منذ مطلع العام 2017 عادت بادية الشام بقوة إلى واجهة الأحداث الميدانية العسكرية في سورية، لتشهد صراعاً على عدة جبهات بين قوات النظام و"المليشيات الإيرانية([1])" الداعمة لها من جهة وبين قوات المعارضة المسلحة العاملة في المنطقة من جهة أخرى، بالإضافة إلى خوض الطرفين معارك ضد تنظيم الدولة "داعش"، والذي يَعتبرُ المنطقة عقدة ربط بين مناطقه في سورية وما تبقى له من جغرافيا في العراق. وازى هذا التصعيد العسكري لمعارك البادية تصعيد سياسي بين الولايات المتحدة من جهة وإيران من جهة أخرى حول السيطرة على معبر التنف الاستراتيجي، والذي كاد أن يودي إلى مواجهة مباشرة، ما أتاح الفرصة لموسكو لاستغلال احتمالات المواجهة والدخول كوسيط بين الطرفين واللعب على هوامش الخلاف لتحقيق أهدافها في البادية والتقدم على حساب مناطق تنظيم الدولة فيها وصولاً إلى مشارف محافظة دير الزور وفرض نفسها كشريك للتحالف الدولي في حرب الإرهاب.
لذلك تعتبر البادية السورية اليوم نموذجاً مصغراً يعكس ما يجري في سورية عموماً من صراع نفوذ دولي-إقليمي بأدوات محلية؛ والسباق المحموم بين تلك الأطراف للسيطرة على الفراغ الاستراتيجي الذي سيتركه تنظيم الدولة. وبناءً عليه تحاول هذه الدراسة التحليلية رسم ملامح المشهد السياسي والعسكري في البادية السورية، وتفكيك المصالح المتضاربة للأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة فيها، و استنتاج التفاهمات غير المعلنة التي توصلت إليها الولايات المتحدة وروسيا فيما يخص تقاسم النفوذ ضمن مناطق تنظيم الدولة، مقابل الموقف من المشروع الإيراني على الحدود العراقية السورية؛ وصولاً لتقديم قراءة استشرافية لمعركة دير الزور المرتقبة، وذلك عبر تحليل التحركات العسكرية للنظام والمليشيات الداعمة له على جبهات البادية المختلفة، و التي تشكل مفتاحاً لمعركة دير الزور ذات الأهمية الاستراتيجية لجميع الأطراف المنخرطة في معارك البادية.
بادية الشام أو البادية السورية، هي منطقة صحراوية تقع في جنوب شرق سورية وشمال شرق الأردن وغرب العراق، يسمى القسم الجنوبي الأوسط منها "الحماد"، أما في الشمال تحدها منطقة تسمى بالهلال الخصيب.
يجتاز بادية الشام من جهتها الجنوبية خط الأنابيب الذي أنشأته شركة أرامكو السعودية لإيصال النفط من رأس تنورة في السعودية عبر الجمهورية العربية السورية إلى ميناء صيدا على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وترتبط البادية السورية برياً بالعراق والأردن بشريط حدودي تصل مسافته إلى أكثر من 240 كم، ولكن لا ترتبط بمعبر رسمي إلا مع العراق، وهو معبر (التنف)، والذي يقع على أوتوستراد دمشق- بغداد. كما أنها تعتبر عقدة للاتصال بين شرق سورية وشمالها الشرقي (دير الزور والرقة) مع وسطها (حمص وحماه) وجنوبها الغربي (القلمون الشرقي والسويداء)، بالإضافة إلى غناها بآبار النفط والغاز ومناجم الفوسفات، وما زاد من الأهمية الاستراتيجية للبادية اليوم هو احتواؤها على عدة جبهات للاشتباك مع تنظيم الدولة "داعش" في عدة محافظات سورية، الأمر الذي جعلها مفتاحاً للسيطرة على مساحات واسعة من الأرض السورية الغنية بالموارد، وبالتالي فإن السيطرة عليها قد تغير موازين القوى لصالح الطرف المسيطر.
