أوراق بحثية

المسارات

الملفات

الباحثون

التصنيف

تاريخ النشر

-
الإثنين, 14 تشرين1/أكتوير 2024 12:46

النفاذ للتشريعات..حق آخر غيّبه نظام الأسد

ملخص تنفيذي

  • منع نظام الأسد خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 2010 و2023 نشر /140/ تشريعاً، /110/ منها صدرت بمراسيم تشريعية، و/30/ صدرت بقوانين، واستند النظام على المادة 3 من قانون النشر رقم 5 لعام 2004 من أجل عدم نشر هذه التشريعات "بناء على ضرورة الدفاع الوطني ومقتضيات سلامة الدولة".
  • يتولى بشار الأسد بصفته "رئيس الجمهورية" السلطة التشريعية في البلاد /201/ يوم بمقابل /164/ يوماً لمجلس الشعب في السنة الواحدة، كما يُصدر مراسيم تشريعية خلال العُطل الرسمية أو حتى أثناء انعقاد الدورات العادية لمجلس الشعب، والتي توزع على ثلاث دورات سنوياً.
  • في الفترة الممتدة ما بين عامي 2010 و2023، صدر /1,230/ نصاً تشريعياً، منها /716/ صدرت بمراسيم تشريعية بمقابل /514/ صدرت بقوانين، وتشكل التشريعات غير المنشورة منها والبالغ عددها /140/ تشريعاً ما نسبته 11.4% من مجمل التشريعات الصادرة.
  • بلغ عدد الاتفاقيات الدولية التي صادق أو وافق عليها النظام /153/ اتفاقية، منها /80/ اتفاقية صدرت بقانون عن مجلس الشعب، في حين أن /73/ منها صدرت بمرسوم تشريعي، وتعمّد النظام إخفاء نصوص /25/ اتفاقية منها على الرغم من أن قانون النشر يفرض نشر النص الكامل لهذه الاتفاقيات أو ملخص عنها على الأقل.
  • يعتبر موقع مجلس الشعب أحد أهم المواقع الرسمية التي يُفترض أن تُنشر فيه كافة التشريعات –المسموح بنشرها– إلا أن الواقع مختلف تماماً، ويفتقر القائمون عليه إلى الخبرة والانضباط، ويشوب عملهم الكثير من الأخطاء، بالمقابل يتمتع القائمون على الجريدة الرسمية بضبط عالٍ وخبرة واسعة، ونسبة الأخطاء لديهم شبه معدومة، ولكن يُعاب عليها عدم توفرها بشكل إلكتروني من مصدرها الرسمي.
  • ينبغي مطالبة نظام الأسد بالإفصاح عن هذه التشريعات التي تم منع نشرها، بالإضافة إلى نشر الجريدة الرسمية عبر بوابة إلكترونية رسمية وبشكل مجاني، وتحسين عملية النشر الإلكتروني الخاص بمجلس الشعب وتدارك كافة التشريعات المنشورة التي لم يتم وضعها بنسختها الإلكترونية في موقع المجلس. باعتبار أن الوصول للمعلومات حق أساسي وأصيل للمواطنين.
  • إن منع النظام للمعلومات ليس مجرد فشل إداري، بل هو استراتيجية متعمدة للسيطرة على الوصول إلى التشريعات، مما يعيق حق الجمهور في الاطلاع، كما أن هذه الممارسة تقوض سيادة القانون والمساءلة. وتستخدم المادة 3 من قانون النشر كأداة أمنية لحجب المعلومات التي يُنظر إليها على أنها تهديد لسلطة النظام، وليس لحماية الأمن الوطني فعلياً.
  • ينبغي معالجة الخلل الحاصل في الصلاحيات التشريعية للسلطة التنفيذية لضمان حكم ديمقراطي، فقد مارس بشار الأسد سلطة التشريع بشكل متكرر ودون أن يكون هناك ضرورة، مما يتجاوز في كثير من الأحيان دور مجلس الشعب. كما يجب أن تتضمن الإصلاحات الدستورية ضوابط صارمة تحد من سلطة التشريع للسلطة التنفيذية بشكل واضح.

مدخل

ينتهج نظام الأسد سياسة متواصلة منذ سنوات في منع نشر بعض النصوص التشريعية، مخالفاً بذلك حق الشعب السوري في الوصول إليها، مما يوقع الكثير ممن يُطبَّق عليهم القانون في مشكلة نفاذه دون علمهم المسبق بهذه النصوص استناداً لقاعدة "لا جهل بالقانون"، ويشجع النظام عبر هذه السياسة زيادة الفساد الإداري و المالي في المؤسسات الحكومية والجهات النافذة بتجاوز معايير الشفافية والمساءلة، لتستشري الرشاوى والمحسوبيات والابتزاز تجاه المواطنين، بوجود خدمات لا ترقى لأدنى معايير الجودة، ناهيك عن التأثير السلبي في قطاع الأعمال عبر خلق بيئة يسود فيها عدم اليقين نتيجة حجب المعلومات ومنع الوصول إليها. بالإضافة إلى ذلك، فإن المعلومات الواردة في النصوص التشريعية ضرورية للأفراد والشركات والمنظمات لاتخاذ قراراتهم بناءً على معطيات صحيحة.

ستقدم هذه الورقة تعريفاً بأنواع النصوص التشريعية في سورية، وترصد عدد الصادر منها منذ عام 2010 وحتى 2023، وكذلك إظهار عدد التشريعات غير المنشورة بحسب كل عام بناءً على الأرقام التسلسلية لكل من القوانين والمراسيم التشريعية كل على حدة، مع ذكر الأسس القانونية لعملية النشر وكذلك وضع الاتفاقيات الدولية التي منع النظام نشر كامل تفاصيلها أو ملاحقها.

اعتمدت منهجية الورقة على مجموعة من المراحل وعمليات التحقق من عدة مصادر مختلفة، من أجل التأكد التام بألا يكون هناك أي نص تشريعي قد تم اعتباره غير منشور، عبر بناء قاعدة بيانات خاصة بكافة التشريعات الصادرة منذ عام 2010 وحتى نهاية 2023، تتضمن رقم وعنوان كل نص تشريعي وتاريخ نشره، وذلك من خلال البحث في المواقع الرسمية المتاح الوصول إليها عبر الانترنت، كموقع مجلس الشعب وموقع رئاسة مجلس الوزراء ومواقع الوزارات المختلفة، وكذلك موقع الوكالة السورية للأنباء "سانا"، بالإضافة للصحف المطبوعة وغير المطبوعة الرسمية منها وغير الرسمية، وغيرها من المصادر.

والأهم من ذلك كُله، تم البحث في كافة أعداد "الجريدة الرسمية" باعتبارها الوسيلة الرسمية المعتمدة من قبل الدولة لنشر التشريعات والمراسيم والقرارات الوزارية وغيرها، وسمحت قاعدة البيانات بإحصاء كافة التشريعات وتحديد غير المنشورة منها، وكذلك إحصاء عدد الاتفاقيات الدولية التي تمت المصادقة أو الموافقة عليها، والتأكد مما إذا كانت نصوصها وملاحقها قد نُشرت كاملة أم لا.

مع العلم أن الوصول إلى الجريدة الرسمية ذاتها غير متاح عبر الإنترنت بشكل رسمي عبر موقع أو بوابة إلكترونية مُعتمدة من قبل الدولة، حيث تم الاعتماد على عدة مصادر تتوفر لديها الجريدة الرسمية كإجراء إضافي للتأكد من عدم وجود أي نقص في أعداد الجريدة الرسمية.([1])

النصوص التشريعية: بين القانون والمرسوم التشريعي

حدد دستور 2012 في المادة 55 منه أن يتولى مجلس الشعب السلطة التشريعية في الدولة وهي حق أصيل للمجلس، كما حدد الدستور في المادة 113 "تولي رئيس الجمهورية سلطة التشريع خارج دورات انعقاد مجلس الشعب، أو أثناء انعقادها إذا استدعت الضرورة القصوى ذلك، أو خلال الفترة التي يكون فيها المجلس منحلاً"،([2]) وهذه الحالة إشكالية بحد ذاتها لارتباطها بمعيار مرن وغير محدد وهو معيار "الضرورة" التي يجب أن تفسر في أضيق حدودها، فلا يمكن لـ"رئيس الجمهورية" أن يمارس سلطة التشريع إلا في حالة وجود استعجال لا يحتمل التأخير، مثل حالات الحرب أو الكوارث أو أي حدث يستوجب سرعة الاستجابة. علماً بأن مجلس الشعب يعقد، وفق نظامه الداخلي، ثلاث دورات عادية في السنة.([3])

تُقسم النصوص التشريعية في سورية إلى قسمين: "القوانين"، وهي النصوص التشريعية التي يقرها مجلس الشعب ثم يصدرها "رئيس الجمهورية"، و"المراسيم التشريعية"، وهي النصوص التي يصدرها "رئيس الجمهورية" مباشرة وتُعرض لاحقاً على مجلس الشعب للتصديق كإجراء روتيني. وغالباً ما تُصدر المراسيم التشريعية خارج تواريخ انعقاد الدورات العادية لمجلس الشعب، أو في حالات رفع الجلسات بنهاية العطل الرسمية خلال انعقاد دورات المجلس.

صورة 1

يتولى بشار الأسد بصفته "رئيس الجمهورية" ورئيس السلطة التنفيذية عملية التشريع خلال أيام السنة أكثر من السلطة التشريعية في البلاد،([4]) ويتولاها منفرداً لـ/201/ يوم مقابل /164/ يوماً لمجلس الشعب في السنة الواحدة، كما لا يمنعه ذلك من إصدار مراسيم تشريعية حتى في عطلات نهاية الأسبوع أو في الأيام العادية خلال انعقاد الدورات.

على سبيل المثال، أصدر بشار الأسد المرسوم التشريعي 37 لعام 2023، بتاريخ 1 كانون الأول/ديسمبر الموافق ليوم الجمعة،([5]) كما أصدر المرسوم التشريعي 38 لعام 2023، بتاريخ 13 كانون الأول/ديسمبر الموافق ليوم الأربعاء بعد أن تم رفع جلسة المجلس بذلك اليوم لصباح يوم الخميس.([6]) عملياً، يمكن لبشار الأسد أن يتولى التشريع في جميع أيام السنة، سواء استدعت الضرورة ذلك أم لا.

هناك أيضاً "المراسيم التنظيمية"، التي تُختصر بـ "المراسيم"، وغالباً ما يُخلط بينها وبين المراسيم التشريعية. بينما في الواقع، لا تتضمن هذه المراسيم أي تشريعات جديدة، بل تُصدر استناداً إلى نصوص تشريعية سابقة، مثل تعيين الحكومة، أو وزير، أو محافظ، أو سفير، ومنح الأوسمة، وغيرها.

