يحاول تقرير التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق المعارضة في مدن وبلدات "درع الفرات"، و"عفرين"، ومحافظة إدلب استكمال ما بدأه منذ النصف الثاني لعام 2018 عبر رصد نشاطات الفاعلين من مجالس محلية ومنظمات خلال النصف الثاني لعام 2021 بين تموز وكانون الأول. ويهدف التقرير لتشخيص وفهم ما يلي:
وتتشكل أهمية هذا التقرير من قدرته على تشخيص حركة الانجاز في المشاريع الاقتصادية والتنموية المنفّذة بعموم المناطق التي يتم رصدها وتقييم الإيجابيات والسلبيات، مما يشكل دافعاً وإسهاماً لصنّاع القرار والفواعل لتوجيه الدعم وسد الثغرات في القطاعات الاقتصادية.
ركّز التقرير خلال عملية الرصد على المدن الرئيسية والبلدات المبين في الجدول رقم (2) التي شهدت نشاطاً اقتصادياً ملحوظاً، ووفقاً للتصنيف الصناعي المعياري الدولي، كما تم الاعتماد على المعرّفات الرسمية للمجالس المحلية والمنظّمات العاملة على "فيس بوك" و"تليغرام" وتسجيل نشاطاتها وتقاريرها الدورية الموضّحة بالجدول رقم (1)، وفق معادلة رصد مضبوطة تؤمّن القدرة على تحليل البيانات وفق مستويين، المستوى الأول مستوى القطاعات الاقتصادية، والثاني وفقاً للمستوى الجغرافي.
يوضّح الجدول أدناه خارطة الفواعل التي يرصد التقرير أنشطتها التنموية والخدمية والاقتصادية
كما يظهر الجدول أدناه القطاعات ونوعية النشاطات/ القرارات المرصودة:
تم تنفيذ 766 مشروعاً ونشاطاً في مناطق المعارضة بالشمال، ريف حلب الشمالي والشرقي ومحافظة إدلب، بانخفاض عن النصف الأول بنسبة 11% أو بواقع 104 مشروعاً. وحسب الشكل رقم (1) ورقم (4) يوضحّان عدد ونسب المشاريع في المنطقة، وكانت ضمن قطاع النقل والمواصلات (193 مشروع) بنسبة 25% وقطاع التجارة (169 مشروع) بنسبة 22% وقطاع لمياه والصرف الصحي (123 مشروع) بنسبة 16% وقطاع النزوح الداخلي في المرتبة الرابعة بواقع (104 مشروع) وقطاع الزراعة والثروة الحيوانية (61 مشروع) وقطاع الإسكان والتعمير (60 مشروع).
وحافظت إدلب على تنفيذ النسبة الأكبر من المشاريع والنشاطات بواقع 55% (419 مشروع) مقارنة مع ريف حلب (347 مشروع) كما يظهر في الشكل رقم (2).
وبشكل أكثر تفصيلاً يُظهر الشكل رقم (3) توزع المشاريع على المناطق المرصودة؛ حيث حلّت مدينة إدلب في المرتبة الأولى (125 مشاريع) في المؤشر للمرة الرابعة، وجاءت بعدها مدن الباب (85 مشروع) واعزاز (82 مشروع) وسرمدا (80 مشروع)، إضافة إلى مدن الدانا وعفرين وأخترين، ويعود تركز المشاريع في هذه المدن إلى عدة عوامل لعلّ أبرزها تركز عدد كبير من المخيمات فيها وبالتالي وجود معظم المنظمات والمحلية والأجنبية، واحتواءها على أسواق تجارية.
ومن بين أبرز القرارات والإعلانات التي تم اتخاذها والإعلان بها من قبل المجالس المحلية والمنظمات خلال هذه الفترة: عقد اجتماعات لعدة منظمات لوضع خطة لزراعة القمح وتنظيم زراعة وتصرف المحصول، وأطلق المجلس المحلي في مارع وصوران والراعي جمعية مزارعي البطاطا بالتعاون والتنسيق مع مؤسسة إكثار البذار، أما في إدلب فقد أعلن الاتحاد العام للفلاحين ومديرية زراعة إدلب أنها تتابع تشكيل الجمعيات الفلاحية في المدن والبلدات والقرى لتنظيم عمل الفلاحين وزراعاتهم وحل مشاكلهم العالقة، وأقر المجلس المحلي في مدينة الباب سعر الكيلو واط 88.8 قرش لخط الكهرباء المنزلي و1.15 لخط الكهرباء التجاري، كما تم تحديد سعر ربطة الخبز بليرتين تركيتين، وتم عقد مذكرتي تفاهم في الراعي واعزاز أحدهما لتعبيد الطرقات والأخرى لتقديم 50% من مادة الطحين للمجلس المحلي في الراعي لبيع ربطة الخبز للمواطن بسعر ليرة تركية، كما وفرت المنظمات والمجالس المحلية نحو 1862 فرصة عمل خلال الفترة المرصودة بزيادة 832 فرصة عن النصف السابق بنسبة 80%، معظمها عقود مؤقتة بين شهر و6 أشهر وسنة، وتركزت في القطاع الطبي من قبل منظمات "سيريا ريليف"، و"تكافل الشام"، و"المؤسسة الدولية للتنمية الاجتماعية" و"يداً بيد للاغاثة والتنمية" وغيرها.
استحوذ قطاع النقل والمواصلات على المرتبة الأولى ضمن مؤشر التعافي بواقع 193 مشروعاً، بارتفاع عن النصف السابق بـ52 مشروعاً، وحازت الدانا واعزاز وأخترين وعفرين على المراتب الأربعة الأولى بين المناطق التي تم رصدها كما يظهر في الشكل أدناه. ومن بين المشاريع المنفّذة استمرار رصف الطرقات الفرعية والساحات بحجر الانترلوك، وتعبيد الطرقات بالإسفلت بين اعزاز وكفركلبين، وكفركلبين وكلجبرين، والسلامة وشمارين، وشمارين وسجو وغيرها، وشهدت هذه الفترة أيضاً تأهيل العديد من الطرقات المؤدية إلى تجمعات المخيمات وربطها مع القرى المجاورة لسهولة نقل الخدمات إليها.
وتم تنفيذ 169 مشروعاً في قطاع التجارة جاءت إدلب في المرتبة الاولى بـ44 مشروعاً تلتها الباب واعزاز والدانا على التوالي، ولا تزال السمة الرئيسية في هذا القطاع هو إصدار المنظمات العاملة والمجالس المحلية مناقصات لتوريد أدوات طبية ووقود وقرطاسية وخدمات طباعة وطحين وتقديم عروض لاستئجار سيارات وسواها، ومن بين المنظمات التي تقدم مناقصات وتساعد على تنشيط هذا القطاع مؤسسة بناء للتنمية، ومنظمة بنيان، والرابطة الطبية للمغتربين، وجمعية عطاء وغيرها.
وفيما يتعلق بقطاع المياه والصرف الصحي تم تنفيذ 123 مشروعاً في المنطقة كما يُظهر الشكل أدناه، وتربّعت مدينة سرمدا على رأس القائمة بواقع 22 مشروعاً، تلتها مدينتي اعزاز (21 مشروع) وإدلب (14 مشروع)، ويعد هذا القطاع أحد القطاعات الحيوية ضمن مؤشر التعافي وساهم العمل عليه خلال الشهور الماضية في تحسن وضع البنية التحتية للمياه وطرق إيصالها للسكان والمخيمات، وأشارت إحصائية لوحدة تنسيق الدعم إلى طرق إيصال المياه في الشمال السوري في تشرين الأول 2021 وجاءت النسب: 89% بواسطة شبكة مياه و6% عبر الصهاريج و1% منهل.
وبالانتقال إلى قطاع النزوح الداخلي، انخفض عدد المشاريع في هذا القطاع عن النصف السابق بواقع 41 مشروعاً إذ تم تنفيذ 104 مشاريع خلال النصف الثاني من 2021 حيث نفّذ في سرمدا (24 مشروعاً) وأطمة (22 مشروعاً) وإدلب (19 مشروعاً)، نظراً إلى كثافة أعداد النازحين والمخيمات فيها، وشملت الأعمال تقديم خدمات البنية التحتية في المخيمات وترميم المنازل لتحسين الظروف المعيشية للنازحين القاطنين فيها، وأوردت نشرة لوحدة تنسيق الدعم أن 62% من الطرق ضمن المخيمات معبدة أو مرصوفة فيما لا تزال 38% تحتاج إلى رصف وتعبيد.
بالنسبة لقطاع الزراعة والثروة الحيوانية فقد تم تنفيذ 61 مشروعاً أقل بـثلاثة مشاريع عن النصف السابق، جاءت إدلب في المرتبة الأولى (18 مشروعاً) تلتها جرابلس (6 مشاريع) وقباسين وعفرين واعزاز (4 مشاريع) لكل منها، وتضمنت هذه الفترة دعم الفلاحين بالمواد الأساسية لدعم المحاصيل الزراعية، وتسليم قروض حسنة للمزارعين، ومتابعة حثيثة للمحصول من قبل المنظمات للتدخل في الأوقات المناسبة ومساعدة الفلاح على جني المحصول. وألقت المجالس المحلية الضوء أكثر على قطاع الزراعة من خلال دعم تأسيس جمعيات للمزارعين وتأسيس اتحاد عام لهم، واجتماع عدة منظمات في اعزاز لوضع خطة لزراعة القمح في المنطقة.
وسجّل قطاع الإسكان والتعمير تنفيذ 60 مشروعاً بزيادة 8 مشاريع عن النصف السابق، كما يظهر في الشكل أدناه، وبقيت مدينة الباب في قمة المؤشر بواقع 37 مشروعاً بدافع إصدار تراخيص على الشيوع لبناء سكني وتجاري، واستمرت مشاريع نقل المخيمات إلى مجمعات سكنية تتسع لمئات العائلات ومجهّزة بكافة الخدمات، وألقى "فريق ملهم التطوعي" على نقطة مهمة في هذا الإطار عندما تمكن من جمع تبرعات بأكثر من 2 مليون دولار لبناء وحدات سكنية للنازحين عوضاً عن الخيمة، وأنهى العمل في مدينة اعزاز على مشروعي أوتاد الذي يضم 320 وحدة سكنية، وقرية ملهم التي تضم 300 وحدة، وجهّزت منظمة إحسان 247 وحدة سكنية في بلدة كفرصفرة، والانتهاء من "قرية التميز الإنساني" من قبل منظمة وطن في مدينة حارم، وتم نقل 453 عائلة من المخيمات إلى مساكن جاهزة في قرية الزيتون في مدينة الدانا من قبل مديرية الشؤون الإنسانية. ومن بين المشاريع البارزة التي تم العمل عليها في هذه الفترة؛ بناء منطقة حرفية في اعزاز، وسوق من 39 محل في الراعي، وبدء العمل على مدينة صناعية في صوران.
ونفذت المجالس المحلية والمنظمات 24 مشروعاً في قطاع الكهرباء خلال هذه الفترة أقل بمشروعين عن النصف السابق. وجاءت إدلب على رأس القائمة بـ5 مشاريع والراعي بـ4 مشاريع وبعدها الأتارب، وتم خلالها إيصال الكهرباء للبلدات ولمدن وتجهيز أعمدة إنارة للمحلّق الغربي الشمالي في اعزاز، وعلى طريق معبر السلامة، وفي الراعي وقباسين وسلقين، ونفّذت العديد من المنظمات مشاريع توليد طاقة كهربائية عبر تركيب المئات من ألواح الطاقة الشمسية في محطات ضخ المياه لتخديم النازحين في المخيمات في كفردريان وصوران وإدلب والأتارب.
فيما يتعلق بقطاع الخدمات الاجتماعية فقد تم تنفيذ 17 مشروعاً أقل بـ9 مشاريع عن النصف السابق، حيث تم بناء مدرسة "حق الشام" في مدينة الباب، ومدرسة في أخترين، ومستوصف في صلوة، وتم تأهيل 6 مدارس في مدينة اعزاز، وتأهيل عدد من المدراس في عفرين، وغيرها.
وفيما يتعلق بقطاع التمويل، تم تنفيذ 10 مشاريع في بزاعة والباب واعزاز والراعي وأخترين وإدلب ومن بين المشاريع التي يتم تنفيذها، النقد مقابل العمل التي تستهدف أعمال النظافة العامة والمشاريع الخدمية، وطرح مزادات لاستثمار محال وصالات تجارية، وتم طرح معمل غاز وأراضي زراعية ومحل تجاري وحديقة للاستثمار في بزاعة.
كما تم تنفيذ 3 مشاريع في قطاع الاتصالات، بينها إصلاح خط الهاتف الواصل بين إدلب وعربيتا، وصيانة وتمديد خطوط للهاتف الأرضي في إدلب. أما في قطاع الصناعة فقد تم تنفيذ مشروع يتعلق بتجهيز معمل لصناعة حجر الانترلوك في مدينة جرابلس، ومشروع بناء محطة مفاعل معالجة لاهوائية للصرف الصحي في بلدة باتبو.
أخيراً، يمكن القول إن النصف الثاني من 2021 انخفضت عدد المشاريع فيه بواقع 104 مشاريع، وبقي تركز المشاريع في قطاعات النقل والمياه والتجارة في سلم أولويات المنظمات العاملة والمجالس المحلية، ولا تزال إدلب تتفوق بعدد المشاريع على ريف حلب بواقع 55% لإدلب مقابل 45% لريف حلب. وتم تسجيل 1862 فرصة عمل أوجدت من قبل المنظمات والمجالس المحلية في مختلق القطاعات الاقتصادية، وتركز معظمها في القطاع الطبي وهو مؤشر يؤكد على آثار الحرب واحتياجات المنطقة في هذا القطاع.
يُظهر الشكل رقم (13) المسح القطاعي على مشاريع التعافي في مناطق المعارضة من النصف الثاني في 2018 حتى النصف الثاني في 2021 أنجز خلالها 4070 مشروعاً معظمها في قطاع النقل والمواصلات تلاها المياه والصرف الصحي ومن ثم قطاع التجارة، وقد شكّلت هذه القطاعات بما رفدته من مشاريع ونشاطات قاطرة عملية التعافي في المنطقة على مدار الفترة الماضية واستطاعت تقديم الخدمات الأساسية الأشد احتياجاً للسكان من مياه وطرقات، فيما حازت قطاعات الصناعة والاتصالات والتمويل على الاهتمام الأقل بين القطاعات المرصودة فضلاً عن قطاع الزراعة والثروة الحيوانية الذي نفذ فيه 323 مشروعاً، وهي إشارة إلى خلل يحتاج إلى تضافر الجهود لدفع هذه القطاعات وإعادة التوازن للمنطقة، باعتمادها على الموارد المحلية المتوفرة لإحلال جزء من الواردات وعدم الاعتماد على الخارج بنسبة عالية. كما يشكل قطاع النزوح الداخلي (577 مشروعاً) تحدٍ كبير للمنطقة بالمنهجية المتبعة في تخديم النازحين في المخيمات، وقد بدأت العديد من المنظمات الاعتماد على بناء منازل سكنية وتنقل سكان المخيمات إليها، إلا أن العدد الكبير للمخيمات يحتاج لتضافر عدد أكثر من المنظمات للعمل على خطة تضمن إنهاء المخيمات ومشاكلها.
وفيما يتعلق بتوزع المشاريع على البلدات والمدن يُظهر الشكل رقم (14) مدينة إدلب على رأس قائمة المدن الأكثر تنفيذاً للمشاريع بواقع 562 مشروعاً، وتلتها مدينتي الباب واعزاز 487 و388 على التوالي. وساهم تركز المنظمات المحلية والأجنبية من جانب، والمخيمات من جانب آخر إلى استقطاب هذه المدن مشاريع بشكل أكثر من بقية المدن الأخرى. ومن جانب آخر يلحظ التقرير التغيرات الجذرية التي حلّت ببعض القرى والبلدات الصغيرة بتحولها إلى حواضن كبيرة إثر تدفق النازحين وإنشاء المخيمات فيها ونشاط المنظمات والمجالس المحلية فيها، مثل بزّاعة والدانا وسرمدا، على حساب المدن الكبيرة والتي كانت تشكل مراكز جذب تجاري واقتصادي مثل عفرين وحارم وغيرها.
تبين نتائج الرصد في النصف الثاني لعام 2021 جملة من نقاط القوة والضعف قي القطاعات المرصودة في مناطق "درع الفرات" و"عفرين" ومحافظة إدلب، فبالنسبة لنقاط الضعف يمكن شملها بالنقاط الآتية:
أما بالنسبة لنقاط القوة التي يسجلها التقرير:
يورد التقرير توصيتين من شأنهما رفد عملية التعافي الاقتصادي المبكر مزيداً من التنسيق في المنطقة وفواعلها، ومزيداً من العمل في القطاعات غير الفاعلة حتى الآن:
مع الانحسار التدريجي للاشتباكات العسكرية داخل مناطق درع الفرات وعفرين مؤخراً، وشيوع حالة من الهدوء النسبي الذي تشهده الحدود المتاخمة لها، بدأت هذه المناطق تشهد ملامح عودة تدريجية إلى طبيعتها المدنية، ولتبدأ مرحلة التعافي المبكر من التبعات التي خلفتها هذه الاشتباكات، وإعادة بث الحياة الاقتصادية والاجتماعية داخلها بالتعاون والتآزر ما بين السكان المحليين والمنظمات والمجالس المحلية التي لم تألُ جهداً في ذلك.
نظراً لغلبة الطابع الزراعي على هاتين المنطقتين اللتان تمتازان بوجود مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والأشجار المثمرة والثروة الحيوانية، كان الاهتمام منصباً على تعافي القطاع الزراعي عبر استهدافه بمجموعة من البرامج التي تسعى لتنمية سبل العيش وتحقيق الأمن الغذائي لسكان هذه المناطق من خلال حزمة من المشاريع ذات الصلة. وذلك لما لهذا القطاع من أهمية في الاستقرار المجتمعي والاقتصادي، وكونه ركيزة أساسية من ركائز التعافي الاقتصادي المبكر في حال تمكنت كل من الجهات الداعمة والجهات القائمة على هذا القطاع من تحقيق النجاح المنشود من هذه البرامج وإزالة جميع المعوقات التي تحول دون ذلك. ومن هنا تأتي أهمية هذه الورقة في محاولتها تفنيد العوامل المؤثرة على نجاح هذه البرامج للتعرف على نقاط القوة وتعزيزها في البرامج القادمة ونقاط الضعف والأخطاء للعمل على تلافيها حتى تتحقق الفاعلية المتوخاة منها أثناء تنفيذها.
وعليه فإن الهدف الرئيسي لهذه الورقة يتمثل في التعرف على جهود الفاعلين في برامج سبل العيش في القطاع الزراعي من منظمات محلية ودولية ومجالس محلية، وقياس أثر هذه البرامج في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للسكان المحليين من خلال مجموعة من المؤشرات أهمها عدد فرص العمل الموفرة وتخفيف معدل الفقر، وتعافي القطاع الزراعي بشكل عام، وغيرها من المؤشرات الأخرى ذات الصلة. وختاماً قدمت الورقة بعض التوصيات التي يمكن أن تسهم في زيادة فاعلية هذه البرامج وتزيد من قيمتها المضافة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للسكان، وفي نجاح عملية التعافي الاقتصادي المبكر.
تعد المناطق في شمال غرب سورية بشكل عام، ومنها المناطق المحاذية للحدود التركية، من المناطق الزراعية التي تمتاز بوجود مقومات عدة أهمها المناخ الملائم وخصوبة تربتها وتوافر المياه الجوفية والسطحية والعمالة الزراعية المؤهلة، والتي تشير بعض التقديرات إلى أن هناك ما لا يقل عن 85% من السكان كانوا منخرطين في النشاط الزراعي قبل عام 2011([1]). وعليه فقد مثَّل هذا القطاع مصدر دخلٍ أساسي للسكان المحليين.
بعد عام 2011 تأثرت هذه المناطق بتبعات العمليات العسكرية، وكغيره من القطاعات الاقتصادية الأخرى تأثر القطاع الزراعي بشكل كبير بآثار هذه العمليات وهجرة المزارعين لأراضيهم وغيرها من العوامل الأخرى ذات الصلة التي أدت إلى تدهور الواقع الزراعي في هذه المناطق. وقد لعب عدم الاستقرار الأمني بعد عام 2011 كذلك دوراً هاماً في هذا التدهور مع تبدل السيطرة العسكرية عليها، وعدم وجود جهات حوكمية قادرة على الإشراف على هذا القطاع واتخاذ الإجراءات اللازمة لتعافيه.
مع خضوع هاتين المنطقتين للنفوذ التركي بدأتا تشهدان حالة من الاستقرار الأمني النسبي الذي أتاح إلى حداً ما الشروع بعملية تعافي اقتصادي مبكر، مثَّل القطاع الزراعي أحد محركاته الأساسية، لاسيما أن النسبة الأكبر من الأفراد المقيمين في هاتين المنطقتين سواء من السكان المحليين أو من النازحين ضمنها هم من العمالة الزراعية([2]). أضف إلى ذلك وجود المقومات المناسبة للاستثمار في المشاريع الزراعية ومشاريع الثروة الحيوانية. إذ تقدر المساحة المزروعة في منطقة درع الفرات بحوالي 224.030 هكتار، 70% منها مزروعة بالقمح والشعير وحوالي 9% أشجار زيتون، في حين أن بقية الأراضي تزرع بمحاصيل خضرية متنوعة مثل البطاطا والفول والعدس والحمص وغيرها من المحاصيل الأخرى.([3]) أما في منطقة عفرين فتقدر المساحة المزروعة بـ 92.981 هكتار تمثل أشجار الزيتون نسبة 90% مع عدد يقارب 14 مليون شجرة، في حين بلغت مساحة الأراضي المزروعة بالمحاصيل الأخرى 10% تقريباً. أضف إلى ذلك أن المنطقة تمتاز بوجود ثروة حيوانية جيدة تعد مكمل أساسي للنهوض بواقع عملية التعافي المبكر. حيث يقدر عدد رؤوس الماشية في منطقتي درع الفرات وعفرين بحوالي 530,452([4]).
يواجه القطاع الزراعي جملة من التحديات في هاتين المنطقتين من أهمها عدم فاعلية الهياكل الحوكمية الناظمة للنشاط الزراعي، وارتفاع كلفة مدخلات الإنتاج الزراعي، وصعوبة تصريف المحاصيل والمنتجات الزراعية، وتسجيل حالات لتغول بعض عناصر الفصائل العسكرية المنضوية تحت الجيش الوطني على المزارعين، إلى جانب غيرها من التحديات الأخرى التي أدت إلى انخفاض عوائد الإنتاج الزراعي وتأخر تعافيه([5]). إلا أن المتتبع لواقع القطاع الزراعي في هاتين المنطقتين يلاحظ وجود تحسن مستمر في حركة تعافيه، ويرجع ذلك بشكل أساسي للجهود المبذولة من قبل الفواعل ذوو الصلة بهذا القطاع كالمجالس المحلية والمنظمات المحلية والدولية وغيرها والتي أسهمت جهودها على مدار الأعوام الماضية في المضي قدماً لتدارك الصعوبات وتذليل التحديات التي تواجه عملية التعافي المبكر في هذا القطاع. ونستعرض فيما يلي أهم هؤلاء الفواعل:
بقيت المجالس المحلية ذات دورٍ ثانويٍ مع هيمنة الفصائل العسكرية على المفاصل الرئيسية في المنطقة منذ عام 2012 حتى دخولها تحت النفوذ التركي وخضوعها لإشرافه([6])، حيث كان هناك نقلة نوعية في الدور المناط بها لممارسة العمل الحوكمي بمعزل عن تدخل الفصائل العسكرية، بعد أن أصبحت هذه المجالس تابعة إدارياً إلى كل من ولايات غازي عنتاب وكلس وشانلي أورفة لتسهيل عملية الاشراف والمراقبة والمتابعة الإدارية. وقد بدا واضحاً وجود تفاوت ملحوظ من حيث حجم الدعم المقدم من كل منها لتنفيذ مشاريع التعافي المبكر، ومن حيث الإمكانات الفنية لكل من هذه الولايات لتنفيذ مشاريع التعافي الاقتصادي المبكر([7]).
نظراً لأهمية الزراعة في الحياة الاقتصادية لهاتين المنطقتين، قامت هذه المجالس بإحداث مكاتب زراعية مهمتها القيام بتقييم الأوضاع الزراعية وإدارة الملف الزراعي، بالإضافة للتنسيق مع المنظمات التي تريد إقامة مشاريع في المنطقة والمستفيدين، وفق آلية محددة واضحة عبر تقييم احتياجات المنطقة وصوغها على شكل مشاريع ليتم تقديمها إلى الجهات المانحة للموافقة عليها. ومن ثم يتم اعلام إعلام الجانب التركي بتفاصيل المشروع لأخذ الموافقة والسماح بالتنفيذ، ومن ثم شرح فكرة المشروع للمجالس المحلية و توضيح معايير المستفيدين منه، لتقوم المجالس بتقديم قوائم مرشحين للمستفيدين من المشروع وفق المعايير التي وضعتها الجهة المنفذة. ومن ثم تقوم الجهات المنفذة بالتأكد من استحقاق المرشحين للإشراك في المشروع، وإعلان القوائم النهائية للمرشحين المستحقين للدعم، ليتم بعدها البدء ببرنامج المشروع وفق الجدول الزمني المحدد له. وعند انتهاء المشروع تقام ورشة عمل مع المجالس المحلية والمستفيدين من المشروع للوقوف على نقاط القوة والضعف والدروس المستفادة للعمل عليها في حال تكرار المشروع([8]).
إلى جانب ذلك، برزت بعض الكيانات المتخصصة في الجانب الزراعي ومن أهمها المؤسسة العامة لإكثار البذار التي تأسست في عام 2013 وتمثل إحدى أهم المؤسسات الإنتاجية التابعة لوزارة الزراعة في الحكومة السورية المؤقتة. وتضطلع بدور هام في دعم المشاريع الزراعية وتقديمها الدعم للمزارعين، من خلال تقديم الخدمات الفنية لهم وتأمين كافة مستلزمات الإنتاج الزراعي من البذار المحسن والمغربل والمعقم والأسمدة وغيرها من مستلزمات الإنتاج، سواءً من الإنتاج المحلي أو عن طريق الاستيراد، والحفاظ على أصناف البذار المحلية للمحاصيل الزراعية عن طريق إكثارها ومنع انقراضها وفقدانها من خلال عملها على إنشاء بنك وراثي لحفظ الأصناف ومخابر للتأكد من سلامتها من الأمراض. بالإضافة لإنشاء وتفعيل مراكز الإرشاد الزراعي لنشر الوعي لدى المزارعين حول الإدارة الفنية الأمثل للحقول واستخدام التقنيات الزراعية الحديثة بغية زيادة الإنتاج([9]).