وعليه شكلت البادية السورية ساحة للصراع بين ثلاثة أطراف رئيسية من أصحاب المصالح (روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية، إيران) المدعومين بالوكلاء المحليين، بالإضافة إلى الأردن وإسرائيل اللتين تمثل الولايات المتحدة مصالحهما. ويمكن تفكيك مصالح كل منهم على الشكل التالي:
تنظر الولايات المتحدة باهتمام شديد إلى البادية، والتي تُشكل نقطة تلتقي فيها جملة من الأهداف الأمريكية في سورية، وهو ما يثبته السلوك الأمريكي الحاسم اتجاه محاولات إيران وروسيا الاقتراب من مناطق نفوذها في البادية، ويمكن إجمال أسباب الاهتمام الأمريكي بالتواجد في البادية السورية بالنقاط التالية:
تسعى الولايات المتحدة من خلال اهتمامها بمناطق (الجنوب الغربي-الجنوب الشرقي) لسورية، والممتدة على مساحة ثلاث محافظات، وهي (القنيطرة-درعا-السويداء) وصولاً إلى معبر التنف على زاوية الحدود السورية العراقية الأردنية؛ إلى حماية حدود كل من الأردن وإسرائيل من محاولات إيران للوصول إليها عبر المليشيات الشيعية، أو من أي تهديد محتمل من قبل التنظيمات المتشددة وعلى رأسها "داعش"، وبخاصة بعد خسائره المتلاحقة في سورية والعراق وإمكانية تسلل عناصره إلى الأردن عبر البادية السورية.
تُشكل البادية السورية عقدة ربط بين مناطق تنظيم الدولة في سورية والعراق، ومنفذاً مهماً لتحرك عناصر التنظيم بين مناطق سيطرته وبخاصة التي يخوض فيها المعارك، لذلك يُعتبر تأمين البادية ضرورة عسكرية قصوى بالنسبة للولايات المتحدة لدعم عمليات التحالف ضد التنظيم وقطع طرق تحركه وإمداده.
تعتبر القاعدة العسكرية التي أنشأتها الولايات المتحدة في التنف عقبة أمريكية في وجه تحقيق إيران مشروعها الاستراتيجي في امتلاك طريق بري يصل طهران بلبنان عبر العراق وسورية، إذ يبدو أن واشنطن تسعى عبر توزع قواعدها الجديدة في العراق وسورية إلى تطويق النفوذ الإيراني عبر الحد من سيطرة طهران على المناطق السُنية التي تشكل ممرها البري إلى المتوسط.
خريطة بتاريخ 25 أغسطس/آب توضح الطرق البرية التي عملت إيران على تأمينها للوصول إلى لبنان مروراً بالعراق وسورية
يبدو أن واشنطن التي شكل انسحابها من العراق في العام 2011 تراجعاً عسكرياً لدورها في المنطقة لصالح تمدد النفوذ الإيراني والروسي اليوم في سورية، تسعى للعودة من جديد إلى المنطقة، وبخاصة في عهد الإدارة الجديدة، لذلك يبدو أنها تسعى إلى تكثيف وتثبيت تواجدها العسكري في سورية والعراق وتحديداً في المناطق السُنية (العربية والكردية)( [2]) ، حيث بلغ تعداد ما أنشأته في العراق من قواعد عسكرية 12 قاعدة([3])، 8 قواعد في سورية من ضمنها قاعدة التنف في البادية السورية([4])، والتي تشكل نقطة ارتباط هامة بين مناطق التواجد الأمريكي في العراق وسورية.
خريطة توضح انتشار القواعد العسكرية للفاعلين في سورية (أمريكا، روسيا، تركيا)
ترتكز استراتيجية موسكو في سورية على عدم الصدام المباشر مع واشنطن، وإنما اللعب على هوامش الصراع بين أصحاب المصالح لتحقيق أهدافها بأقل التكاليف، وعلى هذا الأساس استثمرت موسكو الخلاف بين واشنطن وأنقرة في الشمال السوري، وتحاول إعادة الكرة في البادية السورية عبر اللعب على هوامش المشروعين الإيراني والأمريكي في محاولة للوصول إلى تفاهمات تخدم مصالح حليفها (النظام السوري) في السيطرة على مساحات واسعة من الأرض السورية، وبخاصة المناطق الغنية بالنفط والغاز.