الاستناد القانوني: قانون النشر القانون 5 لعام 2004

يحتكم النشر الرسمي لكافة الصكوك بما فيها التشريعات والقرارات والتعميمات وغيرها من النصوص على قانون النشر القانون 5 لعام 2004، يفصل القانون في مواده تعريف الجريدة الرسمية، وآلية النشر، والصكوك التي تخضع للنشر، وطريقة ترقيم كل منها وترقيم صفحات أقسامها، بالإضافة إلى تحديد الجهة المشرفة على عملية النشر وتحديد الجهة التي تُشرف عليها.([7])

يعتمد نظام الأسد على المادة الثالثة من قانون النشر، لمنع نشر بعض التشريعات، وتنص المادة على أنه: "يجوز بناء على ضرورة الدفاع الوطني ومقتضيات سلامة الدولة عدم نشر بعض القوانين والمراسيم والقرارات وملاحقها في الجريدة الرسمية أو نشرها بصورة مقتضبة على أن يشار إلى ذلك في كلا الحالتين في القانون أو المرسوم أو القرار وعلى الوزارة المختصة في الحالة الثانية أن تحدد النص الموجز الواجب نشره وإرفاقه بالقانون أو المرسوم أو القرار".

سمح التفسير والاستخدام الواسع لهذه المادة لنظام الأسد بالتهرب من نشر بعض التشريعات، مستنداً إلى أحكام هذه المادة التي تتيح له ذلك تحت غطاء قانوني. يترافق هذا الأمر مع قصور واضح في الدستور بشكل عام، وفي حق النفاذ إلى المعلومات بشكل خاص. كما أن نظام الأسد يخالف القوانين الدولية ولا يلتزم بتنفيذ المعاهدات التي وقع عليها، كالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه في 23 آذار/مارس 1973،([8]) حيث ينتهك نظام الأسد المادة 19 من العهد، التي تنص على أن لـ "كل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها".([9]) كما أنه يتجاوز أحكام الفقرة 2 من المادة 3 من قانون الإعلام الصادر بالمرسوم التشريعي 108 لعام 2011، والتي تنص على "حق المواطن في الحصول على المعلومات المتعلقة بالشأن العام".([10])

التشريعات السورية: 2010 – 2023

بناءً على منهجية العمل وقاعدة البيانات المنشأة، تم الوصول إلى جميع التشريعات (القوانين والمراسيم التشريعية) المنشورة، وكذلك معرفة أعداد التشريعات غير المنشورة بالاعتماد على أرقامها التسلسلية لكل من القوانين والمراسيم التشريعية خلال الفترة المذكورة،([11]) صدر خلال هذه الفترة /1,230/ نصاً تشريعياً، منها /716/ بمراسيم تشريعية و/514/ بقوانين، وبلغ عدد النصوص التشريعية غير المنشورة بالمجمل/140/ نصاً، منها /30/ قانوناً و/110/ مراسيم تشريعية، وتشكل النصوص غير المنشورة ما نسبته 11.4% من مجمل التشريعات الصادرة، توضحها الأشكال التالية:

صورة 2

يُلاحظ من الشكل التالي (4)، أن عام 2011 شهد العدد الأكبر من مجمل التشريعات والمراسيم التشريعية. ويشير ذلك إلى وجود فجوة في التشريعات حاول النظام ردمها بعد بداية الثورة من خلال إصدار عدد كبير من النصوص التشريعية. وقد شهدت الأعوام التالية 2012 و2013 انخفاضاً؛ لكنها حافظت على أرقام مرتفعة نسبياً من التشريعات الصادرة، حيث بلغ عدد النصوص 107 و100 نص على التوالي، مما يشير إلى استمرار فترة التعديل التشريعي النشط.

ابتداءً من عام 2014 وحتى 2016، يلاحظ انخفاض تدريجي ملحوظ في إصدار التشريعات، حيث انخفض العدد من 80 نصاً في عام 2014 إلى 58 نصاً في عام 2016، وهو العدد الأقل على الإطلاق. وفي تلك الفترة نُشرت أغلب القوانين،([12]) أما في الفترة الواقعة بين عامي 2017 و2023، فيلاحظ ارتفاع النشاط التشريعي مقارنة بالمرحلة السابقة، مع زيادات طفيفة في السنوات الأخيرة، حيث بلغت ذروتها ب 83 نصاً في عام 2023. إجمالاً، يبلغ متوسط معدل التشريعات السنوي 88 تشريعاً خلال الفترة المدروسة، وينخفض إلى 75 تشريعاً بين عامي 2014 و2023.

صورة 1

يوضح الشكل التالي (5)، التشريعات غير المنشورة خلال الفترة المعينة بشكل مفصل، ويُظهر التباين في عدد التشريعات غير المنشورة سنوياً، مع ذروتين واضحتين في عامي 2011 و2021. ففي عام 2011 مُنع نشر 15 مرسوماً تشريعياً و4 قوانين، مما يشير إلى منع نشر تشريعات تتعلق بأحداث مرتبطة بمجريات الثورة. بينما حدثت الذروة الكبرى في عام 2021، مع منع نشر 21 تشريعاً، منها 15 مرسوماً تشريعياً و6 قوانين، وقد يعكس هذا الأمر استراتيجية جديدة مرتبطة بمرحلة الانتخابات الرئاسية عام 2021 وما يليها.([13])

أما في السنوات من 2012 إلى 2020، فتتراوح أعداد التشريعات غير المنشورة بين 3 إلى 10 سنوياً، ويلاحظ انخفاض عدد التشريعات غير المنشورة في أعوام 2013/ 2014/ 2016/ 2017، مقارنة بارتفاعها في عام 2015 ( عام التدخل العسكري الروسي) إلى 10 تشريعات، 9 منها مراسيم تشريعية. فيما استمرت سياسة منع النشر خلال السنوات الأخيرة 2022 و2023 لتبلغ 12 و13 تشريعاً على التوالي صدر أغلبها بمراسيم تشريعية.

يشير التباين الواضح في عدد التشريعات غير المنشورة بين سنة وأخرى؛ إلى أن هناك سنوات تم فيها منع نشر عدد أكبر من التشريعات مقارنة بسنوات أخرى، نتيجة ظروف معينة كان يمر بها النظام أو نتيجة تحولات في استراتيجياته، مما استدعى منع نشر هذه التشريعات. وفي حين شكل عام 2021 عام الذروة في عدد التشريعات غير المنشورة؛ سجـل عام 2016 العدد الأقل بـ 3 مراسيم تشريعية غير منشورة.

صورة 1

يُظهر الاتجاه العام خلال فترة الدراسة أن غالبية التشريعات كانت منشورة، خاصة القوانين، بينما كانت المراسيم التشريعية أكثر عرضة لمنع النشر. ويتماشى هذا النمط مع نهج النظام وعقليته وارتباط سلوكه بالأوضاع السياسية والأمنية السائدة. إذ تهدف هذه السياسة إلى السيطرة على المعلومات ومنع الوصول إلى التشريعات التي قد تُعتبر حساسة أو تؤثر على استقرار النظام أو صورته أمام العامة، خصوصاً في مناطق سيطرته.

 

 الشكل(6): شكل تفاعلي للتشريعات الصادرة خلال الفترة 2010 – 2023

 

تختلف النسب المئوية للتشريعات المنشورة وغير المنشورة بحسب السنوات، ولا يشترط أن يكون العام الذي شهد عدداً كبيراً من التشريعات هو نفسه العام الذي يشهد عدداً كبيراً من التشريعات غير المنشورة.

يوضح الشكل التالي (7)، توزع النسب المئوية للقوانين والمراسيم التشريعية غير المنشورة حسب نوعها وعددها الإجمالي. وتشكل النسبة المئوية للقوانين غير المنشورة خلال فترة الدراسة 5.8% من إجمالي القوانين، في حين تشكل نسبة المراسيم التشريعية غير المنشورة 15.4% من إجمالي المراسيم التشريعية. أما النسبة المئوية للتشريعات (قوانين ومراسيم تشريعية) غير المنشورة فهي 11.4% من إجمالي التشريعات الصادرة خلال الفترة المحددة.([14])

صورة 1

الاتفاقيات الدولية: إخفاء نصوص بعض الاتفاقيات

يتولى مجلس الشعب، بحسب الفقرة 6 من المادة 75 من دستور عام 2012، عملية "إقرار المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تتعلق بسلامة الدولة، وهي معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة، أو الاتفاقيات التي تمنح امتيازات للشركات أو المؤسسات الأجنبية، وكذلك المعاهدات والاتفاقيات التي تُحمّل خزانة الدولة نفقات غير واردة في موازنتها أو التي تتعلق بعقد القروض أو التي تخالف أحكام القوانين النافذة ويتطلب نفاذها إصدار تشريع جديد". ويمارس "رئيس الجمهورية" هذا الحق ضمن حدود صلاحياته التشريعية الاستثنائية.

خلال الفترة بين عام 2010 ونهاية 2023، تمت المصادقة أو الموافقة على /153/ اتفاقية دولية، منها /80/ اتفاقية صادق عليها مجلس الشعب وصدرت بقانون، بينما صدرت /73/ منها بمرسوم تشريعي. علماً أن الاتفاقيات المذكورة هنا تشمل ما تمت المصادقة أو الموافقة عليها دون التطرق إلى تلك التي تحمل صيغة الانضمام، حيث تُعتبر المصادقة أو الموافقة أعلى مراحل الالتزام.

اللافت في الأمر، أنه بعد التحقق من كافة التشريعات المنشورة، تبين أن هناك /25/ اتفاقية دولية في عام 2010، واحدة منها فقط لم يُنشر نصها، و/24/ اتفاقية أخرى بعد عام 2011 تم التصديق عليها دون نشر الاتفاقية الأصلية أو حتى مُلخص عنها كما يفرض قانون النشر، حسب الفقرة 11 من المادة 2 التي تنص على وجوب نشر العقود أو الاتفاقيات "مع النص الكامل لهذه العقود أو الاتفاقيات وجميع التعديلات التي تطرأ عليها". ومع ذلك، يتم الاستناد إلى المادة الثالثة من القانون المذكور أعلاه لإخفاء نص الاتفاقية بالكامل وعدم نشره في الجريدة الرسمية أو حتى نشر ملخص عنه كما يفرض قانون النشر.

ويقصد بـ "نص الاتفاقية" هنا، ما تم الاتفاق عليه فعلياً بين الأطراف الموقعة عليها، ولا يُعنى بذلك التشريع الذي يعلن عن هذه الاتفاقية. ففي كثير من الأحيان، يتم الإعلان عن اتفاقية ما وينشر تشريع عنها، إما بقانون أو مرسوم تشريعي، ولكن دون التصريح بمحتوى هذه الاتفاقية.

