كم نزوح يحتاجه السوري كي يتخلص من نزوحه وكم منفى يحتاجه كي يصبح لديه وطن ينعم فيه بالأمن والأمان، و كم من رحيل يحتاجه هذا السوري كي يتخلص من رعب الترحيل.
فمن يراقب وضع النازحين في لبنان سيدرك أن الجهات الرسمية اللبنانية الفاشلة في إدارة لبنان كدولة، تحاول الهروب إلى الأمام عبر ورقة النزوح السوري التي أصبحت رأسمال سياسي بيد الفاعلين الرسميين وغير الرسميين على اختلاف القدرة على استثمار هذه الورقة، فمنذ ما قبل الرئيس ميشيل عون و أثناء فترة ولايته و بعد دخول لبنان مرة أخرى حالة الفراغ الرئاسي، ومنذ ألفين و تسعة عشر إلى لحظة كتابة هذه الورقة تفاقمت أزمة النازحين السوريين هناك، مع اعتبارهم من قبل سياسيين لبنانيين، عبئاً اقتصادياً يساهم في انهيار لبنان على حد زعمهم.
و ما بين التعنت الرسمي اللبناني بترحيل السوريين و رفض المنظمات الإنسانية و بعض الأوساط الشعبية لهذه الممارسات اللانسانية، بدأت تلوح في الأفق معاناة سورية أخرى في المنفى والشتات، على الرغم من مطالبات إنسانية دولية تحذر من مغبة مصيرهم المجهول و العودة غير الآمنة.
ومع ذلك تجاهل لبنان الرسمي جميع النداءات الشعبية والإنسانية، ليقوم بترحيل عشرات السوريين ووضعهم خارج الحدود، الأمر الذي سيعرض بعضهم على الأقل، لكل أصناف التعذيب و غياهب معتقلات النظام في دمشق.
استخدمت السلطات اللبنانية القانون لتبرير ذلك، استناداً إلى قرار مجلس الدفاع الأعلى اللبناني الصادر سنة ألفين و تسعة عشر و الذي يقضي بترحيل السوريين خلسة.
وفي ظل غياب جهة إحصائية لبنانية موثوقة تحصي السوريين في لبنان، تبدو الأرقام متضاربة، فحسب السلطات اللبنانية هناك أكثر من مليوني نازح، أما المفوضية العليا لشؤون النازحين، فإنها تحدد عدد المسجلين الذين يتقاضون مساعدات دائمة لا يتجاوز الثمانمائة ألف.
وبلغة الإنسانية فإن جميع النازحين السوريين توجهوا إلى هناك بعد أن قام النظام بتدمير بيوتهم و محو مدنهم و ملاحقة معظمهم، و انتشروا في لبنان عبر مئات المخيمات البائسة التي انتشرت في الشمال والبقاع دون أدنى معيار من معايير الإنسانية، أو أدنى حقوق بشرية بل تعرضوا في كثير من الأحيان إلى العنصرية و الفوقية و اعتداءات وحشية متفرقة و انتهاكات كثيرة تخالف كل القوانين الدولية، مع اكتفاء المنظمات الدولية بالشجب والتنديد والتأكيد كلاماً على ضرورة الالتزام بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
ومع تزايد التحريض الإعلامي الرسمي اللبناني ضد وجود النازحين السوريين، تزداد خطورة وضعهم الراهن و تتوسع رقعة أزمتهم الإنسانية و تضيق الحلول المنشودة، خاصة أن الحكومة اللبنانية تستند بممارساتها ضد السوريين إلى عدم توقيع لبنان الرسمي على اتفاقية اللجوء الصادرة 1951.
ومن هذا المنطلق فإن لبنان يمنح صفة نازحين و ليس لاجئين، ما يفضي بالتالي إلى حرمان السوريين من أدنى حقوقهم في حمايتهم من الترحيل، حتى بات خطاب الكراهية سائداً عند السواد الأعظم من اللبنانيين بعد ماظهر من تصريحات لسياسين داخل أروقة الحكومة اللبنانية في أن السوري يتقاضى مساعدات تفوق رواتب الموظفين في المناصب الإدارية العليا، وكان لهذا ارتداداً عنصرياً على النازحين السوريين بكل فئاتهم وصل حد منع الأطفال السوريين من التعليم بعد إضراب المعلمين اللبنانيين بسبب تدني رواتبهم مقابل الرواتب التي تدفعها المفوضية لتعليم أبناء النازحين.