حيث تشترك موسكو وطهران من ناحية في الرغبة بتطويق الوجود الأمريكي في البادية السورية وإحاطته بتواجد عسكري إيراني روسي، ومن ناحية أخرى تنسجم مصالح موسكو مع سعي واشنطن لمنع إيران من الوصول إلى المتوسط عبر العراق وسورية، وعليه يبدو أن موسكو تهدف من خلال الانخراط في العمليات العسكرية في البادية السورية إلى ما يلي:
سعى كلٌ من الأطراف المتنازعة على النفوذ في البادية السورية إلى تعزيز تواجده العسكري فيها، كما ترجمت المصالح المتضاربة بين الولايات المتحدة وإيران إلى احتكاكات عسكرية أنذرت بإمكانية التصعيد إلى مواجهة مباشرة، خصوصاً بعد أن دعَّم الطرفان تواجدهما في البادية بقواعد عسكرية جديدة، حيث عززت الولايات المتحدة وجودها العسكري شرق سورية عبر إقامة قاعدة جديدة في منطقة الزكف على بعد 50 كيلومتراً شمال شرق معسكر التنف([5])، وذلك لإقفال الطريق أمام قوات النظام والميليشيات الإيرانية الساعية للتقدم إلى زاوية الحدود السورية - العراقية - الأردنية من جبهتين: الأولى؛ من منطقة السبع بيار شرق تدمر، و الثانية؛ من الريف الشرقي للسويداء جنوب دمشق، والتي كانت إيران قد عززت وجود ميليشياتها فيها([6])، كما أن اختيار مكان قاعدة الزكف تم بطلب من الفصائل العاملة على الأرض لأسباب متعددة؛ ومنها أن تكون نقطة متقدمة لـ"جيش مغاوير الثورة" المدعوم من الولايات المتحدة في قتاله ضد "الدولة الإسلامية"، بالإضافة إلى اعتبار المنطقة بوابة لمحافظات حمص و دير الزور والسويداء ومدينة تدمر([7])، إلى جانب أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة في عرقلة الطريق البري لإيران بمحيط تلك المنطقة.
وبعد أيام من تعزيز واشنطن معسكر التنف قرب حدود العراق، قامت إيران بتحويل مطار "السين" المجاور والذي يعد ثالث أكبر مطار عسكري في سورية إلى قاعدة لـلحرس الثوري الإيراني، حيث أن طائرات "يوشن 76" إيرانية بدأت بالهبوط فيه، إضافة إلى تمركز طائرتي نقل عسكريتين في المطار([8]).
كما حاولت ميليشيات إيرانية التقدم من منطقة السبع بيار باتجاه معسكر التنف، بالتزامن مع تقدم "الحشد الشعبي" العراقي من الطرف الآخر للحدود، وزيارة قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري قاسم سليماني لمناطق الحدود([9])، الأمر الذي أثار قلق الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أبلغت رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بضرورة وقف محاولات "الحشد" لعبور الحدود، كما انتشرت قوات أمريكية في جنوب الروضة في محافظة الأنبار قرب الحدود مع سورية والأردن مدعومين بمظلة جوية من المروحيات وطائرات الاستطلاع([10])، وعلى الجانب السوري حذرت الولايات المتحدة قوات النظام والمليشيات الإيرانية عبر منشورات ألقتها طائراتها من التقدم نحو التنف، كما أنها أبلغت روسيا خلال المحادثات في عمان بـضرورة وقف تقدم الإيرانيين في البادية السورية، و لكن الإيرانيين استمروا في الحشد؛ ما أدى إلى توجيه ضربتين أمريكيتين للقوات المتقدمة نحو التنف خلال أقل من شهر([11])، تزامنت تلك الضربات الأمريكية مع تصريحات لمسؤولي التحالف الدولي بأنهم سيستمرون بالدفاع عن مواقعهم في حال استمرت المحاولات الإيرانية بالتقدم نحو التنف، بينما رد النظام وداعموه على تلك التصريحات بالتهديد باستهداف القواعد الأمريكية في إشارة إلى التنف والزكف، الأمر الذي أدى إلى توتر كبير في البادية زاده إصرار موسكو على استمرار دعمها الجوي لقوات النظام والمليشيات الإيرانية