صورة 1

يُلاحظ من الشكل التالي (10)، أن عام 2010 شهد العدد الأكبر من الاتفاقيات الدولية المُصادق عليها، اتفاقية واحدة منها فقط لم يُنشر نصها. ويأتي عام 2011 في المرتبة الثانية من حيث عدد الاتفاقيات المصادق عليها. فيما يُلاحظ انخفاض عدد الاتفاقيات المصادق عليها بعد عام 2011. وآخر عام تم فيه الموافقة أو المصادقة على اتفاقيات دولية بمرسوم تشريعي كان عام 2017 ولم يُنشر نصها وذلك في حال لم توجد أي اتفاقية (نص تشريع من ضمن الـ 140 نص غير المنشور) لم يتم نشرها بالكامل بعد ذلك التاريخ. أما الاتفاقيات بعد ذلك العام صدرت بقانون، وشهد عام 2018 العدد الأكبر من الاتفاقيات التي لم يُنشر نصها، حيث بلغ عددها /9/ اتفاقيات من أصل /11/، يليه عام 2019، ب /6/ اتفاقيات من أصل /11/ اتفاقية.

صورة 1

يُذكر أن من بين الاتفاقيات الدولية غير المنشورة، المرسوم التشريعي 61 لعام 2013 (انظر الملحق)،([15]) المتعلق بالموافقة على انضمام سورية إلى اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة الكيميائية وتدميرها. وتأتي هذه الموافقة بعد الصفقة التي تمت مع الولايات المتحدة الأمريكية برعاية روسية، والمتعلقة بتدمير الأسلحة الكيميائية السورية، وذلك بعد أقل من شهر من الهجوم الذي نفذته قوات النظام بالأسلحة الكيميائية على الغوطة الشرقية بريف دمشق.

إن ما سبق لا ينفي وجود اتفاقيات تمت المصادقة أو الموافقة عليها ولم تُنشر أبداً، وبالتالي تُعد من ضمن التشريعات غير المنشورة، مثل الاتفاقية الخاصة بنشر القوات الروسية في سورية عام 2015، والتي لم يُعرف النص التشريعي الذي صدرت به. إلا أن محتواها أصبح معروفاً من خلال نص الاتفاقية التي صادق عليها مجلس "الدوما" الروسي لاحقاً([16]).

قلّة الخبرة وتقييد الوصول

يُعتبر موقع مجلس الشعب أحد أهم المواقع الرسمية التي يُفترض أن تُنشر فيها كافة النصوص التشريعية المسموح بنشرها، باعتباره نافذة السلطة التشريعية في البلاد. إلا أن الواقع مختلف تماماً؛ حيث يفتقر القائمون على الموقع إلى الخبرة والانضباط اللازمين للعمل. وعلى الرغم من وجود تبويب خاص في موقع المجلس يدعى "التشريعات السورية"، إلا أن عدداً كبيراً من التشريعات لا يتم نشرها على الموقع. كما يحدث أحياناً نشر قوانين أو مراسيم على أنها مراسيم تشريعية، مما يعكس نقص الخبرة. بالإضافة إلى ذلك، تنشر بعض النصوص التشريعية في تبويب "أخبار الموقع" بدلاً من نافذة التشريعات المخصصة لهذا الغرض، وفي أحيان أخرى تنشر "المراسيم" في قائمة التشريعات، على الرغم من أن المراسيم ليست نصوصاً تشريعية كما ورد أعلاه. 

كما يُعاب على الموقع حذف التشريعات القديمة مع كل تحديث له، مما يصعّب الوصول إلى هذه التشريعات ويخلق فجوة معرفية تتسع مع الوقت. ولا تقتصر مشاكل موقع مجلس الشعب على ذلك، بل تتعداها إلى مشاكل أكبر، حيث يفتقر الموقع إلى حسابات نشطة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي باتت حاجة ملحة تسهم في إيصال التشريعات والمعلومات للسوريين من مصادرها الرسمية.

بالمقابل، يتمتع القائمون على الجريدة الرسمية بضبط عالٍ وخبرة واسعة، ونسبة الأخطاء لديهم شبه معدومة. ومع ذلك، يُعاب على الجريدة الرسمية عدم توفرها بشكل إلكتروني من مصدرها الرسمي، كما أن الاشتراك السنوي يقارب 1.7 مليون ليرة، وتزداد قيمته كل عام. يشكل هذا المبلغ ستة أضعاف الحد الأدنى للرواتب، كما أن من يحاول الاشتراك بها من العامة قد يتعرض للمساءلة من قبل الأجهزة الأمنية حول أسباب اشتراكه، خصوصاً إذا كان شخصاً عادياً دون صفة معينة تبرر اشتراكه، كأن يكون محامياً أو ممثلاً لإحدى الشركات التي يتطلب عملها الوصول إلى الجريدة الرسمية.

تشريعات غير منشورة

تسمح قلّة الخبرة أحياناً بنشر تشريعات على موقع مجلس الشعب عن طريق الخطأ، رغم أن نص التشريع لا يسمح بنشر هذه التشريعات، حيث تحدد المادة الأخيرة من أي نص تشريعي جواز نشره من عدمه. على سبيل المثال، تم نشر المرسوم التشريعي 56 لعام 2011 بتاريخ 21/4/2011 (انظر الملحق)، والذي يتضمن "إبقاء مفاعيل الأوامر والقرارات العرفية الصادرة بالاستيلاء على الأموال المنقولة وغير المنقولة في ظل نفاذ حالة الطوارئ المعلنة استناداً لأحكام المرسوم التشريعي 51 لعام 1962 سارية المفعول"، وهو عبارة عن خمس مواد تنص المادة الخامسة منه على: "لا ينشر هذا المرسوم ويعتبر نافذاً من تاريخ صدوره"([17])، علماً أن تاريخ صدور هذا المرسوم يتزامن مع يوم إلغاء حالة الطوارئ بموجب المرسوم 161 لعام 2011، كما يتزامن مع إلغاء محكمة أمن الدولة بالمرسوم التشريعي 53، وإصدار المرسوم التشريعي 54 الناظم لحق التظاهر السلمي، بالإضافة إلى المرسوم التشريعي 55 الذي عدّل المادة 17 من قانون أصول المحاكمات الجزائية ([18]). وقد صدرت هذه التشريعات في الشهر الثاني من عمر الثورة السورية.

كذلك في عام 2012، صدر المرسوم التشريعي 4 لعام 2012([19])، القاضي بتعيين العاملين في حزب البعث العربي الاشتراكي والمنظمات الشعبية الوارد ذكرها في المادة 16 من القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50 لعام 2004، من غير المنتخبين أو المكلفين بمهام قيادية، والمنتهية خدماتهم من هذه الجهات على شواغر محدثة حكماً لهذه الغاية، وبالأجور التي وصلوا إليها عند تاريخ إنهاء خدماتهم، مع احتفاظهم بقدمهم السابق المؤهل للترفيع. علماً أن المادة 4 من هذا المرسوم التشريعي نصت على: "يبلغ هذا المرسوم التشريعي من يلزم لتنفيذه" دون الإشارة إلى النشر، ولكن تم نشره على موقع مجلس الشعب رغم أنه لم ينشر في الجريدة الرسمية إطلاقاً.

بناءً على التشريع السابق، قام بشار الأسد بتعيين عدد كبير من كوادر حزب البعث في مؤسسات الدولة الرسمية دون أي مسابقة توظيف، وذلك قبل عدة أشهر من إقرار دستور جديد للبلاد الذي أزيلت فيه المادة الثامنة -شكليّاً- من الدستور السابق، والتي كانت تنص على أن "حزب البعث هو الحزب القائد في المجتمع والدولة".

في بعض الأحيان، تلعب متابعة نشاط مجلس الشعب دوراً محورياً في معرفة القوانين التي تم إقرارها، ولم تنشر لاحقاً. على سبيل المثال، أقرَّ مجلس الشعب في 23 تشرين الثاني 2022 قانوني قطع الحساب الختامي لموازنتي 2019 و2020، وهما يطابقان الفترة الزمنية المفترضة لصدور القانون 39 والقانون 40 لعام 2022، ومع ذلك لم يتم نشرهما، وتم القفز بالرقم التسلسلي للقوانين من 38 إلى 41 بشكل مباشر. ([20]) وهذا ينطبق على ما حدث بنهاية عام 2023، حيث تم إقرار قانوني قطع الحساب الختامي لكل من عامي 2021 و2022، ومع ذلك لم يتم نشرهما أبداً.([21]) علماً أن قانون قطع الحساب الختامي يختلف عن القانون الذي يُنشر بنهاية كل عام ويضم قيمة الموازنة والتقديرات المالية الواجب إنفاقها لكل عام مقبل، إذ يتضمن قيم الإنفاق الحكومي الفعلي خلال العام.

إن معرفة رقم النص التشريعي وترتيبه ليست مهمة بقدر معرفة فحوى هذا النص، وفي هذه الحالة، ستبقى قوانين قطع الحساب الختامي للموازنات السابقة طي الكتمان ومجهولة تماماً، وبالتالي لن يُعرف كيف وأين تم صرف الموازنة العامة للدولة، إلا في حال تسريبها أو نشرها علناً، وهذا ينطبق على كافة النصوص التشريعية التي منع النظام نشرها خلال السنوات الطويلة من حكمه.

من جهة أخرى، تسمح أحياناً بعض التسريبات بنشر بعض التشريعات التي يحدد النظام في المادة الأخيرة منها عدم نشرها في الجريدة الرسمية. على سبيل المثال، صدرت المراسيم التشريعية ذوات الأرقام (13-14-15-16) لعام 2023، والتي تتضمن رفع رواتب أصحاب المناصب العليا، كنائب رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، والوزراء، والمحافظين، وغيرهم ([22]).

الخاتمة

أسوة بحملات تكميم الأفواه وقمع الحريات، وكذلك القمع الممنهج الذي يمارسه نظام الأسد منذ عقود بحق الشعب السوري، وبالإضافة إلى مجمل انتهاكات الحقوق والحريات العامة، وعلى رأسها الحق في الحياة، ومع أنه لا يمكن قياس هذا الضرر على الشعب مقابل انتهاك حقه في الحياة، إلا أن سياسة حجب المعلومات هذه تُعدُّ سياسةً ممنهجةً وتقف سداً أمام الوصول إلى تشريعاتٍ نافذةٍ، وبالتالي معلوماتٍ يُفترض أن تكون متاحةً للعامة.

لا يتوقف الأمر عند رغبة نظام الأسد في عدم الإفصاح عن بعض التشريعات وعدم نشرها في الجريدة الرسمية نتيجة الاستخدام الواسع للمادة الثالثة من قانون النشر، التي تسمح بقوة القانون بارتكاب انتهاكاتٍ لحق النفاذ إلى المعلومات، إذ يمكن اعتبار هذه المادة كجهاز أمني يُرشّح كل ما يمكن أن يمسّ أمن النظام وليس الأمن الوطني للدولة؛ بل يتعدى الأمر ذلك إلى إصدار تشريعاتٍ أخرى تُنشر في الجريدة الرسمية إلا أنها تُهمل تماماً ولا تُنشر في المواقع الرسمية ووسائل الإعلام رغم أهميتها. ناهيك عن أن بعض السوريين يعتقدون أن "الجريدة الرسمية" تعني الجرائد المطبوعة مثل البعث وتشرين والوحدة.