وهنا لا بد من الإشارة أن لبنان الرسمي قام بعدة محاولات سابقة لما أسماها بالعودة الطوعية بمبادرات من الجيش اللبناني، غير أن منظمات حقوق الإنسان اعتبرت هذه العودة قسرية حيث جرى في كثير من الأحيان تواطئ بعض الجهات اللبنانية الرسمية مع النظام وتسليم المطلوبين للأخير.
مؤخراً، زادت المداهمات التي شنتها القوى الأمنية اللبنانية، لملاحقة نازحين سوريين وتوقيفهم وترحيلهم، وعلى إثر ذلك نشطت ظاهرة الاتجار بالبشر فمن يريد الحفاظ على حياته يدفع مبلغ ما بين 300 -500 دولار لأحد المهربين ويعود إلى الأراضي اللبنانية مجدداً بعد ترحيله لسورية. ولفتت منظمتا “العفو الدولية” و”هيومن رايتس ووتش”، إلى أنها وثقت بالفعل حالات اعتقال و تعذيب من قبل أجهزة نظام الأسد بحق عائدين قسراً لسورية، وذلك ما ولد حالة رعب ستطال النازحين السوريين في لبنان عموماً، وفي بعض الأحيان يفضل بعضهم الانتحار على العودة القسرية بعد إدراكهم لمصيرهم المحتوم، و قد أقدم فعلاً شاب سوري من مدينة منبج قبل أيام على الانتحار إثر تهديده بالترحيل قسراً من لبنان.
كل ذلك يفاقم المشهد المأساوي أساساً، ويضع مئات آلاف السوريين في لبنان عند مفترق طرق كارثي ينذر بمأساة جديدة ستكون بانتظار معظمهم.
ويبدو أن شخصياتٍ في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، بدأت فعلاً بتصيد هذه المأساة و استثمارها سياسياً، حيث طالب نجيب ميقاتي رئيس هذه الحكومة، المجتمع الدولي بالتعاون مع لبنان لعودة النازحين إلى سورية، واصفاً عدم قدرة بلاده على تحمل العبء في ظل ظروف لبنان الحالية حسب قوله.
وعلى النقيض تماماً من هذه المعادلة نجد أن هذه الحكومة تعود للمطالبة بتقديم أكثر من ثلاثة مليار دولار لمعالجة ما يسمونها تداعيات اللجوء على أرضيها، لكن منظمة الأمم المتحدة قالت في بيان إنها قدمت منذ 2015 أكثر من تسعة مليار دولار في خطة لبنان للاستجابة، لكن أزمات لبنان أغرقته في وحل فشله السياسي، ما جعل السلطات اللبنانية عاجزة عن توفير أبسط خدماتها لمواطنيها، ناهيك عن عدم قدرة لبنان الرسمي عن سداد ديونه الخارجية، وبالتالي فإن الورقة الرابحة لتبرير هذا الفشل الذريع سيكون في متناول جميع السياسيين اللبنانيين و لن يجد هؤلاء سوى الحلقة الأضعف كي يبيعوا أوهامهم على وسائل الاعلام على الرغم من ركاكة الإدعاءات التي يقولون و يذهبون إليها.
في كل الأحوال فإن الزوبعة السياسية اللبنانية الأخيرة ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة بحسب التجربة، لكنها تأتي هذه المرة على وقع بعض المتغيرات في المزاج السياسي تجاه النظام، و هنا تكمن خطورة تحريك هذا الملف في لبنان.
فهل تتحرك المنظمات الدولية والإنسانية لوقف هذه الكارثة؟ أم سيترك النازحون لمصيرهم المجهول، في مشهد ضبابي آخر، وهو مشهد لن تتضح رؤيته ما لم تكن هناك حلول عملية سريعة تسابق الزمن قبل أن تقع الواقعة.