وقد برز نشاط واضح للمديرية العامة للزراعة والثروة الحيوانية في الحكومة السورية المؤقتة، والتي حاولت عبر الأعوام الماضية الاضطلاع بمهمة تعافي القطاع الزراعي وفق إمكاناتها المحدودة. وتعمل المديرية على تنفيذ مشاريع زراعية لدعم تعافي هذا القطاع، ففي مطلع عام 2021 بدأت بتنفيذ مشروع لدعم إنتاج الخضراوات في كل من إعزاز ومارع وصوران وأخترين والراعي والباب وقباسين وبزاعة والغندورة وجرابلس في منطقة درع الفرات. ويتجاوز عدد المستفيدين من المشروع 2000 مزارع، وتبلغ المساحة الكاملة للمشروع 500 هكتار، بمساحة 2.5 دونم لكل مزارع([10]).
كذلك يبرز في هذا الإطار جهود وحدة تنسيق الدعم من خلال مشاريعها الخاصة بالزراعة والأمن الغذائي، ومن أهمها مشاريع دعم زراعة القمح، وتأمين المستلزمات الزراعية ومكافحة الأمراض الزراعية وغيرها من المشاريع الزراعية الأخرى. وقد تمكنت وحدة تنسيق الدعم من خلال إحدى مشاريعها في عام 2019 والذي استهدف 30 ألف مزارع في مدن الباب وجرابلس واعزاز وعفرين بريف حلب الشمالي، من افتتاح 33 وحدة إرشادية في شمالي سورية، وتوزيع 2660 طناً من مادة السماد الزراعي لـ 13300 مزارع، إضافة لتنفيذ 1162 زيارة حقلية للكشف المبكر عن الآفات التي تصيب المحاصيل وتقديم الإرشادات اللازمة، و121 زيارة ميدانية للكشف عن أمراض الثروة الحيوانية وتقديم التشخيص المناسب من قبل أطباء بيطريين من كوادر الوحدات الإرشادية([11]).
لكن بشكل عام يمكن القول إن الكيانات الإدارية المعنية بالإشراف على النشاط الزراعي لم تحقق تلك الفاعلية المرجوة لأسباب ترتبط بقلة عددها ومحدودية تمويلها ومزاحمة المنظمات الإغاثية العاملة في هذه المناطق على تقلد هذا الدور. مما أسهم بشكل واضح وفقاً للمعنيين بالشأن الزراعي على تشتت جهود الدعم المقدمة للفلاحين، نظراً لغياب قاعدة إحصائية موحدة للقطاع الزراعي يمكن من خلالها رسم خارطة زراعية لهذه المناطق، وبالتالي وضع خطط محددة لأدوار الفاعلين في تعافي النشاط الزراعي وتنميته.
مع بداية وجودها في منطقة درع الفرات في عام2012، بدأت هذه المنظمات بتنفيذ العديد من البرامج الإغاثية، وكانت مشاريعها بمثابة دعامة رئيسية لتعزيز صمود السكان وتلبية احتياجاتهم الإنسانية المختلفة متضمنة المزارعين. لكن وخلال سنوات عملها في المنطقة بدا بشكل واضح افتقار غالبيتها إلى خطط تنموية شاملة للنهوض بواقع القطاع الزراعي داخلها. وتركيزها فقط على الجانب الإغاثي والإنساني، بسبب غياب الكفاءات البشرية المتخصصة في هذا المجال، بالإضافة لضعف الدعم اللازم لهذه البرامج وعدم استقراره خلال هذه السنوات. لكن وبحكم طول أمد وجود هذه المنظمات في هذه المناطق، فإن ذلك أكسب كوادر هذه المنظمات الخبرات اللازمة لتنفيذ مشاريع تعافي في القطاع الزراعي، بالإضافة لبناء شبكة علاقات تراكمية متينة مع الجهات المانحة المهتمة بدعم المشاريع الزراعية. كذلك أتاح إفساح الجانب التركي المجال لهذه المنظمات بترخيص أعمالها مجال أكبر لاستقبال الدعم من المؤسسات والمنظمات الدولية ذات الصلة([12]). إلا أن غياب التنسيق والتعاون بين هذه المنظمات، وغياب جهة مركزية قادرة على ضبط نشاطها ضمن هذه المناطق كان له دور كبير في انخفاض فاعلية المشاريع الزراعية المنفذة. إلى جانب فقدان هذه المناطق لحالة الاستقرار الأمني الكامل الذي يمَّكن من تنفيذ مشاريع كبرى ومستدامة لتعافي القطاع الزراعي. أضف إلى ذلك عدم تكافؤ الدعم المقدم لتنفيذ المشاريع مع الاحتياجات الفعلية المطلوبة لإحداث التعافي المبكر في هذا القطاع.
وهناك مجموعة من المنظمات العاملة في المنطقة في الوقت الحاضر في مجال المشاريع الزراعية من أهمها مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية ومؤسسة الشام الإنسانية ومنظمة تكافل شام الخيرية ومنظمة بنيان، وجميعها تملك برامج متقاربة تعمل على إقامة مشاريع الإرشاد الزراعي والعمل على توفير المدخلات الزراعية للمزارعين مجانا بالإضافة لتوزيع المواشي على الفئات الهشة في المجتمع. واستحداث برامج سبل عيش زراعية تتلاءم ومتطلبات السكان في هذه المناطق.
لم يكن حال المنظمات الدولية أفضل بكثير من المنظمات المحلية رغم فوارق الدعم المتاح لهما إلا أنها مازالت تفضل الحلول الإسعافية قصيرة الأجل على الانتقال إلى خطط تنموية حقيقية متذرعة بعدم تحقق الاستقرار بعد، مما أدى وفي كثير من الأحيان إلى إحجامها عن دخول هذه المناطق والاكتفاء بالتنسيق مع الشركاء المحليين، كما في بعض مشاريع سبل المعيشة والتعافي المبكر التي أقامتها منظمات UNDP و OCHA و FAO، أو حتى امتناعها بشكل كامل عن القيام بمشاريع في مناطق درع الفرات وعفرين وتحويل المشاريع إلى مناطق سيطرة النظام السوري كونها تعتبر المنطقة التي تقع تحت سيطرته ذات استقرار أكبر([13]).
بشكل عام لا يمكن إغفال الدور الذي لعبته هذه الفواعل في المنطقة خلال الأعوام الماضية، من حيث مساهمتها في تقديم الدعم لبرامج سبل العيش والتعافي المبكر التي ساهمت إلى حد ما في إعادة ترميم البنية التحتية للزراعة وإعادة إحياء هذا القطاع بعد تراجعه لسنوات، لكن لا يزال هذا الدعم دون المستوى المأمول إذا ما قورن بالاحتياجات الفعلية اللازمة لتوليد فرص العمل في القطاع الزراعي. ففي عام 2017 تم تغطية 20.5% من التمويل اللازم لتلبية احتياجات قطاع سبل المعيشة والتعافي المبكر. وفي عام 2018 تم تغطية 29.5% من التمويل اللازم، وفي عام 2019 تم تأمين حوالي 15.7%من الاحتياجات المطلوبة لهذا القطاع، بينما بلغت هذه النسبة 11.2% في عام 2020([14]).
ثمة مجموعة من العوامل التي كان لها تأثيراً هاماً في مدى نجاح برامج سبل العيش الزراعية في هاتين المنطقتين، ويمكن تصنيف هذه العوامل في ثلاث فئات تشمل البيئة المحلية الممكنة لنجاح هذه البرامج، ومدى كفاءة المنظمات المنفذة لهذه البرامج، ومدى فاعلية البرامج المنفذة بحد ذاتها.
يقدر عدد السكان في منطقتي درع الفرات وعفرين وفقاً لبعض الإحصاءات بحوالي 900.000 نسمة قبل عام 2011 وفقاً للإحصاءات الرسمية الحكومية. لكن هذا العدد تضاعف ضمن هاتين المنطقتين بعد هذا التاريخ بشكل يفوق طاقتها الاستيعابية نتيجة لحركات النزوح الداخلي، ويقدر العدد الحالي بحوالي (2.317.700) بينما يقدر عدد النازحين بحوالي (1.605.000) من إجمالي هذا العدد([15]). وكان من نتاج هذه الزيادة السكانية حدوث أزمة سكنية أدت إلى تفاقم في أسعار شراء وآجار العقارات، الأمر الذي مهد الطريق لحركة بيع كبيرة للأراضي الزراعية بهدف تلبية هذا الطلب الكبير على الإسكان. ونتيجة لغياب جهات حوكمية قادرة على ضبط انتشار هذه الظاهرة تحولت العديد من الأراضي الزراعية إلى أراضي سكنية. أضف إلى ذلك إنشاء العديد من مخيمات النزوح الداخلي على الأراضي الزراعية بسبب الحاجة لتوطين النازحين، واستغلال ملاك الأراضي لحاجة النازحين للسكن وفرضهم رسوم آجار مرتفعة على استخدام أراضيهم([16]).
فيما يتعلق بمقومات البنية التحتية اللازمة لتنفيذ البرامج الزراعية، يمكن القول إن منسوب المياه اللازمة للزارعة يعد جيد إلى حدٍ ما خاصة أن غالبية الأراضي الزراعية مستثمرة بمحاصيل بعلية تقدر نسبتها بـحوالي 46% من نسبة الأراضي المزروعة في منطقة درع الفرات([17])، في حين أن ما يقرب من نسبة 80% من الأرضي الزراعية في منطقة عفرين مزروعة بأشجار زيت الزيتون التي لا تتطلب كميات كبيرة من المياه([18])، بينما تقدر نسبة الأراضي الزراعية المروية بـ 15%([19]). لكن الآثار السلبية التي خلفتها العمليات العسكرية في هاتين المنطقتين على البنية التحتية للمياه بما فيها قنوات الري والآبار الجوفية، ألجأت بعض المزارعين لحفر المزيد من الآبار الجوفية عبر الحفر العشوائي لتعويض حاجاتهم من المياه التي يقدر عددها بحوالي 5952 بئر([20]). الأمر الذي حمل العديد من التداعيات السلبية على منسوب المياه الجوفية في هذه المناطق وما سيسببه من الجفاف المحتمل لهذه الموارد المائية الجوفية([21]). ومما فاقم أيضاً من نقص الموارد المائية للزراعة قلة الوقود المتوافر في الأسواق وارتفاع أسعاره إلى جانب عدم توفر الكهرباء في العديد من المناطق الزراعية، والتي كان لها تأثير كبير على المحاصيل المروية التي أحجم الكثير من المزارعين عن زراعتها، إلى جانب تأثير ذلك أيضا على تربية الثروة الحيوانية كالمداجن والمباقر([22]).
في جانب النقل، تعاني الطرقات الزراعية في هذه المناطق من تدهور بنيتها التحتية نتيجة عدم صيانتها لفترات طويلة مما أثر على نقل المحاصيل الزراعية بين مدن وبلدات هذه المناطق([23]). ومن جانب آخر تشهد بعض هذه الطرقات ظروف غير آمنة لنقل المحاصيل الزراعية نتيجة انتشار ظاهرة الإتاوات سواء من قبل بعض العناصر في الفصائل العسكرية أو من قبل بعض الأفراد الخارجين عن القانون في بعض هذه المناطق.
أما فيما يتعلق بمدخلات الإنتاج الزراعي، فيمكن القول إن هذه المدخلات متوفرة إلى حداً ما، مع الجهود التي تبذلها كل من المجالس المحلية والمنظمات والجهات ذات الصلة. حيث تم العمل على تأمين الأسمدة والبذور بأسعار مدعومة تتناسب مع قدرات وإمكانات المزارعين، أضف إلى ذلك وجود سلاسل توريد زراعية جيدة، نظراً لقرب هذه المناطق من الحدود التركية وتوفرها في السوق المحلية. إلا أن غياب جهات رقابية فاعلة تشرف على استيراد المدخلات الزراعية خصوصاً البذار والمبيدات، سمح لبعض التجار من ضعاف النفوس بإدخال نوعيات رديئة من البذار ذات مردود إنتاجي منخفض.
تتجسد المشكلة الأبرز التي يواجهها القطاع الزراعي في هذه المناطق في عدم قدرة المزارعين على تصريف محاصيلهم. وتكمن أهم أسبابها في عدم وجود تناسب بين العرض والطلب على بعض المحاصيل الزراعية ضمن هذه المناطق، وبالتالي ضرورة إيجاد أسواق خارجية لتصريف الفائض عن الطلب المحلي([24]). كذلك يعد تصريف هذه المحاصيل من الصعوبة بمكان سواء إلى مناطق سيطرة النظام أو إلى مناطق الإدارة الذاتية لتبقى هذه المحاصيل رهن إشارة الحصول على الموافقة التركية لتوريدها إلى داخل حدودها. أضف إلى ذلك تحكم التجار المحليين بأسعار هذه المحاصيل وفرضها على المزارعين بشكل لا يتناسب مع الكلفة والجهد والمبذول لإنتاجها، مما أدى في كثير من الأحيان إلى عزوف شريحة من المزارعين عن زراعة أرضهم في ظل هذا الواقع. أما فيما يتعلق بالثورة الحيوانية فهي الأخرى تواجه العديد من التحديات في هذا السياق وعلى رأسها تفشي ظاهرة تهريب الثروة الحيوانية من هذه المناطق([25])، وارتفاع أسعار العلف والمواد اللازمة للعناية بالماشية، إلى جانب ذلك أثر استيراد اللحوم والدواجن بشكل كبير على المنتج المحلي. الأمر الذي ساهم في تدهور الثروة الحيوانية في هذه المناطق.
في هذا السياق كان لتواجد الفصائل العسكرية في هاتين المنطقتين تأثيراً واضحاً من حيث السلوكيات التي يقوم بها البعض من عناصر هذا الفصائل، والتي برزت بشكل واضح في منطقة عفرين من خلال قيامهم بالتعدي على المحاصيل الزراعية عبر فرض الإتاوات والرسوم على المزارعين وقيام البعض منهم باستلاب بعض الحقول الزراعية([26])، إلى جانب قيام البعض منهم بقطع أشجار الزيتون وبيعها كحطب في ظل ارتفاع أسعار الوقود في فصل الشتاء([27]). على الرغم من إصدار تعميمات عديدة من قادة هذه العناصر للحد من هذه التجاوزات([28])، إلا أن الكثير من هذه التعميمات لم يطبق بشكل فاعل. وبالتالي تشكل هذه الظاهرة أحد الجوانب المعيقة لتعافي القطاع الزراعي مع ضرورة قيام الجهات الحوكمية في هذه المنطقة بالتنسيق مع قيادات الجيش الوطني للحد من هذه التجاوزات. ومن جانب آخر لم يسجل بشكل عام قيام هذه الفصائل بعرقلة تنفيذ برامج سبل العيش الزراعية أو التدخل في تحديد المستفيدين منها، مع وجود بعض الحالات الفردية. أضف إلى ذلك ان هذا الدور السلبي لم يقتصر على العسكريين، حيث يقوم بعض النازحين من سكان المخيمات بالتعدي على الأراضي الزراعية ومحاولة الاستيلاء عليها وسرقة المحاصيل وغيرها من الممارسات الأخرى.
برز نشاط المنظمات السورية العاملة في هذه المناطق منذ تحررها، وكان نشاطها متمركزاً بشكل أساسي على الإغاثة نظراً للحاجة الماسة التي ألمت بسكان هذه المناطق إبان تحررها. فكان لزاماً مد يد العون لمساعدة السكان لتجاوز الآثار السلبية للنزاع عبر حملات الإغاثة بمختلف أنواعها. لكن استطالة النزاع في سورية وغياب أفق واضح لانتهاءه خلال الأعوام الماضية حملَ بعض هذه المنظمات للانتقال تدريجياً للتركيز على تنفيذ بعض البرامج التنموية بموازاة برامج الإغاثة، علها تسهم في إحداث التعافي المبكر وتمَّكن السكان المحليين والنازحين بالاعتماد على ذواتهم لكسب رزقهم. بعد أن أصبحت ثقافة الاعتماد على الإغاثة إحدى السمات البارزة في هذه المناطق. ويأتي هذا التوجه أيضاً في ظل تناقص التمويل الدولي المقدم من الجهات المانحة وضرورة إيجاد سبل عيش مستدامة للمواطنين ضمن هذه المناطق التي تمتاز بكون غالبية سكانها من المنخرطين في القطاع الزراعي.
وعليه ومع تقلد المنظمات لهذا الدور التنموي كان هناك اهتماماً ملحوظاً من قبلها في تطوير كوادرها البشرية العاملة في هذه المناطق وتأهيليها بما يتناسب ومتطلبات تنفيذ المشاريع الزراعية لضمان نجاحها واستدامتها. حيث أقامت العديد من هذه المنظمات الورش والتدريبات لتأهيل كوادرها من أبناء هذه المناطق والذي أسهم بشكل كبير في تطوير قدراتهم وإمكانياتهم التي انعكست على نجاح تنفيذ برامجها التنموية في القطاع الزراعي. أضف إلى ذلك قيام هذه المنظمات بتصميم هذه البرامج بما يتناسب والسياق المحلي لضمان قبولها مجتمعياً وتلقيها الدعم اللازم من قبل الفواعل المحليين لضمان نجاحها واستدامتها. وقد عملت هذه المنظمات كذلك على تنفيذ العديد من التدريبات للمستفيدين من مشاريعها والتي ساهمت بشكل كبير في خلق الوعي الجيد لديهم في كيفية الاستفادة منها وضمان استدامتها. وبالتالي شكلت هذه التدريبات حافزاً لدى السكان المحليين للتقدم للاستفادة من المشاريع الزراعية المقدمة في هذا الإطار وحرصهم على العمل ضمن الخطط التي تتضمنها هذه البرامج. ومن بين الأمثلة على هذه المشاريع ما قامت به مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية عبر تنفيذها لمشروع سبل العيش في القطاع الزراعي تم من خلاله توزيع عدد من رؤوس الماشية على المستفيدين مع تقديم التدريب اللازم وتأمين الأعلاف والعناية البيطرية، وقد تبين للمؤسسة بعد تنفيذ المشروع أن حوالي 80% من المستفيدين قد حافظوا على الأصول التي تم منحها لهم وقيامهم بالاعتماد عليها كمصدر دخل رئيسي([29]).
وقد حفّز هذا الأمر بعض المنظمات الدولية ذات الصلة على دعم الخطوات التي انتهجتها المنظمات المحلية في هذا المسار، عبر تدعيم إمكاناتها المادية والفنية لتسريع الانتقال من تقديم برامج الإغاثة الطارئة إلى التنفيذ التدريجي لمشاريع التعافي المبكر في القطاع الزراعي. إلا أن هذا الدعم لم يرتقِ إلى مستوى الحاجة الفعلية للعاملين في هذا القطاع، وبشكل لا يتناسب ومستوى المشاريع المطلوب تنفيذها لإحداث تعافي مبكر حقيقي ضمن هذه المناطق. حيث تتسم غالبية المشاريع الزراعية المنفذة بصغر حجمها وقلة عدد المستفيدين منها وعدم مراعتها للاحتياجات الفعلية للمزارعين. ويلاحظ أن معظم هذه المشاريع ماتزال تنفذ وتدار بذات العقلية الإغاثية، فالمستهدفون في أغلب المشاريع إما أن يحصلوا على قسائم شرائية للمدخلات الزراعية أو يتم توزيعها بشكل مباشر كسلل زراعية على شكل منح وهبات. وكان من الأجدر أن يتم العمل على حل مشكلات المزارعين بشكل شامل، ثم الانتقال إلى تأسيس كيانات زراعية داعمة تقدم المساعدة للمزارعين على شكل قروض تسترد بعد حصاد المحصول، مما يؤدي بداية إلى حصر المستفيدين بالدعم المقدم بالأكثر حاجة وتضرراً، ثم الانتقال إلى تحميل المسؤولية للمزارعين وبالتالي دفعه للعمل بجد أكبر حتى يتمكن من تسديد هذه القروض.
يمكن تقسيم البرامج التنموية المنفذة في القطاع الزراعي ضمن هذه المناطق إلى نوعين، يقوم النوع الأول منها على تمليك المستفيدين مفاتيح العمل وتطوير مهاراتهم من حيث رفع السوية المعرفية بطرق الزراعة والسقاية والعناية البيطرية للحفاظ على الأصول الموجودة، بالإضافة لإنمائها عن طريق تحقيق أكبر قدر من الاستفادة من الأراضي المزروعة. أما النوع الثاني فيقوم على المشاريع التي تزود المستفيدين منها بالمدخلات الزراعية، وهي غالباً ما تكون ذات تأثير محدود زمنياً، حيث أنها تعمل على زيادة الإنتاج وتحسين الجودة في موسم محدد فيعود بالفائدة المادية على المستفيد، لكن مشكلة عدم ثبات قيمة العملة وارتفاع أسعار المحروقات بشكل دائم يحرم المستفيدين من توظيف الفائض المالي المحقق في المواسم القادمة، مما يحد من استدامة المشاريع التي تنفذ بهذا الشكل.
أما من ناحية الملاءمة بالنسبة للمشاريع الزراعية المنفذة في هذه المناطق، فلم تكن المشكلة في إشراك المستفيدين في هذه المشاريع عند دراسة احتياجات المنطقة بهدف إكسابها المرونة اللازمة لتكون ملائمة لاحتياجات القطاعات المنفذة ضمنها، بغض النظر عن حجمها كبيراً كان أم صغيراً. لكن تكمن المشكلة في أنه عادة ما يتم الضخ المالي للمشاريع في أوقات متقاربة فيحدث نشاط كبير في السوق المحلي على حساب أوقات أخرى يكون فيها التمويل ضعيفاً مما يسبب ركود عام في هاتين المنطقتين. إلا أنها ورغم كل الجهود المبذولة لإنجاحها فما تزال دون المأمول، كونها تدار بنفس العقلية الإغاثية، ولم تُطرح خطة تنموية شاملة قادرة على توليد مؤسسات زراعية إشرافية تعمل باستدامة ولا تتأثر بتقلبات الدعم الموجه وغير المستقر، وقد أدى عدم الاستقرار هذا إلى جعل هذه المشاريع محدودة التأثير وذات شروط صعبة التحقيق للاستفادة منها. مما وضع الجهات المنفذة أمام خيارين صعبين فإما تلبية كامل احتياجات عدد صغير من المستفيدين، أو تلبية جزئية بسيطة للاحتياجات المطلوبة مقابل تحقيق أكبر عدد من المستفيدين، فحتى عام 2020 لم تغطي هذه البرامج بأفضل الحالات أكثر من 25% من الاحتياجات([30]). ويبين الشكل (1) حجم التدخلات في قطاع سبل العيش والأمن الغذائي في الاستجابة الإنسانية لسورية بين عامي 2018 و2020. وعدد المستفيدين من هذه التدخلات خلال هذه الأعوام.
لقياس مدى تأثير برامج سبل العيش الزراعية وفقاً للفئات المستهدفة بها ومدى قدرتها على تلبية احتياجات كل فئة من هذه الفئات، فقد حدد منظمة الأمم المتحدة ثلاث فئات رئيسية للمستفيدين من هذه البرامج([1]). ووفقاً لهذه التصنيفات يمكن عرض ما قامت به المنظمات من خلال برامجها لدعم القطاع الزراعي في منطقتي درع الفرات وعفرين. فقد عملت بعض المنظمات على تنويع الأنشطة التي تقوم بها من خلال برامجها، بحيث تستهدف النازحين الذين لا يملكون المقدرة على زراعة الأراضي لعدم امتلاكهم لها أو لعدم وجود الخبرة الكافية عن طريق إنشاء برامج النقد مقابل العمل. كذلك تم تقديم ورشات تدريبية حول بعض الجوانب المرتبطة بالنشاط الزراعي للمساعدة على توليد الدخل مثل تربية النحل وزراعة الفطر في المنزل وصنع الألبان والأجبان منزلياً. ومن ثم تقديم الأدوات اللازمة للانطلاق بهذه المشاريع الصغيرة، بحيث يؤمن المستفيد من هذه البرامج الحد الأدنى من الدخل للاستغناء عن المساعدات الإغاثية. وقد أمنت هذه البرامج وبشكل مباشر حوالي 11600 فرصة عمل في عام 2018، وحوالي 18350 فرصة عمل في عام 2019([2]). بالإضافة لإسهامها في تخفيف نسبة البطالة بشكل غير مباشر، فطبيعة الأنشطة الزراعية تعطي إمكانية للمزارعين المستفيدين من تشغيل عمال إضافيين في أراضيهم بسبب زيادة الإنتاج في المساحات المزروعة الناتجة عن الدعم بالمدخلات الزراعية اللازمة.
إلى جانب ذلك فقد ساهمت هذه البرامج في تخفيف معدل الفقر من خلال القيام بمشاريع تستهدف ذوي الدخل المحدود من المزارعين ومالكي الثروة الحيوانية لتمكينهم اقتصادياً ومنع تدهور أصولهم الإنتاجية. ومن بين هذه المشاريع مشروع دعم أصحاب رؤوس الماشية ممن لا يملكون المقدرة على الاحتفاظ بأصولهم الإنتاجية في الأوقات التي ترتفع فيها أسعار الأعلاف واللقاحات، وقد استفاد من هذه البرامج في عام 2018 حوالي 2050 أسرة، وفي عام 2019 حوالي 16930 أسرة([3]). وكون النشاط الزراعي بشقيه النباتي والحيواني يعد النشاط الاقتصادي الأول في منطقة درع الفرات وعفرين فإن أي دعم مقدم لهذا القطاع بمختلف أشكاله يؤدي بشكل غير مباشرة إلى دعم السوق المحلية وتنشيط دورة الإنتاج.
يعكس الواقع الزراعي الذي تعيشه مناطق الشمال السوري خلال الأعوام الماضية بشكل عام بعض الدلائل التي تؤشر لوجود حركية تعافي مبكر ضمن القطاع الزراعي. ومع تباين مستوى التدخلات التنموية لدعم حركية التعافي المبكر، يبدو من المهم تحليل واقع هذه التدخلات وقياس أثرها على المجتمعات المحلية ضمن هذه المناطق. ووفقاً لذلك حاولت هذه الورقة الإضاءة على إحدى هذه التدخلات وهي برامج سبل العيش الزراعية، عبر استعراض واقع هذه البرامج ومستوى الفاعلية المتحققة منها خلال الأعوام الماضية، وإبراز أهم المعوقات التي حدت من فاعليتها، إلى جانب الإضاءة على أهم الفواعل الرئيسيين ذوي الصلة بهذه البرامج.