ورغم اعتماد العديد من الدول على الجريدة الرسمية الإلكترونية كوسيلةٍ حديثةٍ لنشر تشريعاتها والقرارات الأخرى، وعدم إمكانية الاستغناء عنها بسبب ما وصلت إليه التكنولوجيا وتطور وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن النظام لم يتخذ هذه الخطوة، متعمّداً إحاطة منظومته التشريعية بالغموض ومنع الوصول إليها. وهذا الفعل يُصنَّف على أنه مخالفةٌ للدستور الذي ينص في مادته الـ 35 على وجوب احترام كل مواطنٍ للدستور والقوانين. وعبر هذه السياسة، يعطّل النظام قدرة المواطن على الالتزام بهذا الواجب بسبب جهله وعدم قدرته على الوصول لتلك النصوص.

من منظورٍ أوسع، ينبغي على المنظمات الحقوقية والأممية مطالبة النظام بالوفاء بالتزاماته تجاه العهود والمواثيق الدولية التي صادقت عليها "الدولة السورية"، والإفصاح عن هذه التشريعات التي تم منع نشرها. بالإضافة إلى ذلك، يجب نشر الجريدة الرسمية بشكلٍ مجاني وتحسين عملية النشر الإلكتروني الخاص بمجلس الشعب، وتدارك كافة التشريعات المنشورة التي لم تُوضع بنسختها الإلكترونية في موقع المجلس.

أما مستقبلاً، فلا بد من تلافي قصور الدستور بشكلٍ عام وتلافي انتهاك حق النفاذ إلى المعلومات بشكلٍ خاص، من خلال دسترتها والعمل على إصدار قانونٍ جديدٍ للنشر. ربما يكون من الضروري تأسيس هيئةٍ عامةٍ تسمح بالوصول إلى كافة المعلومات وليس التشريعات فقط، وإحداث هيئةٍ رقابيةٍ تضمن التزام الحكومة بحق المواطنين في الوصول إلى المعلومات. وهذا من شأنه أن يسهم في تعزيز حق المواطنين في المعرفة والمشاركة في الحياة العامة وممارسة حق التعبير، ومكافحة الفساد والهدر المالي، كما يعزز الشفافية والنزاهة والبحث العلمي، ويسهم في خلق اقتصادٍ قويٍّ يعتمد على معلوماتٍ محايدة، وبالتالي ضمان ركنٍ مهمٍ من المشاركة في الحكم وتعزيز أدوات الديمقراطية.

بالإضافة إلى ما سبق، ينبغي معالجة موضوع تولي رأس السلطة التنفيذية في البلاد لسلطة التشريع لمدةٍ أطول من السلطة التشريعية نفسها. وهذا الأمر بالغ الخطورة؛ فخلال فترة الدراسة، شرّع بشار الأسد نصوصاً تشريعيةً أكثر من مجلس الشعب، ولم يكتفِ بذلك، بل احتكر تشريعاتٍ معينةً من صلاحيات السلطة التشريعية مثل إصدار العفو العام وتحديد الرواتب والمعاشات التقاعدية، وأيضاً تصديق بعض الاتفاقيات الدولية. لذلك، لا بد من تقييد استخدام حق التشريع للسلطة التنفيذية بضوابط دستوريةٍ دقيقةٍ وواضحة، بحيث لا يُسمح للمنفذ أن يكون مشرّعاً إلا في حالاتٍ محددةٍ بذاتها، دون السماح بالتأويل، لضمان عدم مصادرة صلاحيات السلطة التشريعية لصالح التنفيذية.

ملحق

يوضح الشكل التالي كافة التشريعات غير المنشورة خلال الفترة 2010 – 2023، مقسمة بحسب نوع كل منها وجهة وعام إصدارها.

 الشكل(11): شكل تفاعلي للتشريعات غير المنشورة خلال الفترة 2010 – 2023

 

 

 

الصورة (1): المرسوم التشريعي 1 لعام 2022

 

الصورة (2): المرسوم التشريعي 56 لعام 2011

 

 

الصورة (3): المرسوم التشريعي 61 لعام 2013

 


 

([1]) تم الاعتماد على ثلاثة مصادر تملك وصولاً للجريدة الرسمية لزيادة المطابقة: المصدر الأول: نسخة لدى الباحث، المصدر الثاني: مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية في سورية: https://opensyr.com؛ المصدر الثالث: Syria Report: https://syria-report.com

([2]) "دستور عام 2012"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 27/02/2012 ، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3fpJiHt

([3]) تنص المادة 7 من النظام الداخلي لمجلس الشعب أنه يَعقدُ ثلاث دورات عادية في السنة وفق الآتي: الدورة الأولى: من الأحد الثالث من شهر كانون الثاني، وحتى الخميس الأخير من شهر آذار، الدورة الثانية: من الأحد الأول من شهر أيار، وحتى الخميس الأخير من شهر حزيران، الدورة الثالثة: من الأحد الثالث من شهر أيلول، وحتى الخميس الثالث من شهر كانون الأول. للمزيد راجع: "النظام الداخلي لمجلس الشعب"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 30/07/2017، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3NidG5o

([4]) حظر دستور عام 1950 على السلطة التنفيذية إصدار التشريعات، للمزيد راجع: دستور سورية 1950، Constitution Net، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4cx2eQE

([5]) "المرسوم التشريعي 37 لعام 2023"، سانا، تاريخ النشر: 01/12/2023، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4dwhyxO

([6]) "المرسوم التشريعي 38 لعام 2023"، سانا، تاريخ النشر: 13/12/2023، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4e622IT

([7]) "القانون 5 لعام 2004"، موقع الاقتصادي، تاريخ النشر: 22/03/2004، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3WwC0bD

(([8] "لا مجال للتنفس القمع الحكومي للنشاط بمجال حقوق الإنسان في سوريا"، هيومن رايتس ووتش HRW، تاريخ النشر: تشرين الأول /أكتوبر2007، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3A2MOoF

([9]) "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، الأمم المتحدة، تاريخ الوصول: 31/07/2024، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3LMK8hO

([10]) "المرسوم التشريعي 108 لعام 2011 المتضمن قانون الإعلام"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 28/08/2011، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4g1ceDO

([11]) لكل من القوانين والمراسيم التشريعية نظام ترقيم تسلسلي خاص به بشكل منفصل، حيث تمتلك القوانين تسلسلاً فريداً والمراسيم التشريعية تسلسلاً فريداً، ويبدأ كل منهما من جديد مع بداية كل عام، وبالتالي تم اعتماد آخر رقم لكل من القوانين والمراسيم التشريعية الصادرة على اعتباره آخر تشريع صادر، وبناءً على منهجية العمل وفي حال وجود تشريعات غير منشورة صدرت في نهاية العام بعد آخر رقم تسلسلي معروف، فلن يتم احتسابها نظراً لعدم القدرة على التأكد من وجودها في نهاية سلسلة التشريعات لكل عام.

([12]) قانون واحد فقط لم يتم نشره، وهو القانون 17 لعام 2015.

([13])محسن المصطفى، "النظام السوري: رسائل السياسة المحلية إلى المجتمع الدولي"، معهد التحرير لسياسية الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تاريخ النشر: 15/09/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3SjGexV

([14]) تم احتساب النسبة على الشكل التالي:

  • نسبة القوانين غير المنشورة إلى إجمالي القوانين.
  • نسبة المراسيم التشريعية غير المنشورة إلى إجمالي المراسيم التشريعية.
  • نسبة التشريعات (قوانين + مراسيم تشريعية) غير المنشورة إلى إجمالي التشريعات.

([15]) هذه الاتفاقية لم يتم نشرها أبداً، وتُحسب من ضمن المراسيم التشريعية غير المنشورة الواردة في الشكل (5)، ولا تدرج ضمن حساب الاتفاقيات الواردة في الشكل (9) باعتبار أنه للاتفاقيات المصادق والموافق عليها والمنشورة سواء أتم نشر "نص الاتفاقية" بالكامل أو لا. تم تسريب صورة للمرسوم التشريعي 61 لعام 2013، يمكن الاطلاع عليها في الملحق.

([16]) "القانون الاتحادي الروسي 376 لعام 2016، المصادقة على اتفاقية نشر القوات الجوية في سورية"، موقع الكرملين، تاريخ النشر: 14/10/2016، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3Wlym2w

([17]) "المرسوم التشريعي 56 لعام 2011"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 21/04/2011، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4biZJjQ

([18]) وخص الضابطة العدلية أو المفوضين بمهامها باستقصاء الجرائم المنصوص عليها في بعض المواد من قانون العقوبات وجمع أدلتها والاستماع إلى المشتبه بهم فيها على ألا تتجاوز مدة التحفظ عليهم سبعة أيام قابلة للتجديد من النائب العام وفقاً لمعطيات كل ملف على حدة وعلى ألا تزيد هذه المدة على ستين يوماً.

([19]) "المرسوم التشريعي 4 لعام 2012"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 02/01/2012 ، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3JPBZrF

([20]) "إقرار قطع الحساب الختامي لموازنتي 2019 و2020"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 23/10/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3ycroEP

([21]) "إقرار قطع الحساب الختامي لموازنتي 2021 و2022"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 13/12/2023، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3QAZ4Ca

([22])"رفع رواتب أصحاب المناصب الرفيعة في سوريا"، سبوتنيك عربي، تاريخ النشر: 20/08/2023، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3UwwiUL

التصنيف أوراق بحثية

أصدر بشار الأسد في 11 آب/أغسطس 2024 مرسوماً يقضي بدعوة مجلس الشعب الجديد للانعقاد لأول مرة في يوم الأربعاء (اليوم) 21/08/2024. ويبدو جليّاً أن الأسد تقصّد دعوته لمجلس الشعب في هذا التاريخ بالذات، حيث يتزامن مع ذكرى مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية التي ارتكبها الأسد ونظامه في صبيحة يوم الأربعاء الموافق لـ 21/08/2013، والتي راح ضحيتها 1429 شخصاً، منهم 426 طفلاً.

إن دعوة الأسد لانعقاد المجلس تحمل رسالة رمزية تقول: "قُمت بما قُمت به، ولن أُحاسب، بل سأتلقى التصفيق الحار على ما قمت به في نفس اليوم تحديداً منذ 11 عاماً، وعلى ما قمت به أيضاً على مدار السنوات الماضية". وهنا يؤكد الأسد إصراره على الجريمة التي ارتكبها بالإضافة إلى سلسلة الجرائم والانتهاكات الطويلة بحق الشعب السوري. كما أن مجرد وقوفه على منصة المجلس بعد كل هذه السنوات يؤكد ضعف المنظومة الدولية في جلبه للعدالة وإخضاعه للمحاسبة، حيث اكتفت تلك المنظومة بمصادرة سلاح الجريمة فقط.