للتقدم نحو الشرق السوري ومنع تشكيل منطقة عازلة أمريكية شرقي سورية عبر تصريحات صدرت عن قاعدة حميميم الروسية([12])، الأمر الذي يبدو أنه هدد اتفاق "منع التعارض" الذي يعود إلى 15 أكتوبر 2015 بين الولايات المتحدة وروسيا، والذي أنشأ خطاً ساخناً لتفادي المواجهة العسكرية المباشرة بين القوات الروسية والأمريكية في سورية، وبالتالي زاد احتمالية وقوع صدام مباشر بين القوات الأمريكية وقوات النظام والمليشيات الإيرانية المدعومة من موسكو، وهو ما لا يرغب فيه الطرفين الروسي والأمريكي، لذا كان لزاماً عليهما الدخول في تفاهمات تحتوي التداعيات المحتملة في البادية، التفاهمات التي تُرجمت على ما يبدو وفق عدة اتفاقات منها المعلن وغير المعلن، ولعل أبرزها:
بموجب التفاهمات الروسية الأمريكية في البادية، والتي أفضت إلى تفكيك الأخيرة قاعدة الزكف التي كانت مدخل قوات المعارضة إلى محافظة دير الزور وريف حمص الشرقي، ومنع الفصائل المدعومة أمريكياً من قتال قوات النظام وإيقاف الدعم عن بعضها([16]) ونقل قوات "مغاوير الثورة" من البادية إلى الشدادي في الحسكة([17])، أصبحت جبهات البادية تُشكل ممرات سالكة لقوات النظام للتقدم على محاور عدة مستفيدة من اتفاقات خفض التصعيد التي تم عقدها، والهدوء النسبي الذي تشهده باقي المناطق التي تنتظر أن تشمل باتفاقات خفض التصعيد كجبهة حماه والساحل، والتي أتاحت للنظام والمليشيات الداعمة له تعزيز قواتهم في البادية السورية، في محاولة لتحقيق سيطرة واسعة وتقليص المسافة التي تفصلهم عن دير الزور في خضم التسابق الدولي على المحافظة، انطلاقاً من الحدود الإدارية لدير الزور مع محافظتي حمص والرقة إلى جانب تقدم في ريف مدينة البوكمال من الجهة الجنوبية بمحاذاة الحدود السورية العراقية. ويمكن تقسيم محاور تقدم النظام باتجاه محافظة دير الزور، وفقاً لما يلي:
- محور أثريا باتجاه عقيربات؛ حيث تحاول قوات النظام فتح جبهة جديدة في ريف السلمية مع تنظيم داعش، وينصب تركيز العمليات المرحلي على إتمام السيطرة على طريق أثريا ــ الرقة، بما يؤمن مرونة في خطوط إمداد تلك القوات، كبديل عن الخط الطويل الممتد من ريف حلب الشرقي، كما يتيح إطباق الحصار على مواقع "داعش" شرق طريق أثريا ــ خناصر، وإنهاء تهديدها المتكرر لطريق حلب الوحيد، ويمهد لتحرير بلدة عقيربات التي تعد آخر معاقل "داعش" في الريف الحموي.
- محور ريف الرقة؛ تهدف قوات النظام من خلال هذا المحور إلى التقدم باتجاه دير الزور، عبر طريقين؛ شمالي غربي قادم من ريف حلب الشرقي مروراً بريف الرقة الجنوبي، ومحور جنوبي شرقي، بهدف الوصول إلى مدينة السخنة للالتقاء مع قوات النظام، التي تتقدم من المحور الأوسط القادم من مدينة تدمر، والتوجه بعد ذلك نحو مدينة دير الزور شمالاً والحدود السورية العراقية بالقرب من مدينة البوكمال شرقاً، حيث تمكنت قوات النظام وميليشياته من التقدم في ريف الرقة الجنوبي الشرقي بعد "اتفاق العكيرشي" مع قوات "سورية الديمقراطية"، والذي سمحت بموجبه الأخيرة لقوات النظام والمليشيات المساندة لها بالتقدم عبر مناطق سيطرتها([19])، ليتمكنوا بذلك من السيطرة على ثلاثة قرى غرب مدينة معدان، وبعد هذا التقدم باتت قوات النظام وميليشياته تبعد 2 كم من الجهة الغربية لمدينة معدان، التي تعتبر آخر مدينة تحت سيطرة تنظيم "داعش" في ريف الرقة، ومفتاح جديد بيد قوات النظام وحلفائها باتجاه الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور من الجهة الشمالية الغربية.
