الأمن الداخلي يتولاه شخصيات وطنية مشهود لها بالثقافة المسلكية والنزاهة والكفاءة وكان ضابطاً من أبناء السلك ممن تدرجوا في المناصب الوظيفية العاملة بوزارة الداخلية وممن يتمتعون بقوة الشخصية، وكان الهم الأول لمن يتولون هذا المنصب تحقيق الأمن والاستقرار والطمأنينة في عموم البلاد. وما إن تولى حافظ الأسد الحكم في سورية في عام 1970 حتى أصدر المرسوم التشريعي رقم 1623 لعام 1970 القاضي بإعادة هيكله وزارة الداخلية وإلغاء منصب قائد قوى الأمن الداخلي وإحداث منصبي معاوني وزير الداخلية.

([12]) مقابلة ميدانية أجراها مدير وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية مع ضابط منشق عن شعبة الأمن السياسي في وزارة الداخلية السورية، ضمن مقر مركز عمران في مدينة إسطنبول، بتاريخ 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2018.

([13]) كما تقوم شعبة الأمن السياسي بعملية انتقاء ضباط وصف ضباط وعناصر، وهم خلال خدمتهم في الدورة، بشكل يخالف فرز الدورات عبر الوزارة.

([14]) وتقوم شعبة الأمن السياسي باستدعاء ضباط الوزارة للتحقيق معهم وتوقيفهم ومحاسبتهم دون إذن الجهة المسؤولة عنهم، وذلك خلافاً لقوانين الوزارة وتعميماتها، فيما يخص المثول أمام جهة أمنية إلا بعد موافقة قائد الشرطة أو مدير الإدارة، حسب تابعية الشخص.

([15]) لا يُقبل في جهاز الشرطة أي عناصر ينتمون إلى أحزاب أخرى غير حزب البعث الحاكم، وقد يتم قبول عسكريين حياديين لا ينتمون إلى أي أحزاب أخرى ولكن عددهم قليل جدّاً. هذا فيما يتعلّق بصف الضباط والأفراد، ولكن بمجرّد التطوّع بجهاز الشرطة يتم العمل على تنسيبهم لحزب البعث الحاكم ومن لا يقبل بذلك يتم فرزهم إلى أعمال إدارية في مناطق نائية، أما بالنسبة للضباط الذين يرغبون في التطوع في وزارة الداخلية فيجب أن يكون بعثيين حتى يتم قبول تطوعهم. ويوجد في وزارة الداخلية فرع لحزب البعث خاص بقوى الأمن الداخلي، يرأسه إما وزير الداخلية أو رئيس شعبة الأمن السياسي (الأقدم رتبة)، ويوجد في كل قيادة شرطة شعبة للحزب تنقسم إلى فرق حزبية، حسب تعداد العناصر في الوحدات الشرطية، ويتم عقد اجتماعات الحلقات الحزبية في مقرات الوحدات الشرطية.

([16]) لم يجري في سورية أي حملة لمكافح الفساد على مستوى وزارة الداخلية وشعبة الأمن السياسي بشكل منهجي ومدروس؛ وإنما كان هناك ردود أفعال على شكاوى معيّنة، أو تصفية حسابات ما بين الوزير السابق واللاحق ورئيس شعبة الأمن السياسي السابق واللاحق أيضاً، فكان يتم إبّان فترة حكم بشار الأسد بين فترة وأخرى تسريح وإنهاء خدمة عدد من الضباط، بعضهم لأسباب حقيقية ونتيجة دورهم بالفساد وآخرين بدون مبرّر، وذلك نتيجة لتصفية حسابات قديمة، أو لتديّنهم ،أو تقييماتهم الأمنية، وأحياناً لارتكاب مخالفات لا تستوجب الطرد والتسريح وإنهاء الخدمة.

([17]) تم استخلاص هذه النتائج وبلورتها من خلال جلسة تركيز مطولة، تحت عنوان: "إشكاليات وزارة الداخلية ومعوقات العمل"، عقدتها وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية مع مجموعة من ضباط الشرطة المنشقين عن وزارة الداخلية السورية، ضمن مقر مركز عمران في مدينة إسطنبول، بتاريخ: 12-13 تشرين الثاني/نوفمبر 2018.

([18]) يوجد في وزارة الداخلية بشكل عام، والوحدات الشرطية التابعة لها في المحافظات السورية ما يسمى بالملاك النظري والموجود الفعلي.

  • الملاك النظري: هو عدد الضباط وصف الضباط والأفراد والسائقين الذين يجب أن يكونوا على ملاك الوحدة الشرطية، حسب أمر إحداث هذه الوحدة.
  • الموجود الفعلي: وهو عدد الضباط وصف الضباط والأفراد والسائقين الموجودين فعلياً في الوحدات الشرطية، وهو ما يكون غالباً أقل بكثير من الملاك النظري.