ما يجب فعله حالياً، هو رفع الصوت عالياً في محاولات لإيقاف الكارثة بحق النازحين السوريين في لبنان، وإلا فإن الترحيل لن يرحم أحداً في جميع دول المنفى و الجوار التي لجأ السوريون إليها.
أخيراً فإن الوطن قد ضاق بنا، لنخرج إلى المنافي التي تزيد فيها عمليات الترحيل القسري، فأي مشهد آخر في انتظارنا نحن الحالمين بوطن بلا مظالم؟ وهل ما يزال في وسعنا أن نختار أحلامنا في المنفى و الشتات و الرحيل؟.
هي مجرد أسئلة في واقع يخيم عليه العبث السياسي والخذلان الإنساني، وكأن التاريخ يسخر من ضحاياه كما يقول درويش، ثم يلقي عليهم نظرة ويمر.
المصدر: السورية نت
تدرك هذه الورقة أن التدخل البشري في حالة الكوارث الطبيعية يرتبط بـ"كيفية التعامل البشري" ومدى لحظها لحجم التحديات والمهام المطلوبة بعيد لحظة وقع الكارثة، وأنه مهما بلغت صلابة البنى التحتية فلابد لها من إدراك مخاطر "انهيار المجتمع"، وسيشكل التآلف ما بين الكيفية المادية والمجتمعية عاملاً مهماً في صيانة المنطقة المتعرضة للكارثة، وإذا ما تم إسقاط هذه المقدمات المنطقية على ما حصل في شمال غرب سورية وبعد ما يقارب الشهر من وقوع الزلزال الذي ضرب المنطقة وما رافقه من تلكؤ دولي في المساندة والدعم؛ فإننا نجد أن المجتمع السوري بأفراده وجماعاته قد واجه هذا الحدث الطارئ والمفاجيء، ورغم فاعلية النموذج الذي تشكل في الاستجابة إلا أن هناك تداعيات عابرة للمادية (اجتماعية ونفسية) تفرض نفسها، ولا بد من مواجهتها إذ ستشكل احتواءً بالغ الأهمية للخسائر المباشرة وغير المباشرة، وهو ما ستقوم به الورقة عبر استشراف هذه الأبعاد وتفاعلاتها وتأثيراتها على الهشاشة المادية داخل المجتمع، ناهيك عن معرفة اختلاف مستويات الضرر على الأفراد في ظل وجود بعض الفئات الاجتماعية التي تعاني أصلاً من تحديات عميقة بسبب ظروف الحرب والدمار والفقر والتهميش.
تُعمق الكارثة الإنسانية حجم معاناة الأشخاص الأضعف في المجتمع بسبب دورهم الاجتماعي، أو عوامل الملكية ودرجة الهشاشة الاقتصادية أو جنسهم. ويلعب العمر دوراً في تعزيز الضعف إضافة للمرض المزمن والإصابات الجسدية ومدى تمتعهم بصحة جسدية ونفسية وعقلية تمنحهم القدرة على العيش الكريم، وتصنف الفئات الأكثر ضعفاً حسب قدرتها على الوصول للموارد العامة والخاصة على قدم المساواة مع باقي المجتمع، وتعطى هذه التصنيفات أولوية في البرامج الدولية والمحلية، سواء تلك التي ترتكز على القوانين الدولية وحقوق الإنسان، أو على أهداف التنمية المستدامة، التي تعتمد على مرتكزات المساواة وعدم التمييز في توزيع الخدمات الطبيعية أو المؤسساتية أو المجتمعية والاستفادة منها بدون أي استغلال أو سيطرة.