تعكس المؤشرات المرتبطة ببرامج سبل العيش الزراعية في منطقتي درع الفرات وعفرين أن هناك جملة من التحديات يبرز في مقدمتها عدم وجود كيانات حوكمية متخصصة بالجانب الزراعي وهو ما أفقد فاعلية الكثير من البرامج المنفذة ضمن هذه المناطق. أضف إلى ذلك أن هذه البرامج لم ترق إلى المستوى الاستراتيجي الذي يمكن القطاع الزراعي من التعافي بشكل أكبر لأسباب ترتبط بضعف التمويل وعدم استدامته، وغياب التنسيق الكامل بين الكيانات المسؤولة عن النشاط الزراعي في هذه المناطق. أضف إلى ذلك غلبة التماثل في نوعية المشاريع الزراعية المنفذة مما يقلل من الأثر المرجوة منها. وكذلك شيوع حالة عدم الاستقرار الأمني الكامل الذي تشهده هذه المناطق والذي أضعف من قابلية الجهات الممولة من تنفيذ مشاريع استراتيجية كبيرة لتعافي القطاع الزراعي.
وبناءً على ما سبق، فإن نجاح عملية التعافي المبكر في القطاع الزراعي في هاتين المنطقتين يعتمد في جانب كبير منه على وجود جهة متخصصة تكون قادرة على تشخيص مقومات واحتياجات هذه المناطق بشكل دقيق، بحيث يتم وضع خطط تعافي تتلاءم والسياق المحلي عبر تعظيم الاستفادة من الموارد المحلية، وتفعيل الدعم المقدم من الخارج بما يخدم تنفيذ هذه الخطط على شكل برامج زراعية مفصلة ومتناسبة مع هذا السياق بالتعاون والتنسيق مع الجهات الدولية الداعمة. أضف إلى ذلك ضرورة العمل على خلق نوع من التكامل والتوازن بين التدخلات التنموية الموجهة للقطاع الزراعي من قبل المنظمات المنفذة. بحيث يتم تعظيم الفائدة من هذه التدخلات عبر الحفاظ على مستوى الأمن الغذائي الملائم، ورفع مستوى دخل العاملين في القطاع الزراعي واستدامته، وتذليل جميع المشكلات المرتبطة بسلسة القيمة ذات الصلة بالنشاط الزراعي.
([1]) تمثل التصنيفات التالية التصنيفات الثلاث الرئيسية ويتفرع عنها مجموعة من الفئات الفرعية:
([2]) Syria Humanitarian Response Plan 2018, 2019, OCHA: https://rb.gy/rcrw3q
([1]) مقابلة هاتفية أجريت مع مسؤول برامج سبل المعيشة والتعافي المبكر في مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية بتاريخ: 28/09/2020.
([2]) آلت هاتين المنطقتين للنفوذ التركي إثر عملية درع الفرات في عام 2017، والتي سميت المنطقة باسمها وشملت كل من مدن اعزاز والباب وجرابلس والراعي واخترين ومارع والتي بلغت مساحتها 2692 كم2، إلى جانب عملية غصن الزيتون في عام 2018 للسيطرة على منطقة عفرين والتي تبلغ مساحتها 2055كم2.لكن لا تزال هذه المناطق تشهد بعض عمليات التفجير والاغتيالات، من قبل جهات ذات صلة بقوات سورية الديمقراطية ونظام الأسد وبعض الخلايا النائمة لتنظيم "داعش" في المنطقة. ويعزى عدم الاستقرار الأمني في جزء كبير منه إلى ضعف الجهات المسؤولة عن القطاع الأمني سواء من حيث التجهيزات اللوجستية أو من حيث الكوادر المؤهلة.
([3]) مجلس محافظة حلب الحرة، غرفة زراعة منطقة درع الفرات.
([4]) مجلس محافظة حلب الحرة، غرفة زراعة منطقة غصن الزيتون.
([6]) يبلغ عدد المجالس المحلية في منطقة درع الفرات 10 مجالس، في حين يبلغ عددها في منطقة عفرين 7 مجالس. ويتبع لكل منها مجالس فرعية تتلقى الدعم منها ويتصدر مجلس مدينة الباب قائمة المجالس الأكثر نشاطا من حيث الدعم المقدم، وكان بداية ظهور هذه المجالس في عام 2012.
([7]) محمد العبدالله، المقاربة التركية للتعافي الاقتصادي المبكر في سورية: دراسة حالة منطقة درع الفرات، في كتاب: التعافي الاقتصادي في سورية: خارطة الفاعلين وتقييم السياسات الراهنة، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 25-09-2019: https://bit.ly/3oyi1GI
([8]) مقابلة أجريت مع مسؤول برامج سبل العيش والأمن الغذائي في مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية، مرجع سابق.
([9]) يمكن الاطلاع على نموذج من بعض المشاريع التي نفذتها المؤسسة عبر الرابط: https://rb.gy/a5adz4
([10]) يحظى المشروع بدعم من صندوق الائتمان لإعادة إعمار سوريا، وتبلغ مدته 18 شهراً ويتم بموجبه تسليم المزارعين المستهدفين في مناطق عمل المشروع بذور خضراوات، وسماد كيميائي عضوي، وبكرات ري بالتنقيط، ونايلون ملش، ومبيدات حشرية وفطرية، وأقفاص بلاستيكية لجني المحصول. فيما يُجري عدة مهندسين جولات على الأراضي، لتقديم الخدمات الإرشادية وتبادل الخبرات بين الفنيين والمزارعين وتقديم النصائح. المرجع:
ثائر المحمد، مشاريع دعم الزراعة شمالي سوريا وانعكاساتها على الفرد والمجتمع، موقع تلفزيون سوريا، 11-06-2021: https://rb.gy/rg9zir
([11]) ثائر المحمد، نفس المرجع السابق.
([12]) محمد العبدالله، المقاربة التركية للتعافي الاقتصادي المبكر في سورية: دراسة حالة منطقة درع الفرات، مرجع سابق.
([13]) محمد العبدالله، تنمية سبل العيش في المناطق السورية المحررة: دراسة تحليلية، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 17-12-2015: https://bit.ly/3hDKold
([15]) Humanitarian Response, IDPs Tracking, August 2020, OCHA: https://rb.gy/9m7iwh
([16]) محمد العبدالله، واقع سبل العيش في مخيمات النزوح: دراسة حالة في مناطق الشمال السوري، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 07-11-2018: https://bit.ly/3v0QOyA
([17]) مجلس محافظة حلب الحرة، غرفة زراعة منطقة درع الفرات، احصاءات 2020.
([18]) مقابلة أجراها الباحث مع مدير برنامج سبل العيش والأمن الغذائي في مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية، مرجع سابق.
([19]) عفرين خمس سنوات من التنمية الاقتصادية، مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا، 14/02/2019: https://rb.gy/01dif4
([20]) مجلس محافظة حلب الحرة، غرفة زراعة منطقة درع الفرات وعفرين، احصاءات 2020.
([21]) زينب مصري وصالح ملص، أزمة مياه في سوريا.. من يدفع الثمن، جريدة عنب بلدي، 20/09/2020: https://rb.gy/02r9q8
([22]) المداجن في ريف حلب الشمالي ودور المعابر، قناة حلب اليوم، 05/10/2019: https://rb.gy/faawto
([23]) الطرق الرئيسية في ريفي حلب الشمالي الشرقي، قناة حلب اليوم، 29/06/2019: https://rb.gy/fg2q6m
([24]) الزراعة في إعزاز.. تحديات وصعوبات، قناة حلب اليوم، 10/7/2019: https://rb.gy/lcx9yw
([25]) معتصم الطويل، مهنة رائجة… تهريب الأغنام من مدن الشمال إلى مناطق النظام، موقع الحل، 19/07/2019 https://rb.gy/ulxg7h
([26]) انتهاكات الفصائل الموالية لتركيا في عفرين بين النهب والإتاوات، مؤسسة The Levant ،10/10/2019: https://rb.gy/wevrdd
([27]) جانو شاكر، بعد أشجار الزيتون القطع الجائر يطال الغابات الحراجية في عفرين، موقع الحل، 16/03/2020: https://rb.gy/cjeasy
([28]) محلي عفرين يصدر قرارا بمنع قطع الأشجار وبيعها، موقع زيتون، 1/10/2020 https://rb.gy/wndqu1
([29]) مقابلة هاتفية أجريت مع مسؤول برامج سبل المعيشة والتعافي المبكر في مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية، مرجع سابق.
([30]) مقابلة هاتفية أجراها الباحث مع منسق برامج سبل العيش في منظمة تكافل شام بتاريخ: 23/09/2020.
يستعرض هذا التقرير نتائج مسح اجتماعي أجراه مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع وحدة المجالس المحلية في كل المناطق المحررة خلال الفترة الواقعة بين 15/4/2018 و15/6/2018 ومن هذه المناطق محافظة إدلب. وقد تناول المسح كل الوحدات الإدارية والهيئات التمثيلية في كل التجمعات السكانية الموجودة على امتداد جغرافيا المحافظة عدا المناطق التي سيطر عليها النظام مؤخراً، ورغم كل محاولات فريق البحث الميداني الحصول على أدق المعلومات حول المجالس؛ إلا أنه لا يمكن الادعاء بالدقة الكاملة للمعلومات الواردة في التقرير لصعوبات واجهت الفريق خلال عملية جمع البيانات بسبب الوضع الأمني ولتفاوت درجة تعاون المجالس مع عملية المسح ولتدخل بعض القوى العسكرية ومنعها بعض المجالس من التعاون مع فريق المسح، وقد أسفر ذلك عن تأخر إصدار التقرير، إضافة إلى السيولة الكبيرة التي وسمت المشهد الميداني في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، والتي تسببت أيضاً في تأجيل إصدار التقرير حتى تستقر الخارطة ولو مؤقتاً، ويتناول التقرير واقع البنى المحلية الإدارية والتمثيلية القائمة من حيث مشروعيتها ومايعنيه ذلك من جودة تمثيلها للمجتمع المحلي وقيامها بالأدوار المنوطة بها ومن حيث شرعيتها التي تقاس بمدى اعتمادها للأنظمة والقوانين واعتماديتها من قبل المستويات الإدارية الأعلى، كما يتناول موارد هذه المجالس وقدرتها على التخطيط للتنمية، إضافة إلى علاقاتها البينية مع القوى العسكرية والمستويات الإدارية المركزية واللامركزية، كما يستعرض التقرير بعض ملاحظات فريق البحث الميداني التي دونها خلال عملية المسح، و يخلص إلى جملة من الخلاصات والتوصيات.
تقع محافظة إدلب في أقصى الشمال الغربي للجمهورية العربية السورية، وتحاذي جزءاً من الحدود السورية التركية، وقد بلغ عدد سكانها ثلاث ملايين وتسعمائة ألف نسمة بين أبناء المحافظة والمهجرين إليها ([1])، شاركت المحافظة في الثورة منذ أيامها الأولى لتخرج عن سيطرة النظام بشكل كامل في آذار من العام 2015، بعد سقوط مركز المحافظة بيد قوات المعارضة، فيما بقيت كل من كفريا والفوعة الشيعيتين المحاصرتين تحت سيطرة النظام ورهناً لاتفاقية المدن الأربعة بين إيران والمعارضة، ومع استكمال ترتيبات أستانة واتفاقيات خفض التصعيد بانعقاد اجتماع أستانة 6 في أيلول 2017، تمكن النظام وحلفاؤه الروس من السيطرة على أجزاء من شرق سكة الحديد جنوب شرق المحافظة حيث سيطر على حوالي 17.5% من مساحة المحافظة (متضمناً مساحة كفريا والفوعة)، لاحقاً ومع تزايد حشود جيش النظام وحلفائه على المحافظة تم اتخاذ قرار بإخلاء بلدتي كفريا والفوعة ويقدر عدد المجالس المحلية التي سقطت بيد النظام بحوالي 17 مجلساً محلياً معتمداً، كما أصبحت المحافظة ملاذاً أخيراً لعدد كبير من معارضي النظام السوري بعد سقوط مناطق المعارضة تباعاً ( الغوطة الشرقية، جنوب دمشق، القلمون الشرقي، ريف حمص الشمالي، درعا، القنيطرة) بيد النظام السوري وحلفائه، حيث يشكل النازحون ما نسبته 41% من سكان المحافظة([2]). وقد كانت محافظة إدلب على موعد مع حملة عسكرية ضخمة لاستكمال سيطرة النظام على ما تبقى من مناطق المعارضة ، إلا أن اتفاق سوتشي الأخير بين روسيا وتركيا في 17 أيلول 2018 حال دون ذلك ولو مؤقتاً وفتح الباب لتوفير حماية إقليمية لهذه المحافظة، في الوقت الذي وضع الكرة في ملعب الفعاليات المدنية والبنى المحلية لتفعيل برامجها وتمكين مؤسساتها والعمل على حوكمتها وبينما حدد القرار رقم 1378 للعام 2011 والصادر عن وزارة الإدارة المحلية التابعة للنظام([3])، التقسيمات الجغرافية المركزية للمحافظة بـ 6 مناطق تضم 26 ناحية فيما تقسم المحافظة إدارياً إلى 157 وحدة إدارية توزع على 15 مدينة و47 بلدة و95 بلدية تتمتع بالشخصية الاعتبارية([4])، إضافة إلى العشرات من القرى والمزارع والتجمعات التي لا تحظى بالشخصية الاعتبارية ولا تشملها التقسيمات الإدارية([5])، فإن العدد الفعلي للمجالس القائمة هو 307 مجلساً محلياً بمافيها مجلس المحافظة ومجالس البلدات التي سقطت بيد النظام بعد استيلائه على مناطق شرق السكة في شباط 2016 .
وقد تأسست 83% من مجالس محافظة إدلب قبل عام 2015، العام الذي خرجت فيه المحافظة بالكامل من سيطرة نظام الأسد، وبصورة عامة يعاني المشهد الإداري في محافظة إدلب من هشاشة وتشظي كبيرين، أسهمت فيه تداخلات الحالة السياسية والعسكرية في المحافظة والتي انعكست على الحالة المدنية وأرخت بظلالها على المنظومة المهيكلة للمجالس المحلية بنشوء مجالس غير معتمدة من الحكومة المؤقتة وتضاعف عددها بشكل كبير وتعدد مرجعيات بعضها سواء بتبعيتها لحكومة الإنقاذ أو المؤقتة، يضاف إلى ذلك حالة انفلات منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية من عقال الضبط الحكومي.
يعبر عن المشروعية بمدى الرضى الشعبي عن تمثيل المجلس للسكان المحليين، بما في ذلك المرأة والنازحين وشريحة الشباب والفئات المهمشة، إضافة إلى طريقة تشكيل المجلس وأدائه:
تجري62 % من مجالس محافظة إدلب انتخابات دورية([6])، بعضها سنوية وبعضها نصف سنوية، كما توجد مجالس تجري انتخابات كل 4أشهر ومجالس تجري انتخابات كل سنتين، وتم اختيار أعضاء 72% من المجالس في محافظة إدلب بالتوافق، فيما اختير أعضاء 13% من المجالس بالانتخاب المباشر من السكان، ولم تتجاوز نسبة المجالس التي عينت أعضائها الفصائل المسلحة الـ1% (تدخلت الفصائل في تعيين أعضاء أربع مجالس محلية في أربع وحدات إدارية اثنتان منهما تحت السيطرة العسكرية لهيئة تحرير الشام والثالثة تحت سيطرة فيلق الشام أما الوحدة الأخيرة فهي غير خاضعة لسيطرة أي فصيل )، فيما شكلت 10 % بالمئة منها بالاعتماد على انتخابات الهيئات الناخبة، وتم اختيار 2% من المجالس من خلال مجالس الأعيان والشورى .
لا تزال مشاركة المرأة في مجالس محافظة إدلب المحلية منخفضة نسبياً إذ يوجد حضور للمرأة في 14% فقط من المجالس المحلية سواءً في الجسم التمثيلي أو الوظيفي، حيث تتنوع مشاركتها فيها فتشارك في 5% من المكاتب التنفيذية لهذه المجالس، كما أنها تشغل مناصب وظيفية في 13 % بالمئة من هذه المجالس.
وبصورة عامة يمكن اعتبار مجالس محافظة إدلب المحلية مجالساً فتية إذ تتعزز فيها مشاركة الشباب بشكل كبير و تشكل المجالس التي متوسط الأعمار فيها بين 25-40 حوالي 61% من مجموع المجالس، فيما تشكل المجالس التي متوسط الأعمار فيها يبن 40-50 حوالي 7 بالمئة فقط، أما بالنسبة للنازحين فلم تسجل أي حالة تمثيل لهم في مجالس المحافظة.
تشكل الأدوار التي تقوم بها المجالس المحلية لصالح المجتمعات المحلية واحدة من أهم عوامل بناء مشروعية هذه المجالس. ومن أهم تلك الأدوار التي يمكن للمجالس المحلية أن تلعبها هو دورها في العمل السياسي العام بصفتها ممثلاً للمجتمع المحلي، ومن ذلك المباشرة في الممارسة السياسية بتمثيل إرادة المجتمع المحلي في المحافل الدولية في ظل إشكالية التمثيل السياسي المركزي الذي ينبغي أن تضلع به البنى السياسية على المستوى الوطني، وأيضاً الدفع السياسي أو التأثير في السياسة من خلال اتخاذ المواقف وإصدار البيانات وإقامة الفعاليات والتي تتناول الموقف الشعبي من المتغيرات السياسية المختلفة التي تخص الشأن السوري و إيصال الرسائل السياسية إلى الفاعلين السياسيين الدوليين والإقليميين والمحليين، إذ تشكل المجالس المحلية التي لديها قناعة بالمشاركة في العمل أو الدفع السياسي بشكل أو بآخر 25%، إضافة إلى كون عملية التمثيل على المستوى المحلي وإدارة المجتمع المحلي سواء على مستوى الخدمات والتنمية أو على مستوى العلاقة مع الفواعل المحلية في الوحدة الإدارية أو مع الاستحقاقات السياسية ذات الطابع المحلي شكلاً من أشكال العمل السياسي، ويمكن ملاحظة عزوف الكثير من المجالس المحلية في محافظة إدلب عن الاضطلاع بمهام سياسية مباشرة على المستوى المحلي كتلك المتعلقة بالتفاوض المحلي مع النظام، كما تتفاوت قدرة المجالس المحلية في تلبية احتياجات المجتمعات المحلية على مستوى القطاعات الإغاثية و الخدمية الأساسية:
ترى 32% من المجالس أن الفصائل هي الجهة الأكثر تأهيلاً لخوض المفاوضات المحلية مع الجهات المعادية في مناطق التماس) 28 % منها يتبع إدارياً لحكومة الإنقاذ(، فيما ترى 20 % من المجالس أن المجالس المحلية هي الجهة الأكثر تأهيلاً للتفاوض، وتذهب 18 % من المجالس إلى أهمية تشكيل لجنة مشتركة من المجالس المحلية والفصائل للقيام بهذه التفاوضات. في حين ترى 17% من المجالس أن مجلس المحافظة هو الجهة الأكثر تأهيلاً لخوض المفاوضات المحلية، وترى 6% من المجالس أن الهيئة السورية للمفاوضات هي الجهة الأكثر تأهيلاً للقيام بالتفاوضات المحلية، فيما ذهب ثلاثة مجالس إلى أهمية تشكيل لجنة من مجلس المحافظة أو المجلس المحلي والهيئة العليا، ورأى مجلس واحد أهمية تشكيل لجنة من المجلس المحلي ومجلس المحافظة والفصائل، وقد امتنع 5 % من المجالس عن الإجابة عن هذا السؤال.
تولي 24% من المجالس أهمية كبيرة لقطاعات الإغاثة والصحة والتعليم والبنى التحتية (مياه، طرق، صرف صحي، كهرباء) على التوازي، فيما تولي 7 % من المجالس في المحافظة أهمية قليلة للقطاعات الأربعة، كما تتفاوت أولويات مجالس محلية أخرى بالنسبة لاعتبارات الأهمية للخدمات التي تقدمها إلا أن ميدان التعليم يعد الأكثر أهمية لحوالي ال45 % من المجالس، فيما تعتبر 41 % من المجالس قطاع الصحة الأكثر أهمية بالنسبة لها. وعدى عن هذه القطاعات تنصرف الكثير من المجالس لإعطاء الأولوية لقطاعات أخرى كالزراعة والثروة الحيوانية، أو الشؤون المدنية والعقارية، أو إزالة الأنقاض وآثار القصف، أو حل المشكلات في المجتمع المحلي، أو فتح الأفران، أو حملات النظافة ومكافحة الحشرات الضارة، أو الأمن المحلي (الإشراف على الشرطة المحلية).
الشرعية
تكتسب المجالس المحلية شرعيتها عادةً من مدى انتظامها ضمن الهيكل الإداري العام على المستوى الوطني، ما يعني اعتماديتها وفق الأنظمة الصادرة عن الحكومة المركزية وفق المعايير التي تحددها القوانين الإدارية، إضافة إلى عمل المجلس وفقاً للقوانين الإدارية الناظمة، وامتلاك المجلس لدليل تنظيمي يحدد نظامه الداخلي وهيكليته ومهامه، وقدرة المجلس على مد سلطته الإدارية على كل الحدود الإدارية لوحدته وشمل كل القطاعات المحلية بها. وفيما يلي نتائج المسح حول مدى التزام المجالس موضوع المسح بمعيار الشرعية:
الموارد والتخطيط للتنمية
لاتزال المناطق الخارجة عن سيطرة النظام تعاني من شح في الموارد وفي فرص التنمية نتيجة التحديات الأمنية وسيطرة قوى الأمر الواقع على الكثير من الموارد على حساب البنى الإدارية اللامركزية إضافة إلى غياب سلطة مركزية فعلية، توضح النسب التالية نظرة المجالس المحلية لأولويات سبل العيش المتوافرة في مناطقها:
ترى 22 % من المجالس أن سبل العيش الأكثر أهمية المتوفرة في مناطقها تتمثل في الإغاثة ودعم المنظمات بالإضافة إلى تحويلات المغتربين والأنشطة الاقتصادية المحلية، فيما تمثل عمليات الإغاثة ودعم المنظمات (دون غيرها) سبل العيش الأكثر أهمية برأي 31% من المجالس بينما تمثل تحويلات المغتربين (دون غيرها) سبل العيش الأكثر أهمية بالنسبة لـ 24% من المجالس فيما تمثل الأنشطة الاقتصادية المحلية (دون غيرها) سبل العيش الأكثر أهمية برأي 69% من المجالس القائمة في محافظة إدلب.
وبصورة عامة تشكل الزراعة أهم الفعاليات الاقتصادية في الوحدات المحلية بنسبة 81% تليها الفعاليات التجارية بنسبة 75% ثم الحرف بنسبة 66%، فيما تنخفض مساهمة قطاعي الخدمات 33% والصناعة 20% في الفعاليات الاقتصادية القائمة في الوحدات الإدارية التي تديرها المجالس المحلية في المحافظة.
أما فيما يتعلق بالمجالس نفسها فتبلغ نسبة المجالس التي لها موارد 66 %، يحدد الجدول الآتي أهم موارد دخل المجالس المحلية من حيث نسبة مساهمتها في تمويل عمل هذه المجالس وعدد المجالس المستفيدة والنسبة العامة لمساهمة هذه الموارد:
توجد موارد أخرى متفرقة تعتمد عليها الكثير من المجالس المحلية يمكن عرضها في الجدول الآتي:
لا تظهر الأغلبية الساحقة من المجلس مقدرة على بلورة الاحتياجات والأولويات والخطط ووضع الموازنات بناءً على ذلك، فما نسبته 85% من المجالس المحلية في محافظة إدلب لا يوجد لديها موازنة، و77% من المجالس لا يوجد لديها خطة وبرنامج سنوي أو نصف سنوي، رغم قدرة أغلب المجالس على تقييم الاحتياجات من خلال اللقاءات والندوات مع المجتمعات المحلية أو من خلال إجراء المسوح الاجتماعية سواء باعتماد المجالس على نفسها في ذلك غالباً أو بالتعاون مع منظمات مجتمع مدني شريكة ومنظمات دولية.
يزيد غياب ناظم مؤسسي حقيقي ومقونن يضبط علاقة المجالس ببعضها وعلاقتها بالمستويات الإدارية الأعلى وعلاقتها أيضاً بالفاعلين المحليين، يزيد من حدة الاستقطاب المناطقي والفصائلي والسياسي في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، يمكن هنا استعراض 4 مستويات من العلاقات بالنسبة للمجالس المحلية القائمة، أولها العلاقة بمجلس المحافظة أو المجلس ذو المستوى الإداري الأعلى، ثم العلاقة بالمستويات المركزية وهي تتمثل في حالة محافظة إدلب بحكومتي المؤقتة والإنقاذ، إضافة إلى الوجود الفصائلي في مناطق المجالس وتداخل العلاقة مع هذه المجالس مع العلاقة بحكومتي المؤقتة والإنقاذ:
فيما يلي مجموعة من الملاحظات التي دونها فريق البحث الميداني خلال لقائه بممثلي المجالس المحلية في محافظة إدلب، والتي تناولت جوانب مختلفة من واقع المجالس المحلية في المحافظة:
([1]) بحسب تقديرات مجلس محافظة إدلب بناءاً على سؤال موجه لرئيس المجلس بتاريخ 25/10/2018، خلال استكمال عمليات مسح مجالس إدلب.
([2]) النازحون في إدلب.. بين مأساة الحاضر وهواجس المستقبل"، محمد العبد الله، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تاريخ11/10/2018، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/Zaqtzv
([3]) اعتمد القرار 1378 على القانون الإداري 107 المتضمن معايير تقسيم الوحدات الإدارية بحسب عدد السكان في كل منطقة، كما اعتمد على الإحصاء السكاني للمكتب المركزي للإحصاء التابع لحكومة النظام للعام 2004 وتعديلاته للعام 2011 وفق معدل النمو السكاني في سوريا.
([4]) يقصد بالشخصية الاعتبارية تمتع الوحدة الإدارية بالذمة المالية المستقلة والأهلية القانونية للقيام بالتصرفات القانونية المختلفة كإبرام العقود وحق التقاضي أمام القضاء وامكانية مقاضاتها من الغير، والموطن المستقل عن الأفراد المكونين لها، ووجود شخص يعبر عن إرادة هذه الوحدة ويتصرف باسمها ويمثلها، إضافة إلى تمتعها بالمسؤولية المدنية والإدارية الكاملة.
(5) الحكومة السورية المؤقتة ومنظمة التنمية المحلية، أطلس المعلومات الجغرافي، مرجع سابق.
([6]) تم احتساب انتظام الدورات تبعاً لمقارنة عمر المجلس بعدد الدورات المصرح عنها ومدة الدورة الواحدة في المقابلة حيث يتم اعتبار أن المجلس يجري دورات انتخابية منتظمة إذا كان عمر المجلس مساوياً عدد الدورات أو عددها ناقصاً 1، حيث يتم مراعاة تأخير اجراء الانتخابات لمدة سنة على الأكثر بسبب الأوضاع الأمنية.
