تعتبر اتفاقات الهدن التي توالى عقدها في المناطق الثائرة منذ تشرين الثاني 2013 مع النظام (في مدينتي قدسيا والهامة) وحتى الآن، متغيراً هاماً في المشهد السياسي والعسكري العام، حيث تتضمن هذه الاتفاقات شكلاً من أشكال المقاربات السياسية تضمّ في إطارها العام ثلاثة محاور: وقف إطلاق النار وإنهاء العمليات العسكرية في إطار زمني وجغرافي محدد؛ إنهاء الحصار وتحسين الأوضاع المعيشيّة لسكان تلك المناطق؛ إطلاق سراح المعتقلين. وتبعاً لأهمية هذا الملف أجرى مركز عمران للدراسات الاستراتيجية مع المركز السوري للإحصاء والبحوث استبياناً ميدانياً، عكست نتائجه تصميماً على التمسك بأهداف الثورة، وعدم التحول إلى القبول بالنظام إلا بين 2,2 % من المستجيبين، وخيبة أمل في تنفيذ النظام لما تعهد به، وذلك بالرغم من الواقعية السياسية في الموافقة على استمرار الهدن من أجل ضرورات العيش.
بعد عدة أشهر على حصار نظام الأسد للعديد من المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وفشله في القدرة على الحسم العسكري على الرغم من استخدامه لكافة أنواع السلاح، ووصول مسارات الحل السياسي والتفاوضي إلى طريق مسدود، يكثر الحديث اليوم عن الهدنة واتفاقيات وقف إطلاق النار خاصةً مع بدء تنفيذ ذلك في بعض المناطق في ريف دمشق. وبعد أن أوضحت الدراسة مفهوم الهدنة كتأصيل معرفي للدراسة، قدمت مشهداً عاماً لواقع الهدن، متخذةً من ريف دمشق نموذجاً لكونها تشكل الإطار الاستراتيجي الذي يحيط بالعاصمة دمشق بدءاً من المعضمية وبرزة والقابون وانتهاءاً بالهدنة الأخيرة الموقعة في ببيلا. واستقراءاً لخارطة وواقع الهدن وخطط النظام، قدمت الدراسة سيناريوهات للتعامل مع الهدن مبينةً الإطار الحقوقي والسياسي الاجتماعي العام للهدن من حيث كلاً من الشكل والمضمون، ومبينة كيفية التعامل في حال سيناريو القبول (المقبول لمناطق غير استراتيجية) وسيناريو الرفض (لمناطق تشكل عمقاً استراتيجياً للحراك الثوري).