عدالة مشوّهة: مصادرة سلاح الجريمة وإطلاق سراح المجرم

بعد أقل من شهر من هجوم الغوطة الكيميائي، وافق بشار الأسد في أيلول/سبتمبر 2013 على الانضمام إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية تحت تهديد الولايات المتحدة بإسقاط نظامه بسبب هذا الهجوم. جاءت هذه الموافقة بعد مبادرة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفقاً لبيان وزارة الخارجية الروسية، التي دعت إلى انضمام سورية الفوري إلى الاتفاقية، ووضع مخزونها من الأسلحة الكيميائية تحت الرقابة الدولية بهدف تصفيتها، لتجنب تدخل عسكري خارجي محتمل في الصراع السوري.

لاحقاً، أسفرت المباحثات الروسية-الأمريكية في جنيف السويسرية عن التوصل إلى اتفاق إطار بهذا الشأن، تم تعزيزه بقرار المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118، الذي نص على خطة غير مسبوقة لنقل المكونات الرئيسية للأسلحة الكيميائية السورية وتصفيتها في الخارج.

 المرسوم التشريعي 61 لعام 2013: الذي يقضي بالموافقة على الانضمام إلى اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة الكيميائية وتدمير تلك الأسلحة

استمرت عملية تدمير المخزون الذي سلمه بشار الأسد لعدة أشهر وانتهت في شهر آب/أغسطس من عام 2014. ولكن نظام الأسد لم يكتفِ بإعادة بناء مخزونه من جديد، بل أعاد استخدام غاز السارين في الهجوم الكيميائي على مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي صباح 4 نيسان/أبريل 2017، الذي كان مطابقاً للمخزون الذي تم تدميره سابقاً. حيث أسفر الهجوم الجوي على المدينة عن مقتل 100 شخص وإصابة ما لا يقل عن 400 آخرين، كما كرر هجومه الكيميائي على الغوطة الشرقية في 7 نيسان/أبريل 2018 أثناء الحملة العسكرية للسيطرة على المنطقة، وهو ما يؤكد بأن الأسد قد انتهك بشكل متكرر اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية التي كان قد وافق على الانضمام إليها سابقاً.

أثبتت السنوات الماضية أن الأسد لم ولن يتوانى عن استخدام أي سلاح ضد ثورة الشعب السوري، وهو ما خبِره السوريون بشكل جدي تماماً. ولكن المفارقة أن عدداً كبيراً من الدول التي نادت بإسقاط نظامه قد تراجعت عن مطالباتها لتتحول نحو التطبيع معه، مما يشكل علامة فارقة في القضية السورية ككل.

التطبيع مع الأسد: رهان خاسر ومخاطر مستمرة

يثير مسار التطبيع واستئناف العلاقات مع نظام الأسد تساؤلات خطيرة حول التزام الدول والمجتمع الدولي عموماً بالمبادئ الإنسانية والعدالة الدولية. ويحمل التطبيع مع هذا النظام في طياته أخطار جسيمة ليس فقط على المستوى الأخلاقي والسياسي، ولكن أيضاً على الصعيد الأمني الدولي، خصوصاً أن حادثة هجوم الكيميائي ليست حادثة منفصلة بحد ذاتها، فقد شهدت الساحة السورية استخداماً واسع النطاق للأسلحة الكيميائية من قبل النظام ضد المدنيين.

كما أن أحد أبرز المخاطر المرتبطة بالتطبيع مع نظام الأسد هو إعطاء الضوء الأخضر لاستخدام الأسلحة الكيميائية دون عقاب حول العالم. إن مجرد فكرة الإفلات من العقاب قد تشجع دولاً أو ديكتاتوريات أخرى على تبني سلوك مشابه، ليس بالضرورة أن يكون السلاح الكيميائي هو أداة الجريمة، ولكن النهج باستخدام العنف ضد المدنيين عموماً يمكن أن يمر دون عقاب إذا توافرت الظروف السياسية المناسبة. ولكن القتل يبقى قتلاً سواء أكان بالأسلحة الكيميائية أو التقليدية.

من الناحية الأمنية، يُعد التطبيع مع الأسد تهديداً للاستقرار الإقليمي على المستوى البعيد. هذا الوضع يفاقم تعقيد الصراعات الإقليمية ويزيد من فرص اندلاع نزاعات جديدة عبر توليد دائرة العنف مستقبلاً. كما أن استمرار النظام السوري في الحكم يمكن أن يؤدي إلى تعزيز وانتشار الأسلحة الكيميائية ووصولها إلى حلفائه في إيران وحزب الله.

علاوة على ذلك، يمثل التطبيع مع نظام الأسد تهديداً لجهود مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل. وبقاء النظام في السلطة دون محاسبة قد يقوض المعاهدات الدولية مثل اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، ويضعف آليات الرقابة الدولية، مما يجعل من الصعب فرض عقوبات أو إجراءات ضد الدول أو الكيانات التي تنتهك هذه المعاهدات.

أما من ناحية أخلاقية، يرسل التطبيع مع نظام الأسد رسالة خاطئة إلى الضحايا السوريين وذويهم عموماً، وإلى ضحايا الهجمات الكيميائية خصوصاً. حيث يمثل هذا التطبيع تجاهلاً لمعاناتهم وللجرائم التي ارتكبت بحقهم، مما يقلل من أهمية العدالة والمساءلة في العلاقات الدولية. إذ لا يمكن العودة إلى العمل كالمعتاد مع نظام ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

إن الاعتقاد بأن الأسد يمكن إصلاحه أو إصلاح نظامه بالحالة التي هو عليها اعتقاد خاطئ تماماً، ولا يمكن التعويل عليه. وستصطدم رغبات الدول بعنجهية النظام التي طالما تعامل بها مع الآخرين. فقد أثبتت السنوات الطويلة أن نظام الأسد يتعامل مع الدول بسياسة الصبر الاستراتيجي ليقتل أي ملف من شأنه أن يشكل تهديداً له.

رسائل مزدوجة للداخل والخارج: "لست نادماً"

بحسب المادة 64 من دستور 2012، كان يمكن لبشار الأسد أن يدعو مجلس الشعب الجديد للانعقاد في أي يوم آخر غير اليوم الذي يصادف ذكرى أليمة في الذاكرة الجمعية لملايين السوريين. ولكن إصراره على هذا اليوم برمزية يوم الأربعاء الحادي والعشرين من شهر آب يمثل استهتاراً بمشاعرهم. وهي في ذات الوقت تحمل رسالة بأنه مستعد لتكرار ما فعله دون أي ندم أو شعور بالذنب.

كما أن هذا الإصرار يحمل في طياته دلالات متعددة على المستويات الداخلية والخارجية. داخلياً وبالنسبة للبيئة الموالية له، يعكس هذا الإصرار رسالة مفادها أن الأسد باقٍ في السلطة، وأنه غير مكترث بالانتقادات الدولية أو المعارضة الداخلية. كما أنه يظهر كـ "رئيس" غير خاضع للمساءلة، لا يشعر بأي خجل من الماضي، بل يراه جزءاً من نجاحاته في بقاء النظام في مواجهة التحديات و"المؤامرة الكونية" التي ادعى أنه يتعرض لها.

أما بالنسبة للمعارضين، فإن اختيار هذا التاريخ بالتحديد يبعث برسالة استفزازية، تؤكد أن الأسد ونظامه لا يزال متمسكاً بنهجه القمعي والوحشي، وبأنه مستعد لتكرار استخدام نفس الأساليب العنيفة إذا لزم الأمر. ويقصد من هذا الاختيار تعميق الجراح ومفاقمة حالة اليأس لدى الكثيرين الذين كانوا يأملون في تحقيق العدالة والمحاسبة على الجرائم المرتكبة بحقهم وحق ذويهم.

أما على المستوى الخارجي، فإن هذه الدعوة في ذكرى المجزرة توجه رسالة مزدوجة. للدول التي تطبع معه، يظهر الأسد كمن يفرض شروطه ويتصرف بلا مبالاة تجاه القوانين والأعراف الدولية، مما يضع هذه الدول في موقف محرج ويجعلها تبدو وكأنها تتغاضى عن هذه الجرائم الفظيعة. أما الدول التي ما زالت ترفض التطبيع معه، فيمثل هذا التصرف تحدياً مباشراً لها. إذ يظهر الأسد كمن يستهين بمطالبها ويستمر في سياساته دون اعتبار للعواقب، وحتى هذه الدول الرافضة للتطبيع معه وعلى رأسها الولايات المتحدة وبعض الدول الأوربية كانت أقصى مطالبها هو تغيير نهج النظام لا إسقاطه.

في النهاية، يمثل هذا الإصرار تحدياً للعدالة الدولية وللضمير الإنساني، ويعكس بشكل واضح أن نظام الأسد غير مستعد للتنازل أو التراجع عن سياساته القمعية. إن مرور 11 عاماً على المجزرة دون محاسبة جدية يعزز شعور الأسد بالحصانة ويجعله أكثر جرأة في تحدي المجتمع الدولي في فرض شروطه المستقبلية، خصوصاً بما يتعلق بعودة اللاجئين. مما يضع الجميع أمام مسؤولية تاريخية في مواجهة هذا التحدي والعمل على منع تكرار مثل هذه الجرائم في المستقبل.

 المصدر: تلفزيون سوريا، اضغط هنا

 

التصنيف مقالات الرأي
الثلاثاء, 04 كانون2/يناير 2022 14:48

ديكتاتور سوريا "القانوني"

أدَّت الأحداث المستمرة في سوريا منذ عام 2011 إلى خلق حالة من التشظي في القطاع الدفاعي وانهيار حدود الدولة، رافق ذلك نشوء جماعات راديكالية وميليشيات طائفية عابرة للحدود، بالإضافة إلى انقسام المجتمع بالتوازي مع وضع إنساني متردي، وتهجير أكثر من 10 ملايين إنسان داخليًّا وخارجيًّا نتيجة عمليات النظام العسكرية، وقد قاد ذلك في نهاية الأمر إلى ضياع السيادة الوطنية تحت الضغوط الخارجية والتنازلات التي تمَّ تقديمها من قِبَل قيادة النظام لكلٍّ من روسيا وإيران في صالح بقائها في سدَّة الحكم.

على الرغم من الأحداث الجسام التي مرت بها سوريا، والتي كان القطاع الدفاعي فيها هو الأكثر نشاطًا وإن اختلفت فعاليته، فإن المؤسسات المدنية قد بقيت ضمن حدود تدخلاتها الدنيا كما هو الحال قبل عام 2011، في مقابل صلاحيات كبرى ممنوحة دستوريًّا لرئيس الجمهورية، حيث فشلت هذه المؤسسات في الحفاظ على سوريا “البلد” خلف “القيادة الحكيمة” كما تدَّعي، في مقابل نجاحها في دعم نظام الحكم القائم.