([7]) بحسب جدول المجالس الفرعية التابعة لمجلس المحافظة والذي حصل عليه الباحث من مكتب شؤون المجالس الفرعية في محافظة إدلب.
([8]) يُتعارف في الكثير من مناطق محافظة إدلب على تسمية العوائل بالطوائف.
تعد قضية النزوح الداخلي إحدى أبرز القضايا الإنسانية التي تعكس تبعات النزاع الدائر في سورية منذ بداية عام 2011. بعد أن اضطر السكان المحليين في العديد من المناطق لمغادرتها في رحلة نزوح قسري، أججها تصاعد وتيرة العمليات العسكرية والاستهداف الممنهج للمدنيين من قبل قوات النظام السوري وحلفائه بحثاً عن مناطق أكثر أمناً داخل سورية. ومع توالي سنوات النزاع ازداد عدد الأفراد النازحين من شتى المناطق ليصل إلى ما يقارب (6.784) مليون نازح في نهاية عام 2017، وليمثل الأطفال تقريباً ما لا يقل عن نصف هذا العدد. وبذلك أصبحت سورية وفقاً للعديد من التقارير الدولية البلد ذات العدد الأكبر من النازحين داخلياً في العالم. مع بلوغ حجم التمويل المطلوب لتلبية احتياجات النازحين داخلياً مبلغ (5.3) مليار دولار أمريكي وفقاً لخطة الاستجابة الاستراتيجية للأزمة السورية التي وضعتها الأمم المتحدة لعام 2018.
ولم يعد يخفى على المتابع للحالة السورية الوضع الصعب الذي تعيشه هذه الكتلة البشرية من النازحين على مختلف الصعد بعد أن تناقلت وسائل الإعلام معاناتهم على نطاق واسع. فمع افتقادهم المأوى وظروفهم الاقتصادية الصعبة اضطرت نسبة كبيرة منهم مرغمة للعيش في مخيمات تفتقد لأدنى مقومات الحياة الكريمة، والتي تصنف غالبيتها كمخيمات عشوائية بناها النازحون أنفسهم لتوفير مأوً مؤقت، ويصنف قاطنيها بكونهم من النازحين الأشد فقراً الذين ضاقت ذات يدهم لتأمين المسكن المناسب في مناطق نزوحهم.
ومع استطالة سنوات النزاع شكلَّت هذه المخيمات مستوطنات واسعة الامتداد ازداد أعداد النازحين فيها يوماً بعد آخر. مع افتقار غالبيتها إلى الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والصرف الصحي وغيرها من الخدمات الحياتية الأخرى. إلا أن التحدي الأكبر الذي يواجه سكان هذه المخيمات يتمثل في تأمين سبل عيشهم مع طول أمد وجودهم في هذه المخيمات وفي ظل غياب فرص العمل وقلة الدعم المقدم من قبل الجهات المانحة التي اقتصر دعم الكثير منها على تقديم بعض السلال الغذائية والصحية، مع وجود بعض المبادرات المحدودة لنشر سبل العيش ضمن هذه المخيمات. إلى جانب أن الكثير من العائلات المقيمة في هذه المخيمات تفتقد المعيل مما يفاقم من بؤسها واحتياجها. حيث تعتمد نسبة منهم على المساعدات المقدمة من قبل المنظمات الإغاثية لتأمين الاحتياجات الأساسية بحيث تسهم هذه المساعدات في تغطية جزء من نفقات هذه العائلات، إلا أن الكثير منهم يواجه تحديات خطيرة بسبب عدم الوصول المنتظم للمساعدات الإنسانية وبسبب عدم كفاية الموارد لدى المنظمات الداعمة، مما يجعل العديد من العائلات تكافح جاهدة من أجل إيجاد مصدر لكسب الرزق، وهو أمر يرتبط بقضايا عمالة الأطفال والزواج المبكر المستمرة في هذه المخيمات. في حين يعتمد البعض منهم على مساعدات الأقارب والسحب من مدخراتهم الشخصية. كذلك يوجد نسبة لا بأس بها من هؤلاء السكان تعتمد على نفسها لتأمين سبل عيشها من خلال مزاولة بعض الأعمال الحرة مستفيدين من خبراتهم المهنية السابقة قبل نزوحهم من مناطقهم. وتتركز هذه الأعمال بشكل أساسي على الحرف اليدوية مثل مهن الحلاقة والخياطة والإكسسوارات. إلى جانب ذلك يعتمد بعض سكان المخيمات على العمل في الحقول الزراعية المجاورة لهم كعمال مياومه بأجور بخسة نظراً لحاجتهم الماسة لتأمين متطلبات المعيشة. كذلك تبرز ظاهرة الباعة الجوالون بين المخيمات للمتاجرة بالبضائع والسلع الجديدة والمستعملة، ورغم محدودية المكاسب المحققة من هذه الأعمال إلا أن امتهانها من قبل العديد من النازحين أسهم في تغطية جزء من نفقاتهم المعيشية.
بناءً على ما سبق، فإن طرح قضية تنمية سبل العيش لسكان هذه المخيمات في الوقت الحاضر أصبح من الأهمية بمكان، بعد أن اقترب النزاع داخل سورية من نهايته، وبعد أن تحولت العديد من المخيمات إلى مدن وقرى صغيرة تعج بالحياة وتستلزم من ساكنيها السعي نحو تأمين الرزق لمواصلة حياتهم وتأمين متطلبات أسرهم، وخاصة تلك المخيمات المقامة في ريف حلب الشمالي ومحافظة إدلب والتي يتجاوز عدد سكانها المليوني نازح.
غير أن هناك مجموعة من المعوقات التي تقف في وجه تنمية سبل المعيشة داخل هذه المخيمات، ويتمثل أبرزها في الوضع النفسي والاجتماعي للأفراد القاطنين في المخيمات وشعورهم بالخوف وعدم الأمان من البيئة المحيطة وعدم القدرة على التكيف في إطارها، وبالتالي غياب الحافز لديهم للقيام بأي نشاط في سبيل تأمين معيشتهم نتيجة للصدمات النفسية التي لم يتمكن الكثير منهم من التعافي منها بعد، وركون الكثير منهم إلى الاعتماد على المساعدات المقدمة من المنظمات الداعمة أو الاعتماد على عمل أطفالهم. إلى جانب عدم استقرار الأفراد داخل هذه المخيمات لأسباب متعددة. كذلك يعد عدم وجود جهات رسمية داعمة لتأسيس سبل العيش داخل المخيمات، وعدم إدراج سبل العيش على سلم أولويات عمل المنظمات الداعمة من بين المعوقات الهامة لغياب فرص العمل للسكان، مع وجود مبادرات محدودة في هذا الصدد. أضف إلى ذلك عدم وجود المستلزمات المطلوبة للقيام بأي أعمال مدرة للدخل، في حين يمثل غياب سلطة رسمية للإشراف المباشر على هذه المخيمات معوقاً إضافياً لتنمية سبل العيش، مع انفراد الإدارات المشرفة عليها باستخدام سلطتها لتنظيم حياة الأفراد القاطنين داخلها، وافتقادها للخبرة والإمكانيات وتبعيتها لبعض الفصائل العسكرية أو الولاءات القبلية.
وفقاً لما سبق، فإنه لا بد أن تتضافر جهود الفواعل المحلية والدولية المهتمة بالإشراف على هذه المخيمات. من خلال التعاون فيما بينها لبناء سياسات مستقبلية لتنمية سبل العيش عبر آليات وبرامج مدروسة تتناسب وظروف هذه المخيمات وقدرات ومؤهلات سكانها، وتذليل جميع المعوقات التي تعترض تنفيذ هذه البرامج. بحيث يمكن البناء عليها والاستفادة من مخرجاتها لدمج هؤلاء السكان في محيطهم الاجتماعي وانتشالهم من دوامة الفقر والتقليل من اعتمادهم على المساعدات الإنسانية، وبما يعزز من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لهم في مناطق تواجدهم.
المصدر موقع السورية نت: http://bit.ly/2TDL8sn
أما من جانب المنظمات غير الحكومية:
مع اندلاع النزاع في سورية في 2011، وجد السكان المحليون أنفسهم مضطرين لمغادرة مناطقهم في رحلة نزوح قسري أججها تصاعد وتيرة العمليات العسكرية والاستهداف الممنهج للمدنيين من قبل قوات النظام السوري في المناطق الثائرة ضده. حيث أجبرت هذه الظروف ملايين السوريين بمختلف الشرائح العمرية على هجرة مدنهم وقراهم، بحثاً عن مناطق أكثر أمناً داخل سورية. إلا أن تبدل السيطرة العسكرية على المناطق في العديد من المحافظات السورية، أفرزت حالة من عدم استقرار السكان النازحين في هذه المناطق، إلى جانب إجبارها أعداد متزايدة من السكان على ركوب موجة النزوح. ومع توالي سنوات النزاع ازداد عدد الأفراد النازحين ليصل إلى ما يقارب (6.784) مليون نازح في نهاية عام 2017([1]).
اتسمت موجات النزوح الداخلي في العديد من المناطق السورية بصفة النزوح المؤقت، بعد أن لجأ العديد من السكان للنزوح إلى المناطق القريبة من مناطقهم الأصلية على أمل الرجوع إليها قريباً بعد انتهاء الأعمال العسكرية. إلا أن واقع الحال أجبرهم على تكرار تجربة النزوح لأكثر من مرة مما فاقم من معاناتهم وضعفهم الاجتماعي على مدار السنوات السبع الماضية. وليس خفياً على المتابع للحالة السورية الوضع الإنساني الصعب الذي تعيشه هذه الكتلة البشرية من النازحين على مختلف الصعد، فمع غياب المأوى والظروف الاقتصادية الصعبة اضطرت نسبة كبيرة منهم للعيش في مخيمات تفتقد لأدنى مقومات الحياة الكريمة، منها ما أقيم بشكل عشوائي والبعض الآخر أقيم ضمن تجمع تشرف عليه بعض منظمات المجتمع المدني. وشكلت هذه المخيمات مستوطنات واسعة الامتداد يزداد أعداد النازحين فيها يوماً بعد آخر، مع افتقار غالبيتها إلى الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والصرف الصحي وغيرها من الخدمات الحياتية الأخرى. إلا أن التحدي الأكبر الذي يواجه سكان هذه المخيمات يتمثل في تأمين سبل عيشهم مع طول أمد وجودهم داخلها، وفي ظل غياب فرص العمل وقلة الدعم المقدم من قبل الجهات المانحة التي اقتصر دعم الكثير منها على تقديم بعض السلال الغذائية والصحية، مع وجود بعض المبادرات المحدودة لنشر سبل العيش ضمن هذه المخيمات. إلى جانب أن الكثير من العائلات المقيمة في هذه المخيمات تفتقد المعيل مما يفاقم من بؤسها واحتياجها، ولتشكل هذه المخيمات أحد أبرز التحديات في مناطق تواجدها مع قلة الإمكانات المادية المتاحة لدى المنظمات واللجان المحلية لتلبية احتياجاتها أو دمجها في المجتمعات المضيفة. ووفقاً لخطة الاستجابة الاستراتيجية للأزمة السورية التي وضعتها الأمم المتحدة لعام 2018 فقد بلغ حجم التمويل المطلوب لتلبية احتياجات النازحين داخلياً 5.3 مليار دولار أمريكي.
بناءً على ما سبق، فإن طرح قضية سبل العيش في الوقت الحاضر أصبح من الأهمية بمكان، بعد أن اقترب النزاع داخل سورية من نهايته، وبعد أن تحولت العديد من المخيمات إلى مدن وقرى صغيرة تعج بالحياة وتستلزم من ساكنيها السعي نحو تأمين الرزق لمواصلة حياتهم وتأمين متطلبات أسرهم، وخاصة تلك المخيمات المقامة في ريف حلب الشمالي ومحافظة إدلب.
تهدف هذه الدراسة إلى توصيف وتحليل واقع سبل العيش للسكان في مخيمات النزوح الداخلي، من خلال العمل بداية على تشخيص مصادر دخل سكان المخيمات، ومن ثم تحديد أهم المعوقات الرئيسية التي تحد من تنمية هذه السبل، وصولاً إلى وضع مجموعة من الآليات والبرامج التي يمكن أن تساعد على تنمية سبل العيش للسكان داخل هذه المخيمات. كذلك تهدف الدراسة من جانب آخر إلى التعرف على الدور الذي يمكن أن تلعبه مختلف الأطراف في تنمية سبل العيش، وتقديم مجموعة من التوصيات للتخفيف من أثر المعوقات التي تحد من تنمية سبل العيش وبما يعزز من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للسكان ضمن هذه المخيمات.
يتقدم مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بجزيل الشكر والتقدير للجهود التي بذلتها مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية لمساعدتها في تنفيذ الجانب الميداني للدراسة من خلال مكتبها في مدينة إعزاز.
يتكون مجتمع الدراسة من الأفراد المقيمين في مخيمات النزوح داخل سورية من الذكور والإناث ممن هم في سن العمل، وهم يمثلون وحدة التحليل في هذه الدراسة.
تتكون عينة الدراسة من (107) مستجوب تم اختيارهم وفق تقدير الباحث بطريقة الملاءمة، وقام الباحث باستهداف العينة في مخيم باب السلامة في مدينة إعزاز ومخيم الجبل في مدينة جرابلس في منطقة درع الفرات. وقد تم اختيار هذين المخيمين كونهما من المخيمات المكتظة بالنازحين، ووجودهما في منطقة تمتاز نسبياً بالاستقرار الأمني، ووجود نوع من التنظيم والإشراف على مخيمات هذه المنطقة. كما أن هاتين المدينتين أخذتا تشهدان حالة من عودة الحياة الاقتصادية إليهما ووجود توجه من الحكومة التركية لإعادة الإعمار الاقتصادي لهذه المناطق وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للسكان. وبالتالي تتيح لنا هذه العوامل دراسة وتقييم واقع وتحديات سبل العيش للأفراد القاطنين في مخيمات النزوح بشكل أفضل.
مع الأخذ بعين الاعتبار الحدود الزمنية والمكانية لإنجاز الدراسة والتي بذل القائمون على إعدادها جهود كبيرة لضمان تمثيل العينة المختارة لمجتمع الدراسة، إلى جانب الصعوبات التي واجهتهم في اختيار العينة الملائمة ضمن هذه المخيمات نتيجة عدم رغبة الكثير من النازحين لملء الاستمارة والتعاون مع الباحث. بسبب خصوصية موضوع الدراسة الذي يتعلق بدمج القاطنين في المخيمات اقتصادياً واجتماعياً مع مناطق تواجدهم. ولشعور عدد منهم بأن الهدف منه سياسي، وتحديداً التوطين وتجاهل حق العودة لمناطقهم الأصلية. إلى جانب عدم ثقة قسم منهم بجدوى مثل هذه الدراسات.
تحتوي منطقة درع الفرات على تجمعين للمخيمات أحدهما في مدينة إعزاز وهو الأقدم منذ النشأة، إذ أنه أنشأ مع بدء تدفق النازحين إلى المناطق المحررة في ريف حلب الشمالي عام 2012 عندما اكتمل تحرير معظم الريف الشمالي. بينما يقع التجمع الآخر في ناحية جرابلس وهو حديث نسبياً، حيث تم إنشاؤه بعد تحرير الناحية من قوات تنظيم الدولة في الأشهر القليلة التي تلت بدء عملية درع الفرات في شهر آب لعام 2016. في حين استمر تدفق النازحين إلى هذه المناطق في فترات وظروف مختلفة من تاريخ النزاع حتى الوقت الحاضر. بسبب تفضيل الكثير من النازحين والجهات المانحة على حد سواء مدينتي إعزاز وجرابلس نظراً لبعدها عن خطوط الجبهات وقربها من الحدود التركية والمجال الجوي التركي، الأمر الذي جعلها بمنأى عن التعرض للقصف والغارات الجوية إلى حد كبير مقارنة بغيرها من المناطق. ويحتوي تجمع إعزاز على 20 مخيم يوجد داخلها 97000 نازح، في حين يوجد 5 مخيمات في تجمع جرابلس يوجد داخلها 17000 نازح([2]). ويبين الشكل (1) والشكل (2) تفصيل أكثر عن الشرائح العمرية لسكان هذه المخيمات. إلى جانب ذلك يوجد عدد من النازحين الذين يعيشون مع أسرهم خارج أسوار هذه المخيمات في خيم عشوائية أو في سياراتهم الخاصة. ويبلغ عددهم في جرابلس حوالي 814، بينما لا تتوافر احصائيات عن عددهم في مدينة إعزاز([3]). كذلك يبين الشكل (1) عدد ونوع الفئات المستضعفة ضمن هذه المخيمات.
تم استخدام المنهج الوصفي التحليلي في هذه الدراسة في وصف وتفسير وتحليل واقع سبل العيش في مخيمات النزوح الداخلي، حيث يمكن من خلال هذا المنهج جمع البيانات من مجتمع الدراسة لمحاولة تحديد الواقع الحالي لسبل العيش والتحديات التي تحول دون تنميتها، ومن ثم تحليل مضمون البيانات التي تم جمعها وصولاً إلى عرض النتائج.
أما بالنسبة لطرائق جمع البيانات فقد تم الاعتماد على نوعين من البيانات:
لا توجد أرقام دقيقة لعدد النازحين داخل سورية، لكن بعض المصادر تحدد ولو بشكل تقريبي أرقاماً نسبية لهذا العدد، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى عدم استقرار النازحين وانتشار وجودهم في كافة أنحاء سورية وخاصة في المناطق شبه الآمنة.
منذ بداية النزاع أجبر أكثر من نصف سكان سورية على ترك منازلهم، وشهدت الأعوام 2011-2018 تزايداً متفاوتاً في حركة النزوح. ويقدر أن حوالي 8684 شخصاً أجبروا على مغادرة منازلهم أو مناطق إقامتهم يومياً في عام 2018. كما أن هناك ما لا يقل عن 5.2 مليون شخص لجؤوا إلى دول الجوار حتى نهاية آذار/مارس 2018. في حين بلغ عدد النازحين داخل سورية وفقاً لمركز مراقبة حركة النزوح الداخلي (6.6) مليون بتاريخ 15-04-2018، ويمثل الأطفال تقريباً ما لا يقل عن نصف هذا العدد، بينما يشكل الذكور والإناث نسبة 49% و51% على التوالي([4]). وبذا تعد سورية الآن البلد ذات العدد الأكبر من النازحين داخلياً في العالم([5]).
كما يبين الشكل (4) كثافة التوزع النسبي للأفراد النازحين في مختلف مناطق سورية والعدد التقريبي للأفراد ذوي فترة النزوح طويلة الأجل في المحافظات السورية.
توزعت مخيمات النزوح في معظم أرجاء سورية على اختلاف مناطق السيطرة العسكرية، واتسمت غالبيتها بالعشوائية وفقدانها لأدنى مقومات الحياة والنقص الكبير في تقديم المساعدات الإنسانية. وقد أدى تبدل السيطرة العسكرية على بعض المناطق إلى إزالة البعض من هذه المخيمات أو اضطرار سكانها إلى النزوح إلى أماكن أخرى لدواعي أمنية. ويبين الشكل (5) توزع مخيمات النزوح في سورية في بدايات عام 2018. إلا أن التركز الأكبر لمخيمات النزوح السوري كان في مناطق الشمال السوري التي احتضنت العدد الأكبر منهم منذ بداية اندلاع النزاع في بدايات عام 2011 حتى الوقت الحاضر.
ويُشير الواقع الحالي لمخيمات النازحين في الشمال السوري إلى وجود نوعين من المخيمات، وهي المخيمات النظامية التي تكفلت منظمات محلية ودولية برعايتها وتقديم الحاجات الأساسية لها، والمخيمات العشوائية التي أقامها الأهالي لتأمين مكان آمن يختبئون فيه بعيداً عن دائرة المعارك فاعتمد البعض منهم على الخيم القماشية فيما اعتمد آخرون على استخدام المرافق العامة كالمدارس وغيرها ملاذاً له. وتصنَّف غالبية هذه المخيمات في الشمال السوري تحت مسمى المخيمات العشوائية وفق تصنيف قطاع وإدارة تنسيق المخيمات. وقد بلغ عدد النازحين في هذه المخيمات بتاريخ 4 نيسان من عام 2018 (857324) نازحاً. في حين بلغ عدد مخيمات النزوح في الشمال السوري في 4 نيسان من عام 2018 (790) مخيماً. ويقدر عدد النازحين في مخيمات ريف حلب بـ (303790) نازحاً وبنسبة (35.01%) من عدد المقيمين في مخيمات النزوح في الشمال السوري. كذلك يبلغ عدد النازحين في مخيمات إعزاز وجرابلس (224923) نازح.
يندرج القسم الأكبر من مخيمات النزوح الداخلي ضمن مسمى المخيمات العشوائية وهي المخيمات التي يتم إنشاؤها من قبل النازحين أنفسهم بشكل ارتجالي نتيجة اضطرارهم لمغادرة مناطقهم بشكل مفاجئ دون أن يكون هناك أي إشراف من قبل أي جهة على هذه المخيمات. ونتيجة لانتشارها الكبير في مناطق الشمال السوري وتقاربها من بعضها نشأت مشكلة تداخل حدود هذه المخيمات، الأمر الذي يستحيل معه رسم خارطة دقيقة لها، أضف إلى ذلك حالة عدم استقرار هذه المخيمات التي يتم إزالة بعضها بعد تأسيسها أو انتقالها لمنطقة أخرى لأسباب متعددة. فضلاً عن عدم انطباق معايير الحياة السليمة فيها وعدم توفر الخدمات الأساسية للنازحين مما يزيد في معاناتهم اليومية. ووفقاً لتصنيف قطاع إدارة وتنسيق المخيمات فإن نسبة المخيمات العشوائية تبلغ 85.9%([7])-([8]). وتعزى هذه النسبة المرتفعة لمجموعة من العوامل التي تتمثل بعدم وجود إدارة مركزية للإشراف على هذه المخيمات وتقديم معلومات إحصائية دورية ومتكاملة عن أعداد المخيمات والقاطنين داخلها، والتراجع الكبير في دعم ملف المخيمات من قبل الوكالات والمنظمات الدولية، إلى جانب التقصير الكبير من قبل المنظمات المحلية لتلبية متطلبات هذه المخيمات وعدم إيلاءها الاهتمام الكافي بتخصيص جزء مناسب من موازناتها لذلك. مما تسبب بحرمان نسبة كبيرة من هذه المخيمات من المساعدات الإنسانية([9]). وقد كان لتفشي الفقر والبطالة الطويلة الأمد تداعيات سلبية كبيرة على قطاعي الصحة والتعليم مع النقص الحاد في الأدوية وارتفاع أسعارها. ويُقدر أن 82% من أماكن تجمع النازحين تعتمد بشكل كامل على المساعدات الإغاثية لتلبية حاجاتها الأساسية، فيما يقدر بأن 85% منهم غير قادرين على تلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية الشهرية من دون هذه المساعدات([10]).
ونظراً لغياب أفق واضح لمصير هذه المخيمات واستطالة وجودها، بدأت ترتسم معالم وجود توجه يقتضي بأن يطبق على هذه المخيمات معايير المجتمعات الثابتة وليس معايير sphere ([11]). وذلك لكون المخيمات الحالية أصبحت مجتمعات ثابتة، وقد مر على إنشائها سنوات تجاوز الستة في كثير منها، إلى جانب تحول العديد من التجمعات التي تحتوي على هذه المخيمات إلى ما يشبه القرى الصغيرة المتناثرة، واتخذت تسميات باتت تُعرف بها من قبل جميع السكان في مناطق وجودها، فضلاً عن تشكل الأسواق التجارية المتكاملة وتوفر الكهرباء والمياه والطرق وغيرها من الخدمات الأخرى([12]).
في الجانب القانوني، ينص القانون الدولي على وجوب تمتع الأشخاص المهجرين داخلياً بكامل حقوقهم إلى جانب المساعدة الإنسانية والحماية وهو ما يقع على عاتق الدولة، وتصبح المساعدة والحماية الدولية ضرورة عندما تكون السلطات الوطنية غير قادرة أو غير راغبة بالوفاء بالتزاماتها، أسوة بحماية حقوق اللاجئين والتزامات الدول المنصوص عليها ضمن أحكام المعاهدة الدولية الخاصة باللاجئين لعام 1951، والتي تشمل في حالة النازحين المساعدة في توفير الطعام والمأوى الملائم والرعاية الصحية والتعليم، وتسهيل تطبيق الحلول الدائمة الطوعية المتمثلة في العودة إلى الديار الأصلية([13]).
إلا أن واقع الحال يشير إلى أن المجتمع الدولي قام بتطبيق ما ورد في هذه المعاهدة في حدوده الدنيا على النازحين داخل سورية خلال السنوات الماضية، على الرغم من زيادة عدد النازحين داخلياً في سورية عن ضعفي عدد اللاجئين خارجها، ورزوحهم تحت خطر يفوق التخيل. حيث تذرعت الأمم المتحدة بالوضع الأمني لأماكن وجودهم ووجود مخاطر في عملية إيصال المساعدات إلى داخل سورية، وعدم قدرتها على العمل في أماكن تسيطر عليها بعض الفصائل العسكرية المتشددة. مما أدى إلى تفاقم الوضع المعيشي لهؤلاء النازحين في جميع القطاعات مع طول أمد وجودهم في هذه المخيمات. أضف إلى ذلك قيام الأمم المتحدة بتقديم المساعدات لإيصالها لأماكن النزوح عبر مؤسسات حكومة نظام الأسد، الذي كان المتسبب الرئيسي في نزوحهم من مناطقهم، الأمر الذي حرمهم من الاستفادة من هذه المساعدات بعد قيام هذه المؤسسات بسرقتها وبيعها في السوق السوداء وفق للعديد من التقارير الميدانية([14]). وقد أدى قيام الأمم المتحدة باعتماد النظام كأحد أطراف النزاع لإدارة توزيع مليارات الدولارات الأمريكية من المساعدات الدولية إلى التسبب في مصرع آلاف المدنيين بسبب التجويع أو الأمراض الناتجة عن سوء التغذية أو عدم الوصول إلى المساعدة الطبية. إلى جانب ذلك فقد أعلن تحالف مؤلف من 73 منظمة غير حكومية ومجموعة مساعدات تعمل في مناطق سيطرة المعارضة السورية في 8 أيلول من عام 2016 عن انسحابه من آليات رقابة مشتركة يديرها مكتب الأمم المتحدة في دمشق، وذلك احتجاجاً على ما وصفه بميول الأمم المتحدة الموالية لنظام الأسد وفقدانها الثقة بطريقة عمل المنظمة. وكانت رسالة الانسحاب هذه إشارة سياسية واضحة من هذه المنظمات ذات الصلة بمجموعات معارضة أو حكومات موالية للمعارضة السورية والتي تقدم المساعدات لأكثر من سبعة ملايين نسمة في سورية والدول المجاورة. الأمر الذي أدى عملياً إلى عدم تمكن الأمم المتحدة من الاستمرار في مواكبة ما يجري في شمال سورية وفي المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة حيث تقوم المنظمات الأهلية بالجزء الأكبر من عملها([15]). وقد أدى ما سبق إلى تفاقم الوضع الإنساني في هذه المخيمات. إلا أن المشكلة المستمرة تكمن في عدم قدرة الأفراد على تأمين لقمة العيش، فهناك نقص حاد للواردات الغذائية ومعظم سكان هذه المخيمات من العاطلين عن العمل أي لا دخل لديهم لتأمين احتياجاتهم التي لم تستطع المعونات المقدمة سد رمقهم فيها.