خريطة بتاريخ 22 أغسطس/آب توضح المحاور العسكرية المختلفة التي يحاول نظام الأسد وحلفائه التقدم عبرها إلى دير الزور
وتسعى قوات النظام والميليشيات الداعمة لها عبر تحركاتها المتناسقة قرب الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور انطلاقاً من ريفي حمص الشرقي والجنوب الشرقي وريف حماة الشمالي قرب قرى السلمية إلى إطباق سيطرتها على جبهات الاشتباك مع تنظيم الدولة في محافظة دير الزور وعزل باقي القوى المنافسة عن خوض المعركة. وهذا ما تمكن من تحقيقه عبر عزل قوات المعارضة في البادية، وذات الأمر بالنسبة لقوات سورية الديمقراطية المتواجدة في ريف الرقة. وعلى الرغم من نجاح سعي النظام للوصول إلى مشارف دير الزور قبل باقي الأطراف؛ إلا أن هذا السباق جعل مواقع النظام المتقدمة باتجاه المحافظة رخوة وطرق إمدادها غير آمنة، الأمر الذي زاد من خسائر قواته التي تعرضت لهجمات عنيفة من تنظيم "داعش"، ففي 19 تموز/ يوليو الفائت شنت داعش هجمات على مواقع النظام المتقدمة باتجاه مدينة البوكمال في منطقة وادي الوعر أسفرت عن قتل أكثر من 70 عنصراً من قوات النظام، كما تم أسر ثلاثة عناصر أعدمهم التنظيم في مدينة البوكمال([20]). وشهد يوم 9 آب/ أغسطس هجمات معاكسة لتنظيم "داعش" على مواقع قوات النظام في ريف حمص الشرقي في مناطق حميمة وصوامع تدمر والمحطة الثالثة والسخنة أسفرت عن قتل ما يقارب 75 عنصراً من قوات النظام بينهم ضابط برتبة لواء([21])، وكذلك الأمر بالنسبة لجبهة ريف حماه الشرقي ومحيط مدينة السلمية التي تشهد هجمات معاكسة ودامية من تنظيم "داعش"، ويهدف التنظيم من خلال تلك الهجمات إلى عرقلة تقدم قوات النظام وإشغالها بتعزيز مواقعها المتقدمة وطرق إمدادها عن التقدم باتجاه دير الزور وبدء المعركة، والتي يبدو أنها ستحتاج إلى مدة أطول مما يعتقد النظام وحلفاؤه لكي تبدأ.
من خلال دراسة تحركات النظام وتكتيكاته العسكرية على جبهات البادية المتعددة، وبقراءة التفاهمات الروسية الأمريكية في سورية؛ يمكن الوصول إلى النتائج التالية:
بعد تأمين "سورية المفيدة"؛ يبدو أن البادية السورية تمثل استراتيجية جديدة لنظام الأسد للتوسع باتجاه "سورية غير المفيدة"؛ فالنظام السوري بدأ يفقد مواقعه في البادية مع نهاية العام 2011، ثم خسرها بشكل كامل في العام 2015، لتعود أنظاره وحلفائه إليها مع بداية العام 2017، حيث سبقت هذه الالتفاتة هزيمة المعارضة في حلب وإفراغ بعض الجيوب و"بؤر التوتر" من مقاتليها وفرض مناطق "خفض التصعيد"، مقابل تأمين القسم الأكبر من حزام العاصمة سواء عبر المعارك أو المصالحات. إذ شكلت اتفاقات "خفض التصعيد" مقدمة لمرحلة جديدة دخلها الصراع السوري تعكس ميلاً لدى الفاعلين الدوليين (الولايات المتحدة- روسيا) للوصول إلى تفاهمات على الأرض تفضي إلى تقاسم مناطق نفوذ ومصالح بينهما، يلعب كل طرف فيها دور الضامن لأمن حلفائه الإقليميين و وكلائه المحليين بشكل يضمن توجيه نفوذ هؤلاء الوكلاء نحو حرب الإرهاب تمهيداً لفرض الحل السياسي، وعليه شكلت البادية السورية التعبير الأكثر وضوحاً عن تلك التفاهمات بما تشهده من تقدم لقوات النظام والمليشيات الداعمة لها، الأمر الذي سينعكس بالضرورة على مسار التفاوض السياسي ويشكل ضغطاً إضافياً على المعارضة السورية إلى جانب التغيرات في المواقف الإقليمية الداعمة لها باتجاه فرض القبول بصيغة الحل الروسية القاضية ببقاء الأسد في المرحلة الانتقالية .