([19]) منذ مجيء بشار الأسد للسلطة في عام 2000 كان متحاملاً على وزارة الداخلية؛ بسبب إيمانه وقناعته أن هذه الوزارة ليست كباقي الأجهزة الأمنية في ولائها له ولوالده من قبله وباعتبارها الحلقة الأضعف قياساً بباقي الاجهزة الأمنية، فعلى الرغم من أن وزارة الداخلية تعتبر وحدة من وحدات الجيش والقوات المسلحة؛ إلّا أنه لم يمنحها أي ميزة من ميزات الجيش فيما يتعلق بالتعويضات والمكافآت وتعويض نهاية الخدمة، والسيارات التي يحصل عليها ضباط الجيش المعفاة من الجمارك في نهاية الخدمة. كما سار بشار الأسد على نهج والده في تعيين وزير الداخلية من خارج جهاز الشرطة؛ فإما أن يكون تعيينه من المدنيين (مثال ذلك: محمد حربا) في فترة الأسد الأب، أو من ضباط المخابرات العسكرية في فترة الأسد الابن (اللواء علي حمود – اللواء سعيد سمور واللواء محمد الشعار) وجميعهم ضباط مخابرات عسكرية، وحتى رؤساء شعبة الأمن السياسي فقد كانوا من الجيش والأمن العسكري (اللواء عدنان بدر حسن هو ضابط جيش، اللواء غازي كنعان واللواء محمد منصورة واللواء محمد ديب زيتون) فهم ضباط مخابرات عسكرية، (اللواء نزيه حسون هو ضابط مخابرات عامة، وأخيراً اللواء محمد رحمون فهو  ضابط مخابرات جوية)، حيث لم يتم في عهد الأسدين الوثوق بضباط الشرطة في تعيينهم كوزراء داخلية أو رؤساء شعبة الأمن السياسي.

([20]) تقوم الوزارة أحياناً بقبول صف ضباط من حملة المعاهد التجارية والمعلوماتية، ضمن اختصاصات المحاسبة والمالية وغيرها، إضافة إلى خريجي معاهد التمريض الذين يتم فرزهم إلى مشافي الشرطة، مقابل التعاقد مع مهندسين ضمن بعض الفروع والإدارات، مثل إدارة المركبات.

([21]) تم استخلاص هذه النتائج وبلورتها من خلال جلسة تركيز مطولة، تحت عنوان: "إشكاليات وزارة الداخلية ومعوقات العمل"، عقدتها وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية مع مجموعة من ضباط الشرطة المنشقين عن وزارة الداخلية السورية، ضمن مقر مركز عمران في مدينة إسطنبول، بتاريخ: 12-13 تشرين الثاني/نوفمبر 2018.

([22]) يعاني صف ضباط وأفراد وزارة الداخلية من ضعف رواتبهم وأجورهم قياساً بباقي موظفي الدولة، وذلك كونهم لا يتبعون لقانون العاملين الأساسي في الدولة، وإنما لقانون الموظفين رقم 135 لعام 1945 وتعديلاته، حيث أنّ أساس راتب هؤلاء العسكريين متدني، بالإضافة إلى أن عناصر الشرطة يخضعون لنظام الاحتراف الذي قد تبلغ مدته تسعة سنوات، وبالتالي لا ينالون درجات الترفيع إلّا بعد انقضاء هذه الفترة حيث يحصلون على درجات الترفيع بمعدل كل سنتين، ولكون خدمة الشرطي وصف الضابط محددة بالقانون حتى سن الخمسين عام فنصف خدمتهم تقريباً تكون دون زيادة في الراتب، وهذا يعتبر أحد أسباب تفشّي الفساد في وزارة الداخلية.

([23]) وزارة الداخلية في الجمهورية العربية السورية: الهيكل والمهام والصلاحيات"، تقرير غير منشور صادر عن وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات.

التصنيف الدراسات

عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ندوة تعريفية لإشهار كتابه السنوي الرابع الذي جاء تحت عنوان "حول المركزية واللامركزية في سورية: بين النظرية والتطبيق". وذلك في مدينة كركخان التابعة لولاية هاتاي التركية بتاريخ 19 كانون الأول 2018.

وقد تم استعراض موجز لمحتويات الكتاب ومضامينه، وتناول أهم الأفكار والآراء الواردة فيه من قبل المؤلفين لجمع من الشخصيات والفعاليات المهتمة بقضايا الحوكمة والشأن السوري العام. وقد لاقى الكتاب اهتماماً كبيراً من قبل الحضور نظراً لأهمية موضوعه في مستقبل الدولة السورية، ومحتواه الثري الذي ربط بين الأطر النظرية للامركزية بمختلف أشكالها ومدى إمكانية تطبيقها على الواقع السوري. إلى جانب عرضه لتجارب الدول السابقة الخارجة من الصراعات في هذا الصدد، وإبرازه كذلك لواقع التجارب الحوكمية الحالية في المناطق السورية وبيان أهم التحديات التي تواجهها.  

التصنيف الفعاليات
الإثنين تموز/يوليو 22
المُلخَّص التنفيذي: قسَّمت الدراسة مبناها المنهجي وسياقها المعلوماتي والتحليلي إلى فصول ثلاثة، مثّل الفصل الأول منها: مدخلاً ومراجعة لتاريخ القبائل والعشائر في الجغرافية السورية بشكل عام وفي محافظتي حلب وإدلب…
نُشرت في  الكتب 
الأربعاء آب/أغسطس 23
يأتي نشر هذا الكتاب في وقت عصيب على سورية، خاصة في أعقاب الكارثة الطبيعية التي حلت بالبلاد، إضافة إلى الزلازل السياسية التي شهدها الشعب السوري منذ بداية الثورة السورية عام…
نُشرت في  الكتب 
الخميس نيسان/أبريل 29
الملخص التنفيذي مع تراجع سُلطة الدولة المركزية لصالح صعود تشكيلات دون دولتية، منها ذات طابع قومي وديني؛ برزت نماذج مختلفة من أنماط الحكم المحلي في الجغرافية السورية، والتي تأثرت بالخارطة…
نُشرت في  الكتب 
يرى المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف، في تصريح صحفي لجريدة عنب…
الثلاثاء نيسان/أبريل 02
شارك الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية الأستاذ سامر الأحمد ضمن برنامج صباح سوريا الذي…
الأربعاء تشرين2/نوفمبر 29
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في فعاليات المنتدى الاقتصادي الخليجي…
الجمعة تشرين2/نوفمبر 24
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في رؤية تحليلية للحرب على…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 20