تقع منطقة درع الفرات في الشمال السوري، وتمتد على طول الشريط الحدودي الذي يفصل بين سورية وتركيا بمساحة تقدر بحوالي 2269 كم2، ويشكل نهر الفرات الحدود الطبيعية الشرقية لها مما يجعلها غنية بالمياه الصالحة للشرب والزراعة. وقد عانت هذه المنطقة من تبعات النزاع في سورية الذي أدى إلى دمار كلي في البنية التحتية لها وهجرة رؤوس الأموال الصناعية إلى المدن التركية؛ فضلاً عن هجرة اليد الماهرة منها إلى تركيا وأوربا، كما أنها عانت من الانكماش التجاري نتيجة الحصار الذي تخضع له من جانب قوات نظام الأسد جنوباً، إلى جانب ضعف حجم التبادل التجاري مع تركيا الذي اقتصر خلال الفترة الماضية على استيراد المواد الأساسية وإدخال المواد الإغاثية.
إن الانتعاش في الحياة الاقتصادية لمنطقة درع الفرات غير متوازن من حيث القطاعات. إذ يتركز النشاط الاقتصادي في هذه المنطقة في الفترة الحالية عموماً حول النشاط التجاري نظراً لقرب مناطقها من الحدود التركية وتوافر فرص التبادل التجاري والاستقرار الأمني الذي تعيشه المنطقة. ويتركز هذا النشاط بشكل أساسي في كل من مدن إعزاز والباب وجرابلس والراعي نظراً لوجود ثلاث معابر على الحدود مع تركيا كما يبين الشكل(6).
وتشهد المعابر حركة عبور كبيرة للبضائع من الأراضي التركية إلى المنطقة وعبرها إلى المناطق والمدن المجاورة؛ الأمر الذي أسهم في حل جزء كبير من المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها المنطقة من خلال زيادة تدفق رؤوس الأموال إليها وإحياء النشاط التجاري والصناعي. إذ يتم تصدير بعض المنتجات الزراعية بشكل محدود واستيراد البضائع التركية والمواد الخام اللازمة للأنشطة الصناعية، ولتجد هذه البضائع طريقها إلى مناطق الريف الشمالي ومدينة حلب عن طريق مجموعة من التجار والوسطاء الذين يشكلون دوراً هاماً في تأمين المواد الأساسية للسكان مثل المواد الغذائية ومواد البناء وبعض السلع الأخرى. وتتصدر تجارة المواد الغذائية الحركة التجارية بنسبة 35%، تليها تجارة الحبوب بنسبة 19%، ثم تجارة البذور والأسمدة بنسبة 14% لكل منهما وتجارة مواد البناء بنسبة 12%([16]). إلا أن الملاحظ هو كون هذه الحركة في غالبيتها هي باتجاه واحد من تركيا إلى هذه المناطق؛ مما يوجب العمل على دعم قطاعي الزراعة والصناعة لتنشيط دورة الحياة الاقتصادية وتأمين فائض للتصدير.
تشهد المنطقة بوادر لعودة النشاط الصناعي، فقد شجع مناخ الاستقرار النسبي الذي تعيشه المنطقة على إعادة تفعيل بعض المصانع القائمة وافتتاح مصانع جديدة في بعض المدن. ففي مدينة الباب تم افتتاح عدد من المصانع لمواد البناء وإنتاج البطاريات الصناعية والمنتجات الغذائية ومواد البناء والعديد من المنتجات الأخرى. وبالمقابل أعاق دمار البنية التحتية والنقص في الخدمات العامة افتتاح عدد من المصانع والورشات الموجودة، وحالت دون افتتاح مصانع وورشات جديدة. أضف إلى ذلك النقص في الموارد الخام وارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج وعدم توافر الوقود في الكثير من الأحيان وعدم توافر التيار الكهربائي، في حين تنشط في بعض المدن الأخرى بعض الورش الصناعية الصغيرة مثل ورشات الحدادة والأحذية والخياطة وصناعة المنظفات وورش صناعة مواد البناء، وورش إصلاح الآليات إلى جانب انتشار بعض معاصر الزيتون. حيث تؤَّمِن هذه الورش مصادر للدخل وتغطية الاحتياجات الاستهلاكية الأساسية لنسبة من سكان هذه المنطقة.
فيما يتعلق بالنشاط الزراعي تعد المنطقة زراعية بامتياز. ونتيجة لما شهدته هذه المنطقة من أعمال عسكرية فقد تقلصت مساحة الأراضي القابلة للزراعة. ويعتمد السكان في الوقت الحاضر على زراعة بعض المحاصيل الزراعية مثل الحبوب وبعض الأشجار المثمرة. ويعاني القطاع الزراعي من ارتفاع تكلفة الإنتاج الزراعي والحيواني، إلى جانب انخفاض أسعار المحاصيل الزراعية، وصعوبة تصدير بعض المحاصيل الزراعية الاستراتيجية وعدم وجود أسواق لتصريفها، الأمر الذي أدى إلى إحجام المزارعين عن زراعتها. وقلة عدد المنظمات التنموية المعنية بتنمية النشاط الزراعي والحيواني في المنطقة. ونظراً للطابع الزراعي لهذه المنطقة شهدت الآونة الأخيرة دخول إحدى أكبر الشركات التركية الزراعية إليها مع وجود توجه لدى الحكومة التركية لتمكين المنطقة اقتصادياً، وسيترافق دخول هذه الشركة مع دخول شركات أخرى تعمل في مجال دعم المشاريع الصغيرة. وتسعى الشركة إلى افتتاح مكتب لها في الداخل السوري، وذلك لتسهيل استثماراتها في المنطقة، في حين أن تعاملها سيكون بشكل مباشر مع المجالس المحلية بالتنسيق مع المكاتب الزراعية لديها([17]).
إلى جانب ذلك، ساهمت الحاجة الكبيرة إلى السكن بسبب ازدياد أعداد الوافدين والعائدين إلى المنطقة في إحياء وازدهار قطاع البناء الذي استطاع توفير الكثير من فرص العمل للسكان([18]). كذلك كان هناك انعكاس إيجابي لهذا الازدياد من خلال قيام عدد من الوافدين في دعم اقتصاد المنطقة عبر ضخهم لكمية من رؤوس الأموال في هذا القطاع.
نظراً لحاجة المنطقة إلى مشاريع تنموية كبيرة لإعادة تنشيط وإنعاش الحياة الاقتصادية فيها؛ تحاول المجالس المحلية العمل على توفير الظروف المناسبة لإطلاق مشاريع تنموية وخاصة في قطاع الزراعة، نظراً للإمكانيات التي تتمتع بها المنطقة من حيث طبيعة الأراضي الخصبة والجو الملائم لزراعة بعض المحاصيل. مما سيسهم في توفير فرص العمل والحد من البطالة، واستثمار الطاقات البشرية والخبرات الموجودة لدى المقيمين والنازحين على حد سواء لتنمية هذه المنطقة ومساعدة السكان على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
بالنسبة للجهات الناظمة للحياة الاقتصادية في المنطقة، فتنشط المجالس المحلية ولجنة إعادة الاستقرار في مناطق الدرع في محاولة منها لتنظيم القطاعات الاقتصادية وإعادة الإعمار الاقتصادي. إذ تحاول المجالس الإسهام في تنظيم هذه القطاعات عبر إحداثها بعض المكاتب التخصصية(([19])). إلى جانب قيام الحكومة التركية بتقديم الدعم الفني لهذه الجهات للتسريع في عملية إنعاش هذه المنطقة اقتصادياً عبر إطلاقها جملة من المشاريع الاقتصادية مثل مشاريع الإسكان، ومشروع تأسيس مدينة صناعية في مدينة الباب في 10 شباط من عام 2018. والتي من المتوقع أن تعمل على جذب معظم الصناعيين والتجار في المنطقة خلال الفترة المقبلة وإيجاد آلاف فرص العمل للشباب العاطلين عن العمل([20]). بعد أن عانت المنطقة خلال السنوات الماضية من غياب المشاريع الاستثمارية الضخمة التي تساعد على تشغيل الأيدي العاملة وتقليل نسب البطالة.
يبلغ عدد سكان المنطقة حوالي (987845) شخص يتوزعون في تسع مدن رئيسية كما يبين الشكل (7). وهذا الرقم في تزايد مضطرد بسبب حركة النزوح الداخلي باتجاه هذه المنطقة وعودة اللاجئين السوريين من تركيا. ويبلغ عدد المجالس المحلية الرئيسية في المنطقة 10 مجالس، يتبع لكل منها مجالس صغيرة تتلقى الدعم منها، ويتعامل الجانب التركي مع المجالس المحلية الرئيسية في المنطقة بصفتها حكومات محلية بيدها إدارة شؤون المنطقة كاملة، وتعتبر قوات الشرطة والأمن العام ذراعاً تنفيذية في كثير من الأحيان في الأمور التنظيمية وتطبيق القوانين التي تفرضها المجالس على الأهالي. ويشرف الجانب التركي بشكل شبه كامل على المجالس المحلية في المنطقة منذ أن بدأ بصرف رواتب شهرية لموظفيها، وبعد أن تولت "إدارة الطوارئ والكوارث التركية/آفاد" مسؤولية الإشراف الكامل على العمل الإنساني والإغاثي في المنطقة ومنعت أي منظمة أجنبية أو محلية من العمل فيها من دون إشرافها عليها. وتتبع المنطقة إدارياً إلى ولايتي غازي عينتاب وكيليس جنوبي تركيا. وانتدب الجانب التركي ممثلاً عنه في كل مجلس يحمل الصفة الرسمية: "مساعد والي"، وهو بمثابة والٍ على المدينة التي تتبع لها قرى ومزارع، وهذا المنصب يتسلمه 10 أشخاص هم بمثابة صلة الوصل بين المجالس المحلية والوالي([21]).
لا يمكن النظر إلى المدن في مناطق درع الفرات بأنها ذات سوية واحدة في توافر الخدمات والبنية التحتية، ويوجد اختلاف بين مدينة وأخرى، وهناك جهود تبذل من قبل الحكومة التركية بالتعاون مع المجالس المحلية ولجنة إعادة الاستقرار لتغطية جميع هذه المدن بالخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والاتصالات والنقل وغيرها من الخدمات وإعادة تأهيل البنية التحتية لها بهدف توطيد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لسكان هذه المناطق([22]). وتأمين العودة الكريمة للاجئين السوريين من هذه المناطق من المقيمين في تركيا. ويعود الاختلاف في ذلك إلى ارتباط المجالس المحلية في بعض المدن كالباب وجرابلس مع ولاية غازي عنتاب التي تلقت عناية أكبر، من ناحية حجم الخدمات المقدمة ونوعيتها وكثافتها. مقارنة بمجالس المدن المرتبطة بولاية كيليس كمدن إعزاز ومارع وصوران الذي يعود إلى فوارق الإمكانيات بين الولايتين.
تتركز مشكلات سكان منطقة درع الفرات بشكل أساسي في نسبة البطالة المرتفعة والارتفاع في معدلات الفقر وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين بشكل كبير، إلى جانب عدم توفر السكن مع ارتفاع الحاجة له بعد تزايد أعداد الوافدين والعائدين إلى المنطقة. مما أدى إلى ارتفاع أسعار إيجارات السكن بشكل لا يتناسب وإمكانات السكان المادية مع قلة فرص العمل وارتفاع تكاليف الحياة المعيشية. الأمر الذي انعكست آثاره السلبية بشكل أكبر على المهجرين والنازحين إلى هذه المناطق، مما أدى إلى بقاء العديد منهم ضمن المخيمات أو اضطرارهم للسكن في منازل مدمرة غير صالحة للسكن، ناهيك عن عدم تمكن نسبة كبيرة منهم من الحصول على أي فرصة عمل.
فيما يتعلق بمصادر دخل السكان، فقد أفرزت الأحداث التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية انعكاسات سلبية على حياة الأفراد نتيجة التدهور الكبير في مؤشرات سوق العمل، وفقدان نسبة كبيرة منهم لسبل عيشهم. بحيث أصبح اهتمامهم الرئيس في الوقت الحاضر منصباً على البحث عن عمل يقيهم شظف العيش بعد أن أصبح عبء تكاليف المعيشة ثقيلاً عليهم في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يكابدونها. ونظراً لطبيعة المنطقة الزراعية كما بينا سابقاً، فقد احتلت الزراعة المصدر الأول للدخل وفقاً لتقييم أعدته وحدة تنسيق الدعم في عام 2017 في المدن الرئيسية لهذه المنطقة. كما شملت مصادر الدخل الأخرى العمل في المهن الحرة والتجارة والصناعة والإسكان والعمل اليدوي وبيع المواشي ومنتجاتها والاعتماد على الحوالات المالية الواردة من الأقارب، إلى جانب الاعتماد على المساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات الإغاثية المحلية والدولية. وبات استخدام أكثر من وسيلة لكسب العيش لدى الأسر هو الشكل الأكثر شيوعاً في المنطقة([23]). نتيجة للتغيرات الكبيرة في جودة الحياة وطرق كسب العيش، وبعد أن أصبح الدخل المتولد من العمل وحده غير كاف لتغطية نفقاتها في كثير من الحالات نتيجة للانخفاض الكبير في مستوياته إلى جانب ارتفاع الأسعار، بحيث بات السكان ينفقون أكثر مما يكسبون. مما دفع الكثير من هذه الأسر إلى الاعتماد على مزيج من العمل والمساعدات الإنسانية لمقابلة احتياجاتها. إلى جانب الانتشار الواسع للأعمال غير الرسمية وغير المشروعة مثل تهريب البضائع. كذلك لوحظ انتشار بعض الأنشطة غير المقبولة اجتماعياً بهدف كسب العيش، كما برزت ظاهرة التوظيف لدى منظمات المجتمع المدني والمجالس المحلية والمنظمات غير الحكومية العاملة في المنطقة.
ويبين الشكل (8) أهم مصادر دخل السكان في المدن الرئيسية لمنطقة درع الفرات، والتي تتركز بشكل كبير في قطاعي الزراعة والتجارة.
فيما يلي تحليل لإجابات أفراد عينة الدراسة على الاستبانة البحثية المقدمة لهم.
أظهرت المعطيات الميدانية أن أفراد عينة الدراسة تتكون من الذكور بنسبة (90%) بينما بلغت نسبة الإناث (10%) كما يبين الشكل (9)، ويرجع انخفاض نسبة مساهمة النساء في عينة الدراسة إلى النظرة الاجتماعية المتحفظة تجاه عمل المرأة لدى العديد من العائلات السورية المقيمة داخل مخيمات النزوح، والتي تنتمي في غالبيتها إلى مجتمعات مدنية وحضرية ذات طابع محافظ. كذلك مثلت العوامل المرتبطة بالعادات الاجتماعية مانعاً من مشاركة الإناث في الاستجابة للمشاركة في تنفيذ الدراسة عبر ملء الاستبانة.
تركزت غالبية أعمار عينة الدراسة في فئة (30-19) وبنسبة (41%)، تلتها الفئة العمرية (40-31) بنسبة (34%)، وتمثل هاتين الفئتين الشريحة العمرية من الأفراد المقيمين في المخيمات والباحثة عن تأمين سبل العيش والتي تستهدفها هذه الدراسة بشكل أساسي. بينما حلت الفئة العمرية (أكبر من 40) في المرتبة الثالثة بنسبة (22%)، في حين حلت في المرتبة الأخيرة الفئة العمرية أقل من (18%) كما يبين الشكل (10).
وتعكس الفئة العمرية لعينة الدراسة تنوعاً في أعمار المستجوبين وتوازناً منطقياً من حيث النسب المئوية، مما يساهم في إغناء النتائج التي ستقدمها الدراسة.
بينت نتائج الدراسة الميدانية انخفاض المستوى التعليمي لدى عينة الدراسة، حيث بلغ مجموع نسبة حملة الشهادة الجامعية والمعهد المتوسط نسبة 23% فقط، في حين بلغت نسبة حاملي الشهادة الثانوية وما دون نسبة 77%. كما يبين الشكل (11). مما يؤشر إلى أن غالبية الأفراد من حملة الشهادات الجامعية من النازحين يقيمون خارج هذه المخيمات، بعد أن تمكن قسم كبير منهم من تأمين فرص عمل مكنَّتهم من تغطية تكاليف معيشتهم والاستقرار خارج مخيمات النزوح. ويفرض هذا بدروه تحدياً كبيراً على الجهات المهتمة بتنمية سبل العيش داخل هذه المخيمات للأفراد ذوي المستوى التعليمي المتدني التي تتطلب جهود وتكاليف أكبر لتأهليهم لسوق العمل. فضلاً عن وجود نسبة من الأفراد الأميين داخل هذه المخيمات.
تبين المعطيات أن غالبية أفراد العينة تراوح عدد سنوات وجودهم في مخيم النزوح بين (1-3) سنوات وشكل نسبة (64%) منها. في حين أن نسبة (28%) منهم تقل فترة وجودهم في المخيم عن السنة، بينما بلغت نسبة من تجاوزت فترة وجوده في المخيم (3) سنوات نسبة (8%) كما يبين الشكل (12). وتفسر هذه النسب بأن الأفراد الذين هم في سن العمل لا يستقرون لفترات طويلة داخل هذه المخيمات مقارنة بالنساء وكبار السن والأطفال. نظراً لصعوبة الحياة المعيشية واضطرارهم للبحث عن العمل خارج هذه المخيمات لإعالة عائلاتهم.
يمكن تصنيف مصادر دخل سكان المخيم ضمن مجموعتين، تشمل المجموعة الأولى المصادر المعتمدة على المساعدات والإعانات المقدمة من قبل الجهات والمنظمات المهتمة بدعم سكان هذه المخيمات، إلى جانب بعض المصادر التي تشمل المدخرات الشخصية واعتماد بعض السكان على أنفسهم في تأمين متطلباتهم الشخصية. ويبين الشكل (13) أهم مصادر التمويل ضمن هذه المجموعة.
ترى نسبة (42%) من عينة الدراسة أن المساعدات المقدمة من قبل المنظمات الدولية تأتي في مقدمة هذه المصادر من حيث الاعتماد عليها إلى حد كبير، بينما ترى نسبة (22%) منها أن هناك اعتماد إلى حد متوسط عليها، بينما ترى النسبة الباقية (43%) من العينة أن هناك اعتماد إلى حد منخفض على هذا المصدر. وتتركز هذه المساعدات بشكل أساسي على تقديم وجبات الطعام للمقيمين في المخيمات كمساهمة منها للتخفيف من النفقات المتعلقة بالغذاء، حيث أقام العديد منها مطبخ رئيسي في كل مخيم لتوزيع الوجبات المطبوخة والخبز على السكان، نظراً لارتفاع أسعار المواد الغذائية وعدم توفرها داخل بعض المخيمات مما يجبر النازحين على صرف جل دخلهم على الغذاء. في حين تشكل المساعدات المقدمة من المنظمات المحلية غير الحكومية وفقاً لـ (25%) من العينة أحد المصادر التي يعتمد عليها هذه المصادر إلى حد كبير، و(26%) إلى حد متوسط، في حين ترى نسبة (56%) منها أن هناك اعتماد إلى حد منخفض على هذه المساعدات كمصدر للدخل. تنشط العديد من المنظمات المحلية لتقديم المساعدات في هذه المخيمات من خلال توزيع السلال الغذائية والمواد الصحية ومواد التنظيف لتأمين المتطلبات المعيشية الضرورية. وبذلك تسهم هذه المساعدات في تغطية جزء من نفقات هذه العائلات. ووفقاً لغالبية سكان المخيمات فإن المساعدات التي يتلقونها تعد أكبر قيمة مما يمكن أن يوفروه لعائلاتهم إن هم حاولوا العودة إلى مناطقهم دون تأمين وظيفة أو سبيل للعيش؛ لذا يتشبث الكثير منهم بالبقاء في هذه المخيمات. إلا أن الواقع الحالي وفقاً للعديد من سكان هذه المخيمات يشير إلى وجود حالات فساد لدى بعض إدارات هذه المخيمات في توزيع المساعدات للسكان بشكل عادل أو سرقتها في بعض الأحيان، مما يؤثر بشكل كبير على مدى قدرتهم على مواجهة النفقات المعيشية نتيجة لغياب جهة رقابية رسمية للإشراف على هذه الإدارات، وأدى ذلك إلى تشكل مجموعات من المتنفعين من هذه المساعدات خلال السنوات الماضية سواء من المشرفين على هذه المخيمات أو حتى من قبل المنظمات التي يقوم البعض منها بتوزيع هذه المساعدات بغرض المتاجرة بمعاناة سكانها([24]). وبالتالي وعلى الرغم من تأقلم وتكيف السكان مع روتين الحياة في هذه المخيمات، لا يزال الكثير منهم يواجه تحديات خطيرة بسبب عدم الوصول المنتظم للمساعدات الإنسانية وبسبب عدم كفاية الموارد لدى المنظمات الداعمة، مما يجعل العديد من العائلات تكافح جاهدة من أجل إيجاد مصدر لكسب الرزق، وهو أمر يرتبط بقضايا عمالة الأطفال والزواج المبكر المستمرة في هذه المخيمات.
كذلك تمثل المساعدات المقدمة من الأقارب أحد هذه المصادر، حيث ترى نسبة (18%) من العينة أن هناك اعتماد إلى حد متوسط عليه، بينما ترى النسبة الباقية منهم (82%) أن هناك اعتماداً إلى حد منخفض عليه. يعتمد بعض سكان المخيمات على تلقي المساعدات من أقاربهم المقيمين خارج سورية لتأمين الحد الأدنى من متطلباتهم المعيشية إلى جانب قيام البعض منهم بالاستلاف من أقاربهم وأصدقائهم. إلا أنه ونظراً لطول فترة مكثهم في هذه المخيمات أصبح من الصعب الاعتماد على هذا المصدر لتغطية نفقات المعيشة.
من جانب آخر يعتمد سكان المخيمات على السحب من مدخراتهم الشخصية، فترى نسبة (25%) من العينة أن هناك اعتماد إلى حد متوسط على هذا المصدر، بينما ترى نسبة (6%) منها إلى أن وجود اعتماد كبير عليه، في حين ترى النسبة الأكبر من العينة (76%) إلى وجود اعتماد منخفض عليه. وتفسر النسب السابقة بكون السكان المقيمين في هذه المخيمات من الطبقات الاجتماعية الفقيرة التي ليس لديها القدرة على استئجار المنازل والعيش في المدن، بعد أن فقد الكثير منها أصولهم المادية ومدخراتهم نتيجة لنزوحهم من مناطقهم واستهلاك معظم هذه المدخرات مع استطالة أمد النزوح التي تجاوزت الأربعة أعوام لدى العديد من سكان المخيمات، وعدم القدرة على العودة إلى مناطقهم السابقة. مما تسبب بنفاذ معظم هذه المدخرات التي جلبوها معهم عند قدومهم.
كذلك ترى نسبة (16%) من عينة الدراسة أن هناك اعتماداً إلى حد متوسط من قبل السكان على بيع ممتلكاتهم الخاصة لتغطية متطلباتهم المعيشية، في حين أن ترى نسبة (3%) فقط أن هناك اعتماد كبير على هذا المصدر، وترى نسبة (81%) من العينة أن هناك اعتماداً منخفضاً على هذا المصدر لتغطية تكاليفهم المعيشية. فمع بدء رحلة النزوح اضطر الكثير من الأفراد بالتضحية بممتلكاتهم الخاصة كالسيارات والحلي وغيرها من المقتنيات لإعالة أنفسهم وتأمين نفقات عائلاتهم، وقد لعب طول فترة مكثهم في المخيمات وانقطاع سبل العيش لدى الكثيرين منهم دوراً كبيراً في استنزاف قيمة هذه الممتلكات وزيادة فقرهم ومعاناتهم. ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى اضطرار البعض من السكان المقيمين في بعض المخيمات إلى شراء خيمهم وتجهيزها من أموالهم الخاصة مما أثر بشكل كبير على نفاذ مدخراتهم نتيجة لانتشار المحسوبية في توزيع الخيم لدى بعض إدارات مخيمات النزوح. بينما لا تزال نسبة من سكان المخيم تتلقى راتبها من حكومة النظام السوري من المتقاعدين وممن لا يزال ضمن الملاك الوظيفي لبعض المؤسسات الحكومية للنظام. إذ ترى نسبة (18%) من عينة الدراسة أن هناك اعتماداً متوسطاً على هذا المصدر، بينما ترى نسبة (3%) أن هناك اعتماداً إلى حد كبير عليه، في حين ترى غالبية عينة الدراسة (86%) منها أن الاعتماد على هذا المصدر هو في حد منخفض. وهم في غالبيتهم من المتقاعدين والمعلمين، إلا أن هذا المصدر بدأ بالتلاشي هو أيضاً مع قيام حكومة النظام بإيقاف صرف الرواتب للمقيمين خارج مناطق سيطرته واشتراطه الحضور الشخصي لقبض هذه المرتبات وما يحمله ذلك من المخاطرة الأمنية لسكان هذه المخيمات.
إلى جانب مصادر الدخل السابقة لسكان المخيمات، فإن نسبة لا بأس بها من هؤلاء السكان تعتمد على نفسها لتأمين سبل عيشها من خلال عملها في بعض القطاعات كما يبين الشكل (14). ووفقاً لعينة الدراسة تأتي الأعمال الحرة في مقدمة هذه المصادر، إذ ترى نسبة (14%) منهم أن هناك اعتماداً إلى حد كبير على هذه الأعمال، بينما ترى نسبة (34%) منهم أن هناك اعتماداً إلى حد متوسط عليها، وترى النسبة الباقية (52%) وجود اعتماد إلى حد منخفض عليها. فنظراً لقلة فرص العمل المتاحة ضمن هذه المخيمات يلجأ السكان إلى ابتكار سبل عيش جديدة لتغطية نفقاتهم اعتماداً على خبراتهم الوظيفية السابقة قبل نزوحهم من مناطقهم.