أعلنت قوات المعارضة في البادية السورية والقلمون الشرقي عن بدء المرحلة الأولى من معركة "رد الاعتبار" والتي أطلق عليها لاحقاً اسم معركة " سرجنا الجياد لتطهير الحماد" يوم الخميس بتاريخ 29 كانون الأول 2017 ضد مواقع "تنظيم الدولة" في المنطقة، والتي يوضح الجدول التالي القوى شاركت بها:
جاء انطلاق المعركة متزامناً مع قرب انعدام جبهات قوات المعارضة مع تنظيم الدولة، وذلك بعد الإعلان عن انتهاء معارك درع الفرات، فبات من الضروري على قوات المعارضة وبالتنسيق مع غرفة الموك في البادية من فتح معركة البادية وتأمين معبر التنف الاستراتيجي، وذلك لتحقيق جملة من الأهداف، وهي:
في 13 آذار 2017 أعلن المكتب الإعلامي لقوات "الشهيد أحمد العبدو" عن انطلاق المرحلة الأولى من معركة "طرد البغاة" بهدف استعادة السيطرة على مواقع التنظيم في القلمون الشرقي، وذلك بشن هجوم على عدة محاور. فيما أعلنت قوات المعارضة في 23 آذار 2017، عن بدء المرحلة الثانية من معركة "سرجنا الجياد لتطهير الحماد" والمرحلة الثانية من معركة "طرد البغاة"، وذلك استكمالاً لأهداف المرحلة الأولى من المعركتين، حيث استهدفت معركة "سرجنا الجياد" مواقع التنظيم في محور بادية الشام، أما معركة "طرد البغاة" فقد استهدفت محور القلمون الشرقي، وذلك لوصل البادية الشامية بالقلمون.
كانت المعركتين قريبتين من تحقيق كافة أهدافها، والتي يعتبر فك الحصار عن القلمون الشرقي أهمها، إلا أن قوات النظام استطاعت في الأسبوع الثاني من شهر أيار 2017 التقدم في منطقة السبع بيار على طريق دمشق بغداد القديم، في سعيٍ منها على ما يبدو لتأمين مطار السين العسكري ومحيطه ومحاولة لوصل مناطق سيطرتها بالبادية السورية من جهة القلمون الشرقي بمناطق سيطرتها جنوب مدينة تدمر في ريف حمص الشرقي، الأمر الذي يمكنها من تضييق الخناق على قوات المعارضة في القلمون الشرقي ومحاصرتهم بشكل كامل تمهيداً لإقامة تسوية في المنطقة تفضي بطرد مقاتلي المعارضة منها، كما حاولت قوات النظام التقدم من محور مطار خلخلة في السويداء، حيث حشدت قواتها من أجل التقدم في البادية السورية وصولاُ إلى منطقة التنف لإفشال مشروع المعارضة في الوصول إلى دير الزور والسيطرة على معبر التنف الحدودي مع العراق. وتتكون قوات النظام والمليشيات الرديفة في البادية السورية من التشكيلات التالية:
في 10 تموز 2017، بدأت قوات النظام والميليشيات الموالية المرحلة الثانية من عملية "الفجر الكبرى"، وفيها تم شن هجوم على مواقع قوات المعارضة شرق قاعدة خلخلة الجوية، وسيطرت على قمة تل الأصفر، إلى جانب العديد من التلال الصغيرة المطلة على قرية الأصفر. وفي الوقت نفسه، شن هجوم آخر على مواقع قوات المعارضة في محافظتي السويداء وريف دمشق بالقرب من قاعدة السين الجوية، وخلال اليوم الأول من العملية، استولت قوات النظام على ثلاثة آلاف كيلومتر مربع من الأراضي التي كانت تسيطر عليها قوات المعارضة المدعومة من غرفة الموك، وبحلول 13 تموز، سيطرت قوات النظام والميليشيات الموالية على 200 كيلومتر مربع إضافي.
بعد وقف إطلاق النار مع الجيش السوري الحر في منطقة البادية الجنوبية الغربية في سورية، التي تم بوساطة روسيا والولايات المتحدة، بدأت القوات الحكومية إعادة الانتشار إلى الشرق من تدمر لشن هجوم جديد.