مع العلم أن بشار الأسد لديه -أسوةً بأبيه من قبله- صلاحيات دستورية وقانونية واسعة في مختلف قطاعات الدولة (المدنية والعسكرية)، وقد أسهمت هذه الصلاحيات في تمكُّنه من التحكُّم بالدولة كيف شاء، ووطَّدت في الوقت ذاته ديكتاتورية النظام القائمة أساسًا على الرعب والخوف.

لن نتحدَّث هنا عن جرائم النظام في حق الشعب السوري، فهي معروفة للجميع، بل سنسلِّط الضوء قليلًا على بعض الأدوات الدستورية والقانونية المتعلِّقة بالقطاع الدفاعي التي يستخدمها نظام الأسد في توطيد ديكتاتوريته.

 الدستور

 

في عام 2012، تمَّ إقرار دستور جديد وُضِعت مواده على أساس الدستور السابق 1974، وذلك ضمن حزمة “إصلاحات” مفترضة كان من شأنها تخفيف حالة الاحتقان الشعبي، إلا أن الدستور الذي جاء في ست عشرة صفحة وبمواد مقتضبة، لم يتأخر فحسب، بل لم يلبِّ مطالب الشعب السوري التي وصلت إلى حدِّ المطالبة بإسقاط النظام ورموزه، فقد تطوَّرت الأمور مع الوقت إلى مواجهة مسلحة بين قوات النظام والشعب السوري، وذلك بالتزامن مع حالات انشقاق في صفوف الجيش والشرطة.

لقد منح دستور 2012 رئيسَ الجمهورية صلاحياتٍ واسعة في السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية) قوَّضت الطموح إلى الوصول لدولة مؤسسات، خاصةً أن الدستور لم يذهب عميقًا في تفصيل مواده، مما سمح بإفساح المجال أمام مشرعي “النظام” لتفسير تلك المواد بالطريقة التي تناسب احتياجاتهم ورغباتهم، وأسندت أهم قطاعات الدولة إلى قوانين كان يتمُّ استصدارها بمراسيم تشريعية من رئيس الجمهورية بناءً على صلاحياته التشريعية.

وقد نصَّ الدستور على أن رئيس الجمهورية هو القائد العام للجيش والقوات المسلحة، كما منحه سلطة إعلان الحرب والتعبئة العامة وعقد الصلح بعد موافقة مجلس الشعب، أما في حالة الطوارئ فقد منحه سلطة إعلانها أو إلغائها عبر مرسوم يُتَّخذ في مجلس الوزراء المنعقد برئاسته، كما منحه حقَّ تعيين الموظفين المدنيين والعسكريين وإنهاء خدماتهم.

يضاف إلى ذلك عدد كبير من المواد الدستورية الأخرى التي تمنح الأسد صلاحياتٍ مطلقة تمكِّنه من إدارة الدولة بالشكل الذي يريده.

قانون الخدمة العسكرية

 

وهو القانون الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 18 لعام 2003 وتعديلاته. يُنظم القانون المسائل المتعلِّقة بخدمة العسكريين في الجيش من الضباط وضباط الصف والأفراد المتطوعين، وكذلك شروط الترقية والرواتب والإعارة…إلخ، كما يحدِّد الهيكلية العامة للجيش والقوات المسلحة وتكوينها، ويحدِّد مهام مجلس الدفاع العسكري الذي يرأسه بشار الأسد، التي تتمثَّل في كلٍّ من: العقيدة القتالية، وحجم الجيش وتنظيمه وتمركزه وتسليحه وتجهيزه وتدريبه، ومشاريع القوانين والأنظمة المتعلِّقة بالقوات المسلحة، ودراسة القضايا المهمَّة المتعلِّقة بالجيش والقوات المسلحة، وهذه المهام التي يقوم بها مجلس الدفاع العسكري تلعب دورًا أساسيًّا في تكوين ماهية الجيش وأساس وجوده وفعاليته وهدفه، وبقيت حكرًا على العسكريين فقط دون أن يكون هناك أيُّ دور أو تمثيل مدني.

وقد منح القانون أيضًا للقائد العام سلطةَ إنشاء أو إلغاء أو تنظيم أو تعديل أجهزة القيادة العامة وتحديد سلطاتها واختصاصاتها وأملاكها، وذلك دون الرجوع لأحد، سواء من القيادة العامة أو حتى من خارجها، كما للقائد العام الحق في تعيين الوظائف الكبرى في الجيش، كنواب القائد العام ورئيس هيئة أركان الجيش والقوات المسلحة، بناءً عن مرسوم صادر عنه.

بشكل عام، لقد عزَّز هذا القانون السلطةَ العسكرية المطلقة داخل المؤسسة العسكرية بعيدًا عن أيِّ تدخل من قِبَل المؤسسات المدنية في كيفية إدارة القطاع الدفاعي أو تشكيله في سوريا.

قانون خدمة العَلم

 

وهو القانون الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 30 لعام 2007 وتعديلاته، ويتضمَّن هذا القانون الأحكام والقواعد والنُّظم الخاصة بخدمة العلم الإلزامية والاحتياطية والواجبات والحقوق في الجيش، وخصَّ القائد العام نفسه بعدد من الصلاحيات، مع تفويض بعضها للقيادة العامة، وأجاز القانون للقائد العام بمرسوم يصدر عنه إعارة المجندين (المدنيين أصلًا) إلى إحدى الجهات الحكومية العربية والأجنبية، دون العودة إلى أحد، وغيرها الكثير من المواد التي تسمح له بالتحكُّم في كل شيء.

على صعيد آخر، عانى القانون في بعض مواده من ثغراتٍ فتحت الباب أمام شبكات فساد من أعلى المستويات إلى أدناها، وقد وصل الأمر في النهاية إلى تعديلها بناءً على توجيهات روسية، كما تُركت هذه الشريحة (المجندون الإلزاميون) فريسةً لحاجات قيادة النظام في تغطية النقص البشري الحاصل في الجيش، والتي أبقتهم في الخدمة عدَّة سنوات دون حتى أن يُسمح لمجلس الشعب بالنظر في إمكانية إنهاء خدمتهم العسكرية، مع العلم أن الخدمة الإلزامية يُفترض أن تكون مدَّتُها 18 شهرًا بعد أن كانت 24 شهرًا، بناءً على المرسوم التشريعي رقم 35 بتاريخ 19 آذار/ مارس 2011 الذي حاول به بشار الأسد استمالة المُكلَّفين بالخدمة العسكرية بعد بدء الأحداث في سوريا بعدَّة أيام فقط.

وبشكل عام، يلاحظ في قانون خدمة العلم غياب أُطر المراقبة البرلمانية من قِبَل مجلس الشعب على سير وتنظيم عملية خدمة العلم، واقتصار عمل لجنة الأمن الوطني في مجلس الشعب على إجراء لقاءات ومناقشة أمور بعيدة عن جوهر عملها الذي يُفترض بها أن تقوم به.

العلاقة مع المؤسسات المدنية

 

يملك مجلس الشعب -بحسب نظامه الداخلي– حقَّ التصديق على مشروعات المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي أبرمها أو التي عقدها مجلس الوزراء والتي تتعلَّق بسلامة الدولة، وهي معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلَّق بحقوق السيادة (المادة 163)، وللمجلس الموافقة عليها أو رفضها (المادة 164).

للوهلة الأولى، يبدو فعلًا أن مجلس الشعب ومجلس الوزراء يملكان صلاحياتٍ جيدة تمكِّنهما من إدارة أهم الخطوات بما يتعلَّق بالقطاع الدفاعي، إلا أن الشياطين تكْمُن في التفاصيل، خاصةً أن كافة قوانين القطاع الدفاعي قد صدرت بمراسيم تشريعية ولم تصدر عن مجلس الشعب أساسًا، حيث منحت تلك القوانين صلاحياتٍ مطلقة للقائد العام، وضيَّقت المجال أمام علاقات مدنية عسكرية متوازنة.

خاتمة

تنسحب صلاحيات الرئيس/ القائد العام على بقية القوانين المتعلِّقة بالقطاع الدفاعي في سوريا، وقد سمحت تلك الصلاحيات الممنوحة له بالتحكُّم في القطاع الدفاعي بالشكل الذي يريده هو لا بالشكل الذي يضمن مصلحة البلاد العليا، ناهيك عن عدم السماح لمجلس الشعب بمناقشة قضايا “أساسية” تتعلَّق بالجيش بشكل خاص وبالقطاع الدفاعي بشكل عام، واقتصرت بعض التعديلات التي قادها مجلس الشعب على تصحيح رتوش في تلك القوانين، أو العمل على مشاريع قوانين من شأنها تعزيز السلطة الحاكمة، والإيهام بأن هذه القوانين قد صدرت فعلًا عن “ممثلي الشعب”.

 

يرتكز بشار الأسد في ديكتاتوريته على عدَّة قطاعات رئيسة هي: عسكرية يتحكَّم بها وموالية له في العصبية الطائفية، ومدنية تعتمد على حزب البعث ومجردة من الصلاحيات، وأمنية قوية تضبط كافة القطاعات الأخرى وتدير عملها. وليس هذا الارتكاز حديث العهد، بل يعود إلى سبعينيات القرن الماضي بعد استيلاء حافظ الأسد على السلطة في عام 1970.

بالرغم مما سبق، يُعَدُّ رئيس الجمهورية -بشار الأسد- بحسب ما نصَّت عليه المادة 117 من الدستور: غيرَ مسؤول عن الأعمال التي يقوم بها في مباشرة مهامه إلا في حالة الخيانة العظمى، وتُوجَّه له التهمة عبر مجلس الشعب الذي يسيطر عليه بشكل مطلق، مع العلم أن الخيانة العظمى لم يتم تحديد ما هي، لا في الدستور ولا في أيِّ قانون آخر.

 

المصدر: منتدى الشرق للأبحاث الاستراتيجية؛ https://bit.ly/3sWdhi4

التصنيف مقالات الرأي
السبت, 31 تشرين1/أكتوير 2020 13:03

محسن المصطفى | الانتخابات السورية

بتاريخ 28 تشرين الأول 2020 وفي لقاء مع اذاعة وطن اف أم، وعبر بودكاست وطن، شارك الباحث المساعد في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية محسن المصطفى في حلقة بعنوان "الانتخابات السورية"، حيث تم الحديث عن الانتخابات المزيفة التي يقوم بها نظام الأسد، كما تم مناقشة نتائج الورقة التي أصدرها مركز عمران بعنوان "ديمقراطية البعث. انتخابات 2020 ومقاربات تكريس المادة الثامنة" بالإضافة لموضوع الانتخابات الرئاسية المقبلة، ومقاربة هذه الورقة مع ورقة مراكز القوة في جيش النظام 2020: "نهج الصفاء العلوّي" والربط بين نتائجهما.