وتتركز هذه الأعمال بشكل أساسي على الحرف اليدوية مثل مهن الحلاقة والخياطة والإكسسوارات. وقد قامت الكثير من النساء في هذه المخيمات بتحويل خيامهن إلى ورش عمل صغيرة لأشغال الخياطة والصوف والخرز وأعمال الصنارة والإبرة من أجل إعالة عائلاتهن بدلاً من استجداء المساعدات. على الرغم من الغياب الكبير لدعم المبادرات الإبداعية داخل هذه المخيمات وتنمية هذه الأعمال التي يمكن أن تشكل دعامة أساسية للكثير من الأسر في تأمين نفقاتها المعيشية([25]). وبالتالي لا بد من القيام بوضع برامج خاصة لتنمية هذه الأعمال وتقديم الحوافز المادية والمعنوية لنشرها داخل مخيمات النزوح، والعمل على تأمين جميع المستلزمات المطلوبة للأفراد الراغبين في تعلمها وكسب قوتهم منها. إلى جانب تأمين مستلزمات نجاحها عبر تقديم التدريب المهني المناسب وتقديم التمويل المتناهي الصغر لدعم الأفراد وتوفير التسهيلات المناسبة لتصريف المنتجات المصنَّعة.
في حين يشكل العمل في قطاع التعليم أحد مصادر كسب الرزق من خلال العمل في المدارس المنشأة داخل هذه المخيمات والمتبناة من قبل بعض المنظمات غير الحكومية، إذ ترى نسبة (13%) من العينة إلى أن هناك اعتماد إلى حد كبير على هذا المصدر، في حين يرى قسم آخر من العينة نسبته (20%) أن السكان يعتمدون على هذا المصدر إلى حد متوسط، بينما ترى النسبة المتبقية منها (67%) إلى وجود اعتماد بحد منخفض على هذا المصدر، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى أن المدارس التي تم إنشاؤها في هذه المخيمات تمت بمبادرات من قبل الأهالي حفاظاً على تعليم أبنائهم، لذا فإن غالبية المعلمين في هذه المدارس هم من المتطوعين الذين يقيمون في المخيمات وهم من أصحاب الكفاءات والخبرات التعليمية وذوي المؤهلات الجامعية، مع وجود بعض المنظمات الداعمة التي تكفلت بتغطية جزء من رواتبهم وتأمين مستلزمات هذه المدارس. إلا أن هذا الدعم وعلى مدار السنوات الماضية اتسم بمحدوديته وتوقفه في أحيان كثيرة، مما شكَّلَ عبئاً كبيراً في مدى القدرة على ديمومة التعليم في هذه المدارس، واضطر الكثير من الكادر التعليمي إلى التخلي عن مهنة التدريس والنزوح بين المخيمات للعمل بمهن أخرى لا تخدم المصلحة التعليمية([26]). الأمر الذي كان له تداعيات سلبية على ارتفاع نسبة الأطفال غير الملتحقين بالتعليم إلى مستويات كبيرة في مخيمات النزوح([27]). حيث تبرز بشكل واضح ظاهرة عمالة الأطفال في مخيمات النزوح الداخلي كأحد أبرز المظاهر السلبية التي تحمل العديد من التداعيات السلبية في حاضر ومستقبل أطفال هذه المخيمات. ولعل أحد أهم أسباب تسرب الأطفال من التعليم يرجع في جزء كبير منه إلى الظروف المادية الصعبة التي تعانيها العائلات القاطنة في هذه المخيمات مع غياب المعيل لدى الكثير منها؛ مما يجبر هذه العائلات على وضع اعتبارات أخرى مثل عمالة الأطفال لدعم الأسرة كأولوية أعلى من التعليم نظراً لعدم توفر الدخل الكافي اللازم لتغطية احتياجاتها المعيشية، إلى جانب غياب وجود المنظمات التي تتبنى تعليم هؤلاء الأطفال ودعم عائلاتهم([28]).
يمثل العمل في قطاع الزراعة وفقاً لرأي عينة الدراسة أحد مصادر كسب الرزق، فترى نسبة (6%) منها إلى أن هناك اعتماداً إلى حد كبير على هذا المصدر، في حين ترى نسبة (20%) منها أن هناك اعتماداً إلى حد متوسط عليه، بينما ترى بقية أفراد العينة (74%) منها أن هناك اعتماداً منخفضاً على هذا المصدر. يعتمد بعض سكان المخيم على العمل في الحقول الزراعية ومزارع الزيتون المجاورة للمخيم كعمال مياومه بأجور بخسة نظراً لحاجتهم الماسة لتأمين متطلبات المعيشة، ويتكون العمال بشكل أساسي من النساء والأطفال. وفيما يتعلق بالعمل في قطاع التجارة فترى عينة الدراسة بنسبة (5%) فقط أن هناك اعتماداً إلى حد كبير من قبل السكان على ممارسة العمل التجاري كمصدر للرزق، في حين ترى نسبة (21%) منهم أن هناك اعتماد إلى حد متوسط على هذا المصدر كوسيلة لكسب الرزق، بينما ترى غالبية أفراد العينة (74%) منهم وجود اعتماد إلى حد منخفض على هذا المصدر. حيث يمثل العمل في التجارة أحد وسائل كسب الرزق ويتركز في جانب كبير منه على افتتاح دكاكين صغيرة داخل هذه المخيمات والتي تتركز بشكل أساسي على المواد الاستهلاكية والألبسة. حيث تتشارك النساء مع الرجال العمل في هذه المهنة التي يتطلب العمل بها قليلاً من رأس المال للبدء به، وتعمل النسوة على تأمين الطلبيات من المراكز التجارية في المدن القريبة وإيصالها إلى المخيمات مقابل هامش ربح معين. وقد تطور الأمر بهذه الدكاكين حتى تحولت من دكاكين للبقالة، إلى محلات تجارية فيها كل المستلزمات، وشكلت سوقاً تجارياً متكاملاً في العديد من مخيمات الشمال السوري، ولم يعد هناك حاجة لذهاب النازحين إلى المدن الكبيرة للحصول على احتياجاتهم([29]).
إلى جانب ذلك تبرز ظاهرة الباعة الجوالون بين المخيمات للمتاجرة بالبضائع والسلع الجديدة والمستعملة، ورغم محدودية المكاسب المحققة من هذا النشاط إلا أن امتهانها من قبل العديد من النازحين أسهم في تغطية جزء من نفقاتهم المعيشية([30]).
كذلك تمثل الأعمال الخدمية أحد مصادر كسب الرزق لسكان المخيمات وترى نسبة (7%) من العينة أن هناك اعتماداً كبيراً على هذا المصدر، في حين ترى نسبة (16%) منها أن هناك اعتماداً متوسطاً عليه، بينما ترى النسبة الأكبر من العينة (84%) محدودية الاعتماد على هذا المصدر. كذلك ترى غالبية عينة الدراسة أن هناك اعتماداً إلى حد منخفض على الأعمال غير القانونية كمصدر لكسب الرزق كالعمل في التهريب عبر الحدود مع تركيا. إلى جانب هذه المصادر ينخرط سكان المخيمات في مهن أخرى متنوعة لتأمين سبل عيشهم، ووفقاً لعينة الدراسة فإن (10%) منها ترى أن السكان يعتمدون على هذه المهن إلى حد مرتفع، بينما ترى نسبة (15%) منهم اعتماد السكان عليها إلى حد متوسط، في حين ترى غالبية أفراد العينة (75%) منهم إلى وجود اعتماد محدود من قبل سكان المخيمات على هذه المهن لتغطية معيشتهم. وتتركز هذه المهن بشكل أساسي في العمل لدى الفصائل العسكرية التابعة للجيش السوري الحر، ويعمد من يملك سيارة إلى نقل الركاب والبضائع، وكذلك يقوم البعض بالعمل لدى منظمات الإغاثة غير الحكومية المعنية بتقديم الدعم والإغاثة لمخيمات النازحين، حيث تقوم بعض هذه المنظمات باستقطاب بعض الأفراد من هذه المخيمات للعمل لديها ومنحهم أجور تمَّكِنهم من تأمين احتياجاتهم المعيشية، غير أنه ووفقاً لبعض التقارير يتسم العمل في هذه المنظمات بعدم ديمومته في كثير من الأحيان، إلى جانب انتشار المحسوبية والواسطة في استقطاب الأفراد لها مما يؤثر بشكل كبير على كفاءة أداء العمل الإغاثي، وفقدان أصحاب المؤهلات من القاطنين في المخيمات لفرصهم في شغل هذه الوظائف([31]).
بعد التعرف على مصادر دخل سكان المخيمات، لا بد من تشخيص أهم المعوقات التي تحول دون تنمية سبل العيش في هذه المخيمات. ويعرض الشكل (15) أهم هذه المعوقات.
يمثل الوضع النفسي والاجتماعي للأفراد القاطنين في المخيمات أحد أبرز معوقات تنمية سبل العيش في مخيمات النزوح الداخلي، إذ يعيش معظم السكان في ظروف بعيدة عن ظروف الحد الأدنى للعيش الإنساني الكريم، إلى جانب شعورهم بالخوف وعدم الأمان من البيئة المحيطة وعدم القدرة على التكيف في إطارها. ووفقاً للعديد من الدراسات تٌشَّكِل حركات النزوح الداخلي مصدراً لكثير من المشكلات الاجتماعية الخطيرة مثل انتشار حالات التوتر وانعدام الثقة وعدم الاطمئنان والقلق الجماعي، إلى جانب دورها في إحداث التمزقات التي تطال بنية النظام الاجتماعي، وإسهامها كذلك في ارتفاع نسبة الأمراض الاجتماعية كالعنف والجريمة والسرقة والتي تؤدي في كثير من الحالات إلى فقدان الثقة في المجتمع بل وأحياناً معاداته([32]). كما يعتبر النزوح بيئة خصبة لكثير من الأمراض النفسية الخطيرة على الفرد والمجتمع بعد أن تحولت إقامة الأفراد في هذه المخيمات من الوضع المؤقت إلى الوضع الدائم وعدم قدرة البعض منهم على تقبل فكرة نقلهم من بيئتهم وحاضنتهم الاجتماعية إلى هذا المكان الذي يفقد فيه الكثير منهم خصوصيته وينتابه الشعور بفقدان كرامته. ويتفق أكثر من (70%) من عينة الدراسة على أهمية هذا العامل باعتباره أحد المعوقات الأساسية لعدم تنمية سبل العيش داخل مخيمات النزوح، بسبب غياب الحافز لدى الأفراد للقيام بأي نشاط في سبيل تأمين معيشتهم نتيجة للصدمات النفسية التي لم يتمكن الكثير منهم من التعافي منها بعد، وركون الكثير منهم إلى الاعتماد على المساعدات المقدمة من المنظمات الداعمة أو الاعتماد على عمل أطفالهم.
تواجه مخيمات النزوح الداخلي مشكلة عدم استقرار الأفراد القاطنين داخلها في كثير من الأحيان لأسباب ترتبط بالبحث عن ظروف معيشية أفضل نظراً للتمايز الموجود في بعض الأحيان بين مخيمات النزوح من حيث الدعم المقدم للقاطنين وتوافر البنية التحتية للإقامة، وتوافر الخدمات التعليمية والصحية وغيرها من الخدمات ذات الصلة. إلى جانب ذلك يميل النازحون من مناطق معينة إلى التجمع بالقرب من بعضهم البعض لصعوبة التكيف مع النازحين من مناطق أخرى. ونظراً للاكتظاظ الحاصل في بعض المخيمات لا يجد البعض منهم الفرصة لاختيار مخيم النزوح قريباً من أبناء منطقته، الأمر الذي يخلق العديد من المشكلات الاجتماعية بين القاطنين في المخيمات بسبب اختلاف العادات والتقاليد فيما بينهم إلى حد ما. مما يضطر البعض منهم لمغادرة هذه المخيمات والنزوح إلى المدن والقرى القريبة رغم صعوبة وضعهم الاقتصادي. وترى عينة الدراسة بنسبة قاربت (80%) منها أن عدم استقرار الأفراد داخل مخيمات النزوح أسهم بشكل كبير في عدم القدرة على حصر الكفاءات والمؤهلات التي يحوزها القاطنين فيها بشكل متكامل، وبالتالي كان لذلك تأثير سلبي على عدم قدرة إدارات هذه المخيمات للاستفادة من إمكانياتهم ومساعداتهم لتأمين فرص العمل.
في حين يبرز عامل عدم وجود جهات رسمية داعمة لتأسيس سبل العيش داخل المخيم من بين أهم المعوقات لتنمية سبل العيش وفقاً لرأي عينة الدراسة بنسبة (75%). تعد منظمات الإغاثة الجهة الوحيدة والرئيسية الداعمة لمخيمات النزوح الداخلي منذ تأسيسها، نظراً لحجم المساعدات الكبير المطلوب تقديمه لهذه المخيمات والتي ازداد عدد سكانها بشكل كبير منذ بداية وجودها في عام 2012، وعدم تبني دعم هذه المخيمات من أي جهة حكومية أو دولية رسمية بشكل مباشر. إلى جانب ذلك فقد تركَّزَ دعم المنظمات لها في غالبيته على الجانب الإغاثي باعتبار وجود هذه المخيمات حالة طارئة وغير دائمة، مع عدم لحظ مخصصات واضحة لتنمية سبل العيش في أجندات وخطط هذه المنظمات على مدار الأعوام الماضية؛ وبالتالي فإن عدم إدراج سبل العيش على سلم أولويات عمل هذه المنظمات شكل عائقاً هاماً في مدى قدرة سكان المخيمات على إيجاد فرص العمل وفقاً لرأي عينة الدراسة بنسبة تجاوزت (72%). الأمر الذي فاقم لاحقاً من مشكلة عدم قدرة هذه المنظمات على تلبية احتياجات القاطنين في هذه المخيمات بشكل دوري ومتواصل كون أغلب المنظمات المعنية بتقديم الإغاثة مرتبطة بمنظمات ومتبرعين من الخارج. وبالتالي خلق هذا الأمر نوع من الاتكالية من قبل بعض سكان هذه المخيمات للاكتفاء بما يقدم لهم من المواد الإغاثية. إلا أن بعض هذه المنظمات تنبهت لهذه المشكلة وقامت بتدخلات تنموية لتشغيل الأفراد القادرين على العمل في هذه المخيمات وقد شملت هذه التدخلات برامج النقد مقابل العمل إلا أن انتشارها كان محدوداً ولم تسهم إلا بتشغيل نسبة بسيطة جداً من القاطنين في هذه المخيمات. إلى جانب أن عدم القدرة على تغطية تكاليف استمراريتها أو انسحاب المنظمات الداعمة كان له العديد من التداعيات السلبية على سكان المخيمات بعد فقدان فرص عملهم وهذا ما حدث مع منظمة "MEDICAL" التي قامت بتوظيف نحو 1120 موظفاً وعاملاً من أبناء أحد المخيمات ليشكل انسحابها من المخيم مشكلة كبيرة عليهم وعلى الحياة الاقتصادية داخل المخيم([33]). وإلى جانب المنظمات الداعمة لم تولِ إدارات هذه المخيمات قضية تنمية سبل العيش الاهتمام المطلوب في أجندات عملها بحيث كان تركيزها منصباً على الجانب الإغاثي وكيفية استقطاب دعم المنظمات الإغاثية للمخيمات. وقد لعبت إدارات هذه المخيمات دوراً أساسياً في تردي أوضاعها من حيث عدم قيامها بوضع الأسس والضوابط والسياسات الناظمة لإدارة هذه المخيمات منذ بداية تأسيسها، إلى جانب عدم قيامها باتخاذ الإجراءات اللازمة للنهوض بواقعها وتطوير حلول فاعلة ومستدامة للمشكلات التي تعاني منها؛ ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى عدم امتلاك هذه الإدارات للخبرات والمؤهلات الإدارية والفنية المطلوبة للقيام بذلك. ومن جانب آخر أسهم غياب التعاون والتنسيق الفاعل بين إدارات هذه المخيمات ومنظمات الإغاثة والمجالس المحلية وغيرها من الأطراف ذات الصلة في تردي الجانب التنظيمي والإداري والخدمي ضمن هذه المخيمات، مما أدى إلى تفاقم المشكلات وتردي حياة السكان داخلها بشكل كبير. حيث أن كثير من المنظمات الإغاثية التي وجهت برامجها لتقديم الدعم الإنساني لمخيمات النزوح انسحبت منها ولم تواصل تقديم الدعم لأسباب ترتبط بسوء التنظيم والإدارة، وعدم مصداقية الإحصائيات وتقارير تقييم الاحتياجات المقدمة من جانب إدارات هذه المخيمات([34]). إلى جانب غياب الشفافية وعدم تقديم الكشوفات المالية اللازمة، وارتباط بعض هذه الإدارات بشبكات من المنتفعين والمتنفذين في مناطق وجودها. يضاف إلى ذلك أن وجود البعض من هذه المخيمات في أماكن تسيطر عليها بعض الفصائل العسكرية الإسلامية المتشددة كان له تأثيراً سلبياً في إحجام المنظمات الداعمة عن تقديم التدخلات التنموية والإغاثية لهذه المخيمات، بسبب تدخل هذه الفصائل في عمل إدارات هذه المخيمات وتعيين أشخاص مقربين منها لإدارتها، إلى جانب فرض أجنداتها عليها في كيفية التعامل مع منظمات الإغاثة واستلام المواد الإغاثية منها وتوزيعها ضمن هذه المخيمات، مما أسهم إلى حد كبير في انتشار حالات الفساد وعدم التوزيع العادل لهذه المساعدات الإغاثية.
في ذات السياق تفرض البيئة المادية لمخيمات النزوح نفسها على مدى قدرة الأفراد الراغبين للعمل للمباشرة بمزاولة أي مهن مدرة للدخل، إذ تفتقد غالبية هذه المخيمات الظروف الملائمة لذلك، من حيث عدم توافر التيار الكهربائي والمياه والنقل والمستلزمات الأخرى، وعدم قدرة الأفراد على تحمل تكلفة تأمين المكائن والمعدات اللازمة للمباشرة بأي نشاط إنتاجي داخل المخيم. فترى نسبة (73%) من عينة الدراسة أن عدم وجود المستلزمات المطلوبة للقيام بأي أعمال مدرة للدخل يعد من بين معوقات تنمية سبل العيش في المخيمات. ويحتاج تأمين هذه المستلزمات إلى تدخل المنظمات وتوفير البيئة المادية الملائمة للعمل عليها. إلى جانب ذلك ترى عينة الدراسة بنسبة (68%) منها أن عدم تعاون سكان المدن والقرى القريبة من المخيمات مع سكان هذه المخيمات من بين المعوقات التي أدت إلى غياب فرص العمل عن مخيمات النزوح. فنتيجة لانهيار الشبكات الاجتماعية للمجتمعات المحلية للنازحين بعد انتقالهم للعيش في مناطق جديدة، إلى جانب الاكتظاظ السكاني الكبير في مناطق الشمال السوري بشكل عام؛ بات الحصول على فرصة عمل للسكان في طليعة احتياجاتهم نظراً لارتفاع تكاليف الحياة المعيشية في هذه المناطق وعدم وجود أفق واضح لمدة وجودهم في هذه المناطق. وبالتالي ينظر السكان المحليون للنازحين إلى مناطقهم بأنهم شكلوا ضغطاً مادياً كبيراً عليهم من حيث مزاحمتهم للسكان المحليين على فرص العمل المتاحة وقبولهم بأي أجر في سبيل العمل، ووجود الكثير من حالات استغلال سكان المخيمات من قبل السكان المحليين للعمل بأجور بخسة وضمن ظروف عمل قاسية. إلى جانب تسببهم بارتفاع مستوى تكاليف الحياة المعيشية واستنزاف الموارد المحلية والبنية التحتية لهذه المناطق. إلى جانب ذلك ينظر العديد من السكان المحليين إلى عدم وجود عدالة في توزيع المساعدات بين سكان المخيمات والسكان المحليين، فمع ارتفاع معدلات البطالة ومستويات الفقر في جميع هذه المناطق يطالب السكان المحليين بتخصيصهم بجزء من هذه المساعدات أسوة بسكان المخيمات. حيث ولَّدَ كل ذلك اتجاهاً سلبياً من قبل السكان المحليين نحو النازحين في مناطقهم وأثراً سلباً على تنمية سبل العيش في هذه المخيمات. ومن بين المعوقات الأخرى التي ترى عينة الدراسة بأنها ذات تأُثير في هذا المنحى هو الصعوبة التي تواجه القاطنين في التنقل من وإلى هذه المخيمات، نظراً للقوانين التي تفرضها إدارة هذه المخيمات بتقييد حرية التنقل لأسباب أمنية وتنظيمية، مما حرم الكثير من القادرين على العمل من الوصول إلى المدن المجاورة في حال تمكنهم من تأمين فرص العمل. إذ أن الإقامة في هذه المخيمات تخفف العبء المادي للعوائل القاطنة داخله من حيث عدم قدرتهم على تحمل تكاليف السكن في المدن، وبالتالي فإن الحد من قدرتهم على التحرك سيؤثر سلباً على وضعهم المعيشي وزيادة ضعفهم المادي وزيادة اعتمادهم على المساعدات الإغاثية.
مع انتشار غالبية مخيمات النزوح الداخلي في مناطق خارج سيطرة النظام في الشمال السوري، ومع غياب سلطة رسمية للإشراف المباشر على هذه المخيمات، تنفرد الإدارات المشرفة عليها باستخدام سلطتها لتنظيم حياة الأفراد القاطنين داخلها. مع عدم تمكن المجالس المحلية من الإشراف المباشر على هذه المخيمات لأسباب ترتبط بالولاءات القبلية أو التبعية للفصائل العسكرية المسيطرة على منطقة وجود المخيم والتي غالباً ما تتدخل لفرض إدارات محددة موالية لها، وأصبح هناك من يمارس دور السلطة وسط هذه الكتل البشرية المتضخمة. الأمر الذي تسبب في مشكلات اجتماعية كثيرة داخل هذه المخيمات لا سيما عدم التكيف؛ مما اضطر آلاف العائلات للتنقل بين مخيم وآخر بحكم التجمعات المناطقية والعشائرية والولاءات والقوانين غير المعلنة([35]). وقد أسهم بُعد المجالس المحلية عن الإشراف على هذه المخيمات إلى انتشار حالات الفساد الإداري في العديد منها الأمر الذي أدى إلى تدني مستوى الخدمات المقدمة لسكانها وعدم قدرة الإدارات الموجودة على تقييم واقع هذه المخيمات بشكل حقيقي لوضع حلول فاعلة للمشاكل التي تعاني منها. ووفقاً لبعض المصادر فإن هناك اجتماعاً سنوياً لمدراء المخيمات يتم عقده بحضور منظمة إدارة الكوارث والطوارئ التركية "AFAD"، ويتم فيه إطلاع المنظمة ورئيس دائرة المخيمات على جميع المشكلات التي يعاني منها سكان المخيمات. إلا أن النتائج المتمخضة عنه تنحصر في غالبها على الدعم الإغاثي للسكان وعدم معالجة المشكلات المزمنة التي يعانون منها وفي مقدمتها تأمين سبل العيش لهم. إذ ترى نسبة (73%) من عينة الدراسة أن عدم تمكن المجالس المحلية من الاضطلاع بدورها في هذا الصدد أثر بشكل كبير على تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي لسكان المخيمات من خلال عدم منحهم الفرصة للانخراط في الحياة الاقتصادية في مناطق تواجدهم. وكون المجالس المحلية تمثل السطلة الإدارية في هذه المناطق فهي الأقدر على تلمس احتياجات السكان في كافة مناطقها وتقديم الحلول الآنية والمستقبلية لمشكلات السكان بالتعاون مع الجهات الحكومية والمدنية والعسكرية.
إن المتتبع لواقع مخيمات النزوح يلحظ بشكل واضح أن هناك انتقال تدريجي للعديد من هذه المخيمات من الحالة المؤقتة إلى حالة الاستدامة الجزئية بعد مرور سنوات على إنشائها. بعد أن قام ساكنو هذه المخيمات بتحويل خيامهم إلى غرف إسمنتية تقيهم ظروف الطقس وتمنحهم مزيداً من الاستقرار. وبالتالي أصبحت هذه المخيمات بحاجة إلى جهة عليا لتنظيم أمورها ووضع خطط مستقبلية لها، ولم تعد تفي قدرات إدارة المخيمات الحالية للاضطلاع بهذا الدور بعد أن كان دورها محصوراً بتنظيم العلاقة بين سكان المخيم والمنظمات الداعمة. فثمة مشكلات اجتماعية جديدة تبلورت مع طول أمد وجود السكان في هذه المخيمات، تتطلب خططاً تنموية للتعامل معها ويأتي في مقدمتها ثنائية البطالة والجريمة. فالبطالة التي تغزو هذه المخيمات تصنف في إطار البطالة الطويلة الأمد والتي سيكون لها أثار سلبية جسيمة على بنية المجتمع المحلي، وبخاصة تلك المتعلقة بالآثار الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والصحية وانعكاساتها على حاضر ومستقبل سكان هذه المخيمات. لذا يبدو من الأهمية بمكان العمل على تدارك هذه الظاهرة والحد من تداعياتها السلبية من خلال العمل على تلمس آليات لبناء وتنمية سبل العيش في هذه المخيمات والبناء عليها لتصميم برامج ملائمة تتناسب وظروف هذه المخيمات من مختلف الجوانب، أضف إلى ذلك أن أي تغير في البناء الاقتصادي يتبعه مباشرة تغير في البناء الاجتماعي، وبالتالي لا بد من التفكير بآليات اقتصادية جادة في سبيل تحقيق خطوة نحو الاندماج الاقتصادي لمخيمات النزوح الداخلي في البيئة المحيطة بها. حيث يشكل الاندماج الاقتصادي الخطوة الأولى في طريق الاندماج الاجتماعي والثقافي والخدماتي.
ترى عينة الدراسة بنسبة تتجاوز (70%) بأن من أهم آليات تنمية سبل العيش في مخيمات النزوح يتمثل في تشكيل لجنة داخل إدارة المخيم مسؤولة عن تأمين فرص العمل، كما يبين الشكل (16). إذ أصبح من الأهمية بمكان تجاوز الدور التقليدي الذي عكفت عليه إدارات هذه المخيمات خلال الأعوام الماضية بتقلد وظيفة المنسق بين المنظمات المانحة والقاطنين في المخيمات لتأمين المواد الإغاثية، والعمل على تطوير حلول مستدامة لمشكلات السكان والتي تعد عملية تأمين سبل العيش لهم في مقدمتها. ويقتضي ذلك منها تأسيس مكاتب فرعية لديها لحصر مؤهلات وقدرات الأفراد المقيمين في المخيمات، واستحداث برنامج توظيف للاستفادة من هؤلاء الأفراد. والعمل على زيادة التنسيق والتواصل مع الجهات والمنظمات المهتمة بتنمية قطاع سبل العيش في هذه المخيمات. ويمكن تأسيس كيان أو وحدة داخل المخيم مسؤولة عن وضع تصورات لمشاريع إنتاجية وتأمين الدعم المالي لها وتوفير الفرص من التدريب لضمان نجاح هذه المشاريع.