وفي شمال غرب سورية يحتاج معظم السكان لدعم وإغاثة وخدمات، زاد حجمها بعد الزلزال، وهنا تتوضح أهمية إيلاء الأولوية في الاستجابة لمجموعات قبل مجموعات، لأن قدرتها على الصمود تكون أقل صلابة، لذا نرصد المجموعات التالية كمجموعات معرضة للخطر، وعلى أساسها يجب وضع تصور أولي حول آليات الاستجابة والحد الأقصى من الزمن لتحقيق هذه الاستجابة:
العائلات التي فقدت مكان إقامتها
تسجل التقديرات وجود 1.789 مبنى تم تدميره كلياً، و8.649 مبنى متضرر ضرراً جزئياً ([1])،أي إنها خطرة ويحتاج سكانها إلى مأوى مؤقت ريثما يتم تقييمها وإعادة ترميمها، وعليه يمكن لخطة الاستجابة التركيز على الخطوات التالية:
فهم عرضة للعديد من المخاطر، كتدهور الحالة الصحية والنفسية أو الخطف أو التسخير بأعمال غير قانونية لا سيما إذا كانوا محرومي الرعاية من الأهل أو الأقارب، ويتفرع عن هذه المجموعة الفئات التالية:
تتسم هذه الفئة أساساً بحساسيتها واتسامها بالانفعالية الشديدة، والرغبة بالتمرد وقابلية الاستغلال بأعمال غير قانونية، وتتفرع عنها هذه الفئات إلى: 1) فاقدو الرعاية الأسرية: وينبغي تأمين رعاية بديلة من الأقارب أو وضعهم في دور إيواء مؤقتة، مع وجود كوادر تربوية إرشادية، إضافة إلى ضرورة التعاون مع المنظمات التي ترعى هذه الفئة من أجل ضمان وجودهم مع الأقارب منعاً لاستغلالهم. 2) المراهقون خارج التعليم الذين كانوا خارج المدرسة والذين يقدر عددهم بـ 318 ألف طالب متسرب في شمال غرب سورية، وفق أحدث إحصائية صادرة عن وحدة تنسيق الدعم، ومن المتوقع زيادة هذه النسبة في ظل الكارثة وتبعاتها، لاسيما إذا ما ربطت هذه النسبة مع فقدان العديد من الأسر للمعيل، لذلك يوصى بضرورة التوجه لهذه الشريحة ببرامج مجتمعية وتطوعية ودمجمهم بأعمال الإغاثة، مع ضرورة التنويه بسن "قانون عمل" الذي يضمن عدم عملهم بأعمال خطرة .
تنقسم هذه الفئة بدورها إلى: "النساء الناجيات من العنف" لا سيما بعد توقف أنشطة المنظمات التي تكفل الحماية للنساء ضد العنف عبر برامجها المختلفة، كبرامج التمكين والتعليم. من المرجح ازدياد نسب العنف، وعدم قدرة النساء على الوصول للخدمة، ويمكن في هذا الإطار أن يتم تعيين عدة عاملات حماية في نقاط تجمع المخيمات، ورصد حالات العنف وإحالتها إلى النقاط المسؤولة، و"النساء الحوامل والمرضعات" اللواتي يحتجن إلى تغذية صحية للأم الحامل، والبحث عن شراكات مع مشافٍ للتوليد يتم نقل الأم إليها دون إجراءات روتينية، من أجل سرعة تلقي الخدمة والتعاقد مع أكثر من طبيب أطفال، يكون مرتبطاً بأكثر من نقطة استجابة.
وتأتي الأولوية على الترتيب التالي: الأطفال المعاقون – النساء المعاقات - الرجال المعيلون لأسر ومعاقون – المسنون المعاقون – الرجال غير المعيلين لأسر والمعاقون. مع الأخذ بالاعتبار أنه، وبسبب كثرة الإصابات الجسدية التي سوف تلي فترة العلاج بالمشافي، سيكون هناك نقص بالوسائل المساعدة على الحركة كالكراسي المتحركة والأطراف الصناعية، لذلك ينبغي أن تكون خطة الاستجابة مرتبطة مع منظمات تعمل بالشأن الطبي. كما ينبغي لحظ من لديهم أمراض بحاجة لأدوية علاج مستمر(ضغط – سكر -قلب – كلى) وضرورة تخصيص صندوق خاص بالمرضى وإحصائهم وتصنيفهم ضمن خانات في النقاط الخاصة بالمنظمات التي تقدم معونات مالية.