رابط بودكاست وطن: https://bit.ly/2HK0HgD

ديمقراطية البعث. انتخابات 2020 ومقاربات تكريس المادة الثامنة: https://bit.ly/2IJPtsJ

الملخص التنفيذي

  • من أصل 250 عضو في مجلس الشعب يملك حزب البعث 166 مقعداً بنسبة 66.4% في المجلس، كما تملك بقية أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية 17 مقعداً بنسبة 6.8%، أما المستقلون يملكون 67 مقعداً بنسبة 26.8%.
  • زاد مستوى تمثيل حزب البعث الحاكم على مدار الأدوار التشريعية السابقة بشكل مطّرد منذ توريث السلطة لبشار الأسد، وذلك على حساب بقية أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية والمستقلين.
  • إن مشاركة الأحزاب السياسية خارج منظومة الجبهة الوطنية التقديمة معدومة، ولا يوجد ممثل رسمي واحد لهذه الأحزاب في المجلس، علماً أن بعض منتسبيها دخلوا المجلس كمستقلين.
  • دخل مجلس الشعب 21 عضو من رجال الأعمال؛ 26 عضو من قادة الميليشيات وممثليها؛ 40 عضو من الشبكات؛ 18 عضو من متقاعدي وزارتي الدفاع والداخلية؛ 11 عضو من أعضاء اللجنة الدستورية.
  • يكرر مجلس الشعب نفسه بنسبة 45.6%، إذ أعيد انتخاب 114 عضو في مجلس الشعب للمرة الثانية على الأقل، وبعض الأعضاء يشغلون مقعداّ في المجلس منذ خمسة أدوار تشريعية.
  • شارك عناصر الجيش والقوات المسلحة في الانتخابات التشريعية بشكل واسع ولأول مرة.
  • الحكومة الجديدة أكثر من نصفها من الحكومة السابقة، كما يسيطر حزب البعث عليها بنسبة 83.3% بـ 25 وزيراً، كما يسيطر الحزب على كافة الوزارات السيادية.
  • لا يملك رئيس مجلس الوزراء من الأمر شيئاً، حيث أن بشار الأسد هو من يقوم بتعين الوزراء ومعاونيهم.
  • يكرّس حزب البعث نفسه كقائد للدولة والمجتمع، وإن إلغاء المادة الثامنة من الدستور هو إلغاء صوّري.

في ظل الاستعصاء الممنهج الذي اتبعه النظام وحلفائه في تعطيل مسار العملية السياسية لصالح الحل الصفري، شهدت مناطق سيطرة النظام السوري بتاريخ 19 تموز/ يوليو 2020 إجراء انتخابات تشريعية، لاختيار /250/ عضواً لمجلس الشعب من بين /1658/ مرشح نهائي،[1] تلاه أيضاً تشكيل حكومة جديدة، خلفاً لحكومة تسيير الأعمال التي ترأسها حسين عرنوس خلفاً لعماد خميس، ولكن التساؤل الأساسي، هل فعلاً ألغيت المادة الثامنة من الدستور ولم يعدّ حزب البعث العربي الاشتراكي الحزب القائد للدولة والمجتمع؟ وللإجابة على هذا التساؤل نستعرض نتائج تلك الهندسة لنقارنها مع المنهجية المتبعّة منذ تولي البعث السلطة في سورية.

انتخابات "مجلس الشعب": خديعة التمثيل

بعد تأجيلها لمرتين متتاليتين بسبب جائحة كورونا، تم إجراء انتخابات أعضاء مجلس الشعب، ليتم لاحقاً إعلان أسماء الناجحين بعضوية المجلس بالمرسوم رقم /208/ لعام 2020،[2] حيث تضمنت قائمة الناجحين أسماء /166/ عضو عن حزب البعث الحاكم بنسبة 66.4% و/17/ عضو يمثلون أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية (عدا حزب البعث) بنسبة 6.8%، أما المستقلين فقد بلغ عددهم /67/ عضو بنسبة 26.8%، علماً أن من بين هؤلاء الأعضاء هناك /114/  عضو يتواجدون في المجلس للمرة الثانية على الأقل، أي أن المجلس يكرر نفسه بنسبة 45.6%، حيث يتوزع أعضاء مجلس الشعب على الدوائر الانتخابية تبعاً للمحافظات والانتماء السياسي كما يلي:

 

على الرغم من إلغاء المادة الثامنة "حزب البعث هو الحزب القائد للمجتمع والدولة " في دستور 2012،[3] إلا أن نسبة تمثيل حزب البعث الحاكم في مجلس الشعب ازادت بشكل مطّرد على مدار الأدوار التشريعية السابقة منذ عام 2003،على حساب تمثيل أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية وقائمة المستقلين، حيث بلغت نسبة تمثيل حزب البعث 66.4 % أي نسبة ثلثي أعضاء مجلس الشعب، أما المستقلون فهم على الأغلب إما رجال أعمال أو قادة ميليشيات أو من الشبكات المرتبطة بالأجهزة الأمنية والميليشيات، وسبق أن تمّت تزكيتهم من قبل أجهزة الاستخبارات.

 

ضمن تلك النسب، وبافتراض أن الأعضاء المستقلون هم كتلة واحدة وغير متحزبة، فإن نسبتهم البالغة 26.8% لا تمكنهم بأن يكونوا كُتلة فاعلة، إذْ يكفي المجلس بحسب المادة 122 من نظامه الداخلي،[4] موافقة الأغلبية المطلقة لعدد أعضاءه الحاضرين على أي تصويت بشرط ألا يقل عدد الموافقين عن ثلث أعضاء المجلس، وبالتالي لا يمكن للمستقلين تمرير أي شيء بمجلس الشعب كون نصابهم لا يحقق الثلث، بالطبع يستثنى من ذلك بعض المواد التي حدد لها الدستور نصاباً معيناً، على سبيل المثال: إن اقتراح اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى يحتاج لثلث أعضاء المجلس على الأقل وهي نسبة غير متوفرة للمستقلين، ناهيك عن طلب اتهامه الذي يحتاج لموافقة أغلبية ثلثي أعضاء المجلس (وهي نسبة مضمونة بيد حزب البعث الحاكم ولا يمكن لهم التصويت ضد الأمين العام للحزب) لتتم محاكمته أمام المحكمة الدستورية العليا، فضلاً على أن رئيس الجمهورية غير مسؤول عن الأعمال التي يقوم بها في مباشرة مهامه إلا في حالة الخيانة العظمى بحسب المادة /117/ من الدستور، بالإضافة إلا أن رئيس الجمهورية هو من يُسمي أعضاء المحكمة الدستورية بحسب المادة /141/ من الدستور، مع العلم بأن "الخيانة العظمى" لم تُعرف أصلاً  لا في الدستور ولا في أي قانون.

 

اللافت أيضاً في هذه الانتخابات، مشاركة عسكريي الجيش والقوات المسلحة لأول مرة وبشكل واسع،([1]) علماً أنه لم يسبق أن شارك العسكريون في انتخابات مجلس الشعب أو الإدارة المحلية بالرغم من أن تعديل قانون الانتخابات العامة في شباط/ فبراير 2016 قد أتاح لهم حق الانتخاب،([2]) مع استمرار وقف حق الترشح طيلة وجودهم في الخدمة، وتم بالفعل إجراء انتخابات تشريعية في نيسان/أبريل 2016، وانتخابات إدارة محلية في أيلول/ سبتمبر 2018، بالطبع لم يذكر القانون الانتخابات الرئاسية والتي يسمح للعسكريين الترشح والانتخاب فيها، لتكون متوافقة مع شخص بشار الأسد "العسكري"، وتأتي خطوة مشاركة العسكريين من أجل زيادة نسبة المشاركة في الانتخابات وزيادة الأصوات الانتخابية في صالح مرشحي حزب البعث الذي ينتسب إليه معظم أفراد قوات النظام.

 

تحت قبّة المجلس: داعمو "الإرهاب"

عبر نظرة معمّقة على أعضاء مجلس الشعب "المنتخبين" وخلفياتهم،([3]) يتبين أن هناك: /21/ عضو من رجال الأعمال الذين يُشكل بعضهم واجهات تجارية تساعد النظام في التهرب من العقوبات الأمريكية والأوربية،([4]) وبعضهم على لائحة العقوبات بالفعل، /7/ أعضاء منهم ينتسبون لحزب البعث الحاكم و/14/ عضو من المستقلين، علماً أن هناك عدد منهم قادة ميليشيات موالية للنظام، وهم

 

أما الأعضاء الذين لديهم ميليشيات موالية أو يمثلونها، فقد بلغ عددهم /26/ عضو، منهم /13/ عضو ينتسبون لحزب البعث الحاكم، و/13/ عضو من المستقلين، حيث تنوّعت تلك الميليشيات التي يقودها أو يمثلها هؤلاء بين تلك المرتبطة بإيران أو روسيا أو تلك المحسوبة على أجهزة الاستخبارات العسكرية أو الجوية، والأعضاء هم:

 أما أعضاء مجلس الشعب من الشبكات المدنية المرتبطة بالميليشيات والأجهزة الأمنية،[11] فقد وصل لــ /40/ عضو في المجلس، /19/ منهم ينتسبون لحزب البعث، و/2/ من أحزاب الجبهة الوطنية، و/11/ عضو من المستقلين، علماً أن هناك اثنان من هذه القائمة تدور حولهم شبهات بتجارة المخدرات وعمليات التهريب، وهم:

اللافت في هذه الانتخابات أيضاً، ارتفاع مستوى تمثيل أعضاء مجلس الشعب من الضباط المتقاعدين، ممن سبق لهم الخدمة في وزارتي الدفاع أو الداخلية، وذلك بالمقارنة بالأدوار التشريعية السابقة، حيث وصل /18/ عضو للمجلس، /17/ منهم ضباط متقاعدون، سبق لـ /10/ منهم الخدمة في جيش النظام، /9/ منهم ينتسبون لحزب البعث وعضو واحد ينتسب لحزب العهد الوطني، و/8/ آخرين خدموا في سلك الشرطة، /7/ منهم ضباط متقاعدون، أما العضو المستقل الأخير فهو مطرود من شعبة الأمن السياسي، ولكنه عضو في مجلس الشعب لخمسة أدوار تشريعية:

كما احتفظ أيضاً /11/ عضو من أعضاء اللجنة الدستورية عن النظام السوري بمقاعدهم في مجلس الشعب، /9/ منهم من أعضاء حزب البعث الحاكم، وواحد عن أحد أحزاب الجبهة الوطنية، والعضو الأخير مستقل، وتأتي إعادة ترشيحهم من أجل إرساء المزيد من "الشرعية" باعتبار أنهم أعضاء في مجلس الشعب، وهم:

وعلى ضوء ما سبق، يصبح توزع الأعضاء المرتبطين بالفئات السابقة على الشكل التالي:[12]