كذلك لا بد من قيام إدارات المخيمات بحملات توعوية للأفراد القادرين على العمل، يتم من خلالها إطلاعهم على فرص العمل المتاحة في المخيمات، وكيفية الاستفادة من مؤهلاتهم وقدراتهم في العمل المنتج لدعم عائلاتهم، وإحاطتهم بمخاطر البطالة وتأثيراتها السلبية على مستقبلهم، والعمل على تضمين هذه الحملات بالتحفيز اللازم لانتشال الأفراد من الحالة النفسية والاجتماعية المزرية التي يعيشونها منذ قدومهم إلى هذه المخيمات بسبب ظروفهم الاقتصادية الصعبة، وكيفية التعافي من السلوكيات السلبية التي اكتسبوها أثناء وجودهم في هذه المخيمات والناتجة عن ظاهرة تفشي البطالة بشكل كبير بين صفوفهم. وتتفق عينة الدراسة على أهمية هذا العمل لتنمية سبل لعيش في المخيمات بنسبة تتجاوز (70%).
في ذات السياق ترى عينة الدراسة بنسبة تتجاوز (70%) أن على منظمات المجتمع المدني أخذ دورها في تنمية سبل العيش داخل مخيمات النزوح، وأن تقوم بإدراج قطاع سبل العيش في خططها التنموية، فخلال الأعوام الماضية كان تركيز هذه المنظمات منصباً على تزويد السكان بالمواد الإغاثية لتأمين مستلزمات الحياة الأساسية لهم. وقد يكون هذا مبرراً في بدايات توافد النازحين إلى هذه المخيمات؛ إلا أنه ومع استطالة فترة وجودهم فيها أصبحت المواد الإغاثية تمثل عاملاً ذو تأثيرٍ سلبيٍ على حياتهم بعد أن استكان العديد منهم للاعتماد على هذه المساعدات للعيش، مع انعدام فرص العمل وحاجة الكثير لإعادة التأهيل والتدريب للانخراط في الأعمال المنتجة والتي تقع في جزء كبير منها على عاتق هذه المنظمات من خلال برامجها المهنية والتشغيلية لانتشالهم من براثن البطالة.
إن تحسين الوضع الاقتصادي في مخيمات النزوح يرتبط بأحد جوانبه بتطوير البيئة المادية لهذه المخيمات، نظراً لأهمية البيئة المادية للعمل المنتج، وترى عينة الدراسة بنسبة تصل إلى (65%) ضرورة تهيئة البيئة المادية المناسبة داخل مخيمات النزوح لتكون قادرة على توطين بعض الصناعات التي تتناسب وظروف العيش في هذه المخيمات. ويمكن الاستفادة في هذا الصدد من تجربة العديد من الدول التي حولت مخيمات النزوح الداخلي لديها إلى مخيمات للعمل المنتج بهدف دمج سكان هذه المخيمات اقتصادياً واجتماعياً في البيئة الحضرية المجاورة بالاعتماد على آليات دمج محددة.
إن غالبية السكان في مخيمات النزوح لا يتمتعون بأي ملكية أو قدرة على توفير مثل هذه الملكيات، وبالتالي لا يشكل السكان في المخيم وحدة إنتاجية فلا أرض في المخيم يعتاش السكان من زراعتها، ومجالات العمل وسط المخيم ضئيلة لا تتعدى محلات البيع المتواضعة وبعض ورش العمل البدائية. وهذا يؤكد الحاجة الماسة للمساهمة الفعالة من أطراف ذات علاقة بالتنمية الاقتصادية، وذلك من خلال عدم اقتصار المخيم على توفير السكن والأنشطة التجارية البسيطة، بل تجاوزها إلى أنشطة اقتصادية حيوية وفعالة تفتح الأفق أمام النازح. ويعتمد تحسين الوضع الاقتصادي لمخيمات النزوح في جانب كبير منه على الدعم الدولي الذي يتم تخصيصه من الوكالات والمنظمات الدولية لتنفيذ برامج سبل العيش، وترى نسبة (60%) من عينة الدراسة أهمية هذا الدعم لتنمية سبل العيش، فخلال السنوات الماضية كان تركيز هذه الوكالات موجهاً إلى جميع قطاعات الإغاثة المشمَّلة في خطط الاستجابة الاستراتيجية للأزمة السورية منذ عام 2012 مع محدودية كبيرة للدعم المخصص من أجل قطاع سبل العيش في هذه الخطط داخل سورية بشكل عام ولمخيمات النزوح الداخلي بشكل خاص([36]). الأمر الذي أدى إلى الكثير من التداعيات السلبية على سكان هذه المخيمات من حيث عدم تمكنهم من القيام بالعمل المنتج وتراجع مستوى مهاراتهم وقدراتهم الإنتاجية. ونظراً لكون قطاع سبل العيش من القطاعات التي تحتاج تنميتها إلى جهود دولية فلا بد من قيام هذه الوكالات بتخصيص نسبة جيدة من دعمها لتنمية برامج سبل العيش لسكان هذه المخيمات. ويمكن استثمار هذا الدعم بالشكل الأمثل من خلال تنفيذ مشاريع اقتصادية بالقرب من مخيمات النزوح، مما يتيح الفرصة للسكان للاستفادة من فرص العمل والحد من البطالة، والحصول على مكان سكن أفضل.
ويمكن كذلك تنفيذ برامج للتمويل الصغير والمتناهي الصغر من خلال إتاحة الفرصة لسكان المخيمات بالحصول على القروض الميسرة والمساعدات المادية لتأسيس مشاريعهم الصغيرة والمتناهية الصغر بضمانات تتناسب مع قدراتهم المحدودة. ويعتمد نجاح تطبيق هذه البرامج عبر قيام هذه الوكالات بوضع منهجية عمل تتلاءم مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية لسكان المخيم من حيث تقديم التمويل والوصول إلى السكان المستهدفين من هذه البرامج. والعمل على بناء قدرات السكان من خلال تنظيم دورات لتوفير الدعم المهني والتعليم المالي لهم، وصولاً إلى تحقيق التمويل المستدام على المدى البعيد، من خلال نجاح مشاريعهم الصغيرة والمتناهية الصغر. إلى جانب توفير المستلزمات الأخرى الكفيلة بنجاح هذه المشاريع مثل تقديم الاستشارات الفنية وخدمات التسويق وغيرها من المستلزمات الأخرى. كذلك يمكن للوكالات الدولية العمل على بناء قدرات المنظمات غير الحكومية السورية بشأن تنفيذ برامج ومشاريع سبل كسب العيش والرصد والتقييم في هذا القطاع.
غير أن الصعوبة التي تكتنف نجاح مسعى الوكالات الدولية في توطين برامج سبل العيش كما أسلفنا سابقاً يكمن في أحد أوجهه في عدم وجود جهة عليا واحدة مركزية ذات إشراف مباشر على مخيمات النزوح يمكن لهذه الوكالات التنسيق والتعاون معها بشكل مباشر لتنفيذ برامجها. إذ تحجم العديد من هذه الوكالات عن العمل مباشرة مع إدارة كل مخيم بشكل منفرد لأسباب مرتبطة بالناحية التنظيمية وموثوقية هذه الإدارات وارتباطاتها مع جهات أخرى. وقد كان هناك محاولات عدة لتشكيل جسم مركزي موحد للإشراف على مخيمات النزوح خلال الأعوام الماضية لم يكتب لها النجاح، في حين تعد الإدارة العامة لشؤون المهجرين التابعة لحكومة الإنقاذ في محافظة إدلب كأول جسم إداري واضح المعالم تم تشكيله للإشراف على مخيمات النزوح وكل ما يدخلها من مساعدات أو مشاريع بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على إدارة المخيمات، مع افتقادها للإمكانات والموارد البشرية والمادية التي تؤهلها للنجاح في إدارة هذا الملف؛ إلى جانب عدم تقبل بعض المنظمات للعمل مع هذا الجسم الإداري؛ الأمر الذي أدى إلى انسحاب بعض من المنظمات الداعمة عن الاستمرار في تقديم دعمها في المحافظة([37]). غير أن هذه التجربة يبقى وجودها تبعاً لتغير ميزان القوى العسكرية داخلياً بين الفصائل وكونها عرضة للزعزعة كما حدث مع غيرها سابقاً.
ضمن هذا الإطار ترى عينة الدراسة بنسبة (62%) أهمية وجود آلية لتفعيل الاستفادة من الأموال والخبرات السورية المهاجرة لتنمية سبل العيش لسكان المخيمات. نظراً لتوطن كمية كبيرة من رؤوس الأموال والخبرات السورية في الخارج فلا بد من العمل من قبل جميع الفواعل ممثلة بالمجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني على بناء شراكات مع أصحاب رؤوس الأموال من السوريين في تركيا وغيرها من الدول لتنفيذ برامج تنموية فاعلة تتضمن إحداث مشاريع استثمارية في مناطق تواجد هذه المخيمات تهدف بشكل أساسي إلى تأمين فرص العمل لسكانها والحد من بطالتهم وجعلهم أكثر قدرة على الاندماج الاقتصادي والاجتماعي في مناطق وجودهم. إلى جانب نشر برامج تدريب وتأهيل مهني متخصصة يشارك فيها المغتربون السوريون بخبراتهم تكون موجهة للنازحين وسكان المجتمعات المستضيفة على حد سواء لتنشيط عملية إعادة الإنعاش الاقتصادي في هذه المناطق. إن الدور المنوط بالمجالس المحلية لتنمية سبل العيش في مخيمات النزوح أصبح من الأهمية بمكان، فمع تقلد هذه المجالس للوظائف الحكومية في مناطق تواجد مخيمات النزوح الداخلي، بات لزاماً على هذه المجالس وضع خطط بالتعاون مع الجهات الفاعلة للعب دورها في مساعدة سكان هذه المخيمات للاندماج الاقتصادي والاجتماعي في مناطقها، من خلال مساهمتها الفاعلة في إعادة التأهيل المهني للسكان عبر إلحاقهم بدورات مهنية تتناسب ومتطلبات فرص العمل في مناطق تواجدهم. وقد حاز هذا العامل على نسبة (63%) من الأهمية وفقاً لرأي عينة الدراسة كأحد آليات تنمية سبل العيش. كذلك فإن قدرة المجالس المحلية على تأطير المشاركة الشعبية لسكان المناطق ممن لديه الرغبة في مساعدة النازحين تعد ذات أثر فاعل في تنمية سبل العيش لهم وفقاً لرأي عينة الدراسة وبنسبة تقترب من (50%). فمع ارتفاع أعداد السكان داخل هذه المخيمات ومحدودية الدعم المقدم لهم من قبل المنظمات وانقطاعه في أحيان كثيرة يحاول بعض الأهالي من سكان مناطق تواجد هذه المخيمات الإسهام في التخفيف من معاناة النازحين عبر استقطاب العمالة من سكان هذه المخيمات كعمال مياومة في الحقول الزراعية وغيرها من الأعمال اليدوية والحرفية، إلى جانب قيام البعض بتقديم مساعدات عينية بشكل مباشر لهم. لذا فإن قدرة المجالس المحلية على تنظيم هذه العلاقة بين السكان المحليين وسكان المخيمات من شأنه أن يسهم في ضمان حقوق العمالة في هذه المخيمات وخلق نوع من الاستقرار النسبي في مثل هذه الأعمال. نظراً لوجود إقبال كبير على مثل هذه الأعمال من قبل سكان المخيمات لانعدام فرص العمل، وقيام البعض من أرباب العمل باستغلال حاجة هؤلاء السكان للعمل ومنحهم أجور منخفضة لا تتناسب ومستوى الجهد المقدم من قبلهم. إلى جانب قيام المجالس بالتعاون مع إدارات المخيمات بضمان التوزيع العادل للمساعدات العينية لسكان هذه المخيمات.
في حين ترى نسبة (58%) من أفراد عينة الدراسة أن امتثال الأفراد الراغبين في تأمين فرص العمل داخل المخيمات للتعليمات والإجراءات من العوامل الهامة في تنمية سبل العيش. نظراً لحالة الفوضى التنظيمية والإدارية التي تسود الكثير من مخيمات النزوح، فإن التنظيم الشخصي للأفراد والتزامهم بالقوانين والتعليمات المفروضة يلعب دوراً هاماً في نجاح الجهات والمنظمات المشرفة على هذه المخيمات في تشخيص مؤهلات وقدرات الأفراد ولحظهم في خططها ذات الصلة بتأمين فرص العمل والتأهيل المهني.
يُنظر إلى برامج سبل العيش كونها برامج تنموية محورها فرص العمل، وتشمل مجموعة من السياسات التي يمكن أن تزيد إلى أقصى حد ممكن من توليد الوظائف المنتجة. ويعتمد وضع برامج فاعلة لتنمية سبل العيش لمخيمات النزوح على التفكير جيداً بمدى ملاءمتها للظروف داخل وخارج هذه المخيمات، ومدى إمكانية تطبيقها وجني ثمارها على الأمدين القصير والبعيد، إلى جانب توافقها واتساقها مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي لمناطق تواجد هذه المخيمات. ولا بد أن يتم إعداد وتصميم وتنفيذ هذه البرامج بالتشارك والتعاون مع جميع الأطراف المشاركة بعملية التنمية في هذه المناطق، والعمل كذلك على تحديد المخاطر المرتبطة بتطبيق هذه البرامج وكيفية إدارة هذه المخاطر. ويتمثل الهدف النهائي لهذه البرامج في مدى قدرتها على المساهمة في تمكين سكان هذه المخيمات من تحقيق تطلعاتهم في تأمين مصادر الرزق والتقليل من اعتمادهم على المساعدات الإغاثية قدر الإمكان.
يأتي برنامج التعليم والتدريب المهني في مقدمة هذه البرامج وفقاً لرأي عينة الدراسة بنسبة أهمية قريبة من (80%) كما يبين الشكل (17). إذ تلعب المساعدة المعرفية للأفراد في المجال المهني داخل المجتمعات الهشة دوراً هاماً في تنمية مهارات وقدرات الأفراد ضمن هذه المجتمعات، ويجب النظر إلى أهميتها بالتوازي مع أهمية المساعدة المالية والدعم المادي المقدم لهذه المجتمعات. مع الأخذ بعين الاعتبار أن تكون هذه المساعدة مرتكزة على الكفاءة في تقديمها وأن تكون موجهة بشكل دقيق للحصول على فرص العمل، وأن تكون متناسبة مع السياق الاجتماعي واحتياجات سوق العمل المحلي لمناطق تواجد هذه المخيمات، بحيث تسهم بشكل فاعل في الحد من الفقر وضمان إدماج سكان المخيمات في الحياة الاجتماعية والاقتصادية في مناطق تواجدهم. وأن تسهم كذلك في عملية إعادة تأهيل وترميم الاقتصاد المحلي.
وتعد برامج التدريب المهني في هذه المناطق واحدة من الأدوات القوية لإبقاء الناس متجذرين في مناطقهم ومساعدتهم على الحفاظ على الحد الأدنى لجودة الحياة. ويمكن تنفيذ برامج التدريب المهني من خلال بعض أو جميع الخطوات التالية:
يبين الشكل (18) مجموعة من دورات التدريب المهني ورأي أفراد عينة الدراسة حول مدى أهميتها لسكان المخيمات، حيث يوجد تقارب في مدى أهمية هذه الدورات نظراً لتنوع الخلفيات المهنية للأفراد القاطنين في هذه المخيمات، إلى جانب وجود حاجة فعلية لمثل هذه الدورات يمكن تلمسها بشكل واضح من خلال نسب الأهمية التي حازتها من قبل أفراد العينة. ويرجع التباين النسبي المحدود في درجة أهمية هذه الدورات إلى تقديرات خاصة بأفراد العينة لمدى الأهمية الفعلية لكل دورة مقارنة بغيرها من الدورات المهنية، كذلك يعكس تنوع الاهتمام بهذه الدورات إلى مدى الحاجة لها. ويعتمد نجاح هذه الدورات إلى حد كبير على مدى التعاون والتنسيق القائم بين الأطراف المعنية بتنمية سبل العيش في هذه المخيمات، من خلال توفير مقومات نجاح هذه الدورات وتوظيف مخرجاتها في الاقتصادات المحلية لمناطق تواجد المخيمات. إلى جانب خلق الحوافز المادية والمعنوية لدى سكان هذه المخيمات للالتحاق بهذه الدورات والاستفادة منها لتعزيز قدراتهم المهنية وتمكينهم من الانخراط في المجتمع المحلي بشكل أكبر، ومساهمتهم في عملية الإنعاش الاقتصادي في مناطق تواجدهم.
في حين حل برنامج محو الأمية في المرتبة الثانية من حيث الأهمية النسبية بنسبة (74%) وفقاً لرأي عينة الدراسة. حيث تعد مشكلة تفشي الأمية في مخيمات النزوح من المشكلات التي باتت متأصلة في هذه المخيمات نتيجة انقطاع نسبة كبيرة من الأفراد عن مواصلة تعليمهم بعد انتقالهم للعيش داخلها، وعدم قدرتهم على مواصلة تعليمهم بسبب افتقار هذه المخيمات لسبل التعليم؛ مما عمَّق من معاناتهم فارضاً في الوقت ذاته جملة من التحديات المرتبطة بتأمين سبل عيشهم. لذا ترى عينة الدراسة أهمية تطبيق برنامج محو الأمية لإكساب الأفراد المتسربين من التعليم القدرة الكافي من المعرفة التي يمكن أن تساعدهم في الاستجابة بشكل أكبر لبرامج سبل العيش والاستفادة من مخرجاتها.
تعد مخيمات النزوح من أكثر الأماكن التي تشهد معدلات فقر مرتفعة نظراً لفقدان سكان هذه المخيمات القدرة على العمل المنتج واعتمادهم بشكل كبير على المساعدات الإغاثية مما فاقم من معدلات الفقر بينهم. ترى عينة الدراسة أهمية تطبيق برنامج تمكين اقتصادي للأسر الفقيرة، وقد حل هذا البرنامج في المرتبة الثالثة من حيث الأهمية النسبية بنسبة تقترب من (80%). ويهدف البرنامج بشكل أساسي إلى توسيع فرص سبل العيش أمام الأسر الفقيرة وبناء قدرتها على الاستفادة من تلك الفرص إلى جانب تحديد مستويات الفقر وكيفية علاجها، والتخفيف من معاناتها ومساعدتها في تجاوز جزء من الصعوبات التي تواجهها. ونظراً لخصوصية الظروف المادية المحيطة بهذه الأسر داخل وخارج المخيمات؛ فإن تصميم برنامج تمكين اقتصادي خاص بها يتطلب استخدام تدخلات تنموية خاصة، تستهدف بداية تقديم الحماية الاجتماعية للأسر التي لا تستطيع تغطية احتياجاتها الأساسية بشكل دائم وهي الشريحة الأكبر في هذه المخيمات، مثل أسر الأيتام وأسر ذوي الاحتياجات الخاصة والأسر التي يعجز معيلها عن العمل، والمساهمة في إعفاف هذه الأسر وإغناءها عن ذل السؤال أو اللجوء إلى وسائل غير مشروعة لإعالة نفسها. بينما يتم تقديم مساعدات تنموية على شكل تمويل متناهي الصغر للأسر تحت خط الفقر وتأهيلها مهنياً والعمل على زيادة فرص حصولها على مورد دخل ثابت عبر تأمين مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية واستثمار الموارد المتاحة لديها. وهي الأسر القادرة على تأمين احتياجاتها الأساسية بشكل جزئي إلا أنها تعاني من ضعف في مواردها المالية والاجتماعية نتيجة فقدانها لشبكاتها الاجتماعية بعد خروجها من مجتمعاتها الأصلية.
في حين حل برنامجي ريادة الأعمال والمشاريع الصناعية الصغيرة في المرتبة الثالثة بنسبة أهمية قريبة من (60%) وفقاً لرأي عينة الدراسة. إذ يلعب الاستهداف الفعال للسكان في المخيمات بمشاريع صناعية صغيرة ومتناهية الصغر وتبني مبادرات ريادة الأعمال، إلى جانب بناء قدرات أصحاب هذه المشاريع والمبادرات وتقديم الحلول لهم دوراً هاماً في إيجاد مصادر الدخل والتقليل من نسب الفقر والبطالة وتعزيز سبل العيش المستدامة. كما تسهم هذه المشاريع والمبادرات في تنشيط عجلة الاقتصاد المحلي في مناطق تواجد هذه المخيمات. ولا بد لنجاح هذا المسعى من ضرورة إنشاء حاضنات أعمال تشاركية بين الجهات المهتمة بدعم هذه المخيمات لتوفير خدمات متكاملة استشارية إدارية وفنية لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، وتقديم الدعم اللازم لرواد الأعمال ذوي الأفكار الصناعية والتجارية لتأسيس مشاريعهم الجديدة في هذه المخيمات والتي تم التفكير بها بناءً على معرفتهم بظروف هذه المخيمات وما هي المشاريع المدرة للدخل التي يمكن تأسيسها داخلها لتحقيق النجاح المنشود منها.
إضافة إلى البرامج السابقة ترى العينة أهمية تطبيق برنامج التمويل الصغير والمتناهي الصغر للمشاريع، وقد حل في المرتبة الرابعة من حيث درجة الأهمية النسبية بنسبة تقترب من (60%). إذ يلعب هذا البرنامج دوراً هاماً في إشراك الفئات الفقيرة والمهمشة في الدورة الاقتصادية لمناطق تواجد مخيمات النزوح، ويشكل عاملاً مساعداً للسكان في تحمل الآثار الناجمة عن النزاعات وتخفيف موجات النزوح المتكررة، من خلال تمكينهم ودعم قدرتهم على مواجهة الصدمات الاقتصادية عبر إطلاق مشاريع تنموية صغيرة ومتناهية الصغر داخل وخارج المخيمات تؤمن فرص عمل لعدد كبير من السكان. كما يمكن لهذا البرنامج أن يمثل أحد الإجراءات التدخلية التي يمكن أن تشجع النشاط الاقتصادي المحلي على النمو وتدعم عملية إعادة الإنعاش الاقتصادي، من خلال البحث عن الأنشطة الاقتصادية الملائمة لسكان المخيمات والتركيز على تقديم الائتمان الإنتاجي لهم مما يسهم في تحريك عجلة الإنتاج الصناعي والزراعي بحدها الأدنى. إلا أن القدرة على تأمين هذا التمويل هو تحدي بحد ذاته. فنظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها مناطق مخيمات النزوح يعد إيجاد مورد تمويل محلي أمراً صعباً، لذا فإن جميع عمليات التمويل في الوقت الحاضر تعتمد على المنظمات غير الحكومية الدولية أو الدول الأجنبية التي تواجه صعوبات في الوصول إلى هذه المناطق. وهناك تحدي آخر يواجه المشاريع الصغيرة هو العائد المنخفض منها نظرا لعدم وجود سوق لتصريف المنتجات، وارتفاع تكلفة المواد الخام، وقضايا الأمن والبضائع المهربة التي تتنافس مع المنتجات المحلية. وينبغي النظر كذلك في ارتفاع معدل الفائدة على قروض التمويل الصغير. ومعظم مؤسسات التمويل الأصغر تطبق رسوم معدل فائدة مرتفعة بسبب ارتفاع مخاطر هذه القروض على هذه المؤسسات وخاصة في المناطق غير المستقرة كمخيمات النزوح.
في المرتبة الخامسة حل برنامج التمكين الاقتصادي للمرأة بنسبة أهمية بلغت (52%) وفقاً لرأي عينة الدراسة. إذ تعد النساء من الفئات الاجتماعية الأكثر تأثراً بالنزاع الدائر في سورية. وتعد مخيمات النزوح مأوى للكثير من النساء الأرامل والمعيلات لأسرهم اللواتي يكافحن في صراع شاق لتأمين سبل العيش ويواجهن تحديات كبيرة لرعاية أسرهم وتوفير أبسط الحاجات الأساسية معتمدات فقط على المساعدات الإغاثية ومساعدات الأقارب ومساعدات أهل الخير. ولم يكن سهلاً بالنسبة لهن تقبل هذا الأمر إلى جانب عدم ديمومة هذه المساعدات في كثير من الأحيان. لذا لا بد من أن يكون لهن الأولوية في الاستهداف عن غيرهن من الفئات الأخرى ببرامج سبل العيش وتعزيز الصمود الاقتصادي بعد الزيادة المتصاعدة لهذه الفئة من النساء والنفاذ المحدود لمصادر الدخل بسبب قلة فرص العمل وعدم تقبل المجتمع لعمل المرأة في غالبية مناطق مخيمات النزوح. ويرتكز برنامج التمكين الاقتصادي بشكل أساسي على توسيع الفرص الاقتصادية المتاحة للنساء ومساعدتهن في الولوج إلى سوق العمل من خلال مجموعة من التدابير تشمل بناء المهارات والمعارف والقدرات الإنتاجية لها عبر التدريب المهني. مما يسهم في تعزيز ثقة المرأة بنفسها من حيث كونها قادرة على تحسين مستواها الاقتصادي والاعتماد على نفسها في تأمين نفقاتها وعدم الركون بشكل كامل للبقاء أسيرة للمساعدات الإغاثية، ولجعلها في مأمن من الاستغلال وسوء المعاملة وجعلها أكثر قدرة على المشاركة الفاعلة في بناء المجتمع المحلي.
ويمكن وضع مجموعة من التوصيات الخاصة بتمكين النساء تشمل:
في المرتبة الأخيرة حل برنامج النقد مقابل العمل بدرجة أهمية نسبية قريبة من (40%) وفقاً لرأي العينة. ويعد برنامج النقد مقابل العمل أحد أهم أشكال المساعدة الإنسانية التي يتم تقديمها في المناطق المتضررة من النزاعات. ويتمثل هدف البرنامج في تسهيل حصول المجتمعات المحلية الهشة على استقلالها من المساعدات الإنسانية طويلة المدى في أسرع وقت ممكن ودعم الاقتصاد المحلي في مناطق تواجد هذه المجتمعات. ويمكن للمنظمات غير الحكومية أن تعقد شراكات مع الوكالات والمنظمات الدولية لتوفير فرص عمل قصيرة الأجل لبعض سكان هذه المخيمات بهدف توفير فرص عمل على المدى القصير خصوصاً في الأشغال العامة التي تحسن البنية التحتية الاجتماعية الأساسية للمخيم كالملاجئ والحمامات وشبكات الصرف الصحي، بهدف تسهيل سبل العيش اليومي للنازحين والتخفيف من معاناتهم المعيشية، وتحسين الوضع البيئي والصحي للمخيمات.