لا سيما النازحين إلى أكثر من ثلاث مناطق، والذين يعانون من صدمة مركبة، وعدم الإحساس بالأمان بسبب تغير مكان الإقامة. ومن الضروري الاهتمام بالصحة النفسية والاجتماعية والبدء ببرامج تماسك اجتماعي بين سكان المخيمات الأصليين وبين من سكن معهم بشكل طارئ إثر الزلزال، فقد يخلق توزيع المساعدات على المتضررين حساسية بين أفراد المجتمع.
كالاشخاص الذين لا يتلقون مساعدات أبداً قبل الكارثة، وهذا يتطلب تحديث لقوائم التوزيع، وتقديم بطاقات إغاثية لمن انقطعت عنهم المساعدات التي كانوا يتلقونها، وضرورة تدارس بديل دعم دائم للفقر عبر صناديق الإغاثة أو المعونات النقدية. وتبرز ضمن هذه المجموعة فئة العمال المياومين الذين يتقاضون أجراً يومياً لقاء عملهم، فقد ساهمت الكارثة في توقف أعمال المياومة من زراعة وأعمال بناء، لذا ينبغي أن يتم إدراج هذه الفئة ضمن أي خطة دولية لتعافي المنطقة، كما تبرز فئة من العمال الذين فقدوا عملهم الوحيد إذ يمكن لحظهم في أعمال إزالة الأنقاض ضمن المشاريع والمعونات التي سوف تقدم في هذا المجال.
وبما يتعلق بخطة الاستجابة فإنه ينبغي أن تكون على مراحل زمنية ثلاث؛ مراحل سريعة وفورية – متوسطة وعاجلة – بعيدة المدى وعلى عدة مستويات، ولقياس شدة الاحتياج حتى يتم تقدير زمن الاستجابة ممكن وضع درجات معينة،
تزداد لدى الأفراد المتضررين بعيد مرحلة الاستجابة الأولى مؤشرات الانعزال والاغتراب الاجتماعي عن المحيط، إذ سيدرك الفرد حقيقة ما تم أكثر مما في المرحلة الأولى، كما سيتنبه للخسائر وحجمها مع استحالة تعويضها، إذ يجد الأفراد أنفسهم حالياً أمام حجم تحديات نوعية جديدة، تضاف إلى تلك التحديات التي فرضها السياق العام في شمال غرب سورية، لا سيما تلك الأزمات التي أثرت على تفكك نسيج المجتمع، والتي كان أكثرها حدة موجات النزوح المتكررة إثر قصف النظام لتلك المنطقة، وجراء الأعمال القتالية. سيشكل ترك المنزل جراء الزلزال صدعاً في مشاعر الأمان والانتماء، فالمنزل والحي يحمل بعداً رمزياً يعبر عن جزء من هوية الإنسان، ويعطيه الإحساس بنوع من السيطرة على مساحة معينة من حياته في ظل ظروف اجتماعية وسياسية مقيدة للحرية. لذلك سيحتاج الفرد عندئذ إلى مستوى عالٍ من الدعم الاجتماعي الرسمي والمجتمعي، ومما يزيد صعوبة هذا الدعم أنه يتم في منطقة تعاني صعوبات حوكمية، ويغيب عنها التنسيق الفاعل بين الفواعل المحلية.