حكومة جديدة قديمة

بتاريخ 11 حزيران/ يونيو 2020 أصدر بشار الأسد المرسوم /143/ القاضي بإعفاء عماد خميس من منصبه كرئيس لمجلس الوزراء، وتكليف حسين عرنوس بمهام رئيس مجلس الوزراء ريثما تتم انتخابات أعضاء مجلس الشعب،[13] بحكم أن الوزارة تعتبر مستقيلة دستورياً عند انتخاب مجلس شعب جديد، لاحقاً بعد صدور نتائج الانتخابات، قام بشار الأسد بإصدار المرسوم /210/ القاضي بتكليف عرنوس بتشكيل الحكومة،[14] ليعود ليصدر بعد أيام فقط المرسوم /221/ القاضي بتشكيل الحكومة والإعلان عن أسماء الوزراء البالغ عددهم 30 مع رئيس مجلس الوزراء.[15]

بلغت عدد الوزراء عن حزب البعث الحاكم /25/ وزير بنسبة /83.3/ % بعضهم أعضاء في القيادة المركزية واللجنة المركزية للحزب، في حين الوزراء الباقين وعددهم /5/ بنسبة /16.7/ % هم أعضاء من أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية أو وزراء مستقلين، كما أن /53/ % من وزراء الحكومة الجديدة هم من وزراء الحكومة السابقة بما فيها الوزارات السيادية كالخارجية والدفاع والداخلية.[16]

بالرغم من أن الأسد كلّف حسين عرنوس بتشكيل الحكومة، إلا أن الأخير لا يملك من الأمر شيء ولا يحق له أصلاً تسمية أحد للوزارة، فـ"رئيس الجمهورية "يتولى تسمية رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم وقبول استقالتهم وإعفاءهم من مناصبهم"، بحسب المادة /77/ من الدستور، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد فـ"رئيس الجمهورية يضع السياسة العامة للدولة ويشرف على تنفيذها في اجتماع مع مجلس الوزراء برئاسته"، كما أنه "يُعين الموظفين المدنيين والعسكريين وينهي خدماتهم وفقاً للقانون"، بحسب المادتين /98/ و/106/ من الدستور على التوالي.[17]

إن فشل السياسات الذي يُلقى على كاهل الحكومات والوزارات وأشخاص من يمثلونها، في كل أزمة تمر بها البلاد، في الواقع هو هروب مقصود لرأس النظام من تحمل المسؤولية، وإلقائها على عاتق "الحكومات" التي تعتبر موظفة في القصر الجمهوري وشريكته في الفساد ، ولا يجب أن يتم إلقاء اللوم على رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء، فرأس الهرم هو المسؤول والحزب الذي يفرض نفسه على الدولة والمجتمع مسؤول كذلك، أما المواطنين المتبقين في مناطق سيطرة النظام، لا يملكون من حق الاختيار شيء، وهم مجبرون على المشاركة في انتخابات مزيفة تفضي لديمقراطية مزيفة.

ختاماً

إن كل ما سبق، يظهر جزءً يسيراً من تركّز السُلطة بيد شخص واحد فقط، يملك كافة الصلاحيات، إلا أنه بذات الوقت غير مسؤول دستورياً، كما يظهر بذات الوقت استمرار اختراق حزب البعث لمؤسسات الدولة وعلى كافة المستويات، وأن إلغاء المادة الثامنة من الدستور ما هو إلى إلغاء صوّري لا أكثر، بل على العكس تماماً، فإن حزب البعث يكرّس ممارساته بقوة، فهو ممثل بنسبة 66.4 % من أعضاء مجلس الشعب، وكذلك 83.3% من وزراء الحكومة، وبالتالي ما زال يفرض نفسه كقائد للدولة والمجتمع.

إن الانتخابات والحكومة الأخيرة، تظهر بشكل جليّ السياسة التي يتبعها النظام، ففي حين يقول أنه تراجع عن قيادة الدولة والمجتمع، نجد أنه يقوم بلملمة قواعده بشكل أكبر، من أجل الاستحقاقات القادمة وعلى رأسها انتخابات رئاسة الجمهورية في العام القادم 2021، وحتى ولو أبصر الدستور المنبثق عن اللجنة الدستورية "المُعطلة" النور، فعلى الأكيد فإن الدستور الجديد سيُنتهك حاله حال من سبقه، وتبقى المشكلة الأساسية التطبيق لا النّص، أي أن نظام الأسد يقدم عملياً منهجه الرامي باستمرار احتكاره للسلطة صراحة وبكل وضوح، وبالتالي إبقاء باب الصراع مفتوحاً وتقويض فرص الحلّ السلمي.


 [1]  "عضو اللجنة القضائية للانتخابات: 1658 مرشحا يتنافسون على مقاعد مجلس الشعب السوري"، وكالة سبوتنيك، تاريخ 15/7/2020، رابط الكتروني https://bit.ly/3lzAHDd

[2] "بشار الأسد يصدر مرسوماً يتضمن أسماء الفائزين بعضوية مجلس الشعب للدور التشريعي الثالث"، وكالة سانا للأنباء، تاريخ 30/7/2020، رابط الكتروني https://bit.ly/2GSjTIT

[3] "دستور الجمهورية العربية السورية"، مجلس الشعب السوري، تاريخ، 7/7/2014، رابط إلكتروني https://bit.ly/2GHAsHy

[4] "النظام الداخلي لمجلس الشعب"، مجلس الشعب السوري، تاريخ 6/8/2017 رابط إلكتروني https://bit.ly/37aOlc7

[5] "قواتنا المسلحة تشارك في انتخابات مجلس الشعب لدوره التشريعي الثالث"، قناة وزارة الدفاع السورية على يوتيوب، 19/7/2020، رابط إلكتروني https://bit.ly/3dkq04i

[6] "القانون 8 لعام 2016 تعديل قانون الانتخابات العامة رقم 5 لعام 2014"، مجلس الشعب السوري، 23/2/2016، رابط إلكتروني https://bit.ly/3lGuLbI

[7] تم اعتماد هذه البيانات عبر رصد الباحث للانتخابات التشريعية، بالإضافة لمطابقة المعلومات الواردة فيها مع المعلومات التي نشرتها منظمة مع العدالة،
"أعداء الشعب السوري أعضاء مجلس الشعب السوري"، تاريخ 3/10/2020، رابط إلكتروني https://bit.ly/2GY2zlX

[8] يقصد برجال الأعمال إجرائياً وفق هذه الورقة: كبار التجار والصناعيين من أصحاب رؤوس الأموال والنشاط التجاري الواسع، الذين ساهموا بدعم النظام السوري وميليشياته والتهرب من العقوبات الأمريكية والأوربية، ولم يحتسب ضمنهم أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

[9] بالإضافة لأنه نجل رياض عباس سفير النظام السوري في الهند فهو زوج ابنة منصور عزام وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية.

[10] هي زوجة كمال محمود قائد فوج الحوارث في قوات النمر، الذي قام بتكريمه اللواء جميل الحسن مدير إدارة المخابرات الجوية السابق.

[11] ويقصد بالشبكات المدنية المرتبطة بالميليشيات والأجهزة الأمنية إجرائياً وفق هذه الورقة: الأعضاء المدنيين المرتبطين بمجموعات ذات أنشطة داعمة للأجهزة الأمنية والميليشيات.

[12] أحياناً يجتمع في صفة عضو مجلس الشعب بأن يكون رجل أعمال وقائد ميليشيا أو عضو لجنة دستورية أو ضباط سابق.

[13]  " الأسد يصدر مرسوماً بإعفاء رئيس مجلس الوزراء المهندس عماد خميس من منصبه وتكليف المهندس حسين عرنوس بمهام رئيس المجلس"، وكالة سانا للأنباء، تاريخ 11/6/2020، رابط إلكتروني https://bit.ly/36WZKMl

[14]"الأسد يصدر مرسوماً بتكليف المهندس حسين عرنوس تشكيل الوزارة"، وكالة سانا للأنباء، تاريخ 25/8/2020، رابط إلكتروني https://bit.ly/2T0BAZn

[15] "الأسد يصدر المرسوم رقم 221 لعام 2020 القاضي بتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة المهندس حسين عرنوس"، وكالة سانا للأنباء، تاريخ 30/8/2020، رابط إلكتروني https://bit.ly/36YwPaE

[16]  Karam Shaar," composition of syria's new government", Twitter, Date 30 September 2020, link https://bit.ly/34NCj5n

[17] الدستور، مصدر سابق.

التصنيف أوراق بحثية

بتاريخ 6 تشرين الأول 2020 وخلال مقابلته مع موقع السورية نت؛ أوضح الباحث في مركز عمران للراسات الاستراتيجية معن طلاع أن نظام الأسد فرض ثلاث شروط لانخراطه في العملية الدستورية كاعتبار مخرجاتها بمثابة مقترحات دستورية تعرض على مجلس الشعب والاستفتاء، وأن تبدأ العملية في جنيف ولكن تٌخرج من دمشق، إضافة الى عدم وجود إطار زمني محدد لعمل اللجنة الدستورية.

وأكد طلاع أن هذه الشروط جعلت استحقاق الدستور هو استحقاق حكومي أكثر مما هو استحقاق سياسي، وبالتالي فإن النظام أراد تعطيل كافة استحقاقات القرار 2254 والمضي باستحقاقاته بغية فرض واقع سياسي جديد يرتجي به الشرعنة والقبول الدولي.

المصدر السورية نت: https://bit.ly/36PVvlT

الأربعاء كانون1/ديسمبر 18
أطلق مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ومعهد السياسة و المجتمع، كتابه الجديد بعنوان: “حرب الشمال: شبكات المخدرات في سوريا، الاستجابة الأردنية وخيارات الإقليم”، ويحلل الكتاب ظاهرة شبكات تهريب المخدرات المنظمة في…
نُشرت في  الكتب 
الإثنين تموز/يوليو 22
المُلخَّص التنفيذي: قسَّمت الدراسة مبناها المنهجي وسياقها المعلوماتي والتحليلي إلى فصول ثلاثة، مثّل الفصل الأول منها: مدخلاً ومراجعة لتاريخ القبائل والعشائر في الجغرافية السورية بشكل عام وفي محافظتي حلب وإدلب…
نُشرت في  الكتب 
الأربعاء آب/أغسطس 23
يأتي نشر هذا الكتاب في وقت عصيب على سورية، خاصة في أعقاب الكارثة الطبيعية التي حلت بالبلاد، إضافة إلى الزلازل السياسية التي شهدها الشعب السوري منذ بداية الثورة السورية عام…
نُشرت في  الكتب 
يرى المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف، في تصريح صحفي لجريدة عنب…
الثلاثاء نيسان/أبريل 02
شارك الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية الأستاذ سامر الأحمد ضمن برنامج صباح سوريا الذي…
الأربعاء تشرين2/نوفمبر 29
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في فعاليات المنتدى الاقتصادي الخليجي…
الجمعة تشرين2/نوفمبر 24
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في رؤية تحليلية للحرب على…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 20