وغالباً ما تنطوي معظم فرص العمل المقدمة في هذا البرنامج على العمل اليدوي، لذلك فإن غالبية المستفيدين منها هم من الرجال، وبالتالي تستفيد أسرهم بأكملها من الدخل الذي توفره هذه الوظائف على المدى القصير. كذلك يمكن لهذا البرنامج أن يقدم فرص عمل مؤقتة للنساء مثل أنشطة التوعية المتعلقة بالصحة في مراكز التوزيع. كما يمكن لهذا البرنامج أن يؤمن فرص عمل مؤقتة خارج المخيمات وفقاً لظروف مناطق تواجدها، كأن يتم إقامة مشاريع مؤقتة لاستصلاح الأراضي الزراعية وإزالة الأشجار الضارة. وقد قامت بعض المنظمات غير الحكومية بتطبيق هذا البرنامج في مناطق خارج المخيمات مثل منظمة بنفسج التي قامت بتنفيذ مجموعة من المشاريع في عدد من المناطق ضمن هذا البرنامج بالتنسيق مع المجالس المحلية والهيئات المجتمعية بعد قيامها بإجراء تقييم أولي للمناطق المستهدفة. كذلك قامت المنظمة بوضع معايير لاختيار المستفيدين من هذه المشاريع تضمنت وجود حاجة ماسة للشخص، وألا يكون للأسرة دخل ثابت، ولا تمتلك أصولاً وأملاكاً، كما تفرض أن يكون الشخص قادر على العمل وتجنب جمع شخصين من أسرة واحدة في المشروع. ويرى الأهالي أنه وعلى الرغم من قلة المشاريع المنفذة في هذا الإطار ووجود بعض المحسوبيات لدى القائمين عليها في اختيار الأفراد لفرص العمل إلا أنها تبقى أفضل من السلال الغذائية التي عودت الكثير منهم على ترك العمل والشجار للحصول على المساعدات والمعونات([40]). كذلك قامت مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية بإطلاق مشروع النقد مقابل العمل في ريف حمص الشمالي من خلال قيامها بإعادة تأهيل الفرن الآلي في مدينة الرستن والاستفادة من جهود 250 عامل لتنفيذ هذا المشروع([41]). واستجابة لنداء السكان في منطقة سهل الغاب التابعة للريف الشمالي الغربي في محافظة حماة قامت مؤسسة إحسان بإطلاق مشروع هدف إلى إعادة تأهيل حوالي 35 كم من البنى التحتية لقنوات الري لتسهيل وصول المياه واستمرار تدفقها ضمن برنامج النقد مقابل العمل، حيث أسهم المشروع في تأمين فرص عمل لحوالي 1600 شخص ضمنه([42]). كما أن هناك تجربة مميزة لمنظمة "people in need" التي قامت بتنفيذ برنامج النقد مقابل العمل في محافظات حلب وإدلب منذ شهر نيسان 2015، حيث تمكنت أكثر من 1930 أسرة سورية من كسب لقمة العيش وتوفير المأكل والملبس لأسرهم ودفع الإيجارات المترتبة عليهم([43]). إلى جانب وجود بعض المبادرات من قبل بعض المنظمات الأخرى. وعلى الرغم من أن غالبية هذه المشاريع تنفذ خارج مخيمات النزوح إلا أنه يمكن إشراك سكان المخيمات في الاستفادة من مخرجاتها في مناطق تواجد مخيماتهم. أو تخصيص مشاريع خاصة بهم ضمن برنامج النقد مقابل العمل.
تشكل الفئة العمرية ما دون 18 سنة نسبة (50%) تقريباً تليها الفئة العمرية (19-50) ما نسبته (40%) تقريباً وتشكل الفئة العمرية (أكبر من 50) النسبة المتبقية. ويشكل الذكور نسبة (45%) من سكان المخيمات في حين تشكل الإناث نسبة (55%) تقريباً. في حين يبلغ عدد الأفراد في مخيمات النزوح (1050000) تقريباً في مخيمات الشمال السوري، منه (225923) تقريباً في مخيمات منطقة درع الفرات. ووفقاً لتقديرنا هناك نسبة (40%) تقريباً من سكان المخيمات ممن هم في سن العمل. والذين يتركز غالبيتهم في الفئة ذات التعليم المحدود وما دون الثانوي لكلا الجنسين. نتيجة لانقطاع نسبة كبيرة منهم عن مواصلة تعليمهم، وانتقال نسبة كبيرة من الفئات المتعلمة للسكن خارج هذه المخيمات. في حين تتجاوز نسبة البطالة في صفوف المقيمين في هذه المخيمات حاجز (80%). حيث تتركز النسبة الأكبر من مصادر دخل الأفراد في الاعتماد على المساعدات الإنسانية، يليها الاعتماد على الأعمال الحرة والعمل في الزراعة والتجارة والتعليم بشكل أساسي.
توصلت الدراسة إلى وجود مجموعة من المعوقات التي أثرت سلباً على تنمية سبل العيش لمخيمات النزوح، يأتي في مقدمتها الوضع النفسي والاجتماعي للأفراد القاطنين في المخيمات، وغياب الحافز لدى الأفراد للقيام بأي نشاط في سبيل تأمين معيشتهم. تلتها مشكلة عدم استقرار الأفراد القاطنين داخلها في كثير من الأحيان لأسباب ترتبط بالبحث عن ظروف معيشية أفضل نظراً للتمايز الموجود في بعض الأحيان بين المخيمات. إلى جانب ذلك يشكل غياب جهات رسمية داعمة لتأسيس سبل العيش داخل المخيمات، وعدم قيام المنظمات غير الحكومية في إدراج سبل العيش في سلم أولويات أجندات عملها وتركيزها على الجانب الإغاثي. ومن جانب آخر شكلت البيئة المادية لهذه المخيمات معوقاً إضافياً لعدم التمكن من إطلاق سبل العيش، مثل عدم وجود المستلزمات المطلوبة للقيام بأي أعمال مدرة للدخل، وعدم تعاون سكان المدن والقرى القريبة من المخيمات مع سكان هذه المخيمات، والصعوبة التي تواجه القاطنين في التنقل من وإلى هذه المخيمات بسبب القوانين التي تفرضها إدارة هذه المخيمات بتقييد حرية التنقل لأسباب أمنية وتنظيمية. في حين مثلَّ غياب سلطة رسمية للإشراف المباشر على هذه المخيمات وانفراد الإدارات المشرفة عليها باستخدام سلطتها لتنظيم حياة الأفراد القاطنين داخلها، مع عدم تمكن المجالس المحلية من الإشراف المباشر على هذه المخيمات عوائق إضافية أخرى في عدم قدرة سكان المخيمات على إيجاد فرص العمل.
بناءً على المعوقات التي تم تحليلها في هذه الدراسة، فإنه يمكن اعتماد مجموعة من الآليات لتنمية سبل العيش، والتي يمكن أن يشترك فيها العديد من الفواعل على المستوى المحلي والدولي. ويأتي في مقدمة هذه الآليات تشكيل لجنة داخل إدارة المخيم مسؤولة عن تأمين فرص العمل التي تعد إحدى المشكلات المستدامة للأفراد. إلى جانب قيام إدارات المخيمات بحملات توعوية للأفراد القادرين على العمل، لاطلاعهم على فرص العمل المتاحة وكيفية الاستفادة من مؤهلاتهم وقدراتهم في العمل المنتج لدعم عائلاتهم وإحاطتهم بمخاطر البطالة وتأثيراتها السلبية على مستقبلهم. ومن بين الآليات الأخرى قيام منظمات المجتمع المدني بأخذ دورها في تنمية سبل العيش داخل مخيمات النزوح، من خلال قيامها بإدراج قطاع سبل العيش في خططها التنموية وزيادة مخصصات هذا القطاع. كذلك قيام الوكالات والمنظمات الدولية بتحسين الوضع الاقتصادي للسكان عن طريق توجيه جزء كبير من الدعم المقدم من قبلها لتنفيذ برامج سبل العيش. كذلك لا بد من ضرورة تهيئة البيئة المادية المناسبة داخل مخيمات النزوح لتكون قادرة على توطين بعض الصناعات التي تتناسب وظروف العيش في هذه المخيمات.
من الآليات الأخرى التي يمكن تبنيها في هذا الصدد، ضرورة وجود آلية لتفعيل الاستفادة من الأموال والخبرات السورية المهاجرة لتنمية سبل العيش لسكان المخيمات من قبل جميع الفواعل ممثلة بالمجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني على بناء شراكات مع أصحاب رؤوس الأموال من السوريين في تركيا وغيرها من الدول لتنفيذ برامج سبل العيش. كذلك لا بد من تفعيل دور المجالس المحلية في إشرافها وتنظيمها لهذه المخيمات ومنح القدرة لسكانها على الاندماج الاقتصادي من خلال إسهامها في تنمية سبل العيش، وقيامها بتأطير المشاركة الشعبية لسكان المناطق ممن لديه الرغبة والقدرة لمساعدة النازحين، مما يؤثر بشكل فاعل في تنمية سبل العيش لهم. في حين يمثل امتثال الأفراد الراغبين في تأمين فرص العمل داخل المخيمات للتعليمات والإجراءات من العوامل الهامة في تنمية سبل العيش. حيث يساعد ذلك على تشخيص مؤهلاتهم وقدراتهم ولحظهم في أي خطط ذات صلة بتأمين فرص العمل والتأهيل المهني.
يمكن إيراد مجموعة من التوصيات والمقترحات التي يمكن أن تسهم في إنجاح تنمية سبل العيش للقاطنين في مخيمات النزوح الداخلي، ونظراً لتنوع الجهات التي يمكن أن يكون لها دور في تنفيذ آليات وبرامج سبل العيش، سيتم تصنيف هذه الحلول وفقاً لهذه الجهات كما يلي:
تعد قضية النزوح الداخلي إحدى أبرز القضايا الإنسانية التي تعكس تبعات النزاع الدائر في سورية منذ بداية عام 2011. فوفقاً للعديد من التقارير الدولية أصبحت سورية البلد ذات العدد الأكبر من النازحين داخلياً في العالم، ويمثل الأطفال ما لا يقل عن نصف هذا العدد. إلى جانب ذلك يمثل النازحين الفئة الأكبر من السكان المحتاجين للمساعدات الإنسانية العاجلة كونهم من المجموعات الأكثر ضعفاً في المجتمع والتي هي بأمس الحاجة إلى الحماية والمساعدة لتأمين النقص الحاد في مستلزمات الحياة الأساسية؛ ناهيك عن المشكلات الاجتماعية والصحية والنفسية التي يعانون منها والتي سيكون لها العديد من التداعيات السلبية على حاضرهم ومستقبلهم.
تمثل مخيمات النزوح الوجه الأبرز لمعاناة النازحين داخلياً، وهي المخيمات المنتشرة في العديد من المناطق السورية، والتي تؤوي النازحين الأشد فقراً الذين ضاقت ذات يدهم لتأمين المسكن المناسب في مناطق نزوحهم. فلجأ البعض منهم للإقامة في مخيمات نظامية تشرف عليها بعض المنظمات غير الحكومية، في حين لجأ البعض الآخر إلى بناء مخيمات عشوائية بمفرده ممثلة النسبة الأكبر في مخيمات النزوح. تلك المخيمات التي تفتقد لأدنى مقومات الحياة والعيش الكريم. إلى جانب الإهمال الذي وصل إلى مرحلة عدم الاكتراث الإنساني، بحيث باتت معاناة القاطنين داخلها كواحدة من أصعب المآسي التي يتعرض لها الشعب السوري.
مع استطالة وجود هذه المخيمات وغياب أفق واضح لمستقبل قاطنيها، فإن التحدي الأكبر لهم يكمن في مدى قدرتهم على تأمين سبل العيش والاعتماد على الذات لتغطية نفقاتهم المعيشية. تلك القدرة التي يجب أن تتضافر في سبيلها جهود العديد من الفواعل المحلية والدولية المهتمة بالإشراف على هذه المخيمات ودعمها. من خلال التعاون فيما بينها لبناء سياسات مستقبلية لتنمية سبل العيش لسكان هذه المخيمات عبر آليات وبرامج مدروسة تتناسب وظروف هذه المخيمات وقدرات ومؤهلات سكانها، وتذليل جميع المعوقات التي تعترض تنفيذ هذه البرامج. بحيث يمكن البناء عليها والاستفادة من مخرجاتها لدمج سكان المخيمات في محيطهم الاجتماعي وانتشالهم من دوامة الفقر والاعتماد على المساعدات الإنسانية.
تبقى القضية الأهم التي تطرح نفسها في هذا الصدد تتمحور حول مستقبل هذه المخيمات بعد انتهاء النزاع في سورية وآليات التعامل معها، وهل سيتم إدماج ساكنيها في مجتمعاتهم المحلية الجديدة، وهل سيتم لحظهم في أي تسوية سياسية قادمة، وماذا عن حقهم في العودة إلى مجتمعاتهم الأصلية التي نزحوا منها بعد تعرضهم للتهجير القسري، وما هي الضمانات الأمنية والاجتماعية المقدمة لهم في حال عودتهم إليها. هذه الأسئلة وغيرها تؤشر بشكل واضح إلى أي مدى تعد قضية النزوح الداخلي في سورية من القضايا الشائكة ذات البعد الإنساني والاجتماعي والسياسي. والتي تحمل في ثناياها العديد من التداعيات السلبية على النازحين أنفسهم وعلى المناطق التي نزحوا إليها، إلى جانب تداعياتها السلبية في المستقبل فيما يتعلق بالعودة الطوعية للنازحين لمناطقهم، ومدى إمكانية إعادة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لهذه المناطق بعد انتهاء النزاع والبدء بعملية إعادة الإعمار.
([1]) Internal Displacement Monitoring Center: https://goo.gl/rWaucz
([2]) ldp sites integrated monitiring matrix: https://data2.unhcr.org/ar/dataviz/13
([3]) تقرير داينمو درع الفرات، وحدة تنسيق الدعم، تشرين الثاني 2017.
([4]) Humanitarian Needs Overview 2018: https://goo.gl/a8gw1w
([6]) United Nations office for the coordination of humanitarian affairs (OCHA): http://www.unocha.org/syria
([7]) قطاع إدارة وتنسيق المخيمات هو أحد قطاعات العمل الإنساني وفقاً لتصنيف الأمم المتحدة، ويشمل كل من نشاطي تنسيق المخيمات وإدارة المخيمات. حيث يتمثل الهدف الرئيسي في الوصول إلى الوضع الإنساني الملائم للإيصال الفعال للمساعدات وتحقيق مبادئ الحماية. في حين يتركز نشاط إدارة المخيمات على تنسيق الخدمات، وإنشاء آليات إدارية بديلة وحشد المجتمع المحلي، والحفاظ على البنية التحتية للمخيم، وجمع المعلومات ومشاركتها وتقديم الخدمات ورصد ومراقبة جهات التسليم.
([8]) Humanitarian Response, CCCM Cluster: IDP Sites Integrated Monitoring Matrix (ISIMM), June, 2018: https://goo.gl/oXyRb3
([9]) Syria crisis, Camps and informal settlement in northern Syria, humanitarian baseline review, June, 2014.
([10]) هارون محمد ومروة مقبول، 82% من تجمعات النازحين تعتمد كلياً على المساعدات الإنسانية، صوت العرب من أمريكا، 06-06-2018: https://goo.gl/h73oG2
([11]) تم المباشرة بمشروع sphere في عام 1997 من قبل مجموعة من الوكالات الإنسانية غير الحكومية إلى جانب الحركة الدولية للصليب الأحمر بهدف تحسين جودة أعمالهم، واستعدادهم لقبول المساءلة عن ذلك. وتم تحديد مجموعة من المعايير الدنيا في قطاعات رئيسية منقذة للحياة. وتغطي هذه المعايير الأنشطة التي تلبي الحاجات العاجلة اللازمة للبقاء على قيد الحياة للسكان المتضررين من الكوارث والنزاعات، ولا سيما في السياقات التي تنطوي على حالات انعدام الأمن والنزوح.
([12]) طارق أبو زياد، مخيمات النزوح من خيام متناثرة إلى مدن منظمة، جريدة عنب بلدي، 21-01-2018: https://goo.gl/xpPmqU
([13]) علاء رشوان، مأساة النزوح الداخلي في سورية، المجلة الإلكترونية، ع 21، 2014، المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، منظمة العفو الدولية،
([14]) عبدو الفضل، مساعدات الأمم المتحدة إلى السوريين تجارة يسيرها مسؤولو النظام، وكالة سمارت للأنباء، 25-05-2017، https://goo.gl/tt12Jy
([15]) Aron Lund، The UN enters Syrıa`s moral labyrinth, 09-09-2016, Carnegie Middle East Center: https://goo.gl/d5KrZg
([16]) تقرير داينمو درع الفرات، وحدة تنسيق الدعم، تشرين الثاني 2017.
([17]) شركة زراعية عملاقة تعتزم دخول درع الفرات، تقارير خاصة، موقع اقتصاد، 17-02-2018: https://goo.gl/2FpqPg
([18]) إحدى ثمار الأمن .. ازدهار قطاع الأمن بمنطقة "درع الفرات" شمالي سورية، صحيفة يني شفق، 29-07-2018: https://goo.gl/m9hGkt
(([19])) أحمد الصوراني، دعماً للمشاريع الزراعية الصيفية قام المجلس المحلي بمدينة إعزاز بريف حلب بتقديم البذار والسماد والمياه لمساعدة المزارعين الذين يعيشون أوضاع اقتصادية حرجة، موقع أورينت نيوز، 19-06-2015: https://goo.gl/qPja1g
([20]) خالد الخطيب، البدء ببناء المدينة الصناعية الأولى في منطقة درع الفرات قرب الباب برعاية تركيا، موقع المونيتور، 01-03-2018: https://goo.gl/ev6qzV
([21]) خالد الخطيب، "درع الفرات": حكومات محلية تدعمها تركيا، جريدة المدن الإلكترونية، 01-07-2018: https://goo.gl/R9Uzic
([22]) شركة تركية تتكفل بإعادة الكهرباء لـ إعزاز على مدار 24 ساعة، تقارير خاصة، موقع اقتصاد، 02-03-2018: https://goo.gl/mcauBa
([23]) Understanding livelihoods in northern Syria: how people are coping with repeated shocks, constant change and an uncertain future, an assessment using a Household Economy Approach and hazard mapping to better understand livelihoods in northern Syria, save the children, January 2015.
([24]) الضيف الثقيل حل... الشتاء يهدد حياة النازحين في الشمال ويزيد معاناتهم، شبكة شام، 03-012-2016: https://goo.gl/vxUdGz
([25]) سارة الحاج، بصنارات النازحات في ريف إدلب ... قبعات تباع في أسواق دول مجاورة، موقع الحل، 01-02-2018: https://goo.gl/aDT2CC
([26]) محمود علي، عدم الاستقرار المادي لمدارس مخيمات النزوح يهدد استمراريتها، موقع أمية برس، 03-10-2016: https://goo.gl/99FFfm
([27]) سالم الحجي، موسم اللجوء إلى "هناك".. نزوح نحو مخيمات الموت، جريدة سوريتنا، 06-06-2016: https://goo.gl/Wb2ZsG
([28]) مدارس المخيمات تصبح سكناً لنازحين جدد.. أكثر من 10 آلاف طالب محرومون من التعليم في ريف حلب الشمالي، موقع سوريتنا، 14-04-2016: https://goo.gl/1j8iNz
([29]) طارق أبو زياد، مخيمات النزوح من خيام متناثرة إلى مدن منظمة، جريدة عنب بلدي، 19-01-2018: https://goo.gl/rbrd1U
([30]) ريف حلب: جولة في مخيم باب السلامة الحدودي للنازحين. عرضت على قناة الجزيرة مباشر،2014-12-20: https://goo.gl/ftFHHD
([31]) انظر في ذلك: مظاهرات عارمة في عموم مخيمات الشمال السوري في المناطق الحدودية وذلك تنديداً بمنظمة ACTED والتي وصفها المتظاهرون بالفساد: https://goo.gl/dZSWNW
([32]) مأمون سيد عيسى، دراسة في الأوضاع الصحية لمخيمات النازحين في الشمال السوري، 15-05-2018، جمعية عطاء للإغاثة الإنسانية.
([33]) سالم الحجي، موسم اللجوء إلى "هناك".. نزوح نحو مخيمات الموت، مصدر سابق.
([34]) سلطان جلبي، تجمعات النازحين في الشمال السوري .... فوضى الاجتماع وتحديات الإدارة، جريدة الحياة الإلكترونية، 20-03-2016: https://goo.gl/nGKiuq
([35]) لبنى سالم، حياة المخيمات ... هذه يوميات النازحين السوريين في الداخل، موقع العربي الجديد، 10-04-2017: https://goo.gl/rMwGDP
([36]) محمد العبدالله، تنمية سبل العيش في المناطق السورية المحررة: دراسة تحليلية، 24-12-2015، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية.
([37]) سطوة هيئة تحرير الشام تقيد عمل "المنظمات الإنسانية" وتخنق المساعدات، شبكة شام، 09-11-2017: https://goo.gl/X5e4QS
([38]) - بنت البلد.. أين أصبحت في الثورة السورية، 19-09-2016، عنب بلدي https://goo.gl/ouW5tH
([39]) - هيئة نسائية لدعم المرأة والطفل”.. في مدينة إدلب، 22-01-2017، سوريتنا برس: https://goo.gl/gjoKw3
([40]) "النقد مقابل العمل".. مشاريع قصيرة الأجل لتشغيل أهالي إدلب، جريدة عنب بلدي، 23-07-2017: https://goo.gl/AxKpbS
([41]) مشروع النقد مقابل العمل – ترميم الفرن الآلي في الرستن، مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية، 22-02-2028: https://goo.gl/89t7aC
([42]) إطلاق مشروع النقد مقابل العمل في سهل الغاب، مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية، 06-10-2017: https://goo.gl/7FEJNc
([43]) مساعدة العائلات السورية من خلال برنامج "الأجر مقابل العمل"، المساعدات الإنسانية والحماية المدنية، المفوضية الأوروبية، 27-04-2016: https://goo.gl/czjdnq
شارك الباحث محمد العبدالله من مركز عمران في حضور ندوة تخصصية عقدها مركز الحوار السوري حول سبل عيش اللاجئين السوريين في تركيا وفي المناطق المحررة، حيث ناقش الحضور واقع العمالة السورية اللاجئة في تركيا وفي المناطق المحررة في الداخل السوري، ومدى أهمية التركيز على تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة من قبل منظمات المجتمع المدني السوري والمنظمات ذات الصلة في دعم هذا التوجه وإرساء الأسس الملائمة لنجاح رواد الأعمال السوريين في تنفيذ مشاريعهم، من خلال بناء حاضنات الأعمال لتقديم خدمات متكاملة لهذه الشريحة بغية ضمان نجاحها المستقبلي والإسهام في تنمية الاقتصاد الوطني.
عقد مركز الشرق الأوسط الدولي للبحوث والسلام IMPR بتاريخ 24-6-2016 ورشة عمل حول تراخيص العمل للسوريين الحاصلين على الحماية المؤقتة في تركيا، ومثل مركز عمران في مشاركته أعمال الورشة الباحث محمد العبدالله من مسار التنمية والاقتصاد.
وتركز الهدف الأساسي لورشة العمل على تقديم عرض تفصيلي من قبل منظمة IMPR حول تراخيص العمل الممنوحة للسوريين الحاصلين على بطاقات الحماية المؤقتة في تركيا. من حيث الحقوق والواجبات التي سيحصل عليها حاملي تراخيص العمل والالتزامات المتوجبة عليهم ضمن سوق العمل التركي. كذلك تم التطرق إلى واقع سبل العيش للسوريين في تركيا والخطوات التي قامت بها الحكومة التركية لإدماج العمالة السورية في سوق العمل التركي، وأهم المشاكل التي تواجهها هذه العمالة وكيفية إيجاد الحلول الملائمة لها، وتخلل الورشة كذلك نقاش موسع بين الحاضرين حول القضايا السابقة والخروج بتوصيات لرفعها لوزارة العمل التركية.
في إطار تغطيتها الأسبوعية المتواصلة للدراسات والأبحاث الاقتصادية المتعلقة بالشأن السوري والصادرة عن مراكز الأبحاث والدراسات، قامت إذاعة راديو الكل بإجراء لقاء صوتي على الهواء مباشرة في النشرة الاقتصادية الأسبوعية عبر أثير الإذاعة مع الباحث محمد العبدالله من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بتاريخ 21-6-2015، للتعليق على دراسته التي حملت عنوان " تحرير إدلب: امتحان لا يقبل الفشل – الأمن الاقتصادي ضرورة لإدارة وتنمية المرافق".
حيث ركز اللقاء بشكل رئيسي على تناول المادة المعدة من قبل الباحث، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات تمحورت حول الأمن الغذائي في محافظة إدلب من حيث المصادر الرئيسية للغذاء والواقع الحالي للقطاع الزراعي وأسباب تدهور الأمن الغذائي، وتداعيات نقص الوقود على الأمن الاقتصادي في مدن المحافظة. كذلك تم التطرق إلى مصادر الدخل الرئيسية لدى السكان في الوقت الحاضر، وأخيراً تم تناول الإجراءات الواجب القيام بها من قبل الجهات الفاعلة على الأرض بعد تحرير المحافظة.
قام الباحث بالإجابة عن التساؤلات المطروحة حول الأمن الغذائي والواقع الزراعي في المحافظة واستعرض واقع سبل العيش التي يعتمدها عليها السكان في الوقت الحاضر مدعماً اجاباته بالإحصاءات والنسب المئوية حولها ومشيراً فبي الوقت ذاته إلى مصدر معلوماته، وفي الختام قدم الباحث رؤيته عن النهج المستقبلي المطلوب القيام به من قبل الجهات الفاعلة على الأرض من خلال تبني استراتيجية تنمية اقتصادية تراعي الظروف الحالية والمستقبلية.
رابط البث: http://goo.gl/iFuB4H
مع اقتراب قوى المقاومة الوطنية من التحرير الكامل لمحافظة إدلب، يبرز الأمن الاقتصادي كأحد أهم الدعائم اللازمة لاستثمار النجاح العسكري عبر تبني سياسات فاعلة لإدارة وتنمية المرافق وتوطيد دعائم الاستقرار الاجتماعي داخل المحافظة. ونقدم في هذه الدراسة توصيف واقع المقومات الأساسية للأمن الاقتصادي في قطاعات المياه والغذاء والصحة والتعليم وسبل العيش.