([1]) مجموعة من التشكيلات العسكرية المليشياوية الأجنبية والمحلية الممولة من إيران، للاطلاع على تلك المليشيات بأسمائها ونفوذها وتفاصيل أكثر، راجع الجدول الخاص بها في ملحق الدراسة.
([2]) فابريس بالونش، تنامي خطر اندلاع مواجهة دولية في البادية السورية، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، 29/5/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/AqmMq4
([3]) 12 قاعدة عسكرية أمريكية في العراق ..الغايات والأبعاد، موقع عربي 21، 16 مارس 2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/mhcezo
([4]) تركيا تكشف معلومات سرية عن 10 قواعد أمريكية في سوريا، موقع روسيا اليوم، 19/7/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/kvPQBz
([5]) البادية السورية: قاعدة الزكف "الأميركية" لإفشال المشروع الإيراني؟، موقع جريدة المدن، 6/6/2017، متوافر على الرابط التالي: https://goo.gl/CJtQhz
([6]) صراع أميركي ـ إيراني على «البادية السورية» بانتظار تفاهمات مع روسيا، موقع جريدة الشرق الأوسط، 8/6/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/5WkFZs
([7]) البادية السورية: قاعدة الزكف "الأميركية" لإفشال المشروع الإيراني؟، موقع جريدة المدن، مرجع سبق ذكره.
([8]) قاعدة روسية تدخل الصراع الأميركي ـ الإيراني على «البادية السورية»، موقع جريدة الشرق الاوسط، 26/6/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/5zdeSC
([9]) صراع أميركي ـ إيراني على «البادية السورية» بانتظار تفاهمات مع روسيا، موقع جريدة الشرق الأوسط، مرجع سبق ذكره.
([10]) قاعدة روسية تدخل الصراع الأميركي ـ الإيراني على «البادية السورية»، موقع جريدة الشرق الاوسط، مرجع سبق ذكره.
([11]) التحالف يقصف قافلة لميلشيات إيرانية فيها 60 مقاتلاً جنوب سوريا.. ثاني ضربة أمريكية لها بأقل من شهر، موقع السورية نت، 6/6/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/J3vgrI
([12]) مؤشرات بداية مواجهات عسكرية مباشرة روسية أمريكية على أرض الشام من يركب سياسة حافة الهاوية حتى النهاية ؟، موقع رأي اليوم، 8/6/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/CDwBXU
([13]) قاعدة روسية تدخل الصراع الأميركي ـ الإيراني على «البادية السورية»، موقع جريدة الشرق الاوسط، مرجع سبق ذكره.
([14]) البادية السورية: هل قطع النظام طريق المعارضة إلى دير الزور؟، موقع جريدة المدن، 12/6/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/Qqr8mY
([15]) تبعد خربة رأس الوعر، 50 كيلومترا عن دمشق و85 كيلومتراً عن خط فك الاشتباك في الجولان و110 كيلومترات عن جنوب الهضبة. وتبعد 96 كيلومتراً من الأردن و185 كيلومتراً من معسكر التنف التابع للجيش الأميركي في زاوية الحدود السورية -العراقية -الأردنية.
([16]) مجموعة مسلحة سورية تعيد الأسلحة إلى أمريكا، موقع سبوتنيك عربي، 3/8/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/91YUi1
([17]) أنباء عن تشكيل واشنطن "جيشاً وطنياً" لمعركة دير الزور، موقع العربية نت، 5/8/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/sLP52Z
([18]) قوات النظام تدخل مدينة السخنة شرق حمص، وكالة قاسيون للأنباء، 3/8/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/tepwAz
([19]) "اتفاق العكيرشي": "قسد" تُسلم ريف الرقة الجنوبي للنظام، موقع جريدة المدن، 22/7/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/kNPibE
([20])نحو 70 قتيل من قوات النظام والمسلحين الموالين لها وتنظيم “الدولة الإسلامية” خلال 48 ساعة من القتال في البادية السورية، المرصد السوري لحقوق الإنسان، 19/7/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/UAEjhf
([21])نحو 75 قتيلاً وعشرات الجرحى خلال 24 ساعة من العمليات العسكرية في بادية حمص أكثر من نصفهم من قوات النظام والمسلحين الموالين لها، المرصد السوري لحقوق الإنسان، 9/8/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/R6aTj