مع انطلاق الثورة السورية في آذار 2011، حطّم الشعب السوري العديد من القيود التي فرضت عليه خلال العقود الثلاثة الأخيرة بدءاً من انقلاب حزب البعث على السلطة، وصولاً إلى حكم بشار الأسد واستمراره على نهج أبيه في خنق الحريات، وفرض قيود على حرية التعبير وتجفيف منابع الحياة السياسية، وقد حملت الثورة السورية معها ثورة فكرية واجتماعية كسرت عند السوريين حاجز الخوف، وأجّجت عندهم الشعور بالانتماء والمواطنة وأطلقت في نفوسهم رغبة عارمة بالإصلاح والتغيير في كافة مناحي الحياة، فتزايد الاهتمام بمتابعة الحدث السياسي وتحليله خصوصاً من الشباب، ومراجعة تاريخ سوريا ودراسة الأسباب التي أوصلت سوريا إلى ماهي عليه، مع محاولة لاستقراء المتغيرات السياسية المرحلية، والاستفادة من تجارب ثورات الربيع العربي وتجارب ثورات أخرى، وللتفاعل مع الحدث السياسي بشكل يخدم ما يجري على الأرض، وبهدف إخراج الثورة السورية من عنق الزجاجة نتيجة رفض نظام الأسد لأي حل سوى الحل العسكري غير المتكافئ.
كانت المرأة السورية شريكاً رئيسياً وفاعلاً في الثورة منذ الحراك السلمي، وحرصت على أن تكون شريكاً مؤثراً في المجالات التي تخدم أهداف الثورة وتسهم في تحقيق مطالب السوريين، فانخرطت في الأجسام السياسية المعارضة وحاولت الحصول على دور في صناعة القرار. ومع التوجه نحو تغليب "الحلّ السياسيّ" تزايدت الحاجة إلى تعزيز الوجود النسائي وتفعيله، فبدأت التجمعات النسائية بالتزايد، مستفيدةً من الضغوط الأممية والأوربية التي ركزت على ضرورة زيادة التمثيل النسائي. وقد واجهت هذه الكيانات العديد من التحديات والمعوقات كما حققت الكثير من النجاحات، والتي كان من أهمها تثبيت الوجود النسائي في كافة مفاصل العمل السياسي السوري، والمشاركة في رسم مستقبل سورية مما تجلى خصوصاً في المشاركة بعملية التفاوض.
بناءً على ما سبق، تسلط هذه الدراسة الضوء على تجربة العمل السياسي النسائي السوري، انطلاقاً من الأسباب التي دفعت النساء للدخول في مجال اعتبر تقليدياً من المجالات البعيدة عن اهتمامات المرأة السورية عامةً، وخاصة مع غياب الخبرة السابقة أو أي شكل من أشكال المشاركة السياسية أو الحزبية المستقلة أو المعارضة. ويمكن تقديم تعريفاً اجرائياً لمفهوم المشاركة السياسية الذي ستركز عليه الدراسة وهو الأدوار التي تهتم بالمجال السياسي والسياساتي، سواء أكانت منظمة مجتمع مدني أو أجسام سياسية تمارس ادواراً سياسية مباشرة عبر العملية السياسية أو التفاوضية أو الحزبية، أو مؤسسات إدارة محلية.
وكان لابد لدراسة هذه التجربة من ملاحظة الشخصيات النسائية التي شاركت في الأجسام السياسية المعارضة بشكل فعال أو الكيانات النسائية التي تأسست خلال سنوات الثورة، وتسليط الضوء على نشأة تلك الكيانات وأهدافها وما حققته، لمعرفة العوامل التي ساعدت على تصدر أولئك النساء واجهة العمل السياسي. كما كان ينبغي تتبع المعايير التي نظمت عملية اختيار الشخصيات النسائية للأجسام السياسية المعارضة، وفي جولات التفاوض وتقييم أدائها السياسي وتحديد المعوقات التي صادفتها وردود الفعل التي واجهتها، ومدى تمكنها من إثبات وجودها الفاعل والمؤثر في صناعة القرار، وصولاً إلى تطوير هذه التجربة وتعزيزها وتذليل العقبات التي تعيق مشاركة وجوه نسائية جديدة.
اعتمدت الدراسة على عدد من المقابلات مع شخصيات نسائية عملت ضمن أجسام سياسية معارضة، أو كانت لها مشاركة مباشرة في جولات تفاوضية أو مؤتمرات سياسية، أو شاركت بتشكيل هيئات وملتقيات نسائية ذات صبغة سياسية خلال سنوات الثورة، حيث تم التواصل مع أكثر من 65 سياسية سورية في عدد من الدول الأوروبية أو دول اللجوء، استجابت 24 منهنّ، واعتذرت 12 سيدة أخرى لأسباب مختلفة منها الانشغال، فيما تجاهلت باقي النساء اللاتي تم التواصل معهنّ المشاركة في المقابلات([1]).
تم إعداد الدراسة بناءً على استبيان أول مؤلف من 40 سؤال حول موضوع الدراسة، بالإضافة إلى حوارات هاتفية مباشرة مع عدد من سياسيات الصف الأول استمرت كلّ منها لأكثر من ساعة، واستبيانٍ ثانٍ قصير مؤلف من 3 أسئلة هَدَف لاستقراء آراء النساء في العمل السياسي؛ حيث وزع على عينتين من النساء، الأولى شملت 51 ناشطة سورية من الفئة العمرية ما بين 20-45 ممن كانت لهن مشاركة ثورية حقيقية ولا زلن يتابعن الوضع السوري السياسي والعسكري والاجتماعي و يتوزعن في كلّ من الداخل السوري وتركيا والأردن وبعض بلدان اللجوء، ويعمل أغلبهن ضمن منظمات مجتمع مدني تعنى بالعمل الإنساني، فيما شملت العينة الثانية 25 سيدة تقيم في اسطنبول تم انتقاؤها بشكل عشوائي.
للمزيد حول الدراسة انقر هنا