أما الجماعات: فتنتهج في حالات الخوف سلوكاً فطرياً يتمثل بالابتعاد عن مصدر الخطر، دون إدراك مستوى الأمان، سواء في طريقة الابتعاد أو في المكان الذي يتم اللجوء إليه، لذلك ومع وجود هزات ارتدادية والتي لا يمكن التنبؤ بحدوثها، تكررت حالات القفز من النوافذ والركض الجماعي للقاطنين بالمنازل والأبنية نفسها.([3])
لقد عانت المنطقة ما قبل الكارثة من موجات النزوح الجماعية لمدن وبلدات أكثر أمناً، وهذا خلق مشكلات معقدة ومتراكبة، منها عدم الاستقرار الديمغرافي وتركز النازحين في أماكن أكثر من أماكن أخرى، وهذا ما أكدته منظمة تنسيق المخيمات العالمية في تقريرها السنوي لعام 2022، إذ سجلت أنه بلغ عدد النازحين داخلياً في سورية 2,661,051. وكانت الإزاحة (حركات النزوح الداخلي) تبلغ 86,318 سجل في السنة نفسها، عند شهر كانون الثاني 10,349 حركة، وفي شهر أيار 7,292 حركة، ليصل في شهر أيلول 12.326. مما يعبر عن تذبذب حركة النازحين واستمرارها في فترات زمنية قصيرة.([4])
ومع صغر المساحة وارتفاع عدد السكان،([5]) تتفجر مشكلة الكثافة السكانية والأزمات الاجتماعية التي تتوالد منها مثل:
أما على المستوى النفسي يبرز خطر النتائج السلبية للحدث الصادم، فقد تقطعت الحدود الفاصلة بين دوائر التفاعل عند السوري، فقد أصاب الأذى المساحات الشخصية والاجتماعية والرسمية في حياته، ففقد الشخص أحد أفراد عائلته أو أكثر إضافة إلى مكان إقامته وعمله في بعض الأحيان، سيكون له ارتدادات نفسية عميقة، وستتبلور هذه الأزمة في عدة تمظهرات، كآثار ما بعد الصدمة، مع شعور العجز والقلق المستمر، فعلى الرغم أن البيئة بيئة حرب، وعلى مدار أكثر من اثني عشر سنة، كان قد اعتاد الناس على ظروف استثنائية خطيرة، من انتظار قصف، واشتباكات، واعتقال، ونزوح وتشرد إلا أن هذه الكارثة الطبيعية وغير المتوقعة قد عمّقت من مستوى الخطر وجذّرته، وآثار الفقد لا سيما المرتبطة بفقدان العائلة والمنزل وما يعنيه كدينامية دفاعية ضد الخطر وأحساس بالآمان والرعاية والسكينة والاستقرار، وتأثير الكارثة على دوائر تفاعله الاجتماعية وما تقدمه له من احتياجات نفسية واجتماعية كالتواصل والتفاعل والانتماء، وعلى دوائر عمله ومصدر رزقه وعلاقاته مع المؤسسات الرسمية أو غير الرسمية، وعلى مدى اندماجه أو انعزاله عن الشأن العام. ويمكن إضافة آثار صدمة النزوح المتكرر مع ما يحمله من ضغوط نابعة من تغير البيئة والأشخاص وغياب سياسات تعزيز التماسك الاجتماعي بين المجتمعات النازحة والمضيفة، مما يعزز شعور اللاستقرار.
ومما يزيد عبء الضغوط النفسية ويجعلها هاجساً يفرض نفسه على سلم الأولويات والأجندة السورية تعدد وتنوع المخاطر التي عاشها السوريون، وانعكاسات ذلك على الصحة النفسية والعقلية، وهو ما أشارت إليه تقديرات لمنظمة الصحة العالمية حول السياق السوري، إذ نوهت أنه "ونتيجة لاستمرار الحرب لسنوات طويلة في سورية بقي الإنسان بحالة من الاستنفار النفسي والجسدي، المؤدي إلى انخفاض مستوى الصحة العقلية، وأنه من بين الأشخاص الذين شهدوا حروباً أو نزاعات أخرى خلال العشر سنوات الماضية، سيُصاب واحد من كل خمسة (22%) بالاكتئاب أو القلق أو اضطراب الكرب التالي للرضح أو الاضطراب الثنائي القطب أو الفصام".([9])
ينبغي التركيز أثناء الخروج من مرحلة ما بعد الاستجابة الملحة إلى مرحلة التعافي من الصدمة على عدة نقاط بالغة الأهمية يمكن تسميتها خطة التعافي الاجتماعي والنفسي من آثار كارثة الزلزال، تستند هذه الخطة إلى المتطلبات التالية:
وعند معالجة البعد النفسي للكارثة لا بد من الانطلاق عبر الفاعلين الأساسيين، وأهمهم منظمات المجتمع المدني التي لديها خبرة في برامج الدعم النفسي الاجتماعي، والتعامل مع الاضطرابات التالية للكرب، وذلك عبر جهود تنسيقية تنظيمية حوكمية سريعة الخطوات ومنها:
ركزت الورقة على ضرورة تعزيز القدرة المجتمعية في سبيل مواجهة تداعيات الكارثة في مرحلة ما بعد الاستجابة الطارئة، منوهة إلى أهمية التخطيط بعيد المدى لصيانة رأس المال الاجتماعي وتطويره، خاصة بعدما أثبت المجتمع السوري قدرته على صنع شبكاته المحلية، ووضع خطط استجابة طارئة قادرة على امتصاص بعض آثار الكارثة، في ظل تلكؤ المجتمع الدولي في تقديم الدعم والمساعدات الإنسانية، كما ربطت الورقة بين خطة التعافي المفترضة والبعد الاجتماعي والنفسي، باعتبارهما ركناً رئيسياً لإعادة إعمار ما دمرته الكارثة.
([1] ) Field Earthquake Updates in Syria, ACU,26/02/2023, https://2u.pw/69Qfd7
([2] ) تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن برنامج الأغذية العالمي قد أعلن عن حاجته لـ 300 مليون دولار لمواصلة برنامجه للمساعدة الغذائية في جميع أنحاء سورية لـمساندة 5.5 مليون شخص كل شهر، وإلا فسيضطر البرنامج إلى تعليق مساعدته لـ 3.8 مليون سوري في غضون أشهر. منظمة الصحة العالمية، نشرة أخبارية،25/02/2023، https://2u.pw/arcbU0
([3] ) حيث أبلغت الأوتشا يتاريخ 20 شباط أي بعد أسبوعين من الكارثة عن 150 إصابة جديدة بفعل الكسور والرضوض نتيجة انهيار المنازل، للمزيد انظر:
NORTH-WEST SYRIA, Situation Report,OCHA ،25-2-2023, https://2u.pw/anZwY1
([4] ) - Displacement update NW Syria، - Annual Summary (updated on September 2022) , https://2u.pw/O6OisU
([5] ) يقدر عدد السكان بـ 5 ملايين نسمة في مناطق شمال غرب سورية، حسب آخر إحصاءات وحدة تنسيق الدعم. وبلغ عدد سكان محافظة إدلب حوالي 3 ملايين ونصف 51 في المئة منهم من النازحين، وينتشرون على مساحة قدرها ما يقارب 5 آلاف كم2 . في المقابل بلغ عدد سكان منطقة “درع الفرات” بريف حلب، أكثر من مليون نسمة، 49 في المئة منهم من النازحين، على مساحة قدرها تقريباً 1000 كيلومتر مربع، كما بلغت أعداد سكان منطقة عمليات “غصن الزيتون” (مدينة عفرين وريفها)، أكثر من نصف مليون نسمة، بينهم 76 في المئة من النازحين، على مساحة قدرها تقريباً ألف كيلو متر مربع. وسجلت منطقة عمليات “نبع السلام” (تل أبيض ورأس العين وأجزاء من أريافها)، حوالي 274 ألفاً، نسبة 7 في المئة فقط من النازحين، على مساحة قدرها لا يتجاوز 4 آلاف كيلو متر مربع، للمزيد انظر: إحصاء جديد لسكان سورية،السورية نت ،12/12/2022 ، https://2u.pw/trwen7
([6] ) منسقو استجابة سورية،23-2-2023، https://2u.pw/cIWY4c
([7] ) زلزال تركيا وسوريا،18-2023،الجزيرة نت، https://2u.pw/8kYQsT
([8] ) شمال غرب سوريا: حياة ورفاهية 4.1 مليون شخص تعتمد على مساعدات الأمم المتحدة عبر الحدود، الأوتشا، حزيران ،2022 ، https://2u.pw/1zMBRZ
([9] ) الصحة النفسية في حالات الطوارئ،منظمة الصحة العالمية،16 -3-2022, https://2u.pw/